قال الله تعالى في سورة ص :[color=000099] ( وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ {س}(24) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26).[/color]
ذكر بعض الباحثين أنه يؤخذ من هذه الآيات سبعة دروس في القضاء هي:
الدرس الأول: أن محراب القضاء محراب مقدس، ينبغي عزله عن المؤثرات الجانبية التي ربما تحيط بالقضاء، فتؤثر عليهم وتفزعهم بضغوطها فيخافون، ولا جدال أن القاضي الخائف لا يستطيع أن يستجمع شتات نفسه وعقله ويركز على ما بين يديه من الحقائق المجردة.
ولهذا انعكاساته على الواقع المعاش حيث نجد أن الإعلام كثيراً ما يتسور محراب القضاء فيفزع القضاة.. بل أننا أحيانا نستمع لمسئولين من كبار القوم يعلقون على قضايا بعينها تعليقات من شأنها أن تفزع القضاة.. أن تسور محراب القضاة جريمة يجب أن نقف ضدها، وأن نطور من أساليب الحماية ما يمنع هذا التسور.
الدرس الثاني: أن القاضي لا يقضي حتى يستمع إلى جميع المتخاصمين.
الدرس الثالث: أن القاضي ينبغي أن يحكم بالحق، والحق هنا هو الشريعة الحقة، وما استخرجه الفقهاء منها من قوانين، لأن اكبر مصدر للسوء في المجتمع هو ان يتقاضى الناس بغير الحق، أي بقوانين جائرة، وضعتها قوى ظالمة، أو قوى جاهلة لتحقق بها مصلحة قريب لها.. الدرس الرابع: أن القاضي ينبغي ألا يشطط وهو يستخدم هذا الحق، فليس هناك قوانين منطبقة تماماً على حالة بعينها،
وانما يحتاج الأمر إلى تفسير وتقريب ومماثلة وتشبيه.. وكل ذلك يستوجب مهارة للقاضي تحول بينه وبين الشطط.. فالشطط ربما يكون في تطبيق قانون لا يناسب الحالة التي بين يدي القاضي، والشطط يمكن أن يكون في حجم العقاب أو في حجم التعويضات التي يقضي بها القاضي. وفي كل الأحوال ينبغي على القاضي أن ينتبه قدر استطاعته إلى احتمالات الشطط، وانه قد ينزلق إليها بسهولة ويسر وبنية طيبة، ويرى أن القاضي في صغره يحتاج إلى عملية تدريب عقلية، كي يقلل الشطط قدر الإمكان أن لم يستطع أن يمحوه تماماً.
الدرس الخامس: ألا تكتفي العملية القضائية بإصدار حكم قاصر، وإنما ينبغي أن تهدي المتخاصمين إلى سواء الصراط، فكم من أحكام تصدر وتحول الظروف الاجتماعية أو النفسية أو الاقتصادية دون تنفيذها، وربما يحتاج الأمر إلى منظومة جديدة في النظام القضائي مهمتها التوجيه والهداية في تنفيذ الأحكام.
الدرس السادس: ينبغي على القاضي أن ينزع نفسه من ظروفه الخاصة، ولا يسقطها على ما بين يديه من حالات، فربما كان القاضي سيئ الحظ في بيته مع زوجته أو أولاده.. فإذا جاءته قضية شبيهة سيطرت عليه ظروفه الخاصة، وحالت بينه وبين الموضوعية فيحكم حينئذ بهواه، ومن اجل ذلك ينبغي أن لا ينفرد قاض واحد بالحكم في قضية، وانما يكون من حوله مساعدون قضاة يحولون بينه وبين الهوى الخفي الناشئ عن ظروفه الخاصة، والذي ربما يتسرب إلى عقله وضميره دون أن يدري.
الدرس السابع: ينبغي على القاضي ان يجعل لنفسه نظاماً استغفارياً، يراجع فيه قضاياه من وقت لآخر قبل أن ينفذ الحكم، أو أن يكون ذلك نظاماً عاماً يعمل به في الدولة، وهو ما آلت إليه الأنظمة القضائية في معظم بلدان العالم، ولكن ننبه إلى أن القرآن يطالب بهذا الاستغفار على مستوى الفرد الذي يمارس القضاء، وبالطبع يرحب بأي نظام استغفاري يعين الفرد والجماعة على الأدب إذا حدث خطأ مقصود أو غير مقصود، فالاستغفار والإنابة «وهي حسن الأدب» أمران مطلوبان على مستوى الفرد القاضي، وعلى مستوى النظام القضائي.
المرجع :
هنـــــا