بسم1
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
أولاً : لا بد أن استعراض سيرة هذا النبي العظيم وسياقات ذكره في القرآن الكريم ، لا بد ان تكون حاضرة حين يراد فهم اسلوبه الدعوي ونفسيته الفريدة .
إن ابراهيم عليه السلام من أرأف الخلق بالناس ومن أكثرهم شفقة على بني آدم ، لذلك فإنه لا يتردد في الاستغفار لكل عاصٍ ولكل مذنب فهاهو عليه السلام في سورة هود ينافح ويدافع عن قوم لوط لعل وعسى يستطيع استنقاذهم ومنحهم فرصة للعودةوالتوبة ، فبعد أن زال الروع عنه وعلم مقصد الملائكة بعد أن بشروه بإسحق عليه السلام يقول تعالى:
(
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74)
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75)
يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) هود
وقد تلمس من اللغة القرآنية فخر الله بهذا الخليل العظيم ومحبته لهذا الخلق العظيم منه لأنه تمثل بأعظم صفة من صفات الله ألا وهي الرحمة والرأفة بالناس والشفقة عليهم من العذاب ولعلنا نفهم حينئذٍ سر الخلة بين ربنا العظيم وبين هذا النبي الكريم
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ .
وليست هذه المرة الوحيدة التي يدعو فيها لقوم قطع الله عنهم الأمل وسبق أمره عليهم بالعذاب فهذا والده آزر وعده ابراهيم بأن يستغفر له ربه برغم كفره بالله وعبادة سواه فقال له
{ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } [مريم:47]
وفعلا استغفر ابراهيم لأبيه في موضع آخر فقال تعالى في ذلك:
{ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ } [الشعراء:86]
وبين لنا ربنا جل وعلا بأن استغفاره هذا إنما كان عن موعدة وعده إياها وهو تعالى شأنه يشير لآية مريم التي وعد أبيه فيها بالاستغفار له ، فبين لنا جل شأنه ذلك في سياق تحريم الاستغفار للمشركين فقال تعالى:
{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة:114]
والآية موضع البحث والمدارسة تأتي في ذات السياق الابراهيمي الرحيم الذي يدعو للخلق فيه بالمغفرة أياً كانت أحوالهم فيقول تعالى:
{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [إبراهيم:36]
وبذلك نستفيد بأن القرآن ليس كله "كتاب" أي ليس كله تشريع وأمر ونهي ولا يؤخذ التشريع ويستخلص من اي موضع كان بل من مواضع محددة عرَّفها اهل العلم بآيات الأحكام ، فلا يؤخذ من قول ابراهيم عليه السلام في هذا الموضع جواز الاستغفار للمشركين ، وهو عليه السلام لم يستغفر للعصاه ممن دعي للحق وأبى ولكنه أثنى على الله بانه غفور رحيم فيما يشبه الدعاء والمقاربة إلى المغفرة والرحمة ، وقد لا يعني عليه السلام بالضرورة الرحمة برغم كفرهم بل إن هدايتهم وردهم للحق هو عين الرحمة والمغفرة فهو كأنه يدعو بأن يأطرهم الله إلى الحق ويعسف أنفسهم للإيمان ويلغي إراداتهم الشريرة ويجعل من إتيان الحق والهداية جبراً وقضاءاً من الله عليهم ، والله تعالى أعلم وصلى اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.