ماذا يعني ابن عاشور بقوله (الصيغ لا مفاهيم لها)

سهاد قنبر

New member
إنضم
1 يونيو 2011
المشاركات
388
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
قال ابن عاشور في معرض تفسيره لآية سورة الأنفال(وأن الله ليس بظلام للعبيد) "ونفي ظَلاَّم بصيغة المبالغة لا يفيد إثبات ظلم غير قوي ؛ لأنّ الصيغ لا مفاهيم لها ، وجرت عادة العلماء أن يجيبوا بأنّ المبالغة منصرفة إلى النفي كما جاء ذلك كثيراً في مثل هذا ، ويزاد هنا الجواب باحتمال أنّ الكثرة باعتبار تعلّق الظلم المنفي ، لو قدر ثبوته ، بالعبيد الكثيرين ، فعبّر بالمبالغة عن كثرة إعداد الظلم باعتبار تعدّد أفراد معموله" ما معنى قوله (الصيغ لا مفاهيم لها) هل يقصد أن الصيغ الصرفية مقصورة على دلالتها فلا يوجد مفهوم قابع خلف هذه الدلالة ولا يستخرج من الدلالة مفاهيم أخرى مثل مفهوم مخالفة أو إيماء أو غيره؟ أم أنه يقصد أن الصيغ الصرفية عموماً لا مفهوم لها ينفك عن السياق ومقاصد المخاطب والمتكلم، وإنما وضع الصرفيون دلالاتها بطريق أغلبي؟ وأياً كان المعنى فهذه قاعدة صرفية لم يسبقه لها أحد فهل من فائدة حول هذا الموضوع وجزاكم الله خيراً.
 
سؤال يورث سؤال.
لأنّ الصيغ لا مفاهيم لها. أي صيغ يقصد المؤلف رحمه الله؟ وأي مفهوم؟
الصيغ البلاغية أيضا نوع من الصيغ الصرفية لكن مع وجود فرق طبعا.
والمفهوم، هل هو المفهوم الذي يقابل المنطوق أم الصورة التي تقابل الواقعة؟
 
سؤال يورث سؤال.
لأنّ الصيغ لا مفاهيم لها. أي صيغ يقصد المؤلف رحمه الله؟ وأي مفهوم؟
الصيغ البلاغية أيضا نوع من الصيغ الصرفية لكن مع وجود فرق طبعا.
والمفهوم، هل هو المفهوم الذي يقابل المنطوق أم الصورة التي تقابل الواقعة؟
جزاك الله خيراً، الذي يقصده ابن عاشور قطعاً بالصيغ هي (الصيغ الصرفية) لكن ما أشكل علي هو (المفهوم) فما معنى أن الصيغ الصرفية لا مفهوم لها؟
 
د.روضة عبد الكريم فرعون في الفيسبوك قال:
هو يقصد ـ والله أعلم ـ أن صيغة المبالغة ليس لها مفهوم مخالفة، أي ما يخالف حكم المنطوق.
قال: (ونفي ظلّام - بصيغة المبالغة - لا يفيد إثبات ظلم غير قوي). فنفي الظلم الكبير أو القوي عن الله عز وجل (وهو المنطوق هنا)، لا يعني ثبوت ما يخالفه، وهو الظلم اليسير.
الذي فهمته أنا هو أن صيغة المبالغة لا مفهوم لها خارج العادة، وهل العادة، الاتفاق الوضعي، شيء آخر غير سياق توظيف الصيغة؟
الصيغة هنا صيغة المبالغة (ظلام) أم (نفي + صيغة المبالغة)؟ هذه الإجابة لن تشفي الغليل لأن المؤلف رحمة الله عليه تكلم عن الصيغ جملة وليس عن صيغة معينة، هذا طبعا هو ما أثار ويثير السؤال عن المعني بالمفهوم.

سأضع الرابط في صفحة مجمع اللغة العربية على الشبكة.
 
"وأنّ الله ليسَ بظَلاّمٍ للعَبيدِ" :

السؤالُ : هلْ صيغةُ ظَلاّم مبالغةٌ تقتضي التكثيرَ ؟ وهل فيها معنىً أخصُّ من "ظالمِ" ؟ وهَلْ مَعْنى الآيةِ
أنّه لا يَلْزَمُ من نَفي الأخصِّ نفيُ الأعَمِّ ؟ أيْ للصّيغةِ مَفْهومٌ وراءَ المنطوق ؟ فإذا قلت: "زيدٌ ليس بظلاَّم"
فهل مَعْناه: أنّ زيداً ليسَ يُكْثِرُ الظلم؟ مع جوازِ أَنْ يكونَ ظالماً، وأنّك إذا قلتَ: "ليس بظالم" انتفى الظلمُ
مِنْ أصلِه ؟

في الجَوابِ عن المسألَةِ نَقَلَ السّمينُ الحَلَبيّ في الدّرّ المَصون، عن أبي البَقاءِ، الجوابَ عن السؤالِ :
كيفَ قال تعالى: «لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ» ؟ وقد أوردَ الجوابَ في أربعةِ أوجهٍ :

- الأول: أن "فَعَّالاً" قد لا يُراد به التكثيرُ كقوله الشاعر طَرَفَةَ:
و لَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاعِ مَخافةً /// ولكنْ متى يَسْتَرْفِدِ القومُ أَرْفِدِ
فالشاعرُ لا يُريد هنا أنه يَحُلُّ التلاعَ قليلاً؛ لأنَّ ذلك يَدْفَعُه آخرُ البيت الذي يَدُلُّ على نَفْي البخلِ على كلِّ
حال، وأيضاَ تمامُ المدحِ لا يَحْصُل بإرادة الكثرة.

- الثاني: أنه يُرادُ به معنى الكثرة لا المُبالغَة، ولكنه لَمَّا كان مقابَلاً بالعباد وهم كثيرون ناسب أن يُقابَلُ
الكثيرُ بالكثير.

- والثالث: أنه إذا نفى الظّلمَ الكثيرَ انتفى القليلُ ضَرورةً؛ فالظّلمُ كثيرُه وقليلُه ضارٌّ غيرُ نافعٍ فكيفَ يُدفَعُ
الكثيرُ و يُرادُ القليلُ، فالذي يَظْلم إنما يَظْلِمُ لانتفاعِه بالظلمِ، قلَّ أو كثُرَ

- الرابع: أن يُرادَ بفَعّال مَعْنى النّسَب؛ أي: لا يُنْسَبُ إليه ظلمٌ أصلاً، فيكونُ من باب: بَزَّار وعَطَّار، كأنه قيل:
ليس بذي ظلم البتّةَ. ومعنى النّسَب حَكاه ابنُ مالك عن المحقِّقينَ.


ومعنى ذلك أنّ الصيغةَ فَعّال: ليسَ لها مفهوم وراء المنطوق
و أنّها لا يُرادُ بها المبالغةُ مطلقاً ، فقد تُفيدُ معنى النّسَب

وهذا ما يُستفادُ من تفسير السمين الحَلَبيّ قبلَ أن يذكرَه الشيخ
ابنُ عاشور ، رحمهم الله جَميعاً


مَعْنى المُقابَلَة عندَ السّيوطي :

تتبَّعَ السيوطي فيما بعدُ المسألةَ في كتابه الإتْقان ؛ فذكرَ أنّه أشكلَ على الناسِ
قولُه تعالى : « وما رَبّكَ بظَلاّم للعَبيد» ، ومثلُه قولُه تَعالى : «وما كانَ ربّكَ نَسيّاً»

فأجابَ عن الآية الأولى بأجوبةٍ :
- أنّ "ظَلاّما" وإن كانَ للكثرة لكنّه جيء به في مُقابلَة العَبيد الذي هو جَمعُ كثرة. ويُرشّحُه
أنّه تعالى قالَ: «عَلاّمُ الغُيوب» فقابَلَ صيغةَ فَعّال بالجَمع، وقالَ في آية أخرى «عالِم الغيبِ»؛
فقابَلَ صيغةَ فاعِل الدّالّة على أصل الفعل بالواحد

- أنه أراد بقولِه "ليس بظلاّم": ليس بظالم تأكيداً للنفي فعبر عن ذلك بـ "ليس بظلام"
- أنه ورد جوابا لمن قال ظلام والتكرار إذا ورد جوابا لكلام خاص لم يكن له مفهوم
يعني أنّ لفظَ التّكرارِ تابعٌ للمُكرَّرِ وليسَ مستقلاًّ بنفسِه
- أن صيغة المبالغة وغيرها في صفات الله سواء في الإثبات فجرى النفي على ذلك
- التاسع أنه قصد التعريض بأن ثم ظلاما للعبيد من ولاة الجور

ثمّ ساقَ السيوطيّ فائدةً نحويّةً ، ذكرَ فيها أنّ ثعلباً والمبردَ ذهَبا إلى أنّ العربَ إذا جاءت بينَ
الكلامين بجَحْدَيْنِ [أي بنَفْيَيْن] كان الكلامُ إخبارا
، نحوَ قولِه تعالى: « وما جَعَلْناهُم جَسَداً
لا يأكلونَ الطّعامَ» . والمَعْنى: إنّما جَعلناهم جَسَداً يأكلونَ الطّعامَ، وإذا كانَ الجَحدُ في أوّل الكلامِ
كانَ جَحداً حَقيقياً
نحو: ما زَيدٌ بِخارجٍ، وإذا كان في أوّل الكلامِ جَحْدانِ كان أحَدُهُما زائداً
للتوكيد
، وعليه قولُه تعالى: «فيما إنْ مَكّنّاكُم فيه» في أحد الأقوال


أ.د. عبد الرحمن بودرع
المصدر
 
هذا رد خاص بصيغة المبالغة على وزن فعّال وفعيل وبعض أحوال الثبوت والنفي، والسؤال هو ما معنى قول العلامة ابن عاشور رحمه الله: "لأن الصيغ لا مفاهيم لها"الصيغ في عبارة العلامة تتعدى صيغة أو صيغ المبالغة
 
هذا رد خاص بصيغة المبالغة على وزن فعّال وفعيل وبعض أحوال الثبوت والنفي، والسؤال هو ما معنى قول العلامة ابن عاشور رحمه الله: "لأن الصيغ لا مفاهيم لها"الصيغ في عبارة العلامة تتعدى صيغة أو صيغ المبالغة
جزاك الله خيراً، نعم وهذا ما أراه هذه قاعدة تتعدى قضية صيغة المبالغة،وهذه القاعدة قررها ابن عاشور، وفهمها سيؤدي إلى إضاءات في الدرس الصرفي عند ابن عاشور. ولعله ينبغي دراسة الدلالات الصرفية عند ابن عاشور للوقوف بدقة على مقصوده بأن الصيغ لا مفاهيم لها.
 
قد يكون المعنى من قوله : (الصيغ لا مفاهيم لها) أي : بمفردها بعيداً عن السياق . وإنما تأخذ مفاهيمها الدقيقة في سياقها فقط .
فمثلاً هنا صيغة (ظلام) تفيد المبالغة في نوع الظلم ، أو تكرار الظلم إذا كان السياق يعطيها هذا المعنى ، وفي هذا السياق وأمثاله لا تفيد هذا المعنى ، وإنما تدل على مطلق الوصف بالظلم فقط كظالم .
وليتكم تراجعون كلام أهل إعراب القرآن ومعانيه في هذه المسألة فهم مظنة الوقوف عند مثل هذه المسائل .
وليت الذين يدرسون مناهج المفسرين يتوقفون عند مثل هذه الاستعمالات النادرة ويعطونها حقها من التمحيص لتتضح الفروق بين المفسرين ومناهجهم العلمية .
 
قد يكون المعنى من قوله : (الصيغ لا مفاهيم لها) أي : بمفردها بعيداً عن السياق . وإنما تأخذ مفاهيمها الدقيقة في سياقها فقط .
فمثلاً هنا صيغة (ظلام) تفيد المبالغة في نوع الظلم ، أو تكرار الظلم إذا كان السياق يعطيها هذا المعنى ، وفي هذا السياق وأمثاله لا تفيد هذا المعنى ، وإنما تدل على مطلق الوصف بالظلم فقط كظالم .
وليتكم تراجعون كلام أهل إعراب القرآن ومعانيه في هذه المسألة فهم مظنة الوقوف عند مثل هذه المسائل .
وليت الذين يدرسون مناهج المفسرين يتوقفون عند مثل هذه الاستعمالات النادرة ويعطونها حقها من التمحيص لتتضح الفروق بين المفسرين ومناهجهم العلمية .
جزاك الله خيراً دكتور عبد الرحمن الشهري هذا الجواب الذي كنت أنتظره، نعم ابن عاشور يقصد (الصيغ لا مفاهيم لها) بدون سياقها كما ذكرت، ولا مفاهيم لها منفردة عن مقاصد المتكلم، وقد قام ابن عاشور في تفسيره بتقصيد كل شيء الأحكام والدلالات، وهذا الموضع (ظلام) هو تقصيد لدلالات الصيغ الصرفية، بمعنى انه لا يجوز إثبات مفهوم للصيغة الصرفية بدون مراعاة السياق وبدون مراعاة مقاصد القرآن، هذا ما ترجح لي بعد دراسة سريعة لدلالات الصيغ الصرفية عند ابن عاشور، فهو يصرف الصيغة الصرفية عن دلالتها بالسياق، ويصرفها عن دلالتها بالتقصيد.
وما أسميته( تقصيد دلالات الصيغ الصرفية)و(صرف الصيغة عن دلالتها مراعاة لسياق الكلام) يعد سبقاً لابن عاشور لم يقل به أحد قبله.
 
وما أسميته( تقصيد دلالات الصيغ الصرفية)و(صرف الصيغة عن دلالتها مراعاة لسياق الكلام) يعد سبقاً لابن عاشور لم يقل به أحد قبله.
هذه دعوى تحتاج إثبات .
 
الذي فهمته من قول ابن عاشور رحمه الله (الصيغ لا مفاهيم لها) أي ليس لها مفهوم مخالفة.
بمعنى أوضح: لا يصلح أن يورد إشكالٌ على قوله عز وجل (وأن الله ليس بظلام للعبيد) فيقال: يحتمل أن يكون قليل الظلم.
لأن (قليل الظلم) مفهوم مخالفة لصيغة المبالغة (ظلام)، والصيغ لا مفاهيم لها.
فمصطلح المفهوم الذي استعمله ابن عاشور رحمه الله مصطلح أصولي يُراجع في أصول الفقه في المنطوق والمفهوم. والله أعلم
 
فمصطلح المفهوم الذي استعمله ابن عاشور رحمه الله مصطلح أصولي يُراجع في أصول الفقه في المنطوق والمفهوم. والله أعلم
هل من الممكن توضيح ذلك بمثال؟ الله يبارك فيك.
يقول الدكتور حسن السيد حامد خطاب نقلا عن موقع الفقه الإسلامي:
( يجب أن يوضع في الاعتبار الفرق بين البحث الأصولي والبحث اللغوي مع مراعاة التقارب بينهم، ولهذا فإن الاحتكام في البحث الأصولي إلى قواعد اللغة والوقوف عندها دون مراعاة فلسفة التشريع ومقتضيات العدل والمصالح المعتبرة يؤدي في كثير من الأحيان إلى إنكار بعض الدلالات ... المفهوم هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق فهو معنى مستفاد من اللفظ بطريق اللزوم أو بالتعريض والتلويح يعني أنه معنى غير منطوق به ولكنه لازم عن اللفظ بمقتضى الشرع أو العقل فهو مستفاد بالتعريض لا التصريح).

ونفي الظلم عن الله كليا بمقتضى المنقول والمعقول هو ما لم نستفده من المنطوق لكن من المفهوم عند تلاوة {وأنّ الله ليسَ بظَلاّمٍ للعَبيدِ}. إذن: "المفهوم" في (الصيغ لا مفاهيم لها) شيء آخر غير المفهوم كمصطلح في فقه الفقه ؟
 
ونفي الظلم عن الله كليا بمقتضى المنقول والمعقول هو ما لم نستفده من المنطوق
جزاكم الله خيرا، إن كون نفي الظلم عن الله سبحانه وتعالى كليا غير مستفاد من المنقول يعارضه قوله تبارك وتعالى:"إن الله لا يظلم مثقال ذرة " وقوله:"ولا يظلم ربك أحدا" وقوله:" إن الله لا يظلم الناس شيئا" وقوله:"ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" ولحديث"يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما" والنصوص في هذا الصدد مستفيضة، فلعلكم تقصدون أمرا لم يتبين لي، فحبذا التوضيح مشكورا.
 
هل من الممكن توضيح ذلك بمثال؟ الله يبارك فيك.

قوله تعالى {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن}
فقوله: (اللاتي في حجوركم) لا مفهوم له؛ لأنه خرج مخرج الغالب. فلا يقال إذا لم تكن في حجره جاز نكاحها.
وقوله (من نسائكم اللاتي دخلتم بهن) له مفهوم، ولذا قال بعدها (فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم) أي في نكاحهن.
 
فلا يقال إذا لم تكن في حجره جاز نكاحها.
جراكم الله خيرا، وقد أفتى باعتبار هذا المفهوم الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال ابن كثر رحمه الله بعد إيراد الأثر عنه: "هذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب، على شرط مسلم، وهو قول غريب جدا، وإلى هذا ذهب داود بن علي الظاهري وأصحابه. وحكاه أبو القاسم الرافعي عن مالك، رحمه الله، واختاره ابن حزم، وحكى لي شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي أنه عرض هذا على الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية، رحمه الله، فاستشكله، وتوقف في ذلك، والله أعلم"
وعدم اعتبار هذا المفهوم هو مذهب الجمهور.
 
يقول ابن عاشور (ت:1393ه) في تفسيره : " وَنَفْيُ ظَلَّامٍ- بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ- لَا يُفِيدُ إِثْبَاتَ ظُلْمٍ غَيْرِ قَوِيٍّ لِأَنَّ الصِّيَغَ لَا مَفَاهِيمَ لَهَا، وَجَرَتْ عَادَةُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يُجِيبُوا بِأَنَّ الْمُبَالَغَةَ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى النَّفْيِ كَمَا جَاءَ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي مِثْلِ هَذَا، وَيُزَادُ هُنَا الْجَوَابُ بِاحْتِمَالِ أَنَّ الْكَثْرَةَ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِ الظُّلْمِ الْمَنْفِيِّ، لَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُهُ، بِالْعَبِيدِ الْكَثِيرِينَ، فَعُبِّرَ بِالْمُبَالَغَةِ عَنْ كَثْرَةِ أَعْدَادِ الظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ أَفْرَادِ مَعْمُولِهِ."
إذا أخذنا (ظلام) وهي صيغة مبالغة أي كثير الظلم . لا نستطيع أن نستخرج منها (ظالم) أي قليل الظلم .لأن الصيغة لا مفهوم لها . الصيغة كقيمة مطلقة هي محايدة ، ولا نستطيع أن نستخرج منها الدلالات الممكنة .
لكن دلالة هذه المفردة نستخرجها من خلال السياقات الممكنة في القرآن الكريم .
لذلك ، فابن عاشور أعطى الدلالة لــــ : (ظلام) من خلال السياق الذي جاءت فيه : " لَوْ قُدِّرَ ثُبُوتُهُ، بِالْعَبِيدِ الْكَثِيرِينَ، فَعُبِّرَ بِالْمُبَالَغَةِ عَنْ كَثْرَةِ أَعْدَادِ الظُّلْمِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ أَفْرَادِ مَعْمُولِهِ ." دراسة مفردة (ظلام) مرتبط بمفردة (عبيد) ، وليس بتحليل ما تحمله صيغة المبالغة ، لأنها لا تحمل إلا دلالة (كثرة الظلم) بطريقة جامدة . ولا نستطيع أن نشتق منها الدلالات الممكنة .
والله أعلم وأحكم
 
وجدت رسالة بعنوان(أثر الدلالات اللغوية في التفسير عند ابن عاشور في كتابه التحرير والتنوير) وهي رسالة دكتوراه نوقشت في جامعة ام القرى تحدث فيها الباحث بصورة عابرة في معرض كلامه عن قول ابن عاشور(الصيغ لا مفاهيم لها) عن ( أثر السياق ومقاصد النص على دلالة الصيغة الصرفية في القرآن)، ويبدو والله أعلم أن المتقدمين لم يتركوا شيئاً للمتأخرين؛ فقد اطلعت على عنوانات لمؤلفات عند أهل العربية عن الإعجاز الصرفي في كتاب الله، و عن تناوب الدلالات الصرفية في القرآن، ولعل ما أطلقت عليه أنا (تقصيد الدلالة الصرفية، وأثر السياق القرآني في الدلالة الصرفية) هو نفسه ما أسماه السامرائي:"الاستعمال القرآني للأبنية لمعان غير التي لها في اللغة" وهو ما أسماه ابن عاشور مبتكرات القرآن.
والسؤال هل يوجد من ذكر هذه القضية قبل ابن عاشور؟
 
الأخت الفاضلةشكر الله لك التتبع والمتابعة
السؤال الأساسي كان: ما معنى "الصيغ الصرفية لا معنى لها" ؟ الجواب الشافي يكمن في تبيين ما المقصود بالصيغ الصرفية ؟ هل هي المشتقات كلها ؟ أم الأسماء منها ؟ وحيث أن المتكلم لا يستعمل صيغة إلا لأنها تتضمن مفهوما يساعده على التعبير عن رأيه، فكيف تخلو صيغة من المفهوم ؟ بل كيف تخلو كلمة من المفهوم، إما في ذاتها وإما في غيرها ؟ وفي حال بيان ذلك واستساغته هل هناك من المفسرين أو واللغويين من سبق العلامة ابن عاشور إلى القول بذلك ؟
 
الأخت الفاضلةشكر الله لك التتبع والمتابعة
السؤال الأساسي كان: ما معنى "الصيغ الصرفية لا معنى لها" ؟ الجواب الشافي يكمن في تبيين ما المقصود بالصيغ الصرفية ؟ هل هي المشتقات كلها ؟ أم الأسماء منها ؟ وحيث أن المتكلم لا يستعمل صيغة إلا لأنها تتضمن مفهوما يساعده على التعبير عن رأيه، فكيف تخلو صيغة من المفهوم ؟ بل كيف تخلو كلمة من المفهوم، إما في ذاتها وإما في غيرها ؟ وفي حال بيان ذلك واستساغته هل هناك من المفسرين أو واللغويين من سبق العلامة ابن عاشور إلى القول بذلك ؟
- سأفترض أن الصيغ الصرفية هي المشتقات كلها وليس فقط الأسماء تمشياً مع توسع المتأخرين في معنى الصرف. ويحتاج الأمر إلى مزيد استقراء لمعرفة إن كان ابن عاشور يقصد بالصيغ المشتقات كلها أم فقط الأسماء؟
-القضية أن ابن عاشور قصد بقوله (الصيغ لا مفاهيم لها) أي لا مفاهيم لها بعيداً عن مقاصد الشارع، وهذا قادني للاستعمال القرآني للصيغ الصرفية، وأن هذا الاستعمال قد يخالف الدلالة الصرفية في اللغة، وعليه نستطيع أن نتساءل من أول من تحدث بالإعجاز الصرفي للقرآن الكريم؟ هل هذه الإشارة من ابن عاشور هي الأولى أم أن المفسرين المتقدمين أشاروا إلى هذا؟
سأحاول أن أجد رابط لتحميل كتاب (الإعجاز الصرفي في القرآن) أو معرفة الدار التي نشرته لعل الأمر يزداد وضوحاً، ونجد تأريخاً لهذا الموضوع.
 
وهل توجد كلمة سواء كانت مشتقة أو جامدة، فعلا أو اسما أو حرفا، لها "مفاهيم بعيدا عن مقاصد الشارع ؟" وعلى القول بانتفاء ذلك، ما الفرق بين "الصيغ الصرفية وغيرها" قبل أن نؤرخ نحتاج أن نتبين القضية جيدا.
أشار الدكتور الشهري إلى أن من المحتمل أن يكون مراده أن مفهوم الصيغ تتحدد بالسياق، وليس ذلك القول منه بدعا، فقد نقل "مجمع اللغة العربية على الشبكة"، أعلاه، عن العكبري - عبر السمين الحلبي - ارتباط مبالغة {ظلام} بجمع {للعبيد} اي أن من يمكن أن يقع عليهم الظلم كثيرون، فلو ظلم كل واحد منهم، ولو مرة واحدة، لكان ظلاما فعلا.
لكن ذلك ينتقض بصيغتي المبالغة في سورة المائدة {سمعون للكذب أكلون للسحت}، فهاتان مفردتان، لكن المبالغة على مفهومها من التكرار وبلوغه حد الاستكثار. من سيقول لي بأن للمصدر معنى الجمع عند البصريين ؟
 
وهل توجد كلمة سواء كانت مشتقة أو جامدة، فعلا أو اسما أو حرفا، لها "مفاهيم بعيدا عن مقاصد الشارع ؟" وعلى القول بانتفاء ذلك، ما الفرق بين "الصيغ الصرفية وغيرها" قبل أن نؤرخ نحتاج أن نتبين القضية جيدا.
أشار الدكتور الشهري إلى أن من المحتمل أن يكون مراده أن مفهوم الصيغ تتحدد بالسياق، وليس ذلك القول منه بدعا، فقد نقل "مجمع اللغة العربية على الشبكة"، أعلاه، عن العكبري - عبر السمين الحلبي - ارتباط مبالغة {ظلام} بجمع {للعبيد} اي أن من يمكن أن يقع عليهم الظلم كثيرون، فلو ظلم كل واحد منهم، ولو مرة واحدة، لكان ظلاما فعلا.
لكن ذلك ينتقض بصيغتي المبالغة في سورة المائدة {سمعون للكذب أكلون للسحت}، فهاتان مفردتان، لكن المبالغة على مفهومها من التكرار وبلوغه حد الاستكثار. من سيقول لي بأن للمصدر معنى الجمع عند البصريين ؟
يبدو لي أني سأتوقف هنا لأقوم بمزيد من الاستقراء، لكن مبدئياً ما رأيك أخي أن نضع التساؤل الأول الخاص بجملة ابن عاشور جانباً لبعض الوقت وأضع سؤالاً جديداً هل أخرج القرآن بعض الصيغ الصرفية عن دلالاتها في اللغة العربية في بعض المواطن؟ هل أخرج بعض الأحرف والأسماء والتراكيب عن استعمالاتها المعهودة عند العرب؟ طبعاً وأنا هنا لا أقصد الحقائق الشرعية وإنما فقط اللغوية بمعنى هل أخرج الحقائق اللغوية إلى حقائق لغوية أخرى؟ إن كان نعم فهذا ما أعجز العرب الجاهليين وأصابهم بصعقة السماع الأولى للقرآن، وهذا الأمر لن نستطيع أن نحيط به لأننا ما كنا يوماً في ذاك الزمان، لكننا سنجد إشارات له وشذرات متفرقة نستطيع تتبعها.
 
الله يعينك، ويسدد خطاك، ويوفقك !أنا لست من أهل هذا الميدان (التفسير واللغة) وإنما استهواني الموضوع فتابعته. وهذا كل ما كان عندي، ولك مني أسمى آيات الاعتبار الأخوي !
 
هذه صيغة نفي صفة مبالغة الكثرة (التكرار) لذكر العبيد بعدها وليست صيغة مبالغة في المقدار ( كما ظن ابن عاشور رحمه الله حين قال : وعدل الله أوجب كون هذا العذاب في مقداره المشاهد من الشدّة ، حتّى لا يظنّوا أن في شدّته إفراطاً عليهم في التعذيب ) لأن الله كتب على نفسه سبحانه أن لا يزيد في عقاب عبد عن مقدار مايستحق من العذاب .
وإثبات صفة المبالغة فيه إثبات لصفة أقلها أما نفي المبالغة في صفة ليس نفيا لأقلها ، وأجاب الشوكاني رحمه الله عن هذا الإشكال بقوله :
والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلاً عن كونه ظلماً بالغاً لبيان تنزهه سبحانه عن ذلك ، ونفي ظلام المشعر بالكثرة، يفيد ثبوت أصل الظلم. وأجيب عن ذلك بأن الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلماً لكان عظيماً، فنفاه على حدّ عظمه لو كان ثابتاً.
و يقول الشعراوي رحمه الله :
يفهم المستشرقون من هذا القول أنه مجرد نفي للمبالغة في الظلم, لكنها لم تنف عنه أنه ظالم ولم يفهم المستشرقون لماذا تكون المبالغة هنا: إن الحق قد قال: إنه ليس بظلام للعبيد، ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد. ومعنى ذلك أنه ليس بظلام للعبيد من أول آدم إلى أن تقوم الساعة، فلو ظلم كل هؤلاء - تعالى الله - لقال إنه ظلام، حتى ولو ظلم كل واحد أيسر ظلم. لأن الظلم تكرر وذلك بتكرر من ظُلِم وهم العبيد، فإن أريد تكثير الحديث فليفطن الغبي منهم إلى أن الله قال: { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } ولم يقل إنه ليس بظلام للعبد.
وإذا كان الظالم لا بد أن يكون أقوى من المظلوم، إذن فكل ظلم يتم تكييفه بقوة الظالم. فلو كان الله قد أباح لنفسه أن يظلم فلن يكون ظالماً ، لأن عظم قوته لن يجعله ظالماً بل ظَلاَّماً.
فإن أردنا الحدث فيكون ظلاماً، وإن أردنا تكراراً للحدث فيكون ظلاماً. وحين يحاول بعض المستشرقين أن يستدركوا على قول الحق: { وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } فهذا الاستدراك يدل على عجز في فهم مرامي الألفاظ في اللغة أو أنّ هؤلاء يعلمون مرامي الألفاظ ويحاولون التلبيس على الناس الذين لا يملكون رصيداً لغوياً يفهمون به مرامي الألفاظ. ولكن الله سبحانه وتعالى يُسخر لكتابه من ينبه إلى إظهار إعجازه في آياته.
هذا والله أعلم .
 
بحث مفيد في الشبكة ( كافور ) :

” وَمَا أَنَاْ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيْدِ ”
بين المفسرين والنحويين
جمع وترتيب : عمر محمد أبو عنزة
أولًا : أقوال المفسرين :م
يقول الشنقيطي في أضواء البيان[1] :

قوله تعالى : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ }[فصلت : 46] .

ما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من كونه ليس بظلّام للعبيد ، ذكره في مواضع أخر ، كقوله تعالى في سورة آل عمران { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 182 ] الآية . وقوله في الأنفال { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ } [ الأنفال : 51 ] الآية . وقوله في الحج : { ذلك بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ الله لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ } [ الحج : 10 ] الآية . وقوله في سورة ق : { مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ وَمَا أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ } [ ق : 29 ] .

وفي هذه الآيات سؤال معروف ، وهو أن لفظة (ظلّام ) فيها صيغة مبالغة .

ومعلوم أن نفي المبالغة ، لا يستلزم نفي الفعل من أصله . فقولك مثلاً : زيد ليس بقتال للرجال لا ينفي إلا مبالغته في قتلهم ، فلا ينافي أنه ربما قتل بعض الرجال . ومعلوم أن المراد بنفي المبالغة ، في الآيات المذكورة هو نفي الظلم من أصله .

والجواب عن هذا الإشكال من أربعة أوجه[2] :

الوجه الأول : أن نفي صيغة المبالغة في الآيات المذكورة ، قد بينت آيات كثيرة ، أن المراد به نفي الظلم من أصله . ونفي صيغة المبالغة ، إذا دلت منفصلة على أن يراد به نفي أصل الفعل ، فلا إشكال لقيام الدليل على المراد .والآيات الدالة على ذلك كثيرة معروفة ،

كقوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا } [ النساء : 40 ] الآية . وقوله تعالى : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئاً ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ يونس : 44 ] . وقوله تعالى : { وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف : 49 ] وقوله تعالى : { وَنَضَعُ الموازين القسط لِيَوْمِ القيامة فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً } [ الأنبياء : 47 ] الآية . إلى غير ذلك من الآيات.

الوجه الثاني : أن الله جل وعلا نفي ظلمه للعبيد ، والعبيد في غاية الكثرة . والظلم المنفي عنهم تستلزم كثرتهم كثرته ، فناسب ذلك الإتيان بصيغة المبالغة للدلالة على كثرة المنفي التابعة لكثرة العبيد ، المنفي عنهم الظلم ، إذ لو وقع على كل عبد ظلم ولو قليلاً ، كان مجموع ذلك الظلم في غاية الكثرة ، كما ترى . وبذلك تعلم اتجاه التعبير بصيغة المبالغة ، وأن المراد بذلك نفي أصل الظلم ، عن كل عبد من أولئك العبيد ، الذين هم في غاية الكثرة ، سبحانه وتعالى عن أن يظلم أحداً شيئاً ، كما بينته الآيات القرآنية المذكورة .وفي الحديث : « يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي » الحديث .

الوجه الثالث : أن المسوغ لصيغة المبالغة ، أن عذابه تعالى بالغ من العظم والشدة ، أنه لولا استحقاق المعذبين لذلك العذاب بكفرهم ، ومعاصيهم لكان معذبهم به ظلاماً بليغ الظلم متفاقمَه ، سبحانه وتعالى في ذلك علواً كبيراً .

وهذا الوجه والذي قبله أشار لهما الزمخشري في سورة الأنفال .

قال الألوسي[3]: آل عمران “182″{ وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلّام لِلْعَبِيدِ } عطف على ما { قَدَّمْتُ } فهو داخل تحت حكم باء السببية وسببيته للعذاب من حيث إن نفي الظلم يستلزم العدل المقتضي إثابة المحسن ومعاقبة المسيء وإليه ذهب الفحول من المفسرين وتعقبه مولانا شيخ الإسلام بقوله : ” وفساده ظاهر فإن ترك التعذيب من مستحقه ليس بظلم شرعاً ولا عقلاً حتى ينتهض نفي الظلم سبباً للتعذيب . وخلاصته المعارضة بطريق القياس الاستثنائي بأنه لو كان ترك التعذيب ظلماً لكان نفي الظلم سبباً للتعذيب لكن ترك التعذيب ليس بظلم فنفي الظلم لا يكون سبباً له ، وأجيب بأن منشأ هذا الاعتراض عدم الفرق بين السبب والعلم الموجبة ، والفرق مثل الصبح ظاهر فإن السبب وسيلة محضة لا يوجب حصول المسبب كما أن القلم سبب الكتابة غير موجب إياها ، والعدل اللازم من نفي الظلم سبب لعذاب المستحق وإن لم يوجبه . فالاستدلال بعدم الإيجاب على عدم السببية فاسد جداً ، وأما قولهم في العدل المقتضي الخ فهو بيان لمقتضاه إذا خلى وطبعه ، وتقرير لكونه وسيلة ولا يلزم منه إيجاب الاثابة والمعاقبة على ما ينبىء عنه قوله سبحانه في الحديث القدسي : « سبقت رحمتي غضبي » ، وخلاصة هذا أن الملازمة بين المقدم والتالي في القياس الاستثنائي ممنوعة بأنه لم لا يجوز أن لا يكون ترك التعذيب ظلماً ويكون نفي الظلم سبباً بأن يكون السبب سبباً غير موجب ولا محذور حينئذ . لا يقال يحتمل أن يكون مبنى ذلك الاعتراض على المفهوم المعتبر عند الشافعي لا على كون السبب موجباً لأنا نقول : إن أريد بالمفهوم مفهوم قوله سبحانه : { وَأَنَّ الله } الخ فنقول : حاصله أن العدل سبب لعذاب المستحقين ، والمفهوم منه أن العدل لا يكون سبباً لعذاب غير المستحقين وهو معنى متفق عليه لا نزاع فيه ، وإن أريد أن المفهوم من قولنا سبب تعذيبهم كونه تعالى غير ظالم أنه تعالى لو لم يعذبهم لكان ظالماً فنقول هو مع بعده عن سياق كلام المعترض من قبيل الاستدلال بانتفاء السبب على انتفاء المسبب فيكون مبنياً على كون المراد بالسبب السبب الموجب كما قلنا ويرد عليه ما أوردناه ولا يكون من باب المفهوم في شيء وإن أريد غير هذا وذاك فليبين حتى نتكلم عليه ، ومن الناس من دفع الاعتراض بأن حاصل معنى الآية وقع العذاب عليكم ولم يترك بسبب أن الله تعالى ليس بظلام للعبيد وهو بمنطوقه يدل على أن نفي الظلم لا يكون سبباً لترك التعذيب من مستحقه ولا يدل على كون الظلم سبباً لترك التعذيب بل له سبب آخر وهو لطفه تعالى فلا يرد الاعتراض ، وأنت تعلم بأن هذا ذهول عن مقصود المعترض أيضاً فإنّ دلالة الكلام على كون الظلم سبباً لترك التعذيب وعدمها خارج عن مطمح نظره على ما عرفت من تقرير كلامه على أنه إذا كان المراد بالسبب السبب الموجب على ما هو مبنى كلام ذلك المولى فدلالته عليه ظاهرة فإن وجود السبب الموجب كما يكون سبباً لوجود المسبب يكون عدمه سبباً لعدمه كما في طلوع الشمس ووجود النهار فالعدل أعني نفي الظلم إذا كان سبباً لتعذيب المستحق يكون عدمه أعني الظلم سبباً لعدم التعذيب ، وقيل : إنه عطف على ما قدمت للدلالة على أن سببية ذنوبهم لعذابهم مقيِّدة بانتفاء ظلمه تعالى إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ذنوبهم لا أن لا يعذبهم بذنوبهم .

وقال الألوسي أيضا : والظاهر عندي أن المبالغة راجعة إلى النفي كما في قوله تعالى : { وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ } [ آل عمران : 182 ] لا أن النفي راجع إلى المبالغة كما لا يخفى .

القرطبي[4] : ” وَمَا رَبُّكَ بظلّام لِلْعَبِيدِ “[فصلت : 46] نفى الظلم عن نفسه جل وعز قليله وكثيره، وإذا انتفت المبالغة انتفى غيرها، دليله قوله الحق: ” إن الله لا يظلم الناس شيئا ” [ يونس: 44 ] وروى العدول الثقات،والأئمة الأثبات، عن الزاهد العدل، عن أمين الأرض، عن أمين السماء، عن الرب جل جلاله: ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ” الحديث. وأيضا فهو الحكيم المالك، وما يفعله المالك في ملكه لا اعتراض عليه، إذ له التصرف في ملكه بما يريد.

وقال الرازي[5] : المسألة الثالثة : لقائل أن يقول : { وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] يفيد نفي كونه ظلاما ، ونفي الصفة يوهم بقاء الأصل ، فهذا يقتضي ثبوت أصل الظلم .

أجاب القاضي عنه بأن العذاب الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلما لكان عظيما ، فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتا ، وهذا يؤكد ما ذكرنا أن إيصال العقاب اليهم يكون ظلما لو لم يكونوا مذنبين .

قال الشيخ محمد علي طه الدرة [6]: ليس المراد بظلام المبالغة حتى تنتفي المبالغة , ويبقى أصل الظلم , وإنما المراد ليس بذي ظلم , فهذه الصيغ ليست للمبالغة , وإنما للنسب .

أما الأستاذ محي الدين الدرويش[7] , فقال : ” عدل عن ظالم إلى ظلّام , وقد كان ظاهر الكلام يقتضي بنفي الأدنى ؛ لأنه أبلغ من نفي الأعلى ؛ لأن نفي الأعلى لايستلزم نفي الأدنى , وبالعكس ؛ ولكنه عدل عن ذلك لأجل العبيد , أو لأن العذاب من العظم , بحيث لولا الاستحقاق لكان المعذِّب بمثله ظلّاما بليغ الظلم متفاقمه. ثم جاء بفائدة جليلة عنوانها ” صيغة (فعّال وفاعل وفَعِل )في النسب”.

أما الأستاذ الشيخ الإمام العلّامة محمد الطاهر ابن عاشور فقد تعرض للمسألة في أربعة مواضع من تفسيره الفذ ” التحرير والتنوير ” :

الموضع الأول[8] :[من سورة الأنفال] : ونفي الظلم عن الله تعالى كناية عن عدله , وأن الجزاء الأليم كان كفاء للعمل المجازي عنه دون إفراط … ونفي ظلّام – بصيغة المبالغة – لايفيد إثبات ظلم غير القوي : لأن الصيغ لا مفاهيم لها , وجرت عادة العلماء أن يجيبوا بأن المبالغة منصرفة إلى النفي كما جاء ذلك كثيرا في مثل هذا , ويزاد هنا الجواب باحتمال أن الكثرة باعتبار تعلق الظلم المنفي , لو قدر ثبوته بالعبيد الكثيرين , فعبر بالمبالغة عن كثرة أعداد الظلم باعتبار تعدد أفراد معموله .

الموضع الثاني[9] : [من سورة الحج] : وصيغة المبالغة تقتضي بظاهرها نفي الظلم الشديد . والمقصود أن الظلم من حيث هو ظلم أمر شديد فصيغت له زنة المبالغة , وكذلك التزمت في ذكره حيثما وقع في القرآن . وقد اعتاد جمع من المتأخرين أن يجعلوا المبالغة راجعة للنفي لا للمنفي وهو بعيد .

الموضع الثالث[10] : [من سورة فصلت] : والمراد بنفي الظلم عن الله تعالى لعبيده : أنه لا يعاقب من ليس منهم بمجرم ، لأن الله لما وضع للناس شرائع وبيّن الحسنات والسيئات ، ووعد وأوعد فقد جعل ذلك قانوناً ، فصار العدول عنه إلى عقاب من ليس بمجرم ظلماً إذ الظلم هو الاعتداء على حق الغير في القوانين المتلقاة من الشرائع الإِلهية أو القوانين الوضعية المستخرجة من العقول الحكيمة .

وأما صيغة ( ظلّام ) المقتضية المبالغة في الظلم فهي معتبرة قبل دخول النفي على الجملة التي وقعت هي فيها كأنه قيل : ليعذب الله المسيء لكان ظلاّماً له وما هو بظلاّم ، وهذا معنى قول علماء المعاني : إن النفي إذا توجه إلى كلام مقيَّد قد يكون النفي نفياً للقيد وقد يكون القَيد قيداً في النفي ومثلوه بهذه الآية . وهذا استعمال دقيق في الكلام البليغ في نفي الوصف المصوغ بصيغة المبالغة من تمام عدل الله تعالى أن جعل كل درجات الظلم في رتبة الظلم الشديد .

الموضع الرابع [11]: [من سورة ق] : و المبالغة التي في وصف { ظلاّم } راجعة إلى تأكيد النفي .

والمراد : لا أظلم شيئاً من الظلم ، وليس المعنى : ما أنا بشديد الظلم كما قد يستفاد من توجُّه النفي إلى المقيّد يفيد أن يتوجه إلى القيد لأن ذلك أغلبي . والأكثر في نفي أمثلة المبالغة أن يقصد بالمبالغة مبالغة النفي ، قال طرفة :

ولسْتُ بحَلَّال التلاع مخافة … ولكن متى يسترفد القوم أرفِد

فإنه لا يريد نفي كثرة حلوله التلاع وإنما أراد كثرة النفي .

وذكر الشيخ في «دلائل الإعجاز» توجه نفي الشيْء المقيد إلى خصوص القيد كتوجّه الإثبات سواء ، ولكن كلام التفتزاني في كتاب «المقاصد في أصول الدين» في مبحث رؤية الله تعالى أشار إلى استعمالين في ذلك ، فالأكثرُ أن النفي يتوجه إلى القيد فيكون المنفي القيد ، وقد يعتبر القيد قيداً للنفي وهذا هو التحقيق . على أني أرى أن عَدّ مثل صيغة المبالغة في عِداد القيود محل نظر فإن المعتبر من القيود هو ما كان لفظاً زائداً على اللفظ المنفي من صفة أو حال أو نحو ذلك ، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال : لست ظَلاّماً ، ولكن أظلم ، ويحسن أن يقال لا آتيك محارباً ولكن مسالماً .

وقد أشار في «الكشاف» إلى أن إيثار وصف { ظَلاّم } هنا إيماء إلى أن المنفي لو كان غير منفي لكان ظلماً شديداً فيفهم منه أنه لو أخذ الجاني قبلَ أن يَعرَّف أن عمله جناية لكانت مؤاخذته بها ظلماً شديداً . ولعل صاحب «الكشاف» يرمي إلى مذهبه[12] من استواء السيئات ، والتعبير بالعبيد دون التعبير بالناس ونحوه لزيادة تقرير معنى الظلم في نفوس الأمة ، أي لا أظلم ولو كان المظلوم عبدي فإذا كان الله الذي خلق العباد قد جعل مؤاخذة من لم يسبق له تشريع ظلماً فما بالك بمؤاخذة الناس بعضهم بعضاً بالتبعات دون تقدّم إليهم بالنهي من قبل ، ولذلك يقال : لا عقوبة إلا على عمل فيه قانون سابق قبل فعله [13].

قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ[14] : وقوله (وما ربك بظلّام للعبيد) قال بعضهم : لايلزم من نفيه الأخص نفي الأعم , والله تعالى منتف عنه الظلم على العموم . وظلّام صيغة مبالغة , ومثاله إذا قلت : ليس زيد بظالم , معناه أنه لم يلتبس بشيء من الظلم قليله وكثيره . وإذا قلت ليس بظلّام فإنما نفيت كثرة الظلم . ولا يلزم منه مطلق الظلم , والجواب عنه أن ظلّاما هنا ليس مثالَ مبالغةٍ وإنما معناه النسب , أي ليس بذي ظلم … وقيل : وإنّما أتى به على صيغة المبالغة بالنسبة إلى ذكر ما بعده من الجمع . فلمّا تكرر المتعلق وتعدد حسُن أن يتكرر الفعل الذي نفي عنه تعلقه , والأول أحسن .

أما الراغب الأصفهاني صاحب المفردات فمن الغريب أنه لم يتطرق إلى الحديث عن هذه الصيغة أبدا في مفرداته بل أشار إليه في موضع آخر من كتابه الآخر”تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد”[15].

وقد نبه الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسيره [16] :إلى أن المستشرقين الذين وجهوا سهام شكهم ونقدهم إلى القرآن , تحدثوا عن هذه الآية , فهم يقولون : ” الله يقول في قرآنهم : ” وأنّ اللهَ ليسَ بظلّامٍ لِلْعَبِيْدِ ” , وكلمة (ظلّام) هي مبالغة في كلمة (ظالم) , ففيه (ظالم) وفيه (ظلّام) , و (الظلّام) هو الذي يظلم ظلما قويا متتكررا ؛ فـــــــــ(ظلّام) هي صيغة مبالغة في (ظالم)” .

وحتى نردّ عليهم لابد لنا أن نعرف أن صيغ المبالغة كثيرة , فاللغويون يعرفون أنها : (فعّال , فعيل , مِفعال , فعول , فَعِل ) , فظلّام مثلها مثل قولنا : “أكّال” , ومثل : قولنا “قتّال” بدلا من أن نقول “قاتل” فالقاتل يكون قد ارتكب جريمة القتل مرة واحدة , ولكن “قتّال” هو من فعل الجريمة مرات كثيرة وصار القتل حرفته . , … , وهذه الصيغة تسمى المبالغة , وصيغة المبالغة إذا وردت في الإثبات أي في الأمر الموجب فهي تثبت الأمر الأقل , فعندما يقال : “فلان ظلّام” فالثابت أنه ظالم أيضا ,لأننا ما دمنا قد أثبتنا المبالغة فإننا نثبت الأقل . ومثل ذلك نقول : “فلان علّام” أو “فلان علّامة” فمعنى ذلك أن فلانا هذا عالم . ولكن إذا قلنا : “فلان عالم” فلا يثبت ذلك أنه “علّامة” فصيغة المبالغة ليس معناها ” اسم فاعل ” فحسب, إنها أيضا اسم فاعل مبالغ فيه, لأن الحدث يأتي منه قويا, أو لأن الحدث متكرر منه ومتعدد . فإذا ما أثبتنا صفة المبالغة فمن باب أولى إثبات صفة غير المبالغة . فإذا ما قال واحد : ” فلان أكّال” فإنه يثبت لنا أنه آكل, هذا في الإثبات.

والأمر يختلف في النفي . فإننا إذا نفينا صفة المبالغة , فلا يستلزم نفي الصفة الأصلية , فإن قلت :”فلان ليس علّامة”فقد يكون عالما . وهكذا نفهم لأن الإثبات يختلف عن النفي . فإذا أثبتَّ صفة المبالغة تثبتْ الصفة التي ليس فيها مبالغة من باب أولى . أما إذا نفيت صفة المبالغة فلايستلزم نفي صفة الأقل .

والتذييل للآية هو “وأنّ اللهَ ليسَ بظلّامٍ لِلْعَبِيدِ” : يفهم المستشرقون من هذا القول أنه مجرد نفي للمبالغة في الظلم , ولكنها لم تنف عنه أنه ظالم , ولم يفهم المستشرقون لماذا تكون المبالغة هنا : إن الحق قد قال : إنه ليس بظلّام للعبيد , ولم يقل إنه ليس بظلّام للعبد . ومعنى ذلك أنه ليس بظلّام للعبيد من أول آدم إلى أن تقوم الساعة , فلو ظلم كل هؤلاء – والعياذ بالله- لقال إنه ظلّام , ولو ظلم كل واحد أيسر ظلم . لأن الظلم تكرر وذلك بتكرر مَن ظلم وهم العبيد , فإن أريد تكثير الحديث فليفطن الغبي منهم إلى أن الله قال : ” وَمَا رَبُّكَ بظلام لّلْعَبِيدِ ” ولم يقل إنه ليس بظلّام للعبد .

وإذا كان الظالم لابد أن يكون أقوى من المظلوم ,إذن فكل ظلم يتم تكييفه بقوة الظالم . فلو كان الله قد أباح لنفسه أن يظلم فلن يكون ظالما لأن عظم قوته تجعله ظلّاما .

ثانيًا : أقوال النحاة :

أورد الشنقيطي في أضوائه [17]: قال : والوجه الرابع :ما ذكره بعض علماء العربية وبعض المفسرين ، من أن المراد بالنفي في قوله { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيد } [ فصلت : 46 ] نفي نسبة الظلم إليه ، لأن صيغة “فعّال” مراد بها النسبة فتغني عن ياء النسب كما أشار له(يعني ابن مالك) في الخلاصة بقوله :

ومع فاعِلٍ وفعَّال فَعِلْ … في نَسَب أغنى عَنِ اليَا فقبِلْ

ومعنى البيت المذكور ، أن الصيغ الثلاثة المذكورة فيه التي هي ( فاعل كظالم وفعَّال كظلّام ، وفَعِل كفَرِح ) ، كل منها قد تستعمل مراداً بها النسبة ، فيستغنى بها عن ياء النسب ، ومثاله في “فاعل” قول الحطيئة في هجوه الزبرقان بن بدر التميمي :

دع المكارم لا ترحل لبغيتها … واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فالمراد بقوله الطاعم الكاسي النسبة ، أي ذو طعام وكسوة ، وقول الآخر وهو من شواهد سيبويه :

وغررتني وزعمت أنك … لابن في الصيف تامر

أي ذو لبن وذو تمر ، وقول نابغة ذبيان :

كليني لهَمٍّ يا أميمةُ ناصبِ … وليل أقاسيه بطيء الكواكب

فقوله : ناصب أي ذو نصب .

ومثاله في “فعّال” قول امرئ القيس :

وليس بذي رمح فيطعنني به … وليس بذي سيف وليس بنبّال

فقوله : وليس بنبال أي ليس بذي نبل ، ويدل عليه قوله قبله :

وليس بذي رمح وليس بذي سيف .

وقال الأُشْمُوني بعد الاستشهاد بالبيت المذكور : قال المصنف يعني ابن مالك : وعلى هذا حمل المحققون قوله تعالى : { وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] أي بذي ظلم[18] . وما عزاه لابن مالك جزم به غير واحد من النحويين والمفسرين .

ومثاله في “فَعِل” قول الراجز وهو من شواهد سيبويه :

لست بليليّ ولكني نَهِر … لا أُدْلِج الليلَ ولكن أبتكر

فقوله نهر بمعنى نهاريّ. انتهى النقل .

وانظر - لزاما – ما كتبه الدكتور فاضل صالح السامرائي في كتابه ” معاني الأبنية في العربية” [19]عن استخدام هذه الصيغة (ظلّام )في النسبة وقد نقل نقولا عزيزة عن العلماء المحققين .

وقد أشار الأستاذ عباس حسن في كتابه العجيب ” النحو الوافي ” إلى أن معنى (وَمَا رَبُّكَ بظلّامٍ لِلْعَبِيدِ) أي : بمنسوب للظلم[20].

أمّا العلّامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبيّ فقد توسّع في الحديث عن صيغة (ظلّام) بما لامزيد عليه ,فانظره في شرحه للخلاصة الكافية لابن مالك[21].

جاء في كتاب “القرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة”[22] ما نصه :

القياس على صيغة ( فعّال )في النسب

القرار :

” يصاغ (فعّال) قياسا للدلالة على الاحتراف أو ملازمة الشيء , فإذا خيف لبس بين صانع الشيء وملازمه كانت صيغة (فعّال) للصانع , وكان النسب بالياء لغيره , فيقال : زجّاج لصانع الزجاج , وزجّاجي لبائعه”.

وهنا أنقل قدرا صالحا من دراسة القرار ومناقشته :

” وإنما استغني بفعّال عن ياءِي النسبة ؛ لأن فعّالا تدل على تكثير الفعل , وصاحب الصنعة أو من يعالج شيئا يداوم على ذلك الشيء ويلازمه , فاختير له هذه الصيغة الدالة على التكثير “.

“أما المجمع فقد جعل صيغة (فعّال) قياسية في النسب إلى الصناعات وما يحترفه الإنسان أو يلازمه . ورأى أنه إذا خيف لبس بين صانع الشيء وملازمه فإن صيغة (فعّال) تكون للصانع , والنسب بالياء يكون لغيره , فيقال مثلا : زجّاج لصانع الزجاج , وزجّاجي لبائعه” .

واحتج الأستاذ أحمد الأسكندري لهذا القرار بما يأتي :

(1) ما نسبه صاحب الهمع للمبرد من أنه يقيس باب (فعّال) للدلالة على النسب .

(2) ما نقله ابن جماعة من أن فعّالا كثر حتى لا يبعد دعوى القياس فيه .

(3) أن ابن مالك عبر عنه بالقبول , ومعنى قبوله : جواز العمل به فقد قال :

ومع فاعل وفعّال فَعِل في نسب أغنى عن الياء فقُبِل

والذي أراه موافقة المجمع فيما ذهب إليه من جواز القياس على (فعّال) للدلالة على النسب لأمرين :

الأول : أن سيبويه وأصحابه ذكروا أن مجيء فعّال للدلالة على النسب ” أكثر من أن يحصى” . ونصّ ابن مالك وابن هشام على أنه غالب , وقال ابن الحاجب : إنه ” كثير حتى لا يبعد دعوى القياس فيه” .

الثاني : أن ماذكره ابن ولاد من عدم سماع (برّار وفكّاه) ليس فاصلا في المسألة ؛ لأن إجازة القياس عليه لكثرته تجعل ما لم يسمع كالمسموع .

[2] نقلت الوجه الرابع لمكانه من أقوال النحاة , فانظره هناك .

[3] روح المعاني ,للإمام محمود الألوسي , ج2 / 353 -354, ضبطه وصححه علي عبد الباري عطية و دار الكتب العلميّة , بيروت ,ط1 ,1994.

[4] تفسير القرطبي , أبو عبدالله القرطبي ,ج15 / 241 -242, تحقيق سالم البدري , دار الكتب العلميّة , ط1 , 2001.

[5] التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) , فخر الدين الرازي , ج5 / 98 , دار الكتب العلمية , بيروت , ط1 , 1990.

[6] تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه , الشيخ محمد علي طه الدرة , ج2 / 329-330, دار ابن كثير , ط 1, 2009

[7] إعراب القرآ الكريم وبيانه , محي الدين الدرويش , ج3/ 154- 155 , دار ابن كثير , ط 9 , 2003

[8] التحرير والتنوير , الطاهر بن عاشور, ج5 / 42, دار سحنون , بلا طبعة ولا سنة نشر.

[11] نفسه ,ج10 / 316 – 317

[12] يقصد مذهب الاعتزال , وقد بنى كثيرا من آرائه التفسيرية في القرآن على هذا المذهب خاصة في كتابه “الكشّاف”

[13] وقد نقل الدكتور محمد محمد أبو موسى كلام الطاهر ملخصا في كتابه “آل حم : غافر- فصلت ” , 468 ,وقد أشار لذلك .

[14] عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ , أحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي , تحقيق : محمد ألتونجي , عالم الكتب ,دمشق , ط1 ,1993

[15] أشار إلى ذلك محققه صفوان عدنان داوودي ,539, دار القلم – دمشق , والدار الشامية – بيروت , ط2 ,1997.

[16] خواطر في القرآن الكريم , محمد متولي الشعراوي ,ج3 / 1922 – 1925, نشره جريدة أخبار اليوم المصرية , 1991

[18] جاء في حاشية الصبان على شرح الأُشْموني :أي فرارا من الحمل على صيغة المبالغةالموهم انصباب النفي عليها ثبوت أصل الظلم مع أن الله تعالى منزه عن ذلك .وأجيب أيضا على تسليم الحمل على صيغة المبالغة بأن المراد بها اسم الفاعل لكن عدل عنه تعريضا بأن ثَمَّ ظلاما للعبيد من ولاة الجور , وبأن العبيد جمع كثرة فجيء في مقابله بالكثرة .وقد نقل بركات يوسف هبود هذا بنصه ونسبه لضياء السالك : 4/179والكتاب لمحمد النجار وقد نشر في القاهرة 1968 على الرغم من نقله عن الصبان من الصفحة نفسها. حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك , ج4 / 201 , دار إحياء الكتب العربية / البابي الحلبي .وانظر أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك , ابن هشام الأنصاري , ج4 / 340- 342 , بتحقيق بركات يوسف هبّود , دار الفكر , بيروت , 1994.

[19] معاني الأبنية في العربية , د. فاضل صالح السامرائيّ , 150 – 156, دار عمّار , ط2 , 2007.

[20] النحو الوافي , أ. عبّاس حسن , ج4 / 753 هامش 1 , دار المعارف بالقاهرة , ط3.

[21] المقاصد الشافية في شرح الخلاصة الكافية , الشاطبي , ج7 / 583 – 601, جامعة ام القرى , مكة المكرمة ,ط1 ,2007

[22] القرارات النحويّة والتصريفيّة , خالد بن سعود العصيمي , 623 – 626, دار التدمريّة , الرياض , ط1 , 2002

عمر ابوعنزة
 
قبل الانسحاب

قبل الانسحاب

سيدي محمد عبد الله آل الأشرف، سلمت أناملكم، أحسنتم إذ فرقتم بين الاتجاهين، فقد ذهب العلامة ابن عاشور رحمه الله إلى المقدار في صيغة المبالغة، وذهبتم إلى الكثرة فيها، وإلى أن نفي المبالغة يستلزم ثبوت الأقل. وذلك كلام وجيه جدا
ونلحظ أن ما ذكره الإمام الشعراوي رحمه الله، في نقلكم، قد ذكره قبله العكبري رحمه الله في سورة آل عمران، والشق الثاني من تعليل الشوكاني رحمه الله موافق لما ذهب إليه ابن عاشور رحمه الله من توجيه المبالغة إلى المقدار.
لم يتبين لي منتهى كلام الإمام الشعراوي رحمه الله من نقلكم. فلو كان الكلام كله له فقد ذهب في أوله إلى الكثرة كما أسلفنا موافقته للعكبري رحمه الله، وفي آخره إلى المقدار موافقا فيه لابن عاشور رحمه الله أيضا.
لكن السؤال هو: هل للصيغ الصرفية - وليس صيغة المبالغة وحدها - مفاهيم في ذاتها ؟ أم لها مفاهيم لكن تستفاد من غيرها ؟ وهو مفاد قول العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى، وعليه ما هو هذا الغير ؟
 
شيخنا محمد الحسن بوصو
تصريف حروف الأصل إلى صيغة أخرى قد يؤدي إلى معان عديدة ( لا مفهوم واحد ) ولا يقطع بأي منها إلا السياق كما أشار شيخنا الدكتور عبدالرحمن الشهري ، فإذا كان السياق في معنى شرعي ، فإني أظن القطع في أي المعاني كان المراد هو ماقرره المفسرون الأصوليون في صيغ التصريف في كل موضع من القرآن .
وعليه أفهم كلام العلامة ابن عاشور - رحمه الله - بأن الصيغ الصرفية لا مفاهيم واحدة لها ..
أرجو توجيه فضيلتكم ، نفع الله بعلمكم .
 
وجهة نظر شخصية

وجهة نظر شخصية

شكرا لكم سيدي محمد عبد الله آل الأشرف، سعدت كثيرا بمشاركتيكم قبل الأخيرة. ولفت نظري أن المشاركين لم يستطيعوا الانفكاك من صيغة المبالغة من قول العلامة ابن عاشور رحمه الله "لأن الصيغ لا مفهوم لها". ولعل سبب ذلك أن مناسبة قوله ذلك كان بمناسبة تفسير صيغة المبالغة في سورة الأنفال. كما لفت نظري أن المفسرين الأُوَل لو كانوا فهموا من صيغة [فعَّال] النسبة لما تكلفوا إلى توجيه النفي، وينم قول ابن مالك رضي الله [وَقُبِل] عن إنكار بعض النحاة غناء هذا الوزن عن ياء النسب. وحتى مع إجازة مجمع اللغة العربية ذلك فإنه لم يطلقه.
إننا نقول زجّاج، نسبة للزجاج، - وراق، نسبة إلى الورق ولا نقول: عرّاق لعراقي، ولا كرّام لكريم. وعندما ينصاغ هذا الوزن من معنى فلا يكون إلا للمبالغة، ومن اسم يكون للنسبة إلى مادة ذلك الشيء بعلاقة الصنع أو والتجارة اي الاحتراف.
وأظن أنكم لو بحثتم لعثرتم على قصد العلامة ابن عاشور، وبذلك تثابون مرات كثيرة
 
فضيلة الشيخ محمد الحسن بوصو
القول بأنه على النسب من باب بزاز وعطار فيه وجاهة ، ولكن الذي يظهر لي أنه من صيغ المبالغة للكثرة وذلك لكثرة العباد فناسب أن يقابل الكثير بالكثير ، فإذا نفى انتفاعه بظلم الكثير انتفى انتفاعه بظلم القليل ضرورة .
 
وقفة

وقفة

اذا لم يكن للصيغ الصرفية مفاهيم وانما يفهم معناها من السياق. وتعذر على الحروف اعطاء معنى الا من خلال السياق، والكلمات تدور بين متشابهات لفظية ونظائر ومترادفات لا يحدد معناها الا بالسياق، والأفعال وأزمنتها قد تنوب عن بعضها بناء على السياق، ومعاني النحو والبيان لا تدرك الا من خلال دراسة السياق، اذا كان كل ذلك وأكثر يفهم فقط من السياق، فما الذي يعطي السياق معناه؟
ولو أن صيغة " ظلام" ليس لها معنى بذاتها، وانما أخذت معناها من السياق، فهذا يعني انه لو قال عز وجل " ظالم" أو "ظلوم" لبقي المعنى واحداً ولأعطى السياق هذه الكلمات نفس معنى "ظلام"؟!
ولماذا لا نقول أن الصيغة الصرفية بمعناها المستقى من بنيتها هي التي أثرت في معنى الجملة لتحدد السياق وليس العكس؟
 
رحم الله الشيخ ابن عاشور وجزى سهاد قنبر خيرا

رحم الله الشيخ ابن عاشور وجزى سهاد قنبر خيرا

صيغة الفعل
دلالتها الصرفية والنحوية
عند اللغويين المعاصرين
إعداد / الدكتورعادل بن معتوق العيثان
الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية – كلية الآداب - جامعة الملك سعود
بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص البحث:
يهدف هذا البحث إلى عرض ومناقشة الدلالة الصرفية والنحوية لصيغة الفعل في اللغة العربية عند اللغويين المعاصرين.
فما جاء من هذا البحث لغير المعاصرين والمحدَثين ورد من باب التمهيد أو التعضيد، ولم يكن مقصوداً بالدراسة نظراً لاتجاه البحث إلى ما انتهى إليه الآخرون، على أن الدرس الحديث ما زال يحوي العديد من المفاهيم القديمة التي لم يكن في غنى عنها والتي احتاج البحث إلى الإشارة إليها.
كما أن القارئ سيلاحظ تنوعاً لدى اللغويين الذين ستعرض آراؤهم بين متجه إلى المنهج العقلي في دراسته ، ومتجه إلى المنهج الوصفي الحديث ، وسيقوم هذا البحث بمزج المنهجين وبلورة تصور مشترك لدلالة صيغة الفعل صرفياً ونحوياً.
تمهيد:
الدلالة لغة تعني عدة معانٍ منها: الإرشاد والهداية ، يقال: دلّه دلالة: أرشده وهداه ، وهي في الاصطلاح " كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، والأول هو الدال ، والثاني هو المدلول.
وبهذا يكون الدال هو المعرَف بحقيقة الشيء ، والدلالة فعل الدال نفسه ، إلا أنهما يضافان إلى الدليل على سبيل المجاز.
أما علم الدلالة فقد عرّفه بعض المحَدثين بأنه دراسة المعنى أو " ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز ، حتى يكون قادراً على حمل المعنى. في حين قسمت النظرية الإشارية الحديثة الدلالة إلى ثلاثة عناصر : أولها الشيء الخارجي ، وثانيها الكلمة ، وثالثها المدلول.
وتعني النظرية الإشارية أن معنى الكلمة هو إشارتها إلى شيء غير نفسها ، وهنا يوجد رأيان : الأول يرى أن معنى الكلمة هو ما تشير إليه ، والثاني يرى أن معنى الكلمة هو العلاقة بين التعبير وما يشير إليه .
ويرى بعض أن دراسة المعنى على الرأي الأول تقتضي الاكتفاء بدراسة عنصرين من العناصر الثلاثة السابقة، وعلى الرأي الثاني يتطلب المعنى دراسة العناصر الثلاثة بكاملها. إلا أن الراجح أن دراسة المعنى وفق الرأي الأول تقتضي دراسة المدلول أو العلاقة بين الكلمة والشيء الخارجي ، ولذا كان من الأنسب تشريح الدلالة إلى تلك العناصر الثلاثة. أما النظرية التصورية فتعتبر اللغة وسيلة لإيصال الأفكار ، وهذه الأفكار يجب أن تكون حاضرة في ذهن المتكلم والسامع.
وقد قسم المناطقة الدلالة على أساس التلازم بين الدال والمدلول إلى :
1- الدلالة العقلية : وهي دلالة يجد العقل فيها بين الدال والمدلول علاقة ذاتية كاستلزام المعلول للعلة والنار للحرارة .
2- الدلالة الطبيعية: وهي دلالة يجد العقل فيها بين الدال والمدلول علاقة طبيعية كدلالة
(أ ح أ ح) على السعال ، لأن طبيعة الإنسان تتحرك لإحداث هذا الصوت عند عروض السعال.
3- الدلالة الوضعية : وتكون العلاقة فيها بين الدال والمدلول علاقة اصطلاحية (تواضعية) كدلالة إشارات المرور ودلالة الألفاظ على المعاني .
ودلالة الألفاظ على المعاني أو ما يسمى بالدلالة الوضعية اللفظية هي التي يعنى بها اللغويون على اختلاف مناهجهم.
تعريف الفعل:
أقدم تعريف للفعل وصل إلينا هو ما جاء في كتاب سيبويه بقوله: " وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء ، وبنيت لما مضى ، ولما يكون ولم يقع ، وما هو كائن لم ينقطع . فأما بناء ما مضى : فذهب وسمع ومكث وحمد . وأما بناء ما لم يقع فإنه قولك آمراً : اذهب واقتل واضرب ، ومخبراً : يقتل ويذهب ... وكذلك بناء ما لم ينقطع وهو كائن إذا أخبرت.
وفحوى قول سيبويه أن الفعل كلمة دالة بمادتها – أي جذرها اللغوي – على الحدث ، وبصيغتها الصرفية على زمان وقوعه ؛ ولذا كانت تعريفات النحويين بعد سيبويه تحوم حول هذه الدلالة المتضمنة للحدث والزمن. غير أن المتأخرين منهم كالجامي والصبّان أضافوا إلى التعريف مدلولاً ثالثاً هو النسبة – أي الإسناد – إلى الفاعل، ونخلص من هذا إلى أن متأخري النحاة متفقون على تعريف الفعل بالعناصر الثلاثة (الحدث والزمن والإسناد ). أما المعاصرون من اللغويين فقد أنكر بعضهم دلالة الفعل على الزمن ، واتجهوا في تعريفهم للفعل وجهة نسبة الحدث دون اقترانه بالزمن ؛ فقالوا بأنه " ما أنبأ عن حركة المسمى .
وبناء على هذا التعريف فإن الفعل (سَكَنَ) منبئ عن حركة المسمى، والمقصود بهذه الحركة هو حركة السكون من كونه غير مرتبط بالذات إلى كونه مرتبطاً بها ، كما أن ذلك التعريف يفيد بأن مدلول الفعل (قام) هو حركة الفعل اللغوي (القيام) من عدم التعلق بالفاعل إلى التعلق به.
ويبدو من تعريفهم هذا أن الدلالة المذكورة تستند إلى صيغة الفعل لا مادته ، لأن أي فعل من الأفعال يتشكل بصفته كلاماً من الأصوات التي تكوِن مادته الأصلية ، وهذه المادة الأصلية مثل (ك،ت،ب) تدل مجتمعة - قبل دخول الحركات- على مفهوم الحدث (الكتابة) وبعد دخول الحركات عليه في (كَتَبَ) تتشكل الصيغة الدالة على مصداقية الحدث (الكتابة) وصدوره عن فاعل (الكاتب) وعلى هذا يكون المقصود من حركة المسمى هو انبعاث الحدث وتحققه من الفاعل بعد أن لم يكن متحققاً ولا صادراً عنه. وذهب بعضهم إلى أن المسّمى هو الفاعل ، والفعل ينبئ عن حركة الفاعل ولا ينبئ عن تحرك الحدث لأن بعض الأفعال تدل – بحسب ظاهرها – على أن الحدث أثر من آثار الفاعل ، وليس له وجود خارجي كقولنا : امتنع واستحال ، فإن الامتناع والاستحالة لا وجود لهما في الخارج ؛ ليتصور أنها تحركت بواسطة صيغة الفعل من العدم إلى الوجود ، وأجيب عن هذا الإشكال بأن المقصود من العدم والوجود هو العدم والوجود الرابط بين الحدث والذات (أي ثبوت النسبة وعدم ثبوتها ) وليس المقصود بالوجود الوجود الأصيل الذي هو من عوارض الماهية (الموجود) فأفعال مثل (وجد ، حصل ، حدث ) . ومثل (عدم ، فقد ، استحال ) لا تقبل الوجود الأصيل لاستحالة عروض الشيء على نفسه أو على نقيضه ، ولكنها تقبل الوجود الرابط بمعنى ثبوت النسبة وعدم ثبوتها.
وفسًر لغويون آخرون حركة المسمى بأنها حركة مادة الفعل وخروجها بواسطة الصيغة من قابلية الاستقلال بالمفهومية إلى الاستقلال الفعلي بالمفهومية.
وتوضيح هذا أننا إذا عدنا إلى أقسام الكلمة نجد الأسماء مستقلة بمعانيها كما هي مستقلة بألفاظها كالرجل والمرأة والعلم والفهم .. إلخ كما نجد الحروف مستقلة بألفاظها لا بمعانيها مثل: من ، عن، ثم .. إلخ. أما الأفعال - (قال محمد الحسن بوصو: وكذا سائر المشتقات) - فلا استقلال لها إلا بواسطة إسنادها إلى الفاعل ؛ فهي من هذه الجهة أردأ من الحروف ؛ لأن الحرف مستقل لفظاً غير مستقل معنى ، أما الأفعال فغير مستقلة لا لفظاً ولا معنى؛ لأن الفعل يتكون من مادة وصيغة ، فالمادة ليس لها معنى بالفعل ، وإن كانت قابلة لأن يكون لها معنى فعلي عند عروض الصيغة عليها ، فمعناها إذن معنى بالقوة أي غير مستقل بالمفهومية ، أما الصيغة فليس لها معنى مستقل أيضاً ؛ لأنها لا تدل إلا على نسبة المادة للفاعل ، والنسبة معنى حرفي ، ومعاني الحروف غير مستقلة بالمفهومية ، وعلى هذا فكلا جزئي الفعل غير مستقل بالمفهومية ، ولكن مادة الفعل بواسطة عروض الصيغة عليها تخرج من كونها ذات معنى غير مستقل (معنى بالقوة) إلى كونها معنى بالفعل. والظاهر من هذا الرأي أن الحركة هي المقومة لحقيقة الفعل ، لأن مادته غير مستقلة بالمفهومية ، وصيغته غير مستقلة أيضاً ، وباجتماعهما تتكون حركة المادة من عدم الاستقلال إلى الاستقلال ، وعليه فإن حركة المادة هي الفعل وليست مدلوله ، ومقتضى هذا أن يكون تعريف الفعل هو : حركة المسمى ، لا الإنباء عن حركة المسمى.
ويلاحظ عليه أن الصيغة لا تستعمل بلا مادة ، والعكس صحيح في المادة، فاعتبارها غير مستقلة بالمفهومية من جهة واعتبارها مستقلة بالمفهومية – إذا عرضت للمادة – غلط أو مغالطة . أما دلالة الصيغة على النسبة فليست من قبيل المعاني الحرفية ؛ لأن الحرف لا يدل على النسبة إلا بوجوده في التركيب ، أما الصيغة فلا يمكن التفكيك بينها وبين النسبة.
وإن كانت النسبة ناقصة أي تحليلية، فإن قولك (ضَرَبَ) يتحلل إلى حدث منسوب إلى فاعل ، ولا يخفى أن الفعل باعتباره وحدة لفظية يأخذ وظائف معينة في الاستعمال اللغوي ، فيأخذ وظيفة دلالية تبرز في معناه المعجمي ، ويأخذ وظيفة صرفية تقوم بأدائها بنيته اللفظية ، كما يأخذ وظيفة نحوية تتمثل باستخدامه طرفاً في الإسناد، يضاف إلى هذا أنه قد يأخذ وظيفة بلاغية حين يظهر به الغرض البلاغي للمتكلم .
وفي ضوء هذا التحليل يمكن أن تتعدد تعريفات الفعل تبعاً للوظيفة التي يؤديها،لأن التعريف بالحدث أو حركة المسمى لا يمنع من دخول المصادر الدالة على حدث ما ، كما أن التعريف بالزمن لا يمنع من دخول بعض المشتقات كاسم الفاعل الذي يصاحبه الزمن قهراً . ومن ثم كان على أولئك اللغويين أن يأخذوا في تعريفاتهم للفعل تلك الوظائف في الحسبان بصورة تجعل التعريف جامعاً لمواصفات الفعل- لا سيما صيغه الاستعمالية – مانعاً لغيره من الدخول في مضمون التعريف.
دلالة الفعل على الحدث:
لا خلاف بين اللغويين – مهما اختلفت تعريفاتهم للفعل – في دلالته على الحدث عدا فعل الأمر ، فيبدو أنه لا يدل عندهم على وقوع الحدث : لكونه طلباً لإيقاع الفعل، والطلب شيء ، ووقوع الحدث – كما هو الحال في الماضي والمضارع – شيء آخر يحتاج إلى دليل في فعل الأمر، نعم يدل الأمر بالالتزام على الحدث، لكن الوقوع شيء والدلالة على مطلق الحدث شيء آخر لا يخلو من فعل الأمر.
وقد يشتبه بخلو الفعل من الدلالة على الحدث إذا استعمل مسوقاً لبعض الأساليب العربية كأسلوب التعجب في نحو (ما أحْسَنَ زيداً) وأساليب المدح والذم في نحو (نعم المرءُ محمد ) و(بئس المرء زيد) . إلا أن المعنى في التعجب مرادف لقولك (أتعجب من حسن زيد ) وفي أساليب المدح والذم يكون المعنى مرادفاً لقولك (أمدح المرء محمداً) أو (أذم المرء زيداً ) فيكون وقوع الحدث حاصل لا محالة ، سواء أقدر المعنى بالمصدر أم بفعل آخر ؛ لأنه – حينئذ – يكون متمماً للمعنى المراد من تلك الأساليب.
وذهب بعض الباحثين إلى أن (كان) الناقصة وأخواتها مفرغة من معنى الحدث، إلا أن هذا مجانب للصواب ؛ لأنها تدل بصيغتها ومادتها على وقوع الحدث، فإذا ما قلت (كان محمد نشيطاً) دلت على وقوع النشاط في الزمن الماضي ، ومثله في وقوع الخبر (صار العنب زبيباً ) و(ظل الطفل باكياً) و(بات المسافر ماشياً) . فدلالتها على الحدث مستفادة من وقوع الخبر بالوصف الذي يفيده كل فعل منها.
وقد يقال بأن الحدث هو النشاط وهو ليس مدلولاً لـ (كان)، إلا أن هذا مردود بأنها تدل على حدث الكينونة والوجود ، فلا تكون خالية من الدلالة عليه سواء أكانت تامة أم كانت ناقصة.
دلالة الفعل على الزمن:
ذهب بعض اللغويين المعاصرين إلى أن الأفعال لا تدل على الزمان بالمطابقة ، بل تدل عليه بالالتزام إذا كان الفاعل زمانياً، كما في (يقوم زيد ) أما إذا كان الفاعل غير زماني كما في (يعلم الله ) فلا دلالة فيه على الزمن ، والأمر كذلك في فعل الأمر؛ لأنه أسلوب إنشائي، فلا يدل على الزمن. وبتعبير آخر إن الدلالة على الزمن في الفعل دلالة نحوية تؤخذ من سياق الجملة وقرائنها، وليست دلالة صرفية لصيغة الفعل .
ويلاحظ عليهم أن الدلالة السياقية لا تتم إلا بدخول الفعل في التركيب ، في حين إن الفعل بصيغته الصرفية يدل على الزمن قبل دخوله في التركيب ، ومن ثَم كانت دلالته على الزمن بالمطابقة لا بالالتزام عدا فعل الأمر الذي تكون دلالته على الزمن دلالة التزامية بالنظر إلى أنه طلب إيقاع الفعل ، وبما أن الإيقاع حدث يلزمه الزمن، فلا مناص من كون زمن إيقاعه في الحاضر أو المستقبل تبعاً للقرائن التي تعين ذلك الإيقاع. واضطرب بعضهم حين قرر أن الأساليب الإنشائية لا تقترن بالزمان ، ثم استدرك على عدم الاقتران بأنها تقترن بالزمن في حدود ما يقترن به كل شيء لا ينفك بطبيعته عن المكان والزمان.
إن الاستعمال اللغوي العربي يقتضي دلالة الفعل على الأزمنة الآتية:
أ‌- الدلالة على الماضي: ويقع بإيراد الفعل الماضي على صيغته الصرفية المعروفة،حيث يحتفظ الفعل بزمنه الصرفي ولو دخل في الكلام ما يشتبه بأنه صارف له من المضي إلى الحال أو الاستقبال وذلك في نحو الأمثلة الآتية:
1- إذا اقترن ببعض أدوات الشرط نحو ( أيُّ رجل أتاني بالمطلوب فله مكافأة ) إلا أن المتكلم قد يكون قاصداً الإتيان بالمطلوب في الماضي والحاضر والمستقبل ، وقد لا يكون قاصداً جميع الأزمنة ، فتبقى صيغة الماضي على حالها في الدلالة على الماضي . ومن هذا يظهر أن بعض الباحثين لم يكن على صواب حينما حدد زمن الأسلوب الشرطي بالحاضر أو المستقبل في جميع الحالات التي تختلف فيها القرائن ، وتحتفظ الصيغة الصرفية في بعضها بدلالتها الأولية على الزمن ونحو ذلك المثال (أينما زرتني زرتك) و(حيثما أتيتني أتيتك) و (أنّى أكرمتني أكرمتك) ولعل هذا يعود إلى أن اسم الشرط يحمل معنى آخر غير الشرط يساعد على توجه المتلقي إلى الزمن الماضي عند نطقه بالفعل في سياق الشرط، هذا إلى أن دلالة الصيغة على الزمن ليست خارجة عن الزمن الوجودي ، خلافاً لما ذهب إليه بعضهم في الأسلوب الشرطي من الفرق بين الزمن الوجودي والزمن اللغوي، في حين إن الزمن اللغوي يبرز الزمن الوجودي ويدل عليه.
2- الفعل في (قد قامت الصلاة يبقى كسابقة محتفظاً بدلالته الأولية على المضي، والغرض منه الدلالة على المفروغية من حلول وقت الصلاة.
3- وفي (قد كان شمَّر للصلاة ثيابه) لا مناص من دلالة الفعلين كليهما على الماضي ، وتوكيد الفعل الناقص هنا ب(قد) لا يصرفه إلى الماضي البعيد، ولا سيما أن (قد) لا تأتي دائماً للتوكيد بل لتقريب الماضي من الحال.
4- وفي (أقر اللص أن يكون سرق أثاث الدار) يبقى الفعلان (أقر) و(سرق) دالين على المضي ، ولا يؤثر المصدر المؤول في صرفهما إلى الاستقبال.
5- وفي قوله عز وجل : (( ونادى أصحاب الجنة ))، وقوله أيضاً :
(( وسيق الذين كفروا إلى جهنم )) يحتفظ الفعلان بدلالتهما على المضي ، ويكون الغرض هو الدلالة على حتمية الوقوع خلافاً لما ذهب إليه بعض الباحثين من دلالتهما على الاستقبال لأن معنى الاستقبال يفرغهما من الدلالة على حتمية الوقوع ؛ المعنى المقصود من وراء استعمال الصيغة في الماضي . لكن الدلالة فيهما على المضي دلالة أولية صرفية مسوقة للغرض المذكور ، وليست مسوقة لبيان الزمن النحوي سواء أكان ماضياً أم مستقبلاً.
6- والأمر كذلك فيما إذا استعمل الماضي –حسب قول بعضهم- للوعد في نحو قوله عز وجل : ((إنا أعطيناك الكوثر )). علماً بأن ظاهر الآية يفيد تحقق الإعطاء فعلاً ، وهو ما يؤكد الزمن الماضي للفعل.
7- وذهب بعضهم إلى أن الماضي يدل على الحال والاستقبال في التحضيض (هلاّ فعلت) وفي التمني (تمنيت أن لو قد حدث كذا ) والأمر كذلك في الترجي (لعلك عالجت المريض ) لكن الراجح أن هذه الأساليب تحتمل قصد جميع الأزمنة (الماضي والحاضر والمستقبل) وقد تحتمل زمناً واحداً منها ، إلا أنها إذا بقيت دون قرينة تعين واحداً من تلك الأزمنة أو تجمعها كلها في سياق واحد ؛ فالراجح فيها الدلالة على المضي ؛ لأن الصيغة الصرفية للماضي تبقى مشحونة في التركيب ، وليس فيه ما يفرغها أو يصرفها إلى غير المضي، فهي من قبيل كلمة (أسد) التي تدل على الحيوان المعروف ، إذا استعملت في التركيب النحوي دون قرينة تصرفها إلى معنى آخر .
وقد حاول بعض اللغويين المحدَثين أن يستظهر معاني أخرى ويضيفها إلى دلالة الصيغة الصرفية على المضي على النحو الآتي:
[ (كان فعل ) الماضي البعيد المنقطع
[ (كان قد فعل) الماضي القريب المنقطع
[ (كان يفعل) الماضي المتجدد.
[ (قد فعل ) الماضي المنتهي بالحاضر.
[ (مازال يفعل) الماضي المتصل بالحاضر
[ (ظل يفعل) الماضي المستمر .
[ (كاد يفعل ) الماضي المقارب.
[ (طفق يفعل) الماضي الشروعي.
ويلاحظ عليه أن المعاني المضافة إلى المضي في العبارات الأربع الأولى لم تستند إلى عنصر لغوي آخر يدل عليها ، اللهم إلا أن يقال بأن دخول (قد) وعدم دخولها يؤثر في الدلالة ، غير أن معنى (قد) معنى سياقي يحتمل التوكيد كما يحتمل تقريب الماضي من الحاضر ، ولا يفيد ما استظهره من معانٍ أخرى، فتبقى تلك المعاني المضافة مشكوك فيها ، وتكون منفية على أساس أن المشكوك في ظهوره بحكم عدم الظاهر ، كما أن استظهار معنى التجدد من الفعل في العبارة الثالثة لا أساس له ، اللهم إلا أن يقال إن الفعل المضارع فيها يدل على ذلك ، لكن المضارع وحده لا يكفي لأداء تلك الدلالة ، فتبقى حينئذٍِ دلالة فيها الشك لأن التجدد ليس بالضرورة أن يكون ملازماً لصيغة المضارع في كل سياق . أما استظهاره للمعاني في العبارات الأربع الأخيرة فهو وجيه إلا أن معنى الماضي المتصل بالحاضر في العبارة الخامسة قد يقال بعدم ظهوره ، لأنه دعوى بأن هذه العبارة مساوية لقولك (ما زال يفعل حتى الآن) وهي تختلف – كما ترى – عن هذا القول ، لكن دلالة (مازال) على الاستمرار حال النطق بها يفيد اتصال الماضي بالحاضر فتكون العبارة الخامسة مرادفة للمثال الآنف الذكر.
ويأتي المضارع دالاً على المضي إذا اقترن ب (لم) أو (لمّا) الجازمتين في نحو (لم أذهب إلى السوق ) و(لمّا أذهب إلى الجامعة ) حيث يكون كلا التعبيرين مرادفاً لقولك ( ما ذهبت ..) وقد يفهم استمرار النفي ب (لما) حتى زمن التكلم ، ولكن هذا الفهم لا يظهر بالضرورة لدى عامة العرب ، ومن ثم يبقى ظهوراً مشكوكاً فيه، ولو قيل بأن (لمّا) موضوعة لذلك المعنى ، لأن الوضع شيء والدلالة الاستعمالية قد تكون شيئاً آخر في بعض الحالات .
وقد يقال بأن دلالة صيغة الماضي على الزمن دلالة سياقية ، فتدل على الحاضر إذا اقترن بها ما يدل على الحاضر في نحو الآيات الآتية:
- {الآن خفف الله عنكم} - {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم}
إلا أن الدلالة على الحاضر في هاتين الآيتين مستندة إلى دلالة الظرفين (الآن) و(اليوم) وليست مستندة إلى دلالة الفعلين الماضيين (خفف) و(يئس) ، لأنهما باقيان على الماضي للدلالة على كمال الوقوع أو للدلالة على التصاق الحدثين الماضيين بالزمن الحاضر ، وفي كلتا الحالتين تبقى الدلالة على الزمن الماضي ظاهرة في الآيتين كلتيهما.
ب‌- الدلالة على الزمن الحاضر : وأوضح صيغة له هي صيغة المضارع المقترن بما يعينه للحال في نحو ( محمد يصلي الآن) وكذلك صيغة الأمر المقترن بما يصرفها للحال نحو ( صل الآن يا محمد ) . أما ما ذهب إليه الزجاجي من أن الفعل إما ماضٍ وإما مستقبل ، والحال في حقيقته متكون في الوقت الماضي وأول الوقت المستقبل فلا وجه له ، لأن العرف الاستعمالي للغة يوجب تخصيص زمن للحال ، وما ذكره من وصف للحال بأن جزءاً منه يقع في الماضي وجزءاً منه يقع في أول المستقبل غلط أو مغالطة ؛ لأن الوصف العرفي للزمن الحاضر لا ينصرف في استعماله للماضي أو المستقبل اغتفاراً للفروق اليسيرة وتجنباً للدقة العقلية في هذا المجال ، فالماضي القريب الواقع في الحال وكذلك أول المستقبل يعدان عرفاً واقعين في الزمن الحاضر ، ومن ثم كان على الزجاجي أن يصف الواقع العرفي للاستعمال لا الواقع العقلي الدقيق الذي لا يتفاهم به غالب المتكلمين.
وفي العقود الإنشائية تكون قرائن الحال هي الدالة في نحو (بعتك) و(زوجتك) لأن الملاحظ في العقد إيقاعه بين المتعاقدين في اللحظة التي وقع فيها الاتفاق فيكون مجيء الفعل ماضياً في العقود من باب التأكيد على حتمية العقد ، وإن كانت حتمية العقد حتمية قانونية لا تكوينية، وهذا يعني أن صيغ ألفاظ العقود الواردة بتلك الصيغة ليست مفرغة من الزمن ، خلافاً لما ذهب إليه بعض الباحثين.
ج - الدلالة على الاستقبال : وأظهر صيغة له هي المضارع المقترن بما يعينه للمستقبل في نحو ( سيذاكر محمد ) وكذلك الأمر المقترن بما يصرفه لإيقاعه في المستقبل في نحو (ذاكر يا محمد غداً)
أما قول بعض الباحثين بأنه لا صيغة للمستقبل في اللغة العربية ، على أساس أن الفعل المضارع يدل على الزمن الحاضر إذا تجرد من القرائن، فجوابه أن سيبويه ومن تابعه من النحاة حين نقلوا استعمال المضارع والأمر للحاضر والمستقبل ، لم يكن هذا النقل كاشفاً عن تبادر خاص بالنحويين ، بل كان كاشفاً عن تبادر عام ؛ لأن احتمال وجود صيغة أخرى للدلالة على الزمن الحاضر والمستقبل احتمال ضعيف ، نظراً لأن الحاجة في الاستعمال تفرض وجود تلك الصيغة ، ومن ثم كان من الاحتمال الضعيف أن يجدها النحاة ولا يروونها أو أنهم يروون صيغة أخرى بخلافها . هذا إلى أن النحويين من أبناء اللغة أنفسهم ، فيكون تبادر الدلالة على الزمن الحاصر والمستقبل تبادراً ناشئاً من اختلاط النحويين ومشافهتهم للناطقين بالعربية في تلك العصور السالفة.
د- الدلالة على الاستمرار في الماضي والحاضر والمستقبل في نحو قولهم: (قبل الرماء تُملأ الكنائن )، و(أنت لا تجني من الشوك العنب) حيث يكون التخصيص بزمن معين في هذين المثالين غير مقصود للمتكلم ، ومثلهما قولك (تشرق الشمس) و(يضيء البدر) و(كل حي يموت) فإنها تفيد الحدث الثابت مما يعني استمرار الحدث وعدم تخصيصه بزمن معين.
ومثل هذه الأمثلة الآيات التي تقرر حقائق إلهية أو كونية ثابتة من قبيل {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة}، و{أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة}
وفي أسلوب الدعاء يأتي الفعل في نحو (رضي الله عنه ) و (رحمه الله) غير خاص بزمن ؛ لأن المتكلم أراد نزول الرحمة بالميت والرضا عنه في جميع الأزمنة خلافاً لما ذهب إليه بعض الباحثين من أن صيغة الدعاء تدل على الاستقبال. فالدعاء وإن كان يدل على الإنشاء الجديد إلا أن الدلالة تابعة لقصد المتكلم ومقتضى كمال الدعوة عدم تخصيصها بزمن معين والمتلقي يعلم أنه لو خصصها بالاستقبال أو الحال لما كان ذلك مراداً للمتكلم الذي يكون مظنة لعدم البخل والشح في دعائه.
ويأتي الماضي مفرغاً من الدلالة على المضي إذا جاء بعد (ما) المصدرية الظرفية في نحو قوله عز وجل: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً} حيث تكون الوصية مرتبطة بالمدة التي يبقى فيها الموصَى حياً ، وهي تستوعب جميع الأزمنة الثلاثة (الماضي والحاضر والمستقبل ). ومثله في استيعاب الأزمنة الثلاثة ما إذا جاء الماضي منفياً ب (إنْ) في نحو قوله عز وجل {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده}.
فإمساكه عز وجل للسموات والأرض ثابت منذ أن خلقهما في الماضي ، وهو مستمر وثابت في الحاضر والمستقبل ، فيلزم هذا أن نفي الإمساك لهما بالنسبة للمخلوق مستمر وثابت أيضاً في جميع الأزمنة، فالماضي بعد (إنْ) النافية لا يدل على المستقبل فقط خلافاً لما ذهب إليه بعض الباحثين.
أما الفعل الدال على الصفات الثابتة في نحو (كرُم) و(حسُن) و(ظرُف) و(صَفِر) و(عرِج) و(كحِل) فقد يستفاد منه الدلالة على ثبوت الصفة في جميع الأزمنة الثلاثة ، إلا أن الثبوت فيها يبقى معنى نسبياً ، لأنه يمكن أن تتغير تلك الصفات ، ولما كان التغير فيها وارداً ، فلا حرج من دلالة الصيغة على الماضي ، المعنى الذي وضعت له الصيغة، وإن كان فيها دلالة على الثبوت، فيكون خاصاً بالماضي لا غير ، ويبقى الزمن غير الماضي موضع شك بالنسبة لظهوره منها .
هـ- الدلالة على الزمن المبهم : وتأتي هذه الدلالة في صيغة المضارع المحتملة للحال والاستقبال في نحو (محمد يذاكر ) وكذلك صيغة الأمر في (ذاكر يا محمد ) .
وذهب بعضهم إلى أن الفعل مع (أنْ) المصدرية لا يدل على الزمن في نحو (أريد أن أتحدث ) والواقع الظاهر من العبارة أن المصدر المؤول ذو زمن مرتبط بالفعل الأول (أريد) فإذا ما تعين للحال أو الاستقبال تبعه في ذلك الفعل بعد (أنْ) المصدرية ، نعم لا يكون زمنه ماضياً إذا ارتبط بالماضي في نحو (أراد أن يتحدث ) بل يحتمل المعنى والحال والاستقبال فيبقى زمن مبهماً.
وكذلك إذا اقترن ببعض أدوات الشرط في نحو قولك (إن قلت الحق صدقتك) فقد ذهب بعضهم إلى دلالة الشرط على الاستقبال ولعله هو مذهب الجمهور في زمن الأساليب الشرطية، لكن صيغة فعل الشرط من الناحية الصرفية تبقى دالة على المضي ، وكذلك صيغة الجواب في نحو المثال السابق إلا أن استعمال مثل تلك الأداة الشرطية يؤسس شبهة للدلالة على الاستقبال في الأسلوب كله ، ومن هنا يأتي الإبهام في نوع زمنهما ، ومثل ذلك المثال السابق القول المأثور ((فإما أدركنَّ أحد منكم الدجال)) فمجيء الماضي في أسلوب الشرط مع نون التوكيد يثير شبهة الاستقبال في حين إن الصيغة الصرفية للفعل دالة على المضي . وكذلك إذا وقع الفعل الماضي منفياً بـ (لا) في نحو (والله لا فعلت) حيث يحتمل أن يكون مرادفاً لأكثر من أسلوب نحو (والله لم أفعل) و (والله ما فعلت) و (والله لا أفعل) و(والله لن أفعل) فيصعب حينئذ تشخيص زمنه لكونه مردداً بين الماضي والحاضر والمستقبل.
وقد يفهم المضي من دلالة المضارع إذا كان متعلقاً بفعل ماضٍ نحو المضارع الآتي بعد (ربما) في قوله عز وجل {رُبَما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} فودهم للإسلام واقع في الماضي ؛ لأنه مرتبط ب (كان) الناقصة الدالة على المضي ، يضاف إلى هذا أن دلالة الماضي على الزمن الماضي دلالة صريحة ، أما دلالة المضارع على الحاضر أو المستقبل ، فهي متعينة بالسياق ؛ فتكون غير صريحة حين تذكر وحدها، إذا ما قوبلت بدلالة الفعل الماضي على زمنه ، ولأن الدلالة في صيغة المضارع أضعف من دلالة صيغة الماضي ، يتأهل الماضي لصرف المضارع للوقوع في الزمن الماضي ، ولا يتأهل المضارع لصرف الماضي للوقوع في الحاضر أو المستقبل ، إذ إن الدلالة الصريحة أقوى من غير الصريحة والمرددة بين معنى ومعنى – أعأعنأ‘تأعنيأعني بيبت
أعني دلالة المضارع على زمنه – لكن صراحة الدلالة على المضي ليست بالضرورة موجهة لرفع الإبهام عن زمن الفعل المضارع (يود) فيبقى محتملاً للحال أو الاستقبال.
والخلاصة أن النحاة ربطوا دلالة الفعل على الزمن بالصيغة الصرفية، أما اللغويون المعاصرون فقد ربطوها بالتركيب ؛ أعني تأليف الجملة وسياقها ودلالتها، مما يعني كون الدلالة على الزمن دلالة سياقية، علماً بأن الصيغة الصرفية للفعل الماضي تبقى ممتدة في عمق النظام النحوي ولا تتأثر في الغالب بالقرائن خلافاً لصيغتي المضارع والأمر اللتين تدلان على زمن مبهم مردد بين الحال والاستقبال ، حيث يبرز دور القرائن السياقية والحالية في توجيه دلالتهما على الزمن.
دلالة الفعل على النسبة (الإسناد) :
يعبر بعض النحاة عن المبتدأ والخبر وعن الفعل والفاعل بالمسند والمسند إليه، ولكنهم لم يبحثوا حقيقة الدال على النسبة (الإسناد) بين المسند والمسند إليه ، وإن أشار بعضهم إلى الضمير الرابط في الجمل الاسمية ؛ فهو مشابه لطريقة الحمل في القضايا المنطقية المؤلفة من موضوع ومحمول ورابطة
وقيل في (زيد هو العالم ) إن الضمير لرفع التباس الخبر بالصفة لا لربطه بالمبتدأ ، وقد يأتون به للتأكيد فقط ، ولذلك سمي هذا الضمير عند البصريين بضمير الفصل وعند الكوفيين بالعماد ، ولم يسمَ بضمير الربط. علماً بأن إحداثه للربط واقع قائم في الجملة ، وأما ما يقدره النحويون من ضمير في الخبر إذا كان مشتقاً كما في قولك (زيد عالم ) فهو على أساس ما التزموا به من إعمال المشتق عمل فعله ، بدليل أنهم يقدرون الضمير فاعلاً للمشتق، يضاف إلى ذلك أن الخبر يحتاج إلى ما يربطه بالمبتدأ ، والضمير المستتر في اسم الفاعل يقوم بهذه الوظيفة ، أما الجمل الفعلية فقد اكتفوا بالقول عنها إنها دالة على نسبة الحدث إلى فاعله ، ولم يعيروا اهتماماً للدال على هذه النسبة.
ويرى بعض اللغويين المعاصرين أن صيغة الفعل (ضَرَبَ) و(يضرب) تدل على حدوث الحدث وانتسابه إلى الفاعل بالمطابقة لا بالالتزام ، فالصيغة فيهما مطابقة للدلالة على الحدث وإسناده أو نسبته .
وقد يقال إن نسبة الحدث كما هي مدلول صيغة الفعل ، كذلك هي مدلول صيغ المشتقات الأخرى، كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة ؛ فلا يبقى ما يميز الفعل عن هذه الأوصاف. ويجيب بعض اللغويين بالفرق بين النسبتين؛ فالنسبة الموجودة في صيغتي (فعل) و(يفعل) نسبة تامة يصح السكوت عليها ، وتستدعي تلك النسبة ملاحظة كل من الحدث الموجود في (ضرب زيد ) مثلاً والذات المنسوب إليها ملاحظة خاصة ، بحيث يمتاز كل منهما عن صاحبه ، وتكون النسبة التي ربطت بينهما ملحوظة للمتكلم والسامع بصورة مستقلة عن الطرفين ؛ فهي ليست جزءاً مقوماً للحدث ولا جزءاً مقوماً للذات ، وإن تقومت هي بهما ، أما النسبة الموجودة في صيغة (فاعل) وأخواتها فهي نسبة ناقصة لا يصح السكوت عليها ، وهي غير ملحوظة بنفسها من قبل المتكلم والسامع ؛ لأن مهمتها ربط الحدث بالذات على نحو الاتحاد بينها لا الامتياز ، حيث يصح انتزاع (ضارب) – مثلاً – من الذات المتلبسة بالضرب.
ودلالة صيغة الفعل على النسبة التامة هو الرأي السائد بين كثير من اللغويين عدا قليل منهم ذهب إلى أن الفعل يدل على النسبة الناقصة؛لأن كل نسبة موطنها الأصلي هو الواقع الخارجي، لا تكون في الذهن إلا تحليلية، وكل نسبة تحليلية فهي ناقصة ، أما النسبة التامة التي نحس بها في قولنا (ضَرَبَ زيد ) فهي مدلول وضع الجملة الفعلية كاملة ، لا مدلول هيئة الفعل بمفرده.
وهو رأي صحيح عند بعضهم لو التزمنا بأن كلمة (ضارب) ككلمة (ضَرَبَ) تدل مع النسبة على ذات مبهمة غير الفاعل ، وهو ما لم يلتزم به القائلون بالمقولة السابقة.
هذا إلى أن الضمير المقدر في (ضرب) نابع من الفعل نفسه ، أما الضمير المقدر في (ضارب) فهو – وإن كان نابعاً من اللفظ نفسه – لا يصح السكوت عليه إلا مع وجود قرينة تفيد إرادة المتكلم للإخبار أو حذف المبتدأ،وهذا غير موجود في الفعل (ضرب) أضف إلي ذلك أنه لا محذور من القول بأن النسبة في الفعل نسبة تحليلية يصح السكوت عليها ، إلا مخالفة القواعد التي ألزم اللغويين بها أنفسهم من كون النسبة التحليلية ناقصة لا يصح السكوت عليها ، وهذه القاعدة أسست على افتراض عقلي ولم تدرس من خلال النظام اللغوي بكامله.
وذهب بعض الباحثين إلى أن ذلك الرأي في دلالة صيغة الفعل على النسبة يريحنا من تحمل تقدير الروابط كتقدير الضمير في (ضَرَبَ) ويجنبنا قسر الجملة العربية على مجاراة طبيعة القضية الحملية عن المناطقة، غير أن الأمر لا يعود إلى الترويح والتشهي بل يعود إلى الواقع الوصفي الذي يقود إلى دلالة الفعل على النسبة ، مما يلزم منه الدلالة على فاعل مبهم ، وهو ما يعبر عنه النحويون بالضمير المستتر في الفعل، ويتفق مع معطيات الدرس اللغوي الحديث الذي يذهب إلى أن صيغ الأفعال والمشتقات دلائل على النسبة.
دلالة الفعل على قيود الإسناد:
يتمثل هذا الباب فيما عقده بعضهم لدلالة الأمر على الفور أو التراخي ودلالته على المرة أو التكرار. على أن القدر المتيقن الذي يكون ذهن المتكلم والسامع مستوعباً له هو الفور لا التراخي والمرة الواحدة لا التكرار،نعم لو كانت هناك قرائن مصاحبة تدل على التراخي والتكرار كانت الدلالة للقرائن وليس لصيغة (افعل).
هذا إلى أن الدلالة على هذه الأمور ليست خاصة بفعل الأمر، بل تشمل أساليب الأمر كلها ، وبما أن فعل الأمر ليس فعلاً عند معظم المعاصرين، بل هو طلب وإنشاء، فهو خارج عن موضوع هذا البحث ، أضف إلى ذلك أنهم لم يتعرضوا لقيود الإسناد بصفة عامة في الفعلين الماضي والمضارع، علماً بأن الماضي والمضارع كليهما يتقيدان بالتعدي واللزوم والمكان كما يتقيدان بالزمان،فهي قيود للإسناد مسلطة على الحدث والزمن ، خلافاً لما ذكره بعض الباحثين من أنها ليست مسلطة على الحدث والزمن، ولهذا فإن الفعل يدل عليها بالالتزام ، بالنظر إلى كونها قيوداً لا ينفك عنها الفعل ولو كان على صيغة (افعل).
دلالة الفعل على أغراض الكلام:
اتجه بعض اللغويين في هذا الباب إلى عرض الأغراض المستفادة من أسلوب الأمر والطلب بواسطة القرائن، ولكن لما كان هذا المبحث خارجاً عن مفهوم الفعل عند معظمهم أعرضنا عن الحديث عنه للسبب السابق المتقدم في دلالة الفعل على قيود الإسناد . أما دلالة الماضي والمضارع على أغراض الكلام فلم يتناوله اللغويون وتناوله البلاغيون في أغراض الخبر، فهو مبحث من مباحث علم البلاغة. أضف إلى ذلك أنه ليس دلالة لصيغة الفعل أكثر مما هو دلالة للقرائن التي تلابس الصيغة، وموضوعنا هو في دلالة الصيغة لا دلالة القرائن.
الخاتمة :
يلاحظ من العرض السابق أن بعض اللغويين بنى تصوره لدلالة صيغة الفعل على أسس عقلية فلسفية وبعضهم بناها على أسس وصفية ، وبما أن اللغة تعبر عن الفكر وتحتاج في تحليلها إلى الوصف المنضبط بقواعد العقل والحجة، فإن ما سبق أن رجحناه في دلالة الفعل هو المتوفر على هذه الأسس التي تقود إلى رؤية متكاملة لدلالة الصيغة على المعاني المختلفة. وتتلخص في الآتي :
1- الفعل هو ما يدل على وقوع الحدث في الزمن غالباً ويكون مسنداً إلى فاعل فيخرج عن هذا المفهوم فعل الأمر.
2- وتكون صيغة الفعل دالة على وقوع الحدث في الزمن بهيئتها الصرفية، فتكون الدلالة الصرفية مطابقة للدلالة الوضعية التي قررها النحاة القدامى للماضي والمضارع.
3- ويحتفظ الفعلان بدلالتهما على الزمن الصرفي في بعض التراكيب النحوية.
4- وقد تتفوق القرائن على دلالة الصيغة الصرفية فتحول زمنه إلى الزمن النحوي الذي يتنوع في الدلالة على الماضي أو الحاضر أو المستقبل أو يكون ذا زمن نحوي مبهم تبعاً لتلك القرائن الملابسة للتركيب النحوي.
5- وقد تكون قرائن التركيب منافية لتخصيص صيغة الفعلين لزمن معين، فتستوعب الصيغة جميع الأزمنة حينما يتجه المتكلم إلى تقرير الحقائق الثابتة الواقعة في جميع الأزمان.
6- إذا كان الفاعل لا يقبل إسناد الفعل إليه في زمن من الأزمنة المعروفة كما في (يعلم الله) تنتفي دلالة الفعل على الزمن، ويكون ذا طبيعة أزلية بقرينة الفاعل، ولهذا تقدم في التعريف أن اشتراط مفهوم الزمن في الفعل يكون على نحو الأكثر والأغلب لا على نحو العموم والشمول.
7- يخضع الزمن الشرطي لدلالة القرائن ولا وجه لتخصيصه بالحاضر أو المستقبل في جميع التراكيب.
8- يندرج في مفهوم الفعل ما يتقيد به إسناده من التعدي أو اللزوم وكذلك المكان ، أما غرضه البلاغي فيظهر من قرائن الحال والمقال وليس من صيغة الفعل.وهذا هو رابط البحث: http://www.almaktabah.net/vb/showthread.php?t=86670
 
أضف إلى ذلك أنه ليس دلالة لصيغة الفعل أكثر مما هو دلالة للقرائن التي تلابس الصيغة، وموضوعنا هو في دلالة الصيغة لا دلالة القرائن.
الخاتمة :
يلاحظ من العرض السابق أن بعض اللغويين بنى تصوره لدلالة صيغة الفعل على أسس عقلية فلسفية وبعضهم بناها على أسس وصفية ، وبما أن اللغة تعبر عن الفكر وتحتاج في تحليلها إلى الوصف المنضبط بقواعد العقل والحجة، فإن ما سبق أن رجحناه في دلالة الفعل هو المتوفر على هذه الأسس التي تقود إلى رؤية متكاملة لدلالة الصيغة على المعاني المختلفة. وتتلخص في الآتي :
1- الفعل هو ما يدل على وقوع الحدث في الزمن غالباً ويكون مسنداً إلى فاعل فيخرج عن هذا المفهوم فعل الأمر.
2- وتكون صيغة الفعل دالة على وقوع الحدث في الزمن بهيئتها الصرفية، فتكون الدلالة الصرفية مطابقة للدلالة الوضعية التي قررها النحاة القدامى للماضي والمضارع.
3- ويحتفظ الفعلان بدلالتهما على الزمن الصرفي في بعض التراكيب النحوية.
4- وقد تتفوق القرائن على دلالة الصيغة الصرفية فتحول زمنه إلى الزمن النحوي الذي يتنوع في الدلالة على الماضي أو الحاضر أو المستقبل أو يكون ذا زمن نحوي مبهم تبعاً لتلك القرائن الملابسة للتركيب النحوي.
5- وقد تكون قرائن التركيب منافية لتخصيص صيغة الفعلين لزمن معين، فتستوعب الصيغة جميع الأزمنة حينما يتجه المتكلم إلى تقرير الحقائق الثابتة الواقعة في جميع الأزمان.
6- إذا كان الفاعل لا يقبل إسناد الفعل إليه في زمن من الأزمنة المعروفة كما في (يعلم الله) تنتفي دلالة الفعل على الزمن، ويكون ذا طبيعة أزلية بقرينة الفاعل، ولهذا تقدم في التعريف أن اشتراط مفهوم الزمن في الفعل يكون على نحو الأكثر والأغلب لا على نحو العموم والشمول.
7- يخضع الزمن الشرطي لدلالة القرائن ولا وجه لتخصيصه بالحاضر أو المستقبل في جميع التراكيب.
8- يندرج في مفهوم الفعل ما يتقيد به إسناده من التعدي أو اللزوم وكذلك المكان ، أما غرضه البلاغي فيظهر من قرائن الحال والمقال وليس من صيغة الفعل.وهذا هو رابط البحث: صيغة الفعل دلالتها الصرفية والنحوية عند اللغويين المعاصرين - منتديات مكتبتنا العربية
جزاكم الله خيراً على إثراء الموضوع، أعتقد أن هذا البحث يجلي مقصود ابن عاشور(الصيغ لا مفاهيم لها) أي لا دلالة للصيغة بدون القرائن التي تلابسها، وقد تتفوق القرائن على دلالة الصيغة في اللغة، وهذه القرائن ليست فقط السياق بل يضاف لها مقاصد المتكلم، واستقراء تفسير ابن عاشور يرى كيف أنه يُخرج الصيغة الصرفية عن معناها اللغوي بالقرائن.
 
وبصياغة أخرى أختي الكريمة منشئة النقاش حول عبارة ابن عاشور رحمه الله هو أن ما أفادنا به الشيخ محمد الحسن بوصو و بقية المشاركين لا يخرج عن القول بأن : الصيغ الصرفية والبلاغية ليس لها مفاهيم محددة ثابتة وإنما قد تحتمل أكثر من مفهوم ، ويدرك من السياق أي هذه المفاهيم هو المراد .
وعذرا على هذه الإطالة .
 
عودة
أعلى