السلام عليكم وبعد فأرجو من المشايخ الفضلاء الكرام مناقشة هذه المسألة بهدوء وانفتاح صدر.
أما بالنسبة لكلام ابن شريح أبي الحسن فقد نقله عنه النحوي المقرئ ابن آجروم في شرحه للشاطبية: فرائد المعاني، وسأورد كلامه كاملا: قال رحمه الله:
[FONT="]وأما الميم الساكنة إذا وقعت بعدها الباء، نحو: "كنتم به مومنين"؛ فمنهم من قال: إنها تخفى، ولا تبقى لها إلا الغنة، وهو الذي اختاره أبو عمرو وابن مجاهد وأبو الحسن الأنطاكي وأبو الفضل الخزاعي، ويحكى أنه مذهب الفراء.[/FONT]
[FONT="]ومنهم من قال: إنها تظهر ولا تخفى، وإليه ذهب ابن المنادي وأحمد بن يعقوب التائب وعبد الباقي بن الحسن وطاهر بن غلبون وغيرهم. [/FONT]
[FONT="]وقد ذكر أبو الحسن شريح فيها فصلا، أرى أن أذكره لحسنه؛ ولأن فيه رَدًّا على كثير من القرأة الذين إذا نطقوا بالميم الساكنة وبعدها الباء حركوها أو وقفوا عليها، ثم ابتدأوا على غير طريقة الوقف، وفي الموضع الذي لا يجوز فيه الوقف، قال: [/FONT]
[FONT="]"إذا جاءت الميم[/FONT][FONT="] الساكنة وبعدها باء، فتعمل في بيانها بتُؤَدة ويسر؛ لاشتراكها معها في المخرج، وأرسل غنتها، ولا تلزمها المخرج إلزاما؛ لأن ذلك ليس من صفتها لما فيها من الرخاوة، فربما التبس سكونها بالحركة.[/FONT]
[FONT="]وقد قيل: إنها مخفاة عند الباء، فيلزم عن هذا أن يبطل عمل الشفتين في الميم، إنما تبقى غنتها في الخيشوم، -كما يبطل عمل اللسان في النون إذا أخفيتها وتبقى غنتها- وتلفظ بعد غنة الميم بالباء، فتجتمع الشفتان للباء لا للميم، وبالوجه الأول قرأت، وبه آخذ".
عذرا منكم ومع احترامي الشديد لكاتب هذا الشرح وناقله : كيف أبطل عمل الشفتين في الميم وأبقي غنتها في الخيشوم من غير اعتماد على الشفتين ؟؟؟ الإخفاء مع الميم يختلف عنه مع النون ، والقول بأن الشفتين تجتمعان للباء وليس للميم غير مقبول عقليا ، فبيانهابتؤدة ويسر وإرسال غنتها من غير إلزامها المخرج إلزاما لما فيها من رخاوة : يعني أن إطباق الشفتين ليس بقوة الإطباق في الباء حيث احتبس صوتها احتباسا تاما في زمن قصير أدى لانفكاك قوي بالقلقة فلم يسمح بجريان صوتها في الخيشوم كالميم التي تشاركها المخرج ، وإنما الذي سمح بجريان صوت الميم في الخيشوم هو ما فيها من رخاوة أي صفة التوسط ، فتنطبق معها الشفتان بقوة أقل من قوة انطباقهما مع الباء فلا يحتبس صوتها احتباسا تاما وإنما انحرف عنهما ليجري في الخيشوم جريانا مسبوقا باحتباس (وهذا معنى إلزامها المخرج إلزاما لما فيها من رخاوة) ومع التؤدة واليسر يطول زمن الغنة إما بإطباق تام عند إدغامها في مثلها ، أو بإطباق غير تام عند إخفائها ، ثم كيف تجتمع الشفتان للباء فقط وهي متحركة وزمن تلاقي طرفي المخرج قصير جدا لكونه متحرك بعد أداء غنة مبهمة : لا هي غنة ميم سببها انطباق الشفتين ، ولا هي غنة نون سببها وضع اللسان داخل الفم مما تسبب في إعاقة لبعض الصوت الذي انحرف إلى الخيشوم مكتسبا غنة ممزوجة بصوت الحرف المخفى عنده ؟؟؟
[/FONT]
[FONT="]فإن قلت: فلم لم تدغم الميم الساكنة في الباء لأنها قريبة منها في المخرج؟. [/FONT]
[FONT="]فالجواب: أن الميم فيها غنة، والغنة خارجة من الخيشوم، فقد صارت الميم -وإن كانت تخرج من الشفتين- كأنها خارجة من الخيشوم، فقد تباعدتا بذلك في المخرج -والله أعلم-، فلم يبق بعد تعذر الإدغام إلا الإظهار، وهو الذي اختاره أبو الحسن شريح، أو الإخفاء.
وهذا الكلام أيضا مردود عليه : كيف صارت الميم كأنها خارجة من الخيشوم فقط والخيشوم مخرج مقدر لا يخرج منه صوت الغنة إلا بالاعتماد على جزء محقق داخل الفم ؟؟؟ وكيف تباعدت الميم عن الباء بهذه الطريقة إذا اعتمدنا القول بأننا تركنا الاعتماد على الشفتين ليجري صوت غنة مبهمة في الخيشوم وهذه الحالة بهذا الوصف تماثل حالة إخفاء النون عند الحروف النطعية ؟؟؟ فمعلوم أننا لا نقرع مخرج النون وإنما نكون عند مخرج الحرف النطعي القريب جدا من النون ، ولذا وصف الإخفاء عند هذه الحروف بأنه قريب من الإدغام لقرب مخرجي المخفى والمخفى عنده ، ولم يوصف بأنه قريب من الإظهار لبعد المخرجين حيث تركت النون مخرجها وجرت في الخيشوم ، وكذلك الإخفاء عند القاف والكاف وصف بأنه قريب للإظهار لبعد الحرفين اللهويين عن النون ، وعلى الرغم من جريان غنتها في الخيشوم الذي يبدأ مخرجه فويق اللهاة لم يوصف الإخفاء عند القاف والكاف بأنه قريب من الإدغام وإنما وصف بأنه قريب من الإظهار ، مما يرد التعليل السابق وينفيه تماما .
وأما تعذر الإدغام (إدغام الميم في الباء) لأن مجرد طول زمن انطباق الشفتين انطباقا تاما يجعل الصوت ينحرف ليجري في الخيشوم تلقائيا ، ومعلوم على القول الراجح أنه عند الإدغام التام بغنة [/FONT] - عموما - [FONT="] فإن الغنة المسموعة تكون للمدغم فيه وليس للمدغم ، والباء ليس فيها صوت غنة ولا يسمح مخرجها الشديد بجريان صوت الغنة فيه ، فلا يمكن إدغام الميم فيها إلا بغير غنة ، ولذا اختلفوا بين الإظهار : النطق بالميم في زمن توسطها (بإطباق الشفتين) ثم الباء الشديدة المتحركة بإطباق الشفتين ابتداء يليه فورا تباعد للحركة ، وإما الإخفاء (بإطباق الشفتين ولكن بتؤدة ويسر مما يجعله انطباقا غير تام) فيطول زمن الغنة التي سببها انطباق الشفتين بضعف ثم بالقوة اللازمة للنطق بالباء الشديدة قبل التباعد للحركة .
[/FONT]
[FONT="]فمن أظهرها فقد أتى بها على الأصل؛ لأن الإخفاء خارج عن القياس؛ لأنه أخذ بالطرفين، وأيضا فإنهم يفرون إلى الميم مع الباء إذا لقيت النون الساكنة الباء، فإذا ظفروا بها فكيف يغيرونها أو ينتقلون عنها؟، كما قالوا في النسب إلى شقاوة: شقاوي، والتزموا الواو ولم يقلبوها همزة؛ لأنهم يفرون عن الهمزة إلى الواو، فيقولون في النسب إلى كساء: كساوي، فإذا ظفروا بالواو فكيف يفرون عنها.[/FONT]
[FONT="]ومن أخفاها فإنه -والله أعلم- جعل لها حكما بين حكمين؛ وذلك أن الميم إذا أظهرت، عملت الشفتان في لفظها، والخيشوم في غنتها.[/FONT]
[FONT="]فإذا لقيتها الباء ففيها مقاربة لها بعمل الشفتين فيها، كعملها في الباء، وفيها بعد بخروج غنتها من الخيشوم، فإذا أخفاها فقد أبطل عمل الشفتين فيها بما فيها من القرب، وأبقى عمل الخيشوم في غنتها لبعدها منها، فصار لها بذلك حكم بين حكمين، وصارت في ذلك كالنون، إذا لقيتها حروف اللسان لم تبعد منها كل البعد فتظهر، ولم تقرب كل القرب فتدغم.[/FONT]