ضرورة العناية بتصحيح أسانيد القراء

ضيف الله الشمراني

ملتقى القراءات والتجويد
إنضم
30 نوفمبر 2007
المشاركات
1,508
مستوى التفاعل
3
النقاط
36
الإقامة
المدينة المنورة
بسم1​
[align=justify]
يلاحظ المتخصص في علم القراءات = كثرة الأخطاء في أسانيد القراء المعاصرين، وتنقسم هذه الأخطاء إلى الآتي:
1. التصحيف، والتحريف في الأسماء.
2. عدم ضبط الأسماء المشكلة، أو ضبطها ضبطًا خاطئًا.
3. السقط في الإسناد، وذلك بحذف شيخ أو أكثر.
4. الإجمال في لفظ الإجازة فيقول مثلا: تلقّى بدل قرأ.
5. عدم بيان مقدار المقروء بدقّة.
6. عدم الدقة في ذكر الكتاب، أو الطريق المقروء بمضمّنه.
6. الكذب، وصوره كثيرة، منها:
- ادّعاء القراءة على شيخ لم تثبت قراءته عليه، وهذا قد يكون طلبًا لعلو الإسناد، أو لكونه لا يملك إجازة أصلًا.
- إجازة الطالب بأنه قرأ القرآن كاملاً، وهو لم يقرأ إلا بضع آيات.
- الإسناد عن شيخ قراءة بما رواه عنه إجازة.
7. عدم التفريق في الإسناد بين رواية المتون، والقراءة بمضمّنها، مع أن تلقّي المتن شيء، والقراءة بمضمّنه شيء آخر، فلا يلزم من حصول أحدهما حصول الآخر.
وقد حصل الخلل في أسانيد القراء؛ لانشغالهم بنقل وجوه الأداء، والتدقيق فيها حتى غلب ذلك عليهم، ومن ثَمَّ قال الإمام ابن الجزري: "وأكثر القراء لا علمَ لهم بالأسانيد"، وإذا كان ابن الجزري يحكي أحوال الأئمة الأقدمين، فما الظن بالمتأخرين الذين لا يبلغون شأوهم، ولا يرتفعون إلى مراتبهم؟!
وهذه دعوة لمزيد العناية بتصحيح الأسانيد، وتدقيقها، والعناية بها على أتم الوجوه وأكملها، والاستفادة من جهود المحدّثين في هذا الباب، سيرًا على طريقة الإمامين المحققين: الذهبي، وابن الجزري -رحمهما الله.
وقد اعتنى بعض المقرئين والباحثين في عصرنا بهذا الباب، لكن ما زالت الجهود فردية، ودون المستوى المأمول، وأرجو أن يكون فيما كتبتُ سراجًا للقارئ المبتدي، وتذكرة للمقرئ المنتهي، وأدعو المشايخ الكرام، والأساتيذ الفضلاء لإبداء ما لديهم حول هذا الموضوع المهمّ، والله ولي التوفيق.
[/align]​
 
جزاك الله خيرا شيخنا أن نبهت على هذا الباب
وهو من الأهمية بمكان ،
وقد قال الإمام ابن الجزري في منجد المقررئين :
" ولابُدَّ للْمُقْرِئِ مِنْ أَنَسَةٍ بِحَالِ الرِّجَالِ وَالأَسَانِيدِ ؛ مُؤْتَلِفِهَا وَمُخْتَلِفِهَا ،
وَجَرْحِهَا وَتَعْدَيلِهَا ، ومُتْقِنِهَا ومُغَفَّلِهَا ، وَهَذَا مِنْ أَهَمِّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ ،
وَقَدْ وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي أَسَانِيدِ كُتُبِهِمْ أَوْهَامٌ كَثِيرَةٌ ، وَغَلَطَاتٌ عَدِيدَةٌ ،
مِنْ إِسْقَاطِ رِجَالٍ ، وِتَسْمِيَةِ آخَرِينَ بِغَيْرِ أَسْمَائِهِمْ ، وَتَصَاحِيفَ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ "
وأفتتح بمحاضرة
لفضيلة الشيخ / مصطفى شعبان
رئيس فريق الشئون الفنية لتحقيق الأسانيد
بمركز الإمام ابن الجزري للحلقات والأسانيد القرآنية .
هنــــا

 
بسم1​
[align=justify]
يلاحظ المتخصص في علم القراءات = كثرة الأخطاء في أسانيد القراء المعاصرين، وتنقسم هذه الأخطاء إلى الآتي:
1. التصحيف، والتحريف في الأسماء.
2. عدم ضبط الأسماء المشكلة، أو ضبطها ضبطًا خاطئًا.
3. السقط في الإسناد، وذلك بحذف شيخ أو أكثر.
4. الإجمال في لفظ الإجازة فيقول مثلا: تلقّى بدل قرأ.
5. عدم بيان مقدار المقروء بدقّة.
6. عدم الدقة في ذكر الكتاب، أو الطريق المقروء بمضمّنه.
6. الكذب، وصوره كثيرة، منها:
- ادّعاء القراءة على شيخ لم تثبت قراءته عليه، وهذا قد يكون طلبًا لعلو الإسناد، أو لكونه لا يملك إجازة أصلًا.
- إجازة الطالب بأنه قرأ القرآن كاملاً، وهو لم يقرأ إلا بضع آيات.
- الإسناد عن شيخ قراءة بما رواه عنه إجازة.
7. عدم التفريق في الإسناد بين رواية المتون، والقراءة بمضمّنها، مع أن تلقّي المتن شيء، والقراءة بمضمّنه شيء آخر، فلا يلزم من حصول أحدهما حصول الآخر.
وقد حصل الخلل في أسانيد القراء؛ لانشغالهم بنقل وجوه الأداء، والتدقيق فيها حتى غلب ذلك عليهم، ومن ثَمَّ قال الإمام ابن الجزري: "وأكثر القراء لا علمَ لهم بالأسانيد"، وإذا كان ابن الجزري يحكي أحوال الأئمة الأقدمين، فما الظن بالمتأخرين الذين لا يبلغون شأوهم، ولا يرتفعون إلى مراتبهم؟!
وهذه دعوة لمزيد العناية بتصحيح الأسانيد، وتدقيقها، والعناية بها على أتم الوجوه وأكملها، والاستفادة من جهود المحدّثين في هذا الباب، سيرًا على طريقة الإمامين المحققين: الذهبي، وابن الجزري -رحمهما الله.
وقد اعتنى بعض المقرئين والباحثين في عصرنا بهذا الباب، لكن ما زالت الجهود فردية، ودون المستوى المأمول، وأرجو أن يكون فيما كتبتُ سراجًا للقارئ المبتدي، وتذكرة للمقرئ المنتهي، وأدعو المشايخ الكرام، والأساتيذ الفضلاء لإبداء ما لديهم حول هذا الموضوع المهمّ، والله ولي التوفيق.
[/align]​
شكر الله لكم وبارك الله فيكم
موضوع قيِّم قلَّ المعتنون بهذا الأمر في عصرنا هذا
وأحبُّ أن أضيف خطأ بارزاً في أسانيد المعاصرين، حتى كثير من الجهود الفردية التي خرجت للنَّاس لم تسلم منه
ألا وهو خلط إسناد طريق الشاطبية بطريق الطيبة، بمعنى: أنَّه يكون في الإسناد شخص بارز مشهور عليه مدار السند في بعض طبقاته، ومصادرنا دلَّت على أنه قرأ بالشاطبية والدرة مثلاً، تجد القراء يمرون به إسناد طريق الطيبة
والأمثلة على هذه كثيرة، وقلَّ من يتنبه لها من الباحثين المعاصرين
 
أرجو توضيح المقصود من هذه العبارة ، وجزاكم الله خيرا .
المعنى: أن يقول: قرأتُ على الشيخ فلان كذا وكذا، وهو لم يقرأ عليه شيئا، وإنما أجازه الشيخ من غير قراءة.
 
أما في زمان الإمام ابن الجزري وقبله ، فأهمية الأسانيد لا تخفى ، وضروريتها لا تنكر .
وأما في زماننا هذا : فهي لا تقدم ولا تؤخر من الأمر شيئاً ، بل أصبحت سبباً للرياء والسمعة ، والاحتيال على الجهلة وضعاف النفوس لأكل أموالهم بالباطل ، تحت شعار رنّان ، وهو في الحقيقة سمٌّ هالك ، ألا وهو : علو الإسناد !!!
والله المستعان .
 
الشكر لأخي الفاضل الأستاذ ضيف الله على طرقه هذا الموضوع المهم، والشكر موصول لكل المتدخلين الفضلاء، خصوصا شيخنا وحبيبنا الجكني القائل:
أما في زمان الإمام ابن الجزري وقبله ، فأهمية الأسانيد لا تخفى ، وضروريتها لا تنكر.
وقد كان للإمام ابن الجزري إسهام معتبر في هذا المجال، وأحيل الإخوة الكرام على رسالة حبيبنا الدكتور: أحمد الرويثي "تنبيهات الإمام ابن الجزري على أوهام القراء" فقد جعل الباب الأول في "تنبيهات الإمام ابن الجزري على الأوهام المتعلقة بالرواة" وجعله في فصلين:
الفصل الأول: الأوهام في أسماء الرواة وأنسابهم ووفياتهم.
الفصل الثاني: الأوهام في أسانيد الرواة.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدايةً نشكر أخانا الشيخ الدكتور ضيف الله - حفظه الله ووفَّقه– على هذا الطرح الـمُهمِّ، وهو حقيقٌ بنقاشٍ جادٍّ مستفيضٍ.
وهذه رؤيتي كنتُ قد كتبتها منذ أعوامٍ، في سياقٍ مختلفٍ بعض الشيءِ، وقد تكون مناسِبةً – ببعض التعديل والتنقيح - للطرح ها هنا، فما كان فيها من صوابٍ؛ فمن الله الكريم المنان عز وجل، وما كان من خطإٍ أو وهمٍ أو تقصيرٍ فحسبي أنَّي ما أردتُ إلا الإصلاح ما استطعتُ، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلتُ وإليه أنيب.
وبعد، فالحلُّ – في تقديري – يكمن في أن تضطلع إحدى المؤسسات العلمية بالمهامِّ التالية. [ولاحظ ضرورة العمل المؤسسي؛ لأنَّ الجهود الفردية المبعثرة لن تسمن ولن تغني من جوعٍ، مع شدة الحاجة، وعوز الفاقة].
1- تنقيح الأسانيد الموجودة:
فالناظر إلى الكثير من الأسانيد التي بين أيدي القراء يجد فيها من التضارب، والسقط في بعض الطبقات ما يجعلها غير متفقة مع بعضها من جهة، ومع ما هو موجود بكتب التراجم التي بين أيدينا - والتي تحدد مشايخ من تترجم له وأهم تلاميذه = من جهة أخرى. ولعل جمع أكبر قدر ممكن من أسانيد مشاهير القراء، وغير المشاهير يتيح لنا رسم الطبقات رسمًا دقيقًا محكمًا يُعيد تنسيق كثير مما بين أيدينا من الأسانيد.
2- تقييم الرجال ( تطبيق قواعد الجرح والتعديل ):
إنَّ أسانيد الـمُقرئين - اليوم - أحوج إلى تطبيق قواعد الجرح والتعديل من أسانيد الـمُحدِّثين، ولا يتعجبنَّ أحد من هذا الزعم، فإذا كان إسناد المحدث - في هذا الزمان ؛ مع طول السند وقلة الحفظ وتشعب الطرق = لا يخلو من مجهول أو ضعيف، فما الفائدة المباشرة من تحصيل أسانيد الحديث عاليها ونازلها في هذا الزمان إلا شرف اتصال السند بالمصطفى ؟
اسمع لهذا الكلام النفيس الذي ينقله النووي عن ابن الصلاح – رحمهما الله- يقول:
«قال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح : اعلم أن الرواية بالأسانيد المتصلة ليس المقصود منها في عصرنا، وكثير من الأعصار قبله؛ إثبات ما يُروى ؛ إذ لا يخلو إسنادٌ منها عن شيخ لا يدري ما يرويه ولا يضبط ما في كتابه ضبطًا يصلح لأن يعتمد عليه ثبوته، وإنما المقصود بها إبقاء سلسلة الإسناد التي خُصَّت بها هذه الأمة زادها الله كرامة» [مسلم بشرح النووي؛ المقدمة: 1/14].
نعم والله إنه لشرف لا يعادله إلا شرف الذَّبِّ عن الأحاديث المنسوبة للنبي ، وتمييز صحيحها من سقيمها، والغوص على المعاني الفريدة والدرر الخريدة والتمسك بها ظاهرًا وباطنًا، وإظهارها للناس عملاً وعلمًا، أما السعي في تحصيل هذه الأسانيد الآن ظنًّا بأنَّ كتابة الطرق - مهما تكاثرت وتواترت - قد تؤدي لتصحيح حديث استقر الحفاظ قديمًا وحديثًا على تضعيفه، أو الحطّ من رتبة حديث استقر الحفاظ على تصحيحه؛ فهذا ما لا يقول به عاقل. ويجب ألا يخلط أحد بين أهمية دراسة الأسانيد المدونة في كتب الحفاظ التي يعول عليها كدواوين للسنة مشهورها ومغمورها، وبين تحصيل الإسناد المتصل في هذا الزمان، فالأمر الأول هو عمل الحفاظ المحدثين اليوم، يساعدهم في هذا الانفتاحُ على وسائل العصر الحديث من برامج حاسوبية متطورة، تقوم بالبحث الدقيق والسريع، والفهرسة الشاملة للمتون وأسانيدها وطرقها، كذلك الاستفادة من كتب الأصول الكثيرة التي وصلتنا مخطوطاتها، وقام الباحثون بتحقيقها، والتي يساعد الإلمام بها في نقد الأحاديث سندًا ومتنًا، كل هذا وغيره مما يعرفه المختصون يجعل الحاجة إلى إعمال قواعد الجرح والتعديل على طلاب علم الحديث بأسانيده أقل من الحاجة إلى إعماله في أسانيد القراء اليوم.
وربما يقول قائل: إننا متفقون على الشق الأول من هذا الكلام، وهو أنَّ إعمال الكثير من قواعد الجرح والتعديل على نَقَلَةِ الحديث اليوم ليس تحته كبير فائدة، ولكن ما مدخلُ الحاجة الزائدة التي طرأت في أسانيد القراء فاحتيج معها إلى إعمال قواعد الجرح والتعديل؟ ولم لا يحتج عليك محتجٌّ بأن القرءان محفوظ بحفظ الله له، وأنَّ أسانيد القراء لا تخلو - كما هي الحال في أسانيد المحدثين = من المجهولين والضعفاء؟
أقول: نعم؛ بل إنَّ وجود ذلك في أسانيد القراء أكثر لقلة من يهتمُّ بذلك اتكالًا منهم على جلالة القرءان وحفظ الله له، ولأنَّ القرَّاء بطبعهم أقلُّ عناية بعلم الأسانيد، وهو ما ذكره إمام الفنِّ ابن الجزري رحمه الله. ولاحظْ قلة من ترجم للقراء بتصحيح وتضعيف، عكس كتب الرجال التي تطفح بآلاف بل عشرات الآلاف من المحدَّثين المترجم لهم.
إذًا؛ كل ما قلتموه صحيح، ولكن مَكمَنَ الفرق في أن المقصود الأول من تحصيل الأسانيد عند القراء ليس إثبات تواتر القرءان، فهذا ثابت ومستقرٌّ في بطون المصاحف، وكتب القراءات، وصدور الرجال بل والأطفال، بحيث يردُّك طفل إلى الصواب إذا أبدلت حرفًا بحرف أو أسقطت حرفًا = وإنما المقصود إجادة كيفيات الأداء وهيآته، وتحقيق مخارج الحروف وصفاتها، وهو ما لا يتحقق إلا بالمشافهة والتلقي عن شيخ متقن مجيد ذي رواية تعصمه من الابتداع، ودراية تعصمه من التحريف والنسيان. وقد انتبه العلماء - رحمهم الله – إلى ذلك، وها هو السيوطي  يُجلِّي ذلك؛ فيقول: «وأما القراءة على الشيخ فهي المستعملة سلفًا وخلفًا، وأما السماع من لفظ الشيخ فيحتمل أن يقال به هنا ، لأن الصحابة  إنما أخذوا القرءان من النبي  لكن لم يأخذ به أحد من القراء، والمنع فيه ظاهر؛ لأن المقصود هنا كيفية الأداء ، وليس كل من سمع من لفظ الشيخ يقدر على الأداء كهيئته، بخلاف الحديث، فإنَّ المقصود فيه معنى الحديث أو لفظه لا بالهيئات المعتبرة في أداء القرءان، وأما الصحابة فكانت فصاحتهم وطباعهم السليمة تقتضي قدرتهم على الأداء كما سمعوه من لفظ النبي  لأنه نزل بلغتهم»[الإتقان: ص136].
ولما كان السلف الصالح - وخصوصًا قرب عهد النبوة - أصحاب فصاحة، وأرباب بيان؛ فقد كانوا يُحقِّقُون القرءان على السليقة، حتى اختلط المجتمع الإسلامي بكثير من المسلمين الأعاجم القادمين من البلاد التي فتحها المسلمون لينهلوا الدين من منبعه، وقد أدى هذا الاختلاط إلى فساد ملكة اللغة والبيان بتتابع الأيام وتقادم الأزمان، حتى صرنا اليوم على ما نحن عليه من أخطاء ولحون تقشعر لها جلود الغيورين على هذا الدين.
ولا أعني بذلك الكثير من أئمة المساجد غير المؤهلين، ولا العوامَّ الذين لا يجيدون القراءة، وإنما أعني الاختلاف في الأداء حتى بين العلماء المختصين في القراءات والتجويد، وهو الأمر الذي يحاول البعض تمريره على أنه من الخلاف السائغ تارة، أو مما عمَّت به البلوى تارة أخرى. ويكفي للتأكيد على ذلك ذكر بعض الحروف التي وقع فيها إدائها خلاف مثل الضاد، والطاء، والقاف، والجيم، كذلك الخلاف في كيفية إخفاء الميم الساكنة قبل الباء، وكيفية أداء بعض حروف القلقلة، وكيفية إخفاء النون الساكنة قبل حروفها، وغير ذلك مما يعرفه المحققون. فلمَّا لم يكن في كلامِ العلماء ما يدلُّ على هذا الخلاف تعيَّن أن يكون بعض ما يُقرأ به القرآن من طريق الأسانيد الموجودة خطأً بيِّنًا، لا يهمُّنا الآن أن نُحدِّد: مَن الـمُصيبُ ومن الـمُخطئُ، ولكنَّ المهمَّ أن تقتنعَ بضرورة التعامل مع قدسيَّة التلقِّي والـمُشافهة بشيءٍ من الحذر.
وإذا قنعتَ بهذا؛ فمن حق القرءان علينا أن نتساءل: ما الذي أدَّى إلى ما وُصِفَ؟ والإجابة متفرعة ومتشعبة تشعُّب الأسباب التي بها تتطور أي لغة، فضلًا عن الأسباب الناتجة عن تهاون الكثير من المسلمين في أخذ القرءان على وجهه؛ عملًا بقول الله تعالى: ورتِّل القرءان ترتيلًا [المزمل:4]، غير أن السبب الأهم – في تقديري – راجع إلى مشايخ التجويد والمقرئين أنفسهم، إذ إن التساهل الـمُفرط في الشهادة بالأهلية ومنح الإجازات لغير المؤهلين لها - روايةً ودرايةً - أدَّى إلى تمرير هذه الأخطاء بصورة شرعية، فهو يتلقَّى على التساهل، فإن أقرأ أقرأ على تذوُّقه، فيطرأ الفساد، فإن تصدَّى عالمٌ لبيان هذا الفساد؛ رفع الكل شعار: (هكذا تلقيت، وهكذا قرأت على شيخي )!
أيضًا؛ فإن بعض الدارسين المنظِّرين في علم التجويد تحديدًا – والذي هو أجلُّ ملكات المقرئ ووسائله – لم ينفتحوا بالقدر اللائق بأمثالهم على نتائج الأبحاث والدراسات الحديثة التي تطورت في اتجاهين، يمثلان رافدين عظيمين كانا كفيلين بتجنُّبِ كثيرٍ مما ذكرنا، أما الرافد الأول: فهو تحقيق مئات - بل وربما آلاف - المؤلفات المخطوطة في علم التجويد ونشرها، والتي ألَّفها علماؤنا في وقت لم تشُبْ فيه اللغةَ أية شائبة، فضلًا عن كَوْنِ هؤلاء العلماء من الجامعين روايةً ودرايةً، يدعمهم قرب السند وصفاء الملكة. أما الرافد الثاني: فهو العلم الحديث الذي شهد تطورًا هائلًا في الأجهزة الحديثة المبتكرة لتصوير أعضاء آلة النطق وتحليل الأصوات تحليلًا طيفيًّا يجعل الكثير من ما كان علماؤنا يصفونه فيخمِّنون ويرجحون وتدقُّ عبارتهم تارة وتغمض تارة = هو اليوم من قبيل المسلَّمات والبديهيات التي أُرسيت ورسخت منذ بدايات القرن المنصرم.
من هنا كان لابد من هذه الصيحة التي تُؤصل لاجتهاد جماعي يستقطب الغيورين، ويلمُّ شتات السائرين؛ لعل الله  يُقيِّضُ له من يقوم به. إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ويمكن تحقيق هذا عمليًا من خلال وضع معايير الضبط والعدالة، ثم تطبيق هذه المعايير واستخدامها في تصنيف الطبقات الثلاثة الأخيرة - على الأقل - ما أمكن، والحكم على مشايخها بقواعد الجرح والتعديل، مع التركيز أكثر على الضبط، وعدم استخدام مقياس العدالة إلا فيمن وضح تجريحه، أو تلبس ببدعة متَّفق على منافاتها لمقصود القرءان الكريم ورسالته، وأخطرها على الإطلاق من ثبتَ عنه تلفيقٌ في الأسانيدِ أو تورُّطٌ في شراء الإجازات (المضروبة). ثمّ اعتماد مقياس الرواية والدراية كأساس للحكم بالضبط من عدمه، ولابدَّ أن يكون هناك مقدارٌ معيَّنٌ من الدرايةِ إن لم يتحقق للقارئ فلا يجازُ بالإقراء، بل يُجاز بالقراءةِ، وشتَّانَ ما بينهما. كذلك لابدَّ أن يُعتمد مفهومٌ جديد لعلوّ السند، ألا وهو الإجازة الموثَّقةُ من فريقٍ من العلماء المشهود لهم بالتبحُّر روايةً ودرايةً، بحيث يُمتحنُ طالب (الإسناد العالي) بمعناه الجديد؛ أمام لجنة مكوَّنة من سبعة مشايخ على الأقلّ ممَّن وصفنا، ولا يُمنح الطالبُ شهادة السند العالي إلا بعد أن تجتمع كلمتهم على أهليته روايةً ودرايةً. ويمكن أن تتبنى المؤسسة ذلك على أن يسير الأمر وَفق الخطوات الآتية:
الخُطوة الأولى: يتقدّم الطالب بطلبٍ للحصول على إجازةٍ بالسند العالي.
الخطوة الثانية: يُحدَّد للطالب شيخٌ مُجازٌ بالسَّند العالي (الموصوف سابقًا) ليختم عليه ختمة كاملةً - بالرواية أو الروايات - على أن يكون الاختيار والتوزيع عشوائيًا.
الخطوة الثالثة: بعد أن ينتهي الطالب من القراءة على الشيخ ويرى الشيخ أنَّه أصبح مؤهلًّا للامتحان أمام لجنة المشايخ؛ يُحدَّد له ميعاد للامتحان، على ألا يُخبَر بأسماء أعضاء اللجنة التي ستمتحنه إلا عند بداية الامتحان.
ولابدَّ أن يُجاز الطالب بالإجماع، فلو تخلَّف رأيُ شيخٍ واحدٍ لم يُجزْ. وذلك أسوةً بالامتحان التأهيلي الذي يُعقد لطلاب الدكتوراه في كثيرٍ من الجامعات والتخصُّصات، والقرآن أشرف من التخصُّص العلميِّ، فكيف نتهاون في ذلك أو نعدُّه مبالغة؟!
وكلُّ ما مضى مشروطٌ بألا يأتي الطالب ما تسقط به عدالته، فإن اتَّضح ذلك فقد سقطت إجازته.
3- وضع موسوعات جامعة لتراجم القراء:
وهي رسالة مُتعلِّقة بما قبلها، إذ نطمح إلى وضع موسوعة يترجم فيها للقراء بصورة جامعة تستوعب كل من يمكن الوقوف على تراجمه من المقرئين على مر الأزمان، ولا تعتمد تراجم المعاصرين من القراء إلا بعد وفاتهم، نعم؛ يمكن أن تكتب تراجم مشاهيرهم بصورة تحضيرية غير نهائية - كما فعل الذهبي  في ”معرفة القراء“، حيث ترجم لكثير من معاصريه من المشايخ والأقران والتلاميذ، وكذلك فعل ابن الجزري  في ”غاية النهاية“ وغيرهما، ويمكن أن يوضح في هذه التراجم التحضيرية أنها كذلك بأن تكتب بلون مخالف لباقي تراجم الموسوعة أو تميز بأي طريقة ممكنة، وتصدر موسوعة شاملة على غرار الموسوعة الفقهية.
4- ضبط المصطلحات:
إنَّ من أهم ما يساعد الباحث أو الدارس على إتقان علمه أو تخصصه ضبط المصطلحات الخاصة بهذا العلم أو الفن، وكثيرًا من ينشأ الخلل والخلاف عن عدم ضبط المصطلحات، وبخاصة مصطلحات المشترك اللفظي أو المصطلحات التي تدل على أكثر من معنى، يقول ابن حزم :« والأصل في كل بلاء وعماء، وتخليط وفساد، اختلاط الأسماء ووقوع اسم واحد على معانٍ كثيرة، فيخبر المخبر بذلك الاسم وهو يريد أحد المعاني التي تحته، فيجعله السامع على غير ذلك المعنى الذي أراد المخبر فيقع البلاء والإشكال، وهذا في الشريعة أضر شيء وأشده هلاكًا لمن اعتقد الباطل إلا من وفقه الله تعالى»[الإحكام في أصول الأحكام ( 8 / 464 ].
ومن هنا يدخل على غير المتقن فيعمم الخاص، ويخصص دلالة العام، ويقيس على ما لا يقاس عليه بسبب شبهة لفظية، وإذا كان تحرير موضع النزاع هو الخطوة الأولى الصحيحة لإزالة الخلاف، فإن تحرير موضع النزاع لا يتأتى أبدًا إلا إذا كانت دلالات المصطلحات المستخدمة في القضية المبحوثة واحدة في ذهن المتباحثين، ومن هنا تأتي الأهمية القصوى لهذه القضية، فإن من أهم وظائف هذه المؤسسة، وأول المسئوليات المطلوب أداؤها؛ هو إصدار قاموس أو معجم موسوعي به ضبطٌ وتحريرٌ لكل المصطلحات المتعلقة من قريب أو بعيد بالقرءان وعلومه، في صورة واضحة لا غموض فيها ولا لبس.
5- الاجتهاد الجماعي في المسائل المتعلقة بعلوم القرءان:
وبخاصة المسائل الخلافية، والتي تثير نقاشات قد تُفضي – في بعض الحالات – إلى تشاحُن وتدابر وقطيعة بين شبيبة طلاب العلم، لإصرار كل منهم على التقليد الأعمى لشيخه، ولأن لديه إسنادًا فهو يقرأ كما أُقرئ، فرأيه صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي مجادله خطأ لا يحتمل الصواب، ويكون الحكم لأعضاء اللجنة الأكثر اختصاصًا بالمسألة الفرعية المبحوثة، وإن كان الأمر يحتاج لإشراك من هم أكثر دراية وتخصصًا في هذه المسألة الفرعية من خارج اللجنة فتتم الاستعانة بهم، على أن يكونوا من المُوثَّقين رواية ودراية الجامعين للحدِّ الأدنى من آلات الاجتهاد الجزئي، وتكون البحوث الفردية نواة للاجتهادات الجماعية.
6- المهام والوظائف التربوية:
إنَّ تطوير المناهج التربوية من أهم التحديات التي يواجهها الفكر الإسلامي اليوم. وقد أضحى التجديد كلمة ينادي بها الجميع – وإن اختلف مقصوده من التجديد، وهل هو تجديد في الوسائل أم في الغايات.
ولا يخفى أنَّ الأفكار التي يُرجى لها السيادة في عالم الغد لابد أن تُبنى - من الآن - على أسس سليمة تضمن لها جذورًا تقاوم العواصف في عالم يموج بكل التيارات الفكرية. والتقوقع على الذات صار سمة من كَلَّ تفكيره، وشُلَّت يداه. وقد انقسم المفكرون الإسلاميون على قسمين؛ أحدهما: ينبذ كل نقاش فيما يتعلق بالتجديد والتطوير من قديم أو بعيد؛ شعارهم أنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما صلح به أولها، والقسم الثاني يُحاجج بأنهم يفهمونه في ضوء ما توحي به (ما ) في السياق إذ إنها تفيد العموم، وهذا غير مقصود – قطعًا – فالغايات ثوابت تنسحب قيمتها الإصلاحية على كل زمان ومكان، بعكس كثير من الوسائل التي سلمت من أن يتناوشها فسادٌ من داخلها أو حظر من خارجها، فهي وُلدت – يوم وُلدت – مباحةً ثم قد أكسبها البعد الزمانيّ من القيمة ما جعلها من مفردات – بل من أبجديات – خطاب العصر.
ولا شك أنَّ الخلاف بين الفريقين لفظيٌّ، فلم نسمع بعالم مُتشرِّب بروح الشريعة قد وقف بفتاواه أو مواعظه حجر عثرة في طريق اتضحت للسالكين، حتى ولو لم يسلكها السلف، إلا إذا كان السلف قد علموها وقدروا على سلوكها ولم يفعلوا بل حذروا منها. غير ذلك فالأمر مشاعٌ يسبق إليه من اجتهد وثابر وصابر، ويتخلف عنه من اكتفى بالتنظير من مقاعد المشاهدين.
لا يعيب كثير من النظريات إلا أنها نظريات، حتى لو أُقيم عشراتُ البراهين النظرية على صدقها، أما ما يجعل الاقتناع بالنظرية فرض عقل، وواقع حال؛ أن تخرج عن كونها نظرية إلى حيز الممارسة والتطبيق.
كل هذا يجعل من المهم جدًّا أن تتبنى إحدى المؤسسات الكبرى رسالة تطوير المناهج التربوية، وبخاصة ما يتعلق منها بالتحفيظ، والتجويد، بتنقيح المناهج القائمة من الأخطاء اللغوية والعلمية، والمنهجية التربوية، وكذلك تطوير الوسائل، وإعلاء شأن الطرق القائمة على مهارات الفهم والإبداع والتحليل والتقييم والتركيب وتكوين الملكات، وإكساب علوم الوسائل في سنٍّ صغيرة، واكتشاف الموهوبين...إلخ . ثم لا تتوقف رسالة المؤسسة المركزية عند التنظير، إذ يقترح إنشاء مدرسة تربوية تجريبية تابعة للمؤسسة المركزية يكون عليها أن تصنع من الأفكار أشخاصًا ، ومن النظريات أعلامًا.
ثم إنه من الضروري جدًّا أن تنبغ عن المؤسسة المركزية هيئة تابعة لها، تكون مهمتها التطوير والتجديد والابتكار على غرار ما يحدث في الشركات الكبرى، حيث قسم الجودة وقسم التطوير صنوان لا ينفكان، وإنما يكمل أحدهما الآخر.
نعم؛ ربما كانت الرسالة الأهم في المرحلة الأولى هي ما ذكر آنفًا، مما يتعلق تعلقًا مباشرًا بالإقراء وعلومه، ولكن الاقتصار على ذلك وترك الرسالة التربوية يجعل المؤسسة كالناظر بعين واحدة، أو كالناظر تحت قدميه، ولا يخفى على أحد أنَّ التربية والتعليم هي باعث كل نهضة، ومحركها، ووقودها.
7- تنقيح المتون والمؤلفات.
وهذه المهمة تكميلية، فهي من لوازم التجديد والتطوير.
والناظر بعين النقد الممعنة في إخلاصٍ، السَّارحة في غَيرة؛ يرى أن كثيرًا من المؤلفات والمتون العلمية بحاجة إلى غربلة ما بها من أخطاء علمية ولغوية. كثيرٌ من هذه الأخطاء أشهر من أن يُذكر، وأوضح من أن يُدلَّل عليه، ومع ذلك تمتلئُ بها الكتب والمؤلفات والمتون والمناهج؛ بحجة أنَّ هذا التجاوز هَنَةٌ غير مؤثرة، وأن هذا الخلل ضرورة شعرية، وأنَّ هذا اللبس خلافٌ لفظيٌ، وما هو عند التحقيق بخلاف لفظيٍّ، إلى آخر هذه القائمة من التبريرات التي هي في نفسها أشد مما ارتكبت من أجله، وانتُحلت للمحاججة عنه.
ولو فُرض أنَّ ما سبق عذر – وما هو بعذر – فكيف الاعتذار عمن يتمسك بميراث ثبت خطؤه، وظهر خطله، مع ما أتاح العلم الحديث من وسائل لم تكن في حسبان الأوائل؟!
إنَّ هذا النداء لا يعني التمرد على تراث الأسلاف بقدر ما يعني التمرُّد له، ولا يعني الغضب على الأسلاف أنفسهم بقدر ما يعني الغضب لهم، ولا يعني سوء الأدب معهم بقدر ما يُجلِّيهم في أعين المغبونين والموتورين من دعاة نبذ التراث، وخلعه كما يخلع المعطف.
كل هذا وغيره يدعو لانتهاج سبيل جديدة تُغربل فيها مؤلفات الأوائل، وتُنقَّح مما اتُفق على خطئه، سواء أكان هذا الخطأ في الشكل أو في المضمون[انظر في هذا مؤلفات الشيخ العلامة الدكتور غانم قدوري الحمد، وما تحمله من دعوات إصلاحية ]
8- الرقابة على المؤسسات الإعلامية التي تبث موادَّ متعلقة بالقرءان وعلومه:
إنَّ الإعلام هو أقوى أسلحة العصر الحالي، والفلاسفة والمفكرون يُصنفون هذه الحقبة من تاريخ البشرية بأنها حقبة السماوات المفتوحة.
إنَّ تشكيل وعي الشعوب والأفراد صناعةُ مَن يجيد التعامل بسلاح الإعلام، وكم من مآسٍ مُرِّرت بتزييف الإعلام لوعي من يخاطبهم، وكم من سوقٍ نفقت لا لشيءٍ إلا لأن مُروِّجيها يعرفون كيف يتحدثون، ومتى يتحدثون.
وللإعلام القرآني دورٌ إيجابيٌّ لا يخفَى خفيُّه، ولكنَّ له بعض السلبيات التي يجب أن يُوقَف عندها وقفاتٌ، وإذا كان الاعتراف بالمرض والوهن أولُ خطوات العلاج؛ فلابدَّ أن نعترف بأنَّ بعض الإعلام الإسلاميِّ عمومًا والقرآنيّ خصوصًا هو جزءٌ من مشكلة القرَّاء والاسانيد. والعلاقة – عند التأمل – واضحةٌ، ورُبَّما كان لي عودةٌ – بإذن الله - لتفصيل هذه المسألة.

ويبقى سؤال:
هل القرآن محفوظٌ بحفظِ الله له، حفظًا كونيًّا قدريًّا لا يُحتاجُ معه إلا اجتهادٍ، أم أنَّ على الأُمَّةِ أن تسعى وتجتهد لحِفظِه؛ لتكون قد أتت بالأسباب التي يسَّر الله الأمة لها لإنفاذ مُراده بحفظ القرآن؟
إنَّ الصحابة – أخيار الأمَّةِ – فهموا أنَّ عليهم أن يجتهدوا لجمع القرآن، وذلك ثابتٌ بيِّنٌ في جمع أبي بكر الصديق وجمع عثمان رضي الله عنهما، وتأمَّل قول عمر الـمُلهم رضي الله عنه: «أخشى أن يستحر القتل بالمواطن فيذهب كثيرٌ من القرآن»، وانظر إلى قول أبي بكر رضي الله لزيد بن ثابت رضي الله : «إنَّك رجل عاقل شابٌّ لا نتَّهِمُكَ». وانظر لقول عثمان رضي الله عنه: «أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشدُّ فيه اختلافًا وأشدُّ لحنًا، اجتمعوا يا أصحاب محمد فاكتبوا للناس إمامًا».
ويستفاد من هذه الروايات عدة أمورٍ؛ منها:
• أنَّه لا يُتهاوَن في حفظ القرآن من كلِّ ما يشوبه – وإن ضَؤُلَ – بحُجَّة أن القرآن محفوظٌ بحفظ الله له. ومما يأسى عليه القلبُ أن تسمع بعض من يُشار إليهم بالعلم يُقلِّلون من شأن الكلام في هذا الموضوع ومن جدوى ما يُبذل فيه بِزعم أن القرآن محفوظٌ على كلِّ حال!
• أنَّ الاجتهاد والعمل الجماعيّ كان القاسم المشترك بين الجمعينِ؛ مما يدلُّك على ضرورة الاجتهاد الجماعيّ المنظَّم مما تحقَّقوا بالرواية والدراية.
• أنَّ العدالة مطلوبةٌ فيمن يوكَل إليهم هذا الأمر الجسيم، والشأن العظيم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
 
أشكركم فضيلة الدكتور محمود على إثرائكم للموضوع بهذه الاقتراحات البديعة التي أتفق معكم في مجملها، وأما التفاصيل فلي في بعضها وجهة نظر أخرى، وينبغي أن يجتهد الأفراد قدر استطاعتهم، ولا يتّكلوا على أعمال مؤسسيّة قد يتأخر إيجادها لسبب أو لآخر، فقد يبارك الله في عمل رجل حتى ينهض بما تعجز عنه المراكز والمؤسسات، والله ولي التوفيق.
 
أما في زمان الإمام ابن الجزري وقبله ، فأهمية الأسانيد لا تخفى ، وضروريتها لا تنكر .
وأما في زماننا هذا : فهي لا تقدم ولا تؤخر من الأمر شيئاً ، بل أصبحت سبباً للرياء والسمعة ، والاحتيال على الجهلة وضعاف النفوس لأكل أموالهم بالباطل ، تحت شعار رنّان ، وهو في الحقيقة سمٌّ هالك ، ألا وهو : علو الإسناد !!!
والله المستعان .
ما أجمل هذا الكلام !! وهو والله ما في القلب ..وتعال إلى أناس أسانيدهم أكثر مما يتخيل وهو لا يجيد نطق كلمات الخلاف .وأعرف أناسا معهم أسانيد في الصغرى والكبرى وهو لا يحفظ- بيتا واحدا في القرءات ، ولم يجلس يوما للإقراء ..ومازال يفتخر بأسانيده .
هذا بخلاف من ينقّبون في القرى والأماكن النائية باحثين عن علو الأسانيد ـ كما أخبرني بذلك أحدهم قديما عملا بنصيحة أحد هواة جمع الأسانيد ـ ، ولو بذل هذا الجهد في إتقان قراءة عند شيخ لكان أفضل من كل هذا .
فما الضير إن أخطأ قارئ في كتابة اسم في سلسلة أسانيده ..هل يترتب على هذا شئ في صحة مايرمي إليه ؟ بالتأكيد لا يترتب ..إذا بقية الأشياء من الكماليات ، وليس معنى ذلك إهمالها ؛ ولكن عدم جعلها أساسا نبني عليه صحة التلقي من الشيخ .
 
ما أجمل هذا الكلام !! وهو والله ما في القلب ..وتعال إلى أناس أسانيدهم أكثر مما يتخيل وهو لا يجيد نطق كلمات الخلاف .وأعرف أناسا معهم أسانيد في الصغرى والكبرى وهو لا يحفظ- بيتا واحدا في القرءات ، ولم يجلس يوما للإقراء ..ومازال يفتخر بأسانيده .
هذا بخلاف من ينقّبون في القرى والأماكن النائية باحثين عن علو الأسانيد ـ كما أخبرني بذلك أحدهم قديما عملا بنصيحة أحد هواة جمع الأسانيد ـ ، ولو بذل هذا الجهد في إتقان قراءة عند شيخ لكان أفضل من كل هذا .
فما الضير إن أخطأ قارئ في كتابة اسم في سلسلة أسانيده ..هل يترتب على هذا شئ في صحة مايرمي إليه ؟ بالتأكيد لا يترتب ..إذا بقية الأشياء من الكماليات ، وليس معنى ذلك إهمالها ؛ ولكن عدم جعلها أساسا نبني عليه صحة التلقي من الشيخ .
أحسن الله إليكم، كلامكم قد يُفهم منه التزهيد من التلقي بالإسناد مطلقا ! والحقّ أن الإسناد من خوصيات الأمة و شرف لحامله، ولا إفراط ولا تفريط.
 
المتوازيات ما دامت متوازية لا تلتقي أبدا

المتوازيات ما دامت متوازية لا تلتقي أبدا

ما ذهب إليه الدكتور الجكني يوازي ما ذهب إليه الشيخ عبد الحكيم عبد الرازق.
الدكتور السالم الجكني يقول ما معناه: ,,بعد ابن الجزري لا فائدة في الإسناد، علا أو سفل، أتقن صاحبه أو لا. لأن في إسناد ابن الجزري للقراءات الصحيحة غنية.,,
والشيخ عبد الحكيم يقول ما معناه: ,,السند خصيصة الأمة قبل وبعد وإبان حياة ابن الجزري، وأن على أي مسلم رأى في نفسه القدرة على تحصيلها أن يفعل.
لكن الناس أساءوا التعامل معها، ومعلوم أن الإجازة لثلاث: ثبوت القراءة الذي هو جزء من بينة النقل، اتصالها، إثبات إتقان المجاز بشهادة من مؤهل لذلك، لكننا نرى ناسا يملكونها من دون أن تتوفر فيهم أدنى شيء من الإتقان. ويشدد الشيخ عبد الحكيم على أن الإتقان أساس الإجازة وبساطها.,,
الدكتور الجكني: لا فائدة للإجازة بعد ابن الجزري، ولا حاجة يدعو إليها بعد النشر.
الشيخ عبد الحكيم: الإجازة عصب النقل، قبل وبعد ابن الجزري ونشره، ويجب توفر شروطها قبل منحها.
قال محمد الحسن بوصو: يسعدني ويشرفني أن أعلن هنا معارضتي لما ذهب إليه الشيخ الجكني، وأراه خطأً كبيرا في النظر، ولحنا جليا في القول.
 
السلام عليكم
شيخي الكريمين ..أعتقد أن كلامي كما فهمه فضيلة الشيخ محمد الحسن بوصو أن الإتقان أولى من السعي وراء السند .
فالشاطبيرحمه الله إسناده نازل ؛ بل وقد يدركه ابن الجزري في بعض أسانيده ؛ بل وقد يصل سند ابن الجزري أحيانا إلى شيخ الشاطبي ، ومع هذا فالشاطبي علمه انتشر وذاع ، ومكانته لا تخفى على أحد .
أما في هذه الأام اقلبت المسألة رأسا على عقب ، وأذكر قصة في هذا الصدد .
عندما رجع الشيخ الزيات إلى مصر اجتمع عليه الناس للقراءة ، والشيخ رحمه الله كبر في وقتها ، فكانوا يقولون هذه قراءة شرفية لا دخل لها بالأسانيد ، ثم ما لبث الناس إلا وجعلوه من سند القراءة حتى أن شيخا يعمل معنا في المعهد اختلفوا في مسألة قال : لم أقرأه على الشيخ الزيات هكذا .
فقلت : يا شيخ وهل كان الشيخ الزيات مدركا لقراءتك ؟ فنظر إليّ وكأنه يظن أنها الغيرة ـ والله الأمر لا يمثل لي شيئا ـ ؛ ولكن كيف تنسب شيئا للشيخ وأنت تعلم أنه ليس مدركا لما تقرأ ؟
وصدق الشيخ عبد الحكيم عبد الطيف أن أي سند بعد عودة الشيخ الزيات كالعدم في القراءة ؛ أي سند شرفي وفقط .
فهذا ما أردت أن أوضحه في موقفي من قضية الأسانيد .
وأعتقد أن الشيخ الجكني يريد أن يقلل من مسارعة الناس إلى الأسانيد دون العلم هذا ما خطر في قلبي .والله أعلم
والسلام عليكم
 
السلام عليكم
....................
وأذكر قصة في هذا الصدد .
عندما رجع الشيخ الزيات إلى مصر اجتمع عليه الناس للقراءة ، والشيخ رحمه الله كبر في وقتها ، فكانوا يقولون هذه قراءة شرفية لا دخل لها بالأسانيد ، ثم ما لبث الناس إلا وجعلوه من سند القراءة حتى أن شيخا يعمل معنا في المعهد اختلفوا في مسألة قال : لم أقرأه على الشيخ الزيات هكذا .
فقلت : يا شيخ وهل كان الشيخ الزيات مدركا لقراءتك ؟ فنظر إليّ وكأنه يظن أنها الغيرة ـ والله الأمر لا يمثل لي شيئا ـ ؛ ولكن كيف تنسب شيئا للشيخ وأنت تعلم أنه ليس مدركا لما تقرأ ؟
وصدق الشيخ عبد الحكيم عبد الطيف أن أي سند بعد عودة الشيخ الزيات كالعدم في القراءة ؛ أي سند شرفي وفقط .
فهذا ما أردت أن أوضحه في موقفي من قضية الأسانيد .
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أظن الشيخ محمد صابر عمران عنده كلام في خصوص هذه، وخاصةالملوّنة بالأحمر - ابتسامة-
بارك الله فيكم وبكم
 
الدكتور الجكني: لا فائدة للإجازة بعد ابن الجزري، ولا حاجة يدعو إليها بعد النشر.
هذا ليس مراد شيخنا الجكني، فلقد جالسته غير ما مرّة، ولم ألتمس منه ذلك بل كان يشجّع على التلقي وأخذ الإجازات من الشيوخ، وقد أُجيز بالصغرى والكبرى، وأراد أن يلتقي بشيخنا العلامة طاهر آيت علجات ليقرأ عليه الدرر اللوامع قصد أخذ الإجازة.
إنّما الذي يعيبه هو هذا التهافت على الإجازات والافتخار والاستعلاء بها على الغير من غير الاهتمام بالعلم والإتقان.

فصحّة الأسانيد النشرية متعلّقة بصحّة ما هو منقول في كتاب النشر من قرءان وروايات وقراءات، والقدح فيها له تأثير وأبعاد وعواقب وخيمة.
أما أسانيد ما بعد النشر فالقدح فيها لا يمسّ القرءان ولا القراءات ولا الروايات التي أودعت ونُقلت في كتاب النشر وبالتالي فأهمّية الأسانيد تختلف من وقت إلى وقت. فتمحيص أسانيد ما بعد النشر يكون لأسباب متعلّقة بثبوت الأداء من الشيخ إلى التلميذ لمعرفة من هو أهل للإجازة وليستمر الإسناد.
فأهميّة الإجازة هي في :
- إثبات التلقّي عن الشيوخ
- شرف اتصال السند بالائمة والصحابة والنبيّ عليه الصلاة والسلام.
- شهادة الشيوخ المهرة على حسن قراءة المُجاز.
وهي لا تدلّ على الإتقان، أو الرسوخ في العلم، أو صحّة ما قُرئ على الشيخ إذ النصوص والكتب المعتبرة تصدّق ذلك كلّه أو تكذّبه.
 
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أظن الشيخ محمد صابر عمران عنده كلام في خصوص هذه، وخاصةالملوّنة بالأحمر - ابتسامة-
بارك الله فيكم وبكم
أخي الكريم هذا الكلام قاله لي أحد المجازين من الشيخ الزيات في آخر عمره .وأكده لي آخر عندما سألته بعد جهد أجاب بما ذكرته .
 
والله يا شيخنا بوصو مثلك لا يغرق أبداً، وما قصدت ذلك، ومثلي لا يستطيعه، وإنّما أردتّ أن لا يُحمل كلامكم عن شيخنا الجكني على غير محمله الصحيح، فلا أعتقد أنّكم تظنون في شيخنا الاستهانة بالإجازة وبالأسانيد.
لكم منّي كلّ الاحترام والتقدير.
 
اللحن في لحن القول

اللحن في لحن القول

أما في زمان الإمام ابن الجزري وقبله ، فأهمية الأسانيد لا تخفى ، وضروريتها لا تنكر .
وأما في زماننا هذا : فهي لا تقدم ولا تؤخر من الأمر شيئاً ، بل أصبحت سبباً للرياء والسمعة ، والاحتيال على الجهلة وضعاف النفوس لأكل أموالهم بالباطل ، تحت شعار رنّان ، وهو في الحقيقة سمٌّ هالك ، ألا وهو : علو الإسناد !!!
والله المستعان .
"ليس من السهل إغراق السمكة" لا يعني "ليس من السهل تخطئة محمد الحسن بوصو". بل يعني: "ليس من السهل تأويل منطوق مشاركة الدكتور الجكني المقتبسة هنا".
بالمناسبة: هل لي أن أطلب منكم، سيدي محمد يحيى شريف آيت عبد السلام الجزائري، أن تشرحوا معنى قولكم في مشاركتكم قبل الأخيرة: "فأهمية الإجازة تختلف من وقت إلى وقت" ؟
 
قال شيخنا وحبيبي وصديقي العزيز الغالي محمد الحسن بوصو حفظه الله :
السالم الجكني يقول ما معناه: ,,بعد ابن الجزري لا فائدة في الإسناد، علا أو سفل، أتقن صاحبه أو لا. لأن في إسناد ابن الجزري للقراءات الصحيحة غنية.,,
وأقول:
أين في منطوق كلامي التعرض للاتقان أو عدمه !
وهنا غرقت السمكة .
وقال حفظه الله :
قال محمد الحسن بوصو: يسعدني ويشرفني أن أعلن هنا معارضتي لما ذهب إليه الشيخ الجكني، وأراه خطأً كبيرا في النظر، ولحنا جليا في القول.
ويسعدني ويشرفني أن أكتب شيئاً يستحق نظركم وإن كان خطأً ولحناً .
وأطلب فضيلتكم بتوضيح مكمن الخطأ واللحن ، حتى أفهمه ، فلم يتضح لي بعد.
وتقبلوا كامل التحية والتقدير.
 
من الكرامات ألا َّتُحرِقَ جُذَى جَزْلِ الغضا

من الكرامات ألا َّتُحرِقَ جُذَى جَزْلِ الغضا

أما في زمان الإمام ابن الجزري وقبله ، فأهمية الأسانيد لا تخفى ، وضروريتها لا تنكر .
وأما في زماننا هذا : فهي لا تقدم ولا تؤخر من الأمر شيئاً ، بل أصبحت سبباً للرياء والسمعة ، والاحتيال على الجهلة وضعاف النفوس لأكل أموالهم بالباطل ، تحت شعار رنّان ، وهو في الحقيقة سمٌّ هالك ، ألا وهو : علو الإسناد !!!
والله المستعان .
السلام عليكم مولانا الدكتور السالم محمد محمود الجكني.
توقعت أن ستشتعل نار نقاش حامية، لكن الله سلم، له الحمد والمنة.
سيادتكم جعل للإجازة فترتين تحدهما حياة ابن الجزري: في الفترة السابقة لابن الجزري كانت للإجازة "أهمية لا تخفى" و"[ضرورة] لا تنكر". أما في الفترة بعد ابن الجزري فالإجازة "لا تقدم ولا تؤخر من الأمر شيئا". ثم إن تحديد الفترتين بابن الجزري بقوة القول بأن أسانيده تغني عن الإسناد.
من يسعى إلى تحصيل ما "لا يقدم ولا يؤخر" ؟
أما ما ذكرناه من الخطإ في النظر فلأنه لو كان العلم بوجود السند يغني عن الإسناد لما احتاج ابن الجزري نفسه إلى سرد أسانيده برجاله، لأنه لم يرها في المنام وإنما "وجد" أكثرها مكتوبة.
أما لحنكم في القول فلأن آخر مشاركتكم نص على أن العيب في المتاجرة بعلو الإسناد، وأوله أبطل الإجازة بعد ابن الجزري جملة وتفصيلا، ووصفها بأنها "لا تقدم ولا تؤخر". وهذا لحن جلي في القول من مشهود له بالعلم والخبرة في مجال القراءات وخاصة النشر
 
شيخنا بوصو
كلامي في الاسانيد وليس في الإجازات.
هب أنّ في إسناد الشيخ الزيات رحمه الله علّة قادحة، ماذا سنصنع ؟
ماذا سيكون موقفنا اتجاهه واتجاه جميع من قرأ من طريقه ؟ وما هو مآل الإجازات التي أُعطيت من طرفه ومن طرف تلامذته ؟
هل منزلته العلمية عندنا ستتغيّر ؟
هل نظرتنا نحو أداءه وإتقانه للقراءات العشر ستتغيّر ؟
ما هو تأثير ذلك في الأداء والأمانة في نقل القراءات.
وهل سيختلف حال الأداء من حيث الإتقان مع وجود العلة في الإسناد مقارنة مع حال عدم وجودها.
هل سيترتّب عن تلك العلة خلل أدائيّ وعلميّ ، وهل سينتفي الخلل عند عدم ثبوت العلة.
لذلك أقول : أنّ الخلل في الإسناد لا يمسّ المنقول، فلا خوف على الأداء ولا على العلم.
فمن جهة الأداء، لن ينفرد الشيخ الزيات عن مشايخ قطره بشيء، ومن جهة العلم فهو عالم نحرير وملزم بما في الشاطبية والدرة والطيّبة. وإن اجتهد في مسألة تحريرية وخالف غيره فهو أهل للنظر والاجتهاد، ولا علاقة للإسناد في ذلك.
هذا يقال في رجال ما بعد كتاب النشر، أمّا أسانيد النشر فالخلل فيها أو في بعضها يُسقط الروايات التي رويت من تلك الأسانيد. وقد يقتضي الأمر إلى إزالتها وإزالة ما اختصت به تلكم الطرق من أصول وفرش. لأنّها لم تعد صحيحة لعدم توفّر أحد الشروط الثلاثة.
والحمد لله فإنّ جميع طرق النشر صحيحة لا غبار عليها حيث التزم في نشره بشرط متين مما يستوجب القطع واليقين إلاّ بعض الانفرادات التي نبّه عليها واستبعدها لأنّها لم تشتهر ولم تُتلقّ بالقبول.
لذا أقول لكم يا شيخنا :
إنّ علل أسانيد المتأخرين عن النشر لا تضرّ كتاب النشر سواء من جهة الدراية أو الرواية، لأنّ الكتاب موجود، ويُدرس الآن بدقّة، ولا خوف على الأداء لأنّ الأداء ينقل بالشهرة في كلّ طبقة من الطبقات، وكلّ خلل في الأداء يمكن حصره عند الاختلاف، فيخضع للنظر والتحقيق.
وعليه فإنّ الصيانة موجودة لايمكن أن تخترقها علّة من علل إسناد المتأخرين.
لعلّكم الآن أدركتم أبعاد وعواقب الخلل في أسانيد المتقدّمين مقارنة بأسانيد المتأخرين.
وهذا ليس تقليلا مني من دراسة أسانيد المتأخرين، بل ذلك لا بد منه لندرك الكاذب الذي يدعي قراءته على شيخ من الشيوخ وهو لم يقرأ عليه. أو أنّه أجازه وهو لم يجزه. وكذلك معرفة من له الأهلية لإقراء القراءات الصغرى والكبرى إذ لا يمكن للرجل أن يجيز من غير أن يجاز. والإيجابيات في ذلك كثيرة لا يسعني ذكرها الآن.

غرقت السمكة ثانية.
بسمة.
 
ذكرتني هذه المسألة بإسناد النويري عن ابن الجزري حيث طعن الأزميري في هذه الرواية لأن النويرى لم يقرأ على ابن الجزري إلا الفاتحة وأوائل البقرة، ومع ذلك أجازه إمام الجرح والتعديل في القراءات وهو ابن الجزري.
وقد قام أحد الشيوخ عندنا منذ سنوات عدة بتتبع كل الإجازات التي فيها هذا السند قصد التقليل من أصحابها.
أقول : ما فائدة الطعن في هذه الرواية، هل هذه العلة سببت تقصيراً في أداء أو دراية من قرأ الكبرى وأجيز بهذا الإسناد.
وما قيل في هذ يقال في نظيره، فاعتبروا يا من تريدون تنقيح الأسانيد.

وقد طعن البعض في إسناد شيخي وأستاذي العلامة عبيد الله الأفغاني في رواية قالون، لوجود خطإ في الإسناد فذُكر ورش بدل قالون، فأسقطوا سنده وقامت القيامة. فاستعملوا هذه الوسيلة لتصفية حساباتهم معه رحمه الله لأجل مسألة الضاد. مع أن إسناد بن الجزري إلى قالون من طريق الشاطبية هو هو لا يتغير، فالخطأ مطبعي لا أكثر ولا أقل. فما دام إسناد شيخنا عبيد متصل بابن الجزري فلا اعتبار بغير ذلك لأن أسانيد ابن الجزري مبسوطة في التحبير والنشر.
 
نفحة عارضة أردتّ تثبيتها

نفحة عارضة أردتّ تثبيتها

لو تسائلنا، ما فائدة الإسناد ؟
بالإسناد يُحفظ الدين، ويُتثبّت من الأخبار المنقولة عن النبيّ عليه الصلاة والسلام، والصحابة، والتابعين، وأئمّة المسلمين. لعلّة عظيمة وهي صيانة الشريعة من كلّ دخيل عليها من أخبار وأحكام.
وقد اعنتى أئمة الأداء بالقرءان، فتلقوه عن شيوخهم، ونقلوا لنا أسانيدهم إلى أشياخهم بالسند المتصل إلى النبيّ عليه الصلاة والسلام، بعد ما تثبّتوا من صحّة ما نقل إليهم على ضوء الشروط التي ألزموا بها نفسهم وغيرهم عند الإقراء.
والحمد لله.
فقد وصلنا القرءان صحيحاً بالقراءات العشر المتواترة، بأصول معروفة معلومة، وفروش مبسوطة مضبوطة، ومن طرق محصورة محدودة، وأداء لا يخفى لحنه على أهل القراءة. وبالتالي فهي محصّنة، وأسانيد المتأخرين لا دور لها في تنقيح القراءات من الشواذ، وحصر الصحيح والمشهور منها، وإنّما دورها يكمن في الحفاظ على الأداء المنقول. فإن وقع خلل فيه، فالنصوص تحرسه وتعيده إلى الجادة.
لذا فإنّ دور الإسناد تقلّص مقارنة مع دوره في عهد ما قبل النشر، وبالتالي فلا ينبغي إنزاله أكثر من منزلته، فلا تُقام الدنيا وتُقعد لأجل علّة في الإسناد ليس لها تأثير سلبيّ على القراءات علماً وأداءً.
ولقد كانت كتب الحديث كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائيّ، وابن ماجة وغيرها محتوية على أسانيد ضعيفة، ومعلوم أنّ ذلك له تأثير في التشريع الإسلامي، فقد يشنأ حكم شرعيّ على أساس حديث ضعيف، ومع ذلك ما أقيمت الدنيا وأقعدت لأجل تلك الأسانيد الضعيفة. أقول : فما بالك بالأسانيد التي لا تأثير فيها على القراءات من حيث المعنى والأداء والدراية.
فدورنا الآن هو الاجتهاد في تحسين الأداء بالقراءة على المتقنين والسماع لتلاوتهم، ومقارنته مع ما هو موجود في الكتب المعتبرة ليتحسّن الأداء من حسن إلى أحسن. فلو قرأت على شيخ في وقت كان أداؤك أقل جودة من الوقت الحالي، فإنك اليوم ستسند تلك القراءة إلى نفس الشيخ بأداء أحسن جودة لأنّك صرت ماهراً عالماً أكثر مما كنت عليه في وقت قراءتك عليه. فإن ظهرت علّة في سند ذاك الشيخ فلم ولن تؤثّر تلك العلة على الأداء، بل الأداء تحسّن لارتقائك في العلم والأداء.
 
وأسانيد المتأخرين لا دور لها في تنقيح القراءات من الشواذ، وحصر الصحيح والمشهور منها، وإنّما دورها يكمن في الحفاظ على الأداء المنقول
لعل هذا لا ينطبق على العشر النافعية. والله أعلم
 
عودة
أعلى