السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لما أسري برسول الله محمد صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس و عرج به إلى السماء , كان يجد في كل سماءٍ نبيّاً من الأنبياء , ولم يجدهم كلهم في الفردوس الأعلى أو في السماء السابعة !
وهذا مما يحيّر الصغار الذين يظنون أن كل الأنبياء موجودون في نفس الدرجة من الجنة.
ولكن اقتضت سنة الله و حكمة الله أن يصطفي من البشر بعضاً منهم كما اصطفى من الملائكة أيضاً, فقال الله تعالى: ( الله يصطفي من الملائكة رسلاً و من الناس إن الله سميع بصير ) , و لكن هل الرسل كلهم بنفس الدرجة ؟ يجيب الله تعالى : ( تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله و رفع بعضهم درجات) و كان ممن فضلهم الله عز و جل أولوا العزم من الرسل , واختار الله و فضّل عليهم جميعاً إمام الأنبياء في بيت المقدس وسيدهم و خاتم النبيين محمد صلى الله عليه و سلم.
ونحن أُمِرنا كمسلمين أن لا نفرق بين أحد من رسله ( لأننا لا نصل إلى درجة صبرهم وإحسانهم فالله عز و جل عصمهم ) بينما نحن نخطئ و نصيب و نجتهد .ومن بعد الأنبياء فضّل الله الصحابة , و من الصحابة كان الخلفاء الراشدون هم أفضل الناس و أمثلهم طريقة. ولكن هل جزاء الإحسان إلا الإحسان !
هل كل البشر ( من غير الأنبياء و الرسل ) يبتلون بنفس النوع من الابتلاءات ؟ فمن ابتلي كابتلاء نبي من الأنبياء مثلا ( و لكن بدرجة أقل فالأنبياء أشد الناس بلاءاً بلا ريب ) , و ذكر صبر ذاك النبي في ذات الموقف , وامتثل أمر الله بالصبر على ما أصابه متأسياً بالنبي ( بدلا أن يشتكيَ همه للخلق و يبث شكواه لغير خالقه ) فهل يعتبر من المحسنين أم لا ؟ألا يباهي الله بنا ملائكته ويذكرنا -إن ذكرناه في ملأ- في ملأ خير منهم ؟! ثم من هم الذين سيذكرون الأنبياء و يتأسّون بهم ؟!
ليس كل الناس منقادين لله و لكتبه السماوية , هذا أولا.
وثانيا : من المسلمين من لا يتأسى بالأنبياء و لا يأبه لدين الله.
وثالثا : من يجزع من المؤمنين أو يرتاب في لحظات ضعف كثر , و قد أكون منهم و لكني أستغفر الله و أتوب فورأ لقول الله تعالى : ( إن الذين اتقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون ) في رأيي أن المقصودين من الآخرين في الآية هم ذاتهم الآخرين في سورة الواقعة ( ثلة من الأولين و قليل من الآخرين ) , ذلك أن من يذكر الله و أنبياءه بخير في زماننا من المسلمين أو النصارى أو اليهود هم قلة .. بل الكثير من المسلمين الشباب بالكاد يعرف قصص الأنبياء , فما بالك أن يسترشد و يعتبر بأحوالهم.
لو تأملت الآيات في سورة فصلت لوجدت الفرق بين الكلمتين : المحسنين و المؤمنين. جاء جبريل عليه السلام ذات يوم على هيئة رجل لم يعرفه أحد من الصحابة , وعندما خرج من مجلس الرسول صلى الله عليه و سلم , قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أن هذا جبريل جاء ليعلمكم دينكم !هذابالرغم من أن جبريل عليه السلام سأل الرسول محمد صلى الله عليه و سلم ثلاثة أسئلة و أجابها الرسول صلى الله عليه و سلم ... فما الذي كان يعلمنا إياه جبريل عليه السلام بتلك الأسئلة ؟
سأل عن الإسلام.
ثم سأل عن الإيمان.
ثم سأل عن الإحسان.
الإسلام بكلمات مبسطة هو الدخول في الدين والشريعة و أداء فرائض الجوارح .
الإيمان بكلمات مبسطة هو الدخول في المعتقد الجديد و لكن من ناحية القلب و اليقين .
الإحسان بكلمات مبسطة هو أن تفعل كليهما معاً و لكن تكبر الله , فتراه معك دائما و مطلع على قلبك و على فرائضك فتستحي أن لا يكون خارجك متوافق مع داخلك .و تظل تبحث عن الكمال في العبادة والأخلاق ارضاءاً لخالقك. وهذا هو الإحسان و هو مطلب فرضه الله على الناس ما بين حياتهم و مماتهم في سورة تبارك ( الملك ) لقول الله تعالى : ( تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير(1) الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً و هو العزيزالغفور(2) )لا أدري أين الخطأ في أن تفكر أن الله سوف يجازي المحسن من الناس بنفس الجزاء كما الأنبياء ... هذا مع التذكر دوما بأن المحسنين قلة و لكننا نذكرهم بأحسن أعمالهم ,ونثني عليهم , وليس في هذا أي خطأ فهذه آثارهم التي تركوها خلّدها الله في أذهان الناس , و رفع بها ذكرهم , فهل ننسى صلاح الدين الأيوبي مثلاً لأننا لا نريد أن نذكره كما نذكر أنبياء الله .. ثم إن ما وصلنا من تاريخ الأنبياء هو ما نعرفه من كتاب الله أما ما وصلنا من تاريخ الشافعي و مسلم و صلاح الدين الأيوبي و أحمد بن حنبل و غيرهم كثر , ما وصلنا من تاريخهم كثير , و نذكرهم بالخير و بالفقه و العلم, و حينما نرد إليهم العلم فإننا نبارك لهم فيه , و نرد إليهم الفضل في تفصيلهم و اجتهادهم, فنحن نثني عليهم و لكن ليس كأنبياء بل كمحسنين .
ثم إن مما يغيب عن بالك أخي الكريم أنك مطالب في الصلاة بأن تقول لنفسك في التشهد كلاما مقارباً لما قاله عيسى بن مريم عليهما السلام حين ولدته أمه , قال : ( والسّلام عليّ يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حيّاً ) و أنت في صلاتك تقول :السلام علينا و على عباد الله الصالحين .
إن أردت أن أقربها لك فسأفعل .. المؤذن له أجر و من يسمعه و يردد خلفه له أجر مثله فهل هما في الأجر متساويان؟ هما متساويان من حيث أصل الأجر و لكن من حيث مضاعفة الأجر فالمؤذن يأخذ أجور من صلوا معه.
ولا أدري أي بأس في أن يقول الله لعباده المحسنين : إنا بمثل هذا نجازي المحسنين ( إنا كذلك نجزي المحسنين )فإن النبي المشار إليه عبدا طائعا لله بجوارحه و مؤمنا بقلبه ( إنه من عبادنا المؤمنين) وأتركك مع حديث لرسول الله صلى الله عليه و سلم :" إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم , كما يتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب , لِتَفاضُلِ ما بينهم ", قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم, قال : " بلى و الذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدّقواالمرسلين".ولكن مع التذكير أن سبعين ألفاً من المتقدمين و كذلك المتأخرين الذين سوف يأتون بعدنا أيضا ( فنحن لسنا نهاية العالم) فقط سبعون ألفا سيدخلون الجنة بلا حساب !وهذا معناه قلة المحسنين , فنحن نجاهد أنفسنا و فتن الدنيا و المصائب و الابتلاءات و نسأل الله الثبات لأننا لا نملك لأنفسنا نفعا و لا ضرا... فقل الحمدلله الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن ولي من الذل و كبره تكبيرا.