أبو عبد الرحمن المدني
New member
- إنضم
- 19/07/2003
- المشاركات
- 268
- مستوى التفاعل
- 1
- النقاط
- 18
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم[/align]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
فقد أشار علي الشيخ الكريم د. عبد الرحمن الشهري حينما تم الإعلان عن صدور كتاب الإتقان(1) عن مجمع الملك فهد أن أعرض تعريفا موجزا بالكتاب ومنهج التحقيق...
وها أنذا أضع بين يديك أخي الكريم هذا العرض الموجز الذي حاولت فيه الاختصار قدر الاستطاعة, وأعتذر عن التأخير في إجابة هذا الطلب, وأحببت أن أجعله في موضوع مستقل ليعم النفع...
[align=center]
[/align]
أولا: التعريف بكتاب الإتقان.
تاريخ تأليف الإتقان:
تعجب السيوطي في زمان طلبه للعلم من أن المتقدمين لم يؤلفوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما صنعوا بالنسبة لعلوم الحديث.
وبعد اطلاعه على كتاب: (التيسير في قواعد علم التفسير) للكافيجي , وكتاب: (مواقع العلوم من مواقع النجوم ) للبلقيني دعاه ذلك إلى تصنيف كتابه: ( التحبير في علم التفسير ), ثم خطر له أن يؤلف كتابا أو سع منه في علوم القرآن يسلك فيه منهج الاستقصاء, وبقي هذا الخاطر حبيس خلده حتى سمع بكتاب البرهان للزركشي, فوقف عليه وسُر به , وقطع عليه تردده في التأليف, وقوي عزمه على إنشاء ما كان يطمح إليه, فألف كتابه (الإتقان) سنة (878 هـ ) وعمره (29) عاما.
القيمة العلمية للإتقان:
وتتضح هذه القيمة من خلال ما يلي:
1. زيادات السيوطي في علوم القرآن, وهي كما يلي:
ما لم يسبق إليه وهي: (الأرضي والسمائي, مانزل من القرآن على لسان بعض الصحابة, ما أنزل منه على بعض الأنبياء, ومالم ينزل منه على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
إضافات السيوطي الجديدة إلى ما في البرهان: وهي الصيفي والشتائي, والفراشي والنومي, وما نزل مفرقا وما نزل جمعا, ومعرفة العالي والنازل من أسانيده, وعرفة المشهور والآحاد والموضوع والمدرج, وفي الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب, وفيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى.
علوم القرآن التي أصلُها في البرهان, وهي تعتبر إضافات تفريعية إلى الأنواع التي ذكرها الزركشي في البرهان, مثل: الحضر والسفري, والنهاري والليلي.
إضافات مسائل جديدة في بعض المباحث التي ذكرها الزركشي, وتعتبر هذه المسائل إضافات مهمة في المباحث التي ذكرت فيها وجملتها (150) مسألة.
2. وقفاته التقويمية: ظهر للسيوطي وقفات تقويمية أثناء عرضه لبعض القضايا والمسائل, ومن ذلك: إحكامه الضابط في سبب النزول, وما خرج بهذا الضابط من أسباب, إلى غير ذلك من المسائل.
3. اختياراته: عرف عن السيوطي في كتبه الولع بجمع الأقوال, وبالنسبة لاختياراته فقد نحت منحيين:
الأول: ما أبدى فيه رأيه في ثنايا الإتقان, كقضية الموحى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, والمعرّب.
الثاني: ما أبدى فيه رأيه في غير الإتقان, مثل معنى نزول القرآن على سبعة أحرف, فقد أبدى رأيه في شرحه لسنن النسائي.
4. قيمة مصادر الإتقان:
بلغت مصادر الإتقان (50) مصدرا على وجه الإجمال وشملت أحد عشر علما:
في التفسير وعلوم القرآن والعقيدة, والفقه والأصول والسيرة, والزهد والسلوك, واللغة والتراجم العامة والخاصة, والفنون العامة.
وقد نقل من بعض الكتب التي بخط مؤلفيها كجمال القراء للسخاوي, ومختصر المستدرك للذهبي.
وتتضح القيمة العلمية لهذه المصادر في جوانب عدة, منها:
- حفظ نصوص كثيرة من كتب مفقودة للفريابي.
- إمكانية أخذ تصور عن بعض الكتب المفقودة, فقد نقل عن كتاب المصاحف لابن أشتة (42) نصا.
- إضافة نصوص ناقصة إلى كتب مطبوعة, فقد نقل السيوطي مثلا أربعة أقوال للشافعي في قوله (وأحل الله البيع..) والذي في تفسير الماوردي إنما هي ثلاثة أقوال فقط مع نقص في الثالث.
مميزات كتاب الإتقان:
1. إجادته في بعض أنواع علوم القرآن, كعامه وخاصه, وطبقات المفسرين.
2. اهتمامه بالمسائل الكبار, والإعراض في الغالب عن الأمور التي لا يُرى طائل تحتها.
3. انتقاده لبعض الأقوال التي حكاها في كتابه, بسبب ضعف القول أو لأنه لا مستند له, أو لقصور في القول.
4. صدّر كثيرا من المباحث بأهم المصنفات في النوع المندرج تحته.
5. يسّر السيوطي بما جمعه سبل البحث والدراسة, كونه جمع مادة علمية يصعب على الكثير الاطلاع عليها في مظانها.
6. يعد الإتقان من أمات الكتب المعتمد عليها في الدراسات القرآنية.
7. استطاع السيوطي في كثير من أنواع علوم القرآن تلخيص كلام أهل العلم بعبارة سهلة واضحة.
منهج السيوطي في تأليف الإتقان:
- اتسم منهج السيوطي بظاهرة التلخيص والاختصار في معظم مباحثه, ويؤكد هذه الظاهرة حبه لاستيعاب الأقوال في تأليفه, ولكونه جعل الإتقان مقدمة لتفسيره الكبير (مجمع البحرين) فلم يتأنق في تحبيره كما فعل في غيره من الكتب.
- ويقابل هذه الظاهرة أسلوب النقل المجرد, كصنيعه في نوع إعجاز القرآن فقد سرد فيه (17) قولا دون تعليق, ومع ذلك فقد ظهرت مواقف تدل على ترويه وتأنيه.
- ويلحظ على السيوطي كثرة تكرار المباحث المتشابهة في مؤلفاته المتعددة – وهي صفة عند الكثرين – فقد كرر مباحث من الإتقان في (معترك الأقران).
- ومن منهجه أنه يضيف إلى الإتقان ما ظهر له لاحقا أو توصل إليه من معلومات لم يكن أضافها سابقا.
- ومن منهجه مراعاة التناسب في ارتباط بعض الأنواع ببعض.
- وقد يظهر من منهج السيوطي (أحينا) ترك وفاء المسألة حقها.
- ومن منهجه أنه يسوق كلام بعض المصنفين بأسانيدهم, ويذكر أقوال غير الشافعية في المسائل التكليفية التي ينبني عليها عمل.
- استشهاده ببعض الأبيات الشعرية التي فيها شاهد لقوله.
- عزو الأحاديث والآثار التي ينقلها – غالبا – من مجاميع السنة والأجزاء الحديثية.
- ومن منهجه أنه يوافق الزركشي في ذكر مسألة بعينها لكنه يخالفه في المصدر الذي نقل منه فقد ينقل الزركشي مسألة من كتاب الداني, ثم يذكر السيوطي نفس المسألة لكنه ينقلها من المصاحف لبن أبي داود.
- أحيانا ينقل من البرهان دون ذكر اسم الكتاب أو مؤلفه ويكتفي بعبارة: (قال بعضهم) أو (وقال آخرون) وقد ورد ذلك في (60) موضعا, وقد صرح باسم الزركشي أو بكتابه في (43) موضعا.
- أحيانا ينقل عن الزركشي في موضع بلا تصريح ثم ينقل عنه كلاما في نفس الموضوع بذكر اسمه, فقد نقل عنه في تعريف التفسير بذكر عبارة (قال بعضهم) ثم نقل بعد ذلك تعريفا آخر للتفسير ذكره الزركشي في مقدمة البرهان وصرح باسمه.
- ومن الكتب التي نقل منها الزركشي نصوصا: (المرشد الوجيز, النشر, عروس الأفراح لبهاء الدين السبكي, البرهان, مغني اللبيب, فتح الباري), ومعظم ما ينقله بالمعنى, فإذا نقله بنصه عقبه بقول: (انتهى), وحين ينقل بالمعنى فقد يقع بتر في عبارته تغير المعنى المراد.
أثر الإتقان في المؤلفات بعده:
يعد تاب الإتقان أوسع مصنف في علوم القرآن, وقد اعتنى به العلماء لعدة أسباب:
1. سعة مباحثه وكثرة أنواع علوم القرآن فيه.
2. شهرة مؤلفه.
3. تأخر طباعة كتابة البرهان بعد طباعة الإتقان بمائة وستة أعوام, ولم يقتصر تأثير الإتقان في مصنفات أهل العلم في إقليم من الأقاليم بل انتشر في كثير منها.
ومن الكتب التي اتضح فيها أثر كتاب الإتقان:
1. الزيادة والإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة المكي المتوفى (1150هـ) وقد اعتمد في معظم جمعه لأنواع علوم القرآن على كتاب الإتقان.
2. مفتاح السعادة ومصباح السيادة لأحمد بن مصطفى المشهور بـ (طاش كبري زاده) ت (968هـ) وهو من الكتب التي عنيت بتعريف العلوم, فلما تكلم عن فروع علوم التفسير لخص الإتقان تلخيصا موجزا وسرد أنواع علوم القرآن التي سماها السيوطي.
3. التبيان لبعض مباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقانللشيخ طاهر الجزائري ت (1338هـ) فهو يعد مختصرا للإتقان.
المآخذ على الإتقان.
1. حيدته في عدد من المسائل عن اعتقاد السلف الصالح.
2. إيراده عددا من الروايات الواهية والآثار التي لا تصح.
3. توسعه في إيراد بعض الإسرائيليات وبخاصة في مبحث المبهمات.
4. يلحظ على السيوطي رحمه الله التناقض في بعض المسائل التي يبحثها.
5. إيراده بعض الأمور الخاطئة والمنقوضة شرعا.
6. ترك ترتيب بعض الأبواب ترتيبا منسقا متناسبا.
7. ترك الترجيح في بعض المسائل.
8. ترك إيراد تهعاريف بعض أنواع علوم القرآن التي عقدها في كتابه.
9. إيراده أقوالا مردودة في التفسير وعلوم القرآن.
10. إيراده معلومات عديدة دون عزوها لأصحابها.
11. وقعت له أوهام في بعض المسائل.
طبعات الإتقان
1. طبعة المطبعة المعمدانية بالهند (10) مجلدات سنة (1271)هـ.
2. القاهرة: طبعة عثمان عبد الرزاق سنة (1279 هـ).
3. القاهرة المطبعة الموسوية سنة (1278هـ).
4. المطبعة الميمنية في القاهرة سنة (1317هـ)
5. المطبعة الأزهرية بالقاهرة سنة (1317هـ)
6. طبعة مكتبة محمود توفيق بالقاهرة سنة (1360 هـ).
7. طبعة المكتبة التجارية الكبرى بمطبعة حجازي بالقاهرة عام ( 1368هـ)
8. طبعة مصطفى البابي الحلبي عام ( 1370هـ )
9. طبعة مكتبة المشهد الحسيني بالقاهرة عام (1387 هـ).
10. طبعة دار إحياء العلوم ببيروت ومكتبة المعارف بالرياض عام (1407هـ ) ت: محمد شريف سكر ومصطفى القصاص.
11. طبعة دار ابن كثير بدمشق عام (1407هـ) ت: مصطفى ديب البغا.
12. طبعة دار الكتاب العربي تحقيق فواز زمرلي عام ( 1419هـ)
]ثانيا: منهج التحقيق
المخطوطات التي تم الاعتماد عليها وكيفية التعامل معها:
تم الاعتماد على (11) نسخة خطية وهي:
1. نسخة (أ) الأصل: وهي نسخة نفيسة تحتفظ بها المكتبة الآصفية بحيدر آباد بالهند برقم (163) وعدد صفحاتها (472) وعدد الأسطر في كل صفحة (29) سطرا.
2. نسخة المحمودية (م) وهي في المكتبة المحمودية, من المكتبات الوقفية التي تحتفظ بها مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة ورقمها (86) محمد بن علي الأزهري ويعود تاريخ نسخها إلى سنة (892هـ) وعدد أوراقها (2260) وعدد الأسطر (29) سطرا.
3. نسخة السليمانية (س) تحتفظ بها مكتبة داماد إبراهيم باشا الملحقة بالمكتبة السليمانية في استانبول وهي برقم (14) وتاريخ نسخها (883هـ) وعدد أوراقها (330) وعدد الأسطر (22).
4. نسخة مكتبة عارف حكمت (ع) الملحقة بمكتبة الملك عبد العزيز برقم (94) وتاريخ نسخها (983هـ) وعدد أوراقها (284) وعدد الأسطر (27).
5. نسخة الحرم المكي (ح) عدد أوراقها (278) برقم (447) وهي نسخة قيمة.
6. نسخة برنستون (ب) في مكتبة جاريت يهودا في جامعة برنستون الأمريكية وهي برقم (1232) وتاريخ نسخها (878هـ)
7. نسخة جامعة الملك سعود بالرياض (ر) برقم (2751) تاريخها (1021) وعدد أوراقها (368)
8. نسخة وزارة الأوقاف الكويتية (ك) برقم (411خ) وتاريخها (1177هـ) وعدد أوراقها 284) وعدد الأسطر (33).
9. نسخة مكتبة الحرم المكي الثانية وهي برقم (448)
10. نسخة عاف حكمت الثانية برقم (95)
11. نسخة مكتبة الأزهر الشريف (ز) وهذه النسخ الثلاث لم تتم الإفادة منها لكثرة ما فيها من الخروم والتصحيفات والأخطاء.
وقد عدوا نسخة (أ) أما وأثبتوا في الحاشية الاختلافات المهمة التي وقفوا عليها.
وقد تم الانتخاب من النسخ لكون النسخ كثيرة وإثبات جميع الاختلافات يجعل حجم الكتاب كبيرا.
الحرص على إثبات أي وجه محتمل من الاختلافات بين النسخ.
تفضيل ما في النسخ الأخرى أحيانا على نسخة الأم , خصوصا إذا كان الاختلاف يتفق مع المراجع العلمية التي استفاد منها السيوطي.
إذا أجمعت كل النسخ على لفظة ورأى مركز التحقيق أن غيرها أصوب منها أبقوا على ما في النسخ وأثبتوا ما يرونه في الحاشية مع التدليل على صحة ما ذهبوا إليه.
أما في مجال خدمة النص فقد اتخذوا منهجا وسطا بين التطويل الإيجاز حسب ما يلي:
1. التعريف بمظان كل نوع من الأنواع التي بنى عليها السيوطي إتقانه من كتب علوم القرآن التي سبقته.
2. عزو الآيات الواردة في الإتقان في متن النص, وإذا أورد السيوطي اسم السورة تذكر رقم الآية فقط.
3. توثيق القرءات المتواترة والشاذة التي وردت في النص مع بيان من قرأ بها.
4. تخريج الأحاديث والآثار والمقاطيع تخريجا علميا وفق الأصول المتبعة عند أهل الفن وقد بلغ مجموعها (1790).
5. بذْل الجهد في ضبط النص لا سيما مشكله وأواخر كلماته.
6. الحرص على تيسير فهم النص وإدراك مراميه بشرح الألفاظ الغريبة, وبيان مقاصده, وإعادة الضمير إلى ماهو له, وتفسير الغامض من جمله وأساليبه ومختصراته.
7. توثيق النقولات التي نقلها السيوطي في كتابه والتصريح باسم الكتاب الذي نقل منه إن لم يذكره, وإن لم يذكر اسم العلم يرجعون النصوص إلى أصحابها إن تيسر ذلك.
8. التعريف الموجز بالأعلام ببيان اسمه واسم أبيه وكنيته ولقبه وشهرة العلم الذي برز فيه وتاريخ وفاته وأهم مصنفاته, والاعتناء بضبط ذلك وقد بلغ عدد الأعلام المترجم لهم أكثر من (1000) علم.
9. التعريف بكل كتاب مما لم يتم التوثيق منه من الكتب التي ورد ذكرها في الإتقان في أول موضع وقد بلغ عدد هذه الكتب قرابة (300) كتاب.
10. التعريف بما يحتاج إلى تعريف من الأماكن والبقاع والقبائل التي وردت في النص.
11. الاجتهاد في تحرير النصوص الفقهية ومسائل أصول الفقه وتوثيقها من أمات المصادر العلمية.
12. تخريج المسائل النحوية والبلاغية وتقويم ما أورده السيوطي من خلال إقامة وزنها وضبطها وتكملة البيت أن أورده ناقصا وتعيين اسم قائله إن اهتدينا إليه ووثقناه من ديوان صاحبه إن كان له ديوان.
13. كتابة النص المحقق وفق السم الإملائي الحديث مع إثبات علامات الترقيم.
14. صناعة الفهارس العلمية والفنية.
والله ولي التوفيق
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــ
(1) صدور كتاب (الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
فقد أشار علي الشيخ الكريم د. عبد الرحمن الشهري حينما تم الإعلان عن صدور كتاب الإتقان(1) عن مجمع الملك فهد أن أعرض تعريفا موجزا بالكتاب ومنهج التحقيق...
وها أنذا أضع بين يديك أخي الكريم هذا العرض الموجز الذي حاولت فيه الاختصار قدر الاستطاعة, وأعتذر عن التأخير في إجابة هذا الطلب, وأحببت أن أجعله في موضوع مستقل ليعم النفع...
[align=center]
أولا: التعريف بكتاب الإتقان.
تاريخ تأليف الإتقان:
تعجب السيوطي في زمان طلبه للعلم من أن المتقدمين لم يؤلفوا كتابا في أنواع علوم القرآن كما صنعوا بالنسبة لعلوم الحديث.
وبعد اطلاعه على كتاب: (التيسير في قواعد علم التفسير) للكافيجي , وكتاب: (مواقع العلوم من مواقع النجوم ) للبلقيني دعاه ذلك إلى تصنيف كتابه: ( التحبير في علم التفسير ), ثم خطر له أن يؤلف كتابا أو سع منه في علوم القرآن يسلك فيه منهج الاستقصاء, وبقي هذا الخاطر حبيس خلده حتى سمع بكتاب البرهان للزركشي, فوقف عليه وسُر به , وقطع عليه تردده في التأليف, وقوي عزمه على إنشاء ما كان يطمح إليه, فألف كتابه (الإتقان) سنة (878 هـ ) وعمره (29) عاما.
القيمة العلمية للإتقان:
وتتضح هذه القيمة من خلال ما يلي:
1. زيادات السيوطي في علوم القرآن, وهي كما يلي:
ما لم يسبق إليه وهي: (الأرضي والسمائي, مانزل من القرآن على لسان بعض الصحابة, ما أنزل منه على بعض الأنبياء, ومالم ينزل منه على أحد قبل النبي صلى الله عليه وسلم.
إضافات السيوطي الجديدة إلى ما في البرهان: وهي الصيفي والشتائي, والفراشي والنومي, وما نزل مفرقا وما نزل جمعا, ومعرفة العالي والنازل من أسانيده, وعرفة المشهور والآحاد والموضوع والمدرج, وفي الإدغام والإظهار والإخفاء والإقلاب, وفيما وقع في القرآن من الأسماء والكنى.
علوم القرآن التي أصلُها في البرهان, وهي تعتبر إضافات تفريعية إلى الأنواع التي ذكرها الزركشي في البرهان, مثل: الحضر والسفري, والنهاري والليلي.
إضافات مسائل جديدة في بعض المباحث التي ذكرها الزركشي, وتعتبر هذه المسائل إضافات مهمة في المباحث التي ذكرت فيها وجملتها (150) مسألة.
2. وقفاته التقويمية: ظهر للسيوطي وقفات تقويمية أثناء عرضه لبعض القضايا والمسائل, ومن ذلك: إحكامه الضابط في سبب النزول, وما خرج بهذا الضابط من أسباب, إلى غير ذلك من المسائل.
3. اختياراته: عرف عن السيوطي في كتبه الولع بجمع الأقوال, وبالنسبة لاختياراته فقد نحت منحيين:
الأول: ما أبدى فيه رأيه في ثنايا الإتقان, كقضية الموحى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, والمعرّب.
الثاني: ما أبدى فيه رأيه في غير الإتقان, مثل معنى نزول القرآن على سبعة أحرف, فقد أبدى رأيه في شرحه لسنن النسائي.
4. قيمة مصادر الإتقان:
بلغت مصادر الإتقان (50) مصدرا على وجه الإجمال وشملت أحد عشر علما:
في التفسير وعلوم القرآن والعقيدة, والفقه والأصول والسيرة, والزهد والسلوك, واللغة والتراجم العامة والخاصة, والفنون العامة.
وقد نقل من بعض الكتب التي بخط مؤلفيها كجمال القراء للسخاوي, ومختصر المستدرك للذهبي.
وتتضح القيمة العلمية لهذه المصادر في جوانب عدة, منها:
- حفظ نصوص كثيرة من كتب مفقودة للفريابي.
- إمكانية أخذ تصور عن بعض الكتب المفقودة, فقد نقل عن كتاب المصاحف لابن أشتة (42) نصا.
- إضافة نصوص ناقصة إلى كتب مطبوعة, فقد نقل السيوطي مثلا أربعة أقوال للشافعي في قوله (وأحل الله البيع..) والذي في تفسير الماوردي إنما هي ثلاثة أقوال فقط مع نقص في الثالث.
مميزات كتاب الإتقان:
1. إجادته في بعض أنواع علوم القرآن, كعامه وخاصه, وطبقات المفسرين.
2. اهتمامه بالمسائل الكبار, والإعراض في الغالب عن الأمور التي لا يُرى طائل تحتها.
3. انتقاده لبعض الأقوال التي حكاها في كتابه, بسبب ضعف القول أو لأنه لا مستند له, أو لقصور في القول.
4. صدّر كثيرا من المباحث بأهم المصنفات في النوع المندرج تحته.
5. يسّر السيوطي بما جمعه سبل البحث والدراسة, كونه جمع مادة علمية يصعب على الكثير الاطلاع عليها في مظانها.
6. يعد الإتقان من أمات الكتب المعتمد عليها في الدراسات القرآنية.
7. استطاع السيوطي في كثير من أنواع علوم القرآن تلخيص كلام أهل العلم بعبارة سهلة واضحة.
منهج السيوطي في تأليف الإتقان:
- اتسم منهج السيوطي بظاهرة التلخيص والاختصار في معظم مباحثه, ويؤكد هذه الظاهرة حبه لاستيعاب الأقوال في تأليفه, ولكونه جعل الإتقان مقدمة لتفسيره الكبير (مجمع البحرين) فلم يتأنق في تحبيره كما فعل في غيره من الكتب.
- ويقابل هذه الظاهرة أسلوب النقل المجرد, كصنيعه في نوع إعجاز القرآن فقد سرد فيه (17) قولا دون تعليق, ومع ذلك فقد ظهرت مواقف تدل على ترويه وتأنيه.
- ويلحظ على السيوطي كثرة تكرار المباحث المتشابهة في مؤلفاته المتعددة – وهي صفة عند الكثرين – فقد كرر مباحث من الإتقان في (معترك الأقران).
- ومن منهجه أنه يضيف إلى الإتقان ما ظهر له لاحقا أو توصل إليه من معلومات لم يكن أضافها سابقا.
- ومن منهجه مراعاة التناسب في ارتباط بعض الأنواع ببعض.
- وقد يظهر من منهج السيوطي (أحينا) ترك وفاء المسألة حقها.
- ومن منهجه أنه يسوق كلام بعض المصنفين بأسانيدهم, ويذكر أقوال غير الشافعية في المسائل التكليفية التي ينبني عليها عمل.
- استشهاده ببعض الأبيات الشعرية التي فيها شاهد لقوله.
- عزو الأحاديث والآثار التي ينقلها – غالبا – من مجاميع السنة والأجزاء الحديثية.
- ومن منهجه أنه يوافق الزركشي في ذكر مسألة بعينها لكنه يخالفه في المصدر الذي نقل منه فقد ينقل الزركشي مسألة من كتاب الداني, ثم يذكر السيوطي نفس المسألة لكنه ينقلها من المصاحف لبن أبي داود.
- أحيانا ينقل من البرهان دون ذكر اسم الكتاب أو مؤلفه ويكتفي بعبارة: (قال بعضهم) أو (وقال آخرون) وقد ورد ذلك في (60) موضعا, وقد صرح باسم الزركشي أو بكتابه في (43) موضعا.
- أحيانا ينقل عن الزركشي في موضع بلا تصريح ثم ينقل عنه كلاما في نفس الموضوع بذكر اسمه, فقد نقل عنه في تعريف التفسير بذكر عبارة (قال بعضهم) ثم نقل بعد ذلك تعريفا آخر للتفسير ذكره الزركشي في مقدمة البرهان وصرح باسمه.
- ومن الكتب التي نقل منها الزركشي نصوصا: (المرشد الوجيز, النشر, عروس الأفراح لبهاء الدين السبكي, البرهان, مغني اللبيب, فتح الباري), ومعظم ما ينقله بالمعنى, فإذا نقله بنصه عقبه بقول: (انتهى), وحين ينقل بالمعنى فقد يقع بتر في عبارته تغير المعنى المراد.
أثر الإتقان في المؤلفات بعده:
يعد تاب الإتقان أوسع مصنف في علوم القرآن, وقد اعتنى به العلماء لعدة أسباب:
1. سعة مباحثه وكثرة أنواع علوم القرآن فيه.
2. شهرة مؤلفه.
3. تأخر طباعة كتابة البرهان بعد طباعة الإتقان بمائة وستة أعوام, ولم يقتصر تأثير الإتقان في مصنفات أهل العلم في إقليم من الأقاليم بل انتشر في كثير منها.
ومن الكتب التي اتضح فيها أثر كتاب الإتقان:
1. الزيادة والإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة المكي المتوفى (1150هـ) وقد اعتمد في معظم جمعه لأنواع علوم القرآن على كتاب الإتقان.
2. مفتاح السعادة ومصباح السيادة لأحمد بن مصطفى المشهور بـ (طاش كبري زاده) ت (968هـ) وهو من الكتب التي عنيت بتعريف العلوم, فلما تكلم عن فروع علوم التفسير لخص الإتقان تلخيصا موجزا وسرد أنواع علوم القرآن التي سماها السيوطي.
3. التبيان لبعض مباحث المتعلقة بالقرآن على طريق الإتقانللشيخ طاهر الجزائري ت (1338هـ) فهو يعد مختصرا للإتقان.
المآخذ على الإتقان.
1. حيدته في عدد من المسائل عن اعتقاد السلف الصالح.
2. إيراده عددا من الروايات الواهية والآثار التي لا تصح.
3. توسعه في إيراد بعض الإسرائيليات وبخاصة في مبحث المبهمات.
4. يلحظ على السيوطي رحمه الله التناقض في بعض المسائل التي يبحثها.
5. إيراده بعض الأمور الخاطئة والمنقوضة شرعا.
6. ترك ترتيب بعض الأبواب ترتيبا منسقا متناسبا.
7. ترك الترجيح في بعض المسائل.
8. ترك إيراد تهعاريف بعض أنواع علوم القرآن التي عقدها في كتابه.
9. إيراده أقوالا مردودة في التفسير وعلوم القرآن.
10. إيراده معلومات عديدة دون عزوها لأصحابها.
11. وقعت له أوهام في بعض المسائل.
طبعات الإتقان
1. طبعة المطبعة المعمدانية بالهند (10) مجلدات سنة (1271)هـ.
2. القاهرة: طبعة عثمان عبد الرزاق سنة (1279 هـ).
3. القاهرة المطبعة الموسوية سنة (1278هـ).
4. المطبعة الميمنية في القاهرة سنة (1317هـ)
5. المطبعة الأزهرية بالقاهرة سنة (1317هـ)
6. طبعة مكتبة محمود توفيق بالقاهرة سنة (1360 هـ).
7. طبعة المكتبة التجارية الكبرى بمطبعة حجازي بالقاهرة عام ( 1368هـ)
8. طبعة مصطفى البابي الحلبي عام ( 1370هـ )
9. طبعة مكتبة المشهد الحسيني بالقاهرة عام (1387 هـ).
10. طبعة دار إحياء العلوم ببيروت ومكتبة المعارف بالرياض عام (1407هـ ) ت: محمد شريف سكر ومصطفى القصاص.
11. طبعة دار ابن كثير بدمشق عام (1407هـ) ت: مصطفى ديب البغا.
12. طبعة دار الكتاب العربي تحقيق فواز زمرلي عام ( 1419هـ)
]ثانيا: منهج التحقيق
المخطوطات التي تم الاعتماد عليها وكيفية التعامل معها:
تم الاعتماد على (11) نسخة خطية وهي:
1. نسخة (أ) الأصل: وهي نسخة نفيسة تحتفظ بها المكتبة الآصفية بحيدر آباد بالهند برقم (163) وعدد صفحاتها (472) وعدد الأسطر في كل صفحة (29) سطرا.
2. نسخة المحمودية (م) وهي في المكتبة المحمودية, من المكتبات الوقفية التي تحتفظ بها مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة ورقمها (86) محمد بن علي الأزهري ويعود تاريخ نسخها إلى سنة (892هـ) وعدد أوراقها (2260) وعدد الأسطر (29) سطرا.
3. نسخة السليمانية (س) تحتفظ بها مكتبة داماد إبراهيم باشا الملحقة بالمكتبة السليمانية في استانبول وهي برقم (14) وتاريخ نسخها (883هـ) وعدد أوراقها (330) وعدد الأسطر (22).
4. نسخة مكتبة عارف حكمت (ع) الملحقة بمكتبة الملك عبد العزيز برقم (94) وتاريخ نسخها (983هـ) وعدد أوراقها (284) وعدد الأسطر (27).
5. نسخة الحرم المكي (ح) عدد أوراقها (278) برقم (447) وهي نسخة قيمة.
6. نسخة برنستون (ب) في مكتبة جاريت يهودا في جامعة برنستون الأمريكية وهي برقم (1232) وتاريخ نسخها (878هـ)
7. نسخة جامعة الملك سعود بالرياض (ر) برقم (2751) تاريخها (1021) وعدد أوراقها (368)
8. نسخة وزارة الأوقاف الكويتية (ك) برقم (411خ) وتاريخها (1177هـ) وعدد أوراقها 284) وعدد الأسطر (33).
9. نسخة مكتبة الحرم المكي الثانية وهي برقم (448)
10. نسخة عاف حكمت الثانية برقم (95)
11. نسخة مكتبة الأزهر الشريف (ز) وهذه النسخ الثلاث لم تتم الإفادة منها لكثرة ما فيها من الخروم والتصحيفات والأخطاء.
وقد عدوا نسخة (أ) أما وأثبتوا في الحاشية الاختلافات المهمة التي وقفوا عليها.
وقد تم الانتخاب من النسخ لكون النسخ كثيرة وإثبات جميع الاختلافات يجعل حجم الكتاب كبيرا.
الحرص على إثبات أي وجه محتمل من الاختلافات بين النسخ.
تفضيل ما في النسخ الأخرى أحيانا على نسخة الأم , خصوصا إذا كان الاختلاف يتفق مع المراجع العلمية التي استفاد منها السيوطي.
إذا أجمعت كل النسخ على لفظة ورأى مركز التحقيق أن غيرها أصوب منها أبقوا على ما في النسخ وأثبتوا ما يرونه في الحاشية مع التدليل على صحة ما ذهبوا إليه.
أما في مجال خدمة النص فقد اتخذوا منهجا وسطا بين التطويل الإيجاز حسب ما يلي:
1. التعريف بمظان كل نوع من الأنواع التي بنى عليها السيوطي إتقانه من كتب علوم القرآن التي سبقته.
2. عزو الآيات الواردة في الإتقان في متن النص, وإذا أورد السيوطي اسم السورة تذكر رقم الآية فقط.
3. توثيق القرءات المتواترة والشاذة التي وردت في النص مع بيان من قرأ بها.
4. تخريج الأحاديث والآثار والمقاطيع تخريجا علميا وفق الأصول المتبعة عند أهل الفن وقد بلغ مجموعها (1790).
5. بذْل الجهد في ضبط النص لا سيما مشكله وأواخر كلماته.
6. الحرص على تيسير فهم النص وإدراك مراميه بشرح الألفاظ الغريبة, وبيان مقاصده, وإعادة الضمير إلى ماهو له, وتفسير الغامض من جمله وأساليبه ومختصراته.
7. توثيق النقولات التي نقلها السيوطي في كتابه والتصريح باسم الكتاب الذي نقل منه إن لم يذكره, وإن لم يذكر اسم العلم يرجعون النصوص إلى أصحابها إن تيسر ذلك.
8. التعريف الموجز بالأعلام ببيان اسمه واسم أبيه وكنيته ولقبه وشهرة العلم الذي برز فيه وتاريخ وفاته وأهم مصنفاته, والاعتناء بضبط ذلك وقد بلغ عدد الأعلام المترجم لهم أكثر من (1000) علم.
9. التعريف بكل كتاب مما لم يتم التوثيق منه من الكتب التي ورد ذكرها في الإتقان في أول موضع وقد بلغ عدد هذه الكتب قرابة (300) كتاب.
10. التعريف بما يحتاج إلى تعريف من الأماكن والبقاع والقبائل التي وردت في النص.
11. الاجتهاد في تحرير النصوص الفقهية ومسائل أصول الفقه وتوثيقها من أمات المصادر العلمية.
12. تخريج المسائل النحوية والبلاغية وتقويم ما أورده السيوطي من خلال إقامة وزنها وضبطها وتكملة البيت أن أورده ناقصا وتعيين اسم قائله إن اهتدينا إليه ووثقناه من ديوان صاحبه إن كان له ديوان.
13. كتابة النص المحقق وفق السم الإملائي الحديث مع إثبات علامات الترقيم.
14. صناعة الفهارس العلمية والفنية.
والله ولي التوفيق
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــــــــــــــــــ
(1) صدور كتاب (الإتقان في علوم القرآن ) للسيوطي عن مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف .