ركن الاستنباط ، وذكر فوائد الآيات

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله
يسرني أن أطرح على إخواني الكرام أعضاء هذا الملتقى هذه الفكرة حتى نتشاور في الطريقة المناسبة لعرضها ، وهي فكرة استخراج الفوائد ، واستنباط الأحكام من الآيات الكريمة ؛ لأن الاستفادة من القرآن الكريم بهذه الطريقة يحصل بها علم كثير كما قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في مقدمة كتابه : أحكام من القرآن الكريم .

ولا شك أن استنباط الفوائد من الآيات له شروط وضوابط ، ولعل الشيخ الكريم مساعد الطيار يذكرها لنا في بداية هذا المشروع الذي نرجو من جميع الإخوة الأعضاء أن يتفاعلوا معه ، ويشاركوا فيه بجدية ، حتى تعم الفائدة ، وتجتمع الاستنباطات والفوائد والأحكام في ركن واحد حتى يسهل الرجوع إليها ‘ والاستفادة منها .

ولنبدأ مستعينين بالله تعالى ، بعد معرفة آرائكم حول هذه الفكرة ، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه .
 
أخي الكريم أبا مجاهد أشد عضدك وأساندك في هذه الفكرة الجميلة وهذا الاقتراح البديع ولعلي أضع تصوراً عما يمكن الكلام فيه في هذا الموضوع القيم :
يمكن جعل الكلام في موضوع الاستنباطات القرآنية فيما يلي :
1- تعريف الاستنباطات القرآنية .
2- تأصيل هذه الاستنباطات من حيث الشروط والطرق وغير ذلك .
3- بيان عناية العلماء والمفسرين خاصة بهذه الاستنباطات وذكر أشهر الكتب في ذلك .
4- ذكر الأمثلة مع التحليل والتدقيق .

والله يرعاكم ويوفقكم لكل خير ...
 
الاستنباط

الاستنباط

الأخ الفاضل أبو مجاهد العَبيدي ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فاستجابة لطلبك المشاركة ؛ أتقدم بهذه المشاركة ، وهي جزء من أفكار كنت قد دوَّنتها في كتابي ( مفهوم التفسير والتأويل والاستنباط والتدبر والمفسر ) ، وإني لأرجو أن ينفع الله بها قائلها وقارئها وسامعها .
أقول :
إن موضوع الاستنباط من القرآن من الموضوعات المهمة التي يحسن بالمتخصصين العناية بها ، وقد قُدِّمت في كلية أصول الدين رسالة في هذا الموضوع ، قدمها الأخ الفاضل فهد الوهبي ، وهي بإشراف الأستاذ الكبير الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشايع ـ حفظه الله ـ ، وإني إذ أقدِّم هذا الموضوع ، فإني سأقسم الحديث فيه إلى وحدات ، فأبد أولاً بمفهوم التفسير ؛ لأنه الأساس الذي يبنى عليه الاستنباط والفوائد المرتبة على الآيات ، ثُمَّ أتابع ما بعده من الموضوعات .
أولاً : مفهوم التفسير :
التفسير : بيان معاني القرآن الكريم .
وما كان فيه بيان للمعنى ، فهو من التفسير ، وما لم يكن فيه بيان للمعنى فهو خارج عن حدِّ التفسير .
ويدخل في التفسير أي معلومة يكون فيها بيان للمعنى ، سواءً أكانت سبب نزول ، أو غريب لفظة ، أو قصة لا يتبين معنى الآية إلا بها ، أو أثر نبوي في تفسير آية ، أو آية مفسرة لآية ، أو غير ذلك مما لا يفهم المعنى إلا به .
أما إذا فُهِمَ المعنى وبان بأحد هذه الأمور أو ببعضها معنى ، فإنا ما بعده من المعلومات لا يكون من صلب التفسير ، وإن كان له علاقة بالآية من جهة أخرى ، فهو يكون من علوم الآية ، كما أن تفسير الآية من عومها .
والذي قد يُلبِسَ على هذا صنيع بعض العلماء المتأخرين الذين أدخلوا في كتبهم ما ليس من التفسير ، وحشوها بكثير مما عرفوه من معارف ففي علومٍ شتَّى ، فالفقيه ينحو بكتابه نحو علم الفقه ـ كالقرطبي ـ والبلاغي ينحو بكتابه نحو علم البلاغة ـ كالزمخشري ـ والنحوي ينحو بكتابه نحو علم النحو ـ كأبي حيان ـ والمتفنن في بعض العلوم يحشوا كتابه بما لديه من معلومات هذه العلوم ـ كالرازي ـ ... الخ .
وهؤلاء قد رسموا لأنفسهم هذا المنهج في كتبهم ، ولا يعني هذا أن كل ما قالوه فإنه من علم التفسير ، لذا لا يصحُّ الاحتجاج بمناهجهم في التأليف على تحرير المراد بالتفسير ؛ لأنهم ـ بلا خلاف ـ قد توسعوا في عرض المعلومات ، وزادوا عن حدِّ التفسير ، واستدرك بعضهم على بعض في إدخال هذه المعلومات في كتبهم التي هي في التفسير ، بل قد يقع بعضهم فيما استدركه على الآخرين ، فيذكر ما يزيد عن حدَّ التفسير .
وإذا رجعت إلى ما رُوي عن السلف الكرام ( الصحابة والتابعين وأتباعهم ) واستقرأته ، فإنك ستجده في أغلبه يُعنى ببيان المعاني المرادة بالتنْزيل ، ولا تجد كثرة الاستطرادات التي ظهرت عند المتأخرين من علماء التفسير .
وهذا أصل تنطلق منه لتحديد مفهوم التفسير ، فضلاً عن الأصل اللغوي للكلمة ، وهو مأخوذ من مادة ( فسر ) التي تدل على كشف وإيضاح وبيان .
ثانيًا : الاستنباط :
الاستنباط استخراج ما كان خفيًّا ، ليظهر للعيان ، ومنه استنباط الماء ؛ أي : إخراجه من باطن الأرض .
والاستنباط خلاف التفسير ، وبينهما مغايرة ظاهرة ، لكن قد تخفى هذه المغاير بسبب وجود الاستنباطات في كتب المفسرين ، وبسبب قرب بعض الاستنباطات من الذهن ، فيحسبها الناظر لها من التفسير ، والحقيقة أنها مما يأتي بعد التفسير ، فالتفسير شيء ، والاستنباط شيء آخر .
وقد أشار السيوطي ( ت : 911 ) إلى هذا في مؤلفه الممتع النفيس ( الإكليل في استنباط التنْزيل( 1 : 282 ) تحقيق : د/ عامر العربي ) ، فقال : » ... فعزمت على وضع كتاب في ذلك ، مهذب المقاصد ، محرر المسالك ، أُوِرد فيه كل ما يستنبط منه ، أو استدل عليه به على مسألة فقهية أو أصلية أو اعتقادية ، وبعضًا مما سوى ذلك ، مقرونًا بتفسير الآية حيث توقف فهم الاستنباط عليه ، معزوًّا إلى قائله من الصحابة والتابعين ، مخرجًا منن كتاب ناقله من الأئمة المعتبرين ... « .
فتراه هنا فرَّق بين الاستنباط والتفسير ، وجعل الاستنباط قد يتوقف على التفسير ، وهذا صحيح ؛ لأنَّ الاستنباط قد يكون من نصٍّ ظاهرٍ يغني تنْزيله عن تأويله ، وقد يكون من نصٍّ يحتاج إلى تفسير ، فلا يكون الاستنباط إلا بعد فهم المعنى .
ولا أحسب أن من تأمل الفرق بين التفسير والاستنباط يخفى عليه ما بينهما من التغاير في المادة العلمية ، لكن لا يُفهم هنا أن الاستنباط غير مراد في كتب التفسير ؛ كلاَّ ، لكن الأمر هنا بيان مصطلحات ، وذكر فروق بين متشابهات .
ثالثًا : صور الاستنباط :
سبقت الإشارة إلى أنَّ الاستنباط قد يكون من ظاهر تُغني تلاوته عن تفسيره لأنه لا حاجة له إلى أن يُفسَّر لظهوره ووضوحه ، وأنَّه قد يكون الاستنباط من كلام يحتاج إلى تفسير ، ثمَّ يأتي الاستنباط بعد ذلك .
وفي كلا الأمرين ، فإنَّ أول ما يُنظر فيه في الأمر المستنبَطِ ، والفائدة المعلَّقة بالآية ؛ ينظر في صحة الفائدة أو الأمر المستنبط في ذاته ، هل هو صحيح معتبر في الشرع ، أو لا ؟
فإذا كان المعنى المستنبط صحيحًا في ذاته ، لا يخالف الشريعة ، فإنه ينظر بعدَ ذلك إلى صحة ارتباطه بالآية ، وصحة دلالتها عليه ، إذ ليس كل استنباط مذكور ولا فوائد مرتبة على الآيات يكون صحيحًا من جهة دلالة الآية عليه .
أما ما يكون الاستنباط فيه بعد فهم المعنى ( أي : التفسير ) فإنه يزيد أمرًا ، وهو صحةُ التفسير ؛ لأنَّ التفسير إذا كان خطأً أو باطلاً ، فإن ما يُستنبط منه ، وما يرتب عليه من الفوائد سيكون خطأً محضًا ، أو باطلاً صرفًا ، على حسب التفسير المذكور .
ويمكن القول إن ضوابط الاستنباط الصحيح :
1 ـ أن يكون المعنى المستنَبطِ صحيحًا في ذاته ، فلا يخالف أمرًا مقررًا في الشريعة ؛ لأنه سيعتبر مردودًا .
2 ـ أن تكون الدلالة عليه صحيحة معتبرة ، سواءً أكانت الدلالة على الوجه المستنبط ظاهرة ، أم كانت خفية ، ويدخل فيها أي نوع من أنواع الدلالات المعروفة عند الأصوليين ؛ كدلالة الاقتضاء والإشارة والإيماء وغيرها من الدلالات التي تستخدم في الاستنباط .
3 ـ أن يكون التفسير المستنبط منه صحيحًا ، فإن كان ضعيفًا أو باطلاً ، فإن نتيجة الاستنباط ستنعكس عليه ، وما بُني على باطل ، فهو باطل .
رابعًا : أمثلة من الاستنباطات من كتاب ( الإكليل في استنباط التنْزيل ، للسيوطي )
1 ـ ذكر السيوطي ( 1 : 295 ) عن الكرماني في قوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً) ( البقرة : 22 ) ، قال : » واستدل أكثر المفسرين بالآية على أن شكل الأرض بسيطة ، وليس بكروي « . ( ينظر : غرائب التفسير وعجائب التأويل ( 1 : 125 ) ) .
وهذا الاستنباط فيه نظر ؛ لأنَّ المعلومة المستنبطة بذاتها فيها خطأ ، مع التحفظ أيضًا على قوله : » أكثر المفسرين « .
2 ـ قوله تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ) ( البقرة : 49 ) ، قال السيوطي ( 1 : 302 ) : » في العجائب للكرماني ( 1 : 303 ) : استدلَّ بها بعض من يقول بالتناسخ ، وقال : إن القوم كانوا هم بأعيانهم ، فلما تطاولت مدة التلاشي والبِلَى نسوا ، فذُكِّرُوا .
قال ] أي : الكرماني [ : وهذا محال ، وجهل بكلام العرب ، فإن العرب تخاطب بمثل هذا ، وتعني الجدَّ الأعلى ، والأب الأبعد « .
وهذا الاستنباط خطأ محض ؛ لأن المعلومة المستنبطة باطلة بذاتها ، فالقول بالتناسخ باطل بذاته ، وربطه بالقرآن باطل أيضًا .
3 ـ قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعا) ( البقرة : 29 ) ، قال السيوطي ( 1 : 296 ) : » استدل به على أن الأصل في الأشياء الإباحة ، إلا ما ورد الشرع بتحريمه « .
4 ـ قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ) ] النجم : 23 [ ، قال السيوطي ( ت : 911 ) : » استدل به على أن اللغات توقيفية ، ووجْهُه : أن الله تعالى ذمَّهم على تسمية بعض الأشياء بما سموها به ، ولولا أن تسمية غيرها من الله توقيف ؛ لما صحَّ هذا الذمُّ ؛ لكون الكلِّ اصطلاحًا منهم « . ( 3 : 1220 )
وهذا الاستدلال ضعيف ، وقد نبَّه المحقق الدكتور عامر العربي على هذا الضعف ، فقال : » لأن الذم غير منصب على مجرد التسمية ، وإنما على تسمية الأصنام آلهة ، ونفهم من هذا أن التسمية إذا خلت مما يتعارض مع الشرع تكون جائزة « .
وفي هذا المثال تجد أن المسألة المستدل لها ، وهي ( توقيف اللغات ) مختلف فيها ، وهذه من صور الاستنباطات التي يقع التنازع في صحة أصلها ، وهي راجعة إلى الاجتهاد ، وليست كما في سابقاتها مما دلَّ الشرع على بطلانه ، والله أعلم .
5 ـ قوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) ] الحشر : 2 [ ، قال السيوطي ( ت : 911 ) : » استدل به على حجية القياس ، وأنه فرض كفاية على المجتهدين ؛ لأن الاعتبار قياس الشيء بالشيء « . ( 3 : 1241 ) .
6 ـ قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) ] الحشر : 10 [ ، قال السيوطي : » قال مالك : من كان له في أحد من الصحابة قول سَيِّئٌ أو بغض ، فلا حظَّ له في الفيء « . ( 3 : 1243 ) .
7 ـ قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ] الجمعة : 9 [ ، قال السيوطي : » أبح الانتشار عقب الصلاة ، فيستفاد منه تقديم الخطبة عليها « . ( 3 : 1251 ) .
8 ـ قوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) ] التحريم : 3 [ ، قال السيوطي : » فيها : أنه لا بأس بإسرار الحديث إلى من يركن إليه من زوجة أو صديق .
وأنه يلزمه كتمه .
وفيها حسن العشرة مع الزوجات .
والتلطف في العتب .
والإعراض عن استقصاء الذنب « . ( 3 : 1269 ) .
9 ـ قوله تعالى : (وامرأته حمالة الحطب)، قال السيوطي : » واستدل به الشافعي على صحة أنكحة الكفار « ( 3 : 1353 ) .
10 ـ قوله تعالى : (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالجُنُودِ قَالِ إنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيسَ مِنِّي وَمَنْ لم يَطْعَمْهُ فَإنِّهُ مِنِّي إلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غَرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إلاَّ قَلِيلاً . .) ] البقرة : 249 [، قال بعضهم : » هذه الآية مثل ضربَه الله للدُّنيا ، فشبَّهها الله بالنهرِ ، والشَّاربِ منه بالمائلِ إليها المستكثرِ منها ، والتَّاركِ لشربِهِ بالمنحرفِ عنها والزاهدِ فيها ، والمغترفِ بيدِه بالآخذِ منها قدرَ الحاجةِ ، وأحوالٌ الثَّلاثةِ عندَ اللهِ مختلفةٌ « تفسير القرطبي 1 : 251 .
قال القُرْطُبِيُّ ( ت : 671 ) : » ما أحسن هذا الكلام لولا ما فيه من التَّحريفِ في التَّأويلِ ، والخروجِ عن الظَّاهرِ ، ولكن معناه صحيحٌ في غير هذا « .
وهذا من النوع الذي تكون الفائدة المستنبطة صحيحة في ذاتها ، لكن حملها على معنى الآية غير صحيح .
وهذا غيض من فيض من الاستدلالات والاستنباطات والفوائد المعتبرات ، وإنما ذكرته تذكرة ومثالاً يُحتذى ، وأسأل الله لي ولكم التوفيق .
محبكم أبو عبد الملك ،،،،
 
أخي أبا مجاهد
السلام عليكم وبعد
هل مرادك نقل دقائق الاستنباطات من كلام السابقين - متقدمين أو متأخرين - وجمعها في مكان واحد ، أم تريد من الأعضاء ذكر استنباطاتهم هم التي يفتح الله بها على من شاء من عباده .

وكلا الأمرين مفيد
 
الأمر كما قلت أخي خالد : كلا الأمرين مفيد

نريد ذكر الاستنباطات المقتبسة من كلام العلماء ، مع الحرص على بيان المرجع ما أمكن .

ولا نرد ما يفتح الله به على أحد من الفوائد والاستنباطات ، مع الحرص على بيان مأخذها من الآية .

والفوائد المستنبطة من القرآن بحر لا ساحل الله ، وكل يأخذ منه حسب ما عنده من عدة ، و( قد علم كل أناس مشربهم ).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
فهنا استنباط لطيف ، من قوله تعالى :(فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين) التوبة 122
وهي أن القوة والعلم أمران متلازمان ، وأن السيف والرمح والقرطاس والقلم باب واحد - كما عبر المتنبي في أبياته الشهيرة ، وأن المعرفة قوة كما في المثل.

ووجه الاستنباط هنا :
- أن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية ذكر الخروج في طلب العلم بلفظ (النفر) ، وكلمة النفر في هذه السورة تكررت لبيان الخروج للجهاد، كما في قوله :(انفروا خفافاً وثقالاً) ، وقوله :(إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً) ، وقوله :(مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله...).
والنفر في اللغة - كما يقول الأصفهاني : الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء. المفردات 817

- أن هذه الآية الحاثة على الخروج في طلب العلم جاءت بين الآيات الحاثة على الخروج للجهاد.

فدل ذلك على أن طلب العلم جهاد ، وأن حماية الفكر والحضارة والعلوم الإسلامية ، هو ذاته حماية الأرض والعرض وتراب الأوطان الإسلامية من كيد الأعداء المتربصين. وتأملوا ماذا صنعت أمريكا بالعراق الآن بعدما احتلته ، وكيف ركزت التدمير على المؤسسات العلمية والعلماء العراقيين ، لأنهم طليعة الجيوش ، وعقوله المفكرة.
وفي هذا تثبيت للعلماء وطلاب العلم في أماكنهم ، وحث لهم على الجد والإخلاص فيما فرغوا أنفسهم لخدمة الأمة فيه ، فكلٌ على ثغر. والتولي يوم الزحف من الكبائر!


وقد استنبط العلماء من هذه الآية فوائد أخرى مثل :

- أن الجهاد في سبيل الله فرض كفاية ، وأن التفقه في الدين وتعليم الجهال كذلك كما ذكر السيوطي في الإكليل ، وذلك مأخوذ من قوله :(وما كان المؤمنون لينفروا كافة).

- مشروعية الرحلة في طلب العلم.
- استدل بها قوم قبول خبر الواحد ، لأن الطائفة نفر يسير ، بل قال مجاهد : إنها تطلق على الواحد.
-استدل بها قوم على جواز التقليد في الفقه للعامي.

الاكليل للسيوطي 2/837-838
 
هناك كتاب لم نشر إليه وهو من أنفع الكتب التي عنيت بالاستنباط من الآيات القرآنية ، ولا أظن الأخ الكريم فهد الوهبي إلا قد اتخذه مرجعاً اساسياً في بحثه لموضوع الاستنباط ، وهو كتاب :

الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية.

لنجم الدين أبي الربيع سليمان بن عبدالقوي الطوفي رحمه الله.
وقد طبع في ثلاثة مجلدات بدار الفاروق الحديثة للطباعة والنشر.

وفقكم الله.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام، على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد، وآله، وصحبه، ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:
في قوله تعالى في آية (34) سورة النمل {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}
في الآية قبول الحق حتى من الكافر.
وهي مأخوذة من تصديق الله لقولها بقوله تعالى: (وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) على رأي ابن عباس، و الزجاج أنه ليس من تمام كلامها. تفسير الطبري 11/155 وزاد المسير 6/70 .
في قوله تعالى في آية (28) سورة الأعراف {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}
صدقهم الله في الأولى وهي ( وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا ) لما كانت حقا، وأكذبهم في الأخرى بقوله عز وجل (قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء).
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة، والسلام، على قائد الغر المحجلين، نبينا محمد، وآله، وصحبه، ومن تبعه إلى يوم الدين، أما بعد:
فقال الله تعالى{لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ ..} (108) سورة التوبة.
وقال عز وجل {رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ ..} (37) سورة النــور.
وقال سبحانه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ..} (23) سورة الأحزاب.
استنبط بعض الناس من هذه الآيات أن الرجولة صفة حميدة يوصف بها من كان ذو دين، وخلق، ومرؤة، من الذكور، ومن كان سافلا، أو ناقص المرؤة، أو الدين؛ قالوا: لا تقل رجلا بل هو ذكر!
وهذا الاستنباط مع شهرته، وتلقي كثير من الناس له إلا أنه استنباط باطل!
وهذا الدليل: قال الرب تبارك وتعالى {وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} (48) سورة الأعراف.
فسماهم رجالا وهم في النار.
وقال تعالى: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء} (81) سورة الأعراف.
وقال عز وجل:{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء} (55) سورة النمل.
وقال تعالى: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} (29) سورة العنكبوت.
فسماهم رجالا وهم يُفعل بهم ما يفعل.
وقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (6) سورة الجن.
فسمى كفرة الإنس، والجن رجالا.
وفي لسان العرب 11/265: الرجل: معروف: الذكر من نوع الإنسان خلاف المرأة .
 
قولـه تعالى : (( وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى ! الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى .. )) [ الليل : 17- 21 ] نزلت في أبي بكر رضي الله عنه بإجماع المفسرين ، والأتقى : أفعل تفضيل مقرون بأل العهدية فيختص بمن نزل فيه ، وقد استدل بها الفخر الرازي ، مع قولـه تعالى : (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ .. )) [ الحجرات : 13 ] على أن أبا بكر أفضل الخلق بعد رسول الله r . انظر : التفسير الكبير للرازي 31 / 204 .
 
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره :
قوله تعالى: { فما أصبرهم على النار }؛ «ما» تعجبية مبتدأ؛ وجملة { أصبرهم } خبرها؛ والمعنى: شيء عظيم أصبرهم؛ أو ما أعظم صبرهم على النار؛ وهذا التعجب يتوجه عليه سؤالان:

السؤال الأول: أهو تعجب من الله أم تعجيب منه؛ بمعنى: أيرشدنا إلى أن نتعجب ــــ وليس هو موصوفاً بالعجب؛ أو أنه من الله ــــ؟

السؤال الثاني: أن قوله: { فما أصبرهم } يقتضي أنهم يصبرون، ويتحملون مع أنهم لا يتحملون، ولا يطيقون؛ ولهذا يقولون لخزنة جهنم: {ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب} [غافر: 49] ؛ وينادون: {يا مالك ليقض علينا ربك} [الزخرف: 77] أي ليهلكنا؛ ومن قال هكذا فليس بصابر؟

والجواب عن السؤال الأول: ــــ وهو أهو تعجب، أو تعجيب ــــ: فقد اختلف فيه المفسرون؛ فمنهم من رأى أنه تعجب من الله عز وجل؛ لأنه المتكلم به هو الله؛ والكلام ينسب إلى من تكلم به؛ ولا مانع من ذلك لا عقلاً، ولا سمعاً ــــ أي لا مانع يمنع من أن الله سبحانه وتعالى يعجب؛ وقد ثبت لله العجب بالكتاب، والسنة؛ فقال الله تعالى في القرآن: {بل عجبتُ ويسخرون} [الصافات: 12] بضم التاء؛ وهذه القراءة سبعية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ والتاء فاعل يعود على الله سبحانه وتعالى المتكلم؛ وأما السنة ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه»(2)؛ وعلى هذا فالعجب لله ثابت بالكتاب، والسنة؛ فلا مانع من أن الله يعجب من صبرهم؛ فإذا قال قائل: العجب يدل على أن المتعجب مباغَت بما تعجب منه؛ وهذا يستلزم أن لا يكون عالماً بالأمر من قبل ــــ وهو محال على الله ــــ؟

فالجواب: أن سبب العجب لا يختص بما ذكر؛ بل ربما يكون سببه الإنكار على الفاعل، حيث خرج عن نظائره، كما تقول: «عجبت من قوم جحدوا بآيات الله مع بيانها، وظهورها»؛ وهو بهذا المعنى قريب من معنى التوبيخ، واللوم؛ ومن المفسرين من قال: إن المراد بالعجب: التعجيب؛ كأنه قال: اعجب أيها المخاطب من صبرهم على النار؛ وهذا وإن كان له وجه لكنه خلاف ظاهر الآية.

وأما الجواب عن السؤال الثاني:- وهو كيف يتعجب من صبرهم مع أنهم لم يصبروا على النار – فقال أهل العلم: إنهم لما صبروا على ما كان سبباً لها من كتمان العلم صاروا كأنهم صبروا عليها، مثلما يقال للرجل الذي يفعل أشياء ينتقد فيها: ما أصبرك على لوم الناس لك مع أنه ربما لم يلوموه أصلاً؛ لكن فعل ما يقتضي اللوم؛ يصير معنى: { ما أصبرهم على النار } أنهم لما كانوا يفعلون هذه الأفعال الموجبة للنار صاروا كأنهم يصبرون على النار؛ لأن الجزاء من جنس العمل، كما تفيده الآيات الكثيرة، فيعبر بالعمل عن الجزاء؛ لأنه سببه المترتب عليه؛ و{ النار } هي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين والظالمين؛ لكن الظلم إن كان ظلم الكفر فهم مخلدون فيها؛ وإن كان ظلماً دون الكفر فإنهم مستحقون للعذاب بحسب حالهم .

وذكر من فوائدها : إثبات العجب لله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: { فما أصبرهم على النار } ــــ على أحد الاحتمالين ــــ؛ وهو من الصفات الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته؛ وكل صفة من صفات الله تتعلق بمشيئته فهي من الصفات الفعلية.

فإذا قال قائل: ما دليلكم على أن العجب يتعلق بمشيئته؟

فالجواب: أن له سبباً؛ وكل ما له سبب فإنه متعلق بالمشيئة؛ لأن وقوع السبب بمشيئة الله؛ فيكون ما يتفرع عنه كذلك بمشيئة الله.
 
بسم الله

هذه بعض الاستنباطات من آيات القرآن الحكيم :

- يؤخذ من خبر أصحاب القرية التي كانت خاضرة البحر التي وردت في سورة الأعراف = أن الداعية الذي يريد الإصلاح لا يكتفي بإقامة الحجة على المدعويين فقط ؛ بل إن السعي لإصلاح المجتمع وتغيير المنكر يستهدف مصلحتين : أولاهما : مصلحة الداعي نفسه ، وهي الإعذار إلى الله تعالى من خلال القيام بمسؤليته الشرعية في النصح والإبلاغ .

والثانية : مصلحة للمدعو ، وهي الرجوع عن الباطل إلى الحق . وقد جمع الصالحون من أهل القرية هذين المعنيين في ردهم على الذين أرادوا تثبيط هممهم ، فقالوا : ( معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ) .

ومن هنا يتبين لنا قصور الذين يكتفون في الإصلاح والنصيحة بهدف واحد وهو : الإعذار إلى الله تعالى ، ولا يحرصون على بذل الوسع في تحقيق الأمر الثاني ، وهو الحرص على رجوع العاصي إلى الحق .

فقد يكون هناك من يقع في المنكر ، ويأتي إليه أحدنا وينصحه ويدعوه إلى الخير ، ويكتفي بذلك ؛ لأن هدفه إبراء الذمة والإعذار إلى الله تعالى . وهذا لا يكفي . فكل واحد يمكنه أن يقوم بهذا الإعذار بأي وسيلة . ولكن العبرة بالحرص على هداية الناس ببذل الوسائل الممكنة والمناسبة لتحقيق هذا الهدف . [ مقتبسة من مقال في مجلة المنار الجديد العدد22 ص 27 لمحمد بن المختار الشنقيطي . ]


- ومن لطائف الاستنباطات ودقيقها ما أورده السهيلي في كتاب الإعلام بما أبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم بقوله : ( في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام ( وناديناه من جانب الطور الأيمن ) وقال للنبي صلى الله عليه وسلم : ( وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر ) والمكان المشار إليه واحد = قال ملخصه : ( ووجه الفرق بين الخطابين أن الأيمن مشتق من اليمن ، وهو البركة ؛ فلما حكاه عن موسى في سياق الإثبات أتى بلفظه ، ولما خاطب محمداً صلى الله عليه وسلم في سياق النفي عدل إلى لفظ الغربي لئلا يخاطبه فيسلب عنه لفظاً مشتقاً من اليمن ،رفقاً بهما في الخطاب ، وإكراماً لهما .) هذا حاصل ما ذكره وهو أصل عظيم في الأدب في الخطاب . انظر البرهان للزركشي 4/55 بتحقيق المرعشلي .
 
موضوع قيم :

موضوع قيم :

الأخ الشيخ أبو مجاهد العبيدي .. رعاه الله.. الحقيقة ما طرحتَه هنا موضوع قيم وجميل ( علماً بأن شهادتي في هذا الموضوع مجروحة ) ..
وأشكر فضيلة الدكتور المحرر الشيخ مساعد الطيار على مشاركته في هذا الموضع ..
ومن باب الإضافة : فسوف أضيف قاعدة في معرفة الصحيح والباطل من الاستنباطات : وهو ما استطعت المشاركة به إذ أنني متوقف في المشاركة في هذا الموضوع حتى يبلغ الكتاب أجله .

قاعدة مختصرة في معرفة صحة الاستنباط من بطلانه :
وصحة الاستنباط متوقفة على أمرين:
الأول: صحة دلالة الآية على هذا المعنى المُسْتَنْبَط.
الثاني: صحة المعنى المستَنْبَط في ذاته. ويكون ذلك عند ثبوت صحة الدلالة بعدم وجود دليل آخر يدل على عدم صحتها( ).
فالأول يعرف به صحة ارتباط هذا المعنى بالآية، فإن صح هذا الارتباط( ) نُظر بعد ذلك في المعنى المستنبط هل هو صحيح في العلم الذي استنبط فيه إذ قد تدل الآية على حكم يدل على بطلانه أدلة أخرى.
وعند تأمل حالات الصحة وعدمها يتبين أن الحالات أربع:
الأولى: صحة الدلالة والمعنى المستنبط.
الثانية: بطلانهما.
الثالثة: صحة الدلالة وبطلان المستنبط.
الرابعة: بطلان الدلالة وصحة المستنبط.
ولا يحكم على الاستنباط بأنه صحيح إلا في الحالة الأولى، أما في الثانية والثالثة فظاهر، وأما في الرابعة فلأن المقصود هو الحكم على صحة استنباط هذا المعنى من هذه الآية، وليس المقصود الحكم على صحة المعنى فقط، ولو لم نقيد الأمر بذلك لكان كل معنى صحيح يصح استنباطه من كل نصٍّ قرآني ولو لم يدل عليه ولا يقول بهذا أحد. كما أننا حين نحكم ببطلان هذا الاستنباط من هذه الآية فلا يعني ذلك دائماً عدم صحة المعنى المستنبط لكننا نفي دلالة الآية عليه. ومثال ذلك حتى يتضح الأمر :
استنبط السبكي من قوله تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) [ الفرقان: ] مسألة أصولية وهي أن الكف عن الفعل فعلٌ. قال:" فإن الأخذ التناول والمهجور المتروك، فصار المعنى تناولوه متروكاً. أي: فعلوا تركه"( ).
فهذا الاستنباط عند تأمله نجد أنه لا دلالة في الآية عليه مع صحته في ذاته قال الشيخ الأمين: " استنباط السبكي من هذه الآية أن الكف فعل وتفسيره لها بما يدل على ذلك، لم يظهر لي كل الظهور"( ).
لكنه مع ذلك أثبت صحة هذا المعنى المستنبط فقال: " ولكن هذا المعنى الذي زعم أن هذه الآية الكريمة دلت عليه، وهو كون الكف فلاً دلت عليه آيتان كريمتان من سورة المائدة، دلالة واضحة لا لبس فيها، ولا نزاع ... أما الأولى منهما فهي قوله تعالى: ( لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) فترك الربانيين والأحبار نهيهم عن قول الإثم وأكل السحت سماه الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة صنعاً في قوله: ( لبئس ما كانوا يصنعون). أي: وهو تركهم النهي المذكور، والصنع أخص من مطلق الفعل، فصراحة دلالة هذه الآية الكريمة على أن الترك فعلٌ في غاية الوضوح كما ترى.
وأما الآية الثانية: فهي قوله تعالى: ( كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) فقد سمى جل وعلا في هذه الآية الكريمة تركهم التناهي عن المنكر فعلاً، وأنشأ له الذم بلفظة بئس التي هي فعل جامد لإنشاء الذم في قوله: (لبئس ما كانوا يفعلون) أي: وهو تركهم التناهي، عن كل منكر فعلوه، وصراحة دلالة هذه الآية أيضاً على ما ذكروه واضحة كما ترى"( ).
ومن هذا المثال يتبين أن استنباط السبكي من آية الفرقان استنباط غير صحيح لعدم دلالة الآية عليه وأما استنباط ذات المعنى من الآيتين من سورة المائدة فاستنباط صحيح لدلالة الآية عليه دلالة صحيحة.

والله أعلم.
 
من نفائس النقول حول موضوع الاستنباط ما أورده الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه العُجاب : إعلام الموقعين [2/397-400 بتحقيق مشهور آل سلمان ] حيث قال :

( والمقصود أن الواجب فيما علق عليه الشارع الأحكام من الألفاظ والمعاني أن لا يتجاوز بألفاظها ومعانيها، ولا يقصر بها، ويعطي اللفظ حقه والمعنى حقه، وقد مدح الله تعالى أهل الاستنباط في كتابه وأخبر أنهم أهل العلم، ومعلوم أن الاستنباط إنما هو استنباط المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض، فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله ومشبهه ونظيره، ويلغى ما لا يصح، هذا الذي يعقله الناس من الاستنباط، قال الجوهري: الاستنباط كالاستخراج، ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ، فإن ذلك ليس طريقة الاستنباط، إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط، وإنما تنال به العلل والمعاني والأشباه والنظائر ومقاصد المتكلم، والله سبحانه ذم من سمع ظاهراً مجرداً فأذاعه وأفشاه، وحمد من استنبط من أولي العلم حقيقته ومعناه.
ويوضحه أن الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستنبطه، ومنه استنباط الماء من أرض البئر والعين، ومن هذا قول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل: هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس؟ فقال: لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه.
ومعلوم أن هذا الفهم قدر زائد على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه، فإن هذا قدر مشترك بين سائر من يعرف لغة العرب، وإنما هذا فهم لوازم المعنى ونظائره ومراد المتكلم بكلامه ومعرفة حدود كلامه، بحيث لا يدخل فيها غير المراد، ولا يخرج منها شيء من المراد.
وأنت إذا تأملت قوله تعالى: " إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون " وجدت الآية من أظهر الأدلة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا القرآن جاء من عند الله، وأن الذي جاء به روح مطهر، فما للأرواح الخبيثة عليه سبيل، ووجدت الآية أخت قوله: " وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون " ووجدتها دالة بأحسن الدلالة على أنه لا يمس المصحف إلا طاهر، ووجدتها دالة أيضاً بألطف الدلالة على أنه لا يجد حلاوته وطعمه إلا من آمن به وعمل به، كما فهمه البخاري من الآية فقال في صحيحه في باب: " قل فاتوا بالتوراة فاتلوها ". "لا يمسه" لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن بالقرآن ولا يحمله بحقه إلا المؤمن لقوله تعالى: "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً" وتجد تحته أيضاً أنه لا ينال معانيه ويفهمه كما ينبغي إلا القلوب الطاهرة، وأن القلوب النجسة ممنوعة من فهمه مصروفة عنه، فتأمل هذا النسب القريب وعقد هذه الأخوة بين هذه المعاني وبين المعنى الظاهر من الآية واستنباط هذه المعاني كلها من الآية بأحسن وجه وأبينه.
فهذا من الفهم الذي أشار إليه علي رضي الله عنه.
وتأمل قوله تعالى لنبيه: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم" كيف يفهم منه أنه إذا كان وجود بدنه وذاته فيهم دفع عنهم العذاب وهم أعداؤه، فكيف وجود سره والإيمان به ومحبته ووجود ما جاء به إذا كان في قوم أو كان في شخص؟ أفليس دفعه العذاب عنهم بطريق الأولى والأحرى؟.

وتأمل قوله تعالى: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ". كيف تجد تحته بألطف دلالة وأدقها وأحسنها أنه من اجتنب الشرك جميعه كفرت عنه كبائره، وأن نسبه الكبائر إلى الشرك كنسبة الصغائر إلى الكبائر فإذا وقعت الصغائر مكفرة باجتناب الكبائر فالكبائر تقع مكفرة باجتناب الشرك، وتجد الحديث الصحيح كأنه مشتق من هذا المعنى، وهو قوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى: "ابن آدم إنك لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتك بقرابها مغفرةً" وقوله: "إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" بل محو التوحيد الذي هو توحيد الكبائر أعظم من محو اجتناب الكبائر للصغائر.
وتأمل قوله تعالى:" وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون " كيف: نبههم بالسفر الحسي على السفر إليه؟ وجمع له بين السفرين كما جمع لهم الزادين في قوله: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" فجمع لهم بين زاد سفرهم وزاد معادهم؟ وكما جمع بين اللباسين في قوله: " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " فذكر سبحانه زينة ظواهرهم وبواطنهم ونبههم بالحسي على المعنوي، وفهم هذا القدر زائد على فهم مجرد اللفظ ووضعه في أصل اللسان، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.) انتهى .



وهنا سؤال : ما قولكم في الاستناط الذي استنبطه ابن القيم من آية النساء : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ) وهل هو صحيح على اطلاقه ، خاصة أن ابن القيم أكد ذلك المعنى المستنبط بعدة قرائن ؟!
أرجو من الإخوة إبداء الرأي حول هذا الاستنباط ؛ فقد أشكل عليّ .
 
ومن استباطات ابن القيم رحمه الله :

( وقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ) فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبباً لحبوط أعمالهم ؛ فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه ؟ أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم ؟. ) انتهى من إعلام الموقعين 2/94 بتحقيق مشهور آل سلمان . ) .

ومنها : أن شهادة الابن على أبيه مقبولة والعكس كذلك مع انتفاء التهمة ، قال رحمه الله :، وقد دل عليه القرآن في قوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله، ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).
وقد قال قبل ذلك بقليل : ( والصحيح أنه تقبل شهادة الابن لأبيه والأب لابنه فيما لا تهمة فيه، ونص عليه أحمد،...)
وقال بعد ذلك : ( ( (فشهادة الولد لوالده وعكسه بحيث لا تهمة هناك أولى بالقبول، وهذا هو القول الذي ندين الله به، وبالله التوفيق.) انظر المرجع السابق 2/226-227
 
فائدة عجيبة نفيسة

ذكر الزمخشري بعد تفسيره لقوله تعالى :( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) [المائدة : 4] هذه الفائدة

قال : والمكلب: مؤدب الجوارح ومضريها بالصيد لصاحبها، ورائضها لذلك بما علم من الحيل وطرق التأديب والتثقيف، واشتقاقه من الكلب، لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتق من لفظه لكثرته من جنسه. أو لأن السبع يسمى كلبا....

وانتصاب {مكلبين} على الحال من علمتم.
فإن قلت: ما فائدة هذه الحال وقد استغنى عنها بعلمتم؟
قلت: فائدتها أن يكون من يعلم الجوارح نحريراً في علمه مدربا فيه، موصوفا بالتكليب. و{تعلمونهن} حال ثانية أو استئناف.
وفيه فائدة جليلة، وهي أن على كل آخذٍ علماً أن لا يأخذه إلا من أقتل أهله علماً ، وأنحرهم دراية ، وأغوصهم على لطائفه وحقائقه، وإن احتاج إلى أن يضرب إليه أكباد الإبل، فكم من آخذ عن غير متقن قد ضيع أيامه ، وعض عند لقاء النحارير أنامله ) انتهى


وقد استنبط السعدي رحمه الله من هذه الآية عشر فوائد ؛ فقال :

( دلت هذه الآية على أمور:

أحدها: لطف الله بعباده ورحمته لهم، حيث وسع عليهم طرق الحلال، وأباح لهم ما لم يذكوه مما صادته الجوارح، والمراد بالجوارح: الكلاب، والفهود، والصقر، ونحو ذلك، مما يصيد بنابه أو بمخلبه.

الثاني: أنه يشترط أن تكون معلمة، بما يعد في العرف تعليما، بأن يسترسل إذا أرسل، وينـزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل، ولهذا قال: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ أي: أمسكن من الصيد لأجلكم.

وما أكل منه الجارح فإنه لا يعلم أنه أمسكه على صاحبه، ولعله أن يكون أمسكه على نفسه.

الثالث: اشتراط أن يجرحه الكلب أو الطير ونحوهما، لقوله: مِنَ الْجَوَارِحِ مع ما تقدم من تحريم المنخنقة. فلو خنقه الكلب أو غيره، أو قتله بثقله لم يبح [هذا بناء على أن الجوارح اللاتي يجرحن الصيد بأنيابها أو مخالبها، والمشهور أن الجوارح بمعنى الكواسب أي: المحصلات للصيد والمدركات لها فلا يكون فيها على هذا دلالة - والله أعلم-]

الرابع: جواز اقتناء كلب الصيد، كما ورد في الحديث الصحيح، مع أن اقتناء الكلب محرم، لأن من لازم إباحة صيده وتعليمه جواز اقتنائه.

الخامس: طهارة ما أصابه فم الكلب من الصيد، لأن الله أباحه ولم يذكر له غسلا فدل على طهارته.

السادس: فيه فضيلة العلم، وأن الجارح المعلم -بسبب العلم- يباح صيده، والجاهل بالتعليم لا يباح صيده.

السابع: أن الاشتغال بتعليم الكلب أو الطير أو نحوهما، ليس مذموما، وليس من العبث والباطل. بل هو أمر مقصود، لأنه وسيلة لحل صيده والانتفاع به.

الثامن: فيه حجة لمن أباح بيع كلب الصيد، قال: لأنه قد لا يحصل له إلا بذلك.

التاسع: فيه اشتراط التسمية عند إرسال الجارح، وأنه إن لم يسم الله متعمدا، لم يبح ما قتل الجارح.

العاشر: أنه يجوز أكل ما صاده الجارح، سواء قتله الجارح أم لا. وأنه إن أدركه صاحبه، وفيه حياة مستقرة فإنه لا يباح إلا بها. ) انتهى
 
بسم الله

ومن الاستنباطات اللطيفة التي لها صلة بالمعنى الذي استنبطه الزمخشري من آية المائدة - كما في المشاركة السابقة - ما استنبطه السعدي رحمه الله من قوله تعالى : ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) النساء : 83

حيث قال ما ملخصه : · وفي هذا دليل لقاعدة أدبية ، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولى من هو أهل لذلك ، ويجعل إلى أهله ولا يتقدم بين أيديهم ؛ فإنه أقرب إلى الصواب ، وأحرى للسلامة من الخطأ . انتهى من تفسير السعدي بتصرف .


ومن جميل ما قاله المفسرون عن هذه الآية ما ذكره الرازي في تفسيره لها بقوله :
دلت هذه الآية على أن القياس حجة في الشرع، وذلك لأن قوله: {الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } صفة لأولي الأمر، وقد أوجب الله تعالى على الذين يجيئهم أمر من الأمن أو الخوف أن يرجعوا في معرفته إليهم، ولا يخلو إما أن يرجعوا اليهم في معرفة هذه الوقائع مع حصول النص فيها، أولا مع حصول النص فيها، والأول باطل، لأن على هذا التقدير لا يبقى الاستنباط لأن من روى النص في واقعة لا يقال: إنه استنبط الحكم، فثبت أن الله أمر المكلف برد الواقعة إلى من يستنبط الحكم فيها، ولولا أن الاستنباط حجة لما أمر المكلف بذلك، فثبت أن الاستنباط حجة، والقياس إما استنباط أو داخل فيه، فوجب أن يكون حجة.
إذا ثبت هذا فنقول: الآية دالة على أمور:
أحدها: أن في أحكام الحوادث ما لا يعرف بالنص بل بالاستنباط.
وثانيها: أن الاستنباط حجة:
وثالثها: أن العامي يجب عليه تقليد العلماء في أحكام الحوادث.
ورابعها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مكلفا باستنباط الأحكام لأنه تعالى أمر بالرد إلى الرسول وإلى أولي الأمر.
انتهى كلام الرازي من تفسيره الكبير

وقد ذكر البغوي قريباً من هذا المعنى المستنبط ، حيث قال في تفسيره معالم التنزيل : وفي الآية دليل على جواز القياس، فإن من العلم ما يُدرك بالتلاوة والرواية وهو النّص، ومنه ما يدرك بالاستنباط و(هو) القياس على المعاني المودعة في النصوص. انتهى
 
بسم الله

قال تعالى في سورة البقرة : ( فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ . فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ . قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [36-39 ] .

هل الأمر بالهبوط في الآية رقم 38 تكرار للأمر به في الآية 36 ؟
خلاف بين المفسرين ليس هذا محل بسطه ، وإنما أردت هنا أن أذكر استنباطا رائعاً للطاهر ابن عاشور من تكرار هذا الأمر ، فقال رحمه الله :




وفيه إشارة أخرى وهي أن العفو يكون من التائب في الزواجر والعقوبات. وأما تحقيق آثار المخالفة وهو العقوبة التأديبية فإن العفوعنها فساد في العالم لأن الفاعل للمخالفة إذا لم ير أثر فعله لم يتأدب في المستقبل فالتسامح معه في ذلك تفويت لمقتضى الحكمة، فإن الصبي إذا لوث موضعاً وغضب عليه مربيه ثم تاب فعفا عنه فالعفو يتعلق بالعقاب وأما تكليفه بأن يزيل بيده التلويث الذي لوث به الموضع فذلك لا يحسن التسامح فيه ولذا لما تاب الله على آدم رضي عنه ولم يؤاخذه بعقوبة ولا بزاجر في الدنيا ولكنه لم يصفح عنه في تحقق أثر مخالفته وهو الهبوط من الجنة ليرى أثر حرصه وسوء ظنه، هكذا ينبغي أن يكون التوجيه إذا كان المراد من {اهبطوا} الثاني حكاية أمر ثان بالهبوط خوطب به آدم.

ومعنى كلامه هذا أن الله سبحانه لما أخبر أنه تاب على آدم بعد أن عصى ةأمر بالهبوط مع زوجه عقوبة على معصيته ، كرر الله الأمر بالهبوط حتى لا يُتوهم أن آدم بعد توبة الله عليه قد سلم من أثر معصيته .
 
ومن جميل الاستباطات ما ذكره الشيخ محمد العثيمين رحمه الله في تفسيره لسورة البقرة ، حيث استنبط من قوله تعالى : ( ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) أنه لا يمكن العيش إلا في الأرض لبني آدم لهذه الآية ، ولقوله تعالى : ( فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون ) [الأعراف : 25 ] .

قال الشيخ رحمه الله : وبناء على ذلك نعلم أن محاولة الكفار أن يعيشوا في غير الأرض إما في بعض الكواكب أو في بعض المراكب محاولة يائسة ؛ لأنه لا بد أن يكون مستقرهم الأرض . انتهى
 
ومن الاستنباطات المفيدة لطالب العلم ما ذكره السعدي رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى :( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) بقوله :

ويؤخذ من هذه الآية الكريمة، الأدب في تلقي العلم، وأن المستمع للعلم ينبغي له أن يتأنى ويصبر حتى يفرغ المملي والمعلم من كلامه المتصل بعضه ببعض، فإذا فرغ منه سأل إن كان عنده سؤال، ولا يبادر بالسؤال وقطع كلام ملقي العلم، فإنه سبب للحرمان، وكذلك المسئول، ينبغي له أن يستملي سؤال السائل، ويعرف المقصود منه قبل الجواب، فإن ذلك سبب لإصابة الصواب.
 
جزاكم الله خيرا

جزاكم الله خيرا

جزاكم الله خيرا,هذا الموضوع هو سبب اشتراكي في هذا اللتقي الطيب و لكن افيدونا بمزيد من الكتب التى اعتنت بهذه الاستنباطات غير الاكليل[
 
استنباط حسن من الإمام مالك رحمه الله !

استنباط حسن من الإمام مالك رحمه الله !

استنباط حسن من الإمام مالك رحمه الله !
قال الله نعالى :
(( وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) الحشر : 10

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : " وما أحسن ما استنبط الإمام مالك رحمه الله من هذه الآية الكريمة : أن الرافضي الذي يسبُّ الصحابة ليس له في مال الفيء نصيب ؛ لعدم اتصافه بما مَدَحَ الله به هؤلاء في قولهم : " رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ "
وقال ابن أبي حاتم حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي حدثنا محمد بن بشر حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه عن عائشة أنها قالت أمروا أن يستغفروا لهم فسبوهم ثم قرأت هذه الآية والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان الآية .. " إلخ
 
فوائد عظيمة من آية كريمة

فوائد عظيمة من آية كريمة

قال تعالى: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }[المائدة :105] قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأدي الواجب من الأمر والنهي وغيرهما، ولكن في الآية فوائد عظيمة:


أحدها: أن لا يخافَ المؤمنُ من الكفار والمنافقين، فإنهم لن يضروه إذا كان مهتدياً.

الثاني: أن لا يحزنَ عليهم ولا يجزعَ عليهم، فإن معاصيَهم لا تضره إذا اهتدى، والحزنُ على ما لا يضر عبث، وهذان المعنيان مذكوران في قوله: { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ }.

الثالث: أن لا يركن إليهم، ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات، كقوله: { لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ }، فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم في آية، ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم في آية، فإن الإنسان قد يتألمُ عليهم ومنهم، إما راغباً وإما راهباً.

الرابع: أن لا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم، أو نهيهم أو هجرهم، أو عقوبتهم، بل يقال لمن اعتدى عليهم: عليك نفسك لا يضرُّك من ضل إذا اهتديت، كما قال: { وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ } الآية، وقال: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ }، وقال:{ فَإِنِ انْتهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ }، فإن كثيراً من الآمرين الناهين قد يعتدون حدود الله إما بجهل وإما بظلم، وهذا باب يجب التثبت فيه، وسواء في ذلك الإنكارُ على الكفار والمنافقين الفاسقين والعاصين.

الخامس: أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع، من العلم والرفق، والصبر، وحسن القصد، وسلوك السبيل القصد، فإن ذلك داخلٌ في قوله: { عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ }، وفي قوله: { إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }.

فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيها المعنى الآخر، وهو:

( السادس ): إقبال المرء على مصلحة نفسه علماً وعملاً، وإعراضه عما لا يعنيه، كما قال صاحب الشريعة: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه، ولاسيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة.

وكذلك العمل فصاحبه إما معتدٍ ظالمٌ، وإما سفيهٌ عابثٌ، وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ويكون من باب الظلم والعدوان.

فتأملُ الآية في هذه الأمور من أنفع الأشياء للمرء، وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة: علماؤها وعبادها وأمراؤها ورؤساؤها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل، كما بغت الجهمية على المستنة في محنة الصفات والقرآن، محنة أحمد وغيره، وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة، وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته، وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة، وكما يبغي بعض المستنة إما على بعضهم وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به، وهو الإسراف المذكور في قولهم: { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا }.

وإزاء هذا العدوان تقصير آخرين فيما أمروا به من الحق، أو فيما أمروا به من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر في هذه الأمور كلها، فما أحسن ما قال بعض السلف: ما أمر الله بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين لا يبالي بأيهما ظفر: غلوٍّ أو تقصيرٍّ .

فالمعين على الإثم والعدوان بإزائه تاركُ الإعانة على البر والتقوى، وفاعل المأمور به وزيادةٍ منهيٍّ عنها بإزائه تاركُ المنهي عنه وبعضِ المأمور به، والله يهدينا الصراط المستقيم ولا حول ولا قوة إلا بالله.

انظر مجموع الفتاوي14/480-483
 
ومن جميل الاستنباطات ما قاله الإمام البيهقي في كتابه الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد :
( وقد دل كتاب الله عز وجل على إمامة أبي بكر ومن بعده من الخلفاء ، وقال الله عز وجل : ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾(النور: من الآية55) وقال : ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ (الحج: من الآية41)
فلما وجدت هذه الصفة من الاستخلاف والتمكين في أمر أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي = دل على أن خلافتهم حق .)


ثم ذكر كلاماً نفيساً يدل على قدرة فائقة على الاستنباط من القرآن بجمع الآيات التي ترتبط ببعضها ، فقال :

(ودل أيضاً على إمامة الصديق قول الله عز وجل في سورة براءة للقاعدين عن نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم والمتخلفين عن الخروج معه في غزوة الحديبية : ﴿ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً ﴾(التوبة: من الآية83) وقال في سورة أخرى : ﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ﴾ (الفتح: من الآية15) يعني قوله : ﴿ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ﴾ ثم قال : ﴿ كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾(الفتح: من الآية15) وقال : ﴿ قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا ﴾ يعني تطيعوا الداعي لكم إلى قتالهم : ﴿ يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا ﴾ يعني تعرضوا عن إجابة الداعي لكم إلى قتالهم :﴿ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ (الفتح:16)
والداعي لهم إلى ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له : ﴿ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوّاً ﴾(التوبة: من الآية83) وقال في سورة الفتح : ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ﴾ فمنعهم الخروج مع نبيه صلى الله عليه وسلم ، وجعل خروجهم معه تبديلاً لكلامه ، فوجب بذلك أن الداعي الذي يدعوهم إلى القتال داع يدعوهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم .
وقد قال مجاهد في قوله : ﴿ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾ هم فارس والروم ، وكذلك قال الحسن البصري ، وقال عطاء : هم فارس .
وفي رواية علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : فارس ، وفي رواية الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : هم بنو حنيفة يوم اليمامة .
فإن كانوا أهل اليمامة فقد قوتلوا في أيام أبي بكر الصديق ، وهو الداعي إلى قتال مسيلمة وبني حنيفة من أهل اليمامة .
وإن كانوا أهل فارس فقد قوتلوا في أيام عمر ، وهو الداعي إلى قتال كسرى وأهل فارس .
وإن كانوا أهل فارس والروم ...وقد قوتلوا في أيام أبي بكر ، ثم تم قتالهم وتنحيتهم عن الشام في أيام عمر مع قتال فارس ؛ فوجب بذلك إمامة أبي بكر وعمر ، وفي وجوب إمامة أحدهما وجوب إمامة الآخر .
وقد احتج بما ذكرنا من الآيات علي بن إسماعيل رحمه الله ، وغيره من علمائنا في إثبات إمامة الصديق رضي الله عنه .)


وهذا كلام يستحق التأمل ؛ فقل أن تجده في كتاب .
 
ومن الاستنباطات السعدية اللطيفة ، استنباطه رحمه الله قاعدة إذا تزاحمت المصالح, قدم أهمها من قوله تعالى في سورة البقرة : ( وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) حيث قال :

.

ويستدل بهذه الآية على القاعدة المشهورة, أنه " إذا تزاحمت المصالح, قدم أهمها "فهنا تتميم اليمين مصلحة, وامتثال أوامر الله في هذه الأشياء, مصلحة أكبر من ذلك, فقدمت لذلك.



من تفسير الشيخ عبد الرحمن السعدي .
 
بسم الله

قول الله تعالى : ( اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين )

قال الشنقيطي في أضواء البيان :
( يؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصدّيق رضي اللَّه عنه ؛ لأنَّه داخل فيمن أمرنا اللَّه في السبع المثاني والقرءان العظيم ــ أعني الفاتحة ــ بأن نسأله أن يهدينا صراطهم . فدلّ ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم .
وذلك في قوله : {اهْدِنَا لصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّآلِّينَ } وقد بيّن الذين أنعم عليهم فعد منهم الصديقين . وقد بيّن صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر رضي الله عنه من الصديقين ، فاتضح أنه داخل في الذين أنعم اللَّه عليهم، الذين أمرنا اللَّه أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق رضي اللَّه عنه على الصراط المستقيم ، وأن إمامته حق .) انتهى
 
فائدة نفيسة واستنباط دقيق

فائدة نفيسة واستنباط دقيق

قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (التوبة:91)
دلت هذه الآية الكريمة على أن هناك طائفة من المسلمين الصادقين قد عذرهم الله ، ورفع عنهم الحرج إذا تخلفوا عن الجهاد في سبيله ؛ لأنهم أهل أعذار ، ولكنه شرط رفع الحرج عنهم بشرط مهم وهو قوله : ( إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ) وكانوا من المحسنين .
قال ابن كثير رحمه الله : (( فليس على هؤلاء حرج إذا قعدوا ونصحوا في حال قعودهم ،ولم يرجفوا بالناس ،ولم يثبطوهم وهم محسنون في حالهم ،ولهذا قال : ] ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم [ ...)) .

و قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية : (( وإن كان العبد عاجزاً عن معرفة بعض ذلك أو العمل به فلا ينهى عما عجز عنه مما جاء به الرسول r ،بل حسبه أن يسقط عنه اللوم لعجزه ، ولكن عليه أن يفرح بقيام غيره به ويرضى بذلك ويود أن يكون قائماً به )) .

قلت : وفي هذا تنبيه للذين لم يستطيعوا القيام بالجهاد في سبيل الله ، وهم صادقون في حبه والشوق إليه ، ولكن حال بينهم وبينه العذر وعدم الاستطاعة = فعليهم أن لا يكونوا من المثبطين لإخوانهم المجاهدين ، المقللين من شأن جهادهم ، بل يجب عليهم أن يكونوا ناصحين لهم ، محسنين إليهم بالقول والفعل والمال . والله أعلم .
 
حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن

حكم أخذ الأجرة على تعليم القرآن

قال الشنقيطي رحمه الله في تفسيره لسورة هود :

( قوله تعالى: {وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ}. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة عن نبيه نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: أنه أخبر قومه أنه لا يسألهم مالاً في مقابلة ما جاءهم به من الوحي والهدى، بل يبذل لهم ذلك الخير العظيم مجاناً من غير أخذ أجرة في مقابله.
وبين في آيات كثيرة: أن ذلك هو شأن الرسل عليهم صلوات الله وسلامه، كقوله في سبأ عن نبينا صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ}.
وقوله فيه أيضاً في آخر سورة صۤ: {قُلْ مَآ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ}.
وقوله في الطور والقلم {أَمْ تَسْألُهُمْ أَجْراً فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}.
وقوله في الفرقان {قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً}.
وقوله في الأنعام: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَـٰلَمِينَ}.
وقوله عن هود في سورة هود: {يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِى فَطَرَنِىۤ}.
وقوله في الشعراء عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام: {وَمَآ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}.
وقوله تعالى عن رسل القرية المذكورة في يس {ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْألُكُمْ أَجْراً}.
وقد بينا وجه الجمع بين هذه الآيات المذكورة وبين قوله تعالى: {قُل لاَّ أَسْألُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِى ٱلْقُرْبَىٰ} في كتابنا «دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب» في سورة سبأ في الكلام على قوله تعالى {قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ}.
ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة: أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء وغيرهم أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجاناً من غير أخذ عوض على ذلك، وأنه لا ينبغي أخذ الأجرة على تعليم كتاب الله تعالى، ولا على تعليم العقائد والحلال والحرام.

ويعتضد ذلك بأحاديث تدل على نحوه، فمن ذلك ما رواه ابن ماجه والبيهقي والروياني في مسنده عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: علمت رجلاً القرآن، فأهدى لي قوساً، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أخذتها أخذت قوساً من نار» فرددتها.
قال البيهقي وابن عبد البر في هذا الحديث: هو منقطع، أي بين عطية الكلاعي وأبي بن كعب، وكذلك قال المزي.
وتعقبه ابن حجر بأن عطية ولد في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم.
وأعله ابن القطان بأن راويه عن عطية المذكور هو عبد الرحمن بن سَلْم وهو مجهول.
وقال فيه ابن حجر في التقريب. شامي مجهول.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وله طرق عن أبي. قال ابن القطان: لا يثبت منها شيء قال الحافظ وفيما قاله نظر.
وذكر المزي في الأطراف له طرقاً منها: أن الذي أقرأه أبي هو الطفيل بن عمرو، ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمرو الدوسي قال. أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت له قوساً فغدا إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم وقد تقلدها فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «تقلدها من جهنم» الحديث. وقال الشوكاني أيضاً: وفي الباب عن معاذ عند الحاكم والبزار بنحو حديث أبي. وعن أبي الدرداء عند الدارمي بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضاً.
ومن ذلك ما رواه أبو داود وابن ماجه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال. علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلى رجل منهم قوساً فقلت ليست بمال أرمي بها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت. يا رسول الله، أهدى إلي رجل قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال أرمى عليها في سبيل الله؟ فقال: «إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها» وفي إسناده المغيرة بن زياد الموصلي قال الشوكاني: وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة.
وقال الإمام أحمد: ضعيف الحديث، حدث بأحاديث مناكير، وكل حديث رفعه فهو منكر. وقال أبو زرعة الرازي. لا يحتج بحديثه اهـ. وقال فيه ابن حجر في التقريب. المغيرة بن زياد البجلي أبو هشام أو هاشم الموصلي صدوق له أوهام. وهذا الحديث رواه أبو داود من طريق أخرى ليس فيها المغيرة المذكور. حدثنا عمرو بن عثمان وكثير بن عبيد قالا: ثنا بقية حدثني بشر بن عبد الله بن بشار قال عمرو: وحدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت نحو هذا الخبر، والأول أتم، فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها» اهـ منه بلفظه. وفي سند هذه الرواية بقية بن الوليد وقد تكلم فيه جماعة، ووثقه آخرون إذا روي عن الثقات، وهو من رجال مسلم. وأخرج له البخاري تعليقاً.
وقال فيه ابن حجر في التقريب: صدوق، كثير التدليس عن الضعفاء، والظاهر أن أعدل الأقوال فيه أنه إن صرح بالسماع عن الثقات فلا بأس به، مع أن حديثه هذا معتضد بما تقدم وبما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اقرؤوا القرآن واسألوا الله به، فإن من بعدكم قوماً يقرؤون القرآن يسألون به الناس» قال الترمذي في هذا الحديث: ليس إسناده بذلك.
ومنها ما رواه أبو داود في سننه: حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد عن حميد الأعرج، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والأعجمي: فقال: «اقرؤوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه» حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو وابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، عن وفاء بن شريح الصدفي، عن سهل بن سعد الساعدي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نفتري فقال: «الحمد لله، كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكم الأسود، اقرؤوا قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله» اهـ.
ومنها ما رواه الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن شبل، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به». قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار في هذا الحديث: قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات.
ومنها ما أخرجه الأثرم في سننه عن أُبي رضي الله عنه قال: كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة، قد احتبس في بيته أقرئه القرآن، فيؤتي بطعام لا آكل مثله بالمدينة، فحاك في نفسي شيء فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه، وإن كان يتحفك به فلا تأكله» ا هـ بواسطة نقل ابن قدامة في المغني والشوكاني في نيل الأوطار.
فهذه الأدلة ونحوها تدل على أن تعليم القرآن والمسائل الدينية لا يجوز أخذ الأجرة عليه.
وممن قال بهذا: الإمام أحمد في إحدى الروايتين، وأبو حنيفة والضحاك بن قيس وعطاء.
وكره الزهري وإسحاق تعليم القرآن بأجر.
وقال عبد الله بن شقيق: هذه الرغف التي يأخذها المعلمون من السحت.
وممن كره أجرة التعليم مع الشرط: الحسن وابن سيرين، وطاوس، والشعبي، والنخعي. قاله في المغني. وقال: إن ظاهر كلام الإمام أحمد جواز أخذ العلم ما أعطيه من غير شرط.
وذهب أكثر أهل العلم إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وهو مذهب مالك، والشافعي.
وممن رخص في أجور المعلمين: أبو قلابة، وأبو ثور، وابن المنذر.
ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال: التعليم أحب إلي من أن يتوكل لهؤلاء السلاطين، ومن أن يتوكل لرجل من عامة الناس في ضيعة، ومن أن يستدين ويتجر لعله لا يقدر على الوفاء فيلقى الله تعالى بأمانات الناس، التعليم أحب إلي.
وهذا يدل على أن منعه منه في موضع منعه للكراهة لا للتحريم. قاله ابن قدامة في المغني.
واحتج أهل هذا القول بأدلة منها ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن النَّبي صلى الله عليه وسلم جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله، إني قد وهبت نفسي لك، فقامت قياماً طويلاً، فقام رجل فقال: يا رسول الله، زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة؟ فقال صلى الله عليه وسلم «هل عندك من شيء تصدقها إياه؟» فقال. ما عندي إلا إزاري. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم:
«إن أعطيتها إزارك جلست لا إزار لك»، فالتمس شيئاً فقال: ما أجد شيئاً، فقال: «التمس ولا خاتماً من حديد» فالتمس فلم يجد شيئاً، فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم: «هل معك من القرآن شيء؟» قال نعم، سورة كذا وكذا يسميها، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «قد زوجتكها بما معك من القرآن» وفي رواية «قد ملكتكها بما معك من القرآن» فقالوا: هذا الرجل أباح له النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل تعليمه بعض القرآن لهذه المرأة عوضاً عن صداقها. وهو صريح في أن العوض على تعليم القرآن جائز. وما رد به بعض العلماء الاستدلال بهذا الحديث من أنه صلى الله عليه وسلم زوجه إياها بغير صداق إكراماً له لحفظه ذلك المقدار من القرآن، ولم يجعل التعليم صداقاً لها ـ مردود بما ثبت في بعض الروايات في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «انطلق فقد زوجتكها فعلمها من القرآن» وفي رواية لأبي داود «علمها عشرين آية وهي امرأتك».
واحتجوا أيضاً بعموم قوله صلى الله عليه وسلم الثابت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس: «إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله» قالوا: الحديث وإن كان وارداً في الجعل على الرقيا بكتاب الله فالعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب. واحتمال الفرق بين الجعل على الرقية وبين الأجرة على التعليم ظاهر.)

ثم ختم رحمه الله بقوله :
قال مقيده ـ عفا الله عنه ـ: الذي يظهر لي والله تعالى أعلم، أن الإنسان إذا لم تدعه الحاجة الضرورية فالأولى له ألا يأخذ عوضاً على تعليم القرآن، والعقائد، والحلال والحرام للأدلة الماضية. وإن دعته الحاجة أخذ بقدر الضرورة من بيت مال المسلمين. لأن الظاهر أن المأخوذ من بيت المال من قبيل الإعانة على القيام بالتعليم لا من قبيل الأجرة.
والأولى لمن أغناه الله أن يتعفف عن أخذ شيء في مقابل التعليم للقرآن والعقائد والحلال والحرام. والعلم عند الله تعالى
انتهى كلامه بنصه .
 
عشر فوائد من آيتين

عشر فوائد من آيتين

قال تعالى : ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ . غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (غافر:2- 3 )
علق ابن القيم على هاتين الآيتين بكلام نفيس ، اشتمل على عشر فوائد مستنبطة منهما فقال :

( تأمل كيف وقع الوصف بشديد العقاب بين صفتي رحمة قبله وصفة رحمة بعده . فقبله " غافر الذنب وقابل التوب " وبعده " ذي الطول " [ غافر : 3 ] ، ففي هذا تصديق الحديث الصحيح وشاهد له وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كتب كتاباً فهو موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي "، وفي لفظ : " سبقت غضبي " ، وقد سبقت صفتا الرحمة هنا وغلبت .
وتأمل كيف افتتح الآية بقوله : " تنزيل الكتاب " [ غافر : 2 ] والتنزيل يستلزم علو المنزل من عنده لا تعقل العرب من لغتها - بل ولا غيرها من الأمم السليمة الفطرة - إلا ذلك .
وقد أخبر أن تنزيل الكتاب منه . فهذا يدل على شيئين : أحدهما : علوه تعالى على خلقه . والثاني : أنه هو المتكلم بالكتاب المنزل من عنده لا غيره . فإنه أخبر أنه منه . وهذا يقتضي أن يكون منه قولاً كما أنه منه تنزيلاً فإن غيره - لو كان هو ا لمتكلم به - لكان الكتاب من ذلك الغير فإن الكلام ، إنما يضاف إلى المتكلم به . ومثل هذا : " ولكن حق القول مني " [ السجدة : 13 ] ، ومثله : " قل نزله روح القدس من ربك " [ النحل : 102 ] ، ومثله : " تنزيل من حكيم حميد " [ فصلت : 42 ] فاستمسك بحرف من في هذه المواضع فإنه يقطع حجج شعب المعتزلة والجهمية .
وتأمل كيف قال " تنزيل من " ولم يقل تنزيله فتضمنت الآية إثبات علوه وكلامه وثبوت الرسالة .
ثم قال : " العزيز العليم " فتضمن هذان الإسمان صفتي القدرة والعلم وخلق أعمال العباد وحدوث كل ما سوى الله لأن القدرة هي قدرة الله كما قال أحمد بن حنبل فتضمنمت إثبات القدر ، ولأن عزته تمنع أن يكون في ملكه ما لا يشاؤه ، أو أن يشاء ما لا يكون فكان عزته تبطل ذلك ، وكذلك كمال قدرته توجب أن يكون خالق كل شيء . وذلك ينفي أن يكون في العالم شيء قديم لا يتعلق به خلقه ، لأن كمال قدرته وعزته يبطل ذلك .
ثم قال : ( غافر الذنب وقابل التوب ) والذنب مخالفة شرعه وأمره ، فتضمن هذان الإسمان إثبات شرعه وإحسانه وفضله .
ثم قال : ( شديد العقاب ) وهذا جزاؤه للمذنبين ، وذو الطول جزاؤه للمحسنين فتضمنت الثواب والعقاب ،
ثم قال : " لا إله إلا هو إليه المصير " فتضمن ذلك التوحيد والمعاد .
فتضمنت الآيتان إثبات صفة العلو والكلام والقدرة والعلم والقدر وحدوث العالم والثواب والعقاب والتوحيد والمعاد . وتنزيل الكتاب منه على لسان رسوله يتضمن الرسالة والنبوة .
فهذه عشرة قواعد الإسلام والإيمان تجلي على سمعك في هذه الآية العظيمة ، [ ولكن خود تزف إلى ضرير مقعد ]
فهل خطر ببالك قط أن هذه الآية تتضمن هذه العلوم والمعارف مع كثرة قراءتك لها ، وسماعك إياها ؟!!. وهكذا سائر آيات القرآن ، فما أشدها من حسرة وأعظمها من غبنة على من أفنى أوقاته في طلب العلم ، ثم يخرج من الدنيا ، وما فهم حقائق القرآن ، ولا باشر قلبه أسراره ومعانيه . فالله المستعان .)

تنبيه : قوله بين المعكوفين :[ ولكن خود تزف إلى ضرير مقعد ] يعني نساء جميلات غاية الجمال تزف إلى رجل ضرير مقعد ، فهذه الدرر إذا زفت إلى جاهل لا يعرف قدرها بمنزلة من زف خوداً وهي المرأة البيضاء الناعمة إلى ضرير مقعد أو زف أجمل النساء التي هي كالشمس الى عنين عاجز.
 
قال الله تعالى : {مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاواتِ وَالاٌّرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً } .

قال الشنقيطي في أضواء البيان بعد تفسيره لهذه الآية :
(وفي هذه الآية الكريمة التنبيه على أن الضالين المضلين لا تنبغي الاستعانة بهم، والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب.
والمعنى المذكور أشير له في مواضع أخر؛ كقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ} والظهير: المعين. والمضلون: الذين يضلون أتباعهم عن طريق الحق. )
 
استنباط من قوله : (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )
ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم : الفوائد فصلاً عظيم النفع بين فيه أن ترك الأمر أخطر وأعظم قبحاً من ارتكاب النهي من وجوه كثيرة .
وقد قرر هذا من وجوه كثيرة ، ومن الوجوه التي ذكرها : (( الوجه الثاني والعشرون ) أن فعل المأمور يقتضي ترك المنهي عنه إذا فعل على وجهه من الإخلاص والمتابعة والنصح لله فيه ، قال تعالى : " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " ومجرد ترك المنهي لا يقتضي فعل المأمور ولا يستلزمه .)

ثم رأيت الزركشي قد ذكر فائدة في كتاب البحر المحيط تؤكد ما قرره ابن القيم ، واستدل بالآية ، ولكن بطريقة أخرى فقال : ( قيل : ترك الواجب في الشريعة بل وفي العقل أعظم من فعل الحرام لوجوه . الأول : أن أداء الواجب مقصود لنفسه , وترك المحرم مقصود لغيره , ولهذا قال تعالى { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر } فبين أن ما في الصلاة من ذكر الله أكبر مما فيها من النهي عن الفحشاء . ....) .

وبذلك تكون الآية قد دلت على هذه المسألة من جهتين :
الأولى : ذكرها ابن القيم ، وهي ظاهرة .
الثانية : ذكرها الزركشي . وهي من لطيف استنباطاته رحمه الله .

ومما يستدل به أيضاً لهذه المسألة قوله U : (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160)
قال ابن القيم رحمه الله في بيان ذلك : (( الوجه الخامس عشر ) : أن الله سبحانه جعل جزاء المأمورات عشرة أمثال فعلها وجزاء المنهيات مثل واحد . وهذا يدل على أن فعل ما أمر به أحب إليه من ترك ما نهى عنه . ولو كان الأمر بالعكس لكانت السيئة بعشرة . والحسنة بواحدة أو تساويا .) .
ومن دلائل هذه المسألة أيضاً من القرآن ما جاء في قصة آدم وإبليس ، قال سهل بن عبد الله : ترك الأمر عند الله أعظم من ارتكاب النهي ، لأن آدم نهي عن أكل الشجرة فأكل منها فتاب عليه ، وإبليس أمر أن يسجد لآدم فلم يسجد فلم يتب عليه .اهـ وهو أول الوجوه التي ذكرها ابن القيم في كلامه عن هذه المسألة .
 
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي 8/ ...: (وفي قوله‏:‏ ‏{‏فَمِنْ نَفْسِكَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏79‏]‏ من الفوائد‏:‏ ان العبد لا يطمئن الى نفسه، فان الشر لا يجيء الا منها، ولا يشتغل بملام الناس وذمهم، ولكن يرجع الى الذنوب فيتوب منها، ويستعيذ بالله من شر نفسه وسيئات عمله، ويسال الله ان يعينه على طاعته، فبذلك يحصل له الخير ويدفع عنه الشر؛ ولهذا كان انفع/ الدعاء واعظمه واحكمه دعاء الفاتحة‏:‏ ‏{‏اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ‏.‏ صِرَاطَ الَّذِينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏6، 7‏]‏‏.‏
فانه اذا هداه هذا الصراط، اعانه على طاعته وترك معصيته فلم يصبه شر لا في الدنيا ولا في الاخرة، والذنوب من لوازم النفس، وهو محتاج الى الهدى كل لحظة، وهو الى الهدى احوج منه الى الاكل والشرب، ويدخل في ذلك من انواع الحاجات ما لا يمكن احصاؤه؛ ولهذا امر به في كل صلاة لفرط الحاجة اليه، وانما يعرف بعض قدره من اعتبر احوال نفسه ونفوس الانس والجن المامورين بهذا الدعاء، وراى ما فيها من الجهل والظلم الذي يقتضى شقاءها في الدنيا، والاخرة، فيعلم ان الله تعالى بفضله ورحمته جعل هذا الدعاء من اعظم الاسباب المقتضية للخير المانعة من الشر‏.‏ )
 
فوائد لطيفة لابن العربي المالكي

فوائد لطيفة لابن العربي المالكي

( ومن فوائد ابن العربي رحمه الله تعالى أنه قال: كنت بمجلس الوزير العادل أبي منصور ابن جهير على رتبة بيناها في كتاب الرحلة، للترغيب في الملة فقرأ القارئ تحيتهم يوم يلقونه سلام [الأحزاب: 44] وكنت في الصف الثاني من الحلقة بظهر أبي الوفاء علي بن عقيل إمام الحنبلية بمدينة السلام، وكان معتزلي الأصول، فلما سمعت الآية قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري: هذه الآية دليل على رؤية الله في الآخرة: فإن العرب لا تقول: لقيت فلانا إلا إذا رأته، فصرف وجهه أبو الوفاء مسرعاً إلينا، وقال ينتصر لمذهب الاعتزال في أن الله تعالى لا يرى في الآخرة: فقد قال الله تعالى: فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه [التوبة: 77] وعندك أن المنافقين لا يرون الله تعالى في الآخرة، وقد شرحنا وجه الآية في المشكلين، وتقدير الآية: فأعقبهم هو نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه، فيحتمل ضمير يلقونه أن يعود إلى ضمير الفاعل في (أعقبهم) المقدر بقولنا هو، ويحتمل أن يعود إلى النفاق مجازاً على تقدير الجزاء، انتهى.

ومنها ما نقله عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا يقل أحدكم انصرفنا من الصلاة فإن قوماً قيل فيهم ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم [التوبة: 127] وقد أنبأنا محمد بن عبد الملك القيسي الواعظ، أنبأنا أبو الفضل الجوهري سماعاً منه: كنا في جنازة فقال المنذر بها: انصرفوا رحمكم الله تعالى، فقال: لا يقل أحدكم انصرفوا فإن الله تعالى قال في قوم ذمهم: ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم [التوبة: 127] ولكن قولوا: انقلبوا رحمكم الله، فإن الله تعالى قال في قوم مدحهم: فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء [آل عمران: 174] انتهى.

ومنها، وقد ذكر الخلاف في شاهد يوسف، ما صورته: فإذا قلنا إنه القميص، فكان يصح من جهة اللغة أن يخبر عن حاله بتقدم مقاله، فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال في بعض الأمور، وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات بما تخبر عنه بما عليها من الصفات، ومن أحلاه قول بعضهم: قال الحائط للوتد: لم تشقني؟ قال: سل من يدقني، ما يتركني ورائي، هذا الذي ورائي، لكن قوله تعالى بعد ذلك: من أهلها [يوسف: 26] في صفة الشاهد يبطل أن يكون القميص، وأما من قال إنه ابن عمها أو رجل من أصحاب العزيز فإنه يحتمل، لكن قوله: من أهلها [يوسف: 26] يعطي اختصاصها من جهة القرابة، انتهى.

ومنها قوله: إنه كان بمدينة السلام إمام من الصوفية وأي إمام، يعرف بابن عطاء، فتكلم يوماً على يوسف وأخباره، حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه، فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال: يا شيخ، يا سيدنا، فإذن يوسف هم وما تم، فقال: نعم، لأن العناية من ثم، فانظروا إلى حلاوة العالم والمتعلم وفطنة العامي في سؤاله، والعالم في اختصاره واستيفائه، ولذا قال علماؤنا الصوفية: إن فائدة قوله تعالى: ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما [يوسف: 22] إن الله تعالى أعطاه العلم والحكمة أيام غلبة الشهوة لتكون له سبباً للعصمة. انتهى. )

منقول من

هنا
 
وما دمت ـ أبا مجاهد ـ ذكرت ابن عقيل في مداخلتك الأخيرة ، فهذا رابط للطيفة من لطائف ابن عقيل في الاستنباط ، لعلها تخفف وطأ هذه القصة على نفوسنا ، فوالله ما نحب لابن عقيل هذا المسلك في تحريف الصفات ، عفا الله عن الجميع :
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?threadid=1254
 
{ لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } (المائدة:63)

قال ابن جرير في تفسيره لهذه الآية : ( وكان العلماء يقولون: ما في القرآن آية أشدّ توبيخا للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها.

حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الله بن داود، قال: ثنا سلمة بن نُبَيط، عن الضحاك بن مزاحم في قوله: لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ والأحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ قال: ما في القرآن آية أخوف عندي منها أنّا لا ننهى.

حدثنا أبو كريب، قال: ثنا ابو عطية، قال: ثنا قيس، عن العلاء بن المسيب، عن خالد بن دينار، عن ابن عباس، قال: ما في القرآن آية أشدّ توبيخا من هذه الآية ...)
 

قال العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى : ( وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ ) أي : إذا أعطوا الناس حقهم ، الذي للناس عليهم بكيل أو وزن ، ( يُخْسِرُونَ ‏‏) أي : ينقصونهم ذلك، إما بمكيال وميزان ناقصين، أو بعدم ملء المكيال والميزان، أو نحو ذلك. فهذا ‏سرقة لأموال الناس ، وعدم إنصاف لهم منهم.‏
وإذا كان هذا الوعيد على الذين يبخسون الناس بالمكيال والميزان، فالذي يأخذ أموالهم قهرًا أو ‏سرقة ، أولى بهذا الوعيد من المطففين.‏
ودلت الآية الكريمة على أن الإنسان كما يأخذ من الناس الذي له، يجب عليه أن يعطيهم كل ما لهم ‏من الأموال والمعاملات، بل يدخل في عموم هذا الحجج والمقالات، فإنه كما أن المتناظرين قد ‏جرت العادة أن كل واحد منهما يحرص على ماله من الحجج، فيجب عليه أيضًا أن يبين ما لخصمه ‏من الحجج التي لا يعلمها ، وأن ينظر في أدلة خصمه كما ينظر في أدلته هو، وفي هذا الموضع ‏يعرف إنصاف الإنسان من تعصبه واعتسافه، وتواضعه من كبره، وعقله من سفهه، نسأل الله التوفيق ‏لكل خير.‏
 
دلالة القرآن على عدم جواز المناكحة بين بني آدم والجن

دلالة القرآن على عدم جواز المناكحة بين بني آدم والجن

بسم الله الرحمن الرحيم
أورد الشنقيطي في تفسيره لقول الله تعالى : ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ...)(النحل: من الآية72) مسألة ، فقال :
( مسألة
اختلف العلماء في جواز المناكحة بين بني آدم والجن. فمنعها جماعة من أهل العلم، وأباحها بعضهم ....) وذكر بعض أقوال العلماء في ذلك ، ثم قال : ( قال مقيده عفا الله عنه: لا أعلم في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم نصاً يدل على جواز مناكحة الإنس الجن، بل الذي يستروح من ظواهر الآيات عدم جوازه. فقوله في هذه الآية الكريمة: ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ). ممتناً على بني آدم بأن أزواجهم من نوعهم وجنسهم ـ يفهم منه أنه ما جعل لهم أزواجاً تباينهم كمباينة الإنس للجن، وهو ظاهر. ويؤيده قوله تعالى: ( وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً لِّتَسْكُنُوۤاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) ؛ فقوله : ( أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً ) في معرض الامتنان ـ يدل على أنه ما خلق لهم أزواجاً من غير أنفسهم. ويؤيد ذلك ما تقرر في الأصول من «أن النكرة في سياق الامتنان تعم» فقوله: ( جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) جمع منكر في سياق الامتنان فهو يعم، وإذا عم دل ذلك على حصر الأزواج المخلوقة لنا فيما هو من أنفسنا، أي من نوعنا وشكلنا...

ويستأنس لهذا بقوله: ( وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَٰجِكُمْ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ) فإنه يدل في الجملة على أن تركهم ما خلق الله لهم من أزواجهم، وتعديه إلى غيره يستوجب الملام، وإن كان أصل التوبيخ والتقريع على فاحشة اللواط. لأن أول الكلام ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَـٰلَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِّنْ أَزْوَٰجِكُمْ ) فإنه وبخهم على أمرين: أحدهما ـ إتيان الذكور. والثاني ـ ترك ما خلق لهم ربهم من أزواجهم.
وقد دلت الآيات المتقدمة على أن ما خلق لهم من أزواجهم، هو الكائن من أنفسهم. أي من نوعهم وشكلهم. كقوله: ( وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ) ، وقوله : ( وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجاً ) ، فيفيد أنه لم يجعل لهم أزواجاً من غير أنفسهم. والعلم عند الله تعالى. )
 
[align=justify]قال الله تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾

قال القرطبي رحمه الله : مسألة: في الآية دليل على منع الاستهزاء بدين الله ودين المسلمين ومن يجب تعظيمه، وأن ذلك جهل وصاحبه مستحق للوعيد.
وليس المزاح من الاستهزاء بسبيل،
ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح والائمة بعده.
قال ابن خويز منداد: وقد بلغنا أن رجلا تقدم إلى عبيدالله بن الحسن وهو قاضي الكوفة فمازحه عبيد الله فقال: جبتك هذه من صوف نعجة أو صوف كبش ؟ فقال له: لا تجهل أيها القاضي ! فقال له عبيدالله: وأين وجدت المزاج جهلا ! فتلا عليه هذه الآية، فأعرض عنه عبيد الله، لانه رأه جاهلا لا يعرف المزح من الاستهزاء، وليس أحدهما من الآخر بسبيل.[/align]
 
[align=center]بسم الله الرحمن الرحيم ومن المعاني الدقيقة التي ذكرها البقاعي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: " وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ "
قال رحمه الله : "أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ " معنى دقيق في تبكيتهم وأمر جليل من تعنيفهم وذلك أنه ليس المراد من { أول } ظاهر معناه المتبادر إلى الذهن فإن العرب كثيراً ما تطلق الأول ولا تريد حقيقته بل المبالغة في السبق، كما قال مقيس بن صبابة وقد قتل شخصاً من الصحابة رضوان الله عليهم كان قتل أخاه خطأ ورجع إلى مكة مرتداً.
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي **** وكنت إلى الأوثان أول راجع
هذا في جانب الإثبات، فإذا نفيت ناهياً فقلت: لا تكن أول فاعل لكذا، فمعناه إنك إن فعلت ذلك لم تكن صفتك إلا كذلك، فهو خارج مخرج المبالغة في الذم بما هو صفة المنهي فلا مفهوم له، وعبر به تنبيهاً على أنهم لما تركوا اتباع هذا الكتاب كانوا لما عندهم من العلم بصحته في غاية اللجاجة فكان عملهم في كفرهم وإن تأخر عمل من يسابق شخصاً إلى شيء، أو يكون المعنى أنهم لم يمنعهم من الإيمان به جهل بالنظر ولا عدم إطلاع على ما أتى به أنبياؤهم من البشر بل مجرد الحسد للعرب أن يكون منهم نبي المستلزم لحسد هذا النبي بعينه، لأن الحكم على الأعم يستلزم الحكم على الأخص بما هو من أفراد الأعم. فصارت رتبة كفرهم قبل رتبة كفر العرب الجاهلين به أو الحاسدين له صلى الله عليه وسلم بخصوصه لا لعموم العرب، فكان أهل الكتاب أول كافر به لا يمكن أن يقع كفرهم إلا على هذا الوجه الذي هو أقبح الوجوه، فالمعنى لا تكفروا به، فإنه إن وقع منكم كفر به كان أول كفر، لأن رتبته أول رتب الكفر الواقع ممن سواكم فكنتم أول كافر فوقعتم في أقبح وجوه الكفر، ولذا أفرد ولم يقل: كافرين - والله أعلم." نظم الدرر(1/47)[/align]
 
بأن يسترسل إذا أرسل، وينـزجر إذا زجر، وإذا أمسك لم يأكل،
وهذه صفات - في الغالب- تكون في العاقل ؛ فلعله لذلك استُعمل في الآية الكريمة ضميرُ العاقل ((تعلّمونهنّ)) بدل تعلّمونها .
 
((كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه))
((منكر)) : نكرة في سياق النفي فأفادت الإطلاق .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير
أقترح ان يكون الاستنباط من الايات مرتب حسب ترتيب السور في المصحف
واقترح ان يكون المنهج في ذكر الفوائد والاستنباطات كمنهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتابه التوحيد
يذكر النص اولا ثم يذكر كل ما فيه من الاستنباطات على شكل نقاط.
بارك الله فيكم
 
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله تعالى خيرا...أخي المستشار(أبو مجاهد) وجزى سبحانه جميع المشاركين...
وأقترح على الأخ الكريم(أبو مجاهد) بأستخراج مختصر للمشاركات السابقة(45)مشاركة
وأن يتصف ذلك المختصر بما يلي-
1-ذكر المصادر المتخصصة بموضوع الإستنباط التي ورد ذكرها في المشاركات وان
تكون متسلسلة حسب أهميتها بمعنى الأهم ثم المهم.
2-الإستدراك قدر الإمكان على المشاركات مثلا ماكتبه الأخ المستشار الدكتور مساعد
الطيار جزاه الله تعالى خيرا(7 ـ قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ] الجمعة : 9 [ ، قال السيوطي : » أبح الانتشار عقب الصلاة ، فيستفاد منه تقديم الخطبة عليها « . ( 3 : 1251 ) .) وأظن والله تعالى أعلم أن المقصود الآية التي بعدها وهي(فإذا قضيت
الصلاة فانتشروا فى الأرض...الآية).
3-تدوين الأهم من( أسس وقواعد الإستنباط) بكلمات قليلة دالة على المقصود مع مثال أو أكثر لكل قاعدة.
4- وفي الختام توجيه النصح والإرشاد للمبتدئين في دراسة هذا العلم المتميز(الإستنباط).
وأدعو الله تعالى أن يبارك في عمل هذا المنتدى ويجزي بالخير المشرفين والمشاركين..إنه سميع الدعاء.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين وعلى آله الطاهرين
ورضي الله تعالى عن صحابته الكرام.
قال الله تعالى(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( 82 ) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ( 83 ) ) (قال الزجاج-التدبر النظر في عاقبة الشيء،وقال ابن عباس-أفلا يتدبرون القرآن ،فيتفكرون فيه،فيرون تصديق بعضه لبعض
وأن أحدا من الخلائق لا يقدر عليه.(لوجدوا فيه اختلافا كثيرا)فيه ثلاثة أقوال الاول-انه التناقض قاله ابن عباس وغيره،والثاني-الكذب قاله
مقاتل والزجاج. والثالث-أنه اختلاف تفاوت من بليغ الكلام وغير بليغه وليس في القرآن الا بليغ ذكره الماوردي)زاد المسير-بتصرف.
اما الآية(واذا جاءهم....)(في سبب نزولها قولان الاول-أن النبي اللهم صلي عليه وآله لما أعتزل نساءه دخل عمر(رض) المسجد،فسمع
الناس يقولون-طلق رسول الله(ص) نساءه،فدخل على النبي(ص) فسأله-أطلقت نساءك؟قال-لا،فخرج فنادى-ألا ان رسول الله لم يطلق
نساءه...فنزلت هذه الآية فكان هو الذي أستنبط الأمر انفرد بإخراجه مسلم من حديث ابن عباس(رض) عن عمر.
والسبب الثاني-أن رسول الله اللهم صلي عليه وآله كان اذا بعث سرية من السرايا فغلبت او غٌلٍبت تحدثوا بذلك وأفشوه ولم يصبروا حتى
يكون النبي(ص) هو المتحدث به....فنزلت هذه لآية رواه ابو صالح عن ابن عباس)زاد المسير.
ونكمل لاحقا بإذن الله تعالى.

 
قول الشيخ الشهري : ""ذكر الخروج في طلب العلم بلفظ (النفر) ""
مبني على أن التفقه هو للطائفة النافرة ، ولعل الصواب خلافه ، وهو أن النفرة للجهاد ليوافق أسلوب القرآن في التعبير بالنفير عن الجهاد ، والتفقه إنما هو للقاعدين . أرى هذا هو الصواب والله أعلم
 
( ومن فوائد ابن العربي رحمه الله تعالى أنه قال: كنت بمجلس الوزير العادل أبي منصور ابن جهير على رتبة بيناها في كتاب الرحلة، للترغيب في الملة فقرأ القارئ تحيتهم يوم يلقونه سلام [الأحزاب: 44] وكنت في الصف الثاني من الحلقة بظهر أبي الوفاء علي بن عقيل إمام الحنبلية بمدينة السلام، وكان معتزلي الأصول، فلما سمعت الآية قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري: هذه الآية دليل على رؤية الله في الآخرة: فإن العرب لا تقول: لقيت فلانا إلا إذا رأته، فصرف وجهه أبو الوفاء مسرعاً إلينا، وقال ينتصر لمذهب الاعتزال في أن الله تعالى لا يرى في الآخرة: فقد قال الله تعالى: فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه [التوبة: 77] وعندك أن المنافقين لا يرون الله تعالى في الآخرة، وقد شرحنا وجه الآية في المشكلين، وتقدير الآية: فأعقبهم هو نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه، فيحتمل ضمير يلقونه أن يعود إلى ضمير الفاعل في (أعقبهم) المقدر بقولنا هو، ويحتمل أن يعود إلى النفاق مجازاً على تقدير الجزاء، انتهى.

قلت :حجة ابن عقيل قوية ، وتوجيه ابن العربي متكلف !!
 
ا
ويمكن القول إن ضوابط الاستنباط الصحيح :
1 ـ أن يكون المعنى المستنَبطِ صحيحًا في ذاته ، فلا يخالف أمرًا مقررًا في الشريعة ؛ لأنه سيعتبر مردودًا .
2 ـ أن تكون الدلالة عليه صحيحة معتبرة ،
،،،،
قلت لعل في الشرط الثاني ما يغني عن الأول ، فإن ما دل عليه القرآن دلالة صحيحة صحيح شرعا لا محالة ، وأي دليل أعظم من دلالة القرآن . ومن احترام القرآن ألا يقدم عليه غيره
 
عودة
أعلى