بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أمّا بعد:
فهذه بعض المشاهدات والنّظرات من مؤتمر الشّارقة الرّائع الرّاقي
· إجماع على الحفاوة البالغة التي استقبل بها المشاركون.
· رتابة في بعض جلساته لدرجة النّعاس.
· طرافة في إحدى جلساته رسمت البسمة على الوجوه المضيئة.
· كان فضيلة الدّكتور المقرئ محمّد عصام القضاة "ديناميكيّاً" متحرّكاً بين المشاركين رغم آلام كتفه ورجله.
شفاه الله وعافاه.
· شهد المؤتمر غياب من لا ينبغي غيابه عن مؤتمر بحجمه وأهمّيّته؛ مثل:
1- كثير من أعضاء الملتقى المتخصّصين في التّفسير.
2- أسماء لامعة من العالم الإسلاميّ كنّا نتمنّى حضورها. ولو عن طريق الدّعوة الشّخصيّة. وبخاصّة مَنْ كَتَبَ في التّفسير الموضوعيّ، ومن له اهتمامات به.
3- القنوات الفضائيّة الإسلاميّة.
4- بعض الوزارات ذات العلاقة.
وقد تحدّثنا مع الأستاذ الدكتور عبد العزيز الحدّاد – حفظه الله- فذكر أنّه لم يعلم إلا متأخّراً، إذ لم ترسل الدّعوات إلا إلى الجامعات؛ كما أخبر المنظّمون.
5- المناطق التّعليميّة التّابعة لوزارة التّربية والتّعليم.
6- الأساتذة المتخصّصون من الجامعات بالدّولة على كثرتها رغم دعوتهم.
· تحتاج المؤتمرات دوماً قبل وبعد وخلال المؤتمر إلى رصد الإيجابيّات لتعزيزها، والسّلبيّات لتلافيها.
· إجماع على أنّ الوقت هو قاهر المؤتمرات.
ولذا فقد لمسنا إصرارَ كثيرٍ من المشاركين في هذا المؤتمر وغيره من المؤتمرات، أو النّدوات، أو الملتقيات الّتي حضرتها على طلب زيادة الوقت.
وهذه معضلة تحتاج إلى علاج. كيف نتعامل مع الوقت ونستثمره ولو كان دقيقة وحيدة؟ ونحن أمّة الوقت.
فليست القضية بالطول أو القصر وإنّما بالفائدة المرجوّة في الوقت المقدّر؛ وبخاصّة أنّ أوراق المؤتمر موجودة وموزّعة بين أيدي الحاضرين إلكترونيّاً؛ فلم الإصرار على الإطالة؟
وهذا حجّة العربيّة مصطفى صادق الرّافعيّ يرسل رسالة إلى سعد زغلول قائلاً له: أعتذر للإطناب فإنّه لا وقت لديّ للإيجاز. فعدّ الإيجاز ممّا يأخذ وقتاً أطول للتّحرير بعد التّحبير الّذي يكتبه المرء بادي الرّأي أوّلاً.
ولقد حدّثني أخي العزيز الدّكتور عدلي أبو حجر عضو المجلس البلديّ في العاصمة السّويديّة ذات لقاء أنّه رتّبت له مناظرة مع يهوديّ في السّويد مدّتها خمس دقائق لكلّ واحد فقط. وقد كان.
ولقد أبدع الدّكتور عثمان جمعة في استثمار الوقت بإعطاء فكرة كاملة عن بحثه بسهولة ويسر ومتعة أيضاً؛ وذلك في ثمان دقائق فقط. وتصدّق بدقيقتين صدقة جارية.
· فوجئ منظّمو المؤتمر –كما أخبرني الدّكتور عيادة الكبيسيّ حفظه الله- من كثرة المشاركين في موضوع تخصّصيّ بحت، وفوجئنا جميعاً بقلة الحاضرين. فلقد كانت قاعة الإمام الزهريّ شبه خالية إلا من المشاركين والمنظّمين. رغم الإعداد الكبير للمؤتمر والدّعاية الّتي سبقته.
هل نقارن بين هذا المؤتمر المبارك وبين مباراة كرة قدم مثلاً؟ حتّى لا نقول مهرجاناً فنّيّاً صاخباً!
بل لقد شهدت القاعة ذاتها مساء يوم الثّلاثاء حفل توزيع جوائز حفظة القرآن الكريم وكان الجمهور كبيراً.
نحتاج إلى دراسة أسباب هذا العزوف؛ لتتفاعل جماهير الأمّة مع ما يراه العلماء الأجلاء ذا مكانة وأهمّيّة، فتترتّب الأوليّات.
وليت الدّكتور الشّهريّ حفظه الله يفتح موضوعاً بهذا: ما سبب عزوف النّاس عن حضور المؤتمرات التخصّصيّة القرآنيّة؟ وما العلاج؟
وهذه لقطات سجّلتها ذاكرتي واحتفظت بها إلى اليوم، ووددت لو أنّني كتبتها على أوراق؛ فالعلم صيد والكتابة قيد، فإن أخطأت – عن غير قصد- فباب التّعديل مفتوح على مصراعيه لمن شهد المؤتمر.
· ورد على لسان الدّكتور عثمان جمعة كلمة -حين عرض ورقته الماتعة- لم يقصدها؛ وهي أنّ القرآن أتى بألفاظ لم يعرفها العرب. وانتقدها رئيس الجلسة الدّكتور المشني، ثمّ صوّب انتقاده عندما رأى ورقة ترتفع من الدّكتور عثمان ليبيّن ما يقصده، فاستدرك المشنيّ قائلاً: ولا أظنّه إلا يقصد تطوّر دلالات الألفاظ في القرآن عنها عند العرب. فهزّ الدّكتور عثمان رأسه موافقاً.
وأمثلة ذلك – وهذه الأمثلة من عندي- ألفاظ الصّلاة، والأمّة، والجهاد، والجاهليّة، وغيرها من الألفاظ التي أبدعها القرآن فصارت مصطلحات قرآنيّة خالصة وإن استخدم العرب حروفها.
* اتّسمت الجلسة التي رأسها الدّكتور مصطفى مسلم بروح الدّعابة والطّرافة المطلوبة في مثل هذه الجلسات الجادّة؛ لتخفّف من ضغط الوقت على المشاركين الأجلاء.
* أرجع الدّكتور مصطفى قيام المؤتمر كلّه إلى الدّكتور عيادة الكبيسيّ؛ إذ لم يصبه القنوط من الحصول على الموافقة من قبل الجامعة بإقامة المؤتمر؛ رغم المعوّقات. وبادله الكبيسيّ بردّ الفضل إليه.
تواضع وثقة بالنّفس وصدق مع الله وردّ الفضل لأهله : قيم عالية نفيسة نحتاج أن نتعلّم منها دائماً.
ومع هذا لم يجامل الكبيسيّ مسلماً إذ أخذ عليه ملاحظات على كتابه في التّفسير الموضوعيّ بأدب جمّ ودماثة خلق، بعد استئذانه. فدخلت على الخطّ وأرسلت رسالة للدّكتور مصطفى على جوّاله مداعباً ليوقف الكبيسيّ بدعوى انتهاء وقته حتّى لا يكمل ملاحظاته!!
وتحدّثت مع العالمين الجليلين وقت الاستراحة وهما يحتسيان كوباً من الشّاي؛ فتضاحكا.
وكان ردّ الدّكتور مصطفى: سآخذ بملاحظاتك إن شاء الله.
أترك هذه العبارة بلا تعليق!
* عندما عرّف الدّكتور مصطفى مسلم بالدّكتور زياد بن عمر العيص قال: جمعني وإيّاه سقف واحد؛ فشده الحاضرون إذ بياض لحية الدّكتور مصطفى واسوداد لحية الدّكتور زياد تنفيان أن يكونا تِربين، ثمّ بيّن قصده بالسقف الواحد وهو أستاذيّة الدّكتور مصطفى للدّكتور زياد.
* عندما أشار رئيس الجلسة بانتهاء وقت الدّكتور زياد بن عمر علق الأخير قائلاً: دقائقنا في المملكة أطول من دقائقكم.
· وردت ورقتان بهما طلب مداخلة باسم إقبال؛ فأذن د. مصطفى بمداخلة واحدة ظنّاً منه أنّهما لشخص واحد، فإذا بالقاعة ثلاثة أسماء تحمل الاسم نفسه، والرّابع -بل الأوّل- صاحب أشهر اسم لإقبال؛ حضر المؤتمر باسمه وروحه وغاب جسده -رحمه الله تعالى- شاعر الإسلام الكبير وفيلسوفه: محمّد إقبال.
· تمنّيت أن لو أعطى الدّكتور مصطفى مسلم وقتاً أكبر للدّكتور مرهف السّقّا كون بحثه الوحيد المتعلّق بالإعجاز العلميّ.
· الدّكتور عبد السّتّار فتح الله السّعيد الذي تجاوز الثمانين من عمره المبارك في جلسة التوصيات تحدّث بضيق من نتائج المؤتمر وقال: فرحت لحلم وتضرّع إلى الله أن تنهض الأمّة بهذا التفسير الموضوعي ففوجئت بأنّه نظريّ.
فبقي الدّكتور مصطفى يستمع إليه حتّى انتهى، ثمّ بشّره بلجنة علميّة دائمة وتبنّي إحدى الجهات هذه اللجنة المباركة.
فقال معلقاً فرحاً: متؤول من أوّل. أمّال ساكتين ليه؟
* د. عبد الستار فتح الله السّعيد أطال الله بقاءه خطّأ لفظ الموسوعة وصوّبه بالمبسوطة أو الموسّعة.
وكذا خطّأ القاضي اللدن لفظ النّصّ القرآنيّ، والمصطلح القرآنيّ، وصوّبه إلى اللفظ والمفردة القرآنيّة.
· وجّهت ورقة انتقاديّة للحن بعض المشاركين الظاهر لرئيس إحدى الجلسات الأستاذ الدّكتور أحمد حسن فرحات:
فقال معلقاً: اللّحن لا يصلح لا للتفسير الموضوعي ولا للتحليليّ ولا لأيّ شيء.
* تحدّث أحد المشاركين –وكانت ورقته متميّزة جدّاً- عن سيّد قطب -رحمه الله تعالى- وامتدح جهوده أوّلاً، ثمّ انتقد تسلل بعض المفردات الغربيّة إلى تفسيره.
حينها وُجّه سؤال له من الحاضرين عبر رئيس اللجنة طالباً منه أمثلة على ذلك؛ وبخاصّة أنّ سيّداً -رحمه الله تعالى- حرب على المصطلحات الغربيّة من مثل: الإمبراطوريّة والدّيمقراطيّة وغيرها، فاحتدّ الدّكتور!
* تضايق الصّديق الدّكتور المرعشليّ من مداخلة لأحد المشاركين إذ ذكر أنّ ورقته وورقة الجيّوسيّ لا تتفّقان والعنوان.
وسألني بعد الجلسة بضيق: من هذا؟ قلت له: أستاذ دكتور في التّفسير وعلوم القرآن. فقال: لمَ يعترض قبل أن يقرأ البحث؟ فالبحث موجود فيه ما طلبه. قلت: لعله لم يقرأه.
· الدّكتور الماليزيّ ذو الكفل يوسف قال ممازحاً لرئيس الجلسة عندما أعطاه وقتاً آخر بسبب عطل فنّي في عرضه الأوّل وهي صدقة الدّكتور عثمان جمعة: قال له بالعربيّة الممتعة على لسان أعجميّ من عالم جليل: طنّش.
فخرجت بلكنة جميلة. وضجّت القاعة بعدها بالضّحك.
· الدّكتور أحمد عبّاس البدويّ تحدّث عن أستاذه محمّد محمود حجازي سبع دقائق من العشر المعطاة له، وكانت لفتة طيّبة منه وفاء لشيخه -رحمه الله تعالى- .
· الأستاذ العزيز طارق عبد الله شيخ إسماعيل لم يدع أحداً في القاعة إلا حاول اصطياده والتّعرف إليه؛ وبخاصّة من هم في ملتقى أهل التّفسير. فحيثما التفتّ وجدتّه قد اصطاد واحداً؛ فلقّبته بصائد المشايخ.
قفشة من عيار ثقيل:
أنا جالس ومنسجم وفي أمان الله في مقعدي وإذا بالدّكتور محمّد عبد اللطيف يأتي فيجلس أمامي ويتبعه الدّكتور أحمد شكري ثم الدّكتور عبد الرّحمن الشّهريّ على التوالي، والحديث مسترسل قبل جلوسهم، وتدفّق حول ما جرى هنا عقيب مناقشة رسالة الأستاذة إيمان حبيب في الإعجاز العدديّ.
والدّكتور رجب يقول بصوته الجهوريّ القويّ جدّاً بإصرار شديد: إنّ نعيمان هو إيمان؛ أنا متأكّد من هذا؛ لتشابه الأسلوب اتّصالاً وكتابة هنا وفي الرّسالة.
–وفضيلة الدّكتور معذور فعلاً؛ إذ الأسلوب متشابه!-
والدّكتور شكري يقول: أظنّه زوجها فهو يعمل في القضاء، ( ثمّ تحدّث عن أسلوبي السّاخر!) والدّكتور الشّهريّ يستمع لهما بأدب جمّ، ثمّ على استحياء قال الشّهريّ: لكنّه مؤدّب، ويقصد نعيمان.
مسألة مهمّة لدى المشايخ أن يعرفوا جنس نعيمان!!!
فلم أدر ماذا أصنع؟ أأعرّفهم بنفسي، أم أنسحب كي لا أسمع أكثر؛ لكن بدء الجلسة قطع حيرتي. وسكت الجميع.
واهتبلتها فرصة فكتبت رسالة على جوّالي ووضعته بين يدي الدّكتور الشّهري من خلفه؛ هذا نصّها:
حيّهلاً بك أخي الحبيب أبا عبد الله فقد أنرتم الدّيار بطلّتكم البهيّة.
وسبحان الذي ساقكم للجلوس أمامي دون سابق وعد وعهد.
وأعتذر عن عدم استراق السّمع والتّدخّل!! لما تحدّثتم به قبيل الجلسة.
بيني وبينك سرّي للغاية.
أنا نعيمان.
فتبسّم الشّهريّ دون أن يلتفت وناولني الجوّال كما أخذه.
ثمّ قام الشهري لحاجة ثمّ عاد وحدجني بنظرة من طرف خفيّ فهمت مرماها.
ثم خرج الدكتوران فأخذ الشهريّ راحته، وذهب عنه حرجه، فالتفت إليّ قائلاً: تعال هنا، فاعتذرت أنّه محجوز للدّكتور شكري؛ فقال: إنّ من يذهب من هنا لا يعود. فاستسلمت وعانقته وتحادثنا بودّ مشوب. والدّكتور الشّهري من هذه النوعيّة الّتي تأسرك من أوّل لقاء فتحسب نفسك تعرفها منذ زمن بعيد. تلاقي أرواح.
وصدق الحبيب صلوات ربّي وسلامه عليه وعلى آله:(( الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)).
وقد علّقنا قليلاً على ما جرى وجرى.
وخلال حديثنا الماتع اختلفت والشهريّ على مصريّة الدّكتور مصطفى المشنيّ أو أردنيّته، ولأعزّز مصريّته قلت مداعباً: هو من مشنيّة البكري.
فقال مسرعاً مصحّحاً: منشيّة البكريّ.
فضحكت من قلبي واستدعيت قصة الخنفشار الشّهيرة:
لقد عقدت محبتكم فؤادي *** كما عقد الحليب الخنفشار.
وعندما سألني الشهريّ عن تخصّصي أخبرته فداخله العجب؛ ثمّ عقّب ممازحاً: لعلك "أبو حسان"؟!! فتضاحكنا.
كلّ هذا يجري والجلسة قائمة وليس من عادتي ولا من عادة الدّكتور الشهري -فيما أحسبه- أن ننشغل والآخرون يتحدّثون؛ لكن سعادتي البالغة باللقاء تجاوزت عادتي بلا إرادة.
جلسة ممتعة؛ قصيرة في عمر الزّمن طويلة في عمر الأنس؛ وكم تمنّيت أن أصحبه هو وإخوانه جميعاً في جولة؛ لكنّه الوقت. وآااه من الوقت.
ولقد عزّيت نفسي بأنّها كانت بداية وأسأله تعالى ألا تكون نهاية، وألا نحرم من مجالس العلم ومجالسة العلماء.
وطبيعة المؤتمرات تجعل اللقاءات عابرة؛ فإمّا أن تتجذّر وتتواصل، أو تمضي وتنقطع؛ وتبقى الذّكريات العبقة أفق الخيال.
ولقد سعدت أيضاً -وإن لم أتمكّن من الجلوس معه- بلقاء الدّكتور مساعد الطّيّار الذي أحسست بما أحسست به تجاه الشّهري وشعرت بحميميّة اللقاء عند معانقته.
رضي الله تعالى عنّا وعنكم وعن جميع لجان المؤتمر.
وإلى مؤتمر آخر بإذن الله تعالى
أتمنّى على الإخوة الأحبّة أن يتحفونا بقبساتهم ومشاهداتهم ولقاءاتهم من خلال وجودهم بين أروقة المؤتمر.
وصلى الله على حبيبنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.
سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك