أبو عبد المعز
Active member
- إنضم
- 20/04/2003
- المشاركات
- 725
- مستوى التفاعل
- 39
- النقاط
- 28
كيف نقل القرآن باللسان العربي ما قيل بغير العربية!؟
1-
الصدق في نقل الحدث ( أو الواقعة أو المشهد) لا إشكال فيه، فإذا تطابق القول السارد- الواصف مع الواقع بدون زيادة ولا نقصان فهو صادق، وتتفاوت درجة الصدق بحسب درجة المطابقة فيكون مؤرخ أصدق من مؤرخ وواصف أدق من واصف...لكن الإشكال – كل الإشكال- في نقل القول وترجمته من لغة إلى لغة أخرى، فمتى يكون المترجم صادقا ؟ فإذا قلت ينظر في معيار المطابقة - كما في نقل الحدث- قلنا للقول ثلاث مستويات على الأقل فعلى أي مستوى يختبر معيار المطابقة؟ فهل الصدق في المطابقة مع:
1- ما يريد المتكلم قوله
أو مع:
2- ما قاله المتكلم بالفعل
أو مع:
3- ما فهمه المتلقي مما قاله المتكلم بالفعل.
وهذه المستويات لا تتحد ولا تتماهى:
فقد يريد المتكلم أن يقول شيئا ف"يخونه التعبير"،
وقد يفهم المتلقي شيئا ف"يسيء الفهم"...
ومن ثم يستشكل الأمر الذي ينبغي أن ينسب للمتكلم : آلنية الباطنة ،أم التعبير الظاهر،أم ما يفهم من قوله الظاهر؟
2-
لقد نقل التنزيل باللسان العربي المبين أقوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم... وهي أقوال وقعت بغير اللسان العربي، فهل نقل التنزيل مراد المتكلم ،أم دلالات الملفوظ في لغة المتكلم، أم تأويل السامع ؟
فعندما نقل القرآن – مثلا- قول فرعون :" أنا ربكم الأعلى " فهل كانت نية الفرعون ادعاء الربوبية حقا ،أم المبالغة فقط ، وهل فهم عنه قومه الأول أم الثانية!!
وعندما سيمدح شاعر مسلم(!) (ابن هانئ الأندلسي) ولي أمره الفاطمي فقال:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
فهل يحكم على هذا المادح بالكفروالزندقة أم يعتذر له بأن قوله شعر، والشعراء يعتقدون ما لا يقولون ، ويقولون ما لا يفعلون ، ويبالغون في القول حتى أضحت المبالغة تقليدا شعريا لا يتصور الشعر بدونه فقالوا : أعذب الشعر أكذبه!
هل نتلقى قول هذا الشاعرعلى منهج البلغاء "الجمالي" فنقول هو مدح فقط وظف فيه الشاعرصورة جمالية من جنس ( الإيغال)!
أم نتلقاه على نهج الفقهاء" الأخلاقي" فنطالب بـتنفيذ حكم الردة على هذا الزنديق!
لاحظ ، إذن، كيف يُختلف في تلقي كلام في لغة واحدة ، فكيف لو كان الكلام مترجما إلى لغة أخرى مختلفة في نظام الترميز ورؤية العالم؟
لنعد إلى السؤال الأصلي:
أي مستوى من القول أورده التنزيل؟
لاشك -عندي- أن المنقول إلى قراء القرآن هو القول الأصلي أي قول القلب قبل أن يعبر عنه قول اللسان، ذلك لأن رب العالمين لا يؤاخذ الإنسان بلغو اللسان، ولكن يؤاخذه بما تجذر في قلبه:
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة : 225]
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ [المائدة : 89]
وقول القلب أولى أن ينسب إلى المرء من قول اللسان ، لأن قول القلب مقصود لصاحبه بالضرورة ،أما قول اللسان فقد لا يقصد بعضه فيقول مثلا:" لم أعن هذا الذي فهمت ولكن عنيت شيئا آخر" أو يقول:" أردت هذا وخانني التعبير ففهم عني غيره "
على كل حال كان القرآن بصدد الترجمة : فإما أن يترجم ما سمعه الناس من كلام المتكلم بلسانهم، أو ما وقر في قلب المتكلم قبل الكلام، وهذا لا سبيل لمعرفته ، أما رب العالمين فيعلم السر وأخفى وكلامه أصدق كلام لا يأتيه الباطل من أي جهة كانت ، ومن ثم كان الصدق أقوى في نسبة قول القلب للمتكلم من نسبة لفظ اللسان له...ومعلوم أن الصدق هو مطابقة القول للواقع ، وههنا واقعان: ما وقع في الخارج، وما وقع في القلب... ولعل الصدق في المطابقة مع القلب أولى لأولوية الوجود على الظهور.
وهكذا يكتسب التنزيل ميزة لا توجد في غيره قطعا...فنحن - قراء القرآن- حظنا من فهم قول فرعون الذي قاله بالمصرية للمصريين أعظم من حظ المصريين أنفسهم الذين حضروه وسمعوه، لأن الله أسمعنا ما تكلم به قلب فرعون في حين لم يسمع المصريون إلا ما نطق به لسانه!
1-
الصدق في نقل الحدث ( أو الواقعة أو المشهد) لا إشكال فيه، فإذا تطابق القول السارد- الواصف مع الواقع بدون زيادة ولا نقصان فهو صادق، وتتفاوت درجة الصدق بحسب درجة المطابقة فيكون مؤرخ أصدق من مؤرخ وواصف أدق من واصف...لكن الإشكال – كل الإشكال- في نقل القول وترجمته من لغة إلى لغة أخرى، فمتى يكون المترجم صادقا ؟ فإذا قلت ينظر في معيار المطابقة - كما في نقل الحدث- قلنا للقول ثلاث مستويات على الأقل فعلى أي مستوى يختبر معيار المطابقة؟ فهل الصدق في المطابقة مع:
1- ما يريد المتكلم قوله
أو مع:
2- ما قاله المتكلم بالفعل
أو مع:
3- ما فهمه المتلقي مما قاله المتكلم بالفعل.
وهذه المستويات لا تتحد ولا تتماهى:
فقد يريد المتكلم أن يقول شيئا ف"يخونه التعبير"،
وقد يفهم المتلقي شيئا ف"يسيء الفهم"...
ومن ثم يستشكل الأمر الذي ينبغي أن ينسب للمتكلم : آلنية الباطنة ،أم التعبير الظاهر،أم ما يفهم من قوله الظاهر؟
2-
لقد نقل التنزيل باللسان العربي المبين أقوال الأنبياء وأوليائهم وأعدائهم... وهي أقوال وقعت بغير اللسان العربي، فهل نقل التنزيل مراد المتكلم ،أم دلالات الملفوظ في لغة المتكلم، أم تأويل السامع ؟
فعندما نقل القرآن – مثلا- قول فرعون :" أنا ربكم الأعلى " فهل كانت نية الفرعون ادعاء الربوبية حقا ،أم المبالغة فقط ، وهل فهم عنه قومه الأول أم الثانية!!
وعندما سيمدح شاعر مسلم(!) (ابن هانئ الأندلسي) ولي أمره الفاطمي فقال:
ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ
فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ
فهل يحكم على هذا المادح بالكفروالزندقة أم يعتذر له بأن قوله شعر، والشعراء يعتقدون ما لا يقولون ، ويقولون ما لا يفعلون ، ويبالغون في القول حتى أضحت المبالغة تقليدا شعريا لا يتصور الشعر بدونه فقالوا : أعذب الشعر أكذبه!
هل نتلقى قول هذا الشاعرعلى منهج البلغاء "الجمالي" فنقول هو مدح فقط وظف فيه الشاعرصورة جمالية من جنس ( الإيغال)!
أم نتلقاه على نهج الفقهاء" الأخلاقي" فنطالب بـتنفيذ حكم الردة على هذا الزنديق!
لاحظ ، إذن، كيف يُختلف في تلقي كلام في لغة واحدة ، فكيف لو كان الكلام مترجما إلى لغة أخرى مختلفة في نظام الترميز ورؤية العالم؟
لنعد إلى السؤال الأصلي:
أي مستوى من القول أورده التنزيل؟
لاشك -عندي- أن المنقول إلى قراء القرآن هو القول الأصلي أي قول القلب قبل أن يعبر عنه قول اللسان، ذلك لأن رب العالمين لا يؤاخذ الإنسان بلغو اللسان، ولكن يؤاخذه بما تجذر في قلبه:
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ [البقرة : 225]
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ [المائدة : 89]
وقول القلب أولى أن ينسب إلى المرء من قول اللسان ، لأن قول القلب مقصود لصاحبه بالضرورة ،أما قول اللسان فقد لا يقصد بعضه فيقول مثلا:" لم أعن هذا الذي فهمت ولكن عنيت شيئا آخر" أو يقول:" أردت هذا وخانني التعبير ففهم عني غيره "
على كل حال كان القرآن بصدد الترجمة : فإما أن يترجم ما سمعه الناس من كلام المتكلم بلسانهم، أو ما وقر في قلب المتكلم قبل الكلام، وهذا لا سبيل لمعرفته ، أما رب العالمين فيعلم السر وأخفى وكلامه أصدق كلام لا يأتيه الباطل من أي جهة كانت ، ومن ثم كان الصدق أقوى في نسبة قول القلب للمتكلم من نسبة لفظ اللسان له...ومعلوم أن الصدق هو مطابقة القول للواقع ، وههنا واقعان: ما وقع في الخارج، وما وقع في القلب... ولعل الصدق في المطابقة مع القلب أولى لأولوية الوجود على الظهور.
وهكذا يكتسب التنزيل ميزة لا توجد في غيره قطعا...فنحن - قراء القرآن- حظنا من فهم قول فرعون الذي قاله بالمصرية للمصريين أعظم من حظ المصريين أنفسهم الذين حضروه وسمعوه، لأن الله أسمعنا ما تكلم به قلب فرعون في حين لم يسمع المصريون إلا ما نطق به لسانه!