ما المقصود بعبارة "الكتاب المبين" في بعض الآيات القرآنية الكريمة؟؟؟

إنضم
8 أكتوبر 2011
المشاركات
10
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
جدة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...
الأخوات الفاضلات ... الإخوة الكرام

أتطلع لنشر بعضاً من مقالاتي المتعلقة بنظرة حديثة للقرآن ولأسباب تخلف المجتمعات الإسلامية وذلك من خلال موقعكم المرموق. أرجو من حضراتكم قراءة الموضوع وإبداء وجهات نظركم القيمة فيه لفائدة الجميع ... وشكراً لكم مسبقاً على وقتكم الثمين ...



بسم الله الرحمن الرحيم

مثلُ القُرآنِ الكريمِ كَمَثلِ أرضٍ مُبَارَكَةٍ تُخفِي الحَياةَ في باطِنِهَا، وتؤتي أُكُلها عندما يرعاها الناسُ. فكلما كانت أساليبُ إحيائِها مُنظمةً، مُخلَصةً، صَادقةً، شامِلةً ومُتطورةً كان عطائُها وافراً مباركاً مُتنوعاً. وسنأتي بالتفصيل لاحقاً لنبيِّنَ ونثبتَ أنَّ كلمة "سُورةٍ" في القُرآنِ تعني أيضاً "الأرض" .... وهنا نكتفي بالقولِ أنَّه وكما تعطي الأرض ثمارها دوماً فإنّ القرآن الكريم يعطي ثماره وينبت من كُلِّ زوجٍ كريمٍ ...

إنَّ سيِّدنا محمداً عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام خاتم المرسلين، والشريعةُ الإسلاميَّةُ هي آخرُ الشرائعِ السماويةِ، والقُرآنُ آخرُ الكتبِ السماويَّةِ. لذا اقتضت الحِكْمةُ أنْ "يُحْفَظَ" القُرآنُ لمن سيأتي من الأُمَمِ، ولمن سيلحقُ من الأجيالِ إلى الأبد. ولأنَّ الأُمَمَ تتغيرُ وتتطورُ بطبيعتِها، كانتِ الحِكْمةُ أنْ يُحْفظَ كتابُ الله تعالى، وفي نفس الوقتِ يكونُ قابلاً لعطاءِ الأُمَمِ المستقبليَّة كلٌ على حَسَبِ نِيَّتِه وقدرتِه العِلميَّةِ والفِكْريَّةِ والتقنيَّةِ للاستنباطِ. لذلك وجَبَ أنْ يكونَ القُرآنُ مُباركاً لا تنقضي عجائَبُه ولا ينتهي زمانُه ...

ومن المعْلُوم أنَّه بتقادمِ الزمانِ يكثرُ الناسُ وتتراكمُ العلومُ والخبراتُ والمداركُ وتزدادُ، مما يؤدي وبالتأكيدِ إلى التعمق في فَهمِ كلِّ شيءٍ من حولِنا بما في ذلك كلام الله تعالى وسُنَّة نبيهِ الكريم ... أي إنَّ على الأجيال المتأخرة أنْ تكون أوعى وأعلمَ من أسلافها لا عالةً عليها تماماً كما إنَّ على الشيخِ أنْ يكون أوعى وأعلمَ من الطفل ... عليهم أنْ يَعلَمُوا أنَّ القرآنَ كريمٌ، وأنَّ الكريمَ لا ينقضي عطائُه! فكتابُ ربِّ العالمينَ للعالمينَ لجميع الأزمنةِ والأماكنِ.

فلا ينبغي حَصْر حِكْمة آيةٍ من المصحفِ في ظروفِ نُزُولِها، أو حَصْر تفسيرَها في أقوالٍ محددةٍ من السَلَفِ. أوَ تُستخدمُ الدّوابُّ في التنقلِ هذهِ الأيام؟ والحمامُ الزاجلُ في الاتصالاتِ؟ والنِبالُ في الحروبِ؟ فما دام الإنسان يكتشفُ كل يومٍ مخترعاتٍ جديدةٍ في الدنيا، فكيف يَعْجَزُ كلامُ الله تعالى عن الإتيان بمعارفَ جديدة؟

فعندما يتكلمُ أحدُنا نسمعُ له ونعطي كلامَهُ من الثِقلِ والمصداقيَّةِ ما يتناسبُ مع خِبرتِهِ وعِلمِهِ وحِكمتِهِ ومصداقيَّتهِ. فهناك نِسْبةٌ وتناسبٌ بين عِلمِ المُتكلمِ وحِكمتِهِ وبين العلمِ والحِكْمةِ والتناغمِ والتجانسِ والترابطِ المختزنِ في كلامِه أو في كتابِه! فما بالُكم إذاً بما في كتابِ ربِّ العالمينَ من علومٍ وحِكَم؟ بكُلِّ بساطةٍ فالقدراتُ الإلهيةُ والترابطُ في كلامِهِ تعالى لا نهائيٌ في أبعادِه. فلو قدَّرنا ذلك كما ينبغي، أدركنا أنَّ كُلّ "كلمةٍ" في القُرآنِ تحوي من الحِكَمِ والعلومِ والترابطِ والتناغمِ مما لا يستطيعُ البشرُ كلُّهم إدراكَه وتقديرَه حقَّ قدره، ولو اجتمعوا له.

فإنْ كنَّا نحنُ المخلوقينَ نربِطُ كلامَنا ببعضِه البعضَ، فكلامُ ربِّ العالمينَ إذاً يرتبِطُ أوَّلُه بآخِره ... كُلُّ سُورةٍ ترتبِطُ بكُلِّ سُورةٍ فيه ... وكُلُّ آيةٍ بكُلِّ آيةٍ فيه ... وكُلُّ كلمةٍ بكُلِّ كلمةٍ فيه ... وكُلُّ حرفٍ يرتبِطُ بكُلِّ حرفٍ فيه ...

إنَّ تسخيرَ السَّمَواتِ والأرض وما فيهن ليس منحصرا في التسخير الماديِّ الحياتيِّ المعاشيِّ من أكلٍ وشربٍ وملذاتٍ.

فتسخيرُ الخلق هو دراستُه والبحثُ في إعجازاته وإبداعاته لمعرفة الخالق تبارك وتعالى وأسمائه الحسنى وَمِنْ ثَمَّ الاصطباغُ والاتصافُ بها وإظهارُها في حياتِنا وأنفسِنا وأخلاقِنا لنكونَ مثلاً ومَظهراً لله تعالى فنستحقَ أنْ نكونَ خُلفاءَهُ في الأرض. فالتسخيرُ فكريٌ عقليٌ وليس مادياً استهلاكياً وحسب. فتأمل قوله تعالى: أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَوَتِ وَمَا فِى الأرْضِ ... {لقمان: 20} ... فإنْ كان الخلقُ مُسَّخراً للإنسانِ حسب الآية الكريمة، فكيف يمكنُ تفسيرُ أنَّ النجومَ البعيدةَ مُسخرةٌ للإنسان وهي التي لا ولن يُمْكِنَ يوماً الوصول إليها مادياً لِبُعدها عنا بما لا يمكن لبشر تخيلُهُ؟ فضلاً عن الوصول إليها بل وتسخيرها؟

ولاحظِ العلاقةَ بين التسخيرِ والعقل في الآيات التالية: إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلفِ الَّيلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ التى تَجْرى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الريح وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأرْضِ لـءـايتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {البقرة: 164} … وَسَخَّرَ لَكُمُ اليل وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لـءـايتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (النحل : 12)

إنَّ خلقَ السَّمواتِ والأرضِ لهُو الكتابُ المُبينُ الذي كثيراً ما جاءَ ذِكْرُهُ في القرآن الكريم ... وهو كتابٌ بمعنى الكلمةِ، بل أشدُّ من الكلمة. فكتابُ القرآنِ الكريمِ يشرحُ لنا بالكلامِ والأمثلةِ أسماءَ الله تعالى الحُسنى بكتابةٍ على ورق، أمَّا كتابُ الخلقِ المبين فهو يُكْمِلُ شرحَ الأسماءِ الحُسنى التي جاء ذكرها في القرآن الكريم، ليس عن طريق الكلام، بل عن طريق الفعل والمعاينة واللمسِ والإحساس والمشاهدة والحياة والواقع ... فهو عوالمٌ من إبداعه وإتقانِه وجمالِه تعالى، لا يَقرؤها إلَّا العالمُون ... وهؤلاءِ العالمُونَ هم الذين يُقدِرونَ اللهَ حقَّ قدرِه ... فلا يَسْتَخِفونَ بخلقهِ ولا يستهزؤونَ ... فخلقُ الله تباركَ وتعالى بسَمَاواتِه وأراضِيه وما عليهِما وما بينهُما كتابٌ مُبينٌ معروضٌ مفتوحٌ مُفعمٌ زاخرٌ بالحياةِ ناطقٌ نابضٌ ... أبطنَ مِلءَ ما أظهرَ ... وأظهرَ مِلءَ ما أبطنَ ... ذلكم هو كِتابُ الله ربِّ العالمينَ ... العزيزِ العليمِ ...


إنَّ كتابَ الخلقِ المبين كتابٌ عظيمٌ بديعٌ مُهِيبٌ غنيٌ كريمٌ زاخرٌ مُفعمٌ بالحياةِ، يحملُ صفاتَ خالقِه الكريم ... فمن كتابِه هذا نتعرفُ على أسمائه الحُسنى ... فنعرفُ صبرَهُ من عُمرِ هذا الكون العتيقِ المديدِ الذي يعودُ تاريخُ أصلِه إلى بلايين السنوات من التطور والتغيّرِ والبناءِ ... ونشاهدُ وحدانيتَه وتسبيحَ الخلق بحمده عندما نجدُ أنَّ كلَّ خلقٍ من خلقه يدور ويَسْبَحُ في فلكه حول مركزٍ واحد ... ونُدركُ كَرَمَه وغِناهُ من مُشاهدةِ ودراسةِ عشراتِ الملايينِ من أنواع الخلائقِ الحيَّةِ والميِّتةِ والفصائلِ من الحاضر ومن الدهور السحيقةِ البائدةِ التي عاشت وازدهرت بها الأرض ومن ثمّ ماتت وانقرضت، فاندثرت ... ونعلمُ شيئاً من سعةِ عِلمهِ بالتأملِ وبالبحثِ والاكتشافِ والتنقيبِ في ملكوته ...

ونشعرُ بمقدارِ رحمتهِ وحبِّه وحنانِه ورأفتهِ وَوِدِّهِ من منظرٍ الأمَّهات الوالهات تبكي وتشقى من فراق فلذات أكبادهن ... ونعلمُ قوَّتَه وجَبَروتَه وبطشَهُ من الزلازل والبراكين والانفجارات، ومن الحرارات والطاقاتِ الكامنات داخلَ الأرض والنجوم والشموسِ ... ونعلم عظمتَهُ وكُبْرَهُ من عظمةِ وكِبَرِ هذا الخلق المُهيبِ الرهيبِ وما يحويه من مجراتٍ وأجرام هائلةٍ لا يتخيلُ أبعادها عقلٌ ولا بال ...

ونرى جمالَه في بديع صنعه وتصويره للخلائِق من حولنا ... ونشعرُ بمغفرتِه وتوبتِه وعفوهِ وستره وبرِّهِ وحفظه، وسمعه وبصره وقدرتِه وتقديره ... ونتعلمُ بنوره وهداهُ من علمِه ورُشده وحكمتِه وخبرته وإحصاءِه وحسابِه وخلقِه ... ونحيا برزقِه وعطاءِه ورُبُوبيتِه وإلوهيته وعدلِه وملكِه وإبدائه وإنهائه وإحياءِه وإماتِته وإظهارِه وإبطانِه وتوقيته ورقابته ... وما إلى ذلك من أسمائه تعالى وصفاته التي نقرؤها من الكتاب المبين ...

في هذا الكتابِ المُبينِ كُلُّ ما دَبَّ على هذه الأرضِ وكُلُّ ما يراهُ ويستشعرُه الإنسانُ بحواسِّه ابتداءً من أصغرِ مُكوناتِ المادةِ وأقربِها إليه، وانتهاءً بأعظمِ الحشودِ المجريَّةِ وأبعدِها عنه ... من أبسطِ الكائناتِ الحيَّةِ الوحيدةِ الخليَّةِ، إلى الإنسانِ أكثرِها تعقيداً وتنظِيماً ... من أقدمِ المخلوقاتِ وأغْربِها من العصورِ السحيقةِ البائدةِ، إلى أحدثِها وحاضِرِها ... بمعنى آخر فإنَّ "الكتابَ المبينَ" هو خلقُ الله تبارك وتعالى الذي سَخَّرَهُ للإنسان ...

ولقد وردت كلمة "مبين" عدة مراتٍ في المصحف كصفةٍ للكتاب، ولكن نشيرُ هنا إلى أنَّ كلمة "مبين" إذا فُسِّرت حرفياً تعني ببساطةٍ أنَّ الشيءَ المُبينَ يمكنُ رؤيتُه بالعينِ مباشرةً وبوضوحٍ. فعندما أشيرُ إلى جبلٍ عظيمٍ أمامكَ فهو "مبينٌ إذ يَبَانُ" أمامَ عينك. ولكن من السُخفِ أنْ أُشيرَ إلى السماء بإصبعي وأقول: أنظر إلى الجبل المُبينِ في الكوكب! لأنَّه غير مُبينٍ، وإنْ كان موجوداً!
وكذلك عندما يُكَلِمُنا الله عزَّ وجلَّ عن "الكتاب المبين" فينبغي أنْ يكونَ هذا الكتابُ مُبيناً ومُشاهداً لنا نحن الناس إذ إنَّ الكلامَ لنا! فلو كان هذا الكتابُ موجوداً بعيداً عنا في السماء أو في عِلْمِ الغيب عنده فلماذا وصفه تعالى بـ "المبين" ولمْ يصفه بـ "المختفي" أو "الغيبي" مثلاً؟ بل ولِمَ يذكُرُه الله تعالى أصلاً إنْ كان بعيداً ولن نراه ولن يؤثر في أعمالنا بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ؟ فالله تعالى حكيمٌ ولا يخلو كلامُهُ من الحِكَمِ البليغة ...

كتابُ الخلقِ المُبين هذا هو خلقُه تبارك وتعالى المتميزُ بالبساطةِ والتناغم والجمالِ في الظاهِرِ وبالتعقيدِ والنظامِ المحكمِ في الباطِن. وذلك ظاهِرٌ في جميع مشاهدِ الخلقِ صَغُرَ أو كَبُر، قَرُبَ أو بَعُد، حياً كان أو ميِّتاً. فمن النظرة الأولى إلى أيِّ مشهدٍ فإنَّنا نرى البساطةَ والجمالَ دون سواهِما وكلما تعمقنا داخل هذا المشهدِ فإنَّنا نرى عوالمَ وطبقاتٍ من الإعجازِ والإبداعِ نُظِّمت بحيث يتصلُ صَغِيرُها بمثيلهِ بعلاقاتٍ مُحكمةٍ من جِهَةٍ وبِكبيرها من جِهَةٍ أخرى في علاقاتٍ لا يأتيها الخللُ ولا الضمور ولا الفُطورُ ...

فهي مشاهدٌ لا نهائيَّةٌ وكُلُّ مشهدٍ غنىٌ بإبداعاتٍ وإعجازاتٍ لا نهائيَّة ... إنَّه خلقٌ بسيطٌ مُعقدٌ مُتفاصلٌ مُتكاملٌ ... فيه خلقُ ذرةٍ أصعبُ من خلقِ كونٍ ... وخلقُ كونٍ أصعبُ من خلقِ ذرةٍ! فسُبحَانَ من أعجزَ فأبدعَ ... وأبدعَ فأعجزَ ... أكرمَ فأغنىَ ... وأغنىَ فأكرمَ ...

هذا الخلقُ الكونيُّ بسماواتِه وأراضِيه "كتابٌ" بمعنى الكلمةِ وذلك بالنصِّ القُرآنيِّ الحرفيِّ:
وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الأرْضِ وَلا طَئِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أمثالُكُم، مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَبِ مِن شَىءٍ، ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ {الأنعام:38} ...

مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَبِ مِن شَىءٍ ، أي :
مَّا فَرَّطْنَا فِى الخلق مِن شَىءٍ.

فليس المقصود بـ الكِتَبِ في الآيةِ أعلاهُ أنَّه كتابٌ في علمِ الله تبارك وتعالى فيه أخبارُ وإحْصاءُ كُلِّ شَيءٍ مخلُوقٍ ومُقدرٍ ... ما كان وما سيكون ... فاللهُ تعالى أعلمُ وأقْدَرُ وأحفظُ من أنْ يحتاجَ إلى كتابِ إحصاءٍ كي لا تضيعَ منه الأشياءُ، سبحانه وتعالى. بل إنَّ كلَّ الخلقِ هو بِحدِّ ذاتِهِ كتابٌ، وهذا الكتاب كامل لا تفريط فيه ولا نُقصان، وهو ما تنصُّ عليه الآيةُ الشريفةُ ذاتُها .... فيكونُ معنى الآيةِ: مَّا فَرَّطْنَا فِى الخَلقِ مِن شَىءٍ .... وهذا التأويلُ أقربُ إلى سياقِ الآيةِ والعقلِ. بل هو أقربُ إلى معنى العديدِ من الآيات القرآنيةِ ذاتها التي تنصُّ على أنَّ كلَّ ما في الخلق مُقدرٌ مَوزون لا إفراطَ فيه ولا تفريط. فعلى سبيل المثال ما جاء في سورة الحجر: وَالأرْضَ مَدَدْنها وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَسِى وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَىءٍ مَّوْزُونٍ {19} وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَيِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَزقينَ {20} وَإِن مِّن شىءٍ إِلا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ {21} ...

فكلمةُ "كتاب" في عدةِ مواضعَ في المصحفِ الشريف هي خلقُ السموات والأرض على سبيل المجاز والاستعارة. ولقد استخدم القرآن الكريم المجاز والاستعارة كثيراً كما نستعملها نحن البشرَ ... فتأملْ في قولِ الشاعر:

هذِهِ الدُّنْيا كِتابٌ أنتَ فيهِ الفِكْرُ


وكذلك: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإيمن لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَبِ الله إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ (الروم : 56) ... ونحن نعلمُ أننا لبثنا أي عِشنا حياتنا في "خلق الله" والآيةُ تعني بوضوحٍ أنَّ هذا الخلقَ هو كتابُ الله تعالى ...

فيكونُ المقصودُ بعبارةِ :

لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَبِ الله هو
لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى خَلْقِ الله ...


وكذلك: وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى الأرْضِ إِلا عَلَى الله رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَبٍ مُّبِينٍ {هود: 6} ... فأين تعيشُ وتستقرُ الكائناتُ الحيةُ؟ أليس في الأرض! ومن أين تُرزق؟ أليس من هذه الأرض! إذن فالخلقُ كتابٌ مُبينٌ لنا بالعين.

فيكونُ المقصودُ بعبارةِ:

كُلٌّ فِى كِتَبٍ مُّبِينٍ: هو
كُلٌّ فِى خَلْقٍ مُّبِينٍ ...

وكذلك: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِى كتبِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَتِ وَالأرْضَ ... {التوبة: 36} ... ألا نرى اثني عَشَرَ قمراً في السماءِ في السنة الواحدة؟
فيكونُ المقصودُ بعبارةِ

فِى كِتَبِ الله هو
فِى خَلْقِ الله ...

وكذلك: وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا، وَلَدَيْنَا كتبٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ، وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {المؤمنون: 62} ... ومن سورة الجاثية: هَذَا كتبنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {الجاثية: 29}. فيعتقدُ الناسُ من الآيةِ أنَّ كتابَ أعمالٍ سيظهرُ لهم يوم القيامةِ فيه تفاصيلُ حياتِهم اليومية.

وفي الحقيقة فالكتابُ الناطقُ هذا ما هو إلا الأرضَ ومن عليها. ولأنَّ الإنسان من الخلق، بل هو على رأسه الهرمي، فيكون الإنسان بنفسه جزءٌ لا يتجزأ من كتاب الخلق ... فالإنسانُ كتابٌ! وهذا الإنسانُ – أي الكتاب – يشهدُ على نفسه يومَ القيامةِ وهذا قمةُ العدل وقمةُ الحقِّ. ونُطقُ الحقِ هو الإخبار والشهادة بما حدث على الأرض فعلياً من أفعال الناس خلال الحياة الدنيا، وكلُّ شيءٍ كبيرٍ أم صغيرٍ مسجلٌ موثقٌ في هذا الكتاب، أي في الخلق وفي الإنسان.

ومن الأمثلة على هذا ما يقوم به الناس من تسجيل صوتِ (أو صورة) المُتهم بشيءٍ أثناء قيامه بجريمته، ثم عرضُهُا عليه أثناء محاكمته كدليلٍ دامغ لا يقبل الشك على عمله.

فيكونُ المقصودُ بعبارةِ

كتبٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ هو
خَلْقٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ...

أمَّا كلمة { وَلَدَيْنَا كتبٌ } فلا تعني المكان بل تعني { بِمُلكِنا كتبٌ } ... وكلُ الكتابِ أي الخلقِ ملكٌ لله تعالى ...

ولقد جاء في القرآن أيضاً أنَّ جسدَ الإنسانِ – أي كتابه - ينطق يومَ القيامة بالحقَّ كما في سورة فصلت: حتى إِذَا مَا جَاءوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأبصرهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {20} وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الذى أَنطَقَ كُلَّ شىءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {21} وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أبصركُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ {فصلت: 22}

كما جاء في عدة آيات قرآنية أنَّ خلق السَّموتِ والأرضِ قام بالحق، فعلى سبيل المثال من الآية 73 من سورة الأنعام: وَهُوَ الذى خَلَقَ السَّموتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ، وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ، قَوْلُهُ الْحَقُّ، وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّوَرِ، علمُ الْغَيْبِ وَالشهدة، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {الأنعام : 73} ...
وبالتالي فهو الكتاب - أي الخلق - الذي قام بالحق، وينطق بالحق ...

وكذلك: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَبٌ حَفِيظٌ {ق : 4} ... وهذا الخلقُ كتابٌ محفوظٌ بنواميسَ وقوانينَ وضعها العزيز القدير، كما هو معلومٌ للدارسين في العلوم الطبيعية من قوانين حِفْظِ المادة والطاقة، فكلُّ شيءٍ محفوظ. أمَّا معنى "وَعِندَنَا" أي "بِمُلْكِنا" فبطبيعةِ الحالِ كلُّ الخلقِ مُلْكٌ لله إذ لا ينبغي فَهمُ "وَعِندَنَا" بمعنى الموقعِ المكانيِّ إذ ليس اللهُ عزّ وجلّ مُجسداً ليكون له موقعٌ محددٌ مُجَسدٌ، فكُلُّ شيءٍ إنما هو "عِندَه" أي "بمُلكِهِ" ...

وتأمل في قوله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ، وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِى كِتَبٍ مُّبِينٍ {الأنعام :59} ... أليستِ الورقةُ والحبَّةُ والرطبُ واليابسُ في الأرض التي نراها بأعيُننا، فهي مُبينة؟ ألا يتضحُ الآنَ من الآية إنَّ الكتابَ المبينَ ما هو إلا ما يبانُ لنا من الخلق؟

فكلُّ الخلق
في كِتَبٍ مُّبِينٍ ، أي
في خَلْقٍ مُّبِينٍ ...

وإنَّ أول ما أنزل من القرآن كان أمراً إلهياً بالقراءة، ليست قراءة الكتبِ الورقيةِ وحسب، بل قراءةَ الخلقِ مباشرةً ... قراءةَ الكتابِ المبينِ ... فتأمل في مطلع سورة العلق: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ ... خَلَقَ الْإنسَنَ مِنْ عَلَقٍ ... فالأمر هنا بقراءة الخلق، وهو كتاب مبين ...

ولو افترضنا جدلاً بوجودِ كتاب إحصاء عند الله تعالى فينبغي عليه ألا يغفَل عن ذِكْرِ أي شيء بمعنى الكلمة. فلو بحثنا مثلاً عن الورقةِ التي جاءَ ذِكرُ سقوطِها في الكتاب، فينبغي أن يُذكَرَ تفاصيل لونها، شكلها، وزنها، حجمها، سرعتها، طريقة مسارها أثناء السقوط، سرعةُ الرياح واتجاهها في ذلك المكان آنذاك، فضلاً عن التفاصيلِ الدقيقةِ مثل لماذا ومتى سقطت وما مكوناتها من الخلايا الحية والميتة وكيف تغذت كل خلية منها، وما الحشراتُ والآفاتُ التي عاشت عليها، وما العناصرُ والمركبات العضوية والكيميائية فيها، بل وما هو تاريخ وأصل الورقة وخلاياها والعناصر والمركبات الكيميائية منذ خلق السموات والأرض إلى حين سقوطها، وما إلى ذلك من تفاصيل يتوجبُ على كتاب الإحصاء أن يفصلها. في الحقيقةِ تفاصيل الورقةِ لا تتسع مجلدات الدنيا لذكرها، وفي الحقيقةِ لا يُمكنُ تخيل هذا الكتاب إلا أن يكون كتاباً ناطقاً شاملاً هو بذاته الورقة الساقطة تحكي كلّ شيء بنفسها!

فعبارة "كتاب" لا ينبغي حصرها على معنى أحرفٍ وكلماتٍ تكتب على ورق أو لوحٍ فهذا تعريفٌ بدائيٌ للغاية. فنحن نعلم الآن أنَّه يمكن وضع الكتاب على جهاز حاسوب أو شريط مُمَغنط أو شريط كاسيت أو ما إلى ذلك من وسائل. فلماذا لا يكون الكتابُ المقصود في الآيات شريط فيدو مثلاً بل ولماذا لا يكون أكثر دقةً فيكونُ ثلاثيَّ الأبعاد حياً زاخراً تتفاعل مكوناته مع بعضها البعض؟

فمن الدارج عند الناس إنَّ صورة واحدة خيرٌ من ألف كلمة. فلو كتبت لك في ورقة: طيرٌ على الغصن، فستتخيلُ طيراً وغصناً من عندك ولكن لو أعطيتك صورةَ طير على غصن، فستعلم مباشرة وبالتحديد جميع مواصفات الطير والغصن. فالصورةُ أيضاً كتاب تقرؤه بعينك ولكنها تعطيك معلومات لا تقارن في كميتها ونوعيتها بتلك التي تعطيك الكتابة الخطية على الورقة. أمَّا لو وضعتك في منظرٍ طبيعي حقيقي ثلاثيَّ الأبعاد فيه طيرٌ على الغصن، فلا بد وأنَّك ستعلم الكثير مما يتجاوز القراءة. إذ ستبصرُ بعينك المشهد مجسماً بما في ذلك المحيط البيئي كاملاً، وستستعملُ جميعَ حواسكَ الأخرى مثل الشمِّ والحسِّ بالحرارةِ والبرودةِ والطقس لتدرك الواقعَ تماماً، وبأدقِ تفاصيله.

وقد يرد البعض على قولي هذا بآيات قرآنية يُفهم من الوهلة الأولى منها أنَّ الأقدار الإلهية تكتبُ كتابةً في كتاب عند الله جلّ جلاله مثل الآية {21} من سورة المجادلة: كَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرسلى إِنَّ اللهَ قَوِى عَزِيزٌ {21} ... فيعتقدون بكتاب أو لوح ما كُتبَ فيه هذا القدر ولا يفهمون من الآيةِ أنَّ الكتابة هنا بمعنى "الأمر" بمعنى: أمر الله لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرسلى ...

ولن نضطرَ للذهاب بعيداً لإثبات ما نقول به من أنَّ الكتاب المقصود ليس المفهوم الحرفي للكلمة، ففي الآية التالية مباشرة، أي الآية {22} نجدُ العبارةَ: {أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِى قُلُوبِهِمُ الْإيمنَ ...} فمن يفهمُ منها وجودَ "كتب" داخل قلبه يكتبُ فيه أنَّه مؤمن؟ فالمعنى هو {أُوْلَئِكَ جَعَلَ فِى قُلُوبِهِمُ الْإيمن}!

وكذلك لا يفهمُ من قوله تعالى: يأيُّها الَّذِينَ ءامنوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ على الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ... {البقرة: 183} أنَّ الكتاب المقصودَ هو كتابةٌ على جسدِ الإنسان أو على لوحٍ ما، لأنّ كُتِبَ هنا بمعنى فُرِضَ ...

ومن هذا المنظور الشامل للكتاب يمكن فهم جميع الآيات الأخرى التي قد يُفهم منها وجود كتاب أقدار عند الله سبحانه وتعالى ...

يتبع ....
 
بدايةً أرحب بك سعادة الدكتور في ملتقى أهل التفسير وأسأل الله لك التوفيق والسداد.
بخصوص ما تفضلت به في هذا الجزء من الموضوع فأرجو أن يتسع صدرك لهذه النقاط التي لا تعدو أن تكون مباحثات علمية في نطاق التخصص:

أولا: قدمت بمقدمة جميلة ذكرت فيها أمورا يشترك في ذكرها من تحدث في إعجاز القرآن الكريم وأنه الكتاب الذي لا تنتهي عجائبه، ثم عقبت "بألا ينبغي حَصْر حِكْمة آيةٍ من المصحفِ في ظروفِ نُزُولِها، أو حَصْر تفسيرَها في أقوالٍ محددةٍ من السَلَفِ"
وأتساءل: هل لهذا علاقة بالموضوع المطروح؟
الموضوع -كما يظهر- يتحدث عن الكون (كتاب الله المنظور) كما يسميه البعض في مقابل (الكتاب المقروء)، فهو بهذا داخل في نطاق التفكر في المشاهد الكونية والتدبر للآيات القرآنية الدالة عليه، وهو أمر معلوم من قديم أفاض فيه السلف ولم يجهلوه (الكلام عن أصله لا جزئياته) فما مناسبة هذه المقدمة؟
أعتقد أن مثل هذه المقدمة إنما تذكر حينما نريد طرح شيئ لم يكن عند السابقين منه علم، أما في مثل هذه الحالة فلا مناسبة.

بالإضافة إلى أن الحديث عن علم السلف يحتاج إلى معرفة دقيقة به قبل الحكم عليه، فللسلف منهجهم في تأويل الآي وبحثها، وكلامهم يحتاج إلى دُربة ومراس لفهم لوازمه ومحترزاته، وكثير من الانتقادات تأتي للأسف بغير هذه المعرفة الدقيقة، وهذه إشكالية علمية لا أشك أنك توافقني عليها.

وإذا رجعنا إلى تفسير السلف للآيات المذكورة محل البحث كقوله تعالى: (تلك آيات الكتاب المبين) وقوله: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقوله: (كل في كتاب مبين) وقوله: (لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) وقوله: (ولدينا كتاب ينطق بالحق) وقوله: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) وغيرها مما ورد في البحث =نجد تفسيرا واضحا ثابتا منضبطا لا إشكال فيه، بينما نجد ما ذكرته أخي الكريم لا يعدو أن يكون مجرد ظن لا دليل عليه وتفسير غير واضح بالإضافة لوقوعه في إشكالات علمية ولغوية لا حصر لها!
واعذرني على العبارة أخي الكريم، فأنا أعني ما أقول، ونحن نتحدث عن كتاب الله تعالى الذي جاء الوعيد الشديد فيمن تكلم فيه بغير علم.

ويكفي من يمر على المقال أن يصل إلى هذه النتيجة بدون تكلف، فهل يعقل أن (مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَبِ مِن شَىءٍ) تعني (مَّا فَرَّطْنَا فِى الخلق مِن شَىءٍ)؟!
وأن كلمة "كتاب" في عدةِ مواضعَ في المصحفِ الشريف هي خلقُ السموات والأرض على سبيل المجاز والاستعارة!
وأن (لقد لبثتم في كتاب الله) تعني (في خلق الله)؟!
وأن معنى (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) أن الإنسان يشهد على نفسه لأنه من الكتاب الذي هو الخلق؟!
ثم من قال إن كلمة "مبين" إذا فُسِّرت حرفياً تعني ببساطةٍ أنَّه يمكنُ رؤيتُه بالعينِ مباشرةً وبوضوحٍ؟!
من قال هذا الكلام؟
وما معنى التفسير الحرفي؟
نحن نعرف التفسير على اللفظ والتفسير على المعنى، ولا يدخل هذا في ذا ولا ذاك.
كما أود سؤالك: هل غابت معاني كلمة (كتاب) وأصولها اللغوية والاشتقاقية واستعمالاتها في القرآن عن علماء التفسير حتى تحتاج منك إلى تنبيه؟

أخي العزيز ..
هذا غيض من فيض مما جاء في هذا الموضوع من استنتاجات أقل ما أقول أنك استعجلت في طرحها قبل عرضها على أحد المختصين.

بالإضافة لما وقع فيه المقال من إنكار للكتابة القدرية واللوح مما هو من صميم العقيدة، وتأمل معي هذا النص:

ولو افترضنا جدلاً بوجودِ كتاب إحصاء عند الله تعالى فينبغي عليه ألا يغفَل عن ذِكْرِ أي شيء بمعنى الكلمة. فلو بحثنا مثلاً عن الورقةِ التي جاءَ ذِكرُ سقوطِها في الكتاب، فينبغي أن يُذكَرَ تفاصيل لونها، شكلها، وزنها، حجمها، سرعتها، طريقة مسارها أثناء السقوط، سرعةُ الرياح واتجاهها في ذلك المكان آنذاك، فضلاً عن التفاصيلِ الدقيقةِ مثل لماذا ومتى سقطت وما مكوناتها من الخلايا الحية والميتة وكيف تغذت كل خلية منها، وما الحشراتُ والآفاتُ التي عاشت عليها، وما العناصرُ والمركبات العضوية والكيميائية فيها، بل وما هو تاريخ وأصل الورقة وخلاياها والعناصر والمركبات الكيميائية منذ خلق السموات والأرض إلى حين سقوطها، وما إلى ذلك من تفاصيل يتوجبُ على كتاب الإحصاء أن يفصلها. في الحقيقةِ تفاصيل الورقةِ لا تتسع مجلدات الدنيا لذكرها، وفي الحقيقةِ لا يُمكنُ تخيل هذا الكتاب إلا أن يكون كتاباً ناطقاً شاملاً هو بذاته الورقة الساقطة تحكي كلّ شيء بنفسها!
فعبارة "كتاب" لا ينبغي حصرها على معنى أحرفٍ وكلماتٍ تكتب على ورق أو لوحٍ فهذا تعريفٌ بدائيٌ للغاية!

أعيذك أخي أن تكون كتبت هذه الكلمات إلا متعجلا، فكتابة الأقدار مما لا يجهله مسلم، وأما كيفية الكتاب فمن علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فلمَ التخرص؟!

ختاما..
أعلم أنك تريد الوصول إلى أن كتاب الله المنظور هو الموضِّح و(المبيِّن) لعظمة خالقنا جل في علاه وعظيم حكمته وبديع صنعه، وهذا معنى جميل صحيح ولا شك، والآيات الدالة على هذا المعنى الجليل أكثر من أن تحصى، بل يكفينا قول ربنا: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ...) وما بعدها من الآيات التي قال عنها رسولنا صلى الله عليه وسلم : ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها.
أقول: مثل هذه الآية وغيرها من الآيات فيها الغَناء الكفاية والدعوة الكاملة للتفكر في خلق الله وآياته العظام وإعمال الفكر والقلب والجوارح في استكناه أسرارها والكشف عن خباياها.
وما ذكره العلماء –السلف ومن بعدهم- في تفسيرها كلام جميل واضح رائق يثلج الصدر ويحيي الضمير، وإذا أشكل علينا منه شيء فدوننا المختصين وعلماء التفسير لسؤالهم، فكل علم يُسأل فيه أهله.
ولسنا بعد ذلك بحاجة إلى أن نتكلف أو نتعسف في ليِّ أعناق الآيات حتى تدل على ما نريد، فنقع في إشكالات كنا في غنى عنها.

هذه مجرد خواطر سريعة بعد قراءتي للموضوع، أسأل الله أن يوفقنا جميعا لعلم نافع يرضى به عنا.​
 
أخي العزيز محمد عبادي ...
حفظه الله تعالى ...

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...

سعدت بردك المفصل على مقالتي ... وهذا لا يزيدني إلا سعادة فالغرض من الموضوع الفائدة لي أولا ثم للقرآء الأعزاء. فالحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أحق بها ...

ولا شك عندي من أن صدرك الرحب سيتسع لوجهة نظري ... وأعتذر مسبقا إن لم أوفق في إجابتي ...

أعتقد أنك تتفق معي بأنه لا ينبغي حَصْر حِكْمة آيةٍ من المصحفِ في ظروفِ نُزُولِها، أو حَصْر تفسيرَها في أقوالٍ محددةٍ من السَلَفِ أو من الخلف فالقرآن الكريم كلام الله تعالى الذي يحمل صفات منزله الكريم سبحانه وتعالى. فهو كتاب حي كريم في عطائه وتجدده إلى يوم الدين. وهذا ما يقول به كل إنسان مسلم. لكن ليس ما يقال بالكلام هو كل الحق :
فالفعل أصدق الأقوال

فعلينا أن ننظر إلى الأفعال قبل النظر إلى الأقوال.

فمعظم التفاسير المتداولة هي لأناس سبقونا بألف سنة. أما التفاسير الحديثة فهي إعادة صياغة لما سبق عدا ما يتكلم منها عن الإعجاز العلمي.

فنحن وللأسف الشديد لا نفهم القرآن العظيم ومعانيه كما ينبغي. أما السلف فقد فهمه كما ينبغي عليه فهمه في ذلك الزمان، ولذلك كانت الأمة الإسلامية سيدة الأمم حينها. أما لو فهمنا كلام الله تعالى هذه الأيام كما ينبغي في هذا الزمن فلن نكون – كما هي الحال – في الصف الأخير من الأمم الحاضرة. فكلام الله تعالى حيٌ كفيلٌ بإحياء أي أمة ميتة إذا فُهم فهما صحيحا. ولا ينبغي لكلامه عز وجل أقل من هذا فهو نور من رب العالمين ... تبارك وتعالى ...

فمقدمة مقالتي تتحدث عن هذا الأمر وأنه لا ينبغي لكائن من كان أن ينأى بنفسه عن التفكر والبحث في القرآن الكريم ومعانيه ولا أن ينهى غيره من ذلك. وإلا لكنا من الذين قال فيهم تعالى في سورة الأنعام الكريمة: وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ. أي هم ينهون الناس عن قراءة القرءان والتفكر فيه وفي نفس الوقت يبعدون أنفسهم عن ذلك. أعاذنا تبارك وتعالى من أن نكون كذلك.

فأنا أقوم بتفسير بعض آيات القرآن الكريم من وجهة نظري فقط لسبب بسيط أضعه كما يلي:

1- أمرنا تعالى بتدبر معاني القرآن والتفكر فيها دوما. وهذا الأمر لا يخص مجموعة من الناس في زمن محدد، فلهم أعمالهم ولنا أعمالنا كما جاء في عدة آيات كريمة. ولأن العلم من العمل بل أهم ما فيه، فيكون بذلك أن لهم علمهم ولنا علمنا. ولكل زمن علمه.

2- والآن بينما أنا أقرأ القرآن وأتفكر فيه فتح الله تعالى علي بفكرة كما فتح على الذين من قبلنا، فهل علي أن أتعوذ بالله من الشيطان وأقفل باب التفكير؟ أم إن علي نشر هذا العلم؟ فإن كنت على صواب فلي أجران وإن لم أكن فلي أجر واحد. أوليس في الحديث النبوي الشريف أن من كتم علماً ألجمه الله تعالى بلجام من نار يوم القيامة؟

3- أما لو قال أحدهم أنني لا أتبع "ضوابط التفسير" فعلى القائل أن يوضح لي أين تمت مخالفة هذه الضوابط. فلو خالفت فسأرجع إلى صوابي وإن لم أخالف فعليه أن يتقبل تفسيري ويعتبره على الأقل قولا من الأقوال التي قال بها المفسرون.

بمعنى آخر لو جاء صبي في الخامسة عشر من عمره (كما يحصل أحياناً) وحلّ معضلة في علم الفيزياء مثلا فهل سنقول له اذهب أولاً للجامعة ثم تكلم في الموضوع؟ أو أننا سنقبل بحله مادام صحيحا وعقلياً ويحقق المقاصد؟

فمن وجهة نظري وأرجو أن يتسع صدرك لها أخي الفاضل وهي إن القرآن الكريم يخاطب الناس جميعا بجميع مللهم وأزمانهم. فالقرآن عندما يدحض الكفرة فإنه يدحضهم في جميع الأزمنة والأماكن. وكذلك فالمقصود بالمكذبين بآيات الله تعالى في القرآن الكريم ليس محصورا على المكذبين بآيات القرآن ذاته ونزوله وحسب في زمن النبوة، بل هم المكذبين بجميع ما في القرآن من معاني وآفاق والمكذبين بآيات الله تعالى الكونية التي لا تختلف في أي أمر عن آيات القرآن الكريم. فكتاب القرآن العظيم وكتاب الخلق المبين من إله واحد سبحانه وتعالى وينبغي أن لا يختلفا في أي شأن صغر أم كبر، وإن كان من تعارض فهو بسبب فهمنا نحن البشر.

فالمقدمة ترتبط من وجهة نظري بالموضوع.

أما عن أن البعض سبقني بتسمية الكون بكتاب الله تعالى المنظور فهذا يؤكد ما جاء في مقالتي من معاني. فلو قبل القرآء الكرام بهذا المفهوم القديم، فلماذا لا يفهموا بعض الآيات القرآنية من هذا المنظور، وخاصة أن عبارة "الكتاب المبين" في الآيات الكريمة التي أوردتها في مقالتي تتحدث – كما هو ظاهر بين – عن هذا الكون الذي نعيش فيه؟
وأنا أسأل ببساطة شديدة لو سمحت لي: أين نلبث ونعيش أنا وأنت في حياتنا؟ أليس في الأرض؟

فعندما تقول الآية الكريمة: لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَبِ الله إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ... ثم إن الكون هو كتاب منظور كما أفدتني، فلماذا لا نفهم الآية الكريمة بأننا لبثنا في هذا الكتاب المنظور؟ وهذا ينطبق على جميع الآيات التي وردت في مقالتي ولا أجد من داع لسردها هنا.


وأنا يا أخي الكريم لا أظن ظناً أو أتوهم كما قيل عني في بعض المنتديات. أنا أجد هذا الكون العظيم في القرآن الكريم وأجد القرآن الكريم في هذا الكون البديع.


أما عن أن معاني كلمة (كتاب) وأصولها اللغوية والاشتقاقية واستعمالاتها في القرآن غابت عن علماء التفسير حتى تحتاج من العبد الضعيف إلى تصحيح، فلا علم لي بذلك. الذي أعرفه أنني – كما هو من سلف – سنقف يوم الحساب سواسية وكل يسأل عن عمله واجتهاده. فلكل أمة عملها، والعلم من العمل، فلهم ما كسبوا من العلم ولنا في هذا الزمان ما كسبنا ولن نسأل عما كانوا يعملون ويعلمون، ولكن سنسأل عما كنا نعمل ونعلم.

أما عن كلمة "المبين" فلي التالي:
المبين لا تعني فقط أن هذا الشيء مبين منظور ومشاهَد بالعين، ولكنها صيغة من صيغ اسم الفاعل، مأخوذة من فعل مزيد هو (أبان)، وتعني أن هذا الشيء يُبين ويفصح عن أشياء، فهو الذي يُبين. فكلمة "مبين" تعني لغة "واضح وظاهر" كما في "نصر مبين" ... والمُبين هو المُظهر.

وليس بالضرورة أن "مبين" تعني مشاهدا بالعين، ولكنها تعني الظهور والتوضيح والبيان بأي طريقة من الطرق كأن يكون الكلام مبيناً فنحن لا نرى الكلام ولكن نسمعه. ولم أحضر هذا من عندي! فهو في معاجم اللغة.

وليتك أخي الفاضل تخبرني عن معنى "مبين" إن لم يكن كما سردته ...

والآن لو قلنا إن "الكتاب المبين" كما هو المأثور كتاب عنده عزّ وجلّ فيه احصاء كل شيء، فكيف يمكن لهذا الكتاب الذي لم يره أحد، ولم (يحس) به أحد، ولم (يسمعه) أحد من الناس، ولم يوضح للإنسان أو يبين أي شيء سواءً بالمشاهدة العينية أو بأي طريق آخر أن يكون "موضحاً" للإنسان أي أمر من أمور الدنيا والآخرة؟ بمعنى أن "مبين" للإنسان سواءً بصريا أو إدراكياً أو عقلياً فكرياً لا يحقق للإنسان أي فائدة أو حكمة إذا كان هذا "الكتاب المبين" في علم الغيب عنده تعالى. فهل يستطيع أي إنسان ضرب مثال واحد على إن هذا الكتاب المبين الذي هو في علم الغيب أثر في حياته وإيمانه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟

وهذا على العكس تماماً مما أقول به بأننا نعرف أسماء خالقنا تبارك وتعالى من هذا الخلق المبين الذي نسعد ونشقى ونحيا ونموت فيه.

وأنا أخي الفاضل لا أنكر الأقدار والعياذ بالله تعالى! فأقدار كل شيء صغر أم كبر في علم الغيب عنده تعالى. فالأمور المقدرة وغيرها هي من شؤون الخالق في علمه تعالى. أن يجعلها تعالى في كتاب أو غيره هو أمره سبحانه وليس من أمرنا، هو شأنه تعالى وليس شأننا نحن الناس. فأنا لا أنكر وجود كتاب أقدار ولا أثبت ذلك، ولكنه ليس من شأننا. ما أقوله هو أن "الكتاب المبين" الذي ورد في الآيات التي أوردتها في مقالي (وهي آيات محددة) ليست كتاب الأقدار كما يعتقد الناس، بل هي خلق السموات والأرض كما يتضح من سياق الآيات الكريمة ذاتها. وأنا أنزه الله تعالى من النسيان والحاجة إلى أي أمر، سبحانه وتعالى ...

وأخيرا أخي العزيز فإني أمضيت من عمري طويلا أبحث في آيات الله تعالى وقرأت من التفاسير ما يعلمه الله تعالى وخالطت من الناس الكثير من العارفين ولا أجد أن يحصر فهم كتاب الله تعالى على أحد من الناس. فكل له الحق في ذلك فإن أخطأ وجانب الصواب فلن يؤخذ برأيه أصلا وحسابه على العليم بذات الصدور وحده، وإن أحسن فله على قدر نيته وإحسانه.

وشكرا لك أخي الفاضل على ملاحظاتك الثمينة ... حفظك الله تعالى وحقق أمانيك ...
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...

أخوك في الله تعالى

نبيل أكبر
 
أخي نبيل ..

ليتك تجري مسحا شاملا لألفاظ (كتاب) و(الكتاب) وألفاظ (كتاب مبين) و(الكتاب المبين) في القرآن، ثم النظر في معانيها مرة أخرى هل يمكن جمعها على معنى واحد تستوي فيه الدلالة؟
 
أخي الدكتور/ نبيل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته , واسمح لي أن أكرِّر التَّرحيبَ بكَ مُفيداً مُستفيداً في مُلتقى أهل التفسير , وقد استغلقَ عليَّ فهمُ بعضِ نقاط موضوعك فأردت السؤال عنها لتتكرَّم بالإجابة مشكُوراً مأجوراً.

من قواعد التَّـفسير (الأغلبيَّـة) أنَّ :
المعنى القُرآنيَّ متى تردَّد بين الحذفِ والزِّيادة على نصِّ الآيةِ فحملُ المعنى على النَص المُنزَل أولى من ادِّعاء الزِّيادة بغير دليلٍ.
ولو أردنا تطبيق هذه القاعدة في تفسير قوله تعالى {حـم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } لوجدنَا حملَ المعنى على إرادة القُرآن بهِ أولى من ادِّعاء حمله على إرادة الكون , وذلك لأمور عديدةٍ تُعتَبر مُخالفَةً لضوابط التَّفسير التي طلبتَ إيضاحَها للرجوع إليها , ومنها:
- أنَّ ادِّعاءَ إرادة الكَون يحتاجُ دليلاً شرعياً صارفاً , ولا دليلَ مُعتبَرَ إلا الاستحسانُ والتَّجديد.
- أنَّ ادِّعاء إرادة الكون يحتَاجُ للتقدير والزِّيادة على نصِّ الآية , وذلك لأنَّ الكونَ لا يصلحُ وصفهُ بأنَّ الله أنزله في ليلةٍ مُباركة.
- أنَّ من مُهمَّـات وقواعد إيضاح المعاني القرآنية مُراعاةَ السِّياق , وإرادة الكون بوصفِ الكتاب انقلابٌ على السياق وإهمالٌ له.
-تحويل السِّياق القُرآني عند المُفسرينَ لا يُعتَبر حتى يُقيم المُحوِّلُ على عمَلهِ دليلاً من الوحي (الكتاب والسنة) يجبُ التَّسليم لهُ وبهِ , لأنَّ الدَّعاوَى تتعدَّدُ بعدد البَشَر وغيرُ مُتعذِّرةٍ على أحد.
- أنَّ هذا التفسير سيجُرُّنا إلى سلسلةٍ من التَّأويلاتِ لا قبَل لنا بها , فإذا سلَّمنا جدَلاً بأنَّ الكتابَ المُبينَ هُو الكونُ , فما الذي يمنعُ كاتباً آخَر أن يُقسمَ بأنَّ النُّور المُبين في قوله تعالى {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا} هو الشمسُ لأنَّـها أعظمُ وأكبرُ النَّيِّـرات ..!

وضعتَ - حفظك الله - قاعدةً تقولُ فيها (ولكن نشيرُ هنا إلى أنَّ كلمة "مبين" إذا فُسِّرت حرفياً تعني ببساطةٍ أنَّ الشيءَ المُبينَ يمكنُ رؤيتُه بالعينِ مباشرةً وبوضوحٍ) وهذه القاعدةُ لها حالان لا ثالث لهُما:

- أن يُمكنَ تطبيقُها على كُلِّ معاني هذه اللفظة في القرآن بعد المسح الشامل كما تفضَّل أخي الحبيب محمد , ودون ذلك طيُّ السَّحاب.
- أن تُخَصَّص ببعضِ موارد هذه اللفظة ولا يُسَلَّمُ ذلك بغير دليلٍ يجبُ التَّسليمُ لهُ وبه.

فإذا التَزَمنا الحالةَ الأُولى وأردنا صرفَ معانيها في كل القرآن إلى الشيءِ المُبينِ الذي يمكنُ رؤيتُه بالعينِ مباشرةً وبوضوحٍ لَوَاجهَـتنا مُعضلَةٌ عقَديَّـةٌ عند تفسير قول المَـولى سبحانه وتعالى { وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } , ولَـتعذَّر علينا بعد ذلكَ تفسير قوله تعالى {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين} لأنَّ الله تَعالى أخبَر أنَّ هذا العدُوَّ المُبينَ لا يُمكن لنا أن نراهُ بالعين المباشرة وبوضوح {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُم} وكذلك الحالُ في قوله تعالى {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} فلم يسبق لأحدٍ الزَّعمُ بمُعاينته لهيئات وأشكال الآثام والسيِّئات ووصفَ الله الإثمَ بالمُبين مع أنَّهُ غيرُ مُعايَنٍ ولا مَحسوس , وكذلك الحالُ في قوله تعالى { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } فإنَّـهُ سيُصبحُ مُشكلةً من مشَاكل التَّفسير إذا جَزَمنا بأنَّ المُبينَ هو ما يمكنُ رؤيتُه بالعينِ مباشرةً وبوضوحٍ , ذلكَ أنَّ الآيةَ ستحمِلُ في دَلالتِـها تناقُضاً لا كاشفَ لهُ إذْ جعلتْ كُلَّ غائبة في السماوات والأرض واضحةً مُشاهدةً بالعين مُباشرةً , وما كان كذلك فلا وجهَ لتسميته غائباً , والقرآنُ يتنزَّهُ عن مثل هذه التناقضات , إلى عشرات الأمثلة التي تُؤكِّـدُ استحالةَ صحَّـة تعريف المُبين في القرآن بما عرَّفتُموه به حفظكم الله.

أمَّا الحالةُ الثَّانيةُ وهي تخصيص المُبين في القرآن بتعريفكم في بعض المواضع دون بعضٍ بدلالة مقبولة فهُو صحيحٌ وتقتضيه كثيرٌ من سياقات القرآن وآياته التي منها قول الحق جل وعلا {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} وقوله عز وجل { فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ } , وليسَ من هذه المواضع قوله تعالى {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} والله تعالى أعلمُ.
 
أخي العزيز محمد عبادي

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...

أنا لم أقل أن ألفاظ "الكتاب" في جميع المصحف لها نفس الدلالة !!! بل وضحت ذلك مرارا وتكراراً ...

وشكراً مرة أخرى ...
 
أخي وأستاذي الكريم محمد الشنقيطي
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ...

أشكرك جزيلا على تعليقاتك القيمة وعلى وقتك الثمين ... وأعتذر عن التأخر بالرد على انتقاداتك القيمة ...

وأرجو من حضرتك مسبقا السماح لو خالفتك في بعض الأمور التي ولا شك عندي أن صدرك الرحب يسع ذلك.

سيدي الكريم ما تفضلت به بخصوص : (المعنى القُرآنيَّ متى تردَّد بين الحذفِ والزِّيادة على نصِّ الآيةِ فحملُ المعنى على النَص المُنزَل أولى من ادِّعاء الزِّيادة بغير دليلٍ). والذي أوردت في سياقه تفصيلا شديدا عن بعض الآيات القرآنية الكريمة ... فأنا لا أختلف معك فيه البتة ...

فأنا أقول أن "الكتاب المبين" هو خلق السموات والأرض في الآيات المحددة التي ذكرتها فقط في المقال وليس في جميع المصحف الشريف. وهذا واضح جلي في المقال!؟

فكلمة "كتاب" تحتمل عدة معاني كما هو معلوم للجميع. فقد تحمل معنى الفرض والأمر كما جاء مثلا في "كتب عليكم الصيام". أي "فرض وأمر". أو أن تكون بمعنى القرآن كما في بعض مطالع السور الكريمة، فمثلا كما في سورة يوسف: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) فالكتاب هنا ليس الخلق من منظوري.

وكذلك عن "الكتاب في مطلع الزخرف، فلا أختلف معك على أنه القرآن ... وأنا لم أتطرق بتاتا إلى هذه الآيات في مقالي ... فهل وضعتها سهواً في المقال؟؟؟ والشيء نفسه يقال عن آية مطلع سورة الدخان الكريمة التي تفضلت بذكرها ... وغيرها الكثير من الآيات الكريمة التي لم أتكلم عنها من قريب أو بعيد!

وكذلك أجد إقحاما لموضوع "إرادة الكون" في مقالي!!! فمن تكلم عن "إرادة الكون" في مقالي؟


في الحقيقة أشعر وكأنني مضطر لأجيب عن كاتب آخر وضع مقالاً آخر لا يمت إلى مقالي بصلة !


أما عن المبين فهي لا تعني فقط أن هذا الشيء مبين منظور ومشاهَد بالعين، ولكنها صيغة من صيغ اسم الفاعل، مأخوذة من فعل مزيد هو (أبان)، وتعني أن هذا الشيء يُبين ويفصح عن أشياء، فهو الذي يُبين. فكلمة "مبين" تعني لغة "واضح وظاهر" كما في "نصر مبين" ... والمُبين هو المُظهر.

وليس بالضرورة أن "مبين" تعني مشاهدا بالعين، ولكنها تعني الظهور والتوضيح والبيان بأي طريقة من الطرق كأن يكون الكلام مبيناً فنحن لا نرى الكلام ولكن نسمعه. ولم أحضر هذا من عندي! فهو في معاجم اللغة.

فعبارة "إنه لكم عدو مبين" تعني واضح جلي في عداوته ولكنا لا نشاهد بالعين ما في قلبه! ... وكذلك الحال في الآيات الأخرى التي تفضلت بذكرها في ردك الكريم ولم أتطرق إليها أنا في مقالي.

والآن لو قلنا إن "الكتاب المبين" كما هو المأثور كتاب عنده عزّ وجلّ فيه احصاء كل شيء، فكيف يمكن لهذا الكتاب الذي لم يره أحد، ولم (يحس) به أحد، ولم (يسمعه) أحد من الناس، ولم يوضح للإنسان أو يبين أي شيء سواءً بالمشاهدة العينية أو بأي طريق آخر أن يكون "موضحاً" للإنسان أي أمر من أمور الدنيا والآخرة؟ بمعنى أن "مبين" للإنسان سواءً بصريا أو إدراكياً أو عقلياً فكرياً لا يحقق للإنسان أي فائدة أو حكمة إذا كان هذا "الكتاب المبين" في علم الغيب عنده تعالى. فهل يستطيع أي إنسان ضرب مثال واحد على إن هذا الكتاب المبين الذي هو في علم الغيب أثر في حياته وإيمانه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟

وهذا على العكس تماماً مما أقول به بأننا نعرف أسماء خالقنا تبارك وتعالى من هذا الخلق المبين الذي نسعد ونشقى ونحيا ونموت فيه.

سيدي العزيز أنا أفسر القرآن الكريم بالقرآن الكريم ... وذلك أعلى مراتب التفسير. فإن وجدت أنني جانبت الصواب في ذلك من "" مقالي أنا "" فأرجو التكرم بإيضاحه لي ...

وشكرا لك مرة أخرى أستاذي الفاضل على ملاحظاتك القيمة ... ودمتم في حفظه تعالى ورعايته ...

نبيل
 
و ما زال سعادة الدكتور يتحفنا بتأويلاته البديعة !!!
سأنتقي فقرة واحدة من جملة مقالك الطويل العريض , الذي برهنت فيه على كل شئ إلا شيئا واحدا , هو الإلتزام بالمنهج العلمي و العقلي و الواقعي الذي تنادي به , و من يشاكلك من دكاترة هذه الأيام ..
قلت : " ولو افترضنا جدلاً بوجودِ كتاب إحصاء عند الله تعالى فينبغي عليه ألا يغفَل عن ذِكْرِ أي شيء بمعنى الكلمة. فلو بحثنا مثلاً عن الورقةِ التي جاءَ ذِكرُ سقوطِها في الكتاب، فينبغي أن يُذكَرَ تفاصيل لونها، شكلها، وزنها، حجمها، سرعتها، طريقة مسارها أثناء السقوط، سرعةُ الرياح واتجاهها في ذلك المكان آنذاك، فضلاً عن التفاصيلِ الدقيقةِ مثل لماذا ومتى سقطت وما مكوناتها من الخلايا الحية والميتة وكيف تغذت كل خلية منها، وما الحشراتُ والآفاتُ التي عاشت عليها، وما العناصرُ والمركبات العضوية والكيميائية فيها، بل وما هو تاريخ وأصل الورقة وخلاياها والعناصر والمركبات الكيميائية منذ خلق السموات والأرض إلى حين سقوطها، وما إلى ذلك من تفاصيل يتوجبُ على كتاب الإحصاء أن يفصلها. في الحقيقةِ تفاصيل الورقةِ لا تتسع مجلدات الدنيا لذكرها، وفي الحقيقةِ لا يُمكنُ تخيل هذا الكتاب إلا أن يكون كتاباً ناطقاً شاملاً هو بذاته الورقة الساقطة تحكي كلّ شيء بنفسها " ..
حسنا .. لو رجع بنا الزمن إلى الوراء مائة عام فقط , و عرضنا على شخص له باع طويل في فنون العلم و المعارف , ذاكرة الفلاش ( clé usb ) بسعة 4 جيجابيت مثلا , أو قرصا صلبا خارجيا ( disque dur externe ) , و قلنا له بأن هذه الذاكرة أو هذا القرص الصلب يحتوي على عشرات المجلدات من الكتاب و العشرات من مقاطع الفيديو و الموسيقى , اتصور يا سعادة الدكتور أنك توافقي أن أدنى كلمة سنسمعها منه هي : يا هذا إنك أحمق , تهرف بما لا تعرف , أيعقل في منطق العقل و العلم و الواقع أن أؤمن أن هذه الذاكرة التي لا تتجاوز اصبع اليد أو هذا القرص الذي بالكاد يملئ الكف يحتوي على ما قلتم .. هذا مستحيل !!! السبب يا سعادة الدكتور ليس لأن عقله لم يتسع لهذا الإيمان الذي ظن أنه من قسم المستحيلات و هو يرى أن بضع عشرات من الكتاب ترتفع حتى تصير مثل الحائط علوا و ارتفاعا فكيف يسعها شئ تافه تخفيه اليد ؟! إذن دعني أقول لك يا سعادة الدكتور بكل أسف : أن عقلك - مثل عقل صاحبنا - لم يتسع ليوقن أن الله تعالى بعظمته المطلقة قادر على خلق كتاب له طبيعة خاصة يستطيع أن يحتوي على معلومات الوجود منذ أذن الله تعالى ببروز هذا الوجود إلى الحياة بكل تفاصيله و دقائقه ..
ثم ..
لعلك سمعت يا سعادة الدكتور بشئ في فن الطب اسمه : شريط الحمض النووي المعروف اختصارا بـ " شريط DNA " , للبيان أنقل لك من موقع الوراثة الطبية تعريف هذا الشئ العجيب الذي لو لا العلم و الواقع لم تتسع له عقول أكبر الفلاسفة و جهابذة المنطق : " طوله بآلاف الأمتار و لكنك لا تراه بالعين المجردة ، إنه أرق من خيط الملابس بـملايين المرات . هذا العقد الطويل ( DNA ) يجدل ويطوى طياً محكما و يرص و يصف بشكل بديع ليصبح كروموسوما. لذلك الكروموسوم في الواقع عبارة عن خيط طويل ملتف من الحمض النووي ( DAN ) . و كما أن عقد اللؤلؤ الطبيعي يحتوي على حبات لؤلؤ مرصوصة على طوله ، فأيضا الحمض النووي ( DAN ) يحتوي على حبات مصفوفة على طوله تسمى مورثات أو جينات(مفرد مورث أو جين). يوجد 30000 مورثه موزعه على الـ 46 كروموسوم ( 30000 حبه لؤلؤ في كل العقود ). تحتوي هذه المورثات على وصفات ( كمقادير إعداد الطعام ) لتحضير جميع البروتينات بأنواعها. و البروتينات هي المواد الأساسية لبناء الخلية ولاستمرارها في العمل. في كل خلية من خلايا جسمنا نسختين من كل مورث، واحدة منها موجودة على الكروموسوم الذي ورثناه من أمهاتنا والمورثة الأخرى موجودة على الكروموسوم الذي ورثناه من آبائنا " هذا الشريط يا سعادة الدكتور الطويل جدا و لا يرى بالعين المجردة يحتوي على معلومات كل إنسان الشخصية من لدن أبينا آدم عليه السلام .. طيب يا دكتور خليني أقول بكل أسف : العقل الذي لا يتسع لفهم هذا الشئ العجيب و بالتالي يسارع لانكاره و هو شئ مبرهن عليه علميا و واقعيا , يضارع عقلك الذي استغرب و استعجب وجود كتاب إلهي له خاصية فريدة فائقة الدقة و التركيب يجتوي على معلومات الوجود كلها .. و لا داعي لأن أذكر لك أيضا شيئا اسمه : تقنية النانو التي تتعامل مع معلومات غاية في الدقة بمقياس : جزء من ميليون جزء من الميليمتر , و لا داعي لأن أذكر لك أيضا شيئا اسمه العقل البشري الذي قال عنه العلماء اليوم أنه كاميرا فائقة الدقة ما تراه و يمر أمامها لا يمحى أبدا بل يظل مخزونا هناك في الأعماق المجهولة و ما النسيان إلا عوارض عرضت للذاكرة العقلية منعتها من التذكر كما ينبغي بحيث لو ارتفعت هذه العوارض لأخبرنا هذا العقل بكل شئ مر به مدة حياته مهما امتدت طولا و عرضا .. و خليني اقول لك يا سعادة الدكتور بكل أسف : ان العقل الذي لا يتسع لهذه الحقائق العلمية , يضارع عقلك الذي لم يتسع للإيمان بوجود كتاب مخلوق من مادة خاصة له تركيب خاص بحيث يستطيع احتواء معلومات الوجود المخلوق كلها ..
أتصور يا سعادة الدكتور أن الإشكالية الكبيرة التي تقع فيها أنت و من يشاكلك من دكاترة هذه الأيام أنك تنطلق في الفهم دونما ضوابط , أي أنك تمارس الحرية الفكرية المطلقة في مجال التعامل مع كتاب الله تعالى , و ليت شعري أيصح لك أن تتعامل مع فن من فنون العلم المعاصرة بمثل هذه الحرية , و أنت تعلم كل فن من فنون العلم سواء النظرية أم التطبيقية قائمة على شئ اسمه : علم المنهج ؟؟ كل شئ يا دكتور له قوانين يجب أن نحترمها لكي نصل إلى الغاية فيه , لكي نفهمه كما ينبغي , و بالتالي نتعامل معه كما ينبغي . إنني لا أستطيع أن أتصور أني موقن بعظمة الله المطلقة ثم أقول إني عقلي يوجب علي أن افهم كلام الله بما لا تقره اللغة التي اختارها الله لكلامه و لا تقبله القواعد و الأصول التي قررها في شريعته ..
يا دكتور : رغبتك في الشئ لا تنفي تقيّدك بقوانينه و أصوله و مبادئه .
 
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]أخي نور الدين[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]أعتقد أن الإشكالية أنك لا تمعن في القراءة فتحكم بلا دليل. [/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot]أنا ببساطة ((لم أنكر أن لله تعالى كتاب يحتوي على علوم خلقه)). وقد تكلمت أعلاه بالتفصيل الشديد في مداخلات أخرى عن نفس المسألة.[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot] فالذي أقوله قد يكون هناك كتاب كهذا لكنه ليس من شئننا نحن الناس، كما إن هذا الكتاب ليس في الآيات التي ذكرتها أنا في مقالي والتي وردت فيها عبارات الكتاب المبين كما يوضحه السياق.
[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]أما إنه تعالى ليس بحاجة إلى كتاب إحصاء، فهل تنكر هذا؟ أو أنك تقول أنه تعالى بحاجة إلى كتاب يرصد ويجرد الخلائق؟
[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]فهلا تفضلت حضرتك بذكر الآيات الكريمة التي وردت فيها عبارة "الكتاب المبين" من مقالي ونقد تأويلي لها أنها ما هي إلا خلق السموات والأرض؟
[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]هل تستطيع فعل ذلك من أجلي؟
[/FONT]

[FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]وشكرا وتقديرا
[/FONT]
 
عودة
أعلى