صدر حديثا كتاب "القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير القاضي البيضاوي"

إنضم
13/10/2011
المشاركات
5
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
الإقامة
غير معروف
إصدار جديد
في
خدمة الكتاب المجيد​

صدر حديثا عن دار طيبة للنشر والتوزيع
كتاب "القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير القاضي البيضاوي" المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل
الكتاب يحتوي على 760 صفحة​

حققه وقيد نصه وعلق عليه
فضيلة الشيخ/ محمد غياث الجنباز حفظه الله​

1886.jpg

وهذه أرقام دار النشر لطلب الكتاب:
014785176
0530652493
[email protected]
 
في الأسواق: القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير البيضاوي - للشيخ محمد غياث الجنباز

في الأسواق: القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير البيضاوي - للشيخ محمد غياث الجنباز

وصلتني البشرى بنزول هذا الكتاب الماتع في الأسواق بالرياض أسأل الله أن ينفع به وأن يجزي خيرا أستاذنا الفاضل الشيخ محمد غياث الجنباز
وأنقل لكم هنا مقدمة أ.د. وليد القصاب ومقدمة المؤلف
=====================
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

ثمّ الحمد لله ربّ السموات والأرضين ، كلّ شيء خاشع له ، وكلّ شيء قائم به . لا يقضي في الأمور غيره ، ولا يتمّ شيء دونه .
وأصلي وأسلّم على خير خلق الله ، النبيّ المصطفى ، والهادي المجتبى، سيّدنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحابته ، وعلى من اهتدى بهديه ، واستنّ بسنته إلى يوم أن نلقاه ، وبعدُ :
فإنه لا عمل أجلّ من الاشتغال بالعلم ؛ فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، ومشاعل السناء، وأهل السموّ والعلاء ؛ بهم تستبين الطريق ، ويُعرف الحقُّ ، ويعمُّ الضياء
وأجلّ هذا العلم خدمة كتاب الله عزّ وجلّ ؛ فهو الكتاب الذي لا تنقضي عجائبُه ، ولا تنتهي فرائدُه ، ولا تخلُق على الدهر جدّتُه. فيه خبر من قبلكم ، ونبأ من بعدكم { ما فرّطنا في الكتاب من شيء}[الأنعام:38] معجزة الدهور والأزمان ، تحدّى الإنس والجان ، وأهل الفصاحة واللّسن والبيان ، بأشدّ التحدّي وأعنفه :{ قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}[الإسراء:88] وبأيسر أمر وأسهله { فائتوا بسورة من مثله}[البقرة:23] فما استطاعوا ولن يستطيعوا ، كما أخبر العليم الخبير{ فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعد للكافرين}[البقرة:24].
ولذلك كان الفقه بكتاب الله من أعظم الفقه ، وخدمته من أجل العمل . وإنّ أخانا الأستاذ محمد غياث الجنباز لواحدٌ من هؤلاء الصفوة الذين انتدبوا نفسهم لخدمة القرآن ، بعد أن امتلك أدوات هذه الخدمة ؛ إذ تتلمذ على عدد من مشايخ هذا العلم ورجالاته الأفذاذ في الشام ومصر ، وعل رأسهم شيخُ قرّاء حماة ، الشيخُ سعيد العبد الله رحمه الله رحمة واسعة . ولمّا استحكمت آلاته ، ونضجت أدواته ؛ أقبل شغوفا على علم القراءات؛ فأخرج كتابا نفيسا في بابه، وهو كتاب " الغاية في القراءات العشر" لعالم متقدّم جليل ، هو " أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني" المتوفى ٍ سنة " 381هـ" فحققه تحقيقا علميا انتفع به أهل العلم والتخصص انتفاعا عظيما ، وتقبلوه بقبول حسن .
وهاهو ذا اليوم يتحف المكتبة العربية الإسلامية عامّة ومكتبة الدراسات القرآنية خاصّة بعمل آخر جليل ، وهو إخراج " القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير البيضاويّ " وهي قراءات استلها من تفسير البيضاويّ الشهير المسمّى " أنوار التنزيل وأسرار التأويل" فعلّق عليها ، ووجّه كلّ قراءة وردت ، ثمّ عزاها إلى قارئها ، وإلى من نسبت إليه ، أو قرأ بها .
وعلم القراءات من أدق ّ العلوم ، ولا بدّ للقراء من معرفة مشهور القراءة من شاذّها ، وصحيحها من فاذّها ، ومعرفة أصولها وأركانها حتى يقرأ القارئ ويقرئ تلامذته وطلابه عن وعي وإدراك .
وعلم القراءات لا يستطيع أن يخوض غماره كلّ أحد ، بل هو محتاج إلى غواص ماهر ثقف أصول هذا العلم الدقيق ، وتمرّس عليه ، وأوتي من الصبر والجلد ، ومن التفاني والإخلاص في العمل الشيء الكثير ، ولقد عهدتُ – ولا أزكّي عند الله أحدا – هذا في الأخ محمد غياث الجنباز حفظه الله ؛ فهو – على ضعف صحته – ثبْت جلْد ، يقدُر هذا العلم حقّ قدره ، ويعطيه من الجهد والرعاية ما يستحقّ ، لا سيما أنه عملٌ في كتاب الله ، ولا يقدم على الاشتغال بعلومه ومسائله المختلفة إلا أهل العلم والتقوى والورع .
ولقد أطلعني الأستاذ محمد غياث على شطر من هذا العمل ، فوجدت فيه إتقانا ، ولمست فيه جهدا طيّبا ، وهو جهد لا يدرك مقداره إلا من دُفع إلى مضايق هذا العلم الدقيق الجليل ؛ فالباحث الكريم لم يكتف بإخراج القراءات الشاذّة من تفسير البيضاوي ، وتوجيهها والتعليق عليها ، ولكنه ضمّن عمله مقدّمة مفيدة موجزة ، تحدّث فيها عن نشأة علم القراءات ، وأول من صنّف فيها، وأبرز أعلامها ، وأقطارهم وأزمانهم ، ومن أقرأ بقراءتهم ، وعن الفصل بين القراءة الصحيحة القوية والشاذة الضعيفة، وأورد قول أبي محمد مكي في مصنفه الشهير الذي ألحقه بكتاب الكشف عما يّقبل الآن من القرآن فيقرأ به ، وما لا يقبل ولا يقرأ به ، وما يقبل ولا يقرأ به .
جزى اللّه الباحث الكريم محمد غياث الجنباز خير الجزاء ؛ فهو يهدي العلم وأهله اليوم كتابا نفيسا ، سينتفع به قوم كثيرون ، وسيدعون له بالأجر والثواب ، وأن يكون في صحيفة أعماله، يوم ينقطع عملُ ابن آدم إلا من ثلاث : صدقة جارية،أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين
وكتبه الفقير إلى عفو الله ورحمته
أ . د . وليد بن إبراهيم القصّاب
أستاذ الدراسات العليا – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الرياض : 1/2/1432هـ - 1/5/1/2011م

=============================


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جاد بفضله فتكرم، ومنحنا فيض جوده وآلائه فأنعم، علّمنا القرآن، وهدانا للإسلام، وخصنا فجعلنا من أمة سيد الأنام نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وعلى آله وأصحابه الأئمة الأعلام، ومن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى أثرهم بإحسان.
{يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين 0 قل بفضل الله وبرحمنه فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}[يونس:57-58].
أما بعد:
بين يديّ كتاب في القراءات الشاذة، وسمْتُهُ بـ "القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير البيضاوي" استخرجته من تفسيره المسمى بـ "أنوار التنزيل وأسرار التأويل".
أقدمه للمكتبة القرآنية تبعاً لكتاب "الغاية في القراءت العشر"[1] للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران الأصفهاني المتوفى سنة: 381هـ. قدمته منذ عقدين من الزمن دراسةً، وتحقيقاً، وقد لاقى قبولاً لدى الباحثين والمهتمين بهذا العلم النفيس، ذلك، لأن هذا الكتاب يعدّ معلمة من معالم القراءات، لتقدم صاحبه ولأنه أورد فيه قراءات لأبي حاتم السجستاني المتوفى سنة: 255هـ، وهي اختياراته التي انفرد بها والتي لم يخرج بها البتة عن شروط القراءت الصحيحة من اختيارات الأفشى من اللغات، والأكثر في الآثار، وما كان على الألسنة أخف، وما كان في قياس النحو أجود.
وقد كان القرّاء يعتمدون كتاب "الغاية" ويقرئونه، قال ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن منصور الربعي: شاب قدم دمشق وأقرأ بها، قرأ عليّ كتاب "الغاية" لابن مهران[2].
وبعد إخراج كتاب "الغاية" بطبعته الثانية كنت أعدّ كتاباً آخر في القراءات الشاذة من مظانّها ومصادرها الموثوق بها ظنّاً مني أن الباحث والمنقّب عن دُرَرِ هذا العلم النادر، لا بد أن يكون على دراية تامة في القراءة الصحيحة والمشهور منها، ثم الشاذة وتوابعها. وقد جمعت هذا وذاك جلَّه في كتاب "الغاية"، وهذا الكتاب "القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير البيضاوي" بعد طول نظر، وإخراج نصّه، وضبطه، والتعليق عليه، وتوجيه كلّ قراءة وردت، وعَزْوِهَا إلى قارئها وما نسبت إليه.
راجياً منه سبحانه أن يكون عملاً مقبولاً نافعاً يُكتبُ لنا فيه الأجر لي ومن ساهم فيه برأي، أو توجيه، أو نشر، أو غير ذلك، ادّخاراً ليوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

مدخل


فِي القُرَّاء، وأول من صنّف في القراءات، والفصل بين القراءة الصحيحة والشاذة

1- فِي القُرَّاء:
أ- القرّاء الذين اشتهروا من الصحابة رضي الله عنهم:
سمّى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاّم أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له.
فذكر من المهاجرين: أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً، وطلحة بن عبيد الله القرشي التيمي (ت:36هـ)، وسعداً بن أبي وقاص القرشي الزهري (ت:56هـ)، وابن مسعود الهذلي المكي (ت:32هـ)، وسالماً مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة الصحابي الكبير استشهد يوم اليمامة (سنة:12هـ)، وحذيفة بن اليمان (ت:36هـ)، وعبد الله بن عباس (ت:68هـ)، وعبد الله بن عمر (ت:73هـ)، وعبد الله بن عمرو بن العاص (ت:65هـ)، وعَمْراً بن العاص (ت:43هـ)، وأبا هريرة عبد الرحمن بن صخر (ت:58هـ)، ومعاوية بن أبي سفيان (ت:60هـ)، وعبد الله بن الزبير بن العوام (ت:73هـ)، وعبد الله بن السائب المخزومي (ت:70هـ) قارئ مكة.
ومن الأنصار: أُبيّ بن كعب الأنصاري المدني سيد القرّاء (ت:22هـ مع خلاف)، ومعاذ بن جبل الأنصاري (ت:18هـ)، وأبا الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي (ت:32هـ)، وزيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي (ت:45هـ)، ومجمع بن جارية بن عامر الأنصاري – مات في المدينة في خلافة معاوية رضي الله عنه –، وأنس بن مالك بن النضر الأنصاري (ت:91هـ).
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما (ت:57هـ)، وحفصة بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (ت:45هـ).
قال أبو عبيد: وبعض ما ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، وإنما خصصنا بالتسمية كل من وصف بالقراءة. وحكي عنه منها شيء[3].
ونقل السيوطي في الإتقان ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود وسالم، ومعاذ، وأُبيّ بن كعب" أي: تعلَّموا منهم. والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين وهما المبتدأُ بهما، واثنان من الأنصار. وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة، ومعاذ هو ابن جبل[4].
وروى البخاري أيضاً عن قتادة، قال: سألت أنس بن مالك: مَنْ جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أربعة كلُّهم من الأنصار: أُبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلتُ: مَنْ أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي[5].
وروى أيضاً من طريق ثابت، عن أنس، قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع القرآنَ غيرُ أربعةٍ: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد[6].
قال أبو شامة: وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب رحمه الله في كتاب "الانتصار" الكلام في حَمَلة القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام أدلة كثيرة على أنهم كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، وأن العادة تحيل خلاف ذلك، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة على ما سيأتي ذكره، وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وما في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة كانوا يسمّون القراء[7].
قال الزركشي: ثم أوّل القاضي الباقلاني الأحاديث السابقة بوجوه منها: اضطرابها، وبين وجه اضطراب في العدد وإن خُرِّجت في الصحيحين، مع أنه ليس منه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها بتقرير سلامتها، فالمعنى: لم يجمعه على جميع الأوجه والأحرف والقراءات التي نزل بها إلا أولئك النفر، ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته إلا تلك الجماعة، ومنها أنه لم يَجمع جميع القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه من فيه تلقيّاً غير تلك الجماعة، وغير ذلك[8].
ب- القرّاء الذين اشتهروا من التابعين:
وحكى السّيوطي أيضاً في "الإتقان" أَنّه قد قرأ على أُبيّ بن كعب رضي الله عنه جماعة من الصحابة، منهم أبو هريرة، وابن عباس، وعبد الله بن السائب، وأخذ ابن عباس عن زيد أيضاً، وأخذ عنهم خلق من التابعين:
فمن كان بالمدينة: ابن المسيّب (ت:94هـ)، وسالم[9] (ت:95هـ)، وعمر بن عبد العزيز (ت:101هـ)، وسليمان بن يسار (ت:107هـ)، وعطاء بن يسار (ت:103هـ)، ومعاذ بن الحارث المعروف بمعاذ القارئ (ت:63هـ)، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج (ت:107هـ)، وابن شهاب الزهري (ت:124هـ)، ومسلم بن جندب (ت:130هـ)، وزيد بن أسلم (ت:130).
وبمكة: عبيد بن عمير (ت:74هـ)، وعطاء بن أبي رباح (ت:115هـ)، وطاووس (ت:106هـ)، ومجاهد بن جبر (ت:103هـ)، وعكرمة مولى ابن عباس (ت:105هـ)، وابن أبي مليكة (ت:117هـ).
وبالكوفة: علقمة (ت:62هـ)، والأسود النخعي (ت:75هـ)، ومسروق (ت:63هـ)، وعَبيدة بن عمرو (ت:72)، وعمرو بن شُرَحبيل[10]، والحارث بن قيس[11]، والربيع بن خُثيم (ت:61هـ)، وعمرو بن ميمون (ت:75هـ)، وأبو عبد الرحمن السلمي (ت:74)، وزر بن حبيش (ت:82هـ).
وعبيد بن نُضيلة (ت:74هـ)، وسعيد بن جبير (ت:95هـ)، وإبراهيم النخعي (ت:96هـ)، والشعبي (ت:105).
وبالبصرة: أبو العالية رُفيع (ت:93هـ)، وأبو رجاء عمران بن ملحان العطاردي (ت:105هـ)، ونصر بن عاصم (ت:90هـ)، ويحيى بن يعمر (ت:90هـ)، والحسن البصري (ت:110هـ)، وابن سيرين محمد (ت:110هـ)، وقتادة (ت:117هـ).

وبالشام:المغيرة بن أبي شهاب المخزومي (ت:91هـ)، وخَليد بن سعد[12] صاحب أبي الدرداء[13].
قال ابن الجزري: ثم تجرد قوم للقراءة والأخذ واعتنوا بضبط القراءة، أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم، ويرحل إليهم ويؤخذ عنهم، أجمع أهل بلدهم على تلقي قراءتهم بالقبول ولم يختلف عليهم فيها اثنان ولتصديهم للقراءة نسبت إليهم.
فكان بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع (ت:130هـ)، ثم شيبة بن نصاح (ت:130هـ)، ثم نافع بن أبي نعيم (ت:169).
وكان بمكة: عبد الله بن كثير (ت:120هـ)، وحميد بن قيس الأعرج (ت:130هـ)، ومحمد بن محيصن (ت:123هـ).
وكان بالكوفة: (يحيى بن وثّاب (ت:103هـ)، وعاصم بن أبي النجود (ت:127هـ)، وسليمان الأعمش (ت:148هـ)، ثم حمزة (ت:156هـ)، ثم الكسائي (ت:189هـ).
وكان بالبصرة: عبد الله بن أبي إسحاق (ت:129هـ)، وعيسى بن عمر (ت:149)، وأبو عمرو بن العلاء (ت:154هـ)، ثم عاصم الجحدري (ت:130هـ)، ثم يعقوب الحضرمي (ت:205هـ).
وكان بالشام: عبد الله بن عامر (ت:118هـ)، وعطية بن قيس الكلابي (ت:121هـ)، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر (ت:131هـ)، ثم يحيى بن الحارث الذماري (ت:145هـ)، ثم شريح بن يزيد الحضرمي أبو حيوة (ت:203هـ)[14].
قال السيوطي: واشتهر من هؤلاء في الآفاق الأئمة السبعة:
1- (نافع) وقد أخذ عن سبعين من التابعين، منهم أبو جعفر بن يزيد القعقاع.
2- (وابن كثير) وأخذ عن عبد الله بن السائب الصحابي.
3- (وأبو عمرو) وأخذ عن التابعين.
4- (وابن عامر) وأخذ عن أبي الدرداء، وأصحاب عثمان.
5- (وعاصم) وأخذ عن التابعين.
6- (وحمزة) وأخذ عن عاصم، والأعمش، والسبيعي، ومنصور بن المعتمر، وغيره.
7- (والكسائي) وأخذ عن حمزة، وأبي بكر بن عياش.
ثم انتشرت القراءات في الأقطار، وتفرقوا أمما بعد أمم، واشتهر من رواة كل طريق من طرق السبعة روايان:
فعن (نافع): قالون (ت:220هـ)، وورش (ت:197هـ) عنه.
وعن (ابن كثير): قنبل (ت:290هـ)، والبزّي (ت:250هـ) عن أصحابه عنه.
وعن (أبي عمرو): الدروي (ت:246هـ)، والسوسي (ت:261هـ) عن اليزيدي (ت:202هـ)، عنه.
وعن (ابن عامر): هشام (ت:245هـ)، وابن ذكوان (ت:242هـ) عن أصحابه، عنه.
وعن (عاصم): أبو بكر بن عياش (ت:190هـ)، وحفص (ت:180هـ) عنه.
وعن (حمزة): خلف (ت:229هـ)، وخلاد (ت:220هـ) عن سُليم (ت:189هـ) عنه.
وعن (الكسائي): الدوري، وأبو الحارث الليث بن خالد (ت:200هـ)[15].
قال ابن الجزري: ثم إن القراء بعد هؤلاء المذكورين كثروا وتفرقوا في البلاد وانتشروا وخلفهم أمما بعد أمم، عرفت طبقاتهم، واختلفت صفاتهم، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية، ومنهم المقتصر على وصف من هذه الأوصاف، وكثر بينهم لذلك الاختلاف، وقلّ الضبط، واتَّسع الخَرْق، وكاد الباطل يلتبس بالحق؛ فقام جهابذة علماء الأمة، وصناديد الأئمة، فبالغوا في الاجتهاد، وبينوا الحق المراد وجمعوا الحروف والقراءات، وعزوا الوجوه والروايات، وميّزوا بين المشهور والشّاذ، والصحيح والفاذ، بأصول أصلوها، وأركان فصلوها[16].
2- أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي القِرَاءَات:
وقد عدّ ابن الجزري أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب فذكر منهم:
1- أبو عبيد القاسم بن سلاّم (ت:224هـ) وجعلهم فيما أحسب خمسة وعشرين قارئاً مع هؤلاء السبعة.
2- وكان بعده أحمد بن جبير بن محمد الكوفي (ت:258هـ) نزيل أنطاكية جمع كتاباً في قراءات الخمسة من كلّ مصر واحد.
3- وكان بعده القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي (ت:202هـ) صاحب قالون ألف كتاباً في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماماً منهم هؤلاء السبعة.
4- وكان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت:310هـ) جمع كتاباً حافلاً سمّاه الجامع فيه نيف وعشرون قراءة.
5- وكان بعيده أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني (ت:324هـ) جمع كتاباً في القراءات وأدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة.
6- وكان في أثره أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد (ت:324هـ) أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط.
ثم توالت المؤلفات في القراءات بأنواعها فكان منهم: أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران (ت:381هـ) مؤلف كتاب "الشامل" و"الغاية" وغير ذلك في القراءات العشرة.
وأبو الفضل الخزاعي (ت:408هـ) مؤلف "المنتهى" جمع فيه ما لم يجمعه مَن قبله.
وكان أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي (ت:429هـ) مؤلف كتاب "الروضة" وهو أول من أدخل القراءات إلى الأندلس، ثم تبعه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي (ت:437هـ) مؤلف "التبصرة" و"الكشف"، وغير ذلك. ثم الإمام الحجة الثبت الثقة الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت:444هـ) مؤلف "التيسير" و"جامع البيان" وغير ذلك. وفي كتابه الجامع هذا في قراءات السبعة فيه أكثر من خمسمائة رواية وطريق.
وكان بدمشق الأستاذ أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي (ت:446هـ) مؤلف الوجيز والإيجاز والإيضاح والإتضاح، وجامع المشهور والشاذ من لم يلحقه أحد في هذا الشأن.
وأبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي (ت:465هـ) وألف كتابه "الكامل" جمع فيه خمسين قراءة عن الأئمة، وألفاً وأربعمائة وتسعة وخمسين رواية وطريقاً. وأبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري بمكة (ت:478هـ) مؤلف كتاب "التلخيص" في القراءات الثمان، و"سوق العروس" فيه ألف وخمسمائة وخمسون رواية وطريقاً... وأبو القاسم عيسى بن عبد العزيز الإسكندري (ت:629هـ) فإنه ألف كتاباً سماه "الجامع الأكبر والبحر الأزخر" يحتوي على سبعة آلاف رواية وطريق.
قال ابن الجزري: ولا زال الناس يؤلفون في كثير القراءات وقليلها ويروون شاذها وصحيحها بحسب ما وصل إليهم أو صح لديهم[17]..
قال الإمام السيوطي: وقد صنّف طبقاتهم حافظ الإسلام أبو عبد الله الذهبي (ت:748هـ)[18]، ثم حافظ القرّاء أبو الخير ابن الجزري[19] (ت:833هـ).
3- الفَصْلُ بَيْنَ القِرَاءَةِ الصَّحِيحةِ القويَّة والشَّاذَّة الضَّعِيفَة:
عَقَدَ أبو شامة المقدسي باباً في ذلك، نقلاً عن ابن مجاهد في كتابه "السَّبْعة" وهو ما ذكر في مقدّمته بيان طبقات الناس في القراءة وذكر حالهم.
قال الإمام أبو بكر بن مجاهد: اختلف الناس في القراءات، كما اختلفوا في الأحكام، ورويت الآثار بالاختلاف عن الصحابة والتابعين، توسعة ورحمة للمسلمين، وبعض ذلك قريب من بعض، وحملة القرآن متفاضلون في حمله ونقله الحروف، منازل في نقل حروفه.
فمن حملة القرآن المعرب العالم بوجوه الإعراب في القراءات، العارف باللغات ومعاني الكلام، البصير بعيب القراءة المنتقد للآثار، فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين.
ومنهم من يُعرب ولا يلحن ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه، فهو مطبوع على كلامه.
ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، وليس عنده إلا الأداء لما تعلم، لا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ ولا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده، فيقرأ بلحن لا يعرفه وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقاً، فيحمل ذلك عنه وقد نسيه وأوهم فيه وجسر على لزومه والإصرار عليه؛ أو يكون قد قرأ على من نسي وضع الإعراب ودخلته الشبهة فتوهم، فذلك لا يقلد في القراءة ولا يحتج بنقله.
ومنهم من يعرب قراءته ويبصر المعنى ويعرف اللغات ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس في الآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين، فيكون بذلك مبتدعاً، وقد روينا في كراهة ذلك وخطره أحاديث.
ثم قال: وأما الآثار التي رويت في الحروف فكالآثار التي رويت في الأحكام: منها المجتمع عليه السائر المعروف؛ ومنها المتروك المكروه عند الناس، المعيب من أخذ به، وإن كان قد روي وحفظ؛ ومنها ما قد توهم فيه من رواه فضيع روايته ونسي سماعه لطول عهده، فإذا عرض على أهله عرفوا توهمه وردوه على من حمله.
وربما سقط بالرواية لذلك بإصراره على لزومه وتركه الانصراف عنه؛ ولعل كثيراً ممن ترك حديثه واتهم في روايته كانت هذه علته، وإنّما ينتقد ذلك أهل العلم بالأخبار والحلال والحرام والأحكام، وليس انتقاد ذلك إلى من لا يعرف الحديث ولا يبصر الرواية والاختلاف.
وكذلك ما روي من الآثار في حروف القرآن:
منها اللغة الشاذة القليلة، ومنها الضعيف المعنى في الإعراب، غير أنّه قد قرئ به، ومنها ما توهم فيه فغلط به، فهو لحن غير جائز عند من لا يبصر من العربية غير اليسير، ومنها اللحن الخفي الذي لا يعرفه إلا العالم النحرير؛ وبكلٍّ قد جاءت الآثار في القراءت.
قال: والقراءة التي عليها الناس بالمدينة ومكة والكوفة والبصرة والشام هي القراءة التي تلقوها عن أوليهم تلقياً، وقام بها في كل مصر من هذه الأمصار رجل ممن أخذ عن التابعين، اجتمعت الخاصة والعامة على قراءته وسلكوا فيه طريقه وتمسكوا بمذاهبه على ما روي – يعني – عن عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت رضي الله عنهما من الصحابة، وعن ابن المنكدر وعروة بن الزبير وعمر بن عبد العزيز وعامر الشعبي من التابعين أنهم قالوا: القراءة سنة يأخذها الآخر عن الأول، فاقرؤوا كما علمتموه؛ قال زيد: القراءة سنة.
قال إسماعيل القاضي: أحسبه يعني هذه القراءة التي جمعت في المصحف.
وذكر عن محمد بن سيرين أنه قال: كانوا يرون أن قراءتنا هذه هي أحدثهن بالعرضة الأخيرة، وفي رواية قال: نبئت أن القرآن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه مرتين[20].
قال ابن سيرين: فَيَرونَ أَو يَرْجُونَ أن تكون قراءتنا هذه أحدث القراءات عهداً بالعَرْضَة الأخيرة[21]. أخرجه أبو عبيدة وغيره.
وعنه عن عبيدة السلماني قال: القراءة التي عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الذي قبض فيه، هي التي يقرأها الناس اليوم. وفي رواية: القرآن الذي عرض. أخرجه ابن أبي شيبة[22].
الذي يقبل من القرآن فيقرأ به وعكسه؟
قال الإمام أبو محمد مكي في مصنّفه الذي ألحقه بكتاب "الكشف" له: فإن سأل سائل فقال ما الذي يُقبل من القرآن الآن فيقرأ به، وما الذي لا يقبل ولا يقرأ به، وما الذي يقبل ولا يقرأ به؟ فالجواب أن جميع ما روى في القرآن على ثلاثة أقسام: قسم يقرأ به اليوم وذلك ما اجتمع فيه ثلاث خلال وهن أن ينقل عن الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون وجهه في العربية التي نزل بها القرآن سائغاً ويكون موافقاً لخط المصحف فإذا اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث قرئ به وقطع على مغيبه وصحته وصدقه لأنه أخذ عن إجماع من جهة موافقة خط المصحف وكفر من جحده؛
(والقسم الثاني) ما صح نقله عن الآحاد وصح وجهه في العربية وخالف لفظه خط المصحف فهذا يقبل ولا يقرأ به لعلتين إحداهما أنه لم يؤخذ بإجماع إنما أخذ بأخبار الآحاد ولا يثبت قرآن يقرأ به بخبر الواحد، والعلة الثانية أنه مخالف لما قد أجمع عليه فلا يقطع على مغيبه وصحته وما لم يقطع على صحته لا يجوز القراءة به ولا يكفر من جحده ولبئس ما صنع إذا جحده.
قال ابن الجزري: ومثال القسم الثاني: قراءة عبد الله بن مسعود وأبي الدرداء "والذكر والأنثى" في {وما خلق الذكر والأنثى} وقراءة ابن عباس "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة، صالحة غصبا، وأما الغلام فكان كافراً" ونحو ذلك مما ثبت برواية الثقات.
(والقسم الثالث) هو ما نقله غير ثقة أو نقله ثقة ولا وجه له في العربية فهذا لا يقبل وإن وافق خط المصحف[23].
ومثال القسم الثالث -كما ذكره أيضاً ابن الجزري -: مما نقله غير ثقة كما في كتب الشواذ مما غالب إسناده ضعيف كقراءة ابن السميفع، وأبي السمّال وغيرهما في {ننجيك ببدنك}[يونس:92] "ننحيك" بالحاء المهملة. وكقوله تعالى: {لتكون لمن خلفك آية}[يونس:92] بفتح سكون اللام[24].
وهذا مما ستراه كثيراً مما نقله القاضي البيضاوي في تفسيره وتوجيهه لمثل هذه القراءات.
وجوه الخلاف في القراءات:
قال ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن": وقد تدبّرت وجوه الخلاف في القراءات فوجدتها سبعة أوجه:
أولها: الاختلاف في إعراب الكلمة، أو في حركة بنائها بما لا يزيد عن صورتها في الكتاب ولا يُغَيِّرُ معناها نحو قوله تعالى: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم}[هود:78] وَ"أَطْهَرَ لَكُمْ".
الوجه الثاني: أن يكون الاختلاف في إعراب الكلمة وحركات بنائها بما يغيّر معناها، ولا يزيلُها عن صورتها في الكتاب، نحو قوله تعالى: {ربنا باعد بين أسفارنا}[سبأ:19] وَ"رَبُّنَا بَاعَدَ بَيْنَ أسفارنا".
الوجه الثالث: أن يكون الاختلاف في حروف الكلمة دون إعرابها، بما يُغيّر معناها ولا يزيل صورتها، نحو قوله: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}[البقرة:259] وَ"نُنْشِرُها".
الوجه الرابع: أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يُغيّر صورتها في الكتاب، ولا يُغيّر معناها، نحو قوله: "إِن كانَتْ إِلاَّ زَقْيَةً" وَ{صيحة}[يس:29].
الوجه الخامس: أن يكون الاختلاف في الكلمة بما يزيل صورتها ومعناها نحو قوله: "وَطَلْعٍ مَنْضُود" في موضع {وطلح منضود}[الواقعة:29].
الوجه السادس: أن يكون الاختلاف بالتقديم والتأخير، نحو قوله: {وجاءت سكرة الموت بالحق}[ق:19]، وفي موضع آخر: "وَجَاءتْ سَكْرَةُ الحَقِّ بِالمَوْتِ".
الوجه السابع: أن يكون الاختلاف بالزيادة والنقصان، نحو قوله تعالى: "ومَا عَمِلَتْ أيْدِيهِمْ"، {وما عملته أيديهم}[يس:35].
ثم قال ابن قتيبة: وكلّ هذه الحروف كلام الله تعالى نزل به الروح الأمين على رسوله عليه السلام، وذلك أنه كان يُعارضه في كل شهر من شهور رمضان بما اجتمع عنده من القرآن فَيُحْدِثُ الله إليه من ذلك ما يشاء، وينسخ ما يشاء، ويُيَسِّر على عباده ما يشاء، فكان من تيسيره أن أمره بأن يُقْرئَ كل قوم بلغتهم وما جرت عليه عادتهم: فالهذليّ يقرأ "عَتَّى حين" يريد {حتى حين}[المؤمنون:54] لأنه هكذا يَلْفِظُ بها ويستعملها. والأسديّ يقرأ: تعلمون وتِعْلم، و{تسود وجوه}[آل عمران:106] يقرؤها "تِسْوَدُّ وجُوهٌ"، و{ألم أعهد إليكم}[يس:60] يقرؤها "أَلَمْ إِعْهَد إِليكم". والتميمي يهمز، والقرشيّ لا يهمز... ثم قال ابن قتيبة: ولو أن كل فريق من هؤلاء أُمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتياده طفلاً وناشئاً وكهلاً لاشتد ذلك عليه، وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل للسان، وقطع للعادة، فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل لهم متسعاً من اللغات، ومتصرفاً في الحركات، كتيسيره عليهم في الذين حين أجاز لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا باختلاف العلماء من صحابته في فرائضهم، وأحكامهم، وصلاتهم، وصيامهم، وزكاتهم، وحجّهم، وطلاقهم، وعتقهم، وسائر أمور دينهم[25].
القراءة عند ابن جني (ت:392هـ):
وأبو الفتح جعل القراءة على ضربين:
الضرب الأول: ما اجتمع عليه أكثر قرّاء الأمصار، وهو ما أودعه أبو بكر أحمد بن مجاهد في كتاب الموسوم بقراءات السبعة، وهو بشهرته غانٍ عن تحديده.
والثاني: تعدّى ذلك، فسمّاه أهل زماننا شاذّاً، أي خارجاً عن قراءة القرّاء السبعة – المقدّم ذكرها – إلا أنه مع خروجه عنها نازع بالثقة إلى قرّائه، محفوف بالروايات من أمامه وورائه، ولعله، أو كثيراً منه، مساوٍ في الفصاحة للمجتمع عليه. نعم وربما فيه ما تلطف صنعته، وتعنُف بغيره فصاحته، وتمطوه قوى أسبابه، وترسو به قَدَمُ إعرابه، ولذلك قرأ بكثير منه من جاذب ابن مجاهد عِنَان القول فيه، وما كَنَه عليه، ورادّه إليه، كأي الحسن أحمد بن محمد بن شنبوذ [ت:323هـ]، وأبي بكر محمد بن الحسن بن مِقْسم [ت:354هـ]، وغيرهما مما أدى إلى رواية استقْواها، وأنحى على صناعة من الإِعراب رضيها واستعلاها. ولسنا نقول ذلك فسحاً بخلاف القرّاء المجتمع في أهل الأمصار على قراءتهم، أو تسويفاً للعدول عما أقرّته الثقات عنهم؛ لكن غرضنا أن نُري وجه قوة ما يسمى الآن شاذّاً، وأنه ضارب في صحة الرواية بِجِرانه، آخذاً من سمت العربية مهلة ميدانه، لئلا يُرَى مُرَى أن العدول عنه إنما هو غضٌّ منه، أو تُهمَةٌ له. ثم قال: إلا أننا وإن لم نقرأ في التلاوة به مخافة الانتشار فيه، ونتابِعْ من يتبع في القراءة كل جائز رواية ودراية فإنا نعتقد قوة هذا المسمى شاذّاً وأنه مما أراد الله تعالى بتقبله وأراد منا العمل بموجبه، وأنه حبيب إليه، ومرضيٌّ من القول لديه، نعم وأكثر ما فيه أن يكون غيره من المجتمع عندهم عليه أقوى منه إعراباً وأنهض قياساً، إذ هما جميعاً مرويان مسندان إلى السلف رضي الله عنهم. فإن كان هذا قادحاً فيه، ومانعاً من الأخذ به فليكُونن ما ضعف إعرابه مما قرأ بعض السبعة به هذه حاله، ونحن نعلم مع ذلك ضعف قراءة ابن كثير [ت:120هـ] "ضئاء"[26] بهمزتين مكتنفيّ الألف، وقراءةِ ابن عامر [ت:118هـ] "وكذلك زُيّنَ لكثير من المشركين قتلُ أولادَهم شركائهم"[27]، وسنذكر هذا ونحوه في مواضعه متصلاً بغيره، وهو أيضاً مع ذلك مأخوذ به[28]...
ما اشتهر من قرّاء الشواذ:
حكى ابن النديم (ت:385هـ) أسماء ما اشتهر منهم، فذكر قرّاء الشواذ من أهل المدينة، خمسة منهم: شيبة بن نصاح، وأبو جعفر المدني، وأربعة من أهل مكة منهم: ابن محيصن، وحميد بن قيس الأعرج، وخمسة من أهل البصرة منهم: عاصم الجحدريّ، وعيسى بن عمر الثقفي النحوي، ويعقوب الحضرمي، وذكر من قرّاء الكوفة أربعة طلحة بن مصرّف؛ ويحيى بن وثاب، وعيسى بن عمر الهمداني الكوفي – ليس بالنحوي – وابن أبي ليلى. ومن أهل الشام ثلاثة أبو البرهَسَم واسمه عمران بن عثمان الزبيدي، ويزيد البربري، وخلف بن معدان. ومن أهل اليمن محمد بن السميفع، ومن أهل بغداد ذكر خلف بن هشام[29].
وذكر صاحب كتاب "القراءات الشّاذّة..." عنواناً: قرّاء الشّواذ ومميزاتهم.
قال فيه: إن الحديث عن سند القراءات الشّاذّة هو حديث عن قرّاء الشّواذ، وما من طبقة من طبقات القرّاء إلا ونجد فيها من قرأ أو أَقرأ بالشّواذ، بدءاً من طبقة الصحابة – رضوان الله عليهم – إلى يومنا هذا. وإنه ليعسر حصر كل من قرأ بالشّواذ في كل طبقة لكثرة عددهم، ولطول ذكر أخبارهم.
ثم ذكر بعض خصائصهم ومميزاتهم منها:
1- ضعف أسانيد قرّاء الشّواذ.
2- اختيارات قرّاء الشّواذ.
3- قرّاء الشّواذ ممن رويت عنهم قراءات متواترة.
وقد سمى بعضاً منهم في كلّ نوع ذكره. مع ذكر جانب من ترجمتهم. فانظره[30].
وَمَاهِرٍ فِي عِلْمِهِ مُقَدَّم وَالعِلْمِ بِالقُرآنِ وَالدِّيَانَه فَلَمْ يَرَ النَّاسُ لِذَا اتِّبَاعَه مِنْ أَحْرُفِ الذِّكْرِ وَكُلِّ مَا قَرَا وَنَبَذَ الإِسْنَادَ وَالحِكَايَه وَقَالَ بِالرَّأْيِ وَبِالقِيَاس وَالوَاهي المَعْلُولَ بِالسَّلِيم بِحَرفِهِ ذَاكَ ولاَ القِرَاءَة بِالمُصْطَفَى فَهْوَ لِذَا مُحَال وقَالَهُ الأَصْحَابُ وَالأَتْبَاعُ يَزِيدٌ السعديُّ، ذُو السَّكِينَـه


كَمْ مِنْ إِمَامٍ فَاضِلٍ مُعَظَّم مُشْتَهِرٍ بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَه لَكِنَّهُ شَذَّ عَنِ الجَمَاعَه بَلْ أسْقَطُوا اخْتِيَارَهُ وَمَا رَوَى إِذْ كَانَ قَدْ حَادَ عَنِ الرِّوَايَه عَمَّنْ مَضَى مِنْ عُلَمَاءِ النَّاس وخَلَطَ الصَّحِيحَ بِالسَّقِيم فَلاَ تَجُوزُ عِنْدَنَا الصَّلاَة كَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اتِّصَال هَذَا الذِي عَلَيْهِ الاجْتِمَاعُ فَمِنْهُمُ مِنْ سَـاكِنِ المَدِينَـه



ونقل ما أجمله أبو عَمْروٍ الدّاني – رحمه الله – في "منبهته"[31] القول في ميزان قرّاء الشّواذ، وبعض خصائصهم، وسمّى بعض أعلامهم، وأماكن سكناهم، وإقامتهم حيث قال:








وَهُوَ أبُو وَجْزَةَ، أَرْوَى الخَلْقِ وَمِنْهُمُ محمدُ اليَمَانِي وَمِنْهُمُ مِنْ سَاكِـنِ العِـرَاق وَنَصْرُ بنُ عَاصِمٍ اللِّيْثِي وَقَعْنَبٌ والثَّقَفِيُّ عِيسَى وَالفَرْقَبيُّ وَأَبُو أنَاس وَمِنْهُمُ مِنْ سَاكِنِ الشَّآم وابنُ قُطَيْبٍ وَأَبو البَرْهَسَم وابنُ أبِي عَبْلَةَ إِبْرَاهِيم عَنْهُ أتَتْ حُرُوفُ أَهْلِ حِمْص وَمِثْـلُ هَؤُلاَءِ، مِمَّـنْ شذَّا نَاسٌ كَثِيرٌ، ذِكْرُهُمْ يَطُولُ تَرِكْتُ تَسْمِيَتَهُمْ لِذَاكَا عَنْهُمْ، وَإِنْ سُطِّرَ فيِ كِتَاب وَاقْرَأْ بمَا قَرَا بِهِ الأَكَابِر وَهُوَ الذِي الآنَ بِأَيْدِي الأُمَّه




لِخَبَرٍ مَعْ عِفَّةٍ، وَصِدْق وَابْنُ مُحَيْصِنٍ، أبُو البَيَان عَبْدُ الإِلَهِ، ابنُ أَبِي إِسْحَـاق والجَحْدَرِيُّ، عَاصِمٌ البَصْرِي وَلَمْ يَزَلْ مُقَدَّما رَئِيسَا ثُمَّ أبُو البِلاَدِ الرُّؤَاسِي شُرَيْحٌ الحِمْصِيُّ ذُو التَّمَام عُمْرَانٌ وَهُوَ شَيْخٌ ثِقَةٌ قَديم وَهُوَ شَيْخٌ ثِقَةٌ قَدِيم وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ شَخْص عَنِ الجَمَاعَـةِ وَصَـارَ فَـذَّا وَفِيهمُ المَشْهُورُ، والمَجْهُولُ فَاطَّرِحَنْ، جَمِيعَ مَا أَتَاكَا أَوْ وَافَقَ القَوِيَّ فِي الإِعْرَاب مِنَ الصَّحِيحِ المُنْتَقَى وَالسَّائِر مِنْ مَذْهَـبِ القَرَأةِ الأَئِمَّـه















وأختم هذا "المدخل" بما ذُكر في تشذيذ قراءات النبي صلى الله عليه وسلم. وقد كتب في ذلك صاحب القراءات الشاذّة أيضاً.. تعريفاً بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم. أذكرها لأهميتها، ولأنها ذكرت مراراً أثناء الكلام في توجيه القراءات الشاذة – في هذا الكتاب الذي بين أيدينا –.
قال مؤلفه – حفظه الله –: التعريف بقراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم:
ويقصد بقراءة النبي صلى الله عليه وسلم ما ينتهي إليه صلى الله عليه وسلم من قراءة سواء كان ذلك الانتهاء بإسناد متصل أم لا، فهي كالحديث المرفوع، وهي روايات وصلت إلينا عن بعض شيوخ القراءة عن شيوخهم، إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحيحة، وحسنة، وضعيفة.
قال: ويكثر هذا العنوان في "مختصر شواذ القرآن" لابن خالويه، و"المحتسب" لابن جني، وكتب "معاني القرآن" وكذا كتب التفسير كـ "جامع البيان" لابن جرير الطبري، و"الكشاف" للزمخشري، و"المحرر الوجيز" لابن عطية، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي... قال: وعقد الإمام أبو داود في سننه لهذه القراءة باباً بعنوان "الحروف والقراءات" بلغ عدد الروايات فيه تسعاً وثلاثين رواية، والإمام الترمذي باسم "القراءات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم" فبلغ عدد رواياته اثنتين وعشرين رواية، والحاكم – أيضاً – بعنوان "قراءات النبي صلى الله عليه وسلم" حيث ذكر في مستدركه عشرة ومئة رواية.
قال المؤلف: ومن المؤلفات التي صُنّفت بعنوان "قراءات النبي صلى الله عليه وسلم":
1- جزء فيه قراءات النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عمر حفص بن عمر الدّوري – رحمه الله – وهو الكتاب الوحيد المتبقي من هذا النوع، ضمنّه صاحبه ثلاثاً وثلاثين ومئة رواية. وبذلك يفوق كتب الحديث المتقدمة رواية لقراءات النبي صلى الله عليه وسلم.
2- قراءة النبي صلى الله عليه وسلم – لأبي بكر بن مجاهد – صاحب كتاب "السبعة في القراءات".
قال المؤلف: والعلماء بتأليفهم في هذا النوع من القراءات لم يقصدوا بذلك أنها القراءة التي يجب أن تقرأ وتتبع لكونها رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنها متواترة وغيرها آحاد، وإنما هي روايات وصلت إليهم عن جمع من شيوخهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها الصحيحة، ومنها دون ذلك.
قال: ولقد عاب الشيخ ابن عاشور على من تقدم من العلماء ممن أطلقوا وصف قراءة النبي صلى الله عليه وسلم عليها، لأنه يوهم من ليسوا من أهل الفهم الصحيح أن غيرها لم يقرأ به النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يرجع إلى تبجح أصحاب الرواية بمروياتهم.
ثم ذكر أن القراءات المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تتنوع إلى ثلاثة أنواع:
· قراءات متواترة رُويت من طُرق غير الطرق المشهورة.
· قراءات شاذة.
· قراءات منسوخة. واستدل لكل نوع بشاهد. فانظره[32].
هذا ما اهتديت إليه من جمعٍ لقرّاء القرآن من الصحابة والتابعين ومن تبعهم حتى أئمة القرّاء السبعة الذين اشتهروا في الآفاق.
ثم تكلمت على أول من جمع كتاباً في القراءات بدءاً بأبي عبيد القاسم بن سلاّم، وحتى عصر عيسى بن عبد العزيز الإسكندري (ت:629هـ) مؤلف كتاب "الجامع الأكبر والبحر الأزخر"، ثم ذكرت كتاب "معرفة القرّاء" للذهبي الذي حوى طبقات القرّاء كلّها، وكتاب "غاية النهاية" لابن الجزري أيضاً.
ثم تكلمت في الفصل بين القراءة الصحيحة القوية، والشّاذة الضعيفة. وهو ما نقله ابن مجاهد في "السبعة".
ثم ما ذكره مكي بن أبي طالب القيسي عن القراءات التي تقبل ويقرأ بها، والذي لا يقبل ولا يقرأ به، والذي يقبل ولا يقرأ به.
ثم ما ذكره ابن قتيبة عن وجوه الخلاف في القراءات، وقيّدها بسبعة أوجه.
وكلام ابن جني عن القراءة الصحيحة والشاذة. وضمنّت ذلك ما نقلته عن كتاب القراءات الشاذة... وتشذيذ قراءات النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا وأسأل الله تعالى أن أكون قد وُفقت في هذا الجمع حتى يكون باباً لمن أراد أن يدخل في قراءة كتاب "القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير البيضاوي" والله الموفق.











القاضي البيضاوي، وكتابه: أنوار التنزيل وأسرار التأويل

- القاضي البيضاوي هو: ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي قاضي القضاة البيضاوي – بفتح الباء إلى البيضاء من بلاد فارس – الشافعيّ. قال ابن شهبة في "طبقاته": صاحب المصنّفات، وعالم أذربيجان، وشيخ تلك الناحية، وَليَ قضاء شيراز، قال السبكي: كان إماماً مبرّزاً نظّاراً خيّراً صالحاً متعبداً. وقال ابن حبيب: تكلّم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته، ولي أمر القضاء بشيراز، وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام توفي بمدينة تبريز، قال السبكي والأسنوي سنة إحدى وتسعين وستمائة، وقال ابن كثير في تاريخه، والكتبي، وابن حبيب: توفي سنة خمس وثمانين، وأهمله الذهبي في "العبر" انتهى كلام ابن شهبة. وقال ابن كثير في "طبقاته": ومن تصانيفه "الطوالع" قال السبكي: وهو أجل مختصر في علم الكلام، و"المنهاج" مختصر من "الحاصل والمصباح" و"مختصر الكشاف"، و"الغاية القصوى" في رواية الفتوى وغير ذلك رحمه الله. نقله ابن العماد في الشذرات.
وذكر الزركلي في "الأعلام" أن من تصانيفه "أنوار التنزيل وأسرار التأويل" قال: يعرف بتفسير البيضاوي. وعدّد الشهاب الخفاجي مصنفاته وذكر أن هذا التفسير هو أجلّها. كما حكى تاريخ وفاته بعد أن ساق كلام السبكي وقال: هذا هو المشهور، وقال: والذي اعتمده وصححه المؤرّخون في التواريخ الفارسية أنه توفي في شهر جمادى الأولى سنة تسع عشرة وسبعمائة تقريباً، قال: ويشهد له ما في آخر تاريخه "نظام التواريخ" وهو المعتمد.
وكتبه الأكثر تداولاً بين أهل العلم: كتاب "المنهاج" وشرحه في أصول الفقه، وكتاب "الطوالع" في أصول الدين، و"أنوار التنزيل وأسرار التأويل" في التفسير. ذكر ذلك الدكتور الذهبي في كتابه "التفسير والمفسرون"[33].
وقد وقع تحت يدي ثلاث نسخ كلّها مطبوعة:
1- نسخة البابي الحلبي ط: 1388هـ- 1968م. مصر. وأثبتّها في نقل القراءة الشّاذة، ووضعْتُ علامة (*) ورقم الجزء والصفحة في الهامش.
2- نسخة الشهاب الخفاجي مصورة أُثبتَ التفسير على هامشها. ط: 1283هـ. مصر.
3- نسخة حاشية شيخ زاده. أثبت التفسير في المتن. ط1: 1419هـ- 1999م دار الكتب العلمية بيروت. تحقيق: محمد عبد القادر شاهين. وقع فيها أخطاء كثيرة.
التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
وصف حاجي خليفة تفسيره هذا بأنه: كتاب عظيم الشأن غني عن البيان لخص فيه من "الكشاف" ما يتعلق بالإعراب، والمعاني، والبيان، ومن التفسير الكبير – المسمى بمفاتيح الغيب للفخر الرازي (ت:606هـ) –، ومن تفسير الراغب – الأصفهاني (ت:502هـ) –، ما يتعلّق بالاشتقاق، وغوامض الحقائق، ولطائف الإشارات، وضمّ إليه ما ورى زناد فكره من الوجوه المعقولة والتصرفات المقبولة فجلا رين الشك عن السريرة وزاد في العلم بسطة وبصيرة[34]..
كما وصفه الدكتور الذهبي بقوله: أنه ضم بعض الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، كما أنه أعمل فيه عقله، فضمنه نكتاً بارعة، ولطائف رائعة، واستنباطات دقيقة. كل هذا في أسلوب رائع موجز، وعبارة ترق أحياناً وتخفى إلا على ذي بصيرة ثاقبة، وفطنة نيّرة. قال: وهويتهم أحياناً بذكر القرءات، ولكنه لا يلتزم المتواتر هنا فيذكر الشاذ، كما أنه يعرض للصناعة النحوية، ولكن بدون توسع واستفاضة[35]..
منهجه في التفسير وروايته في القراءات المتواترة المشهورة والشاذة:
والبيضاوي حكى منهجه في تفسيره فقال: .. ولطالما أحدّث نفسي بأن أصنّف في هذا الفن – يعني التفسير – كتاباً يحتوي على صفوة ما بلغني من عظماء الصحابة، وعلماء التابعين، ومن دونهم من السلف الصالحين، وينطوي على نكات بارعة، ولطائف رائعة، أستنبطها أنا ومن قبلي من أفاضل المتأخرين، وأماثل المحققين، ويعرب عن وجوه القراءات المشهورة المعزيّة إلى الأئمة الثمانية المشهورين، والشواذ المروية عن القرّاء المعتبرين، إلا أن قصور بضاعتي يثبطني عن الإقدام، ويمنعني عن الانتصاب في هذا المقام، حتى سنح لي بعد الاستخارة ما صمم به عزمي على الشروع فيما أوردته، والإتيان بما قصدته، ناوياً أن أسميه بـ "أنوار التنزيل وأسرار التأويل"[36].
قال الشهاب – معلّقاً على قول المصنّف–: والمرويّ عنه التفسير من الصحابة كثير، والمعروف منهم الخلفاء وابن عباس، وقد كثر عنه ذلك حتى سُمِّيَ "ترجمان القرآن" وكذا يُروي عن ابن مسعود ما لا يحصى، والمشهور من التابعين مجاهد، وعطاء، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وطاووس، وزيد بن أسلم، وبعد هؤلاء ألّفت تفاسير جمُع فيها أقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة، ووكيع، وشعبة، وعبد الرزاق، وزيد بن هارون، وبعد هؤلاء ابن جرير، وتفسيره أجلّ تفسير للمتقدمين. ثم استفاض التأليف حتى انتهى للزجاج (ت:311هـ) والرّماني (ت:384هـ) ومنهما أخذ الزمخشري – تفسيره – ثم جاء بعدهم من كثر السواد بأقوال الحكماء والصوفية كالرازي، حتى قيل تفسيره كل شيء إلا التفسير.
ثم قال الشهاب – معلّقاً – على قول المصنّف أيضاً "ويعرب عن وجوه القراءات المعزيّة إلى الأئمة الثمانية المشهورين، والشواذ المروية عن القراء المعتبرين".
والثمانية هم القرّاء السبعة المشهورون، والثامن يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري، وراوياه رَوْح بن عبد المؤمن الهذلي البصري (ت:235هـ) – بفتح الرّاء – ورويس بالتصغير واسمه محمد بن المتوكل (ت:238هـ). قال: والشاذّ ما وراء السبعة، والأصح أنه ما فوق العشرة وأحكامه مبسوطة في محلها[37].
بعض ما أورده من قراءات متواترة مشهورة:
1- قوله تعالى {مالك يوم الدين}[الفاتحة:4]. قرأه عاصم والكسائي ويعقوب، قال: ويعضده قوله تعالى {يوم لا تملك نفس لنفس شيئا0والأمر يومئذ لله}[الإنفطار:19]. قال: وقرأ الباقون: "مَلِكِ" وهو المختار لأنه قراءة أهل الحرمين، ولقوله تعالى {لمن الملك اليوم}[غافر:16] ولما فيه من التعظيم، والمالك: هو المتصرّف في الأعيان المملوكة كيف شاء من المُلك، والمَلِك: هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين من الملك[38].
2- قوله تعالى {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا}[الإسراء:92] قال: وقد سكنّهُ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب في جميع القرآن إلا في "الروم"، وابن عامر إلا في هذه السورة، وأبو بكر ونافع في غيرهما، وحفص فيما عدا "الطور" وهو إما مخفف من المفتوح، كسِدْرٍ وَسُدُر، أو فِعْل بمَعنى مَفْعُول كالطَّحْن بمعنى المَطحُون[39].
3- قوله تعالى {ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم}[آل عمران:178] قال: وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو عاصم والكسائي ويعقوب بالياء على أن "الذين" فاعل، وأن مع ما في حيّزه مفعول، وفتح سينه في جميع القرآن ابن عامر وحمزة وعاصم. قال والإملاء: الإمهال وإطالة العمر[40].
4- قوله تعالى {لابثين فيها}[النبأ:23] وقرأ حمزة وروح "لبثين" قال: وهو أبلغ. وفي قوله تعالى {رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن}[النبأ:37]. قال: بدل من "ربك" وقد رفعه الحجازيان، وأبو عمرو على الابتداء. "الرحمن" بالجرّ صفة له إلا في قراءة ابن عامر، وعاصم، ويعقوب، بالرفع في قراءة أبي عمرو، وفي قراءة حمزة، والكسائي، بجر الأول، ورفع الثاني، على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره {لا يملكون منه خطابا}[41].
القراءات الشاذّة في السبعة:
وهناك بعض الروايات حكاها البيضاوي عن السبعة ضمناً وهي شاذة، من ذلك: ما ذكره في قوله تعالى: {وعلى أبصارهم غشاوة}[البقرة:7] قال المصنّف البيضاوي: وقرئ بالنصب على تقدير: "وجعل على أبصارهم غشاوةً"...الخ.
قلتُ في الحاشية: وهي قراءة عاصم بن أبي النّجود في رواية المفضّل الضبّي: "وعلى أبصارهم غشَاوةً" بالنصب، وكذلك روى رَوْح بن عبد المؤمن عن أبي بكر لم يروهِ غَيره. ولا يقرأ بها لعاصم من طرق النشر والشاطبية. قال الزّجّاج: والنصب جائز في النحو على أن المعنى: " وجَعَلَ عَلَى أَبْصَارِهِم غِشَاوَةً ".
المراجع: جامع البيان في القراءات السبع للداني (2/29)، والمحرر الوجيز (1/88)، ومعاني القرآن للزجاج (1/84) وإعراب القرآن للنحاس (1/186)، ومعاني القراءات للأزهري (ص/40) والسبعة لابن مجاهد (ص/140و141)، والبحر المحيط (1/49)، ومعاني القرآن للفراء (1/13). وانظر (ص/9) من هذا الكتاب الذي بين أيدينا.
- وقوله تعالى {وإذا العشار عطلت}[التكوير:4] تُرِكَتْ مُهْملَةً، أَوِ السَّحَائِبُ عَنِ المَطَرِ، وَقُرِئَ بِالتَّخْفِيف.
في الحاشية قلتُ: وقرئ "عطلت" بتخفيف الطاء، حكاها ابن خالويه في الشواذ عن ابن كثير، وهي رواية عنه... الخ.
- وقوله تعالى {ذو العرش}[البروج:15] قال المصنّف: وَقُرِئَ "ذِي العَرْشِ" صِفَةٌ لـ "رَبِّكَ".
في الحاشية قلت: حكى ابن خالويه في "الشواذ": "ذي العرش المجيد" قال: بالياء، ابن عامر في رواية...الخ.
وهناك قراءات أخرى عن السبعة وهي شاذة ذكرتها في موضعها مع التعليق عليها.
بعض ما أورده من قراءات شاذة:
والقاضي رحمه الله حينما نقل القراءات الشاذة في تفسيره ذكرها بصيغة المجهول بقوله: وَقُرِئَ... وَأَدَرْتُ هذا المجهول إلى صيغة المعلوم حيث عزوت كلّ قراءة إلى قارئها مع تثبتٍ في النقل، والعزو، والتوجيه. من ذلك قوله تعالى: {وقالوا هذه أنعام وحرث حجر}[الأنعام:138] وَقُرِئَ "حُجْر" بالضمّ، و"حِرْجٌ" أي: مُضَيّق.
في الحاشية هكذا أثبتُّها:
- و"حُجْر" بضم الحاء، وهي قراءة الحسن وقتادة كذا عند الزمخشري، وزاد ابن عطية في نسبة القراءة إلى الأعرج، والهذليّ في "الكامل" عن عبد الوهاب عن أبي عمرو. وقال أبو البقاء: والقراءات لغات فيها. وقال الزمخشري: ويستوي في الوصف به المذكر والمؤنث، والواحد والجمع لأنه حكمه حكم الأسماء غير الصفات.
الكشاف (2/55)، والكامل للهذلي (ص/548و549)، والمحرر الوجيز (2/350و351)، والإملاء (1/262).
- وقرئ "وحَرْثٌ حِرْجٌ" الرّاء قبل الجيم، وكذا في مصحف أُبيّ بن كعب رضي الله عنه. ذكره النحاس، وقال الطبري: وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرؤها "وحَرْث حِرْجٌ" بالراء قبل الجيم. وقال ابن عطية: وهي قراءة مروية عن ابن عباس وأُبيّ بن كعب وابن مسعود وابن الزبير والأعمش وعكرمة وعمرو بن دينار. فالأولى والثانية "حِجرٌ وحُجر" بمعنى الحجر وهو المنع والتحريم، والأخيرة من "الحرج" وهو التضييق والتحريم. ونظير ذلك عند أبي الفتح في المحتسب.
ما سبق من المحرر (2/351)، والطبري في تفسيره (8/134)، والمحتسب (1/231)، وإعراب النحاس (2/99)، والبحر المحيط (4/231).
ونقل الدكتور الذهبي عن الجلال السيوطي في حاشيته على هذا التفسير المسماة "نواهد الأبكار وشوارد الأفكار" ما نصه: وإن القاضي ناصر الدين البيضاوي لخص هذا الكتاب فأجاد، وأتى بكل مستجاد، وماز فيه أماكن الاعتزال، وطرح موضع الدسائس وأزال، وحرر مهمات، واستدرك تتمات، فظهر كأنه سبيكة نضار، واشتهر اشتهار الشمس في رائعة النهار، وعكف عليه العاكفون، ولهج بذكر محاسنه الواصفون، وذاق طعم دقائقه العارفون، فأكب عليه العلماء تدريساً ومطالعة، وبادروا إلى تلقّيه بالقبول رغبة فيه ومسارعة[42].
قال حاجي خليفة: ثم إن هذا الكتاب رُزق من عند الله سبحانه وتعالى بحسن القبول عند جمهور الأفاضل والفحول، فعكفوا عليه بالدرس والتحشية، فمنهم من علّق تعليقه على سورة منه، ومنهم من حشى تحشية تامة، ومنهم من كتب على بعض مواضع منه[43].
ثم عدّ من هذه الحواشي والتعليقات ما يزيد عدده على الأربعين، ولا أطيل بذكرها، ومن شاء الإطلاع على ذلك فليرجع إليه في موضعه الذي أشرت إليه، وحسبي أن أقول: إن أشهر هذه الحواشي وأكثرها تداولاً ونفعاً: حاشية قاضي زاده، وحاشية الشهاب الخفاجي، وحاشية القونوى[44].
1- حاشية شيخ زاده:
وشيخ زاده: هو محمد بن مصلح الدين مصطفى القوجوي محي الدين الحنفي المعروف بشيخ زاده المدرّس الرّومي توفي سنة (951هـ). له من الكتب: "حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي"[45].
قال حاجي خليفة عن هذه الحاشية: هي أعظم الحواشي فائدةً وأكثرها نفعاً وأسهلها عبارة... ثم قال: ولا يخفى أنها من أعزّ الحواشي وأكثرها قيمة واعتباراً[46].
قلت: وتعدُّ عندي من أعظم المراجع التي اعتمدتها وأفدت منها في أصعب المسائل وأدّقها وذلك أثناء عَرْضي لتوجيه القراءات الشاذّة التي وردت في التفسير.
ففي قوله تعالى {ومن فوقهم غواش}[الأعراف:41]. قال القاضي البيضاوي: على قراءة "غواش" وقرئ "غواشٌ" على إلغاء المحذوف. قال شيخ زاده معلّقاً: ومن قرأ "غواشٌ" برفع الشين جعل الياء منسية غير معتبرة أصلاً لا في حق الإعراب ولا في حق منع الصرف فأجرى الإعراب على ما قبلها لكونه آخر الكلمة[47].
وعند الشهاب الخفاجي قال: قوله "أي المصنّف" غواش..الخ" قال: جمع غاشية وهي ما يغشى به، ومنه غاشية السرج المعروفة. قال: وللنحاة في مثله خلاف فقيل: هو غير منصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع، والتنوين عوض عن الحرف المحذوف أو حركته، والكسرة ليست للإعراب وهذا لا يختص بصيغة الجمع بل يجري في كل منقوص غير منصرف، "كيعيل" تصغير "يعلى" وبعض العرب يعربه بالحركات الظاهرة على ما قبل الياء لجعلها محذوفة نسياً منسياً قال: ولذا قرئ "غواش" برفع الشين "وله الجوار المنشآت" بضم الراء.انتهى[48].
2- وحاشية الشهاب الخفاجي: المسماة عناية القاضي وكفاية الراضي. وهو أحمد بن محمد بن عمر قاضي القضاة الملقب بشهاب الدين الخفاجي المصري الحنفي المتوفى سنة (1069هـ). وهو ماذكره محمد أمين الدين بن فضل الله المحبّي الدمشقي الحنفي في كتابه "خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر" وذكر أيضاً أن الشهاب تآليفه كثيرة ممتعة مقبولة، انتشرت في البلاد، ورزق فيها سعادة عظيمة، فإن الناس اشتغلوا بها.. ثم قال: والحاصل أنه فاق كل من تقدّمه في كل فضيلة وأتعب من يجيء بعده مع ما خوّله الله تعالى من السعة وكثرة الكتب ولطف الطبع والنكتة النادرة[49].
قلتُ: وحاشيته من أمتع الحواشي وأكثرها فائدة، وأغزرها مادة، لم يترك فيها شاردة ولا واردة إلا ذكرها مع أمانة في النقل ودقة في الضبط، وقد نقل كثيراً منها عن السّمين الحلبي في كتابه "الدر المصون" وشيخه أبي حيان الأندلسي من كتابه "البحر المحيط"، وعن ابن عطية من كتابه "المحرر الوجيز"، وعن أبي البقاء العكبري من كتابه "الإملاء"، وغيرهم، وكثيراً ما يناقش أقوالهم... كما نقل عن جهابذة أهل اللغة وأساطينها وناقش أيضاً ما نقلوه من بيان...
قال القاضي البيضاوي: قوله تعالى {فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام}[المائدة:89] فكفارته صيام ثلاثة أيام وشرط أبو حنيفة – رحمه الله – فيه التتابع لأنه قُرِئَ "ثلاثة أيامٍ متتابعات" والشواذ ليست بحجة عندنا إذا لم تَثْبُت كتاباً، ولم تروى سنّة.
قال الشهاب – معلّقاً –: قول المصنّف أن الشواذ ليست بحجة عندنا الخ.. قال في الأحكام قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وإبراهيم وقتادة هنّ متتابعات لا يجزى فيها التفريق فثبت التتابع بقول هؤلاء ولم يثبت بالتلاوة لجواز أن تكون التلاوة منسوخة والحكم ثابتاً وهو قول أصحابنا، وقالوا أيضاً: إن قراءته كروايته وهي مشهورة فيزاد بها على القطعي قال: فما ذكره غير مسلم عندنا[50].
وعند شيخ زاده: قال: واختلفوا في وجوب التتابع في هذا الصيام فذهب جماعة إلى أنه لا يجب التتابع فيه إن شاء تابع وإن شاء فرّق والتتابع أفضل، وهو أحد قولي الإمام الشافعي. وذهب جماعة إلى وجوب التتابع فيه قياساً على كفارة القتل والظهار، وهو قول النووي وأبي حنيفة رحمهما الله وعليه تدل قراءة ابن مسعود "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"أ.هـ[51].
قرّاء الشواذ في تفسير القاضي البيضاوي:
سبق أن ذكرت أن القاضي رحمه الله أثبت القراءات الشّاذّة في تفسيره بصيغة المجهول بقوله: وقرئ ...الخ إلا ما ذكره نادراً كقراءة أبي الشعثاء في قوله تعالى {لا ريب فيه}[البقرة:2] مرفوع "بلا" التي بمعنى "ليس".. ولعله تتبع ذلك المنهج في تفسير "الكشاف" وهو مُخْتَصِرَهُ، حيث لم ينسب الزمخشري قراءة قرّاء الشّواذ كلّهم بل ذكر بعضهم في مواضع وسكت عن أكثرهم.
وسأذكر مثالاً أستخلصه من سورة "الفاتحة" أُثبتُ ما أورده القاضي فيها من قراءة شاذّة كما هو في المتن، وتابعته بأن ذكرت قرّاء الشّواذ فيها، وقد قارب عددهم الثلاثين أو زيد على ذلك بقليل، فكان أولهم:
1- سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون أبو محمد الهلالي الكوفي ثم المكي (ت:198هـ)[52].
2- رؤبة بن العجاج التميمي السعدي (ت:145هـ). راجز من الفصحاء المشهورين، كان أكثر مقامه في البصرة[53].
3- هارون العتكي أبو عبد الله البصري (ت:قبل المائتين). قال أبو حاتم السجستاني كان أول من سمع بالبصرة وجوه القراءات وألفها وتتبع الشاذ منها[54].
4- الحسن البصري. الحسن بن أبي الحسن يسار الإمام أبو سعيد البصري (ت:110هـ).
قال ابن الجزري: روينا عن الشافعي رحمه الله أنه قال: لو أشاء أقول إن القرآن نزل بلغة الحسن لقلت لفصاحته[55].
5- زيد بن علي بن أحمد: أبو القاسم العجلي الكوفي (ت:358هـ) شيخ العراق إمام حاذق ثقة[56].
6- إبراهيم بن أبي عبلة، واسمه شمر بن يقظان بن المرتحل أبو إسماعيل (ت:153هـ) الشامي الدمشقي ويقال: الرّملي، ويقال: المقدسي. ثقة كبير تابعي، له حروف في القراءات واختيار خالف فيه العامة في صحة إسنادها إليه نظر[57].
7- أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر الدوسي (ت:58هـ) الصحابي الكبير رضي الله عنه. أخذ القرآن عرضاً على أبي بن كعب رضي الله عنه. وعن سليمان بن مسلم قال سمعت أبا جعفر يحي لنا قراءة أبي هريرة "إذا الشمس كورت" يحزنها شبه الرثاء.
قال ابن الجزري: تنتهي إليه قراءة أبي جعفر ونافع[58].
8- عاصم الجحدريّ: بن أبي الصباح العجاج أبو المجشِّر الجحدري البصري (ت:130هـ).
قال ابن الجزري: وقراءته في "الكامل" و"الاتضاح" فيها مناكير ولا يثبت سندها، والسند إليه صحيح في قراءة يعقوب من قراءته على سلام عنه[59].
9- أبو حنيفة: النعمان بن ثابت الإمام أبو حنيفة الكوفي (ت:150هـ)، فقيه العراق. روى القراءة عرضاً عن الأعمش، وعاصم، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. روى القراءة عن الحسن بن زياد اللؤلؤي. قال ابن الجزري: أفرد أبو الفضل الخزاعي قراءته في جزء رويناه من طريقه وأخرجه الهذلي في "كامله" إلا أنه تكلم في الخزاعي بسببها وفي النفس من صمتها شيء، ولو صح سندها إليه لكانت من أصح القراءات[60].
10- أبو حيوة: شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي (ت:203هـ). صاحب القراءات الشاذة ومقرئ الشام[61].
11- جبير بن مُطْعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي (ت:59هـ) أبو عدي. صحابي، كان من علماء قريش وسادتهم[62].

12- أبو عاصم عبيد بن عمير الليثي المكي (ت:74هـ) وردت عنه الرواية في حروف القرآن، روى عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب، روى عنه مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار[63].
13- علي بن أبي طالب أبو الحسن الهاشمي أمير المؤمنين (ت:40هـ) فضائله أكثر من أن تحصى ومناقبه أعظم من أن تستقصى رضي الله تعالى عنه. قال ابن الجزري: روينا عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه قال: ما رأيت ابن أنثى أقرأ لكتاب الله تعالى من عليّ، وقال – أيضاً –: ما رأيت أقرأ من عليّ عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الذين حفظوه أجمع بلا شك عندنا[64].
14- عون العقيلي: له اختيار في القراءة أخذ القراءة عرضاً عن نصر بن عاصم، روى القراءة عنه المعلى بن عيسى[65].
15- أبو عُبيد: القاسم بن سلاّم (ت:224هـ). الأنصاري، البغدادي، الإمام أحد الأعلام ذو التصانيف الكثيرة في القراءات وغيرها. قال ابن الجوزي: ولبي عبيد كتاب في القراءات ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله. أخذ القراءة عرضاً وسماعاً عن الكسائي[66]...
16- أبو حاتم السجستاني: سهل بن محمد (ت:255هـ) له اختيار في القراءة رويناه عنه ولم يخالف مشهور السبعة... قاله ابن الجزري[67].
17- سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (ت:51هـ). وردت عنه الرواية في حروف القرآن[68]...
18- وُوَرِّق العجلي بن عبد الله العجلي أبو المعتمر (ت:105هـ). البصري روى عن عمر وسلمان الفارسي وأبي ذر وأبي الدرداء وابن عباس وابن عمر وآخرين، وعنه قتادة، وعاصم الأ، وحميد الطزيل ومجاهد وآخرين[69]...

19- أنس بن مالك بن النصر الأنصاري (ت:91هـ) أبو حمزة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه، روى القراءة عنه سماعاً، وروت الرواية عنه في حروف القرآن[70].
20- الفضل بن عيسى الرقاشي: أبو عيسى البصري الواعظ.. من السادسة[71].
21- عمرو بن فائد – بالفاء – أبو علي الأسواري البصري وردت عنه الرواية في حروف القرآن روى عنه الحروف حسان بن محمد الضرير وبكر بن نصر العطار. ومما روى عنه "إياك نعبد وإياك" بتخفيف الياء[72].
22- أُبي بن كعب – رضي الله عنه – أبو المنذر الأنصاري المدني (ت:23هـ مع خلاف في وفاته) سيد القرّاء بالاستحقاق، وأقرأ هذه الأمة على الإطلاق. قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم بعض القرآن للإرشاد والتعليم[73].
23- يحيى بن وثّاب الأسدي الكوفي (ت:103هـ) تابعي ثقة كبيرة من العبّاد الأعلام[74]..
24- عبيد بن عمير بن قتادة أبو عاصم الليثي المكي (ت:74هـ). وردت عنه الرواية في حروف القرآن[75].
25- زر بن حبيش بن حباشة أبو مريم (ت:82هـ) الأسدي الكوفي. عرض عليه عاصم بن أبي النجود وسليمان الأعمش وأبو إسحاق السبيعي ويحيى بن وثاب قال عاصم: ما رأيت أقرأ من زر[76].
26- إبراهيم النخعي بن يزيد أبو عمران (ت:96هـ) الكوفي الإمام المشهور. قرأ عليه سليمان الأعمش وطلحة بن مصرّف. وهو القائل ينبغي للقارئ إذا قرأ نحو قوله تعالى (س9 آ30) {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} ونحو ذلك من الآيات أن يخفض بها صوته. قال ابن الجزري: وهذا من أحسن آداب القراءة[77].
27- سليمان الأعمش: بن مهران أبو محمد الأسدي الكوفي (ت:140هـ) قال هشام: ما رأيت بالكوفة أحداً أقرأ لكتاب الله عز وجل من الأعمش[78].
28- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أبو عبد الرحمن الهذلي المكي (ت:32هـ) قال ابن الجزري: وإليه تنتهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش. وروى الإمام أحمد رحمه الله. أنه أول من أفشى القرآن من فَيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يقول: حفظت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة وسبعين سورة[79].
29- عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما أبو بكر القرشي (ت:73هـ). قال الداني: وردت الرواية عنه في حروف القرآن[80].
30- أيوب السختياني بن أبي تميمة كيسان أبو بكر البصري (ت:131هـ).
ممن روى عنهم: عطاء، وعكرمة، والأعرج، وعمرو بن دينار، وأبي رجاء العطاردي، وأبي عثمان النهدي، وممن روى عنه الأعمش وهو من أقرانه، وقتادة وهو من شيوخه وخلق كثير[81].
31- عمرو بن عبيد: أبو عثمان البصري (ت:144هـ) وردت عنه الرواية في حروف القرآن، روى الحروف عن الحسن البصري وسمع منه.
قال عنه الزركلي: شيخ المعتزلة في عصره، ومفتيها، وأحد الزهاد المشهورين[82].





عملي في تحقيق الكتاب:
جاء ترتيبه على النحو التالي:
· عزلتُ القراءة الشّاذّة من تفسير القاضي عند قوله: وقُرِئَ ...الخ. وأثبتُّ مَاذَكَرَهُ مِنْ تَوجيهٍ لتلكَ القراءَة، مع ضَبْطٍ للمَتْنِ.
· عَزَوْتُ كلّ آية ذُكرت إلى سُوَرِهَا، مع إثبات رقم السُّورَة، ورقم الآية.
· نقلتُ قراءة القرّاء في الآية التي ذُكرت ونسبتُها إلى قائليها.
· ذكرتُ مناقشة العلماء في توجيههم للقراءة الشّاذّة، وذكرتُ في التَّوجيه حال كلّ فريق في ذلك.
· بَيَّنتُ ماذُكر من توجيه للقراءة لغة، وبيان قوة وجهها في العربية.
· بيَّنْتُ ماذكر من توجيه للقراءة في الفقه، وبيان قوّة وجهها في الأحكام الشرعية.
· أثبتُّ بعض القراءات التي نسبت للنبي صلى الله عليه وسلم، وبيان معناها عند العلماء.
· نقلتُ بعض القراءات الشّاذّة التي وردت في بعض المصاحف المنسوبة إلى بعض الصّحابة – رضوان الله عليهم –.
· ذكرتُ بعض القراءات الشّاذّة التي نُقلت مِنْ رواياتٍ وَطُرُقٍ عن القرّاء السَّبعة وثامنهم يعقوب. وبيّنت حال تلك القراءة ونسبتها.
· أثبتُّ أقوال السَّلف فيما ذكر من قراءة في الآيات المتشابهة. دون الرجوع إلى غيرهم.
· الفهارس العامة وفيها:
1- فهرس: الكلمات والآيات في كتاب "القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير البيضاوي".
2- فهرس: أعلام قرّاء الشواذ الذين نقلت عنهم في التحقيق.
3- فهرس: موضوعات الكتاب.
4- فهرس: المصادر والمراجع.
وبهذا الختم أكون قد أتممت هذا الكتاب الزاهر "القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير البيضاوي" منّاً منه سبحانه وتعالى وتفضّلاً وتكرّماً وإحساناً، راجياً منه سبحانه قبوله إنه جواد كريم.

{رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والديّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين} [النمل:19]



شكر وتقدير



[1] صدر الكتاب بطبعتين الأولى: سنة 1405هـ-1985م. مطابع العبيكان بالرياض.
الثانية: سنة 1411هـ-1990م. مطابع دار طيبة بالرياض. توزيع دار الشواف.
وامتازت الطبعة الثانية: استدراكات على ما وقع في الطبعة الأولى، ثم إضافة: باب في الاستعاذة والتسمية، وإمالات قتيبة عن الكسائي. من طريق "الغاية".

[2] معرفة القرّاء للذهبي (2/566).

[3] المرشد الوجيز لأبي شامة (ص/40-42) تحقيق: طيار آلتي قولاج.

[4] أخرجه البخاري (4999)، ومسلم (2464)، وانظر المرشد الوجيز (ص/36).

[5] أخرجه البخاري (3810)، ومسلم (2465)، وانظر المرشد الوجيز (ص/67).

[6] أخرجه البخاري (5004)، وانظر لما سبق الإتقان للسيوطي (1/332و333) تحقيق: د.محمود أحمد القيسية و محمد أشرف الأتاسي.

[7] المرشد الوجيز (ص/38)، وانظر: الانتصار للباقلاني (ص/100) فما بعدها، و(ص/126) فما بعدها، و(ص/154-160)، تحقيق: عمر حسن القيام، مؤسسة الرسالة، بيروت 1425هـ-2004م.

[8] البرهان في علوم القر’ن (ص/170و171) تحقيق: أبي الفضل الدمياطي.

[9] سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أحد الفقهاء السبعة في حروف القرآن. مات سنة ثمان ومائة وقيل غير ذلك.
غاية النهاية (1/301).

[10] توفي في أيام عُبيد الله بن زياد، وصلّى عليه القَاضِي شُريح.
غاية النهاية (1/601).

[11] انظر غاية النهاية (1/201).

[12] في الإتقان "خليفة بن سعد" وهو خطأ، والصحيح خليد بن سعد السلاماني.
غاية النهاية (1/606) ذكره في عرض ترجمته لأبي الدرداء رضي الله عنه، وخليد ممن عرض عليه القرآن، والمرشد الوجيز (ص/165)، وانظر ترجمة خليد في ميزان الاعتدال (1/310).

[13] الإتقان (1/342و343)، وهو ما ذكره ابن الجزري في النشر (1/8).

[14] النشر (1/8و9)، والإتقان (1/343و344).

[15] ينظر لما سبق الإتقان (1/344و345).

[16] النشر (1/9).

[17] النشر (1/33-35).

[18] وكتابه "معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار" قام بتحقيقه: بشار عواد معروف، والعلاّمة شعيب الأرناؤوط، وصالح مهدي عباس. ونشرته مؤسسة الرسالة. بيروت، ط1:1404هـ-1984م.

[19] وكتابه "غاية النهاية في طبقات القراء" تحقيق برجشتراسر، ونشرته مكتبة الخانجي ط1، 1352هـ /1932م.
وانظر الإتقان (1/346).

[20] انظر فضائل القرآن لأبي عبيد [2-55] (ص/214).

[21] ما سبق من فضائل القرآن (ص/215).

[22] المرشد الوجيز (ص/168-171)، وينظر: مقدمة كتاب السبعة لابن مجاهد (ص/45-52).

[23] النشر (1/13و14).

[24] ما سبق من النشر (ص/16).

[25] تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة (ص/31-32).

[26] قوله تعالى {هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورا}[يونس:5].
قال ابن مجاهد: قرأ ابن كثير وحده "ضِئاءً" بهمزتين في كل القرآن، الهمزة الأولى قبل الألف والثانية بعدها. قال: كذلك قرأت على قنبل. قال: وكان أصحاب البزي وابن فليح ينكرون هذا ويقرأون مثل قراءة الناس {ضياءً}.
السبعة لابن مجاهد.

[27] قوله تعالى {وكذلك زين لكثير من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤهم}[الأنعام:137].
قال ابن مجاهد: قرأ ابن عامر وحده: "وكذلك زُيِّنَ" برفع الزّاي "لكثير من المشركين قتلُ" برفع الللام "أولادَهم" بنصب الدال "شركائهم" بياء.
قال البيضاوي في تفسيره: قرأ ابن عامر "زين" على البناء للمفعول الذي هو القتل، ونصب "الأولاد" وجرّ "الشركاء" بإضافة القتل إليه مفصولاً بينهما بمفعوله. قال: وهو ضعيف في العربية معدود من ضرورات الشعر..
السبعة (ص/270)، وتفسير البيضاوي على حاشية الشهاب الخفاجي (4/128).

[28] انظر: المحتسب (1/32و33).

[29] الفهرست (ص/33و34).

[30] القراءات الشاذة ضوابطها والاحتجاج بها في الفقه والعربية تأليف: الدكتور/ عبد العلي المسئول (ص/82-89)، دار ابن القيم بالرياض، ودار ابن عفان بالقاهرة. ط1: 1429هـ - 2008م.

[31] واسمها: الأرجوزة المنبهة على أسماء القرّاء والرّواة، وأصول القراءات، وعقد الديانات بالتجويد والدلالات.
ويقال لها أيضاً: الأرجوزة في أصول السنة، وكذا الأرجوزة المنبهة في القرّاء والأصول. وقد طبعت بتحقيق: محمد بن مجقان الجزائري في دار المغني بالرياض عام 1420هـ. انظر: جامع البيان للداني وحاشيته (1/57).

[32] انظر: القراءات الشاذة ضوابطها والاحتجاج بها في الفقه والعربية، تأليف: د/عبد العال المسئول. (ص/70و72). دار ابن القيم بالرياض، ودار ابن عفان بالقاهرة. ط1: 1429هـ-2008م.

[33] ينظر في ترجمته:
طبقات الشافعية للسبكي (5/59)، وشذرات الذهب (5/392، 393)، وبغية الدعاة (2/89و90)، وطبقات المفسرين للداوودي (1/248)، وكشف الظنون (1/186)، وحاشية الشهاب الخفاجي على تفسير البيضاوي (1/3، 4)، والأعلام للزركلي (4/248)، والتفسير والمفسرون للدكتور الذهبي (1/296و297).

[34] كشف الظنون (1/187).

[35] التفسير والمفسرون (1/298).

[36] تفسير البيضاوي (1/4). ط. البابي الحلبي. التي أثبتها في نقل القراءة الشاذة.

[37] حاشية الشهاب (1/16، 17).

[38] تفسير القاضي البيضاوي (1/8)، وانظر حاشية الشهاب (1/97و98).

[39] تفسير القاضي البيضاوي (1/597).

[40] تفسير القاضي البيضاوي (1/194)، وأبو عاصم المذكور هو الكوفي يعرف بالمسجدي مقرئ متصدر معروف روى الحروف عن أبي بكر بن عياش عن عاصم. غاية النهاية (2/194).

[41] تفسير القاضي البيضاوي (2/535).

[42] التفسير والمفسرون (1/301)

[43] كشف الظنون (ص/127-128).

[44] التفسير والمفسرون (1/303).

[45] هدية العارفين لإسماعيل باشا البغدادي (2/228).

[46] كشف الظنون (1/188).

[47] انظر: حاشية شيخ زاده (4/418).

[48] انظر: حاشية الشهاب (4/169).

[49] انظر آخر الجزء الأول من حاشية الشهاب في "ترجمة المؤلف رحمه الله تعالى" (ص/2).

[50] حاشية الشهاب (3/279).

[51] حاشية شيخ زاده (3/575).

[52] ترجمة: غاية النهاية (1/308).

[53] الأعلام للزركلي (3/62).

[54] غاية النهاية (2/348)، وانظر (ص/1) من البحث.

[55] غاية النهاية (1/235).

[56] غاية النهاية (1/298).

[57] غاية النهاية (1/19)، وانظر (ص/2) من البحث.

[58] غاية النهاية (1/370).

[59] غاية النهاية (1/349).

[60] غاية النهاية (2/342).

[61] غاية النهاية (1/325).

[62] الأعلام للزركلي (2/103).

[63] غاية النهاية (1/496).

[64] غاية النهاية (1/546)، وانظر (ص/4) من البحث.

[65] غاية النهاية (606).

[66] معرفة القرّاء للذهبي (1/170).

[67] غاية النهاية (1/320).

[68] غاية النهاية (1/304).

[69] تهذيب التهذيب (5/555).

[70] غاية النهاية (1/172).

[71] تقريب التهذيب (2/111). وحكى روايته في قراءة "أيّاك" بفتح وتشديد الياء. ابن عطية في المحرر (1/72)، كما أثبته في البحث.

[72] غاية النهاية (1/602).

[73] غاية النهاية (1/31).

[74] غاية النهاية (2/380).

[75] غاية النهاية (1/496).

[76] غاية النهاية (1/294).

[77] غاية النهاية (1/29).

[78] غاية النهاية (1/315)، وانظر (ص/5) من البحث.

[79] غاية النهاية (1/458).

[80] غاية النهاية (1/419).

[81] تهذيب التهذيب (1/251).

[82] غاية النهاية (1/602)، والأعلام (5/252)، وانظر (ص/6) من البحث.
 
(تقـريــظ) أ.د. حسن عبد الغني أبوغدة

(تقـريــظ) أ.د. حسن عبد الغني أبوغدة

بسم الله الرحمن الرحيم​

تقـريــظ
أ.د. حسن عبد الغني أبوغدة​

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقـد أهداني الأخ الفاضل الأستاذ الشيخ محمد غياث محمد الجنباز ـ وفقه الله ـ نسخة من كتابه: ( القراءات الشاذة وتوجيهها في تفسير القاضي البيضاوي المسمى: أنوار التنزيل وأسرار التأويل )، فسررتُ لذلك لما عهدته في المؤلف الفاضل من همة عالية في خدمة كتاب الله تعالى، تعليماً، وتحفيظاً، وتأليفاً، كل ذلك بجدية ظاهرة، وحسن سريرة، وابتغاء المثوبة من الرحيم الرحمن، كيف لا وهو الذي تتلمذ على عدد من صفوة شيوخ العالم الإسلامي، المتخصصين في علوم القرآن وقراءاته، والذين ندبوا أنفسهم لخدمة كتاب الله تعالى أينما حلُّوا وارتحلوا.
وقد تضمن هذا الكتاب القيم الذي ناف على ( 700 ) صفحة، جهداً واضحاً في استخراج القراءات الشاذة من تفسير القاضي البيضاوي، وعزوِها إلى من قرأ بها من الصحابة، ومن بعدهم من قراء السلف الصالح، مع بيان أقطارهم وأزمانهم.
وقرن ذلك كله بما ذكره أهل الاختصاص من اللغويين والفقهاء من توجيه لهذه القراءات، بما يتوافق مع اللغة العربية التي هي لغة القرآن، ومع الأحكام والآداب الشرعية، التي هي من أهم ما اشتمل عليها هذا الكتاب الكريم .
وقدم لهذا العمل السالف ذكره بمقدمة ضافية، بيَّن فيها نشأة علم القراءات، وأبرز أعلامه وقرَّائه، من الصحابة، والتابعين، والقراء السبعة الذين طبق ذكرهم عامة أقطار الإسلام، منذ مئات السنين إلى عصرنا الحاضر.
كما عرَّج على ذكر المصنفات الجمَّة التي أُلفت في هذا العلم التخصصي، ثم أتى على بيان الفروق بين القراءة الصحيحة القوية، والقراءة الشاذة، مع الإتيان بالأمثلة على ذلك.
وأتبع ما تقدم ترجمةً وافية عن القاضي البيضاوي رحمه الله، ومنهجه في تأليف تفسيره: ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل )، وطريقته في إيراد القراءات المتواترة المشهورة، والقراءات الشاذة.
وذكر المؤلفات اللاحقة من الحواشي والتعليقات التي وضعها العلماء على تفسير البيضاوي، الذي ذاع صيته وتداولُه بين أهل العلم وطلابه.
وختم المؤلف الشيخ محمد غياث ـ وفقه الله ـ كتابه هذا بفهرس تضمن بيان الموضوعات التي اشتمل عليها، وفهرسٍ ثانٍ تضمن الكلمات المختلف في قراءتها، وفهرس ثالث اشتمل على ذكر المصادر والمراجع التي رجع إليها ووثَّق منها.
وأخيراً: لا بد من القول: إن هذا الجهد المبذول في الكتاب يستحق الشكر والثناء، وسيكون ـ إن شاء الله ـ مرجعاً علمياً في موضوعه...
أسال الله تعالى أن ينفع بهذا الجهد، ويثيب المؤلف على ما بذل، ويوفقه إلى مزيد من العطاء العلمي. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات...​

أ.د. حسن عبد الغني أبوغدة
قسم الدراسات الإسلامية
كلية التربية ـ جامعة الملك سعود​
 
التعريف بهذا التفسير وطريقة مؤلفه فيه:
وصف حاجي خليفة تفسيره هذا بأنه: كتاب عظيم الشأن غني عن البيان لخص فيه من "الكشاف" ما يتعلق بالإعراب، والمعاني، والبيان، ومن التفسير الكبير – المسمى بمفاتيح الغيب للفخر الرازي (ت:606هـ) –، ومن تفسير الراغب – الأصفهاني (ت:502هـ) –، ما يتعلّق بالاشتقاق، وغوامض الحقائق، ولطائف الإشارات، وضمّ إليه ما ورى زناد فكره من الوجوه المعقولة والتصرفات المقبولة فجلا رين الشك عن السريرة وزاد في العلم بسطة وبصيرة..
كما وصفه الدكتور الذهبي بقوله: أنه ضم بعض الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين، كما أنه أعمل فيه عقله، فضمنه نكتاً بارعة، ولطائف رائعة، واستنباطات دقيقة. كل هذا في أسلوب رائع موجز، وعبارة ترق أحياناً وتخفى إلا على ذي بصيرة ثاقبة، وفطنة نيّرة. قال: وهويتهم أحياناً بذكر القرءات، ولكنه لا يلتزم المتواتر هنا فيذكر الشاذ، كما أنه يعرض للصناعة النحوية، ولكن بدون توسع واستفاضة..
 
مدخل
فِي القُرَّاء، وأول من صنّف في القراءات، والفصل بين القراءة الصحيحة والشاذة

1- فِي القُرَّاء:
أ- القرّاء الذين اشتهروا من الصحابة رضي الله عنهم:
سمّى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاّم أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" له.
فذكر من المهاجرين: أبا بكر وعمر وعثمان وعليّاً، وطلحة بن عبيد الله القرشي التيمي (ت:36هـ)، وسعداً بن أبي وقاص القرشي الزهري (ت:56هـ)، وابن مسعود الهذلي المكي (ت:32هـ)، وسالماً مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة الصحابي الكبير استشهد يوم اليمامة (سنة:12هـ)، وحذيفة بن اليمان (ت:36هـ)، وعبد الله بن عباس (ت:68هـ)، وعبد الله بن عمر (ت:73هـ)، وعبد الله بن عمرو بن العاص (ت:65هـ)، وعَمْراً بن العاص (ت:43هـ)، وأبا هريرة عبد الرحمن بن صخر (ت:58هـ)، ومعاوية بن أبي سفيان (ت:60هـ)، وعبد الله بن الزبير بن العوام (ت:73هـ)، وعبد الله بن السائب المخزومي (ت:70هـ) قارئ مكة.
ومن الأنصار: أُبيّ بن كعب الأنصاري المدني سيد القرّاء (ت:22هـ مع خلاف)، ومعاذ بن جبل الأنصاري (ت:18هـ)، وأبا الدرداء عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي (ت:32هـ)، وزيد بن ثابت الأنصاري الخزرجي (ت:45هـ)، ومجمع بن جارية بن عامر الأنصاري – مات في المدينة في خلافة معاوية رضي الله عنه –، وأنس بن مالك بن النضر الأنصاري (ت:91هـ).
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما (ت:57هـ)، وحفصة بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (ت:45هـ).
قال أبو عبيد: وبعض ما ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، وإنما خصصنا بالتسمية كل من وصف بالقراءة. وحكي عنه منها شيء[3].
ونقل السيوطي في الإتقان ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود وسالم، ومعاذ، وأُبيّ بن كعب" أي: تعلَّموا منهم. والأربعة المذكورون اثنان من المهاجرين وهما المبتدأُ بهما، واثنان من الأنصار. وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة، ومعاذ هو ابن جبل[4].
وروى البخاري أيضاً عن قتادة، قال: سألت أنس بن مالك: مَنْ جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: أربعة كلُّهم من الأنصار: أُبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، قلتُ: مَنْ أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي[5].
وروى أيضاً من طريق ثابت، عن أنس، قال: مات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يجمع القرآنَ غيرُ أربعةٍ: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد[6].
قال أبو شامة: وقد أشبع القاضي أبو بكر محمد بن الطيب رحمه الله في كتاب "الانتصار" الكلام في حَمَلة القرآن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام أدلة كثيرة على أنهم كانوا أضعاف هذه العدة المذكورة، وأن العادة تحيل خلاف ذلك، ويشهد لصحة ذلك كثرة القراء المقتولين يوم مسيلمة باليمامة على ما سيأتي ذكره، وذلك في أول خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وما في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونة كانوا يسمّون القراء[7].
قال الزركشي: ثم أوّل القاضي الباقلاني الأحاديث السابقة بوجوه منها: اضطرابها، وبين وجه اضطراب في العدد وإن خُرِّجت في الصحيحين، مع أنه ليس منه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها بتقرير سلامتها، فالمعنى: لم يجمعه على جميع الأوجه والأحرف والقراءات التي نزل بها إلا أولئك النفر، ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته إلا تلك الجماعة، ومنها أنه لم يَجمع جميع القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه من فيه تلقيّاً غير تلك الجماعة، وغير ذلك[8].
 
عودة
أعلى