ما معنى قول إبراهيم:فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّ

إنضم
18/05/2011
المشاركات
1,237
مستوى التفاعل
1
النقاط
38
قال تعالى: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).
هل المراد بالعصيان هنا عدم اتباع دينه الذي هو توحيد الله ؟
وهل هذا دعاء من النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالمغفرة لمن لم يتبع دينه؟
 
الموقع لا يمكن من تقليل عدد أحرف عنوان الموضوع في عدة محاولات، ولذلك قد لا يٓظهر الجزء من الآية الشاهد كاملا، ثم إنه لا يُمكن كاتب الموضوع من تعديل العنوان!
ولا أدري كيف أصنع عند حدوث مثل هذا الأمر؟
 
وقوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَنِي} قال ابن عباس: يريد على ديني بالتوحيد لك والمعرفة بك .
وقوله تعالى: {فَإِنَّهُ مِنِّي} قال ابن الأنباري: يريد من المُتديِّنين بميني المتمسِّكين بحبلي؛ كما قال :
إذا حاوَلْتَ في أسَدٍ فُجُورًا ... فإني لَسْتُ منكَ ولَسْتَ مِنّي,
أراد: ولستَ من المتمسِّكين بِحَبْلي .
وقوله تعالى: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [قال السّدي: معناه ومن عصاني ثم تاب ، {فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}], له إن تاب وإن آمن، لا أنه يقول: أن من كفر فإن الله يغفر له، وقال مقاتل: ومن عصاني فيما دون الشرك فإنك غفور رحيم ، وشرح أبو بكر هذا فقال: معناه: فمن عصاني فخالف في بعض الشرائع، وعقْدُ التوحيد معه فإنك غفور رحيم، إن شئت تغفر له غفرت إذ كان مسلمًا، وذكر وجهين آخرين، أحدهمما. أن هذا كان قبل أن يُعلِّمه الله أنه لا يغفر الشرك، كما استغفر لأبويه ، وهو يُقَدِّر أن ذلك غيرُ محظور، فلما عرف أنهما غير مغفور لهما تبرأ منهما . والآخر: ومن عصاني بإقامته على الكفر فإنك غفور رحيم، يعني: أنك قادر على أن تغفر له وترحمه؛ بأن تنقله عن الكفر إلى الإسلام وتهديه إلى الصواب .
- أبو الحسن الواحدي , التفسير البسيط 486/12.
* فتبين أن "العصيان " في نقول السلف حول الآية الآية يدور حول معاني كتقاربة
1- عصاني في دعوة التوحيد ثم تاب .
2- عصاني فيما دون الشرك .
3- عصاني في الإقامة على الشرك والكفر , الا أنك يارب قادر على أن تغفر له وترحمه بهدايته إلى الحق . أو أنه يدعو لهم بالمغفرة قبل أن يبلغه عدم جواز الإستغفار لهم.
والله أعلم ..وصلى اللهم وسلم على محمد وآله وسلم.
 
بسم1​
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد
أولاً : لا بد أن استعراض سيرة هذا النبي العظيم وسياقات ذكره في القرآن الكريم ، لا بد ان تكون حاضرة حين يراد فهم اسلوبه الدعوي ونفسيته الفريدة .
إن ابراهيم عليه السلام من أرأف الخلق بالناس ومن أكثرهم شفقة على بني آدم ، لذلك فإنه لا يتردد في الاستغفار لكل عاصٍ ولكل مذنب فهاهو عليه السلام في سورة هود ينافح ويدافع عن قوم لوط لعل وعسى يستطيع استنقاذهم ومنحهم فرصة للعودةوالتوبة ، فبعد أن زال الروع عنه وعلم مقصد الملائكة بعد أن بشروه بإسحق عليه السلام يقول تعالى:
(فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (74) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ (75) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (76) هود
وقد تلمس من اللغة القرآنية فخر الله بهذا الخليل العظيم ومحبته لهذا الخلق العظيم منه لأنه تمثل بأعظم صفة من صفات الله ألا وهي الرحمة والرأفة بالناس والشفقة عليهم من العذاب ولعلنا نفهم حينئذٍ سر الخلة بين ربنا العظيم وبين هذا النبي الكريم إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ .
وليست هذه المرة الوحيدة التي يدعو فيها لقوم قطع الله عنهم الأمل وسبق أمره عليهم بالعذاب فهذا والده آزر وعده ابراهيم بأن يستغفر له ربه برغم كفره بالله وعبادة سواه فقال له
{ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا } [مريم:47]
وفعلا استغفر ابراهيم لأبيه في موضع آخر فقال تعالى في ذلك:
{ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ } [الشعراء:86]​
وبين لنا ربنا جل وعلا بأن استغفاره هذا إنما كان عن موعدة وعده إياها وهو تعالى شأنه يشير لآية مريم التي وعد أبيه فيها بالاستغفار له ، فبين لنا جل شأنه ذلك في سياق تحريم الاستغفار للمشركين فقال تعالى:

{ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة:114]

والآية موضع البحث والمدارسة تأتي في ذات السياق الابراهيمي الرحيم الذي يدعو للخلق فيه بالمغفرة أياً كانت أحوالهم فيقول تعالى:
{ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [إبراهيم:36]
وبذلك نستفيد بأن القرآن ليس كله "كتاب" أي ليس كله تشريع وأمر ونهي ولا يؤخذ التشريع ويستخلص من اي موضع كان بل من مواضع محددة عرَّفها اهل العلم بآيات الأحكام ، فلا يؤخذ من قول ابراهيم عليه السلام في هذا الموضع جواز الاستغفار للمشركين ، وهو عليه السلام لم يستغفر للعصاه ممن دعي للحق وأبى ولكنه أثنى على الله بانه غفور رحيم فيما يشبه الدعاء والمقاربة إلى المغفرة والرحمة ، وقد لا يعني عليه السلام بالضرورة الرحمة برغم كفرهم بل إن هدايتهم وردهم للحق هو عين الرحمة والمغفرة فهو كأنه يدعو بأن يأطرهم الله إلى الحق ويعسف أنفسهم للإيمان ويلغي إراداتهم الشريرة ويجعل من إتيان الحق والهداية جبراً وقضاءاً من الله عليهم ، والله تعالى أعلم وصلى اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.



 
وللرازي رحمه الله كلام فند فيه أقوال أهل العلم في تفسير هذه الآية إذ قال:
ثم حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} واتفق كل الفرق على أن قوله: {أضللن} مجاز لأنها جمادات، والجماد لا يفعل شيئا ألبتة، إلا أنه لما حصل الإضلال عند عبادتها أضيف إليها كما تقول فتنتهم الدنيا وغرتهم، أي افتتنوا بها واغتروا بسببها.
ثم قال: {فمن تبعنى فإنه منى} يعني من تبعني في ديني واعتقادي فإنه مني، أي جار مجرى بعضي لفرط اختصاصه بي وقربه مني ومن عصاني في غير الدين فإنك غفور رحيم، واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن إبراهيم عليه السلام ذكر هذا الكلام والغرض منه الشفاعة في حق أصحاب الكبائر من أمته، والدليل عليه أن قوله: {ومن عصانى فإنك غفور رحيم} صريح في طلب المغفرة والرحمة لأولئك العصاة فنقول: أولئك العصاة إما أن يكونوا من الكفار أو لا يكونوا كذلك، والأول باطل من وجهين: الأول: أنه عليه السلام بين في مقدمة هذه الآية أنه مبرأ عن الكفار وهو قوله: {واجنبنى وبنى أن نعبد الأصنام} وأيضا قوله: {فمن تبعنى فإنه منى} يدل بمفهومه على أن من لم يتبعه على دينه فإنه ليس منه ولا يهتم باصلاح مهماته.
والثاني: أن الأمة مجمعة على أن الشفاعة في إسقاط عقاب الكفر غير جائزة، ولما بطل هذا ثبت أن قوله: {ومن عصانى فإنك غفور رحيم} شفاعة في العصاة الذين لا يكونون من الكفار.
وإذا ثبت هذا فنقول: تلك المعصية إما أن تكون من الصغائر أو من الكبائر بعد التوبة أو من الكبائر قبل التوبة، والأول والثاني باطلان لأن قوله: {ومن عصانى} اللفظ فيه مطلق فتخصيصه بالصغيرة عدول عن الظاهر، وأيضا فالصغائر والكبائر بعد التوبة واجبة الغفران عند الخصوم فلا يمكن حمل اللفظ عليه، فثبت أن هذه الآية شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التوبة، وإذا ثبت حصول هذه الشفاعة في حق إبراهيم عليه السلام ثبت حصولها في حق محمد صلى الله عليه وسلم لوجوه: الأول: أنه لا قائل بالفرق.
والثاني: وهو أن هذا المنصب أعلى المناصب فلو حصل لإبراهيم عليه السلام مع أنه غير حاصل لمحمد صلى الله عليه وسلم لكان ذلك نقصانا في حق محمد عليه السلام.
والثالث: أن محمدا صلى الله عليه وسلم مأمور بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام لقوله تعالى: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: 90) وقوله: {ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا} فهذا وجه قريب في إثبات الشفاعة لمحمد صلى الله عليه وسلم وفي إسقاط العقاب عن أصحاب الكبائر.
والله أعلم.
إذا عرفت هذا فلنذكر أقوال المفسرين: قال السدي معناه: ومن عصاني ثم تاب، وقيل: إن هذا الدعاء إنما كان قبل أن يعلم أن الله تعالى لا يغفر الشرك، وقيل من عصاني بإقامته على الكفر فإنك غفور رحيم، يعني أنك قادر على أن تغفر له وترحمه بأن تنقله عن الكفر إلى الإسلام، وقيل المراد من هذه المغفرة أن لا يعاجلهم بالعقاب بل يمهلهم حتى يتوبوا أو يكون المراد أن لا تعجل اخترامهم فتفوتهم التوبة.
واعلم أن هذه الوجوه ضعيفة.
أما الأول: وهو حمل هذه الشفاعة على المعصية بشرط التوبة فقد أبطلناه.
وأما الثاني: وهو قوله إن هذه الشفاعة إنما كانت قبل أن يعلم أن الله لا يغفر الشرك فنقول: هذا أيضا بعيد، لأنا بينا أن مقدمة هذه الآية تدل على أنه لا يجوز أن يكون مراد إبراهيم عليه السلام من هذا الدعاء هو الشفاعة في إسقاط عقاب الكفر.
وأما الثالث: وهو قوله المراد من كونه: {غفورا رحيما} أن ينقله من الكفر إلى الإيمان فهو أيضا بعيد، لأن المغفرة والرحمة مشعرة بإسقاط العقاب ولا إشعار فيهما بالنقل من صفة الكفر إلى صفة الإيمان والله أعلم.
وأما الرابع: وهو أن تحمل المغفرة والرحمة على تعجيل العقاب أو ترك تعجيل الإمانة فنقول هذا باطل، لأن كفار زماننا هذا أكثر منهم ولم يعاجلهم الله تعالى بالعقاب ولا بالموت مع أن أهل الإسلام متفقون على أنهم ليسوا مغفورين ولا مرحومين فبطل تفسير المغفرة والرحمة على ترك تعجيل العقاب بهذا الوجه وظهر بما ذكرنا صحة ما قررناه من الدليل والله أعلم.
 
قال البيضاوي رحمه الله:
قوله "ومن عصاني فإنك غفور رحيم" أي تقدر أن تغفر له وترحمه ابتداء ، او بعد التوفيق للتوبة.
وفيه دليل على أن كل ذنب فلله أن يغفره حتى الشرك إلا أن الوعيد فرق بينه وبين غيره .
 
قال أبوحيان رحمه الله:
فمن تبعني أي: على ديني وما أنا عليه، فإنه مني. جعله لفرط الاختصاص به وملابسته كقوله: «من غشنا فليس منا» أي ليس بعض المؤمنين تنبيهاً على تعظيم الغش بحيث هو يسلب الغاش الإيمان، والمعنى: أن الغش ليس من أوصاف أهل الإيمان. ومن عصاني، هذا فيه طباق معنوي، لأن التبعية طاعة فقوله: فإنك غفور رحيم. قال مقاتل: ومن عصاني فيحادون الشرك. وقال الزمخشري: تغفر لي ما سلف من العصيان إذا بدا لي فيه واستحدث الطاعة. قال ابن عطية: ومن عصاني ظاهره بالكفر لمعادلة قوله: فمن تبعني فإنه مني، وإذا كان كذلك فقوله: فإنك غفور رحيم معناه حين يؤمنوا، لأنه أراد أن الله يغفر لكل كافر، لكنه حمله على هذه العبارة ما كان يأخذ نفسه به من القول الجميل والنطق الحسن وجميل الأدب صلى الله عليه وسلم. وكذلك قال نبي الله عيسى عليه السلام:
{ وإن تغفـــــر لهــــم فإنــــك أنــــت العزيـــز الحكيـــم }
 
قال البقاعي رحمه الله:
فتسبب عن بغض إبراهيم للأصنام أن يقول: من { تبعني} من جميع الناس في تجنبها { فإنه مني} أي من حزبي لكونه على طريقتي وديني، فأتني ما وعدتني فيه من الفوز { ومن عصاني} فضل بها فقد استحق النار، فإن عذبته فهو عبادك، وإن غفرت له فأنت لذلك، لأن لك أن تفعل ما تشاء { فإنك غفور} أي بليغ الستر { رحيم } أي بليغ الإكرام بعد ستر الذنوب؛وأكد للإعلام بزيادة رغبته في العفو لأنه لا ينقص به شيء من عزته سبحانه ولا حكمته - كما أشار إليه دعاء عيسى عليه السلام في المائدة.
 
قال أبو السعود رحمه الله:
(وَمَنْ عَصَانِى) أي لم يتبعْني والتعبيرُ عنه بالعصيان للإيذان بأنه عليه السلام مستمر على الدعوة وأن عدم اتباعِ من لم يتبعْه إنما هو لعصيانه لا لأنه لم يبلُغْه الدعوة (فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) قادر على أن تغفِرَ له وترحَمه ابتداءً أو بعد توبتِه وفيه أن كل ذنبٍ فلَّله تعالى أن يغفرَه حتى الشركُ خلا أن الوعيدَ قضى بالفرق بينه وبين غيره
 
قال الألوسي رحمه الله:
{ فَمَن تَبِعَنِى } منهم فيما أدعو إليه من التوحيد وملة الإسلام { فَإِنَّهُ مِنّى } يحتمل أن تكون { مِنْ } تبعيضية على التشبيه أي فإنه كبعضي في عدم الانفكاك ، يحتمل ويحتمل أن تكون اتصالية كما في قوله صلى الله عليه وسلم لعليّ كرم الله تعالى وجهه : «أنت مني بمنزلة هرون من موسى» أي فإنه متصل بي لا ينفك عني في أمر الدين ، وتسميتها اتصالية لأنه يفهم منها اتصال شيء بمجرورها وهي ابتدائية إلا أن ابتدائية باعتبار الاتصال كذا في «حواشي شرح المفتاح الشريفي» ، يعني أن مجرورها ليس مبدأ أو منشأ لنفس ما قبلها بل لاتصاله ، فإما أن يقدر متعلقها فعلاً خاصاً كما قاله الجلال السيوطي في بيان الخبر من أن { مِنّي } فيه خبر المبدأ { وَمِنْ } اتصالية ومتعلق الخبر خاص والباء زائدة بمعنى أنت متصل بي ونازل مني بمنزلة هرون من موسى ، وإما أن يقدر فعل عام كما ذهب إليه الشريف هناك أي منزلته بمنزلة كائنة وناشئة مني كمنزلة هرون من موسى عليهما السلام ، وتقديره خاصة هنا كما فعلنا على تقدير جعلها اتصالية مما يستطيبه الذوق السليم دون تقديره عاماً { وَمَنْ عَصَانِى } أي لم يتبعني ، والتعبير عنه بالعصيان كما قيل للإيذان بأنه عليه السلام مستمر على الدعوة وأن عدم اتباع من لم يتبعه إنما هو لعصيانه لا لأن الدعوة لم تبلغه . وفي «البحر» أن بين الاتباع والعصيان طباقاً معنوياً لأن الاتباع طاعة { فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي قادر على أن تغفر له وترحمه ، وفي الكلام على ما أشار إليه البعض حذف والتقدير ومن عصاني فلا أدعو عليه فإنك الخ ، وفي الآية دليل على أن الشرك يجوز أن يغفر ولا إشكال في ذلك بناء على ما قال النووي في «شرح مسلم» من أن مغفرة الشرك كانت في الشرائع القديمة جائزة في أممهم وإنما امتنعت في شرعنا .
واختلف القائلون بأن مغفرة الشرك لم تكن جائزة في شريعة من الشرائع في توجيه الآية ، فمنهم من ذهب إلى أن المراد غفور رحيم بعد التوبة ونسب ذلك إلى السدي . ومنهم من ذهب إلى تقييد العصيان بما دون الشرك وغفل عمل تقتضيه المعادلة . وروى ذلك عن مقاتل . وفي رواية أخرى عنه أنه قال : إن المعنى ومن عصاني بإقامته على الكفر فإنك قادر على أن تغفر له وترحمه بأن تنقله من الكفر إلى الإيمان والإسلام وتهديه إلى الصواب .

ومنهم من قال : المعنى ومن لم يتبعني فيما أدعو إليه من التوحيد وأقام على الشرك فإنك قادر على أن تستره عليه وترحمه بعدم معاجلته بالعذاب ، ونظير ذلك قوله تعالى : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لّلنَّاسِ على ظُلْمِهِمْ } [ الرعد : 6 ] ومنهم من قال : إن الكلام على ظاهره وكان ذلك منه عليه السلام قبل أن يعلم أن الله سبحانه لا يغفر الشرك ، ولا نقص بجهل ذلك لأن مغفرة الشرك جائزة عقلاً كما تقرر في الأصول لكن الدليل السمعي منع منها ، ولا يلزم النبي أن يعلم جميع الأدلة السمعية في يوم واحد . والإمام لم يرتض أكثر هذه الأوجه وجعل هذا الكلام منه عليه السلام شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التوبة وأنه دليل لحصول ذلك لنبينا صلى الله عليه وسلم فقال : إن المعصية المفهومة من الآية إما أن تكون من الصغائر أو من الكبائر بعد التوبة أو قبلها ، والأول والثاني باطلان لأن { مِنْ * عَصَانِى } مطلق فتخصيصه عدول عن الظاهر ، وأيضاً الصغائر والكبائر بعد التوبة واجبة الغفر إن عند الخصم فلا يمكن اللفظ عليه فثبت أن الآية شفاعة لأهل الكبائر قبل التوبة ، ومتى ثبتت منه عليه السلام ثبتت في حق نبينا عليه السلام والسلام لمكان { اتبع مِلَّةَ إبراهيم } [ النحل : 123 ] ونحوه ، ولئلا يلزم النقص وهو كما ترى ، وقد مر لك ما ينفعك في هذا المقام فتذكر هداك الله تعالى.
 
قال ابن عاشور رحمه الله:
وقوله : { ومن عصاني فإنك غفور رحيم } تأدب في مقام الدعاء ونفع للعصاة من الناس بقدر ما يستطيعه.
والمعنى ومن عصاني أفوّض أمره إلى رحمتك وغفرانك.
وليس المقصود الدعاء بالمغفرة لمن عصى.
وهذا من غلبة الحلم على إبراهيم عليه السلام وخشية من استئصال عصاة ذريته.
ولذلك متعهم الله قليلاً في الحياة الدنيا ، كما أشار إليه قوله تعالى : { قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير } [ سورة البقرة : 126 ] وقوله : { وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين } [ سورة الزخرف : 27 ].
وسوق هذه الدعوة هنا للتعريض بالمشركين من العرب بأنهم لم يبروا بأبيهم إبراهيم عليه السلام.
وإذ كان قوله : { فإنك غفور رحيم } تفويضاً لم يكن فيه دلالة على أن الله يغفر لمن يشرك به.
 
قال الشنقيطي رحمه الله:
قوله تعالى: ( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية، بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه إبراهيم قال: إن من تبعه فإنه منه وأنه رد أمر من لم يتبعه إلى مشيئة الله تعالى إن شاء الله غفر له؛ لأنه هو الغفور الرحيم، وذكر نحو هذا عن عيسى ابن مريم في قوله: ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ( 5/118)، وذكر عن نوح وموسى التشديد في الدعاء على قومهما، فقال عن نوح إنه قال: ( رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً) إلى قوله: ( فَاجِراً كَفَّاراً) ( 71/26، 27)، وقال عن موسى إنه قال: ( رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) ( 10/88)،
والظاهر أن نوحاً وموسى عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام ما دعوا ذلك الدعاء على قومهما إلا بعد أن علما من الله أنهم أشقياء في علم الله لا يؤمنون أبداً، أما نوح فقد صرح الله تعالى له بذلك في قوله: ( وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) ( 11/36)، وأما موسى فقد فهم ذلك من قول قومه له: ( مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) ( 7/132)، فإنهم قالوا هذا القول بعد مشاهدة تلك الآيات العظيمة المذكورة في "الأعراف" وغيرها.
 
حاولت هنا استقصاء كلام أهل العلم في الآية، والذي يظهر لي من مجمل كلامهم رحمهم الله أن صيغة قيل النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام تفيد تفويض أمرهم إلى الله تعالى لا الدعاء لهم بالمغفرة، وأن القيل محمول على ظاهره، فالله سبحانه له وحده المشيئة المطلقة، إن شاء غفر وإن شاء عذب، وليس على الرسل إلا البلاغ، هذا والله أعلم.
 
عودة
أعلى