بارك الله فيك أبا مالك..
وإنما يقال هذا لأن هذا الباب لو فتح لكان واردا على كل الألفاظ، وليس على الجموع فقط، وحينئذ نحتاج إلى تفسير كل لفظ، ولماذا دل على هذا المعنى دون ذاك، ولماذا استعمل للمعنى هذا اللفظ دون ذاك.
هو كذلك بالفعل يا أبا مالك ولكن ليس بهذا التجريد،وأوافقك على أن هذه بهذا التجريد ليست مجالاً للبحث،لكن لا أوافقك إن أردت الإطلاق وظننت أن للبحث في هذا جهة واحدة هي جهة المناسبات الطبيعية فحسب..
ذلك أن للبحث في ذلك جهة أخرى (فلا نطلب هذا الفرق في المعاني والألفاظ المجردة) وهي : المعنى الذي لأجله استعمل المتكلم هذا اللفظ بعينه لهذا المعنى بعينه وعدل عن ألفاظ مقاربة تستعمل في معان مقاربة ،فما فرق بين هذا اللفظ وما يقاربه وفرق بين هذا المعنى وما يقاربه والذي أدى لاختيار المتكلم وتفريقه بين الألفاظ وأن وراء هذا التفريق فرقاً في دلالة الألفاظ على المعاني في لسانهم يطلب هذا الفرق ،ولا يهتدي لهذا الباب إلا من طرح عن نفسه أساطير الوضع اللغوي.
وطلب هذا في كلام الله عز وجل من هذه الجهة هو من أجل أبواب العلم ورضا بعض الناس بالقعود عن هذا هو ما جعلهم يخلطون بين دلالات الألفاظ ويحسبون أن هذا اختير دون هذا هكذا من غير شيء،والقرآن ومن ورائه عربية العرب الذين خاطبهم القرآن بلغتهم إنما يختار صاحب البيان فيهم اللفظة دون اللفظة لمعنى : طلبه وتحقيقه هو عينه طلب وتحقيق موضع البيان في الكلام.
ولا شأن لهذا بمسألة دلالة الألفاظ على المعاني هل هي ذاتية أم لا(بل ذكر هذه هنا غريب عن سياق الأخت أصلاً إلا إن أرادت بالصيغة صورة الحروف الذاتية لا ما وراءها من الدلالة)؛لأننا لا نعلل البحث عن هذه العلل بأنه بحث عن المناسبة بين اللفظ والمعنى والتي جعلت اللفظ يوضع للمعنى(فسواء وضع اللفظ لمناسبة بينه وبين المعنى أم لا ).
وكانت لتورد المسألة المذكورة لو كان البحث هو في المناسبة التي جعلت هذا اللفظ المعين يوضع لهذا المعنى المعين،وهم يقصدون مناسبات راعاها الواضع في طبيعة اللفظ كأن توضح للحرب لفظة لحروفها خصائص تختلف عن خصائص لفظة السلم(مثلاً)،وهذا كما ترى ليس محل البحث ،بل سلمنا أن هذا اللفظ وضع لهذا المعنى لغير مناسبة،وانتقلنا لمسألة أخرى : وهي تعيين المعنى المعين الذي وضع له اللفظ المعين(لغير مناسبة) الآن : ما هي محددات وفروق ما بينه وبين ألفاظ تقاربه تستعمل بين أهل اللسان المعين في معان تقارب معناه فما هي الفروق الدلالية بينه وبين غيره ،وطريق ذلك هو النظر في سياقات كل لفظ ومعنى ودلالة اللفظ على هذا المعنى.
فالتعليل في المسألة المذكورة سينزع إلى خصائص في الحروف وفي اللفظ نفسه وطريقة نطقه ونحو ذلك ليربط بينها وبين المعنى.
والتعليل في محل بحثنا ينزع إلى طلب الخصائص والفروق الدلالية بين الألفاظ والمعاني لمعرفة سبب اختيار المتكلم للدلالة على معنى معين لفظ معين والسببية هنا لا ترجع لخصائص الألفاظ وطبائعها بل لفروق الدلالات وتفاوتها.
فقول اختنا مثلاً:
ومنه أيضًا ورود عباد في مقام التشريف (وعباد الرحمن) ، أما عبيد فعلى خلاف ذلك
هي هنا لا تبحث(إن كانت ترمي لما أرمي إليه كما أظن) عن سبب يتعلق بطبيعة اللفظ في نفسه وحروفه وأصواته وأن في (ع،ب،ا،د) خصائص طبيعية تفترق عن (ع،ب،ي،د) وإنما بحثها عن ما جعل المولى سبحانه يتكلم بهذا اللفظ(عباد) بإزاء التشريف دون لفظ(عبيد) وهل لهذا الاختصاص سبب دلالي (ومنه السياق).
ومثله البحث عن موارد استعمال لفظ (السنة) دون لفظ(العام) والعكس.
وموارد استعمال لفظ (النبي) دون لفظ (الرسول) والعكس.
ويدرك هذا بالاستقراء كما تفضلت،ونتيجته إما أن تكون كلية أو أغلبية،وكلاهما يكون قطعياً أو ظنياً.
وهذا كله كما ترى خارج عن مسألة المناسبات الطبيعية بين الألفاظ والمعاني.