وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9)
اسْتنباطُ كرَويَّة الأرض منْ خُسُوفِ القَمَر:
إن اللهعز وجل بيَّنَ كلَّ شيءٍ في كتابهِ.
قالَ سبحانه وتعالى:
{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} (سورة القيامة 1 - 10).
___
ذكرتُ أنَّ علمَ اليقينِ يثبت كرويَّة الأرضِ من النقل قرآنا وسنة، ومن العقل بالدلائل العقليةِ المستنبطةِ من الدلائل الحسيّة الجليةِ.
وأوضحُها الخسوف الذي هو تموقع الأرض بين القمر والشمس وانطباع ظلِّ الأرض على القمر.
وسيكونُ بإذن اللهِ أطول خسوفٍ للقمر منذ مئة سنةٍ، يكونُ بشقَّيه الجزئي والكليِّ حيث ينطبعُ ظلُّ الأرض بالتدرّجِ في القمرِ.
والخسوفُ الكليُّ يدومُ ساعة و43 دقيقةً تراه أوربَّا والعالم العربيُّ، وسيبدأ في تمام الساعة التاسعة و24 دقيقة مساء بتوقيت مكة المكرمة (للمعرفة
أكثر).
سيكونُ ذلكَ إن شاء الله يوم الجمعة 27 يوليو/تموز 2018 الجاري -الموافق للرابع عشر من ذي القعدة 1439 للهجرة.
___
إنَّه يومُ جمعة، ويوم القيامة يومُ جمعة:
___
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُهْبِطَ، وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَاتَ، وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا وَهِيَ مُسِيخَةٌ (أو مصيخة) يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنَ السَّاعَةِ إِلا الْجِنَّ وَالإِنْسَ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ". (3).
معَ أَنَّ توقيتَ هذا الخسوف هو بالتقويم العربيِّ الإسلاميِّ ليلة السبت، إلا أنَّ لنا عبرةً في تزامنه مع يومِ الجمعةِ حسبَ نظام المواقيت السائر المعمول به. وما أدرانا أيَّ التقويمينِ أرادَ اللهُ لذلك الحادث الجلل واليوم العظيم!!
___
كُرِّيَّة الأرْضِ مع أبي حامدٍ الغزاليّ [1]
-حمد الله له فضله-
___
الذي وجدته معزوًّا لأبي حامد الغزاليِّ وبحثت عنه في كتبه فلم أجده بنصِّه: "إن من أدلة كروية الأرض ظهور ظلها في القمر عند خسوفه مستديرًا، وإن هذا من القطعيات"
[2].
أمَّا الثابتُ ممَّا هو في "تهافت الفلاسفةِ فهوَ قوله:
"ليعلم أن الخلاف بينهم وبين غيرهم ثلاثة أقسام: قسمٌ <الأول>: يرجع النزاع فيه إلى لفظ مجرد، كتسميتهم صانع العالم –تعالى عن قولهم - جوهراً، مع تفسيرهم الجوهر: بأنه الموجود لا في موضوع أى القائم بنفسه الذى لا يحتاج إلى مقوم يقومه، ولم يريدوا به الجوهر المتحيز، على ما أراده خصومهم.
ولسنا نخوض في إبطال هذا، لأن معنى القيام بالنفس إذا صار متفقاً عليه، رجع الكلام في التعبير باسم الجوهر عن هذا المعنى، إلى البحث عن اللغة، وإن سوّغت اللغة إطلاقه، رجع جواز إطلاقه في الشرع، إلى المباحث الفقهية، فإنّ تحريم إطلاق الأسامى وإباحتها يؤخذ مما يدل عليه ظواهر الشرع.
..
القسم الثاني: ما لا يصدم مذهبهم فيه أصلاً من أصول الدين، وليس من ضرورة تصديق الأنبياء والرسل منازعتهم فيه، كقولهم:
إنَّ كسوفَ الْقَمرِ، عبارة عن انمحَاء ضَوء الْقمرِ بِتَوَسُّطِ الأرْضِ بينَهُ وبيْن الشَّمسِ، والأرْضُ كُرَةٌ والسَّماءُ محيطةٌ بها من الجوَانب، وإن كسوف الشمس، وقوف جرم القمر بين الناظر وبين الشمس عند اجتماعهما في العقيدتين على دقيقة واحدة.
وهذا الفن أيضاً لسنا نخوض في إبطاله إذ لا يتعلق به غرض ومن ظن أن المناظرة في ابطال هذا من الدين فقد جنى على الدين، وضَعَّف أمره، فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابيَّة لا يبقى معها ريبة. فمن تطلَّع عليها، ويتحقَّق أدلّتها، حتى يُخبر بسببها عن وقت الكسوفين وقدرهما ومدة بقائهما إلى الانجلاء، إذا قيل له إن هذا على خلاف الشرع، لم يسترب فيه، وإنما يستريب في الشرع، وضرر الشرع ممَّن ينصره لا بطريقه أكثر من ضرره ممّن يطعن فيه بطريقة. وهو كما قيل: عدوّ عاقل خير من صديق جاهل.
فان قيل: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم:
"إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَإِلَى الصَّلَاةِ" ، فكيف يلائم هذا ماقالوه؟ قلنا: وليس فى هذا ما يناقض ما قالوه ، اذ ليس فيه الا نفى وقوع الكسوف لموت احد او لحياته والامر بالصلاة عنده. والشرع الذى يأمر بالصلاة عند الزوال والغروب والطلوع من أين يبعد منه ان يأمر عند الكسوف بها استحباباً؟ فان قيل: فقد روُى انه قال فى آخر الحديث: "
وَلَكنَّ اللهَ اذَا تَجلَّى لشيْءٍ خضَعَ لهُ" فيدلّ على ان الكسوف خضوع بسبب التجلي، قلنا: هذه الزيادة لم يصحّ نقلها فيجب تكذيب ناقلها، وانما المرويُّ ما ذكرناه كيف، ولو كان صحيحاً، لكان تأويله أهون من مكابرة أمور قطعية. فكم من ظواهر أُوّلت بالأدلة العقليَّة التي لا تنتهي في الوضوح إلى هذا الحد.
وأعظم ما يفرح به المُلحدة، أن يصرح ناصر الشرع بأن هذا، وأمثاله على خلاف الشرع، فيسهل عليه طريق إبطال الشرع، إن كان شرطه أمثال ذلك. وهذا: لأنّ البحث في العالم عن كونه حادثاً أو قديماً، ثم إذا ثبت حدوثه فسواء كان كرة، أو بسيطاً، أو مثمناً، أو مسدّساً، وسواء كانت السماوات، وما تحتها ثلاثة عشرة طبقة، كما قالوه، أو أقلّ، أو أكثر، فنسبة النظر فيه الى البحث الالهيّ كنسبة النظر الى طبقات البصل وعددها وعدد حبّ الرمان. فالمقصود: كونه من فعل الله سبحانه وتعالى فقط، كيف ما كانت.
الثالث: ما يتعلق النزاع فيه بأصل من أصول الدين، كالقول في حدوث العالم، وصفات الصانع، وبيان حشر الأجساد والابدان، وقد أنكروا جميع ذلك. فهذا الفن ونظائره هو الذى ينبغي أن يظهر فساد مذهبهم فيه دون ما عداه." انتهى كلامه.
___
بابُ صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ
___
في كتاب الأمِّ للشافعيِّ:
( قَالَ الرَّبِيعُ ) أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"
خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ فَحَكَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ صَلَاتَهُ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ ثُمَّ خَطَبَهُمْ ، فَقَالَ:"إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ" أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ . وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "
خَسَفَتْ الشَّمْسُ فَصَلَّى النَّبِيُّ فَحَكَتْ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ" .
أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ كَثِيرِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ".
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: "
انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ: "
إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَإِلَى الصَّلَاةِ".
( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) فَبِهَذَا نَقُولُ إذَا كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ صَلَّى الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُسُوفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ صَلَّى الْمَرْءُ لِنَفْسِهِ كَذَلِكَ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَبَلَغَنَا أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ صَلَّى فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ.
[1] (450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م).
[2] مجلة المنار لمحمد رشيد رضا - المجلد رقم (32) ج32 ص785.
[3] رواه النسائي في "السنن" (3/ 127) ، وابن حبان في "صحيحه" ( 2772 ) ، والحاكم في "المستدرك" (1030 )، قال الحاكم: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" برقم : (773).