سؤال عن الاستنباط من قصص القرآن وحدوده .

علي جاسم

New member
إنضم
01/03/2005
المشاركات
66
مستوى التفاعل
0
النقاط
6
هنالك جانب في الآيات القصصية في القرآن .. كم وددت لو أجد من يتفضل علي برأي فيه .. فأنا لا أجد فيه ما يتنافى مع الشرع من جانب ، ومن جانب آخر أراني أتجنب الخوض فيه لا لسبب معين ..لكن أحسبها قدسية القرآن التي جعلت من حدود المحظور محظور ، ولا زال ذاك ديدني بين القبول والطعن مذبذب بين ذلك .. فأفيدونا أثابكم الله ..
لنأخذ من الآيات القصصية مثلا قوله تعالى{وذا النون إذ ذهب مغاضبا فضن أن لن نقدر عليه فنادا في الضلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الضالمين فاستجبنا له فنجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين }الأنبياء..الخطوط العريضة لهذه الآية تشتمل على أربعة مراحل " ابتعاد عن منهج الله وهو قوله تعالى{ إذ ذهب مغاضبا}ثم ابتلاع الحوت له{فالتقمه الحوت}ثم رجوع إلى الله{أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}ثم النجاة لبر الأمان{فنجيناه من الغم}ماذا يمكن أن نفهم من هذه الخطوط أو هذه المراحل ؟؟؟
أن يا إنسان إن ابتعدت عن منهج الله تعالى فقد يلتقمك حوت من حيتان الدنيا وانت بعد خائض في لججها !! وقد تقول وما حيتان الدنيا ؟؟ قلنا الشهوة حوت ، فإن انحرفت عن منهج الله تعالى ابتلعك حوتها ، وما الحل حينها..الرجوع إلى الله{لا إله إلا أنت سبحانك}لتنجو من بطن هذا الحوت لبر الأمان..ثم هل هنالك حيتان أخر..نعم هنالك حوت الهوى ، وحوت الدنيا بزخاريها وزينتها ، وحوت غرور العقل الإنساني ، وهذا الأخير أدهى وأمر..وهكذا فإن خرجت عن منهج الله فأنت لا محال صائر لبطن حوت من هذه الحيتان وليس لك بعده إلا الرجوع لله كما فعل يونس..
ولنأخذ مثالا آخر..وهو قصة موسى مع السحرة..فما المانع إن اعتبرنا أن السحرة هم أصحاب البدع في المجتمعات وأن ثعابينهم هي فتنهم التي تلقي سمومها في جسم المجتمع فتخلب ألبابهم وبصائرهم كما فعلت حبال السحرة في الملأ وأن عصى موسى هي حجة الله الدامغة التي يظهرها الله على يد عبد من عباده الذي يصطفيهم لإزهاق الباطل فتنهي هذه الحجة أباطيلهم وتعيد الناس لجادة الصواب بإذن الله كما فعلت عصى موسى،وهكذا..على أن هذا الكلام لا يعني – بطريقة أو بأخرى – أن المقصود من هذه القصص هذا الأمر أو بمعنى آخر " أن هذا الجانب الذي ذكرناه يندرج ضمن الاستنباطات المتحصلة من القصة القرآنية بالإضافة إلى جوانبها العقائدية والتربوية وجانب التخفيف على النبي { كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك }
فإن كان فيما أسلفت ما ينافي الشرع فأفيدونا أثابكم الله .. على أن الجرجاني يذكر في تعريفاته " التأويل هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا للكتاب والسنة .. والحمد لله رب العالمين
 
[align=justify]الأخ الكريم علي جاسم بارك الله فيه ، اسمح لي بالجواب على السؤال في النقاط التالية :

1- الاستنباط من القرآن شامل لجميع الآيات ولا يقتصر على آيات الأحكام ، فيستنبط من آيات القصص والوعظ والتذكير والأمثال والصفات وغير ذلك . وأما حصر الأئمة رحمهم الله آيات الأحكام بخمسمائة آية فالمقصود ما دل بطريق مباشر أي الأحكام الظاهرة .
قال الطوفي ( ت : 716 ) : " وكأن هؤلاء الذين حصروها في خمس مئة آية إنما نظروا إلى ما قُصد منه بيان الأحكام، دون ما استفيدت منه، ولم يُقْصَدْ بيانُها" [ شرح مختصر الروضة : ( 3 / 578 ) ] .
2- آيات القصص على وجه الخصوص مجال واسع للاستنباط بأكثر من طريق : كالاستنباط بشرع من قبلنا ، والاستنباط بإقرار الله تعالى وبفعله بهم من نعيم أو عذاب وغير ذلك .
قال القرافي ( ت : 684 ) : " وقال بعض العلماء: كُلُّ قصةٍ مذكورةٍ في كتاب الله تعالى فالمراد بذكرها: الانزجارُ عما في تلك القصة من المفاسد التي لابَسَها أولئك الرَّهْط، والأمر بتلك المصالح التي لابسها المحكي عنه ". [ نفائس الأصول 9 / 3832 ].
قال الزركشي ( ت : 794 ): " فإن آيات القصص والأمثال وغيرها يستنبط منها كثير من الأحكام ". [ البرهان ]
وقال ابن عاشور ( ت : 1393 ) : " إن في تلك القصص لعبراً جمة، وفوائد للأمة "[ التحرير والتنوير : 1 / 64 ] .

3- يشترط لصحة الاستنباط أن يكون بعد فهم صحيح للآية ، أي بعد تفسير صحيح لها ، وإذا بني الاستنباط على تفسير باطل فهو باطل .

4- ينبغي التفريق بين استنباط المعنى من الآية وبين الأسلوب الذي يعبر به عن ذلك المعنى : فإذا كان المعنى المستنبط صحيحاً فالتعبير عنه يتوقف على القدرة البلاغية واللغوية للشخص ، وأما تسمية المعاني المستنبطة باسم موجود في القرآن كقولك بورك فيك : ( حوت الهوى ... الخ ) . فقد استعمله بعض السلف كابن القيم رحمه الله وغيره .

5- يتبقى بعد ذلك الحذر من استعمال الرموز والإغراق في ذلك كما هو عند كثير من الباطنية وككثير مما يسمى بالتفسير الإشاري الذي يروى عن مثل أبي عبد الرحمن السلمي وغيره ، فإن ذلك ليس تفسيراً ولا استنباطاً صحيحاً بل هو من باب الاعتبار وحكمه حكم القياس الفقهي .

6- فيما ذكرت وفقك الله في المثال الأول : ينبغي أن يعلم أن الاستنباط المذكور انبنى على تفسير مختلف فيه .
فالعلماء قد اختلفوا في معنى : ( فظن أن لن نقدر عليه ) على قولين : الأول : أنه وقع في ظنه أن الله تعالى لا يقدر على معاقبته .
قال الشوكاني : " وهو قول مردود ، فإن هذا الظن بالله كفر ، ومثل هذا لا يقع من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ".
والثاني : فظن أن لن نضيق عليه كقوله : ( يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ) [ الرعد : 26 ] أي : يضيق . وعلى هذا القول جمهور العلماء واختاره ابن جرير.
قال الطوفي : " أي : يضيق : تنزيهاً لنبي الله يونس عن أن يعتقد نفي قدرة الله ـ عز وجل ـ عن شيء ، وهو أليق بحال الأنبياء ، بل المتعين في حقهم ، إذ لا يجوز أن يكون نبياً من يجهل صفات ربه ، وما يجوز عليه وما يمتنع ". الإشارات الإلهية : ( 3 / 32 ).
وأما قوله : ( مغاضباً ) أي : مغاضباً ربه : والمعنى : مغاضباً من أجل ربه. وقيل : مغاضباً لقومه . وقيل: للملك .
وعلى هذا يُعلم أن الاستنباط لا يصح وجهه على المعنى الأول ، وأما على المعنى الثاني فمحل نظر . ومحل النظر هو علاقة الاستنباط بالآية لا صحة المعنى في نفسه إذ قد يصح المعنى لكن من غير هذه الآية .

7- وأما المثال الثاني : فلم تذكر علاقة المعنى المستنبط بالآية . والمعنى كما سبق قد يصح لكن من غير هذه الآية . ومحل اللبس هو أن المسلم قد يتذكر خلال قراءته للآية بمعاني فلا يلزم أن يربطها بالآية ، وربطها بالآية إذا لم يكن له وجه لا يجوز بل قد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن ذلك افتراء على الله ولو صح المعنى بلا ربط .

8- أخيراً المقام لا يسمح بالزيادة وقد حاولت الاختصار مع إيضاح الفكرة أرجو من الله تعالى العلم النافع والعمل الصالح ...
أخوك[/align]
 
الحمد لله الوتر والصلاة والسلام على حبيبنا محمد الطيب الذكر ما أاضائت شمس وما أنار بدر وعلى آله واصحابه أولي الدين والفكر وبعد .. أخي الكريم أما قولك -جزاك الله خيرا - في المثال الأول .. فأنا إنما قصدت بأن يونس قد خالف منهج الله تعالى فلأن الأنبياء على وجه الخصوص محكومون بحركتهم خصوصا فيما يتعلق برسالة النبي محكوموم لأمر الله تعالى في افعل ولا تفعل وذا النون قد ذهب مغاضبا والله لم يقل له افعل وهذه مخالفة لمنهجية الله تعالى لا في المنهج بل في تلقي الأمر الإلهي .. وعلى هذا الأساس اصار ذا النون مخطئا إن صح قول الشوكاني أو الطوفي وهذا هو الأصل الذي أردت.. أما الآية الثانية - تربت يداك ولا فظ الله فوك أخي الحبيب - فأنا ما ألزمت المعنى بالآية إلزام العلة للمعلول والسبب للمسبب بل أردت أن هذا المعنى يمكن أن يستنبط من هذه الآية ..نعم .. قد يستحصل هذا المعنى دون الآية .. لكن- ولا أحسبك تخالفني في هذا الامر - إذا ما اتصل معنى ما بالقرآن أو فلنقل إذا ما أحسسنا أن هذا المعنى مستوحى من القرآن فسوف لن تقدح هواجس الريبة والتوجس من هذه الفكرة على عكس ما لو صدرت أو انبجست من قريحة كاتب أو مجّها عقل مفكر قد يتوهم الخيال فيه الخطأ والخداج مما سيجعل حاجزا شفيفا بين الفكرة ومحلها من القلب..أمّا وقد صدرت من القرآن ففي هذه الميزة ما يقطع دابر الريبة ودخائل الهوى .. وجزاك الله خير الجزاء ..
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لو تتكرمون علينا بإبداء الرأي في فكرة وردت على خاطري ، هل تصلح رسالة علمية للدكتوراة
" تعقيبات القرآن الكريم على القصص دراسة في السياق والدلالة "
وجزاكم الله تعالى خيرًا
 
عودة
أعلى