ماعلاقة البلاغة العربية بالنغم والموسيقى؟

إنضم
27/11/2003
المشاركات
24
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
هل هناك علاقة بين البلاغة العربية والموسيقى ؟
وهل من الممكن القول بأن فن البلاغة فن موسيقي يعتمد على التآلف والانسجام بين المقال والمقام على جميع المستويات في اللفظ والجملة والتركيب والنص ؟
 
الأستاذ الكريم الدكتور سعيد جمعة وفقه الله ومتعنا بعلومه
لقد طرحت سؤالاً تملك من أمر جوابه أكثر مما أملك ، لتخصصك في علوم البلاغة ومشاركتك الظاهرة في بقية العلوم والفنون ذات الصلة بهذا العلم العريض المتين ، وأظنك من تلاميذ شيخ البلاغيين الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى نفع الله به وأطال بقائه على خير . وننتظر منكم في هذا الملتقى خيراً كثير فوق ما حصلنا عليه من البحوث والمشاركات .
وأما ما طرحته للنقاش من (العلاقة بين البلاغة العربية والموسيقى) وسؤالك (هل من الممكن القول بأن فن البلاغة فن موسيقي يعتمد على التآلف والانسجام بين المقال والمقام على جميع المستويات في اللفظ والجملة والتركيب والنص ؟) فالذي يظهر لي أن الباحث في البلاغة العربية من جابنها الصوتي يجد علاقات متعددة موحية بعظمة اللغة العربية وحيويتها ، ومراعاة العرب لكثير من الجوانب الصوتية (الموسيقية) في المفردات والتراكيب على حد سواء. ولا أظنه يخفى عليكم ما كتبه علماء البلاغة من الدراسات حول موسيقى اللغة ، وجرسها ، وصوتياتها ، وإن لم يبحث موضوع البلاغة والجانب الموسيقي الذي أشرتم إليه بحثاً مستوفياً بحسب علمي.
وقد رأيت كتاباً للدكتور عبدالحميد هنداوي وفقه الله عن (الإعجاز الصوتي في القرآن الكريم) تحدث فيه عن الأثر الجمالي للأصوات القرآنية وربطها بعلم البلاغة أو علم الأسلوب ، وأشار إلى التقصير الحاصل من قبل الباحثين في بحث هذا الجانب ، وإعطائه حقه من الدراسة.
 
تساءل الدكتور الفاضل-وفقه الله-
هل هناك علاقة بين البلاغة العربية والموسيقى ؟
وهل من الممكن القول بأن فن البلاغة فن موسيقي يعتمد على التآلف والانسجام بين المقال والمقام على جميع المستويات في اللفظ والجملة والتركيب والنص ؟



في تراثنا ما يشعر بتقارب العلمين من ذلك ذكر كلمة "فصاحة" مجاورة لكلمة "بلاغة" على المعنى الصحيح للفصاحة وهو استمراء السمع لجرس الكلمة وخلوها من النشوز الصوتي.ومن ذلك أيضا الجمع التربوي في تدريس البلاغة مع العروض.
لكن النظر الى المسالة من منظور "فقه العلم" يكشف عن فروق واسعة جدا بين العلمين بحيث يصعب القول بتجاورهما, فضلا عن اتحادهما الذي يشعر به تعبير فن البلاغة فن موسيقي. " التآلف والانسجام" –الذي علل به التقارب بين العلمين-هو من التوسع في التعبير وحملا للمفهومين على أوسع حمل ذلك لأن الانسجام شديد العمومية يمكن أن يوصف به أي شيئين ولا يصلح لافتراض متاخمة علمين.
وهذه بعض الفروق الاجمالية بين العلمين:
1-الموسيقى من مقولة" الصوت", والبلاغة من مقولة" الفكر والمعنى" فكيف يلتقيان؟.قد يقال الموسيقى والبلاغة يساهمان معا فى اضفاء المتعة الجمالية على النص وهذا يكفي لتجاورهما كرافدين من روافد الفن.لكنا نقول إن الالتقاء فى الغاية لا عبرة به هنا وإنما التعويل على المكونات البنيوية والطبيعية لكل منهما...ولو كان المقصد الجمالي هو المعتبر فلماذا تخصيص الموسيقى دون غيرها من الفنون.
وينبني على هذا الفرق أن الموسيقى يمكن أن تكون مادة لعلم طبيعي حقيقي مثل فزياء الأصوات مثلا...فيجوز أن يحلل البيت الشعري في مختبر للصوتيات اعتمادا على آليات وأجهزة وقد يكون الباحث لا يعرف العربية وذلك لا يمنعه من الوصول الى نتائج صحيحة...وهذا ليس جديدا فالعروضيون من علمائنا كانوا يختزلون البيت الشعري إلى متتاليات صوتية فقط –تسمى التفاعيل-.وإدراك إيقاع تتالي الحركات والسكونات في متناول كل سامع بل حتى غير العاقل من الأجهزة.
أما البلاغة فقد نشأت فنا حدسيا وستبقى كذلك ...والفرق بين الموسيقى والبلاغة من هذه الجهة كالفرق بين المادة والروح....
2-نافذة التلقي للموسيقى هو "الأذن" والأصل فيها موجات وذبذبات....أما تلقي البلاغة فمناط ب"جهاز"غيبي لا نملك للإشارة إليه إلا بمصطلحات: العقل ,الروح,العاطفة, الحدس , الذوق الخ....
3-فن الموسيقى فن في الزمان بالمعنى الفلكي....أما البلاغة فلا علاقة لها بذلك وإن كان لابد من ربطها بالزمن فليكن الزمن النفسي الداخلي لا الخارجي وهو ما يسميه برجسون" الديمومة ".
توضيح ذلك من فن العروض الموسيقي:
البيت الشعري مدة زمنية فلكية(أي مجموعة من الثواني التي يستغرقها الشاعر في الإنشاد من الصوت الأول إلى حرف الروي الذي يختم الوحدة الزمنية)ولكي يضفي الشاعر العربي على بيته إيقاعا عمد إلى تقسيم المادة الزمنية تقسيمات متعادلة وهذا التعادل لا بد منه في كل فن موسيقي...وهكذا قسم الشاعر البيت إلى وحدتين متساويتين زمنيا:الصدر والعجز.ثم ضمنهما معا عددا متساويا من التفاعيل(أي متتاليات زمنية صغرى) .وبعد ذلك ينهي البيت بضربة قوية هي حرف الروي.ويأتي البيت الثاني على منوال الأول وتتابع الضربات القوية (حرف الروي) وبينهما مدة زمنية واحدة بحيث قد يصاحب السامع الشاعر بالهمهمة ويلتقيان معا على "مي" مثلا أو "ري" أو غيرهما من حروف الروي......
فتصرف الموسيقى والعروضي إذن هو في الكلمة باعتبار مدتهاالزمنية وفي ميزان العروضي :فرح=قرح/ملك=حجر/ إيران=نيران/.....أما البلاغي فمقصوده الشحنة الدلالية للكلمة بحيث تصبح معادلة العروضي( فرح=قرح )تجديفا عاطفيا وعقليا عنده.واهتمامه بانسجام القول مع المقام....لا يؤاخى مع انسجام الأصوات عند الموسيقى.....لأن البلاغي يعني بالانسجام تطابق الكلام مع ما يستلزمه المقام.....فيفصل القول على قياس المناسبة...وهو كما نرى انسجام معنوي يدركه عقل أو حدس السامع..بخلاف انسجام الموسيقى الذي يدرك بعلم الفزياء.
والله أعلم.
 
أشكر اهتمامكم وجزاكم الله خيرا

أشكر اهتمامكم وجزاكم الله خيرا

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في البداية أشكر للأخوين الكريمين / عبد الرحمن الشهري وأبي عبد المعز اهتمامهما بهذه الفكرة والإدلاء فيها بدلوهما , نفع الله بهما وأجزل مثوبتهما .
وأبدا بأخي الفاضل عبد الرحمن
نعم صدقت فأنا أعتز بكوني تلميذا للعلامة أبي موسى (حفظه الله تعالى ) بل وأشكر الله على ذلك وأزيد أنني تتلمذت أيضا على تلميذ أبي موسى وهو العالم الجليل ( محمود توفيق سعد) أعزه الله وأطال في عمره , وكلاهما في نظري يمثلان ( ابن تيمية وابن القيم )في عالم البلاغة .
ولنعد سويا إلى موضوع الحوار
أنا ياسيدي لا أنظر إلى البلاغة من الجانب الصوتى فقط لأن ذلك قد يجرنا إلى طريق ضيق في علم البديع , لكنني أحاول النظر إلى موسيقى البلاغة العربية في جميع أبوابها بداية من فصاحة اللفظة ومرورا بأبواب علم المعاني فالبيان فالبديع .
إنني هنا أحاول أن أتسمع بأذني وبقلبي إلى هذا النغم الكامن خلف كل باب ومازات في بداية الطريق , فهي فكرة قد تثمر عن شيء وقد يكفي فيها الأجر الواحد . والله المستعان

أما حديث الشيخ أبي عبد المعز فهو في مجمله حديث غني مفيد فتح جوانب عدة لكن فلنبدأ ياسيدي بالاتفاق .
إذا كان في التراث مايشعر بوجود اتفاق بين الموسيقى والبلاغة فلم لا نبحث عنه ؟
ثم إنني لاأفتش عن اتحاد كامل بين الموسيقى والبلاغة بل أنقب عن علاقات النسب ووشائج القربى وصلات الرحم بينهما .

ثم دعني أتفق معكم مرة أخري في أن الموسيقى من مقولة الصوت والبلاغة من مقولة الفكرة لكن ألا تتفق معي في أن مقولة الصوت في الموسيقى لابد أن تكون من ورائها فكرة ؟
وأن مقولة الفكرة في البلاغة لاتتأتى إلا من خلال الصوت .؟
وفي الختام تقبلا شكري واحترامي وتقديري
أبو أنس
 
سيدي الدكتور الفاضل-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أشكرك على الطرح الهاديء والرغبة فى تلمس وجوه الاتفاق.....وفي هذا المقام نفسه أقول:
تجنبا لأي شكل من أشكال سوء الفهم لا بد من تحديد الزاوية التي نرصد من خلالها هذه الثنائية التي تفضلت بإثارتها: الموسيقى /الفكر أو الصوت/المعنى أو العروض/البلاغة....
وكما لا يخفى عليكم فزوايا النظر كثيرة والنتائج قد تتعارض أشد التعارض متى انتقلنا من زاوية إلى أخرى مثلا:
-من وجهة نظر "فقه العلم"-وهي الزاوية التي نظرت منها في كلامي السابق- الصلات مقطوعة بين الطرفين.
فأحدهما مادة والثاني روح.
أولهما يمكن أن يكون مادة لعلم طبيعي حقيقي وثانيهما لا يمكن أن يكون إلا "علما"انسانيا حدسيا.
أولهما له وجود موضوعي وثانيهما ذاتي
الى غير ذلك من التقابلات التي لا تؤذن بتوحد العلمين...أو جعل أحدهما جزءا من الآخر...فالجمع هنا بين العروض والبلاغة كالجمع بين علم الفزياء وعلم النفس ...لا يجتمعان.......
نعم لا يجتمعان من وجهة نظر فقه العلم فقط....(للإشارة فاصطلاح"فقه العلم"هو المقابل العربي الفصيح للاصطلاح الاجنبي الشائع مع الأسف :الإبستمولوجيا)
-لكن إذا غيرنا الزاوية ونظرنا الى الطرفين - لا من حيث المنهج وإنما من حيث الوجود- كما لو نظرنا اليهما باعتبارهما رافدين من روافد علم الجمال في هذه الحال توجد صلات قوية...وأقواها –كما أشرت سيدي-هي الغاية الواحدة التي يعملان معا على بلورتها...وهي انتاج نص ممتع.
لكننا هنا نكون على صعيد تلقي النص....أو تذوقه وانفصلنا عن صعيد استكناه الطبيعة والبنية...ومثاله بناء بيت سكني فاشتراك الفزيائي (صاحب مبدأ الرافعة) المهندس (صاحب مبدأ الزاوية) والمقاول (صاحب المال) والبناء (صاحب الساعد) اشتراك كل هؤلاء لانجاز عمل واحد لا يبرر أن نطمع في توحيد علم الفزياء وعلم الهندسة وعلم الاقتصاد في علم واحد....
والبيت الشعري كالبيت السكني...فالموسيقى فيه ضربة لازب والمعنى ضربة لازب..وهنا لا أختلف معك أبدا...وأسلافنا كانوا على وعي من هذا وكانوا فى حكمهم على النص الأدبي مثلا يزاوجون بين المصطلحات الموسيقية والبلاغية فيتحدثون عن : الجرس واللفظ الرشيق والمعنى الصائب والغريب الخ...لكنهم من جهة فقه العلم كانوا يميزون بصرامة بين علم العروض وعلم البلاغة فلا تتداخل مصطلحاتهما لأحدهما الوتد والفاصلة والزحاف .. وللثاني التشبيه والخبر والمجاز.....كما لا تتداخل الاساليب المنهجية ...ويرون مثلا ان علم البلاغة اقرب الى النحو أما العروض فأدخل فى علم الموسيقى النظري الذى كان فى ذلك الزمان جزءا من الفلسفة(الفارابي مثلا).
خلاصة:
ابستملوجيا ........لا علاقة.
استيطيقيا..........علاقة غائية...غاية الموسيقى والبلاغة خلق المتعة .
أدبيا.............علاقة تجاور لازمة....لاستحالة فصل الصوت عن "الصورة".

وتقبل اخي أبا أنس تحياتي وسلامي.....
 
فلننتظر

فلننتظر

السلام عليكم ورحمة الله
الشيخ الكريم / أبا عبد المعز حقيقة كنت قد عزمت على بيان وجهة نظري وأعددت لذلك مسودة ولكن قبل كتابتها قلت : مالمانع لدى الأساتذة الكرام في الانتظار حتى يتم البحث وعندها يكون لكل حادث حديث , وتقبلوا جزيل الشكر وأكمل العرفان .
 
عودة
أعلى