الأخ كزابر :
أنهيت مقالتك الأولى بقولك : ( فوجدنا أن عمر البشرية لا يجب أن يقل عن 520,000 ألف سنة ، ولا ينبغي أن يقارب 2,700,000 سنة ، وأن عدد القرون المنصرمة منذ آدم u يزيد عن 2700 قرن . وأن الباقي من عمر البشرية لا يقل على الأرجح عن 5000 سنة من نزول القرآن ، وقد يمتد إلى 25,000 سنة ) .
فقلت لك : لا يخفاك أن الكلام في هذا الموضوع يحتاج إلى نقل مصدق ، إذ لا يثبت ذلك إلا بالنقل المعصوم يعني : الوحي ، والاحتمالات التي أوردتها في مقالك ليس عليها أي دليل من نقل ، وقد كتب السيوطي ( ت : 911 هـ ) – رحمه الله - في رسالة سماها ( الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف ) ردًّا على من ادعى في زمانه أن القيامة ستكون على رأس الألف الهجرية .
وفي الجملة : لا يصح الكلام في هذا الموضوع إلا بنقل صحيح ، وهذا غير موجود على التحقيق ... والعلم عند الله تعالى .
إذ عمر البشرية أمر غيبي ، والغيبيات لا يتكلم فيها بهذه الحسابيات ، إنما تثبت بالدليل عن معصوم ، وعند التحقيق لا دليل .
فكانت مقالتك الثانية المليئة بالأغلوطات ؛ من ذلك : ( فمن من المسلمين ينكر أن عمر آدم ونوح - عليهما السلام - كان (عشرة أضعاف ) ، أي " 1000 % ، على الأقل من " العمر المتوسط" للإنسان المعاصر ؟!
ومن ينكر بناءاَ على ذلك أن الإنسان يتناقص في العمر ؟!
ومن ينكر أن نسبة الباقي من عمر البشرية إلى ما مضى منها أقل من جزء من عشرة أجزاء ، أي أقل من 10%، بناءاً على حديث رسول الله e فيما قاله عند غروب الشمس - المتواتر الوارد متونه ومصادرها في الدراسة المشار إليها ؟!
إن المنكر لهذه المعلومات منكر لما هو لازم عن ( النقل ) الذي تتفق معي وأتفق معك على أنه المصدر الصادق. ومن ثم يكون المنكر للقراءة الإحصائية للنقل منكر للنقل من حيث لا يدري ) !
أحسب أنك في العقد السادس ، أفتزعم أن عمر الإنسان في عهد آدم كان ( 52 × 1000 = 52000 عام ) أليس هذا من الأغلوطات ؟ أو ربما من الأخطاء .
ثم من أين لك أن المراد من حديث النبي e أن الباقي من عمر البشرية أقل من 10 % ، هل هذا التحديد مراد النبي e ؟ وإذا سلمنا لك بهذا فلماذا لم يخبرنا النبي e بعمر البشرية حتى نعلم منه هذه التي افترضتها أنت ؟
ثم الأغلوطة الأخرى : ( أما باقي المعالجات الواردة في الدراسة فليست إلا آليات رياضية تحليلة لا يمكن الطعن فيها إلا بما هو أقوى منها، ومن نوعها، لا بمحض الاستنقاص بالآليات اللغوية والحجج الخطابية . أما من لا يستسيغ هذه المعالجات لعدم ألفته بها ، أو صعوبتها عليه أن يُتابعها فيفهمها . فهذه مشكلة شخصية ، ولا علاقة لها بصدق الدراسة ومقولاتها !!! ولا بأن نتائج الدراسة تفارق (النقل)! فمن كان شأنه كذلك ، فعليه ألا يتذرع باتهام الدراسة بانتهاك (النقل) وتجاوزه ، لأنه عندئذ قد يكون من الصادين عن حق ، ومن حيث لا يدري ، فيقع في ما حذرنا الله تعالى منه حين قال سبحانه "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ" ) ..
وواضح مما فيه أنك اعتمدت على آليات رياضية ، وكلها من باب الاحتمالات ، والاحتمالات ظنية ، وعمر البشرية لا يدخل فيه هذه الاحتمالات .
ثم أختيهما : (النسبة الذهبية) و (عمر البشرية ) ، ولا أدري ما علاقة النسبة الذهبية بعمر البشرية !!!!!
ثم الأغلوطة الأخيرة في مقالتك ، وقد رددت عليها وحدها في مقالتي الثانية ، مع التنبيه أيضا على أن الغيب لا يقبل فيه إلا النقل الصحيح .
فقلت لك : أي رجحان تتكلم عنه إذا كانت الأسس التي بنيت عليها هذه الدراسة مرفوضة ؟ ثم هذا الرجحان – أخي - في المسائل العملية ، أما المسائل الغيبية فلا يقبل الحديث فيها بالفرضيات .
وقلت لك : عجب لك عجيب أن تؤثم المسلمين إذا لم يتكلموا بطريقتك ! يكفي أن يقال : هذه من أمور الغيب ، ولا يتكلم فيها إلا بدليل ، ولا دليل ؛ فأما الذين صدقوا في إيمانهم ، فلا خوف عليهم من تلكم الشبهات ، وأما الذين في قلوبهم مرض ، فلا يلزمنا إثم ارتدادهم .
وإذا بي أجدك في مقالتك الثالثة تخرج عن اللياقة ، وتجهل وتحتقر وتسفه :
( كان بسبب عدم انتباهك أو إحاطتك أن البديل الوحيد لذلك أن تقل فروق القرون عن سنة واحد ) .
( ولو ذكرت ذلك في الدراسة - التي سخفت أنت بأنها دراسة – سيخرج عن نطاق احتمال القراء ) .
( قولك عن طريقة تقدير عمر نوح عليه السلام [هذه فلسفة رياضية غير مقبولة] ربما جاء بسبب عدم إحاطتك بمعاملة الفترة بين آدم ونوح كـ (فئة رياضية) – وهذا أمر يُسمى في المعالجات الرياضية بنظرية الفئات. وفيها يجب أن تحدد بداية ونهاية الفئة. وكان يجب أن تكون بداية الفئة 950 سنة، لأن عمر نوح سيزيد عن ذلك ولو بأقل القليل. وذلك مثلما أقول أن عمر فلان [صفر،100] وأنا أعلم أنه عاش ما قدر الله أن يعيش، فأكون صادقاً في وصفي في تعيين حدود الفئة، ولا ينبغي أن يجادلني من لا يعلم الفئات ويقول: مادام أنه عاش فيقيناً أنه أكبر من الصفر. فهذا بديهي. كل ما في الأمر أنها بداية الفئة وليس كل الفئة ) .
فهل هذه الفرضيات يبنى عليها دراسة شيء من عالم الغيب ؟!!!!
ثم قولك : قولك: [ فعمر نوح يقينا أكثر من ( 950 ) سنة ، التي هي سنون دعوته لقومه ، فإن سلمنا لقول من قال : إن الأنبياء تبعث على رأس الأربعين ، فعمره - يقينا – أكثر من ( 990 ) لأنه قد عاش بعد الطوفان مدة زمنية طويلة ، لا نعلم لها تحديدا على التحقيق .] به أخطاء ) .
ورددت عليك فيها وبينت لك خطأك في الاستدلال .
ثم زعمت أن الدراسة بيتها على ثلاث قيم يقينية ، فقلت : ( وجدير بي هنا أن أوكد أن الدراسة قامت على ثلاث قيم يقينية لا بد أن يحققها المنحنى مع كونه متصلاً ) .
وبينت لك خطأك في أن هذه يقينيات تبنى عليه دراسة .
أما قولك : [ قولك : في رقم ( 7 ) - ونتنبأ بأن تغير عمر الإنسان في التناقص هو تناقص طبيعي، ويتبع السنن الكونية في سنن التناقص . وأشهر هذه السنن وأكثرها شيوعاً هي الدالة اللوغاريتيمة -ملحق 9 -لا يسلم لك لعموم قوله e : " أعمار أمتي بين الستين والسبعين ، وقليل من يجوز ذلك " ، مما يدل على أن هذا باق في الأمة ، ولا تناقص مطرد كما تفترض .]
فهو قول يثير الشفقة، لأنه يؤكد لي أنك لم تحط بالدراسة - التي سخفت بها - علما. لأن هذه الدالة تتناقص على تباطؤ متزايد، أي أنه يلزم عنها أن تهبط من السبعين إلى الستين بعد مرور زمن قدره (29,362 سنة) في أسرع هبوط (المنحنى الأحمر في شكل 2)، أما في أبطئه فسيصل إلى (153,624 سنة) (المنحنى الأحمر). إلا إذا كنت تقطع بأن عمر أمة محمد e سيزيد عن 153,626 سنة، وفقط في هذه الحالة يمكنك أن تكذب الدراسة التي سخفت بها !!!
وأزيدك من الشعر بيتاً، وبعيداً عن موضوع الدراسة، صحيح أن الدالة اللوغاريتمية مطردة في التناقص، لكنها لا تهبط إلى الصفر إلا بعد مرور ما لا نهاية له من الزمن. وأنا على يقين من أنك لو تعلم ذلك لما أثرت اعتراضك . أرأيت كم كان قولك يثير الشفقة ! ) .
وذكرت لك هاهنا أنك لابد أن تشفق على نفسك ... وأن هذا قول على الله بغير علم ، يفهم هذا من ذكري للآيتين .... ولكنك لم تلتفت لهذه الردود ، ولم تأت برد عليها .
ثم وجدتك في مقالتك بعد تزيد في خروجك عن اللياقة ، وتستبعد الدلالة الشرعية لمَّا سقطت دلالتك ، وتقول :
(تبدأ الحديث من برج عاجي وتقول : ( لا يصح الكلام في هذا الموضوع إلا بنقل صحيح ، وهذا غير موجود على التحقيق ) ؛ فتهدم بكلمة ما لم تًحِطْ به ثم تعود تغضب - والغريب أنك أنت الذي تغضب - إذا رددنا عليك وبينّا لك ما تجاوزته ) .
أقول لك : والله إن أصدق عبارة لهذا القول : رمتني بدائها وانسلت .
أنا لم أتكلم من برج عاجي ، وإنما ذكرت لك القاعدة المسلمة عن جميع علماء المسلمين ، أن هذه المسائل لا يتكلم بها إلا بدليل عن المعصوم ، ولا دليل .
وما ذنبنا إذا كانت الدراسة وراء أفق بعض القراء ، فمن كان هذا شأنه فلا يحرج نفسه، أما إن ظن أن كل ما يقال ، لا بد ألا يخرج عن فهمه ، فلا بد أن نرثي له جميعًا
، ومن يبدأ بعيب أعمال الناس بالجملة وهو خارج عن إحاطته ، فلا بد أن يسمع ما لا يسره ، أما إن انكشف غطاء علمه ، فلا يعلم عن حفريات كذا وكذا ، ولا يعلم عن الدوال الرياضية كذا وكذا ، ولم يقرأ تفصيلاً لو قرأه لأحجم ، ولو سأل أهل الاختصاص يستشيرهم لأقلع ، ويصر على منهج جدلي يحسم مسائل قالبها رياضي ، مثلها عنده مثل الصيني من العربي ، وكل ما في جعبته (هذا ليس بدليل) ، ولا يعلم أن الدليل الرياضي لا يحسمه إلا دليل رياضي ، فماذا نقول له، وقد اقتحم دارنا، يفض به جمعنا ، يُخَطِّئ ويرسل نصائح، يتعجب منه السامعون، يقضي قبل أن يعلم، وقد تاب عن مثلها داوود )
عمر البشرية – ياكزابر - من مسائل الغيب فقولك : ( قالبها رياضي ) من أغلوطاتك أيضًا .
ثم متى كانت الحفريات يقينية حتى يبنى عليها دراسة عمر البشرية ... الذي هو غيب .
وباقي الكلام فيه من التجهيل والتسفيه ..ما أحتسبه عند الله تعالى ، كما فيه من غرور قائله ما لم يتب منه ، فسيرى غدا عاقبته ...
ثم تقول في خلط عجيب يكشف عن مكنون نفسك : ( ومثله مثل من حرّم النقود الورقية لأنها ليست من النقدين ! أو من يُخَطِّئ تسمية ألفاظ النحو كالـ "الفاعل".. لأن "الفاعل" لا بد له من إرادة ! ... إلخ ...أو من حرّم التلغراف .. أيام الملك عبدالعزيز ) .
هذا كلام يدلل على أنك لا تفرق بين الكلام في الغيببيات ، والكلام في اللغة والنوازل ... وتدعي أنك مارست التدريس الجامعي الشرعي !!! فيا لله العجب .
ثم تقول : ( وقالوا النقل النقل النقل ... وفقط بفهمهم، وألا يخرج عن فهمم ..آه ثم آه آه .. من ( عريضِ وِسادهم ) ثم عادوا جميعاً يستحي من عاش منهم من سابق أقواله ) !
في كلمات كلها خروج عن اللياقة والأدب في الحديث ، ظنًّا منك أن هذا ينصر رأيك ، مم يدل على غرور قائله .
ثم تقول في مقالتك الأخيرة وفي مغالطة عجيبة : ( يا أخ عطية ؛ أرُدْ على ماذا وأنت لا تعلم لا حفريات ، ولا رياضيات ولا ما تقتضيه الأولى ، وما يلزم عن الثانية ؛ فالأولى اقتضت ألا يقل القرنين المتتالين عن سنة ، فكذَّبتها أنت من أقصر طريق!
والثانية التزمت شمول كامل الأمة بالدالة المتباطئة ، فتجاهلتها رغم أنها مُفحمة !
طالبتُك بما هو أهدى ، ويفي بغرض الدراسة فيما وضعت له ، فلم تقدم شيئاً!
رددت حتى دوَّى صدى ردي ... في الخافقين ... وعاد منك بخُفي حُنين )
أعيد لك المقالة حتى ترسخ في ذهنك : الغيبيات لا يتكلم فيها بهذا الكلام الذي تزعم أنه أدلة فيها ؛ وأما قولك : (فتجاهلتها رغم أنها مُفحمة ) فأنا لم أتجاهلها : بل قلت لك : لا يسلَّم لك لعموم قوله e : " أعمار أمتي بين الستين والسبعين ، وقليل من يجوز ذلك " ، مما يدل على أن هذا باق في الأمة ، ولا تناقص مطرد كما تفترض . فانظر كيف تحور الكلام وتقوَّلني ما لم أقل !!!
ثم تقول : ( طالبتُك بما هو أهدى ، ويفي بغرض الدراسة فيما وضعت له ، فلم تقدم شيئاً ) !
هذا افتراء - أخي - فقد قلت لك : عجب لك عجيب أن تؤثم المسلمين إذا لم يتكلموا بطريقتك ! يكفي أن يقال : هذه من أمور الغيب ، ولا يتكلم فيها إلا بدليل ، ولا دليل ؛ فأما الذين صدقوا في إيمانهم ، فلا خوف عليهم من تلكم الشبهات ، وأما الذين في قلوبهم مرض ، فلا يلزمنا إثم ارتدادهم .
وقلت لك أيضا : وأما قولك : ( أما من قنًع بأن يؤمن الناس بأن عمر البشرية أقل من 7000 سنة، فلا بد أنه يشيع في الناس من حيث لا يدري أن عدد القرون بين نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس، عدداً لا يتحقق فيه قول الله "وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا"(الفرقان:38)، ويدخل عندئذ صاحبنا فيمن قال فيه رسول الله "كذب النسابون" لاستوائه معهم في علة التكذيب وهي الإقرار وإشاعة ما ينافي قول الله من أن القرون كثيرة. )
فأقول لك أخي : إن تخطئتنا لهذا القول ، لا يعني أننا نسلِّم لك بقولك أنت ، فهذا ما لا يلزم ، ونقول لأصحاب هذا القول ما نقول لك ... ] قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [ .
ثم بعد ذلك تقول أنت :
( رددت حتى دوَّى صدى ردي ... في الخافقين ... وعاد منك بخُفي حُنين )
أي ردٍّ كان منك ؟! ..... ألم أقل : رمتني بدائها وانسلت .
والعجيب أنك بعد ذلك كله تقول : ( يا أخي : أنا لست من أهل المشاتمة - أصلحك الله - إن وقتي أثمن من ذلك ... غفر الله لك ) .
وأقول أصلحني وإياك ، وغفر لي ولك ... آميييين .