جزى الله المشايخ فيما أفاضوا فيه من طرق و أساليب كلها تصب في وعاء التحصيل الجيد للطالب ، لكني رأيت أن معظم أخواننا مالوا إلى طرق معاملة المتقدمين من الطلبة المبتغين لإجازة ... بالرغم أن شيخنا الفاضل أيت عمران جزاه الله خيرا أراد أن تكون الإسهامات ( في كيفيات تلقين الطالب المبتدئ ) لأن الطالب المتقدم المبتغي لإجازة لا أخالُه يتعثر أمام شيخه في أحكام قاعدية أو عارضة كالإدغام و غيره ... لذا أحببت أن ألج هذه الإثراءات بما كان مني بتجارب مع الطلبة المبتدئين بخبرة جد جد متواضعة في حقل الإقراء ، حيث استخلصت منها القاعدة الآتية أَنْ...( إن كان الشيخ القائم بالتعليم يتحيّن أخطاء تلاميذه لاصديادها ... فلا خير يُرجى منه و لا نتيجة ترجى ولو اقرأ الدهر " ) فأقول و بالله التوفيق :
روى البخاري و مسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الماهر بالقرءان مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرءان و يتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران "
- و عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا أبا هريرة تعلم القرءان و علمه الناس ، ولا تزال كذلك حتى يأتيك الموت ، فإنه إن أتاك الموت و أنت كذلك ، حجت الملائكة إلى قبرك كما تحج المؤمنون إلى بيت الله الحرام " ذكره الجعبري في شرح الشاطبيـة .
إخواننــي ...
مما لوحظ ، و للأسف في بعض حلقات الإقراء الخاصة المبتدئييـن – الصغار و الكبار – أنها تكتسي أغلبها طابع الملل و انعدام ثمرة الفائدة ، وقد اشتكى الكثير من إخواننا القائمين على إقراء الطلبة – جزاهم الله خيرا – من عدم التحكم في تأطير حلقات الإقراء التطبيقية ، وخاصة للمبتدئين ، بحيث يكتسي الحلقة أو المقرأة جو الملل جراء افتقاد القائم على الإقراء لطرق التلقيــن و كيفيات معاملة الطلبة خاصة المبتدئين منهم .
و على هذا ، رأينا من واجبنا إرشاد إخواننا القائمين علي حلقات الإقراء إلى طرق التلقين و الأداء مع كافة مستويات المبتدئييـن – صغار – كبار- مع تبيين الطريقة التي كانت تعتمد لدى المشايخ المتقدمين و أعلام القراء قديما ، وتتمتها بطرق إضافية نراها إن شاء الله نافعة و مجديـة لعموم إخواننا المبتدئييـن و ذلك بعد تجربتها و إعطاء ثمرتها بفضل الله تعالى ، ثم نختم بتنبيه القائم على إقراء المبتدئييـن ببعض التنبيهات الهامة –
و الله من وراء القصد وهو يهدي السبيــــــــــل
الطريقــــة الأولـــــى : ( وهي طريقــة المشايخ المتقدميــن )
- و فيها يعمد الشيخ على تلقين الطلبة مشافهـة منه ، حيث تكون منه القراءة ءاية ءاية و يعيدون الطلبة إثره ، ومنها يتعمد الشيخ التأنّي في القراءة المسترسلة ، كأن يفتتح بعد الإستعاذة و البسملة سورة ما – و الأحسن مما يحفظ الطلبة – ( الغاشية مثلا ) ، فيقرأ أول ءاية ثم تكون إعادتها من طرفهم الطلبة كلهم بصوت واحد ، مع الإشارة إلى وجوب إعادة القراءة لكل ءاية يكون أحد أو معظم الطلبة قد أسقط حكما فيها أو أهمل مخرجا .
( مـــدة الطريقـــــة : أربع أو خمس حصص بمعدل ساعة لكل حصة )
الطريقــة الثانيــــــــــة :
و تقوم على افتتاح الشيخ السورة – و الأحسن مما يحفظ الطلبة – فيبدأ ثلاث أو أربع ءايات ، ويعيدون إثره ءاية ءاية ، ثم تتم القراءة من طرف الطلبة وحدهم بصوت واحد ، مع تبيين الشيخ لهم مواضع الوقف بالإشارة – أو مسبقا على رؤوس الآي أو فواصل القفات – مع الإشارة أنه إذا كان الخطأ من طرف طالب أو أكثر ، يأمر الشيخ بإعادة قراءة الآية محل الخطأ
( مدة الطريقــة : ثلاث أو أربع حصص )
الطريقــة الثالثـــة : القراءة الثلاثيــة
و فيها يعمد الشيخ أو القائم على التلقين ، إلى استظهار التلاوة لكل مجموعة من ثلاثة طلبـة و الأحسن أن يجعل واحدا من كل ثلاثة ممن يتقن صيغة للترتيل – حيث يكون نصيب كل مجموعة من ثلاثة قراءة جزء من السورة أو سورة من القصار . ( مدة الطريقة أربع حصص )
محاســن الطريقــة :
1) تقويـة الطالب/الطالبة ذو المخارج الضعيفة ، و الذي لم يستقم لسانه بعد على تركيبات الغنن عند أحكام النون و الميم ، وذلك من خلال مخالطة صوته بصوت طالب آخر ماهر في الأداء معه ، لأنه - أي الطالب المبتدئ – لم تظهر أخطاؤه في الطريقة التلقينية الأولى لغلبة أصوات الطلبة الآخرين عليه -
2) انتزاع عامل الخجل لدى الطالب/الطالبة المبتدئ/المبتدئة ، و الذي لم يسبق أن قرأ جهرا في مقرأة أو وسط جماعة
الطريقــة الرابعـــــة :
و فيها يفتتح الشيخ القائم السورة – و الأحسن مما يحفظ الطلبة - فيقرأ الآية الأولى منها ، ثم يتبعه الطالب/الطالبةالذي عن يمينه بقراءة الآية الثانية ، ثم الطالب الثالث ، وهكذا حتى انتهاء السورة.
تنبيــه : إذا أخطأ أحد الطلبة في حكم ما في الأية التي قرأها ، أعاد الطالب الذي بعده الآية إن علم بالخطأ و يشير بأصبعه حين وصوله إلى التصويب ، ثم يتم فيقرأ آيته هو ، فإن لم يعلم الطلب الثاني بالخطأ ، انتقل الدور إلى الذي يليه –أي الثالث- ليصحح الآية محل الخطأ و التي يعدها ، ثم يقرأ نصيبه هو ، و هكذا ، دون تدخل الشيخ القائم . ( مدة الطريقة أربع حصص )
محاسن الطريقـة : - تتبع الأحكام حكما حكما ، وترسيخ الخطأ المصحح في ذهن الطالب المتعثر
- تعلم صيغة للقراءة المسترسلة على إثر قراءة طالب ماهر ذو مقامات جيدة في القراءة
الطريقـــة الخامســــة :
وتقوم على القراءة بالدور لكل الطلبة آية آية بالتداول ، بعد إعلامهم أن كل طالب يسقط حكم ما ، أو يخل بمخرج أو صفة ما ـ يعيد الشيخ القائم ما قرأ الطالب و يصحح الخطأ ، ثم يعيد الطالب ما قد صحح الشيخ ( مدة الطريقة : خمس حصص )
الطريقـــة السادســـــة :
و تعتبر مرحلة التعليم النهائية ، بعد مرور الطلبة على كل مراحل التلقين الخمس ، بمعدل عدد الحصص المبينة في ختام كل طريقة ، حيث تقوم هذه الطريقة بافتتاح ختمة بمصاحف الطلبة الخاصة للترقيم في هامشها ، إذ يكون نصيب كل طالب ثمن أو جزء من ثمن حسب عدد الطلبة و حسب وقت الحلقة المخصص ، و فيها يكون توقيف الشيخ للطالب إن أخطأ بكلمة " إنتبـه " أو " حسبـك " أو بالإشارة مع تبيين الخطأ له – دون الإكثار من توقيف الطالب، لئلا يشعر بالملل في قراءته ، ويقع في الارتباك – ( المدة : استحسان حصة أسبوعيا أو حصتين على الأكثر )
تنبيهــات لابد منهـــا :
1) يستحسن للشيخ القائم خلال الطرق الخمسة الأولى اعتماد الأجزاء التي يحفظها معظم الطلبة الحضور
2) على الشيخ اعتماد أكثر ليونة مع الطلبة ،حتى لا يقع في إحراج أحد منهم بحضرة إخوانه بكثرة الأسئلة أو الإلحاح في سؤال معين ربما يكون الطالب غفل عن الحكم فيه.
3) تجنيب الطلبة المزاح و السخرية من بعضهم أثناء القراءة ، وخاصة الضحك على طالب أخطأ ، لأن ذلك يربي مركب النقص لدى المبتدئ ، الشيئ الذي يعطي المقرأة – الحلقة- طابعا من السخرية ، وأن يذكر الشيخ الطلبة بقوله عز وجل " كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم "
4) عد م الإكثار من الحلقات التطبيقية أسبوعيا ، وخاصة عدم إطالة وقت الحلقة – ساعة تقريبا تكون كافية – بمعدل حصة أو حصتين أسبوعيا ، خشية ملل الطلبـة
5) وهو الأهم : أن يجعل الشيخُ الحلقة دائمة الحيوية، و ذلك بجعل الكل يشارك في النقاش و الإجابة على الأسئلة بالدور ، زيادة على أن القراءة تكون تارة من طرف طالب عن يمين الشيخ ، وتارة من طالب عن شماله ، وتارة من وسط الحلقة ، و كل ذلك لكي يكون كل الطلبة على استعداد للقراءة .
و لعله إن شاء الله بهذه التنبيهات يكون مسار الحلقات التطبيقية كله تشويقا ، ويصير الطالب بفضل الله تعالى متعلقا بكتاب الله أكثر مما كان عليه وقت جهله بأحكام التلاوة، و الله الميسر لكل صواب، وعلى الله قصد السبيل و صل اللهم على سيدنا محمد و على آله وصحبه أجمعين – آمين -