ما قولكم في كلام ابن كثير رحمه الله

ابو حيان

New member
إنضم
18 أبريل 2003
المشاركات
30
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
قال ابن كثير في تفسير قوله ( وما أنزل على الملكين )
"ثم شرع ابن جرير في رد هذا القول ( أي القول بأن ما نافية), وأن ما بمعنى الذي, وأطال القول في ذلك وادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختباراً لعباده وامتحاناً بعد أن بين لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل, وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك , لأنهما امتثلا ما أمرا به, وهذا الذي سلكه غريب جداً,

السؤال : ما الغرابة في هذا مع انه قال بعد ذلك :
وذهب كثير من السلف إلى أنهما كانا ملكين من السماء, وأنهما أنزلا إلى الأرض, فكان من أمرهما ما كان, وقد ورد في ذلك حديث مرفوع رواه الإمام أحمد في مسنده رحمه الله كما سنورده إن شاء الله,
 
انما استغرب منه توجيه "ما" بانها بمعنى "الذي "لانه جعل الملكين مكلفان بتعليم الناس السحر امرا منه عز وجل لاختبار بني آدم ولم يكن استغرابه بكونهما مَلَكين هذا ما بينه ابن كثير :
"وادعى أن هاروت وماروت ملكان أنزلهما الله إلى الأرض وأذن لهما في تعليم السحر اختباراً لعباده وامتحاناً بعد أن بين لعباده أن ذلك مما ينهى عنه على ألسنة الرسل, وادعى أن هاروت وماروت مطيعان في تعليم ذلك , لأنهما امتثلا ما أمرا به, وهذا الذي سلكه غريب جداً" اي ان الملكين يعلمان الناس السحر بأمر الله عز وجل امتحانا للناس .
هذا كلام ابن جرير في ترجحه للوجه الذي اختاره :
" وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ وَجَّهَ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } إلَى مَعْنَى " الَّذِي " دُون مَعْنَى " مَا " الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْجَحْد . وَإِنَّمَا اخْتَرْت ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ " مَا " إنْ وُجِّهَتْ إلَى مَعْنَى الْجَحْد , فَتَنْفِي عَنْ الْمَلَكَيْنِ أَنْ يَكُونَا مُنَزَّلًا إلَيْهِمَا . وَلَمْ يَخْلُ الِاسْمَانِ اللَّذَانِ بَعْدهمَا - أَعْنِي هَارُوت وَمَارُوت - مِنْ أَنْ يَكُونَا بَدَلًا مِنْهُمَا وَتَرْجَمَة عَنْهُمَا , أَوْ بَدَلًا مِنْ النَّاس فِي قَوْله : { يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } وَتَرْجَمَة عَنْهُمَا . فَإِنْ جُعِلَا بَدَلًا مِنْ الْمَلَكَيْنِ وَتَرْجَمَة عَنْهُمَا بَطَلَ مَعْنَى قَوْله : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه } لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِمَا يُفَرَّق بِهِ بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه , فَمَا الَّذِي يَتَعَلَّم مِنْهُمَا مَنْ يُفَرِّق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه ؟ وَبَعْد , فَإِنَّ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } إنْ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْجَحْد عَطْفًا عَلَى قَوْله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان } فَإِنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ نَفَى بِقَوْلِهِ : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَان } عَنْ سُلَيْمَان أَنْ يَكُون السِّحْر مِنْ عَمَله , أَوْ مِنْ عِلْمه أَوْ تَعْلِيمه . فَإِنْ كَانَ الَّذِي نَفَى عَنْ الْمَلَكَيْنِ مِنْ ذَلِكَ نَظِير الَّذِي نَفَى عَنْ سُلَيْمَان مِنْهُ , وَهَارُوت وَمَارُوت هُمَا الْمَلَكَانِ , فَمَنْ الْمُتَعَلَّمِ مِنْهُ إذًا مَا يُفَرَّق بِهِ بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه ؟ وَعَمَّنْ الْخَبَر الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر } ؟ إنَّ خَطَأ هَذَا الْقَوْل لَوَاضِح بَيِّن . وَإِنْ كَانَ قَوْله " هَارُوت وَمَارُوت " تَرْجَمَة مِنْ النَّاس الَّذِينَ فِي قَوْله : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِين كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاس السِّحْر } فَقَدْ وَجَبَ أَنْ تَكُون الشَّيَاطِين هِيَ الَّتِي تُعَلِّم هَارُوت وَمَارُوت السِّحْر , وَتَكُون السَّحَرَة إنَّمَا تَعَلَّمَتْ السِّحْر مِنْ هَارُوت وَمَارُوت عَنْ تَعْلِيم الشَّيَاطِين إيَّاهُمَا . فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَلَنْ يَخْلُو هَارُوت وَمَارُوت عِنْد قَائِل هَذِهِ الْمَقَالَة مِنْ أَحَد أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونَا مَلَكَيْنِ , فَإِنْ كَانَا عِنْده مَلَكَيْنِ فَقَدْ أَوْجَبَ لَهُمَا مِنْ الْكُفْر بِاَللَّهِ وَالْمَعْصِيَة لَهُ بِنِسْبَتِهِ إيَّاهُمَا إلَى أَنَّهُمَا يَتَعَلَّمَانِ مِنْ الشَّيَاطِين السِّحْر وَيُعَلِّمَانِهِ النَّاس , وَإِصْرَارهمَا عَلَى ذَلِكَ وَمَقَامهمَا عَلَيْهِ أَعْظَم مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا أَتَيَاهُ مِنْ الْمَعْصِيَة الَّتِي اسْتَحَقَّا عَلَيْهَا الْعِقَاب , وَفِي خَبَر اللَّه عَزَّ وَجَلّ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا لَا يُعَلِّمَانِ أَحَدًا مَا يَتَعَلَّم مِنْهُمَا حَتَّى يَقُولَا : { إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر } مَا يُغْنِي عَنْ الْإِكْثَار فِي الدَّلَالَة عَلَى خَطَأ هَذَا الْقَوْل . أَوْ أَنْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي آدَم ; فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ كَانَ يَجِب أَنْ يَكُون بِهَلَاكِهِمَا قَدْ ارْتَفَعَ السِّحْر وَالْعِلْم بِهِ وَالْعَمَل مِنْ بَنِي آدَم ; لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عِلْم ذَلِكَ مِنْ قِبَلهمَا يُؤْخَذ وَمِنْهُمَا يُتَعَلَّم , فَالْوَاجِب أَنْ يَكُون بِهَلَاكِهِمَا وَعَدَم وُجُودهمَا عُدِمَ السَّبِيل إلَى الْوُصُول إلَى الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ لَا يُوصَل إلَيْهِ إلَّا بِهِمَا ; وَفِي وُجُود السِّحْر فِي كُلّ زَمَان وَوَقْت أَبْيَن الدَّلَالَة عَلَى فَسَاد هَذَا الْقَوْل . وَقَدْ يَزْعُم قَائِل ذَلِكَ أَنَّهُمَا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي آدَم , لَمْ يُعْدَمَا مِنْ الْأَرْض مُنْذُ خُلِقَتْ , وَلَا يُعْدَمَانِ بَعْد مَا وُجِدَ السِّحْر فِي النَّاس . فَيَدَّعِي مَا لَا يَخْفَى بِطُولِهِ . فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ الْوُجُوه الَّتِي دَلَّلْنَا عَلَى فَسَادهَا , فَبَيِّن أَنَّ مَعْنَى : { مَا } الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } بِمَعْنَى " الَّذِي " , وَأَنَّ هَارُوت وَمَارُوت مُتَرْجَم بِهِمَا عَنْ الْمَلَكَيْنِ ; وَلِذَلِك فُتِحَتْ أَوَاخِر أَسْمَائِهِمَا , لِأَنَّهُمَا فِي مَوْضِع خَفْض عَلَى الرَّدّ عَلَى الْمَلَكَيْنِ , وَلَكِنَّهُمَا لَمَّا كَانَا لَا يُجَرَّانِ فُتِحَتْ أَوَاخِر أَسْمَائِهِمَا . فَإِنْ الْتَبَسَ عَلَى ذِي غَبَاء مَا قُلْنَا , فَقَالَ : وَكَيْف يَجُوز لِمَلَائِكَةِ اللَّه أَنْ تُعَلِّم النَّاس التَّفْرِيق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه ؟ أَمْ كَيْف يَجُوز أَنْ يُضَاف إلَى اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى إنْزَال ذَلِكَ عَلَى الْمَلَائِكَة ؟ قِيلَ لَهُ : إنَّ اللَّه جَلّ ثَنَاؤُهُ عَرَّفَ عِبَاده جَمِيع مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَجَمِيع مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ , ثُمَّ أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ بَعْد الْعِلْم مِنْهُمْ بِمَا يُؤْمَرُونَ بِهِ وَيُنْهَوْنَ عَنْهُ . وَلَوْ كَانَ الْأَمْر عَلَى غَيْر ذَلِكَ , لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ وَالنَّهْي مَعْنَى مَفْهُوم ; فَالسِّحْر مِمَّا قَدْ نَهَى عِبَاده مِنْ بَنِي آدَم عَنْهُ , فَغَيْر مُنْكَر أَنْ يَكُون جَلّ ثَنَاؤُهُ عَلَّمَهُ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ سَمَّاهُمَا فِي تَنْزِيله وَجَعَلَهُمَا فِتْنَة لِعِبَادِهِ مِنْ بَنِي آدَم كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا يَقُولَانِ لِمَنْ يَتَعَلَّم ذَلِكَ مِنْهُمَا : { إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر } لِيَخْتَبِر بِهِمَا عِبَاده الَّذِينَ نَهَاهُمْ عَنْ التَّفْرِيق بَيْن الْمَرْء وَزَوْجه وَعَنْ السِّحْر , فَيُمَحِّص الْمُؤْمِن بِتَرْكِهِ التَّعَلُّم مِنْهُمَا , وَيُخْزِي الْكَافِر بِتَعَلُّمِهِ السِّحْر وَالْكُفْر مِنْهُمَا , وَيَكُون الْمَلَكَانِ فِي تَعْلِيمهمَا مَنْ عَلَّمَا ذَلِكَ لِلَّهِ مُطِيعِينَ , إذْ كَانَا عَنْ إذْن اللَّه لَهُمَا بِتَعْلِيمِ ذَلِكَ مَنْ عَلَّمَاهُ يَعْلَمَانِ . وَقَدْ عُبِدَ مِنْ دُون اللَّه جَمَاعَة مِنْ أَوْلِيَاء اللَّه , فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ ضَائِرًا إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِأَمْرِهِمْ إيَّاهُمْ بِهِ , بَلْ عَبَدَ بَعْضهمْ وَالْمَعْبُود عَنْهُ نَاهٍ , فَكَذَلِك الْمَلَكَانِ غَيْر ضَائِرهمَا سِحْر مَنْ سَحَرَ مِمَّنْ تَعَلَّمَ ذَلِكَ مِنْهُمَا بَعْد نَهْيهمَا إيَّاهُ عَنْهُ وَعِظَتهمَا لَهُ بِقَوْلِهِمَا : { إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَة فَلَا تَكْفُر } إذْ كَانَا قَدْ أَدَّيَا مَا أُمِرَ بِهِ بِقَيْلِهِمَا ذَلِكَ "
 
جزاك الله خيرا وبارك فيك

لعل ابن كثيروالله اعلم استغرب من ابن جرير النص على أن الملكين أذن لهما شرعا في تعليم السحر وأنهما مطيعان في ذلك لأن ذلك لم ينص عليه أحد من السلف من الصحابة والتابعين وإنما الروايات عنهم تذكر ما كان من شأنهما مع الزهرة

أما كون ما بمعنى الذي فلا أظن ابن كثير يستغرب ذلك

ولعل الذي حدا ابن جرير على أن يقول ذلك هو قوله لفظ الإنزال الذي ينصرف ظاهره في مثل هذا السياق إلى الإنزال الشرعي لا الكوني

يأتي هنا سؤال آخر

هل يصح أن نستعين بما جاء من الروايات الكثيرة عن السلف في قصة الزهرة في ترجيح القول بأن ما بمعنى الذي وأنهما كانا ملكين أذن لهما في تعليم السحر-سواء شرعا أو قدرا- خصوصا وأنها رويت عن علي وابن عمر بأسانيد صححها ابن كثير

وقد قال ابن تيمية: عن الإسرائيليات في المقدمة المشهورة في أصول التفسير:

بعض وما نقل في ذلك عن بعض الصحابة نقلاً فالنفس إليه أسكن مما نقل عن بعض التابعين لأن احتمال أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أو من بعض من سمعه منهأقوى ولأن نقل الصحابة عن أهل الكتاب أقل من نقل التابعين ومع جزم الصاحب بما يقوله فكيف يقال إنه أخذه عن أهل الكتاب وقد نهوا عن تصديقهم .
 
كلام ابن جرير الطبري رحمه الله في هذه الآية من أدل المواضع في تفسيره على فقهه وبصره بالقرآن وأساليب العرب في خطابها ، وقدرته على الترجيح بين الأقوال . وفي رأيي لو تمكن أحدكما من بسط رأي ابن جرير في هذه الآية في الملتقى هنا بسطاً سهلاً ميسراً لكان في ذلك فائدة كبيرة للجميع.
وقد استنكر الأستاذ محمود محمد شاكر على ابن كثير استنكاره لكلام ابن جرير ، وقال في تعليقه على هذا الموضع :(ولست أستنكر ما قاله أبو جعفر ، كما استنكره ابن كثير ، ولو أنت أنصفت وتتبعت كلام أبي جعفر ، لرأيت فيه حجة بينة ساطعة على صواب مذهبه الذي ذهب إليه ، ولرأيت دقة ولطفاً في تناول المعاني ، وتدبير الألفاظ ، لا تكاد تجدهما في غير هذا التفسير الجليل القدر) [تفسير الطبري بتحقيق محمود شاكر 2/422 الحاشية ].
ولكن في بعض كلام الطبري عمقٌ في التعبير والدلالة ، والتواءٌ على بعض من يقرأ عبارته ، يحتاج في فهمها إلى مراجعة وطول تدبر ، وكلامه في هذه الآية من هذا النوع ، ولذلك أشكل كلامه على ابن كثير في تفسيره في غير ما موضع ، فلم يستقم له معنى كلام الطبري . وقد اختار الطبري قولاً في هذه الآية - آية السحر - ، وأيده بحجج قوية ، جعلت محمود شاكر يعلق عليها بقوله :(هذه حجة رجل يبصر دقيق المعاني ، ولا يغفل عن مواضع السقط في كلام من يتكلم وهو لا يضبط ما يقتضيه كلامه. وقد استخف به ابن كثير ؛ لأنه لم يضبط ما ضبطه هذا الإمام المتمكن من عقله وفهمه).[تفسير الطبري بتحقيق محمود شاكر 2/427 الحاشية ].
وليت الذين يكتبون في مناهج المفسرين يحللون لنا هذه المسالك العقلية الدقيقة في الفهم ، في الترجيح وتطبيق القواعد النظرية على كلام أهل العلم ، في فهمهم لكلام الله ، حتى يتمرن الطالب على فهم الكلام المعجز ، فهماً لا ينحرف به عن الجادة ، فهذا أجدى وأنفع من الكتابات الوصفية التي درجنا عليها في دراسة مناهج المفسرين.
 
نعم أخي جعل الملكين مكلفين بذلك هو ما استغربه ابن كثير لانك لو راجعت سبب ترجيح ابن جرير لتوجيه "ما" في الاية لعلمت انه يرجح ذلك لهذا السبب ولذلك وضعت لك خطا تحته . اي ان ابن جرير استغرب طريقة ابن جرير في ترجيح الدلالة, "وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل فِي ذَلِكَ عِنْدِي قَوْل مَنْ وَجَّهَ " مَا " الَّتِي فِي قَوْله : { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ } إلَى مَعْنَى " الَّذِي " دُون مَعْنَى " مَا " الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى الْجَحْد . وَإِنَّمَا اخْتَرْت ذَلِكَ مِنْ أَجْل أَنَّ " مَا " إنْ وُجِّهَتْ إلَى مَعْنَى الْجَحْد بجعل الملكين...."


فابن كثير استغرب توجيهه ل"ما" كلام ابن جرير قد علله بنفسه كما ذكره الشيخ د-عبد الرحمن الشهري جزاه الله خيرا .
يأتي هنا سؤال آخر

هل يصح أن نستعين بما جاء من الروايات الكثيرة عن السلف في قصة الزهرة في ترجيح القول بأن ما بمعنى الذي وأنهما كانا ملكين أذن لهما في تعليم السحر-سواء شرعا أو قدرا- خصوصا وأنها رويت عن علي وابن عمر بأسانيد صححها ابن كثير
تجد الكلام على ذلك في رأي آخر في الإسرائيليات في كتب التفسير-د.مساعد الطيار
اما اسلوب ابن جرير رحمه الله في التفسير فانه يعتمد على وجود هذه الروايات سواء كانت اسرائيليات ام غيرها على دلالة اللفظ ولو دققت في كلام ابن جرير ستجد ان ذلك واضح فهو استدل بسؤال السائل وعدم ترجيح المسؤول لايهما مثلا:قال ابن جرير :
"وقال آخرون: جائز أن تكون"ما" بمعنى"الذي"، وجائز أن تكون"ما" بمعنى"لم".
* ذكر من قال ذلك:
1678 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، حدثني الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد - وسأله رجل عن قول الله: (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت) فقال الرجل: يعلمان الناس ما أنزل عليهما، أم يعلمان الناس ما لم ينزل عليهما؟ قال القاسم: ما أبالي أيتهما كانت.
*
1679 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، حدثنا أنس بن عياض، عن بعض أصحابه، أن القاسم بن محمد سئل عن قول الله تعالى ذكره: (وما أنزل على الملكين)، فقيل له: أنزل أو لم ينزل؟ فقال: لا أبالي أي ذلك كان، إلا أني آمنت به. "

وهذا الامر تكلم عنه محمود شاكر في الحاشية حيث قال :
"وهذه الأخبار ، في قصة هاروت وماروت ، وقصة الزهرة ، وأنها كانت امرأة فمسخت كوكبا - أخبار أعلها أهل العلم بالحديث . وقد جاء هذا المعنى في حديث مرفوع ، ورواه أحمد في المسند : 6178 ، من طريق موسى بن جبير ، عن نافع ، عن ابن عمر . وقد فصلت القول في تعليله في شرح المسند ، ونقلت قول ابن كثير في التفسير 1 : 255"وأقرب ما يكون في هذا أنه من رواية عبد الله بن عمر عن كعب الأحبار ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم" . واستدل بروايتي الطبري السالفتين : 1684 ، 1685 عن سالم عن ابن عمر عن كعب الأحبار .
وقد أشار ابن كثير أيضًا في التاريخ 1 : 37 - 38 قال : "فهذا أظنه من وضع الإسرائيليين ، وإن كان قد أخرجه كعب الأحبار ، وتلقاه عنه طائفة من السلف ، فذكروه على سيبل الحكاية والتحدث عن بني إسرائيل " : . وقال أيضًا ، بعد الإشارة إلى أسانيد أخر : "وإذا أحسنا الظن قلنا : هذا من أخبار بني إسرائيل ، كما تقدم من رواية ابن عمر عن كعب الأحبار . ويكون من خرافاتهم التي لا يعول عليها" .
وقال في التفسير أيضًا 1 : 260 ، بعد ذكر كثير من الروايات التي في الطبري وغيره : "وقد روى في قصة هاروت وماروت ، عن جماعة من التابعين ، كمجاهد ، والسدي والحسن البصري ، وقتادة ، وأبي العالية ، والزهري ، والربيع بن أنس ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم ، وقصها خلق من المفسرين ، من المتقدمين والمتأخرين . وحاصلها راجع في تفصيلها إلى أخبار بني إسرائيل ، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى . وظاهر سياق القرآن إجمال القصة" من غير بسط ولا إطناب فيها . فنحن نؤمن بما ورد في القرآن ، على ما أراده الله تعالى . والله أعلم بحقيقة الحال" .
وهذا هو الحق ، وفيه القول الفصل . والحمد لله ." ج2 ص432 (نقلا عن المكتبة الشاملة )
 
جزاكما الله عني كل خير
وبارك لكما في علمكما وأعطاكما ما تأملان في الدنيا والآخرة
 
عودة
أعلى