* وتأكيداً لجواب ابن جزي أقول: دائماً ما يوقعُ المضارعُ موقع الماضي فيما من شأنه الحدوث المستمر كخلق البشر ووفاتهم وإيمانهم بالأنبياء
جزاك الله خيراً أخي محمود ، وفتح عليك . .
من الملاحظ في الآية الكريمة :
{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }.
أنه عند ذكر الخلق ، بمعنى الإيجاد والتقدير ، جاء الفعل بصيغة الماضي { خَلَقَهُ } ، لأنه أمر تم وانتهى ، كما في قوله تعالى :
{ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي
خَلَقَ فَسَوَّىٰ (2) وَالَّذِي
قَدَّرَ فَهَدَىٰ (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَىٰ (4) . . } فهذا أمر تم وانتهى وتحقق في الواقع . .
أما عند الكلام عن استمرار الخلق والكينونة ، واستمرار القيام . . فلا يأتي الفعل إلا بصيغ المضارع ، للدلالة على الإستمرار الفعلي والوجودي الدائم الثابت حسب أمر الله جل وعلا القدري ، كما في قوله تعالى :
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ
تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ } [الروم:25]
{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ
وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحج:65]
{ إِنَّ اللَّهَ
يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا } [فاطر:41]
{ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ
وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ
إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الزمر:42]
أما عند بداية خلق الإنسان قال تعالى : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر:29] بصيغة الماضي . .
فالخلق في استمرار قيام وجودهم و كينونتهم . . لا يقومون إلا بالله وحده في كل لحظة من وجودهم ، بل وأقل من اللحظة إن أمكن التعبير عنه . . وهذا من معاني أن الله جل جلاله هو القـيّوم ، ومن آثار اسمه القيّوم تبارك وتعالى.
هذا والله أعلم