بسم الله الرحمن الرحيم
لا شك أن كلام الله لم ينظمه الخالق جزافاً ولم يقدم فيه حرفاً ولا يؤخر حرفاً إلا لسبب ودلالة علمها من علمها وجهلها من جهلها ، والتقديم والتأخير علم عظيم ولا شك فله دلالات متعلقة في معظمها بالسياق فلا يمكن استجلاء المفاهيم من خلال الآية المجردة ويمكن مراجعة هذا المقطع للعلامة الدكتور فاضل السامرائي :
https://www.youtube.com/watch?v=adY7XQzzzmk
ولو انتقلنا السياق موضع البحث ، يقول تعالى:
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ
67 لَقَدْ وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ 68 قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ 69
فلو لاحظنا السياق لوجدنا الذين كفروا يتحدثون عن ذواتهم لحصر اهتمامهم بأنفسهم فقدموها وأخروا آبائهم لأن الحساب الواقع عليهم -كما بلغهم- بعد البعث يقتضي عقابهم على تكذيبهم ، وعند العقاب فإن النفس تؤثر ذاتها على غيرها حتى لو كانوا آبائهم أو ابنائهم فلما تصوروا الوضع اهتموا لانفسهم اكثر من آبائهم فقدموها فقالوا في الآية السابقة (
أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ) فقدموا ذواتهم ، ثم في الآية التالية (
وُعِدْنَا هَٰذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ) لذا فإن المرء حال الحذر من الضرر يبدأ بنفسه ويقدمها على غيره وذلك تبعاً لتصوره للحال والله أعلم.
ملاحظة : معظم الآيات التي وردت في الرد السابق ليست من باب التقديم والتأخير ولكنها معانٍ أخرى لا علاقة لها بالتقديم والتأخير كقوله تعالى:
في النساء {كونوا قوامين بالقسط شهداء لله} وفي المائدة {كونوا قوامين لله شهداء بالقسط}
ففي الأولى أمر
بالقيام بالقسط والشهادة لله
وفي الثانية
القيام لله والشهادة بالقسط
نقول أنها تقديم وتأخير لو قال تعالى في موضع : كونو قوامين بالقسط شهداء لله ، وفي الموضع الآخر كونو شهداء لله قوامين بالقسط ، أما في الموضع الآنف الذكر فهو معنى مغاير عن المعنى الأول ولا يعد من باب التقديم والتأخير وغيره فيما ذكر العضو كثير