د. منصور
أبدأ بما انتهيتَ به ، فأرجو أن تتجرد من التعنت والاصرار على الرأي وإن كان خطأ !
اولا : هل نبّأنا القرآن بأنهم كما تدعي ، الرعب يحدث للبشر فقط دون الجن ، والانس والجن يقرأون نفس الآية !
فالأولى أن تكون الأية : ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم كانوا من اياتنا عجبا . اذ اوى
فتية من الجن الى الكهف فقالوا ربنا اتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا ......الى اخره .
او تكون رواية أخرى :
إذ أوى نفر من الجن الى الكهف فقالوا ربنا اتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من امرنا رشدا....
فلعلك ترى في القرآن اذا كان الكلام عن الجن فإنه يكون صريحا وليس تلميحا: " وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ " ، " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً "، " وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم " " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن " ....فليس الشياطين من الجن فقط كما هو مشهور بل ومن الانس كذلك . " فسجدوا إلا ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " .... فلولا هذه الآية الصريحة لرأيت العشرات يتأولونها ان ابليس من الملائكة ! " إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم " ، " يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا "، " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " ، " يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ " .
ثانيا : اذا قرأ الجني المسلم هذه الآية " لَوِ اطَّلَعتَ عَلَيهِم لَوَلَّيتَ مِنهُم فِرارًا وَلَمُلِئتَ مِنهُم رُعبًا " ،، فله احتمالين:
- يظن مثلك أن الفتية من الجن ، فسيقول : هم جن مثلي فلن أفر أو أرتعب ، أو يقول صدق الله سأفر وأرتعب ، مثل إخوانه من الجن كما في الحديث : ( خرج رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على أصحابِه، فقَرَأَ عليهم سورةَ الرحمنِ مِن أولِها إلى آخرِها فسَكَتُوا، فقال: لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجنِّ، فكانوا أحسنَ مَرْدُودًا منكم؛ كنتُ كُلَّما أَتَيْتُ على قولِه: " فبأي آلاء ربكما تكذبان " قالوا: لا بشيءٍ مِن نعمِك ربَّنا، نُكَذِّبُ فلك الحمدُ).
- يظن مثلي أن الفتية من البشر ، فسيقول : هم بشر أراهم ولا يروني فلن أفر او أرتعب ،
أو يقول صدق الله سأفر وأرتعب وهو سبحانه أعلم بحالهم الذي كانوا عليه.
ثالثا : وهل طبيعة الجن تُرعِب البشر ؟
في الحديث الصحيح :
قال علقمةُ: سأَلْتُ ابنَ مسعودٍ فقُلْتُ: هل شهِد أحَدٌ منكم مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةَ الجنِّ ؟ فقال: لا ولكنَّا كنَّا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ ليلةٍ ففقَدْناه فالتمَسْناه في الأوديةِ والشِّعابِ فقُلْنا: استُطير أو اغتِيل قال: فبِتْنا بشَرِّ ليلةٍ بات بها قومٌ فلمَّا أصبَحْنا إذا هو جاء مِن قِبَلِ حِراءٍ قال: فقُلْنا: يا رسولَ اللهِ فقَدْناك فطلَبْناك فلم نجِدْك فبِتْنا بشَرِّ ليلةٍ بات بها قومٌ فقال: ( أتاني داعي الجنِّ فذهَبْتُ معه فقرَأْتُ عليهم القرآنَ ) قال: فانطلَق بنا فأرانا نيرانَهم وسأَلوه الزَّادَ فقال: ( لكم كلُّ عَظْمٍ ذُكِر اسمُ اللهِ عليه يقَعُ في أيديكم أوفرَ ما يكونُ لحمًا وكلُّ بَعْرٍ علفًا لدوابِّكم ) فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( فلا تستنجوا بالعَظْمِ ولا بالبَعْرِ فإنَّه زادُ إخوانِكم مِن الجنِّ )
الشاهد " أتاني داعي الجنِّ فذهَبْتُ معه فقرَأْتُ عليهم القرآنَ " فلم يفر منهم أو يمتلئ رعبا ، فداه نفسي وأبي وأمي ، صلى الله عليه وسلم ، فالجن ذاته لا يُرعِب عند الاطلاع عليه ، وانما الرعب في الآية ربما ناتج عن أمر زائد عن هيئته المرئية. كما في الحديث الصحيح :
[ أنَّهُ دَخَلَ علَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ في بَيْتِهِ، قالَ: فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَسْتُ أَنْتَظِرُهُ حتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ، فَسَمِعْتُ تَحْرِيكًا في عَرَاجِينَ في نَاحِيَةِ البَيْتِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا، فأشَارَ إلَيَّ أَنِ اجْلِسْ فَجَلَسْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إلى بَيْتٍ في الدَّارِ، فَقالَ: أَتَرَى هذا البَيْتَ؟ فَقُلتُ: نَعَمْ، قالَ: كانَ فيه فَتًى مِنَّا حَديثُ عَهْدٍ بعُرْسٍ، قالَ: فَخَرَجْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ إلى الخَنْدَقِ فَكانَ ذلكَ الفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بأَنْصَافِ النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إلى أَهْلِهِ، فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ خُذْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، فإنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَةَ، فأخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بيْنَ البَابَيْنِ قَائِمَةً فأهْوَى إلَيْهَا الرُّمْحَ لِيَطْعُنَهَا به وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ، فَقالَتْ له: اكْفُفْ عَلَيْكَ رُمْحَكَ وَادْخُلِ البَيْتَ حتَّى تَنْظُرَ ما الذي أَخْرَجَنِي، فَدَخَلَ فَإِذَا بحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ علَى الفِرَاشِ فأهْوَى إلَيْهَا بالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا به، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ في الدَّارِ فَاضْطَرَبَتْ عليه، فَما يُدْرَى أَيُّهُما كانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الحَيَّةُ أَمِ الفَتَى، قالَ: فَجِئْنَا إلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَذَكَرْنَا ذلكَ له وَقُلْنَا ادْعُ اللَّهَ يُحْيِيهِ لَنَا فَقالَ: اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ، ثُمَّ قالَ: إنَّ بالمَدِينَةِ جِنًّا قدْ أَسْلَمُوا، فَإِذَا رَأَيْتُمْ منهمْ شيئًا، فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فإنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذلكَ، فَاقْتُلُوهُ، فإنَّما هو شيطَانٌ. ] صحيح مسلم
قال النووي : معناه : وإذا لم يذهب بالإنذار علمتم أنَّه ليس من عوامر البيوت ، ولا ممَّن أسلم من الجنِّ ، بل هو شيطان ، فلا حرمة عليكم فاقتلوه ، ولن يجعل اللهُ له سبيلاً للانتصار عليكم بثأره بخلاف العوامر ومن أسلم ، واللهُ أعلم . شرح مسلم 14/236
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم لم يفروا او يرتعبوا من الجن ، الذي افترضتَ أنت ان الرعب في الآية الكريمة كان سببه - بل والتحدي الكبير- أنهم من الجن !
رابعا : الخوف من طبع جبلة البشر :
قال تعالى : " فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ". (70) هود
قال الطبري يقول: أحسَّ في نَفسه منهم خيفة وأضمرها ، قالت الملائكة ، لما رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم: لا تخف منا وكن آمنًا، فإنا ملائكة ربّك أرسلنا إلى قوم لوط. قال البغوي: ... قال مقاتل: وقع في قلبه ، وأصل الوجوس: الدخول ، كان الخوف دخل قلبه. وقال قتادة : وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وإنما جاء بشر . وقال تعالى : "
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ " (74) هود
أي: فلمَّا زال عن إبراهيمَ الخَوفُ مِن رُسُلِنا حين لم يأكُلوا، وجاءَتْه البُشرى منهم بإسحاقَ فطابت نفسُه، وأعلَموه بهلاكِ قَومِ لوطٍ- أخذ يحاجِجُ الملائكةَ في إهلاكِ قَومِ لوطٍ .
وقال تعالى : " فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ " (67) طه
قال القرطبي : قوله تعالى : فأوجس في نفسه خيفة موسى أي أضمر . وقيل : وجد . وقيل : أحس . أي من الحيات وذلك على ما يعرض من طباع البشر . وقيل : خاف أن يفتتن الناس قبل أن يلقي عصاه . وقيل : خاف حين أبطأ عليه الوحي بإلقاء العصا أن يفترق الناس قبل ذلك فيفتتنوا .
وأما قوله تعالى : "
وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ " (10) النمل
قال في تفسير الوسيط : وإنما ولى موسى مدبراً عنها، لأنه لم يخطر بباله أن عصاه التى بيده، يحصل منها ما رآه بعينه، من تحولها إلى حية تسعى وتضطرب وتتحرك بسرعة كأنها جان، ومن طبيعة الإِنسان أنه إذا رأى أمرا غريباً اعتراه الخوف منه، فما بالك بعصا تتحول إلى حية تسعى. ثم بين - سبحانه - ما نادى به موسى على سبيل التثبيت وإدخال الطمأنينة على قلبه، فقال { يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ }.
وقال في البحر المحيط : ولحقه ما لحق طبع البشرية إذا رأى الإنسان أمراً هائلاً جداً، وهو رؤية انقلاب العصا حية تسعى، ولم يتقدمه في ذلك تطمين إليه عند رؤيتها. وقال ابن عطية: وناداه الله تعالى مؤنساً ومقوياً على الأمر: { يا موسى لا تخف } ، فإن رسلي الذين اصطفيتهم للنبوة لا يخافون غيري. فأخذ موسى عليه السلام الحية، فرجعت عصا، ثم صارت له عادة. انتهى.
وقيل : لما قال له ربه لا تخف بلغ من ذهاب خوفه وطمأنينة نفسه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها .
أخونا الفاضل:
وعليه فيكون مشابهة حالة من اطلع على أهل الكهف كحالة موسى عليه السلام غير وجيه :
فعندما جاء موسى عليه الصلاة والسلام الى الوادي وهو أول موقف قرّبه الله عز وجل اليه فيه ، لو كانت هناك حية لضربها بعصاه ولم يخف منها ، ولكن الخوف الذي حصل في نفسه ما كان الا من عصاه الخاصة به وهي تتحول الى حية مع رهبة الموقف أمام رب العزة والجلال ، وقوله تعالى " إني لا يخاف لدي المرسلون " فالانبياء لا يملكون هذه الكرامة من عند أنفسهم بل إنما بتعليم من الله وتأديب ، وهو ما حدث مع موسى عليه الصلاة والسلام وتكرر حتى صارت عصاه ثعبان عظيم لم يفر منه الخلق بل على أثره صاروا ساجدين.
وأما لو اطلع شخص على الحيات في الكهف فأوجس في نفسه خيفة دفعته للفرار بل و ملئته رعبا ، فأرى والله أعلم ان وصف هذه الحالة زائد عن حالة الخوف الذي أعترى موسى عليه السلام والايات لم تذكر فرار أو رعب عن موسى عليه السلام ،، والتولي دون الفرار والخوف دون الرعب لغةً ومعنى.
خامسا :الفرق بين الحية والجن :
لقد رأيتُ صورة الحية التي في بحثك وكنتُ أود أن أحمّل صورة أخرى للحية وأمامها المصري الذي يزمر لها بالناي أو صورة ثالثة للهندي الذي يلاعب حية أكبر منه حجما ، ولكن اللبيب بالاشارة يفهم .
من طبيعة الجني قدرته على التخفي ، فلو رأيت حية أمامك فربما تتوجس خيفة من الوهلة الأولى ولكنك سرعان ما تترصد لها سواء بوضع الهجوم او الدفاع ، ولكن لو اختفت فجأة امامك ، فيقينا ستفر مائة فرار وترتعد وترتعب ،،
فلو كان أهل الكهف حيات ترقد بسلام وحسب وصف الآية تحسبهم أيقاظا وهم رقود ، فلو أطّلعت عليهم فستنصرف عنهم أي نعم خائفا ولكن بدون أو بأقل من الوصف المذكور في الآية ، أو كالمرأة في الحديث عاليه التي انصرفت خائفة خارج الغرفة ، و أما إذا كنت هنديا فربما ستعاود الاطلاع عليهم لاصطيادهم.
اما لوكان أهل الكهف من الجن الطياري الغير مرئي ، فلو اطلعت عليهم فلن ترى شيئا .
اذن وصف أهل الكهف بالحيات ليس سبب وجيه في ذاته يبرر الفرار والرعب المسئول عنه في هذه المشاركة .
فلماذا اذن ؟؟
يتبع اذا شاء الله عز وجل