عناية القراء بالأثر العقدي في الوقف والابتداء

إنضم
22/05/2006
المشاركات
2,552
مستوى التفاعل
11
النقاط
38
العمر
59
الإقامة
الرياض
عناية القراء بالأثر العقدي في الوقف والابتداء
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا : الوقف اللازم
من يتأمل تبريرات العلماء للوقف اللازم يلاحظ أن أكثرها تذب عن الجانب العقدي ، وأن من أبرز أسبابها هو دفع توهم مخل بالعقيدة .
ونظرأ لأهمية هذا البحث خصوصا لأهل الإقراء على وجه الخصوص ، فقد رأيت أن أبدأ به
وقد اخترت أبرز المواضع التي لمست تعلقا بينها وبين الحس العقدي.
وقد لا حظت أن جلَّها له علاقة بأركان الإيمان وأصوله ، فمنها ما له علاقة بجانب الإيمان بالله ، بما يتضمنه من الإيمان بالربوبية ، أو الألوهية ، أو الأسماء والصفات، ومنها ما له علاقة بالإيمان بالملائكة، ومنها ما له علاقة بالإيمان بالكتب وغير ذلك مما سيلاحظه القارئ من خلال قراءته أسباب لزوم الوقف في غالب المواضع.
وهذا البحث إن كان يدل فإنما يدل بإنصاف على مدى عناية أهل القرآن الكريم والإقراء، ومراجعوا المصاحف بالعقيدة ، والذب عنها ، ودفع ما يتوهم فهمه من معنى غير مراد، فهو واقع موجود في المصاحف حاليا.
وهناك من المواضع ما اتفق عليها القراء ، وبعضها اختلف في لزومها ، كل بحسب قناعته بالسبب.
وقد جمعت خلاصة هذه المادة من كتابي ( الوقف اللازم في القرآن الكريم).
سائلا الله العلي الكبير أن يوفقنا جميعا لما فيه الخير والنفع ، هو ولي ذلك والقادر عليه.
مع ملاحظة أن الرموز المشار إليها في هذا البحث هي من عدة مصاحف وليس من مصحف واحد .
تبرير لزوم الوقف اللازم عند القراء
1-توهم دعاء غير الله

مثال الوقف على: [يَسْمَعُونَ].
قال تعالى: [إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ {مـ} وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ][الأنعام:36].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل مشاركة الموتى في الاستجابة
بعطف [وَالْمَوْتَى]على [الَّذِينَ يَسْمَعُونَ ].

والصواب: أن [وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ]، كلام مستأنف إخبار من الله عنهم بأنهم سيبعثون للحساب ولا عطف فيها.
2- توهم تحليل ما حرم الله
مثال الوقف على: [لَهُمْ].
قال تعالى: [الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ {مـ} وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ][المائدة: 5].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل تحليل: [الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ]لأهل الكتاب.
والصواب: أن [الْمُحْصَنَاتِ ]معطوفة على الطيبات، والتقدير: أحل لكم الطيبات، وأحل لكم المحصنات من المؤمنات.
3 -توهم إطراء النبي صلى الله عليه وسلم
مثال الوقف على: [وَتُوَقِّرُوهُ]

قال تعالى: [لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ {مـ} وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا][الفتح:9].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل عطف الضمير في[وَتُسَبِّحُوهُ]الذي هو [لله]على الضمير في [وَتُوَقِّرُوهُ]الذي هو للنبي، ، فيؤدي إلى الدعوة إلى تسبيح النبي صلى الله عليه وسلم .
4- توهم اعتراف قاتل عيسى عليه السلام بأنه رسول الله
مثال الوقف على كلمة: [مَرْيَمَ ].
قال تعالى: [وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ {مـ} رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ][النساء:157].

يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أنهم معترفون أنه [رَسُولَ اللَّه]، فلماذا يقتلونه؟ حدثني بذلك الشيخ رزق حبة.
والصواب: الوقف عند [مَرْيَمَ ]، ثم نكمل [رَسُولَ اللَّهِ ]، أي: أعني رسول الله.
5 - توهم نفي اختيار الله تعالى
مثال الوقف على: ( وَيَخْتَارُ ).

قال تعالى: [وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ {مـ} مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونََ][ القصص:68].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن (ما) موصولة، فيكون المعنى أن الله يختار ما يختاره الخلق، أي الذي يختارونه.
والصواب: أن الله يخلق ما يشاء ويختار وينفي عن الخلق الخيرة
6- توهم مشاركة غير الله في معرفة حقائق الغيب
مثال الوقف على: [إلاَّ اللَّهُ].
قال تعالى: [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ {مـ} وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ][ آل عمران: 7].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل مشاركة [الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ]في معرفة التأويل، الذي هو بمعنى كنه الشيء وحقيقته، كـ(علم الغيب، وأسماء الله وصفاته )، وقد سبق التفصيل في ذلك فارجع إليه جُعلت مباركًا.
7- توهم نسب قول الله تعالى للكفار
مثال الوقف على: [مَثَلاً].
قال تعالى: [وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا {مـ} يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ][ البقرة: 26 ].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن [يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا]من قول الكفار، وليس كذلك، إنما هو ابتداء إخبار من الله عز وجل عنهم.

8- توهم ربط الحكم بالإثم بالعلم
عند من يرى اللزوم من القراء ومراجعوا المصاحف.
مثال الوقف على: [أَنْفُسَهُمْ ].
قال تعالى: [ولقدْ عَلِموا لـمَن اشْتَرَاهُ مَاله في الآخِرةِ مِن خَلاقٍ ولَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ {مـ} لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ][البقرة:102].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن الذم مرتبط بعلمهم، والمعنى: [لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ]حقيقة ما سيصيرون إليه من العذاب ما تعلموه.
9- توهم ربط شدة عذاب جهنم بفقه الكفار
عند من يرى اللزوم من القراء ومراجعوا المصاحف.
مثال الوقف على: [حَرًّا]
قال تعالى: [وَقَالوا لا تنفروًا في الحرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا {مـ} لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ][التوبة:81].
سبب لزوم الوقف: لئلا يوهم الوصل أنَّ شدةَ حرِّ جهنم مرتبط بفقههم.
والصواب: أنَّ نار جهنم [أَشَدُّ حَرًّا]، فقهوا أم لم يفقهوا، فالأوْلَى أن يتقوها بترك التخلف عن الجهاد في سبيل الله.
10 -توهم ربط أجر الآخرة بالعلم
مثال الوقف على: [أَكْبَرُ]
قال تعالى: [وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ {مـ} لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ][النحل:41].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن عظم أجر الآخرة مرتبط بعلمهم.
والصواب: أنه غير مرتبط بعلمهم، وجواب [لَوْ]محذوف: لو كانوا يعلمون ذلك لما اختاوا الدنيا على الآخرة.
11- توهم الأمر باتباع أعمال المشركين
مثال الوقف على: [حنيفًا].
قال تعالى: [وقالوا كُونُوا هُودًا أو نَصَارَى تَهْتَدوا قُلْ بَلْ مِلةَ إبرَاهِيم حنيفًا {مـ} وَمَا كَان مِنَ المشْرِكين ][البقرة:135].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن قوله: [وَمَا كَان مِنَ المشْرِكين ]معطوفة على جملة: [بَلْ مِلةَ إبرَاهِيمَ ]فيصير أن الله أمر رسوله أن يتبع ملة إبراهيم وما كان من أعمال المشركين على اعتبار أن [مَا]بمعنى الذي
والصواب: أنها نافية تنزهه عليه السلام من الشرك.
12- توهم تفضيل غير موسى عليه السلام عليه
مثال الوقف على: [بَعْضٍ].
قال تعالى: [تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ {مـ} مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ ][البقرة:253 ].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن موسى عليه السلام من البعض المفضل عليه غيره، لا من البعض المفضل على غيره بالتكليم.
فيتوهم تعلق الجار والمجرور وهو [مِنْهُمْ مَنْ..]صفة لـ [بَعْضٍ].
والصواب: أن موسى عليه السلام مفضل على غيره بالتكليم.

13- توهم تعلق صفة ذم بمن مدحهم الله وأثنى عليهم
مثال الوقف على: [يَحْزَنُونَ].
قال تعالى: [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ {مـ} الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يقُومُون إلا كَمَا يقُوم الذِي يتَخبطُه الشَّيطانُ مِن المسِّ][البقرة:274 ـ 275]
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن قوله: [الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا]صفة لـ [الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ].
والصواب: أن الكلام انتهى حول المنفقين في سبيل الله، ثم ابتدأ الكلام عن [الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا]ولا تعلق لها بما قبلها لا لفظًا ولا معنى.
14- توهم تعلق صفة مدح بمن ذمهم الله
مثال الوقف على: [الظَّالِمِين ]
قال تعالى: [وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين {مـ} الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ][ التوبة:20].
يلزم الوقف: لئلا يوهم أن [الَّذِينَ آمَنُوا]صفة لـ: [الظَّالِمِين]
والصواب: أن [الَّذِينَ]مبتدأ مستأنف خبره [أَعْظَمُ دَرَجَةً].
15- توهم نسب قول الله تعالى للكفار
مثال الوقف على: [الرِّبَا].
قال تعالى: [الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا َيقُومُون إلا كَمَا يقُوم الذِي يتَخبطُه الشَّيطانُ مِن المسِّ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا {مـ} وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ][البقرة:275 ].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن قوله: [وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ]من قول اليهود.
والصواب: أنها هي جملة مستأنفة من قول الله تعالى ردًا عليهم، وإنكارًا لتسويتهم الربا بالبيع.
16- توهم نسب قول الشيطان لله تعالى
مثال الوقف على[لَعَنَهُ اللَّهُ].
قال تعالى: [لَعَنَهُ اللَّهُ {مـ} وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا* ولأضلنَّهم ولأمنِّيَنَّهم..][ النساء:118 ].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل عطف جملة: [وَقَالَ..]الذي هو قول الشيطان على [لَعَنَهُ اللَّهُ ]، الذي هو من قول الله، فيتوهم أن جملة: [لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ …]من مقول الله.
والصواب: أن جملة [وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ …]من قول الشيطان.

يتابع بإذن الله من كتاب الأثر العقدي في الوقف والابتداء لـ جمال القرش
 
يتابع ما سبق
يلاحظ بأن بعض هذه الوقفات في مصحف والبعض تجدها في مصحف آخر والبعض عند بعض القراء.
ومن المعلوم أن الموضع الذي لا تجده في بعض المصاحف مشار إليه بلزوم الوقف فهو لا يرى العلة المذكورة ، ويستبعد وقوع فهم مخالف مثل ذلك؟
ولست بصدد بيان ما هو الأفضل أو الراجح، القصد هو بيان مدى عناية القراء واهتمامهم بالأثر العقدي، وهذا في جانب واحد فقط وهو الوقف اللازم .
والعلة في ذلك أن فيه تحريك في وجدان كل قارئ وكل مجيز بالذب عن العقيدة ، وتوضيح أصول أهل السنة والجماعة، أثناء الإقراء، وتدريب الدارس على تأصيل هذه الضوابط لديه، وهذه سنة القراء الأولين الحاذقين عليهم رحمة الله أجمعين.



17- توهم نسب وصف عيسى بأنه يملك السموات والأرض
مثال الوقف على: [وَلدٌ].
قال تعالى: [إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ {مـ} لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ][النساء:171].

يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن المنفي [وَلَدٌ]موصوف بأنه يملك السماوات والأرض.

والصواب: أن قوله: [لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ ]كلام مستأنف، لا علاقة له بالولد، والمراد نفي الولد مطلقًا.
18-توهم نفي تحريف الكلم لليهود
مثال الوقف على: [لَمْ يَأْتُوكَ]].
قال تعالى: [وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ {مـ} يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ موَاضِعِهِ ][المائدة:41].

يلزم الوقف: لئلا يتوهم أنَّ اليهودَ الذينَ يتسمعون لم يأتوا محرفين الكلم.
والصواب: أن الآية تثبت لهم التحريف والكذب.

19-توهم تقييد النهي عن اتخاذ اليهود أولياء حال كونهم أولياء بعض

مثال الوقف على: [أَوْلِيَاءَ].
قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ {مـ} بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض ][ المائدة:51 ].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل النهي من اتخاذهم أولياء صفتهم أن [بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض ]، فإذا انتفى هذا الوصف جاز اتخاذهم أولياء وهو محالٌ.
والصواب: أن النهي عن الاتخاذ مطلقًا.

20-توهم ما لا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم

مثال الوقف على: [يَتَفَكَّرُوا ].
قال تعالى: [أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا {مـ} مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ][ الأعراف:184].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن [مَا]بمعنى الذي، وتكون مفعول لـ[يَتَفَكَّرُوا ]، فيكون المعنى فاحشًا: أولم يتفكروا فيما بصاحبهم من جنون، وهو (النبي ) صلى الله عليه وسلم .
والصواب: أنها مستأنفة نافية، رد من الله عليهم لقولهم: [ياأيها الذي نزِّل عليه الذكرُ إنك لمجنون][الحجر:6] ، وهي متعلقة بمحذوف، أي: أولم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم من جنة.

21- توهم اعتراف المنافقين برسالة الرسول

مثال الوقف على لفظ الجلالة [اللَّهِ]
قال تعالى: [قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ {مـ} وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ][ المنافقون:1].

يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن قوله: [وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ]، من مقول المنافقين.

والصواب: أنَّه من قول الله عز وجل.
22- توهم وصف بعض المنافقين بأمرهم للمعروف
مثال الوقف على: [بَعْضٍ]

قال تعالى: [الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ {مـ} يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ][التوبة: 67].

يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن جملة: [يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ]صفة لبعض المنافقين.
والصواب: أنها صفة لكل المنافقين

23-توهم شيء لا يليق بنبي معصوم

مثال الوقف على: [بِهِ]

قال تعالى: [وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ {مـ} وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ][يوسف:24].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصلُ شيئًا لا يليق بنبي معصوم أن يهمَّ بامرأة.
والصواب: أنَّ هَمَّ يوسف - عليه السلام - منفي لرؤيته البرهان، فالهمُّ الثاني غير الهمُّ الأول، وقوله: [وَهَمَّ بِهَا]مستأنف.

24- توهم ثبوت كلمة الله في الأزل على اختلاف الناس

مثال الوقف على: [خَلَقَهُمْ ].
قال تعالى: [ولا يزالون مختلفين إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ {مـ} وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ][ سورة هود:119]
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل تقيد ثبوت كلمة الله في الأزل على اختلافهم، فيوهم أنه لذلك خلقهم، ولذلك تمت كلمة ربك.
والصواب: ثبوت كلمة الله في أزله ليتبين سواء اختلفوا أم لم يختلفوا.

24- توهم تعليق جعل جهنم بعودة الكفار

مثال الوقف على: [عُدْنا]

قال تعالى: [وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا {مـ} وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصيرًا][الإسراء: 8 ].

سبب لزوم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن قوله: [وَجَعَلْنَا]معطوفًا على قوله: [عُدْنَا]داخلاً تحت شرط [إِنْ عُدْتُمْ].

والصواب: أنه لا علاقة بين [وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ]وبين عودتهم، أي أنَّ جهنم للكافرين حصيرًا سواء أعادوا أو لم يعودوا.

25- توهم وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بـ ( قرآن)

مثال الوقف على: [وَنَذِيرًا]

قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا {مـ} وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلا][ الإسراء: 105- 106 ].

يلزم الوقف: لأنه لو وصل لصار لفظ [وَقُرْآنًا]معطوفًا، واقتضى أن يكون الرسول  قرءانًا.
والصواب: أن [وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ ]كلام مستأنف.

26 ـ توهم النهي عن دعاء إله غير الله أنه وصف بالوحدانية

مثال الوقف على: [آخرَ]

قال تعالى: [ولا تدعُ معً اللهِ آلهًا آخرَ {مـ} لا إلهَ إلا هُو كُلُّ شَيء هَالكٌ إلا وجْهَهُ][القصص:88].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن النهي منصبًا على دعاء إله غير الله موصوف بأنه لا إله إلا هو.
والصواب: أن جملة [لا إلهَ إلا هُو]استئنافية لا علاقة لها بما قبلها، تعنى لا معبود بحق إلا هو.


27- توهم ربط حدث من أحداث الدنيا بالآخرة

مثال الوقف على: [عَنْهُمْ]
قال تعالى: [فَتَوَلَّ عَنْهُمْ {مـ} يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ][القمر:6 ـ 7]
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن الأمر بالتولي [يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ]، فتصير [يَوْمَ يَدْعُ]ظرف للتولي، والصواب أنها ظرف لـ [يَخْرُجُونَ]،
وخشعًا حال للضمير في [يَخْرُجُونَ ].
والتقدير: يخرجون خشعًا أبصارهم يوم يدع الداع.

28- توهم إطلاق الحكم بالكفر في غير موضعه

قال تعالى: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ {مـ} وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ ][البقرة:217].
سبب لزوم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن الصد عن سبيل الله والكفر به كبير، وليس أكبر عند الله وهو مالم يقل به أحد من أهل العلم، أو أن القتال في الشهر الحرام كفر بالله.

يراجع أصل المادة في كتاب ( أضواء البيان في معرفة الوقف والابتداء ، والأثر العقدي في الوقف والابتداء)
 
بارك الله فيك شيخ جمال ونفع بك ،،، أفدتنا جزاك الله خيرا
 
عناية القراء بالأثر العقدي في الوقف والابتداء
15- توهم نسب قول الله تعالى للكفار
مثال الوقف على: [الرِّبَا].
قال تعالى: [الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا َيقُومُون إلا كَمَا يقُوم الذِي يتَخبطُه الشَّيطانُ مِن المسِّ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا {مـ} وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ][البقرة:275 ].
يلزم الوقف: لئلا يوهم الوصل أن قوله: [وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ]من قول اليهود.
والصواب: أنها هي جملة مستأنفة من قول الله تعالى ردًا عليهم، وإنكارًا لتسويتهم الربا بالبيع.
بارك الله فيك على ما تفضلتم به ونفع بك يا استاذ جمال :
إذا كان هناك تباين بين الجمل فإنه يعطف ب" بل" التي للإضراب
"بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَابِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأوَّلُونَ"
فقول الكافرين أضغاث أحلام ، افتراه، هو شاعر . أقوال متباينة فعطف ب" بل " و لا يجوز العطف بينها بالواو لتباين هذه الأقوال
ونقول :إنما الليمون حلو بل هو حامض
فجملتا " إنما الليمون حلو بل هو حامض" صدرتا عن قائل واحد

وأما إذا عطفنا بالواو بين جملتين متباينتين فتكون الجملة الأولى لقائل والأخرى لغيره لأن هناك قرينة تمنع من أن تكون الجملتان لقائل واحد وهذه القرينة هي التباين بين الجملتين فكيف يصدران عن قائل واحد.
وعندما نقول قالوا : " إنما الليمون حلو وهو حامض " يمتنع أن تكون الجملة الثانية " هو حامض " للقائل نفسه لأن هناك تباينا بين القولين وكذلك قوله -تعالى- " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا"
فهنا تباين بين الجملتين " إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا " التي تدل على قولهم بحل الربا و " وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" التي تدل على حرمة الربا فهذه قرينة تمنع ذلك الوهم : فكيف يصدر عنهم قولان متباينان!!! حل الربا وحرمته لذلك جاز الوصل لوجود قرينة تمنع أن يكون قوله –تعالى – "" وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " من قول اليهود
 
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم على هذه الإفادة لو تأملتم ما ذكرته في بداية المقال:

يلاحظ بأن بعض هذه الوقفات في مصحف والبعض تجدها في مصحف آخر والبعض عند بعض القراء.
ومن المعلوم أن الموضع الذي لا تجده في بعض المصاحف مشار إليه بلزوم الوقف فهو لا يرى العلة المذكورة ، ويستبعد وقوع فهم مخالف مثل ذلك؟
ولست بصدد بيان ما هو الأفضل أو الراجح، القصد هو بيان مدى عناية القراء واهتمامهم بالأثر العقدي

وما ذكرتم هو ما جعل بعض مراجعو المصاحف أو القراء لا يرى لزوم الوقف ، ورأى وضع علامة (قلى) .كما في مصحف المدينة ، والشام، والأزهر وعلامة (قلى ) هي أقرب العلامات للوقف اللازم والتي تعنى أولوية الوقف، مع جواز الوصل
أما مصحف الباكستاني بقد وضع علامة (مـ ) الوقف اللازم
فقد يسأل سائل لماذا وضع مصحف الباكستاني هذه العلامة فتكون الإجابة يما سبق ذكره إلا أن يكون لديكم تبريرا آخر فأفد به إخوانك وفقك الله لكل خير
وكما تعلم أنه ليس كل من يقرأ القرآن ممكن أن يستوعب ما ذكرتم من التريرات اللغوية ، لا سيما إن كانت ذات عمق، فهناك العامي ، وهناك الأعجمي، ولذلك كان اختلاف العلماء في وضع العلامات.
أنا أتكلم بلسان من وضع علامة (مـ) .
وقد حصرت في كتابي الوقف اللازم أكثر من ثمانين موضعا أغلبها مختلف فيه بين المصاحف بين من يعتبر اللزوم أو غيره، باستثناء عشرين موضعا اتفقت المصاحف على لزومها.

لك خالص شكري وتقديري
 
ثانيا : الأثر العقدي في الوقف على"كلا" والابتداء بها .
اهتم العلماء والنحويون بالكلام على كلا، والوقف عليها، بل وأفردوا لها كتبًا خاصة كان من أبدعها وأكثرها قبولاً وتداولاً لدى أهل العلم رسالة [كلا، وبلى، ونعم ]، للإمام مكي رحمه الله.
وقد تأثر برأي الإمام مكي أكثر أهل العلم كـ (ابن الجزري، والزركشي في البرهان، وابن هشام النحوي ).
قال الإمام ابن الجزري - رحمه الله - ثم إن علماءنا اختلفوا في الوقف عليها، فكان بعضهم يجيز الوقف عليها مطلقًا، وبه قرأت على شيخنا: أمين الدين عبد الوهاب، الشهير بابن السلاَّر.
ومنهم من منع الوقف عليها مطلقًا، وهو اختيار شيخنا: سيف الدين ابن الجندي.
ومنهم من فصَّل، فوقف على بعضها لمعنى، ومنع الوقف على بعضها لمعنى آخر، وهو اختيار عامة أهل الأداء، كـ ( مكي وعثمان بن سعيد، …وغيرهما )، وبه قرأت على شيوخي (1).
قال الإمام مكي - رحمه الله - وذهبت طائفة إلى تفصيلها، فيوقف عليها إذا كان ما قبلها يُردُّ ويُنكَر.
ويُبتدأ بها إذا كان ما قبلها لا يرد ولا ينُكر، وتوصل بما قبلها وما بعدها، إذا لم يكن قبلها كلام تام، نحو[ثُمَّ كلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ][التكاثر:4].قال - رحمه الله - وهذا الوقف أليق بمذهب القراء وحذَّاق النظر، وهو الاختيار وبه آخذ. اهـ (1).
والرأي الأخير هو المعتمد لدينا في هذه الرسالة.
ومما يقوى أيضا هذا المذهب ما يلي:
1- أنه اختيار الإمام مكي، توفي رحمه الله: 437 هـ (2).
2- أنه اختيار الإمام السخاوي إجمالا، توفي رحمه الله: 643هـ (3)
3- أنه اختيار الإمام الزركشي، توفي رحمه الله: 794 هـ (4).
4- أنه اختيار الإمام ابن الجزري، توفي رحمه الله: 833 (5).
5- أنه اختيار الشيخ محمد مكي نصر من علماء القرن الثالث عشر هـ (6).
(1) انظر: شرح كلا وبلى ونعم للإمام مكي بن أبي طالب: () 10- 12).
(2) انظر شرح كلا وبلى ونعم للإمام مكي بن أبي طالب: () 22).
(3) انظر: جمال القراء وكمال الإقراء: وقولي إجمالا، أي: في غالب تبريراته (2/453).
(4) انظر: البرهان في علوم القرآن: (1/368)
(5) انظر: التمهيد في علم التجويد: (177-187).
(6) انظر: نهاية القول المفيد: (174).
 
4 - معاني (كــــلا):
أ - تأتي بمعنى النفي أو الزجر لما قبلها والتقدير: ليس الأمر كذلك.
ب - تأتي بمعنى ( حقًا ) ؛ تأكيدًا لما بعدها (1).
ج – تأتي بمعنى ( ألا ) الاستفتاحية.
د - وقد تجمع جواز المعنيين ( حقًا - ألا ).
هـ – وقد ينفرد أحدهما إذا جاء بعد ( كلا) إن المكسورة الهمزة ؛ فإنه لا يبتدأ بها على معنى ( حقًا ) وإنما على معنى ( ألا ).
5 - متى يوقف على كلا ويبتدأ بها؟
أ – يحسن الوقف على (كلا) إذا كانت بمعنى الردع أو الزجر.
ب -يحسن الابتداء بـ (كلا) إذا كانت بمعنى: ( حقًا – أو ألا الاستفتاحية )، ولا تقدر بمعنى (حقًا) إذا كانت بعدها (إنَّ) مكسورة الهمزة
تطبيقات من القرآن الكريم :

1- [ سورة مريم: 78: 79].
قال تعالى: [أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلاَ* (ج) سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا ].
يحسن الوقف: على [كلا ]، على معنى: الردع ، والزجر .
أي : فليرتدع هذا الكافر عن التفوه بمثل هذه المقالة الشنعاء، فإنه لم يطلع الغيب ولم يتخذ عند الله عهدًا .
ويجوز الابتداء: على معنى ( ألا )، أو ( حقًا ) ، أي :
1 - حقًا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا .
2- أو : ألا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا .
والوقف على [كلا]: تام عند النحاس، والداني، ومطلق عند السجاوندي.
2- [ سورة مريم 81: 82].
قال تعالى: [وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلاَ (ج) سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ].
يحسن الوقف: على [كلا ]، على معنى: ( الردع ، والزجر) .
أي : فليرتدع هؤلاء الكفار عن عبادتهم للأصنام ، وعن اعتقادهم فيها العزة والنصرة .
ويجوز الابتداء: على معنى ( ألا )، أو ( حقًا ) ، أي :
1- حقًا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِم .
2- أو : ألا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِم .
والوقف على (كلا) تام عند النحاس والداني ، ومطلق عند السجاوندي .
 
يتابع تطبيقات من القرآن :
3- [سورة المؤمنون: 99: 100] .
قال تعالى: [حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ * كَلاَ (ج) إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ].
يحسن الوقف: على [كلا ]، على معنى: ( الردع ، والزجر) .
أي: فليرتدع هذا الكافر عن طلب الرجوع إلى الدنيا .
ويبتدأ بـ [كلا ]، على معنى: ألا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا  .
ولا يبتدأ بـها على معنى: حقًا لكسر همزة إنَّ بعدها .
الوقف على (كلا) تام عند النحاس ، والداني ، ومطلق عند السجاوندي (1) .
5- [ سورة سبأ: 27].

قال تعالى: [قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ * كَلاَ (ج) بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ].

يحسن الوقف: على [كلا ]، على معنى: ( الردع ، والزجر) .
أي: ارتدعوا عن زعمكم أن الأصنام شركاء لله .
ويجوز الابتداء: على معنى ( ألا ) ، أو ( حقًا ) ، أي :

1 - حقا : بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ .
2- ألا : بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ .

والوقف على (كلا) تام عند النحاس ، والداني ، ومطلق عند السجاوندي .
 
والكلام عن ((كلا)) يطول ويمكن الرجوع إليه في كتبه المعتمدة

ثالثا : الأثر العقدي في الوقف على (بلى)
اهتم القراء وأهل اللغة بالكلام على [بلى]، وحُكم الوقف عليها، وكان من أبرز من تكلموا على [بلى]الإمام مكي أبو طالب، والداني، وقد تأثر بهما أكثر القراء والنحويين، كالسخاوي، وابن الجزري، والزركشي، وغيرهم وإن كان هناك اختلاف في بعض المواضع، إلا أنه في الجملة هناك تقارب ملحوظ في وجهات النظر من حيث الوقف، وسيأتي التفصيل بمشيئة الله.
العلماء الذين نقلت عنهم في الكلام عن [بلى ].
1- العلامة أبو جعفر النحاس - رحمه الله - 338 هـ.
2- الإمام مكي - رحمه الله - 427 هـ.
3- الإمام الداني - رحمه الله - 444 هـ.
4- الإمام محمد السجاوندي - رحمه الله - 560 هـ.
5- الإمام السخاوي - رحمه الله - 643 هـ.
6- الإمام بدر الدين الزركشي - رحمه الله - 745 هـ.
7- الشيخ محمد مكي نصر من علماء القرن الثالث عشر الهجري.
ومن العلماء المعاصرين:
1- الشيخ محمود خليل الحصري – رحمه الله – شيخ عموم المقارئ بالديار المصرية سابقًا.
2- الدكتور عبد الكريم إبراهيم صالح – حفظه الله – عضو لجنة مراجعة المصاحف بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.
3- الشيخ أسامة عبد الوهاب – حفظه الله- من الأعلام المسندين البارزين المحققين.
المصاحف التي تم الرجوع إليها (خمسة):
معناها: بلى حرف جواب، وتختص بالنفي وتفيد إبطال الخبر الذي قبلها، سواء أكان:
1- مجردًا، نحو قوله تعالى: [زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ][ التغابن: 7 ].
2- أم مقرونًا بالاستفهام، نحو قوله تعالى: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى][الأعراف: 172].
فكلمة [بلى ]نفت نفيهم، وأثبتت اعترافهم بربوبيته جلَّ وعلا، أي بلى أنت ربنا.
قال الإمام مكي: تكون ردًا لنفي يقع قبلها وتكذيبًا له، خبرًا أو نهيًا، فتحققه.
مثال ذلك قوله تعالى: [مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ * بَلَى ][النحل:28]، أي بلى عملتم السوء، وتكون تصديقًا لما قبلها إذا وقعت جوابًا لاستفهام نحو: [أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ]قالوا بلى، أي: بلى أنت ربنا أهـ (1).
* أصل [بلى ]
قال الإمام الداني: والأصل فيه عند الكوفيين [بل ]ثم زيدت الياء في آخره علامة لتأنيث الأداة (2).
قال ابن الجزري: أصل [بلى ]، [بل ]، وزيدت عليها الألف دلالة على أن السكوت عليها ممكن، وأنها لا تعطف ما بعدها على ما قبلها كما تعطف [بل ]، وهي ألف تأنيث، ولذلك أمالتها العرب اهـ (2).
* مواقع [بلى ]في القرآن
وقعت بلى في اثنين وعشرين موضعًا، في ست عشرة سورة.
* الفعل بعد [بلى ]
قد يحذف الفعل بعد [بلى ]، نحو قوله تعالى: [إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى (ج) إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ][ آل عمران:124 ـ 125]، أي بلى يكفينا.
قد يذكر الفعل بعد [بلى ]، نحو قوله تعالى: [أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ ][ الملك: 8-9 ].
* الفرق بين [بلى ]، و [نعم ]
[بلى ]لا تأتي إلا بعد نفي، و[نعم ]تأتي بعد النفي والإثبات.
تأتي [بلى ]ردًا لما قبلها، فإذا وقعت [نعم]مكانها كانت تصديقًا لما قبلها، مثال: لم يأت زيد.
فإن قلت: [بلى]فأنت ترد النفي، وتثبت المجيء.
وإن قلت: [نعم]، فأنت تصدق نفيه أي: نعم لم يأت زيد.
قال الإمام مكي: ولو وقعت [نعم]في موضع [بلى]في قوله تعالى:[أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ]، أي: بلى أنت ربنا، فلو قالوا: نعم، لصار كفرًا ؛ لأنه يصير المعنى: نعم لست ربنا، وهذا كفر. اهـ.
* الأثر العقدي في الوقف على [بلى ]
يظهر ذلك بما تفيده (بلى) من إبطال قول سابق وإثبات نقيده كأن تبطل قول اليهود في ادعائهم أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا أو نصرانيا ، فتأتي بلى لتبطل هذه المقوله، وتثبت ضدها، وغيرها من المعاني العقدية المتعلقة بقضايا الإيمان واليوم الآخر
آراء علماء الوقف والابتداء في الوقف على (بلى)
1- الإمام مكي – رحمه الله -: 355- 427 هـ
إنَّ من يتتبع آراء أكثر أهل العلم لـ [بلى]، يجد أنهم استفادوا من كلام الإمام مكي في الوقف على [بلى]، واقتفوا أثره، من حيث الوقف
أما من حيث الابتداء فمذهبه أنه لا يحسن الابتداء بها لأنها جواب لما قبلها، الجواب متعلق بما هو جواب له، كجواب الشرط، وهذا الرأي فيه نظر(1).
2- الإمام الداني رحمه الله 444 هـ:
قال رحمه الله: الوقف على [بلى]كاف في جميع القرآن أينما وقعت، غير أربعة مواضع لا يوقف عليها من قوله تعالى:
1- [قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا ][الأنعام: 30].
2- [قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ ][ســـبأ: 3].
3- [قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ ][الأحقاف: 34].
4- [قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ][التغابن: 7].
وما سوى ذلك فالوقف عليها كاف، لأنه رد للنفي (2).
3- الإمام السخاوي رحمه الله: 643 هـ
قال - رحمه الله - والوقف عليها إذا لم تتصل بقسم جائز، إما تام وإما كافٍ، واتصالها بالقسم في أربعة مواضع:
1- [قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا ][في الأنعام، والأحقاف].
2 - [قُلْ بَلَى وَرَبِّي ][في سبأ، والتغابن].
فالوقف في هذه المواضع على القسم عند أصحاب الوقف، ويوقف عليها فيما سوى ذلك، وهو ثمانية عشر موضعًا اهـ (1).
4 - الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله: 745 هـ(2).
قال: هي على ثلاثة أقسام:
أحدهما: ما يختار فيه كثير من القراء وأهل اللغة الوقف عليها، لأنها جواب لما قبلها غير متعلقة بما بعدها، في (عشرة مواضع)
الثاني: ما لا يجوز الوقف عليها لتعلق ما بعدها بها وبما قبلها
في (سبعة مواضع):
والثالث: ما اختلفوا في جواز الوقف عليها، والأحسن المنع
في (خمسة مواضع):
1- أنه الموافق لغالب المصاحف الموجودة بين أيدينا
2- أنه الموافق لأكثر أقوال أهل العلم في الجملة، كالإمام مكي، والإمام الداني، والإمام السخاوي، والعلامة محمد مكي نصر.
ومن المعاصرين: الشيخ/محمود خليل الحصري، وأسامة بن عبد الوهاب، والدكتور: عبد الكريم إبراهيم عوض.
2 – تطبيقات مختارة في الوقف على (بلى)
1- [ سورة البقرة الآية 81]
قال تعالى: [وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * بَلَى (ج) مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ][البقرة: 80 ـ 81].
يحسن الوقف على [بَلَى ]، لأنها أفادت إبطال قول اليهود: [لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ]، ونفت مس النار لهم أيامًا معدودة.
وإذا انتفى المسُّ أيامًا معدودة ثبت المس أكثر من ذلك.
والمعنى: بلى ستمسكم النار أكثر من ذلك.
وجملة[مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً]استئنافية لا محل لها تعليلاً لما أفادته بلى(1).
والوقف: كاف عند الداني، ولم يذكر السجاوندي وقفًا (2).
2- [ سورة البقرة الآية 112]
قال تعالى: [وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْك أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلَى (ج) مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ][البقرة: 111 ـ 112].
يحسن الوقف على [بَلَى]، لأنها أفادت نقض قول اليهود: [لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى]وأثبتت أن غيرهم يدخلون الجنة .
والمعنى: بلى سيدخل الجنة من كان على غير اليهودية والنصرانية، وإنَّ كل من استسلم وانقاد لأمر الله ونهيه، وأخلص لله: [فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ].
والوقف كاف: لأن ما بعدها هو[مَنْ أَسْلَمَ..]استئنافية تعليلية.
الوقف: كاف عند الداني، ولم يذكر السجاوندي وقفًا .

3- [ سورة آل عمران الآية 75- 76]
قال تعالى: [ذلك بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * بَلَى (ج) مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ].
يحسن الوقف على [بَلَى ]، لأنها أفادت إبطال قول اليهود: [لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ]، يَعنُون بهذا القول: ليس علينا فيما أصبناه من مال العرب إثم ولا حرج، لأنهم ليسوا أهل كتاب مثلنا.
والمعنى: بلى عليكم فيهم سبيل، أو بلى سيصيبكم إثم وحرج(1).
والوقف: كاف: لأن ما بعدها هو[مَنْ أَوْفَى..]استئنافية لا محل لها من الإعراب مقررة لمعنى الجملة التي سدت محلها [بلى].
والوقف: تام عند الداني، ولم يذكر السجاوندي وقفًا (2).

والكلام عن (بلى) يطول يمكن الرجوع إليه في كتبه المعتمدة

والله الموفق والهادي إلى صراطه المستقيم.
 
رابعًا : تقرير عقيدة أهل السنة والجماعة :
ومن أمثلة ذلك :
تفويض الكيفية في الأسماء والصفات وحقائق الغيب
الوقف على: لفظ الجلالة: [اللَّهُ]

قال تعالى: [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ [قلي] وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ][آل عمران: 7].
اختلف المفسرون في المراد بـ ( التأويل)، و المشهور فيه قولان:
القول الأول: أن يراد بالتأويل ما تؤول إليه حقائق الأخبار، ومنها العلم بالكيفيات، كتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد مما يكون من القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار، كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة كقوله: [هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ][الأعراف: 53] أي: ما يعلم كنهه وحقيقته وما يؤول إليه إلا الله(1).
وعلى هذا التأويل: يكون الوقف على قوله [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ]، ويبتدأ بـ [وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ](2).
القول الثاني: أن يراد بالتأويل: التفسير والبيان والتعبير عن الشيء فالوقف على قوله: [وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ]، لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه كقوله: [نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ][سورة يوسف: 36] أي: نبئنا بتفسيره، وعن ابن عباس أنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله(3).
وفي السنة دعاء النبي لابن عباس : (( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل )) رواه أحمد (1/266) وصححه الألباني.
وعلى هذا التأويل: يكون الوقف على قوله [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ]، ويبتدأ بـ [يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ].


(1) انظر: تفسير القرآن العظيم/2/6: 12، وفيض القدير/1/ 473، ومجموع فتاوى1/29.
(2) انظر: علل الوقوف: 1/363.
(3) الرسالة التدمرية/1/39، وتفسير القرآن العظيم/2/6: 12

حدثني الدكتور عبد العزيز القارئ، قال: عندما كانت لجنة مصحف المدينة النبوية تراجع وقوف المصحف، جرى بحثٌ علميٌّ نفيسٌ طويلٌ، استغرقَ أيامًا، في هذه الآية، فسائر المصاحف تضع هنا رمز الوقف اللازم.
ورأينا أنَّ هذا الرمز يترتب عليه إبطالُ أحدِ القولين في التفسير، أو في المعنى، بينما هما وجهان صحيحان معتبران:
القول الأول: أن التأويل لا يعلمه إلا الله.
القول الثاني: أنهم يعلمون التأويل.
فعلى القول الأول يختلف معنى التأويل عنه في القول الثاني.
فالتأويل الذي يعلمُه [الرَّاسِخُونَ]هو ما خفي من معاني القرآن، وكان يحتاج إلى استنباط لا يقدر عليه إلا خواصُّ العلماء.
ولذلك كان ابنُ عباسٍ- رضي الله عنهما- وهو من أخصِّ خواصِّ العلماء، وأعلم الناس بالتفسير ؛ كان يصل هذه الآية ويقول: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله.
أمَّا التأويل الذي لا يعلمه أحدٌ ولا يعلمُه إلا الله فله معنى آخر، وهو معرفة كلِّ الأشياء وحقائقها المغيبة عن الإنسان مثل: حقائق ما أخبر عنه في القرآن من أحوال يوم القيامة، ومن أشياء يوم القيامة، وحقائق الصفات ونحو ذلك، هذا لا يعلمه إلا الله.
فإذا وصل فعلى المعنى الأول، أو على القول الأول.
وإذا وقف فعلى القول الثاني، فوجدنا أن رمز الوقف اللازم يصير فيه تحكم وإبطال لأحد القولين وكلا القولين صحيحان.
لذلك اختارت اللجنة ألا تجعل الوقف هنا أو لا ترمز هنا إلى الوقف اللازم، بل وضعت (قلي) اهـ (1).
رأي أهل الوقف:
قال ابن الأنباري: ( إلا الله) تام: لمن زعم أن الراسخين فى العلم لم يعلموا تأويله، وهو قول أكثر أهل العلم.
وعن مجاهد في قوله تعالى: [وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ]قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنابه ...، فعلى مذهب مجاهد [والراسخون]مرفوعان على النسق على [الله].
والوقف على [في العلم]حسن غير تام، لأن قوله:[يقولون أمنا به]حال من الراسخين، كأن قال: قائلين آمنا به.
ومن قال: الراسخون في العلم لم يعلموا تأويله، رفع الراسخين بما عاد عليهم من ذكرهم، وذكرهم في [يقولون]، ولا يتم الوقف على [في العلم]من هذا المذهب، ولا يحسن لأن الراسخين مرفوعان بما عاد من [يقولون]ولا يحسن الوقف على المرفوع دون الرافع .
وفي قراءة ابن مسعود لمذهب العامة: [إن تأويله إلا عند الله والراسخون في العلم يقولون]
وفي قراءة أبي ( ويقول الراسخون في العلم ) (1)
قال أبو عمرو الداني رحمه الله:
الوقف تام: على قول من زعم أن الراسخين فى العلم لم يعلموا تأويله، وهو قول أكثر أهل العلم من المفسرين والقراء والنَّحويين، وفى قراءة ابن عباس رضي الله عنهما تصديق لذلك [ويقول الراسخون].
وعن طاووس عن أبيه قال: ذكر لابن عباس رضي الله عنهما الخوارج، وما كان يصيبهم عند قراءة القرءان، فقال: يؤمنون بمحكمه، ويهلكون عند متشابهه، وقرأ [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ ويقول الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ آمَنَّا بِه].
وعن مجاهد في قوله تعالى: [وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ]قال: الراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنابه....، وقال بذلك أيضا جماعة من أهل العلم فعلى هذا يكون الوقف على قوله (..... والراسخون في العلم... ) لأن الراسخين نسق على اسم الله عز وجل(2).
قال السجاوندي: وقف لازم في مذهب أهل السنة والجماعة، لأنه لو وصل فهم أن الراسخين يعلمون تأويل المتشابه- كما يعمله الله- [ وهذا ليس بصحيح ]، بل المذهب أن شرط الإيمان بالقرآن العمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، [والرَّاسِخُونَ]مبتدأ ثناء من الله عليهم بالإيمان على التسليم بأن الكل من عند الله.
ومن جعل المتشابه غير صفات الله تعالى ذاتًا وفعلاً، من الأحكام التي يدخلها القياس، والتأويل بالرأي، وجعل المحكمات الأصول المنصوص عليها المجمع عليها، فعطف قوله [والرَّاسِخُونَ]على اسم الله، وجعل [يَقُولُونَ]حالاً لهم، ساغ له أن لا يقف على [إِلا اللَّهُ].
لكن الأصوب الأحق الوقف، لأن التوكيد بالنفي في الابتداء، وتخصيص اسم الله بالاستثناء يقتضي أنه مما لا يشاركه في علمه سواه، فلا ِيجوز العطف على قوله [إِلا اللَّهُ]، كما على [لا إله إِلا اللَّهُ](1).
قال الأنصاري: [إلاَّ الله]:
تام: على قول الأكثر أن الراسخين لم يعلموا تأويل المتشابه.
وليس بوقف: على قول غيرهم أن الراسخين يعلمون تأويله(2).
قال الأشموني: [إلاَّ الله]وقف السلف وهو أسلم لأنه لا يصرف اللفظ عن ظاهره إلاَّ بدليل منفصل ووقف الخلف على العلم، ومذهبهم أعلم، أي أحوج إلى مزيد علم لأنهم أيدوا بنور من الله لتأويل المتشابه بما يليق بجلاله والتأويل المعين لا يتعين لأنَّ من المتشابه ما يمكن الوقوف عليه ومنه ما لا يمكن وبين الوقفين تضاد ومراقبة فإن وقف على أحدهما امتنع الوقف على الآخر وقد قال بكل منهما طائفة من المفسرين واختاره العز بن عبد السلام.
وقد روى ابن عباس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وقف على [إلاَّ الله]وعليه جمع من السادة النجباء كابن مسعود وغيره أي أنَّ الله استأثر بعلم المتشابه كنزول عيسى ابن مريم وقيام الساعة والمدة التي بيننا وبين قيامها.
وليس بوقف لمن عطف [الراسخون]على الجلالة، أي: ويعلم الراسخون تأويل المتشابه أيضاً ويكون قوله [يقولون]جملة في موضع الحال من الراسخون أي قائلين آمنا به وقيل: لا يعلم جميع المتشابه إلاَّ الله تعالى، وإن كان الله قد أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على بعضه وأهل قوماً من أمته لتأويل بعضه وفي المتشابه ما يزيد على ثلاثين قولاً وهذا تقريب للكلام على هذا المبحث البعيد المرام الذي تزاحمت عليه إفهام الإعلام.
وقال السجستاني: الراسخون غير عالمين بتأويله واحتج بأن [والراسخون]في موضع وأما وهي لا تكاد تجيء في القرآن حتى تثنى وتثلث كقوله أما السفينة وأما الغلام وأما الجدار أما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وهنا قال: فأما الذين في قلوبهم زيغ ولم يقل بعده: وأما، ففيه دليل على أنَّ قوله [والراسخون مستأنف منقطع عن الكلام قبله.
وقال أبو بكر: وهذا غلط لأنَّه لو كان المعنى وأما الراسخون في العلم فيقولون لم يجز أن تحذف أما والفاء لأنَّهما ليستا مما يضمر(1).

(1) انظر: إيضاح الوقف والابتداء ص: 292، 293 .
(2) المكتفى: ص/195- 196.
(1) انظر: علل الوقوف: 1/363.
(2) انظر: المقصد، 155
1) انظر: منار الهدى: 154

الراجح في المسألة:
القولان معتبران وصحيحان، وأكثر أهل العلم من المفسرين والنحويين والقراء، وأهل الوقف على الرأي الأول، وعموم المصاحف كذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وجمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف على قوله [وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ]وهذا هو المأثور عن أبيِّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم(1).
قال الشوكاني: (( الذي عليه الأكثر أنه مقطوع عما قبله، وأن الكلام تم عند قوله: [إِلاَّ اللَّهُ]هذا قول ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم، وهو مذهب الكسائي والفراء والأخفش وأبي عبيد وحكاه ابن جرير الطبري عن مالك واختاره وحكاه الخطابي عن ابن مسعود وأبي بن كعب)) (2)
وقال ابن عثيمين: الوقف على [إِلاَّ اللَّهُ]عليه أكثر السلف، وعلى هذا، فالمراد بالمتشابه المتشابه المطلق الذي لا يعلمه إلا الله، وذلك مثل كيفية وحقائق صفات الله، وحقائق ما أخبر الله به من نعيم الجنة وعذاب النار، قال الله تعالى في نعيم الجنة: [فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ][ السجدة: 17]، أي: لا تعلم حقائق ذلك (3).

رموز المصاحف: أشار مصحف الشمرلي بـ(الديار المصرية)، والباكستاني بالرمز ( مـ ) والمدينة، ودمشق ( قلى)، وكلا الرمزين ( مـ، وقلي) يؤيد الرأي الأول إلا أن الرمز (قلي) فيه سعة حيث يقبل الوصل على معنى التفسير، مع تغليب الأول، الذي هو بمعنى حقائق الأشياء.
كلام نفيس لشيخ الإسلام بن تيمية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله-: جمهور سلف الأمة وخلفها على أن الوقف على قوله: [وما يعلم تأويله إلا الله]وهذا هو المأثور عن أبى بن كعب وابن مسعود وابن عباس وغيرهم.
وروى عن ابن عباس أنه قال: التفسير على أربعة أوجه:
1. تفسير تعرفه العرب من كلامها
2. وتفسير لا يعذر أحد بحهالته
3. وتفسير تعلمه العلماء
4. وتفسير لا يعلمه إلا الله من ادعى علمه فهو كاذب
وبين شيخ الإسلام بن تيمية أن التأويل يأتي على معان:
1- يأتي بمعنى التفسير وهذا الغالب على اصطلاح المفسرين للقرآن كما يقول ابن جرير وأمثاله- من المصنفين في التفسير- واختلف علماء التأويل ومجاهد إمام المفسرين قال الثوري إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به وعلى تفسيره يعتمد الشافعي وأحمد والبخاري وغيرهما فإذا ذكر أنه يعلم تأويل المتشابه فالمراد به معرفة تفسيره.
2- يأتي بمعنى الحقيقة التي يؤول إليها الكلام كما قال الله تعالى: [هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ][الأعراف: 53]، فتأويل ما في القرآن من أخبار المعاد هو ما أخبر الله به فيه مما يكون: من القيامة والحساب والجزاء والجنة والنار ونحر ذلك كما قال الله تعالى في قصة يوسف لما سجد أبواه وإخوته قال: [يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ][يوسف: 100] فجعل عين ما وجد في الخارج هو تأويل الرؤيا
3- يأتي بمعنى تفسير الكلام وهو الكلام الذي يفسر به اللفظ حتى يفهم معناه أو تعرف علته أو دليله، وهذا ( التأويل الثالث ) هو عين ما هو موجود في الخارج ومنه قول عائشة رضي الله عنها: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: في ركوعه وسجوده: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لى ) يتأول القرآن [متفق عليه] يعنى قوله: [فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ]وقول سفيان بن عيينة: السنة هي تأويل الأمر والنهي، فإن نفس الفعل المأمور به: هو تأويل الأمر به ونفس الموجود المخبر عنه هو تأويل الخبر والكلام خبر وأمر. (1)

1) مجموع فتاوى ابن تيمية 1/29
(2) فيض القدير/1/473
(3) القول المفيد على كتاب التوحيد/2/196
) الرسالة التدمرية/1/39

والله الهادي إلى سواء السبيل.
 
هناك رسالة عقدية في هذا الموضوع لعلها تناقش قريباً ولعل الشيخ جمال يعرف صاحبها فيفيدنا عنها جزاه الله خيراً..
 
جزاك الله هي رسالة كنت اقترحتها على الشيخ صالح المديني وفقه الله وهو من طلاب العلم المجتهدين في خدمة القرآن الكريم بالمدنية المنورة ومشرف بالمسجد النبوي حاليا وهذه الرسالة تربط بين الحس العقدي والوقف والابتداء والحمد لله لاقت قبولا في الجامعة الإسلامية بالمدنية ، وأسأل الله أن يتم عليه نعمته ويوفقه لكل خير وصالح وهدى.
 
نبارك للأستاذ / صالح المديني وفقه الله فقد حصل على مرتبة الشرف الأولى في رسالة المجاستر المقدمة نسأل الله له التوفيق والسداد والنفع اللهم آمين
 
لآ فض فوك ولا حرمنا من فيك واحفظ الله فاك فضيلة الشيخ المحقق أود أن لكم اميل حتى اتواصل معكم ويا حبذا لو سكايب ولكم منى كل احترام وتقدير أحمد حمود الفيومى ahmedhmmoodh@gmail.@yahoo.@hotmail . ahmedhmmoodh skype
 
جزاكم الله خيرا ونفع بكم الأخ الكريم / أحمد حمود
ومن صور الأثر العقدي في الوقف والابتداء
حكم الوقف على: ( وَيَخْتَارُ ) من قوله تعالى :
: +فأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَة ُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" [القصص: 67 ـ 68 ]
اختلف أهل التأويل في المراد بـ (ويختار).
فيها قولان:
القول الأول: أن الاختيار لله لا كما يشاء الناس لأنه أعلم من الذي يصلح لها، أي: وربك يخلق ما يشاء من خلقه ويختار منهم من يشاء لطاعته، ولنبوته، وأنصار دينه(1).
وعلى هذا التأويل: يحسن الوقف على: +ويختار"(2)
القول الثاني: أن الاختيار يكون في الذي كان لهم فيه الخيرة، و تكون +مَا" في موضع نصب بـ +يَخْتَارُ".
وعلى هذا التأويل: يكون الوقف عند قوله: +وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء" ثم يقول: +وَيَخْتَارُ ما كان لهم الخيرة"(3).
(1) انظر: بدائع التفسير: 353، وتفسير القرآن العظيم: 6/ 251. والقطع: (390)
(2) انظر: القطع: (390) والمكتفى: (439) و علل الوقوف: (2/782).
(3) انظر: تفسير جامع البيان 6/ 212. المكتفى: (439)
قال السمين الحلبي: قوله: +مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة" فيه أوجهٌ:
أحدها: أن « ما » نافيةٌ فالوقفُ على « يَخْتار ».
والثاني: « ما » مصدريةٌ أي: يختار اختيارَهم، والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ به أي: مُختارهم.
الثالث: أَنْ تكونَ بمعنى الذي، والعائدُ محذوفٌ أي: ما كان لهم الخيرةُ فيه كقولِه: +وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور" [الشورى:43] أي: منه.
وجَوَّزَ ابنُ عطية أَنْ تكونَ « كان » تامةً و « لهم الخِيَرَةُ » جملةٌ مستأنفةٌ.
و لم يَزَلِ الناسُ يقولون: إن الوقفَ على « يختار »، والابتداءَ ب « ما » على أنها نافيةٌ هو مذهب أهل السنة.
ونُقِل ذلك عن جماعةٍ كأبي جعفرٍ وغيرِه، وأنَّ كونَها موصولةً متصلةً ب « يختار » غيرَ موقوفٍ عليه مذهبُ المعتزلة.
وهذا الزمخشريُّ قد قَّررَ كونَها نافيةً، وحَصَّل غرضَه في كلامِه، وهو موافقٌ لكلامِ أهل السنة ظاهراً، وإنْ كان لا يريده.
وهذا الطبريُّ مِنْ كبار أهل السنة مَنَعَ أَنْ تكونَ [ ما ] نافيةً قال: لئلا يكون المعنى: أنَّه لم تكنْ لهم الخيرةُ فيما مضى، وهي لهم فيما يُستقبل، وأيضاً فلم يتقدَّمْ نفيٌ «. وهذا الذي قاله ابنُ جريرٍ مَرْوِيٌّ عن ابن عباس.
وقال بعضُهم: ويختار لهم ما يشاء من الرسلِ، ف » ما « على هذا واقعةٌ على العقلاء )) اهـ (1)
(1)الدر المصون في علم الكتاب المكنون سورة القصص ية 68 باختصار.
رأي أهل الوقف:
قال ابن الأنباري ت 328: الوقف على +وَيَخْتَارُ" تام إن كانت (ما) جحدا يراد بها: ليس لهم الخيرة، أي: ليس لهم أن يختاروا .
وإن كانت (ما) في موضع نصب بـ ( يختار) لم يحسن الوقف على (ويختار) من أجل أن المعنى: ويختار الذي كان لهم الخيرة، أي: كان لهم خيرته(1)
قال النحاس رحمه الله ت 338 هـ.: الوقف على +وَيَخْتَارُ" أكثر أصحاب التمام وأهل التفسير والقراء على أنه تمام، رواه نافع، ويعقوب وأحمد بن موسى ومحمد بن عيسى وأحمد بن جعفر، وأبو حاتم، ونصير، ثم ابتدأ: +ما كان لهم الخيرة" أي: لم تكن لهم الخيرة. (2)
قال الإمام الداني رحمه الله ت444 هـ: تام إذا جعلت (ما) حجداً، فإن جعلت +..ما.." بمعنى الذي فالوقف على +.. الخيرة.." وهو تام في كلا الوجهين (3)
قال السجاوندي رحمه الله ت560 هـ.: مطلق، ومن وصل على معنى: ويختار ما كان لهم فيه الخيرة فقد أبعد بل (ما) لنفي اختيار الخلق تقريرًا لا اختيار الحق تعالى (4).
(1) انظر: إيضاح الوقف والابتداء ص: 432، ط دار الحديث، تحقيق عبد الرحيم الطرهوني
(2) انظر: القطع: (390)
(3) انظر: المكتفى: (439)
(4) انظر: العلل: (2/782).
قال زكريا الأنصاري رحمه الله ت: 926 هـ: تام: إن جعل +ما" التي بعدها نافية، فإن جعلت مصدرية، أي: يختار اختيارهم (1).
قال الأشموني رحمه الله 111 هـ: +ويختار" تام: على أنَّ ما التي بعده نافية لنفي اختيار اختِيار الخلق لا اختيار الحق أي ليس لهم أن يختاروا بل الخيرة لله تعالى في أفعاله وهو أعلم بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه.
قال أبو الحسن الشاذلي: فِرَّ من مختاراتك كلها إلى الله تعالى فإنَّ من اختار شيأً لا يدري أيصل إليه أم لا وإذا وصل إليه فلا يدري أيدوم له ذلك أم لا وإذا دام إلى آخر عمره فلا يدري أفيه خير أم لا فالخيرة فيما اختاره الله تعالى.
والوقف على +ويختار" وهو مذهب أهل السنة، وترك الوقف عليه مذهب المعتزلة، والطبري من أهل السنة منع أن تكون +ما" نافية قال: لئلا يكون المعنى أنَّه لم تكن لهم الخبرة فيما مضى وهي لهم فيما يستقبل وهذا الذي قاله ابن جرير مروي عن ابن عباس، وليس بوقف إن جعلت +ما" موصولة في محل نصب والعائد محذوف أي ما كان لهم الخيرة فيه ويكون +يختار" عاملاً فيها وكذا إن جعلت مصدرية أي يختار اختيارهم(2).
(1) انظر: المقصد، 587
(2) انظر: الأشموني: 587
الراجح في المسألة:
الراجح الرأي الأول: وهو أن تكون ( ما ) نافية، وهو قول جمهور المفسرين والقراء، واختيار عموم المصاحف حيث أشارت بالرمز ( قلي).
أي: ليس هذا الاختيار إليهم، بل إلى الخالق وحده، فكما أنه سبحانه المنفرد بالخلق، فهو المنفرد بالاختيار

فلا شك أنه ليس لأحد أن يخلق، ولا أن يختار سوى الله لأنه المتفرد بذلك لا يشاركه في ذلك أحد من الخلق.
قال المهدوي: وهو أشبه بمذهب أهل السنة و+مَا" من قوله: +مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ" نفي عام لجميع الأشياء أن يكون للعبد فيها شيء سوى اكتسابه بقدرة الله اهـ )) (1).
وقال الإمام ابن كثير: يخبر تعالى أنه المنفرد بالخلق والاختيار، وأنه ليس له في ذلك منازع ولا معقب فقال: +وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ" أي: ما يشاء، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فالأمور كلها خيرها وشرها بيده، ومرجعها إليه.
وقوله: +مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ" نفي على أصح القولين، كقوله تعالى: +وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ" [ الأحزاب: 36 ].
واختار ابن جرير أن مَا هاهنا بمعنى: (الذي)، تقديره: ويختار الذي لهم فيه خيرة. وقد احتج بهذا المسلك طائفة المعتزلة على وجوب مراعاة الأصلح، والصحيح أنها نافية، كما نقله ابن أبي حاتم، عن ابن عباس وغيره أيضا، فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار، وأنه لا نظير له في ذلك؛ ولهذا قال: +سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ" أي: من الأصنام والأنداد، التي لا تخلق ولا تختار شيئًا )) اهـ (2).
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي/13/305.
(2) تفسير القرآن العظيم: 6/ 251.
قال القرطبي: (( قال علي بن سليمان: هذا وقف التمام ولا يجوز أن تكون +مَا" في موضع نصب بـ +يَخْتَارُ" لأنها لو كانت في موضع نصب لم يعد عليها شيء، قال وفي هذا رد على القدرية )) اهـ (1).
قال الشوكاني: (( قال الزجاج: الوقف على +ويختار" تام على أن ما نافية، قال: ويجوز أن تكون ما في موضع نصب بيختار.
والمعنى: ويختار الذي كان لهم فيه الخيرة، والصحيح الأول لإجماعهم على الوقف.
وقال ابن جرير: إن تقدير الآية ويختار لولايته الخيرة من خلقه، وهذا في غاية من الضعف.
وجوز ابن عطية أن تكون كان تامة ويكون لهم الخيرة جملة مستأنفة وهذا أيضا بعيد جدا.
وقيل إن ما مصدرية: أي يختار اختيارهم والمصدر واقع موقع المفعول به: أي ويختار مختارهم وهذا كالتفسير لكلام ابن جرير.
والراجح أول هذه التفاسير)) اهـ (2)
رموز المصاحف:
أشارت عموم المصاحف، كالشمرلي (مصر)، والمدينة، ودمشق ( قلى) والباكستاني (ط) إشارة إلى ألولوية الوقف مع جواز الوصل، وهو ما يؤيد الرأي الأول.
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي/13/305.
(2) فتح القدير: 4 / 260

كلام نفيس للإمام ابن القيم
قال ابن القيم بعد أن ذكر رأي العلماء في الآية: وأصحُّ القولين أن الوقف التام على قوله: +وَيَخْتارُ" ويكون +مَا كَانَ لَهُم الخِيَرَةُ" نفياً، أي: ليس هذا الاختيار إليهم، بل هو إلى الخالق وحده، فكما أنه المنفرد بالخلق، فهو المنفرد بالاختيار منه، فليس لأحد أن يخلق، ولا أن يختار سواه، فإنه سبحانه أعلم بمواقع اختياره، وَمَحَالِّ رضاه، وما يصلُح للاختيار مما لا يصلح له، وغيرُه لا يُشاركه في ذلك بوجه.
وذهب بعض من لا تحقيق عنده، ولا تحصيل إلى أن +مَا" في قوله تعالى: +مَا كَانَ لهُمُ الخِيَرَةُ" موصولة، وهي مفعول +وَيَخْتارُ" أي: ويختار الذي لهم الخيرة، وهذا باطل من. وجوه.
أحدُها: أن الصلة حينئذٍ تخلو من العائد، لأن +الخِيرةَ" مرفوع بأنه اسم +كَانَ" والخبر +لهُمُ"، فيصير المعنى: ويختار الأمر الذي كان الخيرةُ لهم، وهذا التركيبُ محال من القول. فإنْ قيل: يمكن تصحيحُه بأن يكون العائد محذوفاً، ويكون التقدير: ويختار الذي كان لهم الخِيرةُ فيه، أي: ويختار الأمرَ الذي كان لهم الخِيرةُ في اختياره.
قيل: هذا يفسُد من وجه آخر، وهو أن هذا ليس من المواضع التي يجوز فيها حذف العائد، فإنه إنما يحذف مجروراً إذا جُرَّ بحرف جُرَّ الموصولُ بمثله مع اتحاد المعنى، نحوُ قوله تعالى: +يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ" [المؤمنون: 33]، ونظائره، ولا يجوز أن يقال: جاءني الذي مررتُ، ورأيت الذي رغبتُ، ونحوه.
الثّاني: أنه لو أُريد هذا المعنى لنصب: +الخِيرةَ" وشُغِلَ فعل الصلة بضمير يعود على الموصول، فكأنه يقول: ويختارُ ما كان لهم الخيرة، أي: الذي كان هو عينَ الخيرة لهم، وهذا لم يقرأْ به أحد البتَّة، مع أنه كان وجه الكلام على هذا التقدير.
الثّالث: أن الله سبحانه يَحكي عن الكفار اقتراحَهم في الاختيار، وإرادتهم أن تكون الخيرةُ لهم، ثم ينفي هذا سبحانه عنهم، ويبين تفرُّدَه هو بالاختيار، كما قال تعالى: +وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىَ رَجُلٍ مّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لّيَتّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبّكَ خَيْرٌ مّمّا يَجْمَعُونَ" [الزخرف: 31- 32].
فأنكر عليهم سبحانَه تخيُّرَهم عليه، وأخبر أن ذلك ليس إليهم، بل إلى الذي قَسَمَ بينهم معايشَهم المتضمنةَ لأرزاقهم وَمُدَدِ آجالهم، وكذلك هو الذي يَقسِم فضله بين أهل الفضل على حسب علمه بمواقع الاختيار، ومن يصلُح له ممن لا يصلُح، وهو الذي رفع بعضهم فوق بعض درجات، وقسم بينهم معايشهم، ودرجات التفضيل، فهو القاسم ذلك وحده لا غيره.
وهكذا هذه الآية بيّن فيها انفراده بالخلق والاختيار، وأنه سبحانَه أعلمُ بمواقع اختياره اهـ(1).
(1) زاد المعاد في هدى خير العباد 1/39

من كتاب الأثر العقدي في الوقف والابتداء لـ جمال القرش
 
حمل كتب في الوقف والابتداء للشيخ / جمال القرش
الوقف الاختياري
http://up.tafsir.net/do.php?id=817
الوقف اللازم
http://up.tafsir.net/do.php?id=818
الوقف على كلا وبلى ونعم
http://up.tafsir.net/do.php?id=819
الاثر العقدي في الوقف والابتداء
http://up.tafsir.net/do.php?id=820
الوقف والابتداء من سورة مريم
http://up.tafsir.net/do.php?id=744
أضواء البيان في معرفة الوقف والابتداء
http://up.tafsir.net/do.php?id=821

الوقف والابتداء من جزء عم
http://vb.tafsir.net/tafsir34958/#.VpTNTLYrJko
مختارات من كتاب مسك الختام في معرفة الوقف والابتداء
http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=12444
سلسلة من اللقاءات الصوتية في الوقف والابتداء
http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=12612






 
عودة
أعلى