ذكريات شهر في بروكسيل

إنضم
28/03/2011
المشاركات
618
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
لقد منَّ الله علي يقضاء شهر في بروكسبل، ولقد شتاهدت من المشاهدات والعجائب الكثير أنا مقتصٌّ من ذلك طرفا غير مضنون به على مرتادي هذا الملتقى العلمي المبارك بعد حين فانتظروتا,,,,
 
ننتظر عرض خبرتكم ومشاهداتكم سيدي محمد
 
لقد منَّ الله علي بقضاء شهر في بروكسيل، ولقد شاهدت من المشاهدات والعجائب الكثير أنا مقتصٌّ من ذلك طرفا غير مضنون به على مرتادي هذا الملتقى العلمي المبارك بعد حين فانتظرونا,,,,
 
كان الذي ينْهزني إلى الذهاب إلى أوربا ويحثني عليه، محبة الاطلاع على ما وصلت إليه الحضارة الغربية المعاصرة من تقدم مادي ورقي تقني....كما كان الذي يزين إليَّ السفر إلى ذلك العالَم الآخر الكوْنُ في فضاء قد حكمهُ النظامُ...وساد فيه العدلُ...وسِيسَ أهلُه لا بالدين والأخلاق...بل بالقانون والعصا....وكان من دواعي إقبالي على التجوال في أوربا أيضا النظر في أسباب تقدم أولئك القوم..وتأخر غيرهم من أمم الأرض الذين من حواليهم...
يتبع
 
لم يكن قصدي من السفر إلى أوربا تأثُّل مالٍ، ولا السعي في ذلك، ولم يكن السفر من أجل دنيا أصيبها ولاعيش رغد أحصِّله، بل كان الذي يحدو بي إلى ذلك، جِبلَّةٌ محِبَّةٌ للتجوال فُطرتُ عليها، وطبعٌ شغوفٌ بالاستكشاف جُبلتُ عليه ولله الحمد والمنة....فلما وطئتْ قدمي بلجيكا كان الذي يشغلني حبّ معرفة أرضها وسمائها....وشعْبها وأجناس ناسها....وتاريخها وحضارتها.....وأسباب تقدمها ونهضتها....
 
الطائرة المغربية المتوجهة من الدار البيضاء إلى بروكسيل تشق أجواز السماء...تفارق الشواطئ الشمالية الساحرة للمغرب...حيث أودعتُها هناك في قرية تارغة على مقربة من وادي لاو - أحبةً ما فارقتهم إلا بدمعة العين، ولوعة فؤاد وامق ...وأملٍ في أن أعود بعد عيدِ فِطرٍ سعيد...جاوزتِ الطائرةُ البوغاز وعبرتْ منه إلى إسبانيا حيث محبوبتي الأندلس التي زرتها قبل سنين....تملَّكني شعور غامض..فالطائرة سائرة شمالا إلى وجهتها..تقطع أرضا طرقها الإسلامُ...ورُفع فيها صوت الأذان....وذُكر فيها اسمُ الله...وشيِّدت فيها حضارة إنسانية يانعة....وهي في لحظات يسيرات ستكون محلقةً فوق جبال البرينه حيث انكسر جند الله...وأُديل منهم...وكان ما كان مما لستُ أذكره...حيث وقف التاريخُ....وقدَّر اللهُ وما شاء كان...أرسلتُ نفَسا عميقا وأنا أنظر من خلال نافذة الطائرة إلى السماء وهي ملبدة بالغيوم...تحكي قصةَ أكرْم جيشٍ حمل رسالة....وأدى أمانة....ووفى بما عاهد عليه الله....
 
مضى على الطائرة قريبا من ثلاث ساعات وهي تصَّعد نحو شمال أوربا متجهة إلى مطار بروكسيل الذي وصلنا إليه في أول الظهيرة...في يوم معتدل الحرارة...ناضرةٌ خضرةٌ حدائقُه....ظاهرٌ بِشْرُ المرحِّبين بنا فيه... حيثُ سارت بنا سيارة المستقبلين من المطار في شوارع بروكسيل تشق طريقها حيث المستقر...
 
كان يوم الوصول إلى بروكسيل هو اليوم الأخير من شعبان...فأصبحنا صائمين من الغد في أول جمعة من شهر الله رمضان....وكان يومُ الصائم طويلا...حيث الفصلُ فصل صيفٍ...وتوقيت بلجيكا يزيد عن التوقيت المعمول به بساعتين...ومع اشتداد حماَّرة القيْظ في الأيام الأولى من رمضان مع الغُربة بمفارقة الأوطان، وشطِّ الدار، وغيبة الأحباب تضاعف الجهدُ...وعظُم الكرب...وأحسستُ بالحنين إلى أهلي مع أنه لم يمض على فراقهم كثيرُ وقتٍ...وتمنيتُ في قرارة نفسي أنْ لوْ طُويتِ الأيامُ طياًّ...ولُفَّتِ الليالي لفاًّ... ولم أنْشبْ بعدُ أن أذهبَ الله وحشتي...وآنس وحدتي...بما هيأ من وقائع ومجريات سأقصها قصا...وأزبرها زبرا...
 
كان أول ما لفت نظري هذا الاختلاف الشديد بين المسلمين في توقيت الإمساك من آخر الليل...وانتشار تقاويم مختلفة المصادر في أيدي كثير من الناس....وظهور الشقاق والتنابذ بين المغتربين في بلاد المهجر....وساءني والله ذلك وأحزنني...وحدا بي إلى أن أتساءل هل توجد فيه أسباب، وهل له معالجة فقهية معاصرة ممن يوثق بعلمه ووجاهة استخراجه واستنباطه....ولبثت في حيرة وتفكر وبحث عن الوجه في كل ذلك ليومين أو ثلاثة من أول الشهر...أُمسكُ حيث أُمرنا بالإمساك...وأتسحَّرُ على وِفق التقويم المعمول به عند منْ ضيَّفنا....حتى كشف لي البحثُ عن الصواب الذي اطمأنت إليه النفس...وأسفر الصبحُ بنور اليقين المؤيَّد بثَلَج العلم المبين...إذ تبين أن الإمساكية الصادرة عن المركز الإسلامي ببروكسيل هي الراجحة...لاعتمادها على فتوى مجمعية صادرة عن المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي...فانقطع دون ذلك كل قول وفهم والحمد لله رب العالمين...
 
لما وضح وجه الحق في التوقيت الصحيح في الإمساك فجرا أخذت به وألزمتُ به نفسي...وبينتُ وجاهته لبعض مَنْ كان في رفقتي من الأقران...فمنهم من قبِل الحق وأذعن إليه، ومنهم من صد عنه...ولكلٍّ وجهةٌ هو موليها...فأما أنا فدرَجْتُ على الإفتاء به وبيان صوابه لمن سألني من الناس عنه...وكنت أقول لبعض من ناقشني في ذلك من العوامِّ...لا يمكن أن يفتي في هذه المسألة إلا مجمع فقهي...فيه العلماء الشرعيون والخبراء الفلكيون...فإذا قال هؤلاء كلمتَهم صار قولُ مَنْ سواهم شذوذا وخرقا للإجماع....وصار كلُّ من تكلم في اجتهادهم عاميا غليظ الطبع...لا يؤبه له خالف أو وافق...
 
لم تكن مسألة إمساكية الصيام في بروكسيل بالأمر الهين...بل كان خطبُها جللا ...مفرِّقا للجماعة...مذهبا للبِّ...محزنا للقلب...فلقد حضرتُ صلاة الجمعة الأولى من رمضان..انبرى فيها الخطيب قائلا في وقت الإمساك حسب تقويم المسجد الذي قام فيه خطيبا - وهو مخالفٌ لفتوى المجمع والمركز-...فوالله ما إن انتهى من كلامه حتى قام له رجلٌ - كان حذائي مصليا- ما رأيتُ رجلا في بروكسيل أجهرَ منه صوتا...ولا أشدَّ في مذهبه دفاعا منه...قال الرجل وهو يصيح في غضب:" أتريدون أن ينالكم عذابٌ من الله وخزي عظيم...أتريدون أن تبوؤوا بإثم من أفطر رمضان وهو مصرُّ على المعصية..."..فماج الناس في هرج ...وكلٌّ يقول في المسألة برأيه واختياره...
 
لقد كنت متشوفا لأول يوم وطئت فيه قدمي بروكسيل لزيارة معالمها وآثارها وساحاتها وأماكن انشداد الناس إليها...وكنت مشوقا إلى أول فرصة تتاح لي لكي أمتع الطرف بما يتيسر من كل ذلك...فتدبرت الأمر مع بعض معارفي الذين استوطنوا بروكسيل قديما...فكانت الجولة الأولى في ثالث رمضان...في معْلم مهمٍّ من معالم بروكسيل وهو ذاك الذي يقال له الأتوميوم...
 
والأتوميوم من أهم معالم بروكسيل السياحية...وهو عبارة عن بناء غريب الشكل...ما شبهته إلا بالعقرب ذات الأرجل المتعددة...وهو مصنوع من الفولاذ والإسمنت مع الألومنيوم...وهو يرتفع عن الأرض بحوالي 100 متر..ويتألف من تسع كرات يشد بعضها إلى بعض جملة من الأنابيب...بالأنبوب الرئيسي منها مصعد لنقل الناس إلى الأعلى...
 
كان الأتوميوم عجيبةَ بروكسيل التاريخية، ونادرتَها السياحية، ومعلمَها الثقافي والحضاري...يؤمه الناس من كل حدب وصوب...ويتحدث عنه أبناء البلد بفخر واعتزاز، وأبهة وإكبار...وفي الحق فلقد وقعت العناية به فكسي محيطه بالحدائق الغناء، والرياض الفيحاء...والساحات الخضراء التي راقني بهاؤُها...وأعجبني جمالها...وأطربني منظرها...إذ خيل إليَّ كأني في جِنان الأندلس أتجوَّل، أو في رياض سويسرا أطَّوفُ...وفي غوطة الشام أرنو وأتحوَّلُ...وجرى هناك الماءُ الرقراق في عينٍ فُجِّرت...فانْسابَ في بِرْكة قد دُوِّرتْ....واختالَ بين أشجارٍ فارهةِ الطُّول قد صُفَّت وزُخرفت....وقفتُ متعجبا عند هذا الجمال قائلا: سبحان منْ علَّم الإنسان أن يخترع هذا الجلال!!!
 
لم يكن الأتوميوم كما قد قيل لي في بروكسيل إشارة ترمز لدول الاتحاد الأوربي...بل كان سبب منشئه كما قرأتُ لوحدي بعدُ لمناسبة معرض بروكسيل الذي انعقد في أواخر الخمسينيات....واستُغل بعد ذلك في المناسبات الثقافية الدولية والمحلية...ولقد زرته مرارا وكرارا...وكلما جئته ألفيتُ أبوابه بالناس عامرة...وجنبات فنائه بالزائرين السائحين طافحة...ومن شدة إعحاب أهل البلد به، جعلوه رمزا على بروكسيل، إذ صنعوا منه أشكالا مختلفة الأحجام...متابينة الأجرام...عرضت للبيع في البازارات ومحلات بيع التحف المحلية في مركز المدينة...
 
كانت الحدائق الغناء المحيطة بالأتوميوم إحاطة السِّوار بمعصم ذات الصَّون والعفاف...مرتعا للزائرين على اختلاف أجناسهم وفئاتهم..إذ المكان واسع...والجو عليل..والمنظر رائق جميل...يبعث على إنشاد الأشعار...والمقاولة والمطارحة..وتزجية الوقت بالأراجيز والمقطَّعات...وأذكرُ أني جلستُ هناك متأملا فيما حوالي من أشجار طويلة الطول قد صُفَّت...وخُضرة قد مُدتْ...وسِحْر وجمالٍ به السماء قد ازينت..وروعة وبهاء به الأرض قد لُفَّتْ...فأذكرني ذلك بالصانع الحكيم، وبالسميع العليم...وكنتُ في يوم رمضاني شديدٍ حرُّه...صافيةٍ سماؤُه...بارزةٍ شمسُه...فبعثني ذلك على تلاوة آيات كريمات من سورة البقرة بقرءاة إمام الحرم المكي أحد البدور السبعة...فانسابت الآيات مزهوةً بروعة المكان..تذكِّرني بجلالة القائل سبحانه سبحانه...
 
كان الأتوميوم يمنح بروكسيل سحرا وجمالا...ويضفي عليها مسحة من عجائب الدنيا المعروفة...وتراه في ليل المدينة الهادئة الوديعة مضيئة أنوارُه...زاهية أضواؤه...يُرى من بعيد كالحارس للمدينة..يرنو إليها في حنوٍّ وحدب...ولسان حاله يقول لها:"حُقَّ لكِ الزَّهو على مدن كثيرة في العالم ليس فيها ضريبي...ولا يوجد فيها شكلي ومثيلي"...وقفتُ عليه وقد اقتربت منه كثيرا -في إحدى زَوْراتي ودار في خلدي أنه يوجد عندنا في ديار الإسلام نظائر له جميلة...وأمثال له رائعة...بيْد أن الذي لدينا له تاريخ ضارب في القدم...فهو تراث عالمي وإرث ثقافي إنساني..
 
زينتِ الحدائقُ الغنَّاء مساحات كبيرة من الأراضي المحيطة بالأتوميوم...وتوسط ذلك كله نافورة قد أرسلت في الهواء مياهُها...وتفنن الصانع المجيد في توجيه أنابيب الماء إلى السماء...فكان من ذلك منظر بهي...وجمال آسرٌ...ومخبر حسن مُعجِب...مع هدوء يلفُّ المكان...وسكينة تحفُّ المجال... حيث يحلو التفكر في ملكوت الله...إذ يصفو القلب ويسمو الجنان...
 
تُعرف بروكسيل بكثرة مساجدها..وتعدد منائرها...إذ مامن حي من أحيائها إلا وفيه بيت من بيوت الله، وهي تختلف بناءً وهندسة، وتتفاوت حجما ومساحة، وتنظيما وتسييرا...ولقد زرت منها الكثير الطيب حيث كانت فيها دروسي، وعظتي وإرشادي...وكان الذي شدني منها مسجدان...أحدهما يقال له مسجد الأمل، وهو من تشييد المغاربة ...ومنارته تدل على ذلك..فهي مغربية صليبةً...ذات شكل مربع قد سُلك في رفع بنائها مسلك الحيلة حتى لا تتبدى منارة مكتملة المعالم كمنائر فاس وتطوان والرباط...لأن البلد ليس بلدا مسلما...فلِكَيْ لا تُثار الحفائظ وتُشعل الحرائق قد نُهج مثل هذا السبيل...
 
راقني مسجد الأمل كثيرا إذ بناؤه حديث ...قد شيد على طبقات بعضها فوق بعض... وارتفع منبره واقفا بزخرفة مغربية أصيلة..قد اتصل به محراب في غاية الجمال والجلال..وفي الطابق الأول أو الثاني من المسجد اصطفت قاعات الدراسة التي أعدت إعدادا محكما لتعليم أبناء الجالية المسلمة اللغة العربية ومبادئ الإسلام ..وتمنيتُ أن لو كنت مستقرا في إحدى غرف المسجد التي خصصت للضيوف من أهل العلم..إذ أعجبني بناؤها مع ما هي عليه من نظافة ظاهرة...وفرش حسن...ولقد لقيتُ في قدمة ٍعلى هذا المسجد إمام صلاة التراويح وهو من أهل بلدي...فأحسن مثواي وأزارني المسجدَ ومرافقه...وأسِفتُ أنْ لم يُقدر لي درس في هذا المسجد...
 
وأعجبتني عمارة مسجد عمر بن الخطاب وراقني بناؤه...إذ شُيد من قبل مغاربة بروكسيل على الطراز المغربي الأصيل...فالداخل إليه تروعه النقوش الأندلسية التي زُخرف بها المحراب وما حوله..وهو أيضا على طبقات بعضها فوق بعض...ولقد دُعيتُ لإلقاء درس فيه بُعيد عصر يوم رمضاني مبارك...فلم يُقدَّر ذلك...إذ ألفيتَ المشرفين على المسجد قد رتبوا أيضا درسا للأستاذ الدكتور عكرمة صبري فقدَّمت الشيخ الدكتور على نفسي ، فآثرته بكرسي الوعظ ومنبره...وجلست بين يديه مستفيدا...
 
والشيخ عكرمة صبري رجل غني عن التعريف...فهو مفتي القدس وخطيبها..وصاحب التآليف المعروفة والنشاطات الدعوية المذكورة...ولما لقيته في مسجد عمر بن الخطاب في بروكسيل كما قصصتُ آنفا ألفيته شيخا طاعنا في السن، منور الشيبة، يفيض بهاء ونورا...وقد لمحته داخلا إلى المسجد فوقف قريبا مني مصليا التحية...وكان وقت أذان العصر قد أزف، فلما انتهى الشيخ من صلاته نهض واقفا آخذا المصحف من رف هناك معلق...وأقبل عليه قارئا...مغتنما تلك اللحظات المباركات من شهر رمضان في تحصيل أجر التلاوة...وثواب القراءة..
 
من مساجد بروكسيل التي زرتها وألقيتُ فيها درسا بعد العصر، مسجد الخليل...وهو أشهر مسجد في العاصمة البلجيكية على الإطلاق..لكبر مساحته وضخامة مكانه..وموقعه المتميز في بروكسيل...بيْد أنه عبارة عن فضاء واسع لم يُبن بعدُ على طراز بناء دائم..ولذلك كما أخبرني بعضُ المشرفين عليه - وكان أطلعني على مطويةٍ خاصة بالمسجد أهداها إليَّ- يتهيأ القائمون عليه لتوسعة عظيمة الشأن...جليلة القدر تكون أكبر توسعة لأكبر مسجد في بروكسيل...تضم مصلى ومدرسة ومعهدا مع ما ينضاف إلى ذلك من مرافق حديثة توفر مساكن ومواقف للسيارات وغير ذلك مما يكون في خدمة المسجد..
 
ومن المساجد التي زرتها في بروكسيل ولم تتهيأ لي فيه صلاة ٌحاضرة مسجد المركز الإسلامي...وهو مشيد في موقع متميز في العاصمة البلجيكية...إذ تحفه بنايات الدولة الفخمة كمقر الاتحاد الأروبي والسوق الأروبية المشتركة والبرلمان الأروبي...ولقد جئت المسجدَ عقب صلاة الظهر في يوم أحد...آملا لقاء مدير المركز فلم أحْلَ بذلك...
 
لقد قيل لي - ولم أقرأ ذلك في كتاب أو مصدر- أن الملك بُدْوان عاهل بلجيكا أهدى أرض المسجد إلى الملك الراحل فيصل رحمه الله فبنى العاهل السعودي المسجد والمركز، فكانت حسنته المذخورة، وهديته المذكورة إلى أبناء الجالية العربية والإسلامية في بلجيكا...
 
كان المركز الإسلامي ممتدا على مساحة كافية لمبنى المسجد وما يتبعه من مرافق أخرى...ذا شكل غريب..بحيث يشبه الدائرة المكوَّرة...قد انتصبت في جانب منها منارةٌ متوسطة الطُّول تزهو في قلب أوروبا بالأذان الذي يصدح صوتُ المؤذن به....وحول المركز حدائق خضراء يانعة...وجنان ذات أشجار باسقة...ومساحات للهواء العليل جالبة...
 
دلفت إلى المركز الإسلامي من الباب الرئيسي، فتلقاني رجل عرفت بعدُ أنه من المغرب، فسلَّم ورحَّب، وبدا عليه البشر والسرور، وحسبت أنه حارس هناك...فقدمت له نفسي، ففهم أنني أرغب في التجوال في المركز، فأزارنيه...طبقة طبقة ومكانا مكانا...لقد زرنا مكاتب الإدارة وقاعات المحاضرة والدراسة...والمصليات الملحقة بالمسجد في وقت الازدحام والذروة..والمطعم والمكتبة...والمسجد حيث استوقفني جمال العمارة وبهاء البناء وروعة المنظر...وصليت في قاعة الصلاة ركعتين ودعوت هناك بما تيسر... واستوقفتني ورقة معلقة عند باب قاعة الصلاة فيها الإعلان عن برنامج محاضرات رمضان قد كتبت بالفرنسية... كما استوقفني مطعم المركز بما هيئ فيه من وجبات الإفطار المجاني التي تعرض فيها عشرات الوجبات كل يوم...وخرجت من المركز فرحا جذلان بما رأيتُ ونظرتُ والحمد لله..
 
ومن مساجد بروكسيل التي زرتها وألقيتُ فيها درسا في محفل عظيم بعد العصر مسجد المحسنين...وهو من تشييد المغاربة...
وأُراه كبيرا..وراقني فيه أمران...حسن استقبال الإمام الذي علمت بعدُ أنه من الأئمة المجودين لكتاب الله...وروعة مكتبته إذ دخلتها وأنا المحبُّ الكلِفُ بالكتب...لا آنس بغيرها ولا يلذ لي شيء بفقدانها - فطربتُ لما رأت عيناي من كتب وأعلاق نفيسة...قد رتبت حسب الفنون...وذللت سبل الاستفادة منها للطالبين ....ومن أغرب ما وقفتُ عليه فيها مصحف كبير الحجم أنوءُ أنا يقينا بحمله لكِبر حجمه وعِظم جِرْمه... أوراقه بيضاء ناصعة...وحركات حروفه بالخضرة.. قد فُتح على سورة الناس...فقرأتُ منه ما تيسر فعلمتُ أنه برواية قالون عن الإمام نافع القارئ المدني...
 
كانت بروكسيل مدينة فسيحة الأرجاء...ممهدة السبل والطرقات..ممتدة الأنفاق والممرات...لفتَ نظري فيها كثرة أنفاقها وطول شبكتها الأرضية...ولقد حُدِّثتُ أن بها نفقا قد مُهدتْ سبلُه تحت واد أو نهر...وكان يخرق المدينة واد قد جُلبت مياهه...وذُللت له الطرق...ونُصبت له القناطر...وحُدثت أن منها ما قد يُرفع في السماء لكي تمرَّ فيه سفينة كبيرة....والغريبُ العجيب أنه إذا أُريد حسرُ مياه الوادي.. انحسرت المياه ذات اليمين وذات الشمال...وفٌعل ذلك بأيسر عمل...وأقلِّ جهد!!!
 
لم يكن ببروكسيل ناطحات سحاب ولا أبراج فارهة الطول...وإنما هي بنايات متوسطة الامتداد في السماء...ولقد سألتُ لمَ لم ْ يكن ذلك ممكنا فقيل لي إن طبيعة الأرض لا تسمح بانتصاب الناطحات ولا برفع بناء العمارات...ولذلك كان ممكنا في المدينة امتداء أفق الرؤية بالعين المجردة واتساعها إذا رَقي إنسان مرتفعا أو نظر من علٍ...ولقد قدِّر لي أن أنظر إلى ذلك الامتداد من مرتفع فنظرتُ إلى انفساح المدينة وكبرها...
 
وخُصَّت بروكسيل بكثرة حدائقها واتساع المساحات الخضراء فيها وحواليها...ويقف الزائر للمدينة مشدوها متعجبا من وفرة الخضرة الناضرة حيثما ألقى بالبصر أو توجه بالنظر...حدائق متصلة...وجنان ممتدة...وأشجار باسقة في اتساق عجيب...وترتيب غريب...مع نظافة ظاهرة وجمال بادٍ...ولقد استوقفني من هاتيك الأشجار الضاربة في السماء، طولهُا المتَّسق الذي لا يكاد يخرج عن اتساقه قيد أنملة..ولا يحيد عن خطِّ الاعتدال شعرة...ولعمرُ الله فإنَّ ذلك ليدلُّ على عناية كافية وصيانة تامة...
 
وليس غريبا على بلد يمطر صيفا وشتاءً...وآناء الليل وأطراف النهار أن يكون وافرَ النبات...دائمَ الخضرة، متصلَ البهاء..وإنك لتعجبُ لحدائق مصفوفة وزرابي من الورود مبثوثة..قد صُنعت وهُيِّئت...وأُجري الماءُ بينها في بِركٍ قد زُيِّنت...ورُوعي في كلِّ ذلك جمال المنظر وحسن العرض..وسُخِّر الكلُّ لراحة الإنسان..ولعب الصبيان...وقضاء أجمل الأوقات...حتى إذا ألقى المسلم الطرف بين هاتيك الربى قال سبحان الله...سبحان الله..
 
من جِنان بروكسيل الخضراء الناضرة...حديقة لم أستطع تحديد مساحتها إذ قدَّرت أنها كبيرة جداًّ...تقع على أطراف المدينة في الطريق إلى المتحف الإفريقي الذي سأقص من نبإ زيارتي له بعد حين...قد غطت الخضرة أرضها...وصُفَّت الكراسي على ضفاف بِركة ماء مدوَّرة الشَّكل حولها...ووُضعت بعضُ المراكب في وسطها لمن أرادها وآنس من نفسه سَوْقها وركوبها...ولقد تجولت في هذه الحديقة ما شاء الله لي أن أتجول...وشدني في ناحية منها نُصُبٌ لمتصارعيْن من اليابان قد تربَّص كلُّ واحد منهما بصاحبه يريد أن ينقض عليه فينال شرفَ الفوز والظفر...
 
ومن حدائق بروكسيل القريبة من مثواي حديقة قد هيئت للعب الصبيان...وفيها سكة قطار الأطفال...وفيها بركة ماء وكراسي هنا وهناك متناثرة...جلست فيها يوم العيد وحيدا أنظر إلى الصبيان يلعبون...وبي ما الله به عليم من الشوق إلى أهلي وأولادي...وبينما أنا مستغرق في أفكاري التي حملتني بعيدا إلى وطني حيث تركت صبية لي صغيرة تتحرق إلي شوقا...جاءني غلام في مقتبل العمر...فسلم بالفرنسية وقال بلسان فصيح بها:" لو سمحت يا سيدي ..هل أستطيع أن أسألك" ...أجبت أنْ نعم، قال: هل وجدتَّ هنا وأشار إلى موضع جلوسي- هاتفا جوالا..قلت: لا...وهذا الذي تراه في يدي، هو جوالي"، قال: لقد علمت أن هذا الذي في يديك هو لك، أشكرك سيدي.."، ثم مضى الصبي لحاله وتركني...
لهذه الشذرة صلة
 
تولَّى عنِّي الغلامُ اليافعُ...وقد تركني مفكِّرا في سُلوكه الحضاري مع صِغر سنِّه وفتاء عُوده...قلت لنفسي: يا الله ما أشد التزام هؤلاء القوم بكريم الأخلاق...يُفهم هذا من حُسن تَهَدِّي الغلام إلى سؤالي...وهو ليس يعرفني وما رآني قبلُ قطُّ...وانظروا كيف عرفَ أني صادقٌ فيما أخبرتُه به...ولم يشك قط في صدقي و إخلاصي، ولو كان شكَّ لكان جلبَ - وهو قادرٌ على ذلك وزعيمٌ به- الشرطةَ ونادى على أبيه وكان على مرمى حجر منا لِيُشايعه فيما يراه حقا....تولى الغلام وقد ترك في نفسي عبرا ومعاني ...رأيته بعدُ وهو يلاعبه أبوه..وبين الفينة والأخرى ينحني الأبُ مقبِّلا رأس الغلام...ازدادت حينئذ لوعتي ...وحنَنْتُ إلى صبيتي الصغيرة في بلدي..مددتُ نفَسا طويلا...كان الغلام وأبوه قد تواريا عن ناظري...
 
خصت بروكسيل بكثرة كنائسها، وفخامة بنيانها، وعراقة عمارتها الأروبية التي اقتبست من العمارة الإنسانية...والكنائس وإن رفعت في السماء أجراسها فهي موصدة الأبواب...مهجورة الفناء...خاوية على عروشها...لا تكاد تفتح كما أخبرتُ إلا في المرة بعد المرة....ولقد وقفتُ على جملة منها بنفسي...لأرى عمارتها وأفهم كيف يتدين القوم ويمارسون طقوسهم...ومن هذه الكنائس الفخمة البناء...العريقة العمارة كنيسة في الطريق إلى الأتوميوم مررتُ بها مرارا راكبا...فقيل لي إنها مدفن الملوك عندهم..ومرقد الكبراء لديهم..والعجيب المعجِب في حال هذه الكنيسة - وذاك الذي بعثني على ذكرها هنا - أنها لقِدمها تغير لونها، وحال بياضُها إلى حلكة وظلمة...فقرر القومُ صيانتها...بإعادة بهائها إلى لونها...فأحالوا سوادها إلى بياض...وظُلمة ليلها إلى نهار...يظهر ذلك واضحا جليا لمن دقَّق النظر في أحد أجزائها التي عُمل فيها هذا...ثم ألقى البصر كرة أخرى في الجزء الذي لم يُتصرف فيه صيانة وعملا...فإنه لا جرم يقف على الفرق...
 
ومن الكنائس التي دخلتها في بروكسيل ولم أتحرج من دخولها...كنيسة تدعي بازيليك Basilique، ولقد كان دخولي إليها عقب صلاة يوم الجمعة في شهر الله رمضان...وكان الذي شدني إلى الإقدام على الدخول إلى هذه الكنيسة عمارتها الخارجية التي تشبه كثيرا العمارة الإسلامية...إذ زينت الكنيسة من الخارج بالقباب التي طُليت بالخضرة...وهذا غريب عجيب وكله مأخوذ بلا ريب من العمارة الإسلامية التي طرقت أروبا أيام إقبال دولة الإسلام على يد الأندلسيين والعثمانيين من بعد..
 
شدني في بروكسيل بناياتها القديمة...ربما كان مركوزا في طبعي محبة كل قديم تفوح منه رائحة التاريخ...ولذلك كنت دائم السؤال لكل من كان يدلي إلي بسبب من أهل بروكسيل من المغاربة...عن أقدم معلم أو موضع يوجد فيها...فكان الجواب أن البنايات التاريخية القديمة توجد في مكان يدعى الساحة الكبرى ...فكانت سياحتي فيها سياحة تدبر وتفكر وعبرة وعظة..وذاك الذي أقصه بعد حين إن شاء الله...
 
كان الطريق إلى الساحة الكبرى عبر شارع مستقيم يقال له الشارع التاسع أو شارع رقم9 la rue 9 ....اصطفت على جنبات هذا الشارع أرقى محلات بيع الألبسة والأجهزة الإلكترونية وغير ذلك...وامتلأت ساحات الشارع بالناس من جنسيات مختلفة...سرَّني وجود المرأة المسلمة فيه بلباسها الشرعي...كما أثلج صدري وجود المسلم بلباسه الوطني من جلباب وغير ذلك...كنتُ أسير سيرا متأنيا في جنبات هذا الشارع...من شدة الحرِّ وطول الطريق...وبين الفينة والفينة أسأل صاحبا لي:" أين الساحة الكبرى، هل دنَوْنا منها؟ "....بعد مُضيِّ وقتٍ غير طويل أصبحنا نسيرُ بين أزقة قديمة نقلتْنا إلى قرون ماضية من التاريخ...كأنها دُروب غرناطة الضيقة...أو دُروب فاس القديمة...وغدا المكان ممتلئا بالناس...فكلما دنا الهدف المقصود...كثر الزحام...
 
انتهى بنا السير بعدُ إلى زُقاق طويل صاعد تراءت منه ناحية من الساحة الكبرى، وسدَّ أفق السماء أمامنا برج كنيسة علمتُ بعد أنه أطول برج كنيسة في العالم....ثم خلُصنا إلى الساحة...وهي عبارة عن فضاء واسع قد حفَّته من كل جانب مبان قديمة من القرن السابع عشرالميلادي... منها مبنى البلدية والمتحف ومبان خاصة...وكانت كلها متناسقة العمارة...متجانسة في البناء والشكل...وكانت تؤم هذا الفضاء الواسع أفواج من السائحين...منهم القائم ومنهم الجالس على الأرض...قضيت من الساحة لبانتي ومضيت إلى معلم آخر عجيب غريب قريب منها ...وذاك الذي نلم به قريبا إن شاء الله...
 
رأيتُ قبل أن أدع الكلام عن الساحة الكبرى أن أتحدث عن ظاهرة غريبة عجيبة تكون فيها ...حيث تُفرش أرض الساحة في كل عامين في منتصف شهر أغسطس بآلاف الورود في منظر بهي وترتيب منظَّم غريب...ولقد اتفق لي - وذلك من قدَرِ الله وحسن تدبيره- أنْ أُشاهد هذه الظاهرة العجيبة...إذ بُسطت آلاف الورود على اختلاف ألوانها...وتعدد أشكالها وأحجامها...على طُول الساحة وعرضها...ورَسمتْ صورةً بهية لسجاد كبير الحجم...عظيم الجِرم...قد ثُبِّتت الورود في موضعها بِيَد فناَّن بارع...ورُتِّبتْ الأزهار في مكانها بتدبير عقْل ثاقب...قلتُ وقد ملأتُ العينَ من منظرها...والجنانَ بطيب رائحتها...سبحان من خلق الإنسان وعلَّمه أن يُبدع مثل هذا الجمال...
 
سرنا من الساحة الكبرى في أزقة قد تضيق وقد تتسع تارة أخرى...ولم ننشب بعد أن استوقفنا تجمع للناس على تمثال لم أتبين معالمه من كثرة الزحام....بيْد أنني رأيت بعدُ كثيرا من السائحين الغربيين يتمسحون به....فاسترجعت ...وتأملتُ حال هذه العقلية الغربية التي سما بها التقدم التقني إلى أعلى الدرجات بيْد أنه مازال فيها من يتمسح...ويتبرك!!
 
ثم سرنا يسيرا لبعض الوقت...فوقفنا على عجيبة عجائب بروكسيل التي لا مفر من ذكرها...وإن كنت أجد حرجا من التعريج عليها، بيْد أنني رأيتُ الإتيان عليها والحديث عنها بلفظ مونق...وأسلوب فيه تورية... لا يخدش حياء ولا يندى منه جبين...إذ وقفنا على تمثال ولد صغير قد برز على الناس كما خُلق...يَجري الماء من قُبله...والناسُ من حوله مزدحمون...ينظرون إليه بتلهف...يلتقطون له صورا تذكارية...ويتنافسون في ذلك!! لكن ما قصة هذا الولد...ولماذا عُدَّ معلما من معالم بروكسيل؟
 
لقد سمعتُ في قصة هذا الولد الصغير الذي يزار...أحاديث عديدة منها أنه أنقذ أهل بروكسيل من هجمة عدو ضارٍ أراد أن يحرق المدينة بعبوات ناسفة ...فكان الماء الخارج منه سببا في إطفاء الفتيل...فعظِّم الولد لذلك...وُيلبس الولد عدة أنواع من اللباس في ترتيب مراعى..وعُملت منه أشباه كثيرة مختلفة الأحجام والأشكال رأيتها تباع، ومن كثرة ذلك وتفاحشه صار علامة على بروكسيل ورمزا لها ولله في خلقه شؤون...
 
في بروكسيل أسواق كثيرة شعبية وعصرية..ولقد راقني منها سوق الأحد الشعبي...الذي يجتمع فيه الباعة يوم الأحد صباحا في الموضع المخصص لهم لا يحيدون عنه إلى غيره من المواضع المجاورة في المكان الذي يقال له بوطْوار...وفي أرض السوق مواضع مغطاة مظللة ومواضع بارزة للشمس ضاحية...بيْد أن الباعة بها نصبوا لأنفسهم خياما طلبا للرَّوح والظل....وفي السوق مواضع مخصصة لباعة الخضر والفاكهة في ترتيب عجيب...كما أن بها مواضع مخصصة لباعة الألبسة والمتاع...ولقد زرت هذه السوق - والسوق تؤنَّث وتذكر- مرارا وكرارا وابتعت منها هدايا حملتها معي إلى الأهل والصحاب...
 
لست أدري لم شُددت إلى هذه السوق كثيرا...ربما ذكرتني بأسواق المغرب الشعبية...وفي الحق فكلُّ شيء في السوق يذَكِّر بالمغرب بل بأسواق كثير من البلاد العربية والإسلامية...الباعة أغلبهم مغاربة...والمعروضات فيها بضائع مغربية...وأعجبني في هذه السوق حسن ترتيبها...ونظامها الصارم الذي لا يدع مجالا للاحتكار أو لترويج البضاعة في غير وقت السوق الذي ينتهي في الساعة الثانية أو الثالثة زوالا- الشك مني-....كما أن مما يُعْجِب في هذه السوق قلة مؤنة البضاعة ورُخص ثمنها...
 
وفي أحياء المغاربة في بروكسيل ولعله في وسطها تعقد سوق شعبية يوم الخميس من كل أسبوع...تعرض فيها بضائع شتى من مأكول وملبوس ومستعمل...والباعة في الأغلب الأعم من المغرب...والزوار من جنسيات مختلفة...ولقد يخيل لزائر هذه السوق أنه في بلد عربي مسلم...مِنْ شَبَهِها بالأسواق العربية الإسلامية....وكثرة المتبضعين من المسلمين...وقريبا من هذه السوق توجد مساجد للمغاربة كمسجد المتقين الذي زرته وصلَّيتُ فيه الظهر...
 
عودة
أعلى