سلسلة : ما نص مفسرٌ على رده أو بطلانه من الأقوال في التفسير

إنضم
2 أبريل 2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم

من طرائق موازنة المفسرين بين الأقوال الواردة في التفسير ردُّ بعضها ، وبيان ضعفه أو بطلانه .

ومن المفيد للباحث في التفسير أن يعرف هذه الأقوال ، وينظر في مستند من ردها ، ويجتهد في تحرير ذلك وبحثه لينظر هل رده لذلك القول مقبول أو لا . إلى غير ذلك من المهمات التي تنفع الباحث في هذا المجال .

[color=000099]ولو جمعت هذه الأقوال بطريقة منهجية لكانت صالحة لتقديمها كرسالة علمية [/color]

وهذا أوان الشروع في ذكر بعض الأمثلة على ما نص مفسر على رده من الأقوال :


قال ابن العربي في تفسيره لقول الله تعالى : { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } :

( قوله تعالى { لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ } فِيهِ مَسْأَلَةٌ بَدِيعَةٌ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ , وَهِيَ أَنَّ الْمَصْدَرَ قَدْ يُضَافُ إلَى الْمَفْعُولِ , كَمَا يُضَافُ إلَى الْفَاعِلِ , تَقُولُ : أَعْجَبَنِي ضَرْبُ زَيْدٍ عَمْرُو , عَلَى الْأَوَّلِ , كَمَا تَقُولُ : كَرِهْت ضَرْبَ زَيْدٍ عَمْرًا , عَلَى الثَّانِي .
وَقَدْ جَهِلَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ هَذَا الْمِقْدَارَ , فَعَقَدَ فَصْلًا فِي تَرْغِيبِ النَّاسِ فِي الدُّعَاءِ قَالَ فِيهِ : فَاهْتَبِلُوا بِالدُّعَاءِ , وَابْتَهِلُوا بِرَفْعِ أَيْدِيكُمْ إلَى السَّمَاءِ , وَتَضَرَّعُوا إلَى مَالِكِ أَزِمَّةِ الْقَضَاءِ , فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : { قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } وَأَرَادَ لَوْلَا سُؤَالُكُمْ إيَّاهُ , وَطَلَبُكُمْ مِنْهُ , وَرَأَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أُضِيفَ إلَى فَاعِلٍ . [color=990000]وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ , وَإِنَّمَا هُوَ مَصْدَرٌ أُضِيفَ إلَى الْمَفْعُولِ . وَالْمَعْنَى قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْكُفَّارِ : مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ بِبَعْثِهِ الرُّسُلَ إلَيْكُمْ , وَتَبْيِينِ الْأَدِلَّةِ لَكُمْ , فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ عَذَابُكُمْ لِزَامًا .)[/color]

وما رده ابن العربي مروي عن السلف في تفسير الآية ؛
جاء في تفسير الطبري : ( حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله قُلْ ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي قال: يعبأ: يفعل. وقوله: لَوْلا دُعاؤُكُمْ يقول: لولا عبادة من يعبده منكم، وطاعة من يطيعه منكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ما يَعْبَأُ بِكُمْ رَبّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ يقول: لولا إيمانكم، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حبَّبه إلى المؤمنين.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله لَوْلا دُعاؤُكُمْ قال: لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه وتطيعوه. )

وقد وافق الطاهر ابن عاشور ابنَ العربي في تضعيفه للقول السابق ، فقال : ( والدعاء: الدعوة إلى شيء، وهو هنا مضاف إلى مفعوله، والفاعل يدل عليه {رَبِّى} أي لولا دعاؤه إياكم، أي لولا أنه يدعوكم. وحذف متعلق الدعاء لظهوره من قوله: {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} ، أي الداعي وهو محمد صلى الله عليه وسلم فتعين أن الدعاء الدعوة إلى الإسلام. والمعنى: أن الله لا يلحقه من ذلك انتفاع ولا اعتزاز بكم. وهذا كقوله تعالى: {وما خلقت الجنّ والإنس إلا لِيَعْبُدون ما أُريد منهم مِن رزق وما أُريد أن يُطْعِمُون} (الذاريات: 56، 57).
وضمير الخطاب في قوله: {دُعَآؤُكُمْ} موجّه إلى المشركين بدليل تفريع {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} عليه وهو تهديد لهم، أي فقد كذبتم الداعي وهو الرسول عليه الصلاة والسلام. [color=990000]وهذا التفسير هو الذي يقتضيه المعنى، ويؤيده قول مجاهد والكلبي والفراء. وقد فسر بعض المفسرين الدعاء بالعبادة فجعلوا الخطاب موجهاً إلى المسلمين فترتب على ذلك التفسير تكلفات وقد أغنى عن التعرض إليها اعتمادُ المعنى الصحيح فمن شاء فلينظرها بتأمل ليعلم أنها لا داعي إليها. [/color]وتفريع {فَقَدْ كَذَّبْتُمْ} على قوله: {لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ} ، والتقدير: فقد دعاكم إلى الإسلام فكذبتم الذي دعاكم على لسانه.)

وقد فصل الشنقيطي رحمه الله الأقوال في تفسير هذه الآية ، وبين أنها كلها صحيحة .


يتبع إن شاء الله ، مع رجاء المشاركة من الإخوة الكرام
 
اقتراح موفق ابا مجاهد ونأمل أن نرى ذلك مترجما على صفحات الملتقى .
 
موضوع رائع

موضوع رائع


قال العلامة أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي في الفنون 1/396:
قال بعض الفقهاء : ما أكثر ما أدخل المفسرون في النسخ ما ليس منه ! كقولهم: { اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } ، قالوا :نسخت بقوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وقوله لما عظم ذلك عليهم ، لما قال : {حَقَّ تُقَاتِهِ } ، فكان نسخا .
والعلماء من الفقهاء والأصوليين : أنكروا ذلك إنكارا شديدا ، وقالوا: مهما أمكن أن يكون تفسيرا فلا يجعل نسخا ، وقد أمكن أن يكون القوم ظنوا أن {حَقَّ تُقَاتِهِ } يزيد على ما يدخل تحت استطاعتهم حيث سألوه (1)فقال: " حق تقاته أن يطاع فلا يعصى ، ويذكر فلا ينسى ، ويشكر فلا يكفر ". فلما انظمّ هذا القول إلى ظنونهم ، أزال الباري سبحانه الإشكال ، وفسر كلامه بما أراد من الحق وعناه ، مثلما فسر قوله : { وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } ، ولم يكن ذلك نسخا ، بل كان تفسيرا ، وبيانا لمقدار الحق .
كذلك ذكر مقدار الحق ههنا بالاستطاعة ، فبطل ما ادعوه من النسخ .

---------------
(1) يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الذي أشار إليه ابن عقيل روي مرفوعا ، وموقوفا والموقوف أظهر قاله ابن كثير . راجع كلامه عند تفسير آية آل عمران.
 
جاء في تفسير ابن العربي :

( قوله تعالى : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } . هذا خبر ، والخبر من الله سبحانه لا يجوز أن يقع بخلاف مخبره ، ونحن نرى الكافرين يتسلطون على المؤمنين في بلادهم وأبدانهم وأموالهم وأهليهم ، فقال العلماء في ذلك قولين : أحدهما : و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا في الحجة ، فلله الحجة البالغة . الثاني : و لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا في الحجة يوم القيامة . قال القاضي : أما حمله على نفي وجود الحجة من الكافر على المؤمن فذلك ضعيف ؛ لأن وجود الحجة للكافر محال ، فلا يتصرف فيه الجعل بنفي ولا إثبات . وأما نفي وجود الحجة يوم القيامة فضعيف ؛ لعدم فائدة الخبر فيه ؛ وإن أوهم صدر الكلام معناه ؛ لقوله : { فالله يحكم بينهم يوم القيامة } فأخر الحكم إلى يوم القيامة ، وجعل الأمر في الدنيا دولة تغلب الكفار تارة وتغلب أخرى بما رأى من الحكمة وسبق من الكلمة ، ثم قال : { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } . فتوهم من توهم أن آخر الكلام يرجع إلى أوله ، وذلك يسقط فائدته . وإنما معناه ثلاثة أوجه :..) ثم ذكرها

تنبيه : ما ضعفه ابن العربي قد نقل ابن جرير وابن عطية إجماع أهل التأويل عليه .

وفي هذا الإجماع نظر ..

وقد نص ابن عاشور على رد القول الذي ضعفه ابن العربي بقوله [ أي ابن عاشور ] : ( فالآية وعد محض دنيوي، وليست من التشريع في شيء، ولا من أمور الآخرة في شيء لنبوّ المقام عن هذين.) اه
 
لابن عاشور تعليق على ما اشتهر عند المفسرين وغيرهم من كون قول الله عز وجل : {إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً * فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً} يدل على أنه لا يغلب عسر يسرين . قال رحمه الله :

( وجملة: {إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً} مؤكدة لجملة: {فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً} وفائدة هذا التأكيد تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه لأنه خبر عجيب.
ومن المفسرين من جعل اليسر في الجملة الأولى يسر الدنيا وفي الجملة الثانية يسر الآخرة وأسلوب الكلام العربي لا يساعد عليه لأنه متمحض لكون الثانية تأكيداً.
هذا وقول النبي صلى الله عليه وسلم «لن يغلب عسر يسرين» قد ارتبط لفظه ومعناه بهذه الآية. وصُرح في بعض رواياته بأنه قرأ هذه الآية حينئذ وتضافر المفسّرون على انتزاع ذلك منها فوجب التعرض لذلك، وشاع بين أهل العلم أن ذلك مستفاد من تعريف كلمة العسر وإعادتها معرفة ومن تنكير كملة «يسر» وإعادتها منكَّرة، وقالوا: إن اللفظ النكرة إذا أعيد نكرة فالثاني غير الأول وإذا أعيد اللفظ معرفة فالثاني عين الأول كقوله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول}(المزمل: 15، 16).

وبناء كلامهم على قاعدة إعادة النكرة معرفة خطأ لأن تلك القاعدة في إعادة النكرة معرفة لا في إعادة المعرفة معرفة وهي خاصة بالتعريف بلام العهد دون لام الجنس، وهي أيضاً في إعادة اللفظ في جملة أخرى والذي في الآية ليس بإعادة لفظ في كلام ثان بل هي تكرير للجملة الأولى، فلا ينبغي الالتفات إلى هذا المأخذ، وقد أبطله من قبل أبو علي الحسين الجرجاني في كتاب «النظم» كما في «معالم التنزيل». وأبطله صاحب «الكشاف» أيضاً، وجعل ابن هشام في «مغني اللبيب» تلك القاعدة خطأ.
والذي يظهر في تقرير معنى قوله: «لن يغلب عسر يسرين» أن جملة: {إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً} تأكيد لجملة {فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً} . ومن المقرر أن المقصود من تأكيد الجملة في مثله هو تأكيد الحكم الذي تضمنه الخبر. ولا شك أن الحكم المستفاد من هذه الجملة هو ثبوت التحاق اليسر بالعسر عند حصوله، فكان التأكيد مفيداً ترجيح أثر اليسر على أثر العسر، وذلك الترجيح عبر عنه بصيغة التثنية في قوله: «يسرين»، فالتثنية هنا كناية رمزية عن التغلب والرجحان فإن التثنية قد يكنى بها عن التكرير المراد منه التكثير كما في قوله تعالى: {ثُمَّ اْرجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (الملك: 4) أي ارجع البصر كثيراً لأن البصر لا ينقلب حسيراً من رَجعتين. ومن ذلك قول العرب: لَبَّيْك، وسَعْدَيك، ودَوَاليك» والتكرير يستلزم قوة الشيء المكرر فكانت القوة لازِمَ لازِممِ التثنية وإذا تعددت اللوازم كانت الكناية رمزية.
وليس ذلك مستفاداً من تعريف {ٱلْعُسْرِ} باللام ولا من تنكير «اليسر» وإعادته منكراً.) انتهى
 
ومما ضُعف من الأقوال ما نُقل في تفسير قول الله تعالى : { {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَروا } ( الفتح : 25) من أن المراد بها : لو تزيّلوا عن بطون النساء وأصلاب الرجال. وقد ذكر القرطبي هذا القول مرفوعاً ؛ حيث قال : ( وقال عليّ رضي الله عنه: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ} فقال: «هم المشركون من أجداد نبيّ الله ومن كان بعدهم وفي عصرهم كان في أصلابهم قوم مؤمنون فلو تزيَّل المؤمنون عن أصلاب الكافرين لعذب الله تعالى الكافرين عذاباً أليماً». )

قال ابن العربي مضعفاً هذا القول : ( وقد قال جماعة إن معناه لو تزيّلوا عن بطون النساء وأصلاب الرجال.
وهذا ضعيف؛ لأن مَن في الصلب أو في البطن لا يوطأ ولا تصيب منه معرّة. وهو سبحانه قد صرح فقال: {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ} وذلك لا ينطلق على مَن في بطن المرأة وصُلب الرجال، وإنما ينطلق على مثل الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، وأبي جندل بن سهيل.)

وهذا المثال يضاف إلى أمثلة : من بيان القرن للقرآن أن تُفسر الآية بتفسير وفي الآية نفسها ما يدل على بطلانه
 
ما رُدَّ من الأقوال التفسيرية لمخالفته السنة النبوية .

ما رُدَّ من الأقوال التفسيرية لمخالفته السنة النبوية .

من مباحث هذه السلسة المباركة : ما رُدَّ من الأقوال التفسيرية لمخالفته السنة النبوية .
وهذا كثير ٌ عند الطبري وابن كثيرٍ رحمهما الله تعالى .
مثاله قوله تعالى : ( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) [ البقرة : 196] .
فقد روي عن بعض السلف تعيين مقدار الصيام و الصدقة بما يخالف الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه .
 
بطلان قول من قال : كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان، فالمراد هو الكافر

بطلان قول من قال : كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان، فالمراد هو الكافر

[align=center]قال الرازي : ( اختلفوا في {ٱلإِنسَـٰنَ} في قوله: {وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ} فقال بعضهم: إنه الكافر، ومنهم من بالغ وقال: كل موضع في القرآن ورد فيه ذكر الإنسان، فالمراد هو الكافر، وهذا باطل، لأن قوله : { يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ..} (الانشقاق:6-7) لا شبهة في أن المؤمن داخل فيه ، وكذلك قوله: {هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَـٰنِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ} (الدهر: 1) وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَـٰنَ مِن سُلَـٰلَةٍ مِّن طِينٍ} (المؤمنون: 12) وقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} (ق: 16)

فالذي قالوه بعيد، بل الحق أن نقول: اللفظ المفرد المحلى بالألف واللام حكمه أنه إذا حصل هناك معهود سابق انصرف إليه، وإن لم يحصل هناك معهود سابق وجب حمله على الاستغراق صوناً له عن الإجمال والتعطيل. )[/align]
 
اقرأ هذه المشاركة كاملة إذا كان لك رغبة في الضحك !!

اقرأ هذه المشاركة كاملة إذا كان لك رغبة في الضحك !!

في قول الله تعالى : ( يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ) [النحل:69] قولان مردودان ، أحدهما صحيح في نفسه ، ولكن في كونه مراداً هنا ضعف . والآخر باطل مضحك .

وإليك الفصيل من تفسير القرطبي :

( قوله تعالى: ( فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ ) الضمير للعسل؛ قاله الجمهور. أي في العسل شفاء للناس.

وروي عن ابن عباس والحسن ومجاهد والضحاك والفراء وابن كَيْسان: الضمير للقرآن؛ أي في القرآن شفاء . النحاس: وهذا قول حسن؛ أو فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس. وقيل: العسل فيه شفاء، وهذا القول بيّن أيضاً؛ لأن أكثر الأشربة والمعجونات التي يتعالج بها أصلها من العسل.

قال القاضي أبو بكر بن العربيّ: من قال إنه القرآن بعيد ما أراه يصحّ عنهم ، ولو صح نقلاً لم يصح عقلاً؛ فإن مساق الكلام كلّه للعسل، ليس للقرآن فيه ذكر.

قال ابن عطية: وذهب قوم من أهل الجهالة إلى أن هذه الآية يراد بها أهل البيت وبنو هاشم، وأنهم النحل، وأن الشراب القرآن والحكمة، وقد ذكر هذا بعضهم في مجلس المنصور أبي جعفر العباسيّ، فقال له رجل ممن حضر: جعل الله طعامك وشرابك مما يخرج من بطون بني هاشم، فأضحك الحاضرين وبُهِت الآخر وظهرت سخافة قوله . ). )
 
يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) 69 النحل.
نتوقف عند الكلمات التالية لمعرفة إن كان الضمير يعود على العسل أم على القرآن : شفاء ، للناس ، إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون).
الشفاء رحمة ، وكل نعمة ينتفع بها الإنسان هي رحمة.
للناس : الناس جمع مطلق للبشر المؤمنون والكافرون .
لا شك أن القرآن رحمة للمؤمنين فقط وشفاء لهم فقط أما الكافرين فهو عليهم عمى والله جعل على قلوبهم أكنة وفي آذانهم وقرا.
إذن فالضمير هنا يعود على العسل، فهو شفاء لكل الناس مؤمنهم وكافرهم لأن النحل يتغذى من (كل) الثمرات ، وحيث أنه كذلك فإن الثمرات تتميز عن بعضها بنسبة وجود الفيتامينات والنشويات والأملاح ، فقد توجد مادة بروتينية أو معدنية في ثمرة من الثمرات ولا توجد في أخرى.
وأكثر الأمراض تنشأ من سوء التغذية ، فإذا لم ينوع الإنسان من الطعام فإنه يتعرض للمرض لاحتياج جسمه إلى فيتامينات أو أملاح معدنية كالفوسفور والكالسيوم والحديد وغيره، فإذا داوم على أكل العسل فإنه يشفى من المرض لأن العسل نتاج (كل) الثمرات التي تحتوي على (كل) ما يحتاجه الجسم من سكريات وفيتامينات و,,,,
نأتي الآن إلى قوله تعالى : إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون).
النحلة هي الحشرة التي يخرج من بطنها العسل، ولقد زودها الله بأداة تدافع بها عن الشهد وعن نفسها ألا وهي تلك الشوكة التي تلسع بها من يقترب من بيتها، ومن حكمة الله أن النحلة إذا لسعت إنسانا أو حيوانا أو أي خطر يهددها فإنها تفقد شوكتها وتموت في الحين لكي لا تعود إلى العسل وهي تحمل المكروب أو السموم ممن لسعته، فقد تلسع ثعبانا أو حيوانا فلو أنها عادت إلى العسل لتلوث العسل بالسم ثم يأكل الإنسان فيمرض أو يموت ، وبدلا من أن يكون العسل شفاء للناس يصبح سما وهلاكا.
الدبور حشرة تشبه النحلة إلا أنها لا تنتج العسل ولذلك فهي لا تموت إذا لسعت أحدا.
هذا ما هداني الله إليه في قوله تعالى : إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون).
والحمد لله رب العالمين.
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
موضوع جيد جدا فضيلة الدكتور مجاهد حفظه الله سيما هو يمس كافة أنواع العلوم من لغة إلى أصول ووصلا بالحديث النبي الشريف والآثار ويحضرني في هذا الباب الكثير من تعليقات ابن كثير وتحريراته التاريخية في تفسيره الموسوم بتفسير القرآن العظيم كما حقق القول في تفسير قوله تبارك وتعالى (واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون) في سورة يس ...

لكن الموضوع يحتاج استقراءًا تاما وانتخاب جيد للمصنفين أصحاب التحريرات الجياد والله الموفق ..
 
ستة أقوال في مسألة واحدة ، كلها مبتدعة باطلة

ستة أقوال في مسألة واحدة ، كلها مبتدعة باطلة

[align=right][align=justify]قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ) (البقرة:62)

بين الإمام ابن تيمية سبب نزول هذه الآية ، وبعض الأقوال في تفسيرها ، وأبطل بعض الأقوال التي قيلت في المراد بـ (الَّذِينَ آمَنُوا ) هنا ، فقال :
( وأما ما يذكره طائفة من المفسرين في قوله ( إن الذين آمنوا ) أن فيهم أقوالا ً :
أحدها : أنهم هم الذين آمنوا بعيسى قبل أن يبعث محمد . قاله ابن عباس .
والثاني : أنهم الذين آمنوا بموسى وعملوا بشريعته إلى أن جاء عيسى ، فآمنوا به وعملوا بشريعته إلى أن جاء محمد . وقالوا هذا قول السدى عن أشياخه .
والثالث : أنهم طلاب الدين ، كحبيب النجار ، وقس بن ساعدة ، وسلمان الفارسي ، وأبي ذر ، وبحيرا الراهب ؛ آمنو بالنبي قبل مبعثه ، فمنهم من أدركه وتابعه ، ومنهم من لم يدركه .
والخامس : أنهم المنافقون .
والسادس : أنهم الذين آمنوا بالأنبياء الماضين والكتب المتقدمة فلا يؤمنوا بك ولا بكتابك.

فهذه الأقوال ذكرها الثعلبي وأمثاله ولم يسموا قائلها . وذكرها أبو الفرج ابن لجوزي إلا السادس ، وسمّى قائل الأولَيْن ، وذكر أنهم المنافقون عن الثورى .
وهذه الأقوال كلها مبتدعة ، لم يقل الصحابة والتابعون لهم بإحسان شيئاً منها . وما نقل عن السدي غلط عليه ...
وما نقل عن ابن عباس لا يثبت .
وهي أقوال باطلة ؛ فإن من كان متمسكا بشريعة عيسى قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم من غير تبديل فهم النصارى الذين أثنى الله عليهم .
وكذلك من تمسك بشريعة موسى قبل النسخ و التبديل فهم اليهود الذين أثنى الله عليهم .
و طلاب الدين كحبيب النجار كان على دين المسيح ، وكذلك بحيرا الراهب و غيره .
و كل من تقدم من الأنبياء و أمتهم يؤمنون بمحمد ؛ فليس هذا من خصائص هذا النفر القليل .)

من كتاب الرد على المنطقيين ص493-495 .
[/align][/align]
 
وهذا نقل نفيس من كلام ابن القيم فيه أقوال كثيرة مردودة ،وفيه كلام مهم في أصول التفسير

وهذا نقل نفيس من كلام ابن القيم فيه أقوال كثيرة مردودة ،وفيه كلام مهم في أصول التفسير

قال ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة : ( الوجه الرابع والثلاثون : بيان أن كثيراً من المفسرين رد ألفاظ القرآن من العموم إلى الخصوص كما عند كثير من المؤولة :
إنك تجد عند كثير من المعروفين بالتفسير من رد كثير من ألفاظ القرآن عن العموم إلى الخصوص نظير ما تجده من ذلك عند أرباب التأويلات المستنكرة ، ومتى تأملت الحال فيما سوغوه من ذلك وجدتها عائدة من الضرر على الدين بأعظم مما عاد من ضرر كثير من التأويلات ، وذلك لأنهم بالقصد إلى ذلك فتحوا لأرباب التأويلات الباطلة السبيل إلى التهافت فيها فعظمت بذلك الجناية من هؤلاء وهؤلاء على الدين وأهله .
وتجد الأسباب الداعية للطائفتين قصد الإغراب على الناس في وجوه التفسير والتأويل وادعاؤهم أن عندهم منها نوادر لا توجد عند عامة الناس لعلمهم أن الأمر الظاهر المعلوم يشترك الناس في معرفته فلا مزية فيه، والشيء النادر المستظرف يحل محل الإعجاب ، وتتحرك الهمم لسماعه، واستفادته لما جبل الناس عليه من إيثار المستظرفات والغرائب، وهذا من أكثر أسباب الأكاذيب في المنقولات والتحريف لمعانيها ونحلتها معاني غريبة غير مألوفة وإلا فلو اقتصروا على ما يعرف من الآثار وعلى ما يفهمه العامة من معانيها لسلم علم القرآن والسنة من التأويلات الباطلة والتحريفات، وهذا أمر موجود في غيرهم كما تجد المتعنتين بوجوه القرآن يأتون من القراءات البديعة المستشنعة في ألفاظها ومعانيها الخارجة عن قراءة العامة وما ألفوه ، ما يغربون به على العامة ، وأنه قد أوتوا من علم القرآن ما لم يؤته سواهم ، وكذلك أصحاب الإعراب يذكرون من الوجوه المستكرهة البعيدة المتعقدة ما يغربون به على الناس ، وكذلك كثير من المفسرين يأتون بالعجائب التي تنفر عنها النفوس ويأباها القرآن أشد الإباء :
كقول بعضهم : "طه" لفظة نبطية معناها يا رجل ويا إنسان ، وقال بعضهم هي من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم مع يس ، وعدوا في أسمائه طه ويس
وقال بعضهم في نون والقلم إنها الدواة كأنه لما رأى هذا الحرف قد اقترن بالقلم جعله الدواة
وقال بعضهم في صاد إنها فعل ماض مثل رام وقاض .
وكما قال بعضهم في قوله : " إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً " ، هو الذي له سحر أي رئة . أفترى أراد بقوله لموسى : " إني لأظنك يا موسى مسحورا " ، هذا المعنى ، وأراد الكفار بقولهم : " إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون " ، هذا المعنى.
وكما قال آخرون في قوله : " من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة " : إن المعنى يرزقه ، واستشهدوا بقولهم أرض منصورة أي ممطورة ، ولو تأمل هذا القائل سياق الآية وآخرها لعلم أن تفسير النصر بالرزق يزيل معنى الآيات عن وجهه الذي قصد به .
وقال آخرون في قوله : " فاليوم ننجيك ببدنك " ، أي بدرعك وننجيك نلقيك على نجوة من الأرض .
وقال آخرون في قوله : " فصل لربك وانحر " ، إن المراد به ضع يدك على نحرك ، وتكايس غيره، وقال المعنى : استقبل القبلة بنحرك فهضموا معنى هذه الآية التي جمعت بين العبادتين العظيمتين الصلاة والنسك .
وقال آخرون في قوله : " أعجب الكفار نباته " ، أنهم الزراع وهل أطلق سبحانه الكفار في موضع واحد على غير الكافرين به ، وكما قيل في قوله : " كمشكاة فيها مصباح " .
إن المشكاة هذا الموضع الذي يشكو المتعبد فيه إلى الله .
وأضعاف أضعاف ذلك من التفاسير المستنكرة المستكرهة التي قصد بها الإغراب والإتيان بخلاف ما يتعارفه الناس كحقائق السلمي وغيره مما لو تتبع وبين بطلانه لجاء عدة أسفار كبار . ولولا قصد الإغراب والإتيان بما لم يسبق إليه غيره لما أقدم على ذلك . كما قال بعض الرافضة : في قوله : " مرج البحرين يلتقيان " هما علي وفاطمة : " بينهما برزخ لا يبغيان " هو النبي صلى الله عليه وسلم : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " هما الحسن والحسين .
وجناية هؤلاء من القرآن جناية عظيمة . وبسبب ما اعتمدوه قال القائل : كلام الله لا يستفاد منه يقين، لاحتمال اللفظة منه عدة وجوه وقد فسرت بذلك كله، ولو شرح كتاب من كتب العلوم هذا الشرح ، لأفسده الشارح على صاحبه ، ومسخ مقاصده وأزالها عن مواضعها والمقصود أن حمل عمومات القرآن على الخصوص تعطيل لدلالتها ، وإخراج لها عما قصد بها ، وهضم لمعناها وإزالة لفائدتها كقول بعضهم في قوله تعالى : " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " .
إن المراد به علي بن أبي طالب . وهذا كذب قطعاً على الله أنه أراد علياً وحده .
بهذا اللفظ العام الشامل لكن من اتصف بهذه الصفة وقول هذا القائل أو غيره في قوله تعالى : " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون * لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين " : انه علي بن أبي طالب ، وفي قوله " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " : أنه علي بن أبي طالب .
وقول الآخر في قوله : " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار " : عمر بن الخطاب ، " رحماء بينهم " : أبو بكر " تراهم ركعا سجدا " : عثمان " يبتغون فضلاً من الله ورضواناً " علي .
وقول الآخر في قوله : " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " : هم الخبز .
وفي قوله : " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " : إنها أرض فلسطين والأردن .
وفي قوله : " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب " : هو أما بعد فهضموا هذا المعنى العظيم لإعطائه الحق في أتم بيان .
وفي قوله : " خذوا زينتكم عند كل مسجد " : المراد به المشط . ومن هذا يضع الرافضة المشط بين أيديهم في الصلاة .
وقد يقع في كلام السلف تفسير اللفظ العام بصورة خاصة على وجه التمثيل لا على التفسير معنى اللفظة في اللغة بذلك ، فيغير به المعنى ، فيجعله معنى اللفظة في اللغة، كما قال بعضهم في قوله : " ثم لتسألن يومئذ عن النعيم " : إنه الماء البارد في الصيف ، فلم يرد به أن النعيم المسؤول عنه هو هذا وحده .
وكما قيل في قوله : " ويمنعون الماعون " : إنه القدر والفأس والقصعة فالماعون اسم جامع لجميع ما ينتفع به فذكر بعض السلف هذا للسائل تمثيلاً وتنبيهاً بالأدنى على الأعلى . فإذا كان الويل لمن منع هذا فكيف بمن منع ما الحاجة إليه أعظم ، وإذا كان العبد يسأل عن شكر الماء البارد فكيف بما هو أعظم نعيماً منه.
وفي قوله : " الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن " : هم الغداء والعشاء .
وفي قوله : " ربنا آتنا في الدنيا حسنة " : أنها المرأة الموافقة . فهذا كله من التمثيل للمعنى العام ببعض أنواعه . فإن أراد القائل أن الأدلة اللفظية موقوفة على عدم التخصيص أنها موقوفة على عدم قصرها على هذا وأشباهه ، فنعم هي غير مقصورة عليه ولا مختصة به ولا يقال لفهم هذه الأنواع منها تخصيصاً .
ونظير هذا ما يذكره كثير من المفسرين في آيات عامة أنها في قوم مخصوصين من المؤمنين والكفار والمنافقين، وهذا تقصير ظاهر منهم وهضم لتلك العمومات المقصود عمومها، وكأن الغلط في ذلك إنما عرض من جهة أن أقواماً في عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه، قالوا أقوالاً وفعلوا أفعالاً في الخير والشر فنزلت بسبب الفريقين آيات حمد الله فيها المحسنين وأثنى عليهم، ووعدهم جزيل ثوابه وذم المسيئين ووعدهم وبيل عقابه، فعمد كثير من المفسرين، إلى تلك العمومات فنسبوها إلى أولئك الأشخاص وقالوا إنهم المعنيون بها .
وكذلك الحال في أحكام وقعت في القرآن كان بدو افتراضها أفعال ظهرت من أقوام ، فأنزل الله بسببها أحكاماً، صارت شرائع عامة إلى يوم القيامة ، فلم يكن من الصواب إضافتهم إليهم، وأنهم هم المرادون بها إلا على وجه ذكر سبب النزول فقط ، وأن تناولها لهم ولغيرهم تناول واحد،

فمن التقصير القبيح أن يقال في قوله : " يا أيها الناس اعبدوا ربكم " .
أن المراد بالناس أهل مكة فيأتي إلى لفظ من أشمل ألفاظ العموم ، أريد به الناس كلهم عربهم وعجمهم ، قرناً بعد قرن إلى أن يطوي الله الدنيا فيقول : المراد به أهل مكة ، نعم هم أسبق وأول من أريد به إذ كانوا هم المواجهين بالخطاب أولاً ، وهذا كثير في كلامهم كقولهم : المراد بقوله : كذا وكذا أبو جهل أو أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة أو عبدالله بن أبي .
أو عبدالله بن سلام من سادة المؤمنين كما يقولون في كل موضع ذكر فيه : " ومن عنده علم الكتاب " .
إنه عبدالله بن سلام ، وهذا باطل قطعاً فإن هذا مذكور في سورة مكية كسورة الرعد حيث لم يكن عبدالله بن سلام قد أسلم ، ولا كان هناك .
وكذلك يقولون في قوله : " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة " .
إن المراد به عبدالله بن أبي وكان من أحسن الناس جسماً . والصواب أن اللفظ عام في من اتصف بهذه الصفات وهي صحة الجسم وتمامه ، وحسن الكلام وخلوه من روح الإيمان ومحبة الهدى وإيثاره كخلو الخشب المقطوعة التي قد تساند بعضها إلى بعض من روح الحياة التي يعطيها النمو أو الزيادة والثمرة ، واتصافهم بالجبن والخور الذي يحسب صاحبه أن كل صيحة عليه . فمن التقصير الزائد أن يقال : إن المراد بهذا اللفظ هو عبدالله بن أبي .
ومن هذا قولهم في قوله تعالى : " إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم " : إنه أبو جهل ابن هشام وكذلك في قوله : " فلا صدق ولا صلى * ولكن كذب وتولى " : إنه أبو جهل ، وكذلك في قوله : " إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون " إلى آخرها ، وكذلك في قوله : " ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم ..... " إلى آخرها : إنه الوليد بن المغيرة .
وكذلك قوله : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " : إنه النضر بن الحارث . وفي قوله : " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين " .
إنها في أناس معينين وأضعاف ذلك مما إذا طرق سمع كثير من الناس ظن أن هذا شيء أريد به هؤلاء ومضى حكمه وبقي لفظه وتلاوته حتى قال بعض من قدم العقل على النقل ، وقد احتج عليه بشيء من القرآن : دعني من كلام قيل في أناس مضوا وانقرضوا : .
ومن تأمل خطاب القرآن وألفاظه وجلالة المتكلم به وعظمة ملكه وما أراد به من الهداية العامة لجميع الأمم قرناً بعد قرن إلى آخر الدهر وأنه جعله إنذاراً لكل من بلغه من المكلفين لم يخف عليه أن خطاب العام إنما جعل بإزاء أفعال حسنة محمودة ، وأخرى قبيحة مذمومة ، وأنه ليس منها فعل إلا والشركة فيه موجودة أو ممكنة ، وإذا كانت الأفعال مشتركة كان الوعد الوعيد المعلق بها مشتركاً إلا ترى أن الأفعال التي حكيت عن أبي جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وأضرابهم وعن عبدالله بن أبي وأضرابه كان لهم فيه شركاء كثيرون حكمهم فيها حكمهم .
ولهذا عدل الله سبحانه عن ذكر بأسمائهم وأعيانهم إلى ذكر أوصافهم وأفعالهم وأقوالهم ، لئلا يتوهم متوهم اختصاص الوعيد بهم وقصره عليهم ، وأنه لا يجاوزهم ، فعلق سبحانه الوعيد وقصره عليهم وأنه لا يجاوزهم فعلق سبحانهه الوعيد على الموصوفين بتلك الصفات دون أسماء من قامت به إرادة لتعميم الحكم وتناوله لهم ، ولأمثالهم ممن هو على مثل حالهم .
وهذا الحكم فيمن أثنى عليه ومدحه بما صدر منه من قول أو فعل عدل سبحانه عن ذكره باسمه وعينه إلى ذكره بوصفه وفعله ليتناول المدح لمن شركه في ذلك من سائر الناس ، فإذا حمل السامع قوله : " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " وقوله : " والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون " .
ونظائرها على أبي بكر الصديق أو علي بن أبي طالب فقد ظلم اللفظ والمعنى وقصر به غاية التقصير وإن كان الصديق أول وأولى من دخل في هذا اللفظ العام وأريد به .
ونظير ذلك ما ذكره بعضهم في قوله : " إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا " إلى قوله " يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً * ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً " .
إن المراد بذلك عن علي بن أبي طالب فجمع إلى حمل هذا اللفظ العام المجاهرة بالكذب والبهت غي دعواه ونزولها في علي فإن السورة مكية ، وعلي كان بمكة فقيراً قد رباه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره ، فإن أبا طالب لما مات اقتسم بنو عبد المطلب أولاده ، لأنه لم يكن له مال فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ورباه عنده، وضمنه إلى عياله فكان فيهم .
ومن تأمل هذه السورة علم يقيناً أنه لا يجوز أن يكون المراد بألفاظها العامة إنساناً واحداً فإنها سورة عجيبة التبيان افتتحت بذكر خلق الإنسان ومبدئه وجميع أحواله من بدايته إلى نهايته ، وذكره أقسام الخلق في أعمالهم واعتقاداتهم ومنازلهم من السعادة والشقاوة ، فتخصيص العام فيها بشخص واحد ظلم ، وهضم ظاهر للفظها ومعناها ، وشبيه بهذا ما ذكره بعضهم في قوله تعالى : " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً " .
أنها نزلت في أبي بكر الصديق وابنه عبد الرحمن .
ونظيره ما تقدم من تفسير قوله : " محمد رسول الله " إلى آخر الآية ، وقسمة جملها بين العشرة من الصحابة . ومن تأمل ذلك علم أن هذا تفسير مختل ، مخل بمقصود الآية ، معدول به عن سنن الصواب .
وهذا باب يطول تتبعه جداً ، ولو أن الذين ارتكبوا ما ذكرنا من التفاسير المستكرهة والمستغربة ، وحملوا العموم على الخصوص ، وأزالوا لفظ الآية عن موضوعه علموا ما في ذلك من تصغير شأن القرآن ، وهضم معانيه من النفوس ، وتعريضه لجهل كثير من الناس بما عظم الله قدره ، وأعلى خطره ، لأقلوا مما استكثروا منه ولزهدوا فيما أظهروا الرغبة فيه ، وكان ذلك من فعلهم أحسن وأجمل وأولى بأن يوفى معه القرآن بعض حقه ، من الإجلال والتعظيم والتفخيم ، ولو لم يكن في حمل تفسير القرآن على الخصوص دون العموم إلا ما يتصوره التالي له في نفسه ، من أن تلك الآيات إنما قصد بها أقوام من الماضين دون الغابرين ، فيكون نفعه وعائدته على البعض دون البعض لكان في ذلك ما يوجب النفرة عن ذلك ، والرغبة عنه ، وبحكمة بالغة عدل الرب تعالى عن تسمية من ذكر هؤلاء أنهم مراد باللفظ إلى ذكر الأوصاف والأفعال التي يأخذ كل أحد منها حظه، ولو سمى سبحانه أصحابها بأسمائهم لقال القائل لست منهم .) انتهى كلامه
 
[align=center]قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عند تفسيره لقول الله عز وجل : { يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً } (الطور:9) :
( ...وهذه الآية تدل على أن قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون }. فإن هذه الآية هي نفس هذه الآية التي في الطور من حيث المعنى، فيكون قوله تبارك وتعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب } يعني يوم القيامة ولا شك، ومن فسرها بأن ذلك في الدنيا وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد حرَّف الكَلم عن مواضعه، وقال على الله ما لا يعلم، وتفسير القرآن ليس بالأمر الهين، لأن تفسير القرآن يعني أنك تشهد على أن الله أراد به كذا وكذا، فلابد أن يكون هناك دليل: إما من القرآن نفسه، وإما من السنة، وإما من تفسير الصحابة - رضي الله عنهم - أما أن يحول الإنسان القرآن على المعنى الذي يراه بعقله أو برأيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» .
والمهم أن تفسير قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب } يراد به ما في الدنيا، تفسير باطل لا يجوز الاعتماد عليه، ولا المعول عليه، أما كون الأرض تدور أو لا تدور، فهذا يعلم من دليل آخر، إما بحسب الواقع، وإما بالقرآن، وإما بالسنة، ولا يجوز أبداً أن نحمل القرآن معاني لا يدل عليها من أجل أن نؤيد نظرية أو أمراً واقعاً، لكنه لا يدل عليه اللفظ، لأن هذا أمر خطير جداً.) انتهى

وللاطلاع على المزيد من الأقوال في تفسير آية النمل ينظر هذا الموضوع :
هل قوله تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة ...) في الدنيا أم في الآخرة ؟[/align]
 
قال الواحدي في أسباب النزول في بيان زمن نزول سورة الفاتحة : ( اختلفوا فيها، فعند الأكثرين هي مكية من أوائل ما نزل من القرآن...

وعند مجاهد : أن الفاتحة مدنية.
قال الحسين بن الفضل: لكل عالم هفوة وهذه بادرة من مجاهد ؛ لأنه تفرد بهذا القول والعلماء على خلافه.) ص117-118 بتحقيق ماهر الفحل.
 
أبومجاهدالعبيدي قال:
[align=center]قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عند تفسيره لقول الله عز وجل : { يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً } (الطور:9) :
( ...وهذه الآية تدل على أن قول الله تبارك وتعالى في سورة النمل: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون }. فإن هذه الآية هي نفس هذه الآية التي في الطور من حيث المعنى، فيكون قوله تبارك وتعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب } يعني يوم القيامة ولا شك، ومن فسرها بأن ذلك في الدنيا وأنه دليل على أن الأرض تدور فقد حرَّف الكَلم عن مواضعه، وقال على الله ما لا يعلم، وتفسير القرآن ليس بالأمر الهين، لأن تفسير القرآن يعني أنك تشهد على أن الله أراد به كذا وكذا، فلابد أن يكون هناك دليل: إما من القرآن نفسه، وإما من السنة، وإما من تفسير الصحابة - رضي الله عنهم - أما أن يحول الإنسان القرآن على المعنى الذي يراه بعقله أو برأيه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» .
والمهم أن تفسير قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمر مر السحاب } يراد به ما في الدنيا، تفسير باطل لا يجوز الاعتماد عليه، ولا المعول عليه، أما كون الأرض تدور أو لا تدور، فهذا يعلم من دليل آخر، إما بحسب الواقع، وإما بالقرآن، وإما بالسنة، ولا يجوز أبداً أن نحمل القرآن معاني لا يدل عليها من أجل أن نؤيد نظرية أو أمراً واقعاً، لكنه لا يدل عليه اللفظ، لأن هذا أمر خطير جداً.) انتهى

وللاطلاع على المزيد من الأقوال في تفسير آية النمل ينظر هذا الموضوع :
هل قوله تعالى : ( وترى الجبال تحسبها جامدة ...) في الدنيا أم في الآخرة ؟[/align]


================
السلام عليكم
رحم الله الشيخ بن عثيمين،
لو كان تفسير السلف - الذين عاصروا التنزيل- للآية 88 من سورة النمل هو التأويل وأن الجبال التي تمر مر السحاب سيكون ذلك عند قيام الساعة لقال الله (كذلك يريكم الله آياته) بدلا من (سيريكم) باعتبار أن تأويل الآية مفهوم لللمعاصرين للتنزيل ، ، لكن الله أتى بفعل (سيريكم) لنستدل به أن تأويل هذه الآية 88 وكل آيات سورة النمل التي ضربها الله أمثالا لأحداث المستقبل سيظل غيبا إلى أجل مسمى في المستقبل.
سأضيف إن شاء الله قولا جديدا (أراه قيما) عن الآية 88 من سورة النمل .
 
بعض الأقوال التي ردها ابن كثير في تفسيره

بعض الأقوال التي ردها ابن كثير في تفسيره

[align=justify]قال ابن كثير عند تفسيره لآية النسخ في سورة البقرة : ( والمسلمون كلهم متفقون على جواز النسخ في أحكام الله تعالى، لما له في ذلك من الحكم البالغة، وكلهم قال بوقوعه. وقال أبو مسلم الأصبهاني المفسر: لم يقع شيء من ذلك في القرآن، وقوله هذا ضعيف مردود مرذول. )

وقال حاكماً على قول أورده ابن جرير في تفسير قول الله تعالى : ﴿ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ﴾(لأعراف: من الآية150): ( وروى ابن جرير عن قتادة في هذا قولا غريبًا، لا يصح إسناده إلى حكاية قتادة، وقد رَدّه ابن عطية وغير واحد من العلماء، وهو جدير بالرد، وكأنه تَلَقَّاه قتادة عن بعض أهل الكتاب، وفيهم كذابون ووَضّاعون وأفاكون وزنادقة.)
وهذا القول هو ما أورده ابن جرير بقوله : (حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: "أخذ الألواح"، قال: رب، إني أجد في الألواح أمةً خيرَ أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فاجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! قال: رب إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون= أي آخرون في الخلق= السابقون في دخول الجنة، رب اجعلهم أمتي! قال: تلك أمة أحمد! ....)إلخ .


وقال : ( وقوله: { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } اختلف السلف والأئمة في المراد بقوله: { ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا } فقال بعض الناس: العود هو أن يعود إلى لفظ الظهار فيكرره، وهذا القول باطل، وهو اختيار بن حزم وقول داود، وحكاه أبو عمر بن عبد البر عن بُكَيْر ابن الأشج والفراء، وفرقة من أهل الكلام.)[/align]
 
أفرد بعضُ المؤلفين في علوم القرآن لهذا النوع من التفسيرِ باباً سمَّاه ابنُ عقيلة في كتابه الزيادة والإحسان (علم غرائب التفسير التي هي مردودة عند العلماء غير مقبولة) ج9 ص:362. وأشار إلى كتاب محمود بن حمزة الكرماني العجائب والغرائب وهو مطبوع بتحقيق د. شمران سركال يونس العجلي كما ذكر المحقق.
 
[align=justify]شكر الله للدكتور فهد هذه الإضافة .
وكتاب محمود بن حمزة الكرماني الذي أشار إليه الشيخ الكريم مطبوع في مجلدين ، وعنوانه : غرائب التفسير وعجائب التأويل . قال مؤلفه في مقدمته : ( فإن أكثر العلماء والمتعلمين في زماننا يرغبون في غرائب لتفسير القرآن وعجائب تأويله ، ويميلون إلى المشكلات المعضلات في أقاويله ؛ فجمعت في كتابي هذا منها ما أقدر أن فيه مقنعاً لرغبتهم ومكتفى لطلبتهم....) 1/87-88 .

قال السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن : النوع التاسع والسبعون
في غرائب التفسير
ألف فيه محمود بن حمزة الكرماني كتاباً في مجلدين سماه العجائب والغرائب ضمنه أقوالاً ذكرت في معاني الآيات بنكرة لا يحل الاعتماد عليها ولا ذكرها إلا للتحذير منها.
من ذلك من قال في حمعسق إن الحاء حرب عليّ ومعاوية، والميم ولاية المروانية، والعين ولاية العباسية، والسين ولاية السفيائية، والقاف قدوة مهدي، حكاه أبومسلم. ثم قال: أردت بذلك أن يعلم أن فيمن يدعي العلم حمقى.
ومن ذلك قول من قال في آلم معنى ألف: ألف الله محمداً فبعثه نبياً، ومعنى لام: لامه الجاحدون وأنكروه، ومعنى ميم: ميم الجاحدون المنكرون من الموم وهوالرسام.
ومن ذلك قول من قال في "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب" أنه قصص القرآن، واستدل بقراءة أبي الجوزاء: ولكم في القصاص، وهوبعيد، بل هذه القراءة أفادت معنى غير معنى القراءة المشهورة، وذلك من وجوه إعجاز القرآن كما بينته في أسرار التنزيل.
ومن ذلك ما ذكره ابن فورك في تفسيره في قوله ( ولكن ليطمئن قلبي) إن إبراهيم كان له صديق وصفه بأنه قلبه: أي ليسكن هذا الصديق إلى هذه المشاهدة إذا رآها عياناً. قال الكرماني: وهذا بعيد جداً.
ومن ذلك قول من قال في "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" أنه الحب والعشق، وقد حكاه الكواشي في تفسيره.
ومن ذلك قول من قال في "ومن شر غاسق إذا وقب" إنه الذكر إذا انتصب.
ومن ذلك قول أبي معاذ النحوي في قوله تعالى "الذي جعل لكم من الشجر الأخضر" يعني إبراهيم "ناراً" أي نوراً وهومحمد صلى الله عليه وسلم "فإذا أنتم منه توقدون" تقتبسون الدين. انتهى ما ذكره السيوطي.


قلت : وللزمخشري عناية بالتنبيه على الأقوال الضعيفة المنقولة في تفسير بعض الآيات ، وهو يصدر هذه الأقوال بقوله : ( ومن بدع التفاسير ...)

وللغماري كتاب بهذا العنوان : بدع التفاسير[/align]
 
[align=justify]من الأقوال التي نص ابن كثير على ردّها أو ضعفها في تفسير قول الله تعالى :﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ (البقرة:30) :

قال رحمه الله : ( { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ } أي: واذكر يا محمد إذ قال ربك للملائكة، واقصص على قومك ذلك. وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية - وهو أبو عبيدة -أنه زعم أن "إذ" هاهنا زائدة، وأن تقدير الكلام: وقال ربك. ورده ابن جرير.

قال القرطبي: وكذا رده جميع المفسرين حتى قال الزجاج: هذا اجتراء من أبي عبيدة.)

[line]

وقال أيضاً : ( وليس المراد هاهنا بالخليفة آدم عليه السلام فقط، كما يقوله طائفة من المفسرين، وعزاه القرطبي إلى ابن مسعود وابن عباس وجميع أهل التأويل، وفي ذلك نظر، بل الخلاف في ذلك كثير، حكاه فخر الدين الرازي في تفسيره وغيره، والظاهر أنه لم يرد آدم عينًا إذ لو كان كذلك لما حسن قول الملائكة: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } فإنهم إنما أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك.)

[line]

وقال : ( وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا هشام الرازي، حدثنا ابن المبارك، عن معروف، يعني ابن خَرّبوذ المكي، عمن سمع أبا جعفر محمد بن علي يقول: السّجِلّ ملك، وكان هاروت وماروت من أعوانه، وكان له في كل يوم ثلاث لمحات ينظرهن في أم الكتاب، فنظر نظرة لم تكن له فأبصر فيها خلق آدم وما كان فيه من الأمور، فأسَر ذلك إلى هاروت وماروت، وكانا من أعوانه، فلما قال تعالى: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ } قالا ذلك استطالة على الملائكة.
وهذا أثر غريب. وبتقدير صحته إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن الباقر، فهو نقله عن أهل الكتاب، وفيه نكارة توجب رده، والله أعلم. ومقتضاه أن الذين قالوا ذلك إنما كانوا اثنين فقط،وهو خلاف السياق.
وأغرب منه ما رواه ابن أبي حاتم -أيضًا-حيث قال: حدثنا أبي، حدثنا هشام بن أبي عَبْد الله، حدثنا عبد الله بن يحيى بن أبي كثير، قال: سمعت أبي يقول: إن الملائكة الذين قالوا: { أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } كانوا عشرة آلاف، فخرجت نار من عند الله فأحرقتهم.
وهذا -أيضًا-إسرائيلي منكر كالذي قبله، والله أعلم.)


[/align]
 
﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ (النساء:17)
جاء في تفسير فتح القدير للشوكاني : ( قوله : { ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ } معناه قبل أن يحضرهم الموت ، كما يدل عليه قوله : { حتى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الموت } وبه قال أبو مجلز ، والضحاك ، وعكرمة ، وغيرهم ، والمراد قيل : المعاينة للملائكة ، وغلبة المرء على نفسه ، و «من» في قوله : { مِن قَرِيبٍ } للتبعيض ، أي : يتوبون بعض زمان قريب ، وهو ما عدا وقت حضور الموت .
وقيل معناه : قبل المرض ، وهو ضعيف ، بل باطل لما قدمنا ، ولما أخرجه أحمد، والترمذي ، وحسنه ، وابن ماجه ، والحاكم وصححه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ".) انتهى
 

قال الله تعالى : ( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ }
ذكر ابن كثير أن المراد بقوله تعالى : " بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ " : أنها ليست مذللة بالحراثة . ثم قال :
( وقد زعم بعضهم أن المعنى في ذلك قوله تعالى: ( إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ ) ليست بمذللة بالعمل ثم استأنف فقال: ( تُثِيرُ الأرْضَ ) أي: يعمل عليها بالحراثة لكنها لا تسقي الحرث، وهذا ضعيف؛ لأنه فسر الذلول التي لم تذلل بالعمل بأنها لا تثير الأرض ولا تسقي الحرث كذا قرره القرطبي وغيره. )​
 
قال الله تعالى : ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ (الانبياء:87)

جاء في تفسير القرطبي - (ج 11 / ص 331) : ( قوله تعالى: ( فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات )

قيل: معناه استزله إبليس ووقع في ظنه إمكان ألا يقدر الله عليه بمعاقبته.

وهذا قول مردود مرغوب عنه، لانه كفر. )

وفي أضواء البيان للشنقيطي - (ج 4 / ص 307) :
( أما قول من قال : إن { أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } من القدرة فهو قول باطل بلا شك . لأن نبي الله يونس لا يشك في قدرة الله على كل شيء ، كما لا يخفى .)

والتفسير الصحيح للآية هو ما ذكره الشنقيطي بقوله : ( وقوله : { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } فيه وجهان من التفسير لا يكذب أحدهما الآخر :
الأول أن المعنى { لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } أي لن نضيق عليه في بطن الحوت . ومن إطلاق « قدر » بمعنى « ضيق » في القرآن قوله تعالى : { الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } [ الرعد : 26 ] أي ويضيق الرزق على من يشاء ، وقوله تعالى : { لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ الله } [ الطلاق : 7 ] الآية . فقوله : { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } أي ومن ضيق عليه رزقه .
الوجه الثاني أن معنى { أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } لن نقضي عليه ذلك . وعليه فهو من القدر والقضاء . « وقدر » بالتخفيف تأتي بمعنى « قدر » المضعفة : ومنه قوله تعالى : { فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } [ القمر : 12 ] أي قدره الله .).
 
ألا ترى يا شيخنا الكريم أبا مجاهد وغيرك من المشايخ الأجلاء, أن هذا الموضوع بهيكله الحالي يتخذ شكلا موسوعيا ربما صعب إن لم يستحل حصره (في جانب الرسائل العلمية) خلافا لما لو كان الموضوع منصبا على تفسير واحد بعينه كالطبري وابن ابي حاتم وابن كثير وغيرهم رحمة الله على الجميع ؟؟
ارجو الإجابة على السؤال ,والمعذرة على قطع تواتر النقولات في هذا الباب الماتع ...
 
محمود الشنقيطي قال:
ألا ترى يا شيخنا الكريم أبا مجاهد وغيرك من المشايخ الأجلاء, أن هذا الموضوع بهيكله الحالي يتخذ شكلا موسوعيا ربما صعب إن لم يستحل حصره (في جانب الرسائل العلمية) خلافا لما لو كان الموضوع منصبا على تفسير واحد بعينه كالطبري وابن ابي حاتم وابن كثير وغيرهم رحمة الله على الجميع ؟؟.

لا شك أخي محمود أن الأمر كما ذكرت وفقك الله.

ومن أراد البحث في هذا الموضوع فلا بد من حصر مجال بحثه بطريقة مناسبة.

ومن ذلك :

الأقوال التي ردها الصحابة والتابعون في التفسير.

الأقوال المردودة عند ابن عطية في تفسيره.

الأقوال التفسيرية التي ردها ابن عاشور في تفسيره.

ونحو ذلك.

وأشكرك على هذا التنبيه
 
جاء في تفسير الثعالبي - (ج 2 / ص 31) ما نصه :
( وقوله عز وجل : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ . . . } الآية : لما تقدم إنكار ما حرمه الكُفَّار بآرائهم أتبعه بذِكْرِ ما حرم اللَّه عز وجل .
والفَوَاحِشُ في اللغة ما فَحُشَ وشنع ، وأصله من القُبْحِ في النظر ، وهي هنا إنما هي إشارة إلى ما نص الشرع على تحريمه ، فكل ما حرمه الشَّرْعُ ، فهو فاحش ، والإثم لفظ عام في جَمِيعِ الأفعال والأقوال التي يَتَعَلَّقُ بمرتكبها إثم . هذا قول الجمهور .
وقال بعض الناس : هي الخَمْرُ . وهذا قول مردود؛ لأن هذه السورة مَكيّة ، وإنما حرمت الخَمْرُ ب «المدينة» بعد أُحد.)

وقد أخذ الثعالبي هذا الحكم عن ابن عطية؛ إذ هو يعتمد عليه في أغلب تفسيره وينقل ترجيحاته وأقواله .

ونص كلام ابن عطية :
( { والإثم } أيضاً : لفظه عام لجميع الأفعال والأقوال التي يتعلق بمرتكبها إثم ، هذا قول الجمهور .
وقال بعض الناس : هي الخمر واحتج على ذلك بقوله الشاعر :
شربت الإثم حتى طار عقلي ...

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول مردود لأن هذه السورة مكية ولم تعن الشريعة لتحريم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد لأن جماعة من الصحابة اصطحبوها يوم أحد وماتوا شهداء ، وهي في أجوافهم ، وأيضاً فبيت الشعر يقال إنه مصنوع مختلق ، وإن صح فهو على حذف مضاف .) المحرر الوجيز - (ج 3 / ص 32)



وهذا النقل يدل على أثر معرفة المكي والمدني في التفسير ، وعلى أهمية إلمام المفسر بهذا العلم.
ولابن عطية رحمه الله اهتمام بهذا العلم ، وقد اعتمده في الحكم على كثير من الأقوال الواردة في التفسير.

ومن ذلك قوله في تفسير سورة الأحزاب : ( وقوله تعالى : { وسبحوه بكرة وأصيلاً } أراد في كل الأوقات مجدد الزمان بطرفي نهاره وليله ، وقال قتادة والطبري وغيره الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر .
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذه الآية مدنية فلا تعلق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أولاً صلاتين في طرفي النهار ، والرواية بذلك ضعيفة


تنبيه : "أثر معرفة المكي والمدني في التفسير" موضوع جدير بالبحث. فهل بحث هذا الموضوع؟
لعل أحداً يفيدنا عن ذلك.
 
قال ابن جُزيّ - رحمه الله تعالى - عند تفسير قول الله عز وجل : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم ) المائدة: 34
قال: قيل هي في المشركين ، وهو ضعيف لأن المشرك لا يختلف حكم توبته قبل القدرة عليه وبعدها.
 
في بيان همّ يوسف المذكور في قول الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ أورد ابن الجوزي في زيد المسير خمسة أقوال ، ومنها ما ذكره بقوله :
( والقول الخامس : أنه همّ بالفرار منها ، حكاه الثعلبي ، وهو قول مرذول ، أفَتراه أراد الفرار منها ، فلما رأى البرهان ، أقام عندها؟! )
زاد المسير - (ج 3 / ص 416)​


تنبيه : تجد هنا دراسة مفصلة لأقوال المفسرين في هذه المسألة :

دراسة أقوال المفسرين في المراد بهمّ يوسف عليه السلام بامرأة العزيز
 
قال الله تعالى : { أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [ النحل:1].
قال الإمام الشنقيطي في تفسيره : ( وقول الضحاك ومن وافقه : إن معنى : { أتى أَمْرُ الله } اي فرائضه وحدوده - قول مردود ولا وجه له ، وقد رده الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره قائلاً : إنه لم يبلغنا أن أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجل فرائض قبل أن تفرض عليهم ، فيقال لهم من أجل ذلك قد جاءتكم فرائض الله فلا تستعجلوها . أما مستعجلو العذاب من المشركين فقد كانوا كثيراً . اهـ ). أضواء البيان - (ج 2 / ص 459)
 
أبومجاهدالعبيدي قال:
في بيان همّ يوسف المذكور في قول الله تعالى : ﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ أورد ابن الجوزي في زيد المسير خمسة أقوال ، ومنها ما ذكره بقوله :
( والقول الخامس : أنه همّ بالفرار منها ، حكاه الثعلبي ، وهو قول مرذول ، أفَتراه أراد الفرار منها ، فلما رأى البرهان ، أقام عندها؟! )
زاد المسير - (ج 3 / ص 416)​


تنبيه : تجد هنا دراسة مفصلة لأقوال المفسرين في هذه المسألة :

دراسة أقوال المفسرين في المراد بهمّ يوسف عليه السلام بامرأة العزيز

ومما له صلة بتفسير هذه الآية ما جاء في هذا النقل المهم للإمام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث قال :

( وَأَمَّا قَوْلُهُ : { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } فَالْهَمُّ اسْمُ جِنْسٍ تَحْتَهُ " نَوْعَانِ " كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَد الْهَمُّ هَمَّانِ : هَمُّ خَطَرَاتٍ وَهَمُّ إصْرَارٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ الْعَبْدَ إذَا هَمَّ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ وَإِذَا تَرَكَهَا لِلَّهِ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً } وَإِنْ تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتْرُكَهَا لِلَّهِ لَمْ تُكْتَبْ لَهُ حَسَنَةً وَلَا تُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةً وَيُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ وَلِذَلِكَ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ لِإِخْلَاصِهِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا قَامَ الْمُقْتَضِي لِلذَّنْبِ وَهُوَ الْهَمُّ وَعَارَضَهُ الْإِخْلَاصُ الْمُوجِبُ لِانْصِرَافِ الْقَلْبِ عَنْ الذَّنْبِ لِلَّهِ . فَيُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إلَّا حَسَنَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا ؟ وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ }.
وَأَمَّا مَا يُنْقَلُ : مِنْ أَنَّهُ حَلَّ سَرَاوِيلَهُ وَجَلَسَ مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَأَنَّهُ رَأَى صُورَةَ يَعْقُوبَ عَاضًّا عَلَى يَدِهِ وَأَمْثَالَ ذَلِكَ فَكُلُّهُ مِمَّا لَمْ يُخْبِرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كَذِبًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْحًا فِيهِمْ وَكُلُّ مَنْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَنْهُمْ نَقَلَهُ ؛ لَمْ يَنْقُلْ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ عَنْ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرْفًا وَاحِدًا .

وَقَوْلُهُ : { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي } فَمِنْ كَلَامِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ كَمَا يَدُلُّ الْقُرْآنُ عَلَى ذَلِكَ دِلَالَةً بَيِّنَةً لَا يَرْتَابُ فِيهَا مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ } { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ } { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } { وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَهَذَا كُلُّهُ كَلَامُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَيُوسُفُ إذْ ذَاكَ فِي السِّجْنِ لَمْ يَحْضُرْ بَعْدُ إلَى الْمَلِكِ وَلَا سَمِعَ كَلَامَهُ وَلَا رَآهُ ؛ وَلَكِنْ لَمَّا ظَهَرَتْ بَرَاءَتُهُ فِي غَيْبَتِهِ - كَمَا قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ : { ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ } أَيْ لَمْ أَخُنْهُ فِي حَالِ مَغِيبِهِ عَنِّي وَإِنْ كُنْتُ فِي حَالِ شُهُودِهِ رَاوَدْتُهُ - فَحِينَئِذٍ : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ }.
وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ إنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ يُوسُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا هَذَا الْقَوْلَ وَهُوَ قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ؛ بَلْ الْأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى نَقْضِهِ.)

[مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 2 / ص 373)]
 
تفسير الهجر الوارد في قول الله تعالى : ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ ﴾ (النساء: من الآية34)
قال الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر - (ج 2 / ص 333)
( وَالْوَعْظِ التَّخْوِيفِ بِالْعَوَاقِبِ كَأَنْ يَقُولَ لَهَا اتَّقِي اللَّهَ فِي حَقِّي الْوَاجِبِ عَلَيْك وَاخْشِ سَطْوَةَ انْتِقَامِهِ ، وَلَهُ أَنْ يَهْجُرَهَا فِي الْمَضْجَعِ بِأَنْ يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمُهَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَوْ يَعْتَزِلُ عَنْهَا فِي فِرَاشٍ آخَرَ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ ، وَالثَّانِي أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إنْ أَحَبَّتْهُ شَقَّ عَلَيْهَا هَجْرُهُ فَتَرْجِعُ عَنْ النُّشُوزِ أَوْ كَرِهَتْهُ فَقَدْ وَافَقَ غَرَضَهَا فَيَتَحَقَّقُ نُشُوزُهَا حِينَئِذٍ .
وَقِيلَ اُهْجُرُوهُنَّ مِنْ الْهَجْرِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ الْقَبِيحُ مِنْ الْقَوْلِ ، أَيْ أَغْلِظُوا عَلَيْهِنَّ فِي الْقَوْلِ وَضَاجِرُوهُنَّ لِلْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ شِدُّوهُنَّ وِثَاقًا فِي بُيُوتِهِنَّ مِنْ هَجَرَ الْبَعِيرَ أَيْ رَبَطَهُ بِالْهِجَارِ وَهُوَ حَبْلٌ يُشَدُّ بِهِ الْبَعِيرُ ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَالشُّذُوذِ وَإِنْ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ.)

وقد علّق ابن العربي في أحكام القرآن على ما ذهب إليه ابن جرير بقوله : ( قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : يَا لَهَا هَفْوَةٌ مِنْ عَالِمٍ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ، ...
وَعَجَبًا لَهُ مَعَ تَبَحُّرِهِ فِي الْعُلُومِ وَفِي لُغَةِ الْعَرَبِ كَيْفَ بَعُدَ عَلَيْهِ صَوَابُ الْقَوْلِ ، وَحَادَ عَنْ سَدَادِ النَّظَرِ ؛ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مِنْ أَخْذِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الِاجْتِهَادِ الْمُفْضِيَةِ بِسَالِكِهَا إلَى السَّدَادِ ؛ فَنَظَرْنَا فِي مَوَارِدِ " هـ ج ر " فِي لِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى هَذَا النِّظَامِ فَوَجَدْنَاهَا سَبْعَةً : ضِدَّ الْوَصْلِ .
مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْقَوْلِ .
مُجَانَبَةُ الشَّيْءِ ، وَمِنْهُ الْهَجْرَةُ .
هَذَيَانُ الْمَرِيضِ .
انْتِصَافُ النَّهَارِ .
الشَّابُّ الْحَسَنِ .
الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ فِي حِقْوِ الْبَعِيرِ ثُمَّ يُشَدُّ فِي أَحَدِ رُسْغَيْهِ .
وَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْمَوَارِدِ فَأَلْفَيْنَاهَا تَدُورُ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْبَعْدُ عَنْ الشَّيْءِ فَالْهَجْرُ قَدْ بَعُدَ عَنْ الْوَصْلِ الَّذِي يَنْبَغِي مِنْ الْأُلْفَةِ وَجَمِيلِ الصُّحْبَةِ ، وَمَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْقَوْلِ قَدْ بَعُدَ عَنْ الصَّوَابِ ، وَمُجَانَبَةُ الشَّيْءِ بُعْدٌ مِنْهُ وَأَخْذٌ فِي جَانِبٍ آخَرَ عَنْهُ ، وَهَذَيَانُ الْمَرِيضِ قَدْ بَعُدَ عَنْ نِظَامِ الْكَلَامِ ، وَانْتِصَافُ النَّهَارِ قَدْ بَعُدَ عَنْ طَرَفَيْهِ الْمَحْمُودَيْنِ فِي اعْتِدَالِ الْهَوَاءِ وَإِمْكَانِ التَّصَرُّفِ .
وَالشَّابُّ الْحَسَنُ قَدْ بَعُدَ عَنْ الْعَابِ ، وَالْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْبَعِيرُ قَدْ أَبْعَدَهُ عَنْ اسْتِرْسَالِهِ فِي تَصَرُّفِهِ وَاسْتِرْسَالِ مَا رُبِطَ عَنْ تَقَلْقُلِهِ وَتَحَرُّكِهِ .
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ، وَكَانَ مَرْجِعُ الْجَمِيعِ إلَى الْبُعْدِ فَمَعْنَى الْآيَةِ : أَبَعِدُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ .
وَلَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْعَالَمُ ، وَهُوَ لَا يَنْبَغِي لِمِثْلِ السُّدِّيِّ وَالْكَلْبِيِّ فَكَيْفَ أَنْ يَخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ ، فَاَلَّذِي قَالَ : يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ جَعَلَ الْمَضْجَعَ ظَرْفًا لِلْهَجْرِ ، وَأَخَذَ الْقَوْلَ عَلَى أَظْهَرْ الظَّاهِرِ ، وَهُوَ حَبْرُ الْأُمَّةِ ، وَهُوَ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْأَقَلِّ ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ الْأُصُولِ .
وَاَلَّذِي قَالَ يَهْجُرُهَا فِي الْكَلَامِ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى الْأَكْثَرِ الْمُوفِي ، فَقَالَ : لَا يُكَلِّمُهَا وَلَا يُضَاجِعُهَا ، وَيَكُونُ هَذَا الْقَوْلُ كَمَا يَقُولُ : اُهْجُرْهُ فِي اللَّهِ ، وَهَذَا هُوَ أَصْلُ مَالِكٍ .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ : بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ لَهُ نِسَاءٌ فَكَانَ يُغَاضِبُ بَعْضَهُنَّ ، فَإِذَا كَانَتْ لَيْلَتُهَا يَفْرِشُ فِي حُجْرَتِهَا وَتَبِيتُ هِيَ فِي بَيْتِهَا فَقُلْت لِمَالِكٍ : وَذَلِكَ لَهُ وَاسِعٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّه تَعَالَى : { وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ } وَاَلَّذِي قَالَ : لَا يُكَلِّمُهَا وَإِنْ وَطِئَهَا فَصَرَفَهُ نَظَرُهُ إلَى أَنْ جَعَلَ الْأَقَلَّ فِي الْكَلَامِ ، وَإِذَا وَقَعَ الْجِمَاعُ فَتْرُكِ الْكَلَامِ سَخَافَةٌ ، هَذَا وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ .
وَاَلَّذِي قَالَ : يُكَلِّمُهَا بِكَلَامٍ فِيهِ غِلَظٌ إذَا دَعَاهَا إلَى الْمَضْجَعِ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنْ الْقَوْلِ .
وَهَذَا ضَعِيفٌ مِنْ الْقَوْلِ فِي الرَّأْي ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ رَفَعَ التَّثْرِيبَ عَنْ الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ وَهُوَ الْعِقَابُ بِالْقَوْلِ ، فَكَيْفَ يَأْمُرُ مَعَ ذَلِكَ بِالْغِلْظَةِ عَلَى الْحُرَّةِ .)
 
تفسير التصدق الوارد في قوله تعالى: ( وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون ) البقرة: 280
ذكر الإمام الرازي - رحمه الله تعالى: في التصدق قولان:
الأول: وأن تصدقوا على المعسر بما عليه من الدين إذ لا يصح التصدق به على غيره.
والثاني: أن المراد بالتصدق الإنظار ، وقال: وهذا القول ضعيف، لأن الإنظار ثبت وجوبه بالآية الأولى، فلا بد من حمل هذه الآية على فائدة جديدة، ولأن قوله: ( خير لكم ) لايليق بالواجب بل بالمندوب.
 
قال القرطبي – رحمه الله – عند تفسير قول الله عز وجل : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) النساء :34
" وقد راعى بعضهم في التفضيل اللحية! وليس بشيء.." اهـ
الجامع لأحكام القرآن ، تحقيق : د.عبد الله التركي – (ج 6 ص 280)
قلتُ : وهذا القول – أي التفضيل باللحية – من الغرائب!
 
[align=justify]أورد ابن كثير في تفسير قول الله تعالى : ‏{ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ ‏بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (غافر:56) ‏ما نصه :
وقال كعب وأبو العالية: نزلت هذه الآية في اليهود: { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ } قال أبو العالية: وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم، وأنهم يملكون به الأرض. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يستعيذ من فتنة الدجال، ولهذا قال: { فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } .
وهذا قول غريب، وفيه تعسف بعيد، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه، والله أعلم .)
تفسير ابن كثير - (ج 7 / ص 152)[/align]
 
[align=justify]‏﴿ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا ‏وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ ‏الْعَذَابُ ﴾ (الحديد:13) ‏

جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية ما نصه : ( قال بن جرير: وقد قيل: إن ذلك السور سورُ بيت المقدس عند وادي جهنم. ثم قال: حدثنا ابن البرقي، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عطية بن قيس، عن أبي العوام- مؤذن بيت المقدس-قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إن السور الذي ذكر الله في القرآن: { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه، وظاهره وادي جهنم.
ثم روي عن عبادة بن الصامت، وكعب الأحبار، وعلي بن الحسين زين العابدين، نحو ذلك. وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ونفس المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم؛ فإن الجنة في السموات في أعلى عليين، والنار في الدركات أسفل سافلين.
وقول كعب الأحبار: إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد، فهذا من إسرائيلياته وتُرّهاته.) [/align]
 
[جزاك الله خيراً على هذا البحث الطيب شيخنا الفاضل , أسأل الله لنا ولك التوفيق والثبات على الحق
 
[align=justify]قال الله تعالى : ‏﴿ وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ‏وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ ‏بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً ﴾ (النساء:6) ‏

الخطاب في قوله عز وجل هنا : { وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ ‏بِالْمَعْرُوفِ } لأولياء اليتامى القائمين على أموالهم.
قال الشوكاني في تفسيره لهذه الآية : ( والخطاب في هذه الآية لأولياء الأيتام القائمين بما يصلحهم كالأب ، والجدّ ، ووصيهما .
[a7la1=FFFF00]وقال بعض أهل العلم : المراد بالآية : اليتيم؛ إن كان غنياً وسع عليه ، وعفّ من ماله ، وإن كان فقيراً كان الإنفاق عليه بقدر ما يحصل له ، وهذا القول في غاية السقوط.) [/a7la1]
[/align]
 
[align=justify]‏﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي ‏شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ ‏تَأْوِيلاً ﴾ (النساء:59) ‏

قال الشوكاني رحمه الله في بيان معنى الرد في قوله عز وجل: ﴿ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾: ‏‏(والردّ إلى الله : هو الردّ إلى كتابه العزيز ، والردّ إلى الرسول : هو ‏الردّ إلى سنته المطهرة بعد موته ، وأما في حياته ، فالردّ إليه سؤاله ، ‏هذا معنى الردّ إليهما .
وقيل : معنى الردّ أن يقولوا : الله أعلم ، وهو ‏قول ساقط ، وتفسير بارد ، وليس الردّ في هذه الآية إلا الرد المذكور ‏في قوله تعالى : { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرسول وإلى أُوْلِى الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ‏الذين يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [ النساء : 83 ] .) ‏[/align]
 
[align=justify]قول الله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ ‏مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا ‏أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ (البقرة:267)‏

جمهور المفسرين على أن المراد بالطيبات في قوله : ﴿ مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ ‏الجيد الخيار؛ أي أنفقوا من جيد ما كسبتم ومن خياره. والمراد بالخبيث : الرديء.‏

وقد أخرج ابن جرير عن ابن زيد أنه فسر الطيبات بالحلال، والخبيث بالحرام. وقد ‏اعتمد ابن جرير قول الجمهور، فقال: ( وتأويل الآية هو التأويل الذي حكيناه ‏عمن حكينا عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،لصحة ‏إسناده، واتفاق أهل التأويل في ذلك= دون الذي قاله ابن زيد. .)‏

وعلّق ابن عطية على قول ابن زيد بقوله : (وقولُ ابن زيدٍ ليس بالقويِّ من ‏جهة نَسَق الآيةِ ، لا من معناه في نَفْسه .).‏


ومن الأقوال المردودة في تفسير هذه الآية ما نقله ابن عطية عن ‏الجرجاني صاحب النظم؛ حيث قال – كما في تفسير ابن عطية - : ‏‏(وقال الجرجاني في كتاب نظم القرآن : قال فريق من الناس : إن ‏الكلام تم في قوله : { الخبيث } ثم ابتدأ خبراً آخر في وصف الخبيث ‏فقال : { تنفقون } منه وأنتم لا تأخذونه إلا إذا أغمضتم أي ساهلتم ‏‏.)‏
ولم يرد ابن عطية هذا القول، وإنما علّق عليه بقوله: (قال القاضي أبو ‏محمد عبد الحق رضي الله عنه : كأن هذا المعنى عتاب للناس وتقريع.)‏

أما الألوسي فقد قال : ( ومن البعيد في الآية ما قيل : إن الكلام تم ‏عند قوله تعالى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ الخبيث } ثم استؤنف فقيل على طريقة ‏التوبيخ والتقريع : { مِنْهُ تُنفِقُونَ } والحال أنكم لا تأخذونه إلا إن ‏أغمضتم فيه. ومآله الاستفهام الإنكاري فكأنه قيل : أمنه تنفقون الخ. ‏وهو على بعده خلاف التفاسير المأثورة عن السلف الصالح رضي الله ‏تعالى عنهم .)‏

‏ ‏
[/align]
 
موضوع هام جزى الله أبا مجاهد على إثارته خيراً ، وأثاب المشاركين فيه ثواباً عظيما،

وأحب أن أضيف قائلا: إن مثل هذا الموضوع يحتاج إلى ثقافة تفسيرية موسوعية معينة

تجسد رؤية الباحث و تظهر شخصيتة العلمية التي تتعدى المنقول عن الغير إلى الأصيل

من فكره خاصة عندما يندرج مثل هذا الموضوع الثري ـ الذي يقاسم الصحيح علمياً ـ

تحت رسالة علمية تطالب الباحث بإبراز مجهوده الذي يتخطى مجرد النقل، ورأيي مع

الجميع في أن هذه بداية تحتاج إلى تبويب وتصنيف وتخطيط ، وأول الغيث قطرة،

والموضوع فاتحة خير على كل حال.
 
[align=justify]جاء في تفسير الشوكاني لقول الله تعالى : {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}

( { فاخلع نَعْلَيْكَ } أمره الله سبحانه بخلع نعليه؛ لأن ذلك أبلغ في التواضع ، وأقرب إلى التشريف والتكريم وحسن التأدب . وقيل : إنهما كانا من جلد حمار غير مدبوغ . وقيل : معنى الخلع للنعلين : تفريغ القلب من الأهل والمال ، وهو من بدع التفاسير.)[/align]
 
[align=justify]
وجزى الله ابا مجاهد خيرا

ولعله يتفضل بترتيبها وجمعها في ملف واحد

وجزاك خيراً كثيراً شيخنا الكريم

ولعلي أجد وقتاً لتلبية طلبك إن شاء الله، وإن قام به أحد الإخوة الكرام فله مني الشكر والدعاء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن الأقوال التي نص ابن كثير على ردها، ما ورد في قوله:

( وقوله: { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } قال الحسن، وقتادة: هو حائط بين الجنة النار.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو الذي قال الله تعالى: { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } [الأعراف: 46]. وهكذا روي عن مجاهد، رحمه الله، وغير واحد، وهو الصحيح.
{ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } أي: الجنة وما فيها { وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } أي: النار. قاله قتادة، وبن زيد، وغيرهما.

قال بن جرير: وقد قيل: إن ذلك السور سورُ بيت المقدس عند وادي جهنم. ثم قال: حدثنا ابن البرقي، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عطية بن قيس، عن أبي العوام- مؤذن بيت المقدس-قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إن السور الذي ذكر الله في القرآن: { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه، وظاهره وادي جهنم.
ثم روي عن عبادة بن الصامت، وكعب الأحبار، وعلي بن الحسين زين العابدين، نحو ذلك.
وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ونفس المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم؛ فإن الجنة في السموات في أعلى عليين، والنار في الدركات أسفل سافلين.
وقول كعب الأحبار: إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد، فهذا من إسرائيلياته وتُرّهاته. وإنما المراد بذلك: سورٌ يُضْرَب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين.)[/align]
 
اكرمني الله بتسجيل الدكتوراه في موضوع : مناهج النقد عند المفسرين .
فإن كان عندكم من فائدة حوله أو من نصيحة فأنا أشتاق لهذا وأشرف به
 
السلام عليكم


الحمد لله العزيز الحكيم
اختلف المفسرون في تفسير سورة القمر ، منهم من نفى انشقاقه في العهد النبوي :
َقَالَ الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن عَمْرو الْبَزَّار حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى الْقُطَعِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن شُكْر حَدَّثَنَا اِبْن جُرَيْج عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ كُسِفَ الْقَمَر عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا سَحَرَ الْقَمَر فَنَزَلَتْ " اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر - .
ِوفي تفسير القرطبي:
وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَقَع اِنْشِقَاق الْقَمَر بَعْد وَهُوَ مُنْتَظَر ; أَيْ اِقْتَرَبَ قِيَام السَّاعَة وَانْشِقَاق الْقَمَر ; وَأَنَّ السَّاعَة إِذَا قَامَتْ اِنْشَقَّتْ السَّمَاء بِمَا فِيهَا مِنْ الْقَمَر وَغَيْره . وَكَذَا قَالَ الْقُشَيْرِيّ . وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيّ : أَنَّ هَذَا قَوْل الْجُمْهُور , وَقَالَ : لِأَنَّهُ إِذَا اِنْشَقَّ مَا بَقِيَ أَحَد إِلَّا رَآهُ ; لِأَنَّهُ آيَة وَالنَّاس فِي الْآيَات سَوَاء . وَقَالَ الْحَسَن : اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة فَإِذَا جَاءَتْ اِنْشَقَّ الْقَمَر بَعْد النَّفْخَة الثَّانِيَة . وَقِيلَ : " وَانْشَقَّ الْقَمَر " أَيْ وَضَحَ الْأَمْر وَظَهَرَ ; وَالْعَرَب تَضْرِب بِالْقَمَرِ مَثَلًا فِيمَا وَضَحَ .
وقال آخرون وهم الأغلبية إن القمر قد انشق فعلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم استنادا إلى الروايات المذكورة في كتب المحدثين.
أي القولين هو الصواب؟
لو رجحنا قول الأكثرية فترجيحنا لا يتحقق منه اليقين ، فالشاهد هو الذي عنده الخبر اليقين، أما السامع الذي جاءه الخبر منقولا (رواية) فإنه حتى لو كان صحيحا فإن القاضي لا يحكم في القضايا إلا بناء على شهادة الشهود الذينَ حضروا الواقعة.
الشهيد في هذه القضية هو كتاب الله وكفى بالله شهيدا فهو القائل : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله، إن كان القمر قد انشق أو سينشق فسنجد الله قد يسر لنا ذكر الحقيقة وبيانها.
مثلا: رجل عاد إلى قريته بعد أن غاب عنها لمدة سنة فقيل له: إن بيتك الذي تركته يتردد عليه شخص بين الحين والآخر ، و نفى آخرون أن يكونوا قد شاهدوا أحدا يدخل بيته.
لا شك أن أحد الخبرين صادق والآخر كاذب، وحتى لو رجح الخبر الذي يظنه صادقا وهو بالفعل خبر صحيح فإنه لا يفيد إلا الظن، أما إذا أراد اليقين فسيتبين له حين يدخل بيته، فسيجد من الأدلة ما يتيسر بها معرفة الحقيقة.
كذلك الرواية لا تفيد إلا الظن، والظن ليس علما ، فقد قال تعالى: مالهم به من علم إلا اتباع الظن)، لا يقال عن ذلك الرجل قبل أن يدخل بيته إنه علم بما حدث في بيته ، أما بعد دخوله وإدراكه للحقيقة بالأدلة التي تيسر وجودها فقدأصبح على علم، ذلك هو اليقين.
ترجيحنا لأحد الخبرين حتى وإن صح فهو لا يفيد إلا الظن ، أما إذا أردنا اليقين فعلينا أن ندخل سورة القمر بعقولنا لنرى الأدلة التي تيسر لنا معرفة الحقيقة كما دخل ذلك الرجل بيته فأصبح على علم بما وقع أثناء غيابه.
تأملت في سورة القمر لعلي أجد فيها من الأدلة ما يتيسر بها الحكم فيما اختلف فيه المؤمنون بخصوص آية انشقاق القمر فوجدت أربعة أدلة ميسرة : قصص قوم نوح وقوم هود وثمود قوم صالح وقوم لوط .
هذه 4 أدلة ميسرة أكدالله ذكرها 4 مرات بقوله : وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ، عقب على كل قصة من القصص المذكورة في السورة بقوله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ...) فكأنه يقول لنا:
تذكروا وتدبروا هذه القصص فإنها هي الأدلة التي يتيسر بها علم اليقين بشأن انشقاق القمر.
هل هذه القصص المذكورة في السورة تبين لناأن القمر قد انشق فعلا في العهد النبوي؟
إذا عدنا الى بداية السورة وتوقفنا عند قوله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، فعل الماضي (انْشَقَّ) لا يتيسر به إدراك انشقاق القمر في الزمن الماضي فقد يعبر الماضي عن الحتمية مثل قوله تعالى : وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ).
لم نجد في سورة القمر أية آية تدل على حدوث الانشقاق في الماضي حتى تلك الأدلة الميسرة (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ ...) لا تدل على حصول الانشقاق إلا إذا كان أهل مكة قد تعرضوا لطوفان كطوفان قوم نوح وريح كريح عاد ورجفة كرجفة ثمود وحجارة من سجيل كالحجارة التي أمطر بها قوم لوط.
أما إذا اعتبرنا انشقاق القمر سيحدث في المستقبل عند قيام الساعة فإن الأدلة الأربعة تعتبر وصفا دقيقا لما يترتب عن الانشقاق، فالقمر إذا انشق فلقتين فإن جاذبية الأرض ستتضاعف ضعفين ، وأول ما يتأثر بالجاذبية هو الماء ، فستغرق الأرض بمياه البحار وأمواج كالجبال شبيهة بالطوفان في زمن نوح، والأمواج سيتولد منها ريح عاتية تدمر كل شيء كريح ثمود، فرياح الأعاصير تتولد من هيجان البحار والمحيطات، وبما أن جاذبية الأرض ستتضاعف لتصبح أكثر من قوة الطرد المركزي فإن ذلك سيبب الزلازل فيصبح الناس في ديارهم جاثمين كما حصل لثمود، وستسقط فلقتا القمر بفعل قوة الجذب على الأرض فتجعل عاليها سافلها كما حصل لقوم لوط.
يحدث هذا حينما يكون من الناس من هم في مثل كفر قوم نوح ، ومنهم من يكون في مثل ما كان عليه قوم عاد ، ومنهم من يكون في مثل ما كانت عليه ثمود، ومنهم من يكون في مثل شذوذ قوم لوط، ومنهم من يكون في مثل طغيان فرعون.
هذه الحالات كانت تفصيلا لما سيحدث للأرض حين ينشق القمر ، والإشارة إلى ذلك تبدو واضحة وميسرة للفهم حيث أنه تعالى وصف انشقاق القمر ب(النُّذُرُ) ونفس الوصف أطلق على كل حالات الأقوام المذكورة في السورة حيث عقب على كل حالة قوم بقوله (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ). وقوله تعالى في الآية الرابعة : وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ، الضمير المتصل في (جَاءَهُمْ) يعود على من سينشق القمر في عصرهم، والأنباء هي أنباء قصص الأقوام التي ذكرت بعد ذلك (قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط) .
والله تعالى جعل في هذه الدنيا لكل شيء سببا، فقد ينشق القمر بسبب من الأسباب كأن يسقط عليه نيزك عظيم يشقه نصفين، والنيازك أجسام من نجم من النجوم المنفجرة، فقد يهوي بقايا نجم (نيزك) على القمر فيشقه نصفين، ولقد جاءت سورة القمر في المصحف ترتيبا بعد سورة النجم التي ابتدأت بقوله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى).
سقوط بقايا نجم على سطح القمر لن يتسبب في انشقاق القمر إلا إذا كان نجما ثاقبا يخترق قطره . وسورة القمر نزلت بعد سورة الطارق النجم الثاقب.
أليس في هذه الأدلة الميسرة للذكر والمرتبة ترتيبا محكما بيان لحقيقة إنشقاق القمر !!
بلى، فالعلم والبيان مبنيان على التيسير ، لو لم ييسر الله القرآن لتعسر علينا علمه وبيانه لكنه تعالى رحمان يسر القرآن لنعلم آياته وبيانها، فكان من الحكمة أن تأتي بعد سورة القمر سورة تثبت هذه الحقيقة يقول الله فيها :
الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ.
إذن فآيات القرآن وسوره أحكم ترتيبها تنزيلا وأحكم ترتيبها في المصحف، فسورة الرحمن موضعها الترتيبي في المصحف ينبغي أن يكون بعد سورة القمر لعلاقة مطلعها بما تيسر من علم وبيان لسورة القمر، وترتيب نزولها ينبغي أن يكون بعد سورة الرعد التي قال الله في ختامها : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ. فالشهادة لرسول الله عليه الصلاة والسلام بالرسالة تتطلب علم القرآن وبيانه، ، فأنزل الله بعدها : الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ...

ودمتم بخير
 
[align=justify]
كذلك الرواية لا تفيد إلا الظن، والظن ليس علما ، فقد قال تعالى: مالهم به من علم إلا اتباع الظن)، لا يقال عن ذلك الرجل قبل أن يدخل بيته إنه علم بما حدث في بيته ، أما بعد دخوله وإدراكه للحقيقة بالأدلة التي تيسر وجودها فقدأصبح على علم، ذلك هو اليقين.
ترجيحنا لأحد الخبرين حتى وإن صح فهو لا يفيد إلا الظن

كلام غير دقيق ولا مفيد للعلم

كيف يقال بأن الأحاديث الصحيحة الثابتة المؤيدة بإجماع أهل العلم لا تفيد اليقين؟!!

سبحان الله! ما هذه الجرأة العجيبة على إصدار مثل هذه الأحكام!


ثم يا أخي أبا علي!
هل تظن أن ما ذكرته من خواطر يمكن تقديمها على صريح الآيات والأحاديث الصحيحة؟

أرجو أن تعيد النظر في طريقة تعاملك مع النصوص.

ثم إن القول الذي نقلته [ وَقَالَ قَوْم : لَمْ يَقَع اِنْشِقَاق الْقَمَر بَعْد وَهُوَ مُنْتَظَر ; أَيْ اِقْتَرَبَ قِيَام السَّاعَة وَانْشِقَاق الْقَمَر ; وَأَنَّ السَّاعَة إِذَا قَامَتْ اِنْشَقَّتْ السَّمَاء بِمَا فِيهَا مِنْ الْقَمَر وَغَيْره . وَكَذَا قَالَ الْقُشَيْرِيّ .] جدير بأن يضاف إلى الأقوال الباطلة المردودة.

جاء في تفسير فتح القدير للشوكاني: ( والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوّة معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف . قال الواحدي : وجماعة المفسرين على هذا إلاّ ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال : المعنى : سينشقّ القمر ، والعلماء كلهم على خلافه . قال : وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر؛ لأن انشقاقه من علامات نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، ونبوّته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة . قال ابن كيسان : في الكلام تقديم وتأخير ، أي : انشقّ القمر ، واقتربت الساعة . وحكى القرطبي عن الحسن مثل قول عطاء أنه الانشقاق الكائن يوم القيامة . وقيل : معنى { وانشقّ القمر } : وضح الأمر وظهر ، والعرب تضرب بالقمر المثل فيما وضح ، وقيل : انشقاق القمر هو انشقاق الظلمة عنه ، وطلوعه في أثنائها ، كما يسمى الصبح فلقاً لانفلاق الظلمة عنه .
قال ابن كثير : قد كان الانشقاق في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة . قال : وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات .
قال الزجاج : زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله أن القمر ينشقّ يوم القيامة. والأمر بين في اللفظ ، وإجماع أهل العلم ، لأن قوله : { وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } يدلّ على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة . انتهى.
ولم يأت من خالف الجمهور ، وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلاّ بمجرد استبعاد ، فقال : لأنه لو انشق في زمن النبوّة لم يبق أحد إلاّ رآه؛ لأنه آية والناس في الآيات سواء . ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلاً ، ولا شرعاً ، ولا عادة ، ومع هذا ، فقد نقل إلينا بطريق التواتر ، وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد ، ويضرب به في وجه قائله .) انتهى من فتح القدير

ودمت بخير وعافية ،،،[/align]
 
الأخ الفاضل أبو مجاهد
نعم الرواية لا تفيد العلم إذا لم نجد لها أدلة تدعمها من الكتاب والحكمة(أدلة عقلية) .
روايات انشقاق القمر كلها ليست شهادات شهود عيان ، فالشهادة أن يقول الراوي الذي شهد الحدث : رأيت القمر قد انشق ، أو كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فانشق القمر، لكن الروايات تقول : انشق القمر...
إذن فالشهود لم يروا شيئا ، والحكم بالحق هو الذي يبنى على قول الشاهد وليس على أقوال الغائب الذي سمع من غيره.
الشهيد على الأحداث هو القرآن، فيه من البيان ما يغنينا عن غيره (كفى بالله شهيدا فشهادته أكبر شهادة)، إن كان القرآن قد أثبت الانشقاق اعتبرنا الروايات صحيحة تفيد العلم .
لم نجد في القرآن إثبات الانشقاق في الماضي بل وجدنا ترتيبا محكما للأسباب ونتائجها كما لو دخلت بيتا فوجدت كوبا من الشاي ما زال ساخنا ووجدت في الثلاجة طعاما لم يتسنه، هل تكذب عينيك وتصدق من نفى أن يكون قد دخل أحد ذلك البيت منذ شهر !!
لو سألت أي عالم فيزياء في أي بلد من بلدان العالم عما يسببه القمر لو انشق فإن جوابه سيكون مطابقا تماما لما جاء في سورة القمر.
القرآن علم، وسوره دروس في علم الحكمة، وكما يختبر المعلم تلاميذه بعد إتمام الدروس كذلك يختبر الله الناس في ما أوتوه بنفس الطريقة التي اختبر بها آدم، فبعد أن يبين الله للناس الهدى يسمح للباطل أن يعبر عن نفسه كما سمح لإبليس أن يعرض برنامجه التضليلي ليختبر آدم هل سيتبع هدى ربه أم يصدق كلام المخلوق.
فالباطل يقدم نفسه للناس على أنه هو الحق الصحيح كما فعل إبليس حين ادعى أنه ناصح أمين لآدم، كذلك يختبر الله الناس بعد إكمال رسالة أي رسول اختبارا يتناسب مع ما جاء به ، فلما كان عيسى عليه السلام قد أوتي البينات التي هي من اختصاص الله وبإذنه جاء الاختبار بالباطل يدعي أن المسيح هو الإله، وقدم نفسه للناس على أنه هو الحق ومن لم يؤمن بالمسيح إلها فقد خسر الآخرة.
لقد أكمل الله دين الإسلام ،فمن الطبيعي أن يختبر الله المسلمين اختبارا يناسب رسالة الإسلام التي جاءت لتعلم الناس أن الله عزيز حكيم ، والاختبار المتوقع هو الباطل الذي ينفي عن الله صفة الحكمة،
ليس من الضروري أن يكون الشيطان هو من ينقل الباطل فقد ينقله مؤمن عن حسن نية ظانا أنه هو الحق .
رواية انشقاق القمر تعتبر اختبارا للمؤمنين في مادة الحكمة، الله يقول : وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا).
رواية انشقاق القمر تزعم أن الله تراجع عن كلامه فأرسل آية حسية شبهها في سورة القمر بناقة ثمود ، فكذبها أهل مكة وقالوا عنها إنها سحر، فالذي يتراجع عن أقواله ويبدل كلامه لا يعتبر حكيما. (تعالى الله عن ذلك).
وتعتبر رواية انشقاق القمر اختبارا للمؤمنين في مسألة أن القرآن حجة على الناس أجمعين.
لو انشق القمر لأهل مكة فهذا يعني أن القرآن وحده ليس حجة كافية حتى على القوم الذين أنزل بلسانهم فكيف يكون حجة على الناس كافة!!

هذه أيضا تتعارض مع حكمة الله العزيز الحكيم.

ودمت بخير.
 
[align=justify]أورد الإمام الطحاوي الأحاديث الصحيحة الثابتة ثبوت الشمس في انشقاق القمر ثم قال معلقاً عليها: ( فكان فيما ذكرنا عن علي ، وابن مسعود ، وحذيفة ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأنس تحقيقهم انشقاق القمر ، فمنهم من قال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من لم يقل ذلك ، ومعناه في ذلك كمعناهم فيه ، ولا نعلم روي عن أحد من أهل العلم في ذلك غير الذي روي عنهم فيه وهم القدوة والحجة الذين لا يخرج عنهم إلا جاهل ، ولا يرغب عما كانوا عليه إلا خاسر .
وقد زعم بعض من يدعي التأويل ويستعمل رأيه فيه ، ويقتصر على ذلك ويترك ذكر ما كان عليه من قبله فيه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن تابعيهم أنه لم ينشق وأنه إنما ينشق يوم القيامة ، وأن معنى قول الله تعالى : وانشق القمر إنما هو على صلة قد ذكرت بعد ذلك في السورة المذكور ذلك فيها ، وهي قوله تعالى : "يوم يدع الداع إلى شيء نكر" أي فينشق القمر حينئذ ، وجعل ذلك من الأشياء التي تكون في القيامة ، وذكر بجهله أن ذلك لم يروه أنه قد كان إلا ابن مسعود ، وأن ذلك لو كان مما قد مضى كما روي عنه لتساوى فيه الناس ولم يحتج إلى إضافته إلى واحد منهم دون من سواه؛ فكفى بذلك جهلا إذ كان ما أضافه إلى انفراد ابن مسعود به قد شركه فيه خمسة سواه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرناهم في الآثار التي رويناها في أول هذا الباب .
وأما ما ذكره من أن قول الله تعالى : "وانشق القمر" إنما يرجع إلى ما ذكر أنه صلة له مما ذكرناه عنه من السورة المذكور ذلك فيها ، فإن في قول الله تعالى : "وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر" دليلا على خلاف ما قاله فيها ، ودليلا على أن ذلك لم يعن به يوم القيامة ؛ لأن الآيات إنما تكون في الدنيا قبل القيامة ، كما قال الله وتعالى : "وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " وفي قوله تعالى : "فتول عنهم" : أي فأعرض عنهم كما قال تعالى : "فتول عنهم حتى حين" ، وكما قال : "فتول عنهم فما أنت بملوم" دليل على تمام ما ذكره قبل ذلك ، واستقبال غيره وهو قوله : "يوم يدع الداع إلى شيء نكر" ما هو ظرف لما ذكره بعده من خروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر ، وانتفى أن يكون ذلك صلة ؛ لما قد انقطع من الكلام الذي قد تقدمه .

ثم قال هذا الشاذ : وقد يحتمل قول ابن مسعود يعني الذي حكاه هذا الشاذ عنه ، وهو أنه ذكر عنه أنه قال : وقد يحتمل قول ابن مسعود : « كأني أنظر إليه فلقتين وحراء بينهما » أي كأني أراه إذا انشق كذلك فكان كلامه هذا فاسدا ؛ لأنه قد نفى انشقاقه في زمن ابن مسعود وذكر أن انشقاقه يكون بعد ذلك فإن كان كما قال فقد يجوز أن لا يراه ابن مسعود حينئذ . قال : وقد يجوز أن يراه حيث قال : ويجوز أن يراه في غير ذلك المكان ، وقد زعم هذا الشاذ أن ذلك إنما يكون في القيامة لا في الدنيا ، وحراء يومئذ جبل من الجبال التي قال الله تعالى خبرا عما يكون منه فيها يومئذ : "ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا ، فيذرها.."الآية ، وقال : "ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة" وقال : "وتكون الجبال كالعهن المنفوش"؛ فكيف يكون حراء يومئذ بين فلقتي القمر ؟
ونعوذ بالله من خلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والخروج عن مذاهبهم ، فإن ذلك كالاستكبار عن كتاب الله ومن استكبر عن كتاب الله ، وعن مذاهب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم فيه كان حريا أن يمنعه الله فهمه كما حدثنا ابن أبي عمران ، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول في قول الله تعالى : "سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق" قال : « أمنعهم فهم كتابي ».) انتهى من شرح مشكل الآثار للطحاوي، وهو كلام نفيس، وقد ذكر ابن قتيبة كلاما قريباً منه في تأويل مختلف الحديث.[/align]
 
عودة
أعلى