ليسمَـح لي المشـايخُ الكـرامُ بالقول : ( إنَّ كتابَ زغلِ العلمِ زغلٌ ) كما قال ذلك بعضُ العلمـاء.
وهـذه العبارةُ التي استشكلَـها شيخنا الكريم جـاءت في سياقٍ أظنُّ من تأمَّـله كاملاً ربما يستدفعُ بالتأمل ورودَ الشبهة على ذهنه , إذ يقول رحمه الله:
" قل من يعتني اليوم بالتفسير بل يطالع المدرسون تفسير الفخر الرازي وفيه إشكالات وتشكيكات لا ينبغي سماعها فإنها تحير وتمرض وتردي ولا تشفي عليلا نسأل الله العافية وأقوال السلف في التفسير مليحة لكنها ثلاثة أقوال وأربعة أقوال فصاعدا فيضيع الحق بين ذلك فإن الحق لا يكون في جهتين وربما احتمل اللفظ معنيين "
فهُـوَ وصَفَ أقوالهم كُلَّـها بالمليحَـة , وهو وصْفُ استحسـانٍ لا يُـظَـنُّ معهُ إبطـالُ بعضِها أو إبطالها جميعاً والمُـساواةُ بعدئذ بين الحق والباطل في الاستحسـان.
وأذكرُ أنَّ هذا الإشكـال طُـرحَ على الشيخِ محمد الحسن ولد الددو حفظه الله , وقال كلاماً مَـفادُه:
إنه يريد بذلك تفسير المفسرينَ بجزءٍ من المعنى كما نبه عليه شيخُ الإسلام ابنُ تيمية في المقدمة , وأنَّ الحق الذي وصفهُ الذهبي بالضيـاع إنما هو طالبُ الحق , وكأنَّ الكلام التام هو : فيضيعُ طالبُ الحق بين ذلك إنْ هوَ لم يفهم تفسير السلف للمعنى بجزء منهُ ولم يجد معلماً يرشده لذلك , لكونه يرى قولاً صحيحاً عن زيد بن أسلمَ وآخرَ عن مجاهد وثالثاً عن عكرمةَ ورابعاً عن الطبري وهكذا , مع أنَّ الجميعَ إنما فسروا بجزءِ من المعنى .
وربما يؤيدُ كلامَ الشيخ الددو قول الذهبي رحمه الله:
" فإن الحق لا يكون في جهتين وربما احتمل اللفظ معنيين "
فهو هنا كأنهُ يبينُ سببَ ضياع الحق أو طالبِ الحق حينَ يرى عدةَ أقوال وتفاسيرَ كلها صحيحةٌ , ويظنُّ هذا التعدد تضاداً , مع أن المقرر أن لا يكون الحق في جهتين , وربما احتمل اللفظُ معنيين فتعددت الأقول بسبب هذا الاحتمال . والله أعلم.
مع أنَّ زغل العلم كما يظهر لمن طالعَـهُ يصعبُ - إن لم يستحلْ - الجزمُ بأنه للحافظ الذهبي رحمه الله تعالى.