دلالة المثلية في آيات التحدي دراسة بيانية ناقدة

إنضم
27 نوفمبر 2003
المشاركات
24
مستوى التفاعل
0
النقاط
1
[align=center]دلالة المثلية في آيات التحدي
دراسة بيانية ناقدة

تقديم[/align]الحمد لله رب العالمين ، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه ، والتابعين لهم بإحسان ، إلى يوم الدين ، أما بعد :
فإنني لا أكاد أعلم قضية نالت من العناية والاهتمام ، وتنوعت فيها الكتب والدراسات مثل قضية الإعجاز في القرآن الكريم.
فكل من تناول القرآن الكريم على أي مستوى من مستويات التناول وقف بلا شك أمام الإعجاز ، سواء كان التناول بالشرح والتحليل ، أو النظر والتدبر واستخلاص الدروس ، أو حتى بالنقد والهجوم.
كل هؤلاء وغيرهم ( ممن تناول قضية الإعجاز ) وقف أمام عدة آيات يقال لها : ( آيات التحدى ).
وهذه الآيات - على قلتها – تمثل لب الإعجاز ، لأنها تطلب من الخلق كافة ومن المكذبين خاصة الإتيان بمثل القرآن ، أو ببعض من القرآن.
ومع كثرة المؤلفات إلا أنك لاتجد مايروي الغلة ، ويريح الفؤاد ، في توضيح معنى ( من مثله ) مع أن هذا هو المتحدى به ، وهو بيت القصيد وجوهر المراد.
فالتحدي في : ( حديث مثله ) ، أو في ( مثل هذا القرآن ) ، أو ( عشر سور مثله ) ، ( أو سورة من مثله ).
ذاك هو مناط التحدي .
ليس التحدي في المجيء بأعلى كلام في البلاغة ولا المجيء بأسهل لفظ وأحسن سبك وأجمل أسلوب 0 ، ولا المجيء بكتاب أو بعض كتاب يشمل تنبؤات عن الزراعة والفلك والطب ، وغير ذلك 0
الإعجاز يكمن في هذا اللفظ ( المثل )0
فما المراد بكلمة المثل ؟
ذاك هو الموضوع 0
وحقيقة لقد دفعني إلى ولوج هذا الخضمّ ماظهر في عصرنا من كتابات كانت في الماضي تختمر بخمار الخجل ، وتتقنع بقناع الحياء ، وكانت تغمز حينا وتلمز أحيانا أخرى وتدعى إمكان المجيء بمثل القرآن 0
وظل هذا يبدو ساعة ويختفي أخرى حتى فتحت علينا الأبواب كما تفتح يأجوج ومأجوج ، فامتلأت الأسماع والأبصار بكتابات وأصوات يصرخ أهلها ليل نهار ، بكلام زعموا أنه ( مثل القرآن ) ، وبهذا يسقط ( في زعمهم ) التحدي 0
لقد كتبوا كلاما ً على هيئة آيات القرآن الكريم ، وحوروا ، وبدلوا ، لكنهم جاءوا بالهيئة والنسق وتقسيم العبارات ونغماتها وفواصلها ، وصارت حربا ثقافية يريدون من ورائها سلخ الأمة من دينها وتشويه الكتاب المقدس الذي يحفظ لها هويتها ، ووحدتها ،حتى أن الأمر وصل إلى درجة أن يؤلف كتاب سموه ( الفرقان الحق ) وأرادوا تقريره على العالم الإسلامي والعربي ليكون بديلا عن القرآن الكريم !!!!
لقد وصل الأمر إلى هذا المدى وأكثر ، ناهيك عن مطبوعاتهم التي تقذف بها وسائل الإعلام صباح مساء0

ولكي أضع القارئ أمام هذا الذي يسمونه سورا تتحدى القرآن الكريم أنقل لكم سورة واحدة سماها صاحبها سورة الشجرة وقال إن عندي سبعين سورة على غرارها ويستطيع القارئ أن يرجع إلى مثل هذا فى مواقع الأنترنت مثل موقع منتدى نادي الفكر العربي والذي نقلت منه هذه الجمل التي يسميها صاحبها سورة الشجرة ، وهاهي تي :
[align=center] سُورَةُ الشَّجَرَةِ [/align]
سُبْحَانَ الّذِي خَلَقَ فَقَدَّرَ (1) وَ جَعَلَ الْقَلَمَ سُنَّةً لِلْعَالَمِينَ (2) وَ أَوْحَى إِلَى فَرِيقٍ مِنَ النَّاسِ لِيُؤْمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ وَ مَلاَئِكَتِهِ وَ مَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ (3) وَ فَرِيقاً صَدَّ عَنْ الهُدَى فَأَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ تِلْكَ مَشِيئَةُ اللهِ رَبِّ العَالَمِينِ (4) فَمَنْ شَاءَ الهُدَى هَدَيْنَاهُ إِلَيْهِ وَ يَسَّرْنَا أَمْرَهُ وَ مَنْ رَغِبَ عَنْهُ فَالزَّيْغُ طَرِيقُهُ وَ مَا نَحْنُ بِظَالِمِينَ (5) سُنَّةُ اللهِ مُذْ كَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ فَرِيقٌ إِلَى جَهَنَّمَ وَ فَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ مُكْرَمِينَ (6) وَ اذْكُرْ فِي الكِتَابِ ذَا الهِمَّةِ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلى بَني إِسْرَائيِلَ وَ أَيَّدْناهُ بِذِكْرٍ مُبِينٍ (7) فَكَذّبُوُهُ وَ قَالُوا إِنْ أَنْتَ إِلاَّ كَاهِنٌ مَجْنُونٌ (8) أَلاَ إِنَّهُم فِي ضَلالِهِم يُوغِلُونَ (9) فَفَجَّرْنَا مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِم مَاءًا حَتّى بَلَغَ الْحَنَاجِرَ فَقَالوُا هذا سِحْرٌ مَكِينٌ (10) وَ غَرِقُوُا فِي اليَمِّ أَوْ كَادُوا يَغْرَقُونَ (11) فَقَالُوا ادْعُ لَنَا الْلّهَ يَرْحَمنَا فَنَكُونُ مِنَ التَّابِعِين (12) فَغِيضَ الْمَاءُ إِلَى بَطْنِ الأَرْضِ لَعَلَّهُمْ يُؤْمِنُونَ (13) فَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ آَيةُ اللّهِ فَهَلْ أَنْتُم مُهْتَدُون (14) فَقَالُوا إِنَّا قَوْمٌ نَجُوعُ فَأَشْبِعْنَا أَبَدَ الدَّهْرِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِين (15) فَأَنْبَتْنَا لَهُمْ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ شَجَرَةً مُبَارَكَةً تَسْقِيهَا المَلاَئِكَةُ بُكْرَةً وَ عَشِيّةً مِنْ مَاءٍ طَهُورٍ (16) وَ قُلْنَا لَهُمْ هَذِهِ شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ مَنْ يَأْكُلُ مِنْهَا لاَ يَجُوعُ أَبَداً عَلَّكُمْ تَشْكُرُونِ (17) فَأَكَلُوا مِنْهَا وَ لَمْ يَجُوعُوا أَبَداً وَ مَا كَانُوا مِن الشَّاكِرِينَ (18) فَقَالُوا يَا ذَا الْهِمَّةِ إِنَّا نَشْتَاقُ إِلَى الطَّعَامِ كَمَا يَشْتَاقُ الْعَاقِرُ إِلَى الذُّرِّيَّةِ فَانْزَعْ عَنَّا الْشَّبَعَ نُعُودُ نَأْكُلُ فَكِهِينَ (19) فَنَزَعْنَا عَنْهُمُ الْشَّبَعَ عَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (20) فَاتَّبَعُوهُ حِيناً مِنَ الْدَّهْرِ وَ أَقَامُوا الْصَّلاةَ وَ آتُوا الْزَّكَاةَ وَ رَكَعُوا مَعَ الْرَّاكِعِينَ (21) فَكَتَبْنَا عَلَيْهِم الْجِهَادَ سُنَّة اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (22) فَقَالُوا كَيْفَ نُجَاهِدُ مَعَكَ وَ فِينَا الْشُّيُوخُ وَ الْغِلْمَانُ وَ الْمَرْضَى وَ الْنِّسَاءُ (23) قُلْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنْ قَرُّوا فِي بُيُوتِهِمْ هَذا وَعْدُهُمْ مِنَ اللهِ الْغَفُورِ الْرَّحِيمِ (24) لَيْسَ عَلَى الْشُّيُوخِ وَ لاَ الْغِلْمَانِ وَ لاَ الْمَرْضَى وَ لاَ الْنِّسَاءِ قِتَالٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَ مَنْ جَاهَدَ عَنْ نَفْسِهِ بِالمَالِ فَقَدْ حَقَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْدِّينِ (25) قَالُوا وَ إِنْ تَظَاهَرَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاءُ اللهِ مِنْ خَلْفِ ظُهُورِنَا فَمَاذَا نَحْنُ فَاعِلُونَ (26) فَأَنْزَلْنَا مَلاَئِكَةً مُسَوَّمِينَ يَحْرُسُونَهُمْ فِي الْلَّيْلِ وَ الْنَّهَارِ فَلاَ تَخَافُوا عَلَيْهِمْ وَ أَطِيعُونِِ (27) فَقَالَ قَائِلُهُمْ يَا ذَا الْهِمَّةِ كَيْفَ نُقَاتِلُ مَعَكَ وَ نَحْنُ قَوْمٌ نَجُوعُ حِيناً وَ نَشْبَعُ حِيناً فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُشْبِعْنَا أَبَدَ الْدَّهْرِ فَنَكُونُ لَكَ بِإِذْنِ اللهِ مِنَ الْنَّاصِرِينَ (28) فَارْبَدَّ وَجْهُ الْنَّبِيِّ وَ قَالَ بِئْسَ مَا أَنْتُمْ طَالِبُونَ (29) قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكُمْ وَ رَفَعَكُمْ دَرَجَاتٍ وَ أَمَدَّكُمْ بِالْخَيْرَاتِ وَ أَنْتُمْ أَخْزَيْتُمُونِ (30) هَذَا فِرَاق ٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّينِ (31) وَ مَا تَبِعَهُ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (32) وَ تَرَبَّصُوا بِهِ عِنْدَ الْشَّجَرَةِ الْمُبَارَكَةِ وَ قَالُوا جِئْنَاكَ طَائِعِينَ (33) وَ أَحَاطُوا بِهِ وَ مَنْ تَبِعَهُ مِن الْمُؤْمِنِينَ (34) وَ انْدَفَعَ أَشْقَاهُمْ مِن خَلْفِهِ وَ طَعَنَهُ فَارْتَجَّت الأَرْضُ وَ كَادَتْ تَنْفَطِرُ الْسَّمَاءُ فَقُلْنَا لَهَا اعْقِلِي مَوْعِدُهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ المَآَلِ (35) وَ أَحَاطَهُمْ غَضَبٌ مِن اللهِ فَكَتَبْنَا عَلَيْهِم الْتِّيهَ فِي الأَرْضِ وَ كَتَمْنَا عَلَى أَفْوَاهِهِم وَ عُيُونِهِم وَ قَطَعْنَا نَسْلَهُم إِلاَّ فِئَةً قَلِيلَةً لِتَكُونَ شَاهِدَةً عَلَى سَخَطِ اللهَ وَ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ لِكُلِّ جَاحِدٍ أَثِيمٍ (36) يَا أَيُّهَا الْنَّاسُ اذْكُرُوا يَوْمَ تَقُومُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ تَجُرُّونَ خَطَايَاكُمْ لاَ يَخْفَى مِنْكُمْ قَوْلٌ وَ لاَ فِعْلٌ وَ لاَ خَاطِرٌ وَعَلَيْنَا تُعْرَضُونَ (37) فَمَنْ نَجَا مِنْكُمْ فَقَدْ آَبَ إِلَى دَارِ الْسَّكِينَةِ أَنْهَارُهَا طِيِبٌ وَ نِسَاؤُهَا أَبْكَارٌ لاَ تُشَارَكُونَ بِهِنَّ وَ إِلَيْهِنَّ تَخْلُدُونَ (38) وَ أَمَّا مَنْ سَقَطَ السَّقْطَةَ الْكُبْرَى فَأُولَئِكَ يُجَرُّونَ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَ آَذَانِهِمْ وَ عُيُونِهِمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلِهِمْ وَ فُرُوجِهِمْ عَلَى بَلاَطِ جَهَنَّمَ يَغْلِي رُؤُوسَهُمْ وَ يُقَالُ لَهُمْ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَهْزِئُونَ (39) كَفَرُوا بِاللهِ وَ مَلاَئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ قَلَمِهِ وَ قَالُوا مَا لَنَا مِنْ مَآَبٍ بَعْدَ مَوْتِنَا وَ هَاؤُمُ الآَنَ يَبْكُونَ (40) وَ أَشْرَكُوا مَعَ اللهِ أَرْبَابَ الْجِنِّ وَ الإِنْسِ وَ مَا لاَ يَضُرُّ وَ لاَ يَنْفَعُ يَدْعُونَهُمْ جَهْلاً وَ لاَ يُعْذَرُونَ (41) وَ لَمْ يَقُومُوا إِلَى الْصَّلاَةِ وَلَمْ يُؤْتُوا الْزَّكَاةَ وَ قَتَلُوا الْنَّفْسَ الْغَافِلَةََ أَلاَ بِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (42) وَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْفَاحِشَةِ كَمَا يَجْتَمِعُ الْذُّبَابُ عَلَى جِيفَةٍ مُنْتِنَةٍ أُولَئِكَ حَطَبُ جَهَنَّمَ وَ أُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (43) يَا أَيُّهَا الْنَّاسُ اذْكُرُوا يَوْمَ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ عَدَمٍ وَ هَيَّئْنَا لّكُمْ الأَرْضَ لِتَعْمُرُوهَا وَ تَأْكُلُوا مِنْهَا أَنْتُمْ وَ أَنْعَامُكُمْ وَ تُوَارِي أَمْوَاتَكُمْ وَ سَوْآتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ حِكْمَةً وَ طَهَارَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (44) وَ سَخَّرْنَا لَكُمْ الْهَوَاءَ يَحْمِلُكُمْ فِي الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الأَرْضِ لِتَعْمُرُوهَا بِإِذْنِ اللهِ وَ يَحْمِلُكُمْ فِي الْسَّمَاءِ لِتَرَوْا آَيَاتِنَا رَأْيَ الْعَيْنِ وَ تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَ تَرْكَعُوا مَعَ الْرَّاكِعِينَ (45) وَ أَسْقَيْنَاكُمْ مَاءَاً عَذْبَاً جَارِيَاً يُذْهُبُ الظَّمَأَ قُلْ لَوْ كَانَ مِلْحَاً أُجَاجَاً أَوْ عَذْبَاً آَسِناً فَكَيْفَ مِنْهُ تَشْرَبُونَ (46) وَ جَعَلْنَا إِخْوَاناً لَكُمْ مِنْ آَبَائِكُمْ وَ مِنْ غَيْرِ آَبَائِكُمْ وَ أَبْنَاءً لَكُمْ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَ مِنْ غَيْرِ أصْلاَبِكُمْ يُؤْنِسُونَكُمْ وَ يُظَاهِرُونَكُمْ أَفَلاَ تَشْكُرُونَ (47) مَا ضَرَّ اللهَ لَوْ حَبَسَكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ أَسْقَطَكُمْ مُضْغَةً فِإِذَا أَنْشَأَكُمْ وَ اشْتَدَّ بَأْسُكُمْ افْتَرَيْتُمْ عَلَى اللهِ وَ قُلْتُمْ مَا خَلَقَنَا غَيْرُ أُمَّهَاتِنَا قُلْ فَمَنْ خَلَقَ لَكُمْ أُمَّهَاتِكُمْ مِنْ قَبْلُ قَلِيلاً مَا تَعْقِلُونَ (48) وَ لَوْ شِئْنَا لَحَبَسْنَا عَنْكُمْ الْمَاءَ وَ الْهَوَاءَ وَ فَجَّرْنَا نَاراً مِنْ تَحْتِكُمْ وَ أَظْلَمْنَا الْسَّمَاءَ عَلَيْكُمْ وَ نَشَرْنَا فِيكُمْ الْمَرَضَ كَمَا فَعَلْنَا بالْكَافِرِينَ مِنْ قَبْلُ لَكِنَّا عَلِمْنَا أَنَّ فِيكُمْ مُؤْمِنِينَ فَانْتَظِرُوا يَوْمَ الْمَآَبِ (49) مِنَ الْنَّاسِ مَنْ يَقُولُ سَمِعْنَا وَ أطَعْنَا وَ مِنَ الْنَّاسِ مَنْ يَقُولُ سَمِعْنَا وَ عَقِلْنَا وَ مِنَ الْنَّاسِ مَنْ يُجَادِلْ وَ هُمْ لاَ يَسْمَعُونَ (50) فَإِنْ جَادَلُوكَ أَقِمْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةََ بِالْحَقِّ تَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى أَسْيَادِهِمْ أُسْقِطَ في أيديهِم وَ بَاتُوا بُكْماً كَأَهْلِ الْقُبُورِ (51) فَيقولُونَ شَاعِرٌ قُلْ هَاتُوا شُعَرَاءَكُمْ وَ مَنْ يَفْتَرِي فَلَهُ الْخِزْيُ أَبَداً لاَ يَسْتَطِيعُونَ لِهَذَا الْكِتَابِ رَدّاً وَلاَ شَبَهاً مَشِيئَةَ اللهِ الْقَدِيرِ الْحَكِيمِ (52) وَ يَقُولُونَ شَاعِرٌ قُلْ هَاتُوا شُعَرَاءَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ قَادِرِينَ (53) وَ إِنْ قَالُوا ائْتِنَا بِالسَّحَابِ مُسَيَّراً أَوْ اجْعَلْ لَنَا الْجِبَالَ ذَهَباً أَوْ طِرْ إِلَى الْقَمَرِ قُلْ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ اللهِ وَ مَا كُنْتُ سَاحِراً وَ لاَ يَنْبَغِي لِي أَنْ أَكُونَ(54) وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَفْتَرِي عَلَيْنَا آَيَاتٍ خَدَاجٍ وَ يَقُولُ أُوتِيتُ كَمَا أُوتِيَ هَذَا الرَّجُلُ قُلْ هَلْ لَكَ أَنْ تَهْدِي بِهِ أَقْوَاماً إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (55) أُولَئِكَ كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ الذِّلَّةَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِمَا زَيَّنَتْ لَهُمْ أَهْوَاؤُهُمْ وَ فِي الآَخِرَةِ لَهُمْ شَرُّ الْعَذَابِ (56) هَذَا كِتَابُ اللهِ آَيَةً أَبَداً فَمَنْ شَاءَ الإِيمَانَ فَلَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ وَ مَنْ شَاءَ الْكُفْرَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَ مَا لَهُ مِنْ حُجَّةٍ عَلَى اللهِ قَدَراً قَضَيْنَاهُ عَلَى الْعَالَمِينِ (57)

وهذه نقطة من طوفان غمر المواقع المختلفة على الانترنت وراح بعضهم يشجع بعضا ويمدحه على هذه السورة العظيمة مما يؤكد أن هؤلاء يرمون عن قوس واحدة ، وأن لهم غاية لن ينفكوا عنها ، وهي إسقاط قدسية القرآن الكريم من عيون الشباب 0
وحقيقة لقد خرج جمع من طلبة العلم وشمروا سواعدهم ليكشفوا زيف هؤلاء ، ويردوا عن القرآن ، ويزودوا عن حماه ، ويفندوا هذه الأباطيل ويوضحوا للناس تهافت هذا الكلام الذي لايخلو من الخطأ النحوي فضلا عن غيره 0
وراح آخرون ينافحون عن القرآن الكريم من خلال الدعوة إلى النظر إلى إعجازه العلمي ، و العددي ، ورأوا أن ذاك هو المخرج من هذا الجدل حول بلاغة القرآن وبلاغة العرب ، وحتى لا تبدوا لغتنا متخلفة عن الركب ، هكذا زعموا !!
ومن هنا كان لابد على طلاب العلم ، والمشتغلين بالبلاغة العربية خاصة من الوقوف في الميدان ، فالقضية تعنيهم في المقام الأول قبل غيرهم ، ليبينوا للناس ما نزل على رسول الله والفارق بين كلام البشر وكلام رب البشر ويفضحوا سمادير هؤلاء وترهاتهم التي أغرقت الساحات الثقافية المختلفة 0
وكان هذا البحث ضوءا على الطريق يكشف صاحبه من خلاله موطن التحدي ومناط الإعجاز كما تبين له0

فما معنى المثلية المنصوص عليها في آيات التحدي ؟
وهل كل معجز في القرآن الكريم يقع التحدي به ؟
وإذا كان علماؤنا الأوائل _ ولأسباب مفهومة _ قد وجهوا جل اهتمامهم إلى الإعجاز البلاغي ، وربطوا ذلك بفصاحة العرب وبراعتهم في اللغة وقدرتهم على صوغ الكلام وحبكه ، فهل هذا التوجه يناسب عصرنا الحاضر ؟ أم أن الأمر يحتاج إلى مراجعة لإظهار موطن الإعجاز البلاغى أو لتحويله إلى ما هو أولى منه ؟
وبخاصة أنه لا يوجد في صريح القرآن الكريم ولا صريح السنة الشريفة – على حد معرفتي – ما ينص على أن التحدي في بلاغة القرآن الكريم ونظمه 0
ولا يظن القارئ أنني اتخذت قبل البحث موقفاً أنافح عنه ، فالواقع أنني ظللت أياما طويله أرجح رأيا من الآراء ، ثم بعد فترة أراه يتهاوى أمام النظر ، فأرجح غيره وظللت هكذا ما يقرب من العام افترض شيئا ثم أراه يتهاوى عند التأمل حتى وصل البحث إلى النتيجة التي أرتضيها والتي أدين بها لربي سبحانه وتعالى 0
أقول هذا وأنا أدرك ، بل أنا على يقين من أن كتاب الله تعالى لا يبخل على ناظر فيه 0
كيف وهو الكريم ؟
أقول هذا وأنا أعي مراد هؤلاء الطاعنين في كلام الله تعالى الزاعمين أنهم جاءوا بشيء ؟
أقول هذا وأنا أستحضر قول الله تعالى ( وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ) (النساء:89)

هذا وقد سلك البحث منهجا نقديا أحاول من ورائه تحليل ما قاله علماؤنا ووضعه أمام النظر من خلال توافق أو اختلاف النصوص بعضها مع بعض وربط ذلك بنصوص القرآن الكريم وما يموج به عصرنا من توجهات والوصول من وراء ذلك كله إلى ما أرتضيه لكتاب الله تعالى 0
وغايتي بعد رضا الله تعالى النصح لكتابه الكريم فالدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم .

وقد اختط هذا البحث لنفسه خطة يتبدى من خلالها للقارئ الكريم وهي على النحو التالي :
( مقدمة ، وستة مباحث ، وخلاصة ، ثم فهرس للعناوين وآخر للكتب ) .
في المقدمة :
طرحت فكرة البحث ، والدافع إليه ، وغايته ، وخطته .
وفي التمهيد :
تناولت كثرة الحديث حول الإعجاز إثباتاً أو نفياً ، وعرجت على من سبقني إلى هذا المضمار الخاص وهو دلالة المثلية .
وفي المبحث الأول :
تناولت دلالة المثلية في لغة العرب وفي كتاب الله تعالى ، بحيث يستطيع القارئ أن يرسم شخصية لهذه الكلمة تميزها عن جاراتها في المعني .
وفي المبحث الثاني :
علقت على المقصودين بالتحدي وهل هم الإنس والجن أم طائفة أخرى ؟ .
وفي المبحث الثالث :
كان حديثي عن ترتيب آيات التحدي التي وردت فيها لفظة ( المثل ) من حيث النزول ومن حيث الكتابة في المصحف والمعاني الكامنة خلف كل ترتيب .
وفي المبحث الرابع :
تحدثت عن مفهوم الإعجاز في تراث العلماء والفرق بين مناط الإعجاز ومناط التحدي ، ثم اختلاف وجوه الإعجاز في القرآن الكريم وتعددها .
وفي المبحث الخامس :
وقفت مع أشهر وجوه الإعجاز ـ أو وجوه التحدي ـ وهي الإعجاز العلمي ـ ثم التأثيري ـ ثم الإخبار عن الغيب ، وبينت مدى الصلة بينها وبين القرآن الكريم .
ثم المبحث السادس :
وفيه وقفت مع الإعجاز البلاغي ، وبينت علاقته بآيات التحدي وهل المثلية المتحدي بها مثلية بلاغة أم شيء آخر ؟
ثم كانت خلاصة هذه البحث وفيها سطرت وجهة نظري في المقصود بقوله ( من مثله ) عند التحدي وأردفت ذلك ببعض الأدلة .
ثم جاء في النهاية فهرس العناوين وتلاه فهرس الكتب والمراجع .

[align=center]تمهيد[/align]
إذا كانت قضايا اللغة يصعب حصرها ، فإن الحديث حول القرآن الكريم ، وبخاصة إعجازه لا يكاد يحصيه المحصي ولم أر قضية أخذت من الدراسة قديماً وحديثاً مثل قضية الإعجاز ، ووجوهه المتنوعة ، فلقد شغل العلماء ولا يزال على اختلاف توجهاتهم وفي مقدمتهم علماء اللغة .

بل إن علم البلاغة كان ثمرة من ثمار الحديث عن إعجاز القرآن الكريم ، وفصاحته ، وكان نبتاً في الأرض الطيبة التي وقف عليها أهل اللغة ليفرقوا بين الحقيقة والمجاز ، وبين لغة البشر وكلام رب البشر.
وفي وسط هذه الدراسات القرآنية ، واجتماع العقول والقلوب حول هذا الكتاب ظهرت قضية الإعجاز ، وتحدي القرآن للناس حيث قال القرآن الكريم .
(وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ )(العنكبوت: الآية51) فالقرآن الكريم هو المعجزة الكبرى الباقية إلى يوم القيامة ، وهو المعجزة العامة التي جاءت لتتحدى الناس جميعاً .
ومن هذا المنطلق أهتم العلماء بقضية الإعجاز - المسلم منهم وغير المسلم - .
أما المسلم فلأنه يرى في الإعجاز برهاناً على أن هذا الكتاب حق وأن الرسول حق ، وفي النهاية فهو متمسك بالدين الحق ، ومن هنا أيضاً كان دفاعه عن الإعجاز دفاعاً عن دينه ومعتقداته .
وأما غير المسلم فراح يلقى سهامه إلى الإعجاز لينقضه ويدحضه ليخلص من وراء ذلك إلى إبطال نسبة هذا الكتاب إلى الله تعالى ، وبهذا يتداعى هذا الدين ، وينسلخ منه أتباعه ، وهذا ما يريدونه .
ومن هنا نالت قضية الإعجاز هذه الأهمية ووضعت لها المؤلفات ودرست في الجامعات .
لكن المتابع لحركة العلم في العصر الحديث يرى تطوراً أذهل الجميع ، مما حدا بالكثيرين إلى مسايرة هذه التطورات وأخذ قضية الإعجاز إلى هذا المعترك فوجدوا القرآن الكريم لا يبخل عليهم ، فراحوا يؤسسون لميدان جديد يعتمد على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .
وقد ظهر في شبكة المعلومات العالمية مواقع كاملة تتحدث عن الإعجاز في القرآن الكريم وبأكثر من لغة ، ويكفي أن تزور موقعاً واحداً لنرى إلى أي مدى وصل الحديث عن الإعجاز في القرآن الكريم إثباتاً تارة ، ونفياً تارة أخرى .
ومن يثبتون راحوا يقلبون في كل شيء ويستخرجون له أصولاً من القرآن الكريم فهذا في الإعجاز الاقتصادي ، وهذا في الإعجاز في طبقات الأرض ، وهذا في الطب ، وذاك في البحار ، وهذا في الزراعة ... إلى آخره .
ومن الجهة المقابلة ترى أمواجاً هادرة من الطعن في القرآن الكريم ومحاولة إبطال الإعجاز فيه ، ولقد اجتمع على ذلك اليهود والنصارى والملحدون والعلمانيون ، والحداثيون ، وضربوا جميعاً عن قوس واحدة ، وهو إبطال معجزة القرآن ، لهدم هذا الدين .
وفي وسط هذا المحيط الهادر والأمواج العالية لا يستطيع المسلم إلا أنه يقف ليبحث عن الأسس من خلال الاطلاع على كلام كل فريق ووضع بعضها بإزاء بعض .
كما أنه لابد من وضع اجتهاد السابقين من علمائنا الأجلاء أمام البحث لإبراز وجه التحدي في هذا الكتاب الكريم ، وهو المقصود من قوله :(من مثله )
وبخاصة وأن طعن الطاعنين بات يهجم على الناس هجوماً بعد خروج عالم الكمبيوتر وشبكة النت إلى سطح الثقافة الإنسانية فغدت المعين الأول لتبادل الثقافات بين أهل الكرة الأرضية ، وأصبحت بسببها جميع الآراء مطروحة في الطريق ، وانتشر من يروجون لما يزعمونه أنه سور تعارض القرآن الكريم .

ولقد تنبه الأزهر الشريف إلى ذلك ، ونشرت الصحف في هذا الأسبوع الأول من شهر محرم 1425هـ مطالبة علماء الأزهر لجميع المسلمين بأن يدافعوا عن الإسلام ضد هذه الهجمات الشرسة على مواقع الإنترنت .

ومن هنا كان من حق كتاب الله على طلبة العلم ، ومن باب النصح لهذا الكتاب أن شرعت في هذا البحث لأبين المراد من المثلية في آيات التحدي ، ليكون ذلك أبلغ رد على هذه السمادير وتلك الترهات التي ملأت العيون .
ولقد كان شغفي بهذا البحث كبيراً وبخاصة وأنا أنظر إلى قراء هذه المواقع فأجد طائفة من الشباب المسلم ما زالوا حديثي عهد بالثقافة الإسلامية ولكنهم يقرؤن ويدافعون على قدر ثقافتهم 0
إنهم شباب ليسو على علم الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ ولا فقه الدكتور القرضاوي – حفظه الله – ولا فطنة ولقانية واستيعاب الشيخ الغزالي ـ رحمه الله ـ .
إن الذين يقرؤن وتفتح لهم هذه النوافذ شباب علاقتهم بالإسلام ضعيفة فمبلغ جهدهم أن يصلوا ويصوموا ، ومن هنا يكمن الخطر ، [1].

[align=center]المبحث الأول
دلالة المثلية بين لغة العرب
والقرآن الكريم [/align]إن أول ما يبتدأ به في هذا البحث هو الوقوف على معني ( المثل ) في لغة العرب وفي كلام الله تعالى ، يقول ابن فارس في مقاييس اللغة :
[ الميم والتاء واللام أصل صحيح يدل على مناظرة الشيء للشيء ، وهذا مثل هذا ، أي : نظيره ، والمثل والمثال في معنى واحد ، وربما قالوا : مثيل كشبيه ، تقول العرب : أمثل السلطان فلاناً : قتله قوداً ، والمعني : أنه فعل به مثل ما كان فعله ... والمَثَل المضروب مأخوذ من هذا أيضاً ؛ لأن المعنى فيه إذا نكل به جعل ذلك مثالاً لكل من صنع ذلك الصنيع أو أراد صنعه ... والمَثُلات من هذا أيضاً ، قال الله تعالى (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ)(الرعد: من الآية6)

أي العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لأجله .. ويحتمل أنها التي تنزل بالإنسان فتُجعل مثالاً ينزجر به ويرتدع غيره ،
ومثل الرجل قائماً : أنتصب ، والمعني ذاك لأنه مثال نُصب . ] [2]
ويقول ابن منظور :[ مثل : كلمة تسوية ، يقال : هذا مِثلُه ومَثَله كما يقال : شِبهُه وشََبَهه 0
قال ابن بري : الفرق بين المماثلة والمساواة ، أن المساواة تكون بين المختلفين في الجنس والمتفقين ، لأن التساوي هو التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص وأما المماثلة فلا تكون إلا بين المتفقين ، تقول : نحوُه كنحِوه ، وفقهه كفقهه ولونه كلونه ، وطعمه كطعمه .
فإذا قيل : هو مثله على الإطلاق فمعناه أنه يسد مسده .
وإذا قيل : هو مثله في كذا فهو مساوٍ له في جهة دون جهة . ومثل الشيء أيضاً صفته . ] [3]
ويقول العسكري في الفروق : [ الفرق بين المِثل والمَثَل :
المِثلان : ما تكافآ في الذات ، والمَثَل بالتحريك : الصفة ، قال الله تعالى : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ )(الرعد: من الآية35) أي : صفة الجنة . وقولك : ضربت لفلان مثلاً ، معناه : أنك وصفت له شيئاً ، وقولك مِثل هذا كمثل هذا ، أي : صفته كصفته وقال الله تعالى (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً )(الجمعة: الآية5) وحاملوا التوراة لا يماثلون الحمار ، ولكن جَمَعَهم وإياه صفة فاشتركوا فيها . ] [4]
ويقول أيضاً في الفروق . [ الفرق بين المثل والند :
إن الند هو المثل المناد ، من قولك : نادّ فلان فلاناً ، إذا عاداه وباعده ، ولهذا سمى الضد نداً ، وقال صاحب العين : الند ما كان مثل الشيء يضاده في أموره ، والنديد : مثله ، والندود : الشرود ، والتناد : التنافر ، ونددت بالرجل : سمعت بعيوبه ....
الفرق بين المثل والشكل :
أن الشكل هو الذي يشبه الشيء في أكثر صفاته حتى يشكل الفرق بينهما ولا يستعمل الشكل إلا في الصور ، فيقال : هذا الطائر شكل هذا الطائر ، ولا يقال : الحلاوة شكل الحلاوة ، ومثل الشيء ما يماثله في ذاته .
الفرق بين المثل والنظير :
أن المثلين ما تكافآ في الذات ، والنظير ما قابل نظيره في جنس أفعاله وهو متمكن منها ، كالنحوى نظير النحوي ، وإن لم يكن له مثل كلامه في النحو أو كتبه فيه .
ولا يقال : النحوي مثل النحوي ، لأن التماثل يكون حقيقة في أخص الأوصاف وهو الذات .....
الفرق بين المثلين والمتفقين :
أن التماثل يكون بين الذوات ، والاتفاق يكون في الحكم والفعل ، تقول : وافق فلان فلاناً في الأمر ولا تقول : ماثله فيه ...
الفرق بين المثل والعديل : أن العديل ما عادل أحكامه أحكام غيره وإن لم يكن مثلاً له في ذاته ولهذا سمي العدلان عدلين وإن لم يكونا مثلين في ذاتهما ، ولكن لاستوائهما في الوزن فقط .
الفرق بين الشبة والمثل : أن الشبه يستعمل فيما يشاهد ، فيقال : السواد شبه السواء ... وليس في الكلام شيء يصلح في المماثلة إلا الكاف فأما الشبه والنظير فهما من جنس المثل ....
الفرق بين المساواة والمماثلة : أن المساواة تكون في المقدارين اللذين يزيد أحدهما على الآخر ، ولا ينقص عنه ، والتساوي والتكافؤ في المقدار ، والمماثلة هي أن يسد أحد الشيئين مسد الآخر كالسوادين .
الفرق بين كاف التشبيه وبين المثل : أن التشبيه بالكاف يفيد تشبيه الصفات بعضها ببعض ، وبالمثل يفيد تشبيه الذوات بعضها ببعض .
تقول : ليس كزيد رجل ، أي بعض صفاته لأن كل أحد مثله في الذات وفلان كالأسد ، أي : في الشجاعة دون الهيئة وغيرها من صفاته].[5]
ومن خلال هذه الإطلالة على الكلمة عند أهل اللغة نستطيع أن نرسم لها شخصية ذات ملامح فارقه بينها وبين غيرها .
فالكلمة تدل على المناظرة والتساوي والاتفاق ، وكون الشيء يسد مسد الآخر لأن الذات متكافئة في الحقيقة وفي أخص الأوصاف .....
وبعد ، هل للكلمة ملامح أخرى في القرآن الكريم ؟
لننظر :
دلالة الكلمة في القرآن الكريم
يقول الراغب في المفردات : [ مثل : أصل المثول : الانتصاب ، والممثل : المصور على مثال غيره ، يقال : مَثُل الشيءُ أي : انتصب وتصور ، ومنه قول صلى الله عليه وسلم : ( من أحب أن يمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار ) . [6]
والتماثل : الشيء المصور : وتمثل كذا : تصور ، قال تعلى (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً)(مريم: من الآية17)
والمَثَل : عبارة عن قولٍ في شيء يشبه قولاً في شيء آخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر ويصوره ، قال تعالى (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(الحشر: من الآية21) وفي أخرى (وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)(العنكبوت: من الآية43)
والمثل يقال على وجهين :
أحدهما : بمعنى المثل نحو شبيه وشبه ..
والثاني : عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني ، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة ، وذلك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط ، والشبه يقال فيما يشارك في الكيفية فقط .
والمساوي يقال فيما يشارك في الكمية فقط .
والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط .
والمثل عام في جميع ذلك .
ولهذا لما أراد الله تعالى نفي الشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: من الآية11) [7]
وعلى هذا فالمثلية عند الاصفهاني لفظ وضع لعموم المشابهة ويشمل معنى

[ الند ـ الشبه ـ المساوي ـ الشكل ] .
وتلك عمومية لا أميل إليها ، ولا يرتضيها منهج البحث وهذا يقتضي الرجوع إلى تراث العلماء للوقوف على دلالة المثلية في كتبهم .
والناظر في تراث العلماء يجد هذه المثلية قد حامت حول عدة معان ولم تقف عند دلالة واحدة .
وهذه المعاني وتلك الدلالات تتلاقي في بعض الأحايين وتتباين في أحايين أخرى .
ودعنا نقف على ذلك :
أول هذه المعاني التشابه في بعض الصفات : يقول ابن كثير عند قول الله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً )(النور: من الآية17) [ أي : ينهاكم الله متوعداً أن يقع منكم ما يشبه هذا أبداً ، أي : فيما يستقبل ، والمثلية هنا هي تلقى الإفك الذي روي عن أم المؤمنين بالألسنة والأفواه وهذا شيء ليس لهم به علم . ] [8]
[ فالمماثلة ليست في جميع الصفات ولكنه إلزام شبه بحكم ظاهر من المماثلة ] [9] فالمماثلة هنا تشابه ، والتشابه هو أقل درجات المثلية .
ثم يأتي رأي آخر يخلع ثوب الشكل ويتغلغل إلى الداخل فيجعل المثلية تطابقاً في أغلب الأوجه .
ففي قوله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ)(آل عمران: من الآية140)
يقول أهل التفسير : [ فالمعنى أن أصابوا منكم يوم أحد فقد أصبتم منهم يوم بدر ] [10]
[ فالمثلية هنا باعتبار كثرة القتلى في الجملة ، فلا يَرِد أن المسلمين قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين ، وأسروا سبعين ، وقتل المشركون من المسلمين يوم أحد خمسة وسبعين ، وجرحوا سبعين ، والتزام بعضهم تفسير القرح بمجرد الانهزام دون تكثير القتلى فراراً من هذا الإيراد ] [11]
وعلى هذا فليس المقصود المطابقة الكاملة بين المثل والمثل ، بل الأمر على الغالب الأعم والظاهر الواضح .
[ إن المماثلة بين الذوات المتنائية إنما تكون باعتبار الصفات الجامعة بينهما إذ هي أسباب في ثبوت المماثلة بينهما .
وتقوى المماثلة بقوة أسبابها ، وتضعف بضعفها ، فإذا سلب وصف ثابت لإحدى الذاتين عن الأخرى انتفي وجه من المماثلة ، ثم لا يزال يسلب أسباب المماثلة أقواها فأقواها حتى تنتفي المماثلة كلها بهذا التدرج . ] [12]
وعليه فالمثل هو الذي يكون مساوياً للمثل في بعض الصفات أوفي أغلب الصفات ، أو قل :
[ المثلية لا تستلزم التساوي من كل جهة . ] [13]
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له مثله في الجنة ) [14]
[ حمل العلماء ذلك على المبالغة لأن المكان الذي تفحصه القطاة لتضع فيه بيضها ، وترقد عليه لا يكفى مقداره للصلاة .
وقيل : هي على ظاهرها ، والمعنى : أنه يزيد في مسجدٍ قدراً يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر ، أو يشترك جماعة في بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم على ذلك القدر ....
وقد اختلف العلماء في معنى المماثلة ، فقال ابن العربي : مثله في القدر والمساحة ... وقيل : مثله في الجودة والحصانة وطول البقاء .... وقيل : هذه المثلية ليست على ظاهرها ، وإنما يعنى أنه يبنى له بثوابه بيتاً اشرف وأرفع وأعظم .
وقيل : يحتمل أن يكون (مثله) معناه : بنى الله له مثله في مسمى البيت ، وأما صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها ، فإنها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ...
قال الحافظ : لفظ المثل له استعمالان :
أحدهما : الإفراد مطلقاً كقوله تعالى : (فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا)(المؤمنون: من الآية47) .
والآخر : المطابقة كقوله تعالى : (أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)(الأنعام: من الآية38)
فعلى الأول لا يمتنع أن يكون الجزاء أبنية متعددة ، فيحصل جواب من استشكل تقييده بقوله (مثله) مع أن الحسنة بعشر أمثالها ، لاحتمال أن يكون المراد بنى الله له عشرة أبنية مثله ...
ومن الأجوبة المرضية :
أن المثلية هنا ، بحسب الكمية والزيادة حاصلة بحسب الكيفية ، فكم من بيت خير من عشرة ، بل من مائة ...
وقيل : إن المثلية هي أن جزاء هذه الحسنة من جنس البناء لا من غيره . ] [15]
--------------------
وهذه التخريجات المتنوعة تثبت أن المثلية لا تعنى التطابق في كل شيء إنما في بعض الصفات سواء كثرت هذه الصفات أم قلت ..
حتى أن البعض يلمح صفة واحدة بين المثلين ، ومن ذلك .
[ في قوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ )(الكهف: من الآية110) أي في البشرية والمعنى : أنسى كما تنسون . ] [16]
وفي الحديث : ( نهى النبي عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلاً بمثل ) [17]
[ فالمماثلة المعتبره هنا هي المماثلة في الكيل والوزن ] [18]
وفي حديث آخر :
( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ... ) [19]
[ فلفظة المثل هنا لا تقتضي المساواة من كل وجه ولا يراد المماثلة في كل الأوصاف كالجهر برفع الصوت مثلاً . ] [20]
وهذه الأحاديث ، وتلك الآيات التي ورد فيها لفظ المثل تدل بجلاء على أن المثلية تكون في بعض الصفات ، أو في الكثير منها .
----------
لكن على جانب آخر :
هناك في تراث العلماء ما يدل على أن المثلية تعنى التطابق في الأصل ، والتوحّد في الماهية والتناظر في الحقيقة ، وعلى هذا وردت قراءة ابن مسعود ( فإن آمنوا بما آمنتم به ... )
وقال : [ لا تقولوا : فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به ، فإن الله ليس له مثل ولكن قولوا بالذي آمنتم به ... ] [21]
وكأنه جعل محل الإيمان هنا ومتعلق المثلية هنا هو الله تعالى .
وخرج الطبري الأمر على محمل آخر حيث قال : [ إنما وقع التمثيل بين الإيمانين لا بين المؤمن به . ] [22]
وعلى آية حال فالآيات القرآنية العديدة تدل على أن المثلية تعنى الأصل والحقيقة والتطابق بين المثل ومثيله ، واقرأ معي هذا
قال الله تعالى :
v (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )(البقرة: من الآية228)
v (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا )(البقرة: من الآية275)
v (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ )(البقرة: من الآية194)
v (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ )(البقرة: من الآية233)
فالمثلية تعني التطابق حتى لا يعرف هذا من هذا ، وقد لفت البيضاوي إلى هذا بجملة عجيبة حيث قال عند عرضه لقول الله تعالى حكاية عن السحرة (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ )(طـه: الآية58)
قال :[ مثله سحرك] [23] فجعل ما رآه السحرة في بادئ الأمر هو المثل ، وجعل الأصل هو السحر عند السحرة .
لكن التعبير القرآني ( بسحر مثله ) يشير إلى أن ما رآه السحرة في البداية شيء جديد فتعاهدوا على أن يأتوا بمثل هذا السحر ولذلك جاءوا بالحبال والعصى لما رأوه من إلقاء موسى للعصي قبل ذلك ، فأرادوا أن يصنعوا سحراً مثل الذي جاء به موسى ، وأحضروا أدوات مثل أدواته ولذلك قال :(بسحر مثله)
لكن اللفتة التي لفت إليها البيضاوي ـ رحمه الله ـ أراد بها أنهم أرادوا أن يأتوا بشيء لا يختلف عما جاء به حتى في الصورة .
--------
[ فالمثل المطلق في الكتاب والسنة وإجماع الأمة والمعقول يراد به :
v إما المثل صورة ومعنى .
v وإما المثل صورة بلا معنى .
وإن لم يكن إرادة الأول إجماعاً تعينت إرادة الثاني لكونه معهوداً في الشرح كما في حقـوق العبادة. ] [24]
وأزيدكم توضيحاً هنا :
في سورة المؤمنون قال الله تعالى : (بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ) (المؤمنون:81)
فماذا قال الأولون ؟
ولنحاول أن نتبين ذلك من خلال السورة نفسها فقوم نوح مثلاً في الآية رقم 24 حكي عنهم أنهم قالوا :
(مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ)
وفي الآية 33 قيل (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ .... وقال الملأ ... ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ..)
وأنا هنا أقتصر على العبارة حتى لا يضيع منك الخيط .
ثم توالي السورة فتحدثك عن موسى ..

(ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآياتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً عَالِينَ * فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) (المؤمنون 45 :47)
ثم قيل في شأن كفار مكة ( بل قالوا مثل ما قال الأولون ) .
فالنص الذي قيل على لسان كل من كذبوا الرسل هو إثبات بشرية الرسل 0
ولكنه قيل مرة ( انؤمن لبشرين مثلنا ) وقيل مرة ( ما هذا إلا بشر مثلكم )
ولا شك أن المضمون واحد ، واللفظ متنوع حتى وإن كان التنوع في ضمير التكلم أو الغيبة لأن [ المثلية إنما هي باعتبار تطابق المعاني وإن اختلفت الألفاظ ] [25]
فالمثلية تكون في الأصل كما يقول الزرقاني -[26] -
أو في الذات كما يقول أبو السعود - [27] -
ولا تكون إلا بين المتفقين وفي أخص الأوصاف .
لكنها في النهاية تكون بين شيئين ولذلك قيل

[ المثل المطلق لا يتصور . ][28] لماذا ؟
لأن المثل المطلق يعني أن الشيئين شيء واحد ، وعليه حين يقال :( فأتوا بسورة مثله يراد فقط : [ التعجيز ، كما في قوله ( فأت بها من المغرب ) [29]
[align=center]****[/align]

[align=center]المبحث الثاني
لمن التحدي ؟[/align]
تعددت رؤى العلماء في تحديد المتحدي بالقرآن الكريم ، ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن القرآن [ تحدى الخلق كلهم من الجن والإنس بالعجز عن الإتيان بمثله لقوله : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88)
حيث أفاد بذلك عجز الجميع عنه في حال الاجتماع والانفراد . ] [30]
يرى آخرون أن [ التحدي وقع للإنس دون الجن لأن الجن ليسوا من أهل اللسان العربي الذي جاء القرآن على أساليبه ، وإنما ذكروا في قوله ( قل لئن اجتمعت ..... ) تعظيماً لإعجازه لأن الهيئة الاجتماعية لها من القوة ما ليس للأفراد فإذا فرض اجتماع جميع الإنس والجن وظاهَرَ بعضهم بعضاً وعجزوا عن المعارضة كان الفريق الواحد أعجز . ] [31]
فالجن ـ على هذا ـ ليسوا ممن تحداهم القرآن ، ودخولهم في الآية دخول افترض بناء على هذا الرأي .
وفي جانب آخر قال البعض [ بل وقع للجن والملائكة أيضاً فهم منويّون في الآية لأنهم لا يقدرون أيضاً على الإيتان بمثل هذا القرآن ، واقتُصِر على الإنس والجن لأنه كان مبعوثاً إلى الثقلين دون الملائكة.] [32]
ودعنا نقتصر على الإنس الآن ، حيث من العجيب أن يدخل البعض الملائكة مع الإنس والجن ، ثم نرى من يقول إن القرآن تحدى العرب دون العجم ، أو تحدي العرب ثم كان تحدي العجم تالياً لتحدي العرب
والسؤال لم ؟
- إن العلة في ذلك : أن الإعجاز عندهم قائم في اللغة أو البلاغة أو النظم يقول الجصاص :
- [ معلوم أن العجم لا يتحدون من طريق النظم ، فوجب أن يكون التحدي لهم من جهة المعاني وترتيبها على هذا النظام ..
ويجوز أن يكون التحدي واقعاً للعجم بأن يأتوا بكلام في أعلى طبقات البلاغة بلغتهم التي يتكلمون بها . ] [33]
والذي يظهر أن تحدي القرآن للعجم لا يتصور أن يكون من جهة الفصاحة والبلاغة فهو لا يعرف لغة العرب ، وإن تعلم فكلمات يقيم بها أوده .
ولا يكفي ـ كما أري ـ أن يكون التحدي له كامناً في علمه بعجز العرب عنه كما يقول الباقلاني أنه [ إذا عرف عجز أهل الصنعة حل محلهم وجرى مجراهم في توجيه الحجة عليه . ] [34] لأن ذلك يعني أن معجزة القرآن وتحديه كانت للعرب وحدهم ، بل للفصحاء منهم ، وأن العجم خارجون عن هذه الدائرة ، والمعلوم بداهة أن العجمي مهما بلغ في تعلم اللغة فلن يكون مثل العرب الأقحاح الذين علكوا اللغة وشربوا من عيونها ، وتمرسوا في دروبها ، وعايشوها وخادنوها ، فأحبتهم وأحبوها ... وما دام الأمر كذلك فأين الأعجمي منه ؟!
أقول : لا يكفي أن يثبت عجز الأعجمي بعجز العرب ، فليس العرب حجة عليهم إلا إذا كان الإعجاز بلاغياً ، وأنت تلاحظ أن حصر الإعجاز في هذا الخندق تجعلنا نفترض أموراً ونقرها وندافع عنها ونجعلها من المسلمات وحي بلا شك تحتاج إلى النظر .
يقول الباقلاني مثلاً : [ لا يتهيأ لمن كان لسانه غير العربية من العجم والترك وغيرهم أن يعرفوا إعجاز القرآن إلا بأن يعلموا أن العرب قد عجزوا عن ذلك ، فإذا عرفوا هذا بأن علموا أنهم تحدوا إلى أن يأتوا بمثله ، وقرِّعوا على ترك الإتيان بمثله ولم يأتوا به تبينوا أنهم عاجزون عنه .
وإذا عجز أهل ذلك اللسان فهم عنه أعجز ..
وكذلك نقول : ـ والكلام له ـ
إن من كان من أهل اللسان العربي إلا أنه ليس يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة أساليب الكلام ووجوه تصرف اللغة وما يعدونه فصيحاً بليغاً من غيره فهو كالأعجمي في أنه لا يمكنه أن يعرف إعجاز القرآن إلا بمثل ما بينا أن يعرف به الناس الذي بدأنا بذكره وهو ومن ليس من أهل اللسان سواء . ] [35]
هل رأيت هذا ؟ !
هل رأيت إلى أي مدى حصرنا الإعجاز والتحدي في طائفة قليلة ؟!
والسبب : [ أن البلاغة إذا لم تكن هي مجال المعاجزة لكن اختيار العرب للمعاجزة لا مقتضى له . ] [36]
وليت شعري ، إذا كان هذا القياس صحيحاً فعلينا أن نقول للأعاجم جميعاً ، بل ولأغلب العرب أيضاً : إن القرآن لا يتحدى أحداً الآن ، لأنكم مهما بذلتم من جهد ومهما توصلتم من فهم للغة فلن تستطيعوا التحدي فلقد عجز العرب الأوائل ، ومن منكم مثلهم ؟! .
أليس عجيباً أن يقول القرآن الكريم
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ )(الإسراء: من الآية88)
ثم نقول فمن :إذا عجز أهل اللسان الأوائل فغيرهم أعجز . [37]
ونغلق الباب لأن القوم الذين تحداهم القرآن قد ذهبوا !!!!
إن القرآن الكريم حين قال : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس:38) .

لم يكن يقصد العرب وحدهم ، وإلا لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بالرسائل إلى كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس وفي كل رسالة كلام الله يتلى عليهم .
إن الذي دفعنا إلى هذا السبيل ، وألجأنا إلى هذا الملجأ هو حصر التحدي في البلاغة ، وتلك قضية جعلت بعض أهل الكلام يقول :
[ إن التحدي قد انقطع بانقطاع زمن البعثة والوحي ..... مع أن جمهور أهل الإسلام على أن التحدي باق إلى يوم القيامة وهذا هو الحق الذي لا يحل القول بغيره . ] [38]
نعم : الحكمة تقتضي نزول الكتاب بلغة النبي وقومه ، لكن من قال إن التحدي في هذه اللغة ، وهل نزول القرآن عربياً يعني التسليم بأن التحدي في البلاغة لأن القوم كانوا فصحاء .
لقد افترضنا هذا وجعلناه حقيقة مسلمة مع أنه اجتهاد وليس نصاً في قرآن أو سنة ، فلماذا جعلناه قاعدة ورحنا ندافع عنه .
[align=center]***[/align]
المبحث الثالث
آيات التحدي بين الترتيب النزولي
والترتيب المصحفي
[ القرآن الكريم عندنا معاشر المسلمين كلام دال على معانيه دلالة مأخوذة بالطريق الواضح العادي لدلالة الكلام العربي ، فليس هو على ذلك بمحتاج إلى التفسير احتياجاً أصلياً ، ولكن الحاجة إلى تفسير القرآن إنما هي حاجة عارضة نشأت من سببين :

السبب الأول : هو أن القرآن الكريم لم ينزل دفعة واحدة ، وإنما كان نزوله وتبليغه في ظرف زمني متسع جداً ، قدرهُ أكثر من عشرين عاماً ، فكان ينزل منجماً على أجزاء مع فواصل زمنية متراخية بين تلك الأجزاء .
وكان نزوله في تقدم بعض أجزائه وتأخر البعض الآخر على ترتيب معروف يختلف عن ترتيبه التعبدي ، لأن ترتيب تاريخ النزول كان منظوراً فيه إلى مناسبة الظروف والوقائع ، مناسبةً ترجع إلى ركن من أركان مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
وترتيب التلاوة ، أو الترتيب التعبدي كان منظوراً فيه إلى تسلسل المعاني وتناسب أجزاء الكلام بعضها مع بعض ، وذلك يرجع إلى ركن آخر من أركان مطابقة الكلام لمقتضى الحال .
وكلا الترتيبين راجع إلى الوحى ، وكلاهما وقع به التحدي الإعجازي إلا أن أولهما مؤقت زائل بزوال ملابساته من الوقائع والأزمنة والأمكنة ، والترتيب الآخر ، وهو ترتيب التلاوة التعبدي باق لأنه في ذات الكلام يدركه كل واقف عليه وتالٍ له من الأجيال المتعاقبة بينما الترتيب التاريخي لا يدركه إلا شاهد العيان لتلك الملابسات ، من الجيل الذي كان معاصراً لنزول القرآن جملة ممن كانت لهم تلك الملابسات دلائل وقرائن على ما أريد من المعاني التي استفادوها من التراكيب القرآنية . ] [39]
وآيات التحدي التي هي مدار البحث خمسة ، مذكورة في السور التالية :
[ البقرة ـ يونس ـ هود ـ الإسراء ـ الطور ] .
هكذا رتبت الآيات في المصحف حسب ترتيب السور ، وليس هذا ترتيب نزولها ، ولابد من معرفة ترتيب النزول حتى نقف على مراحل التحدي ، كيف بدأ ؟ وكيف تنامي ؟ ومن خلال النظرتين يمكن استخلاص بعض الدلالات التي تعين على فهم المراد من المثلية المتحدي بها .

وترتيب النزول كان على النحو التالي :
1) سورة الإسراء وفيها :(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88)
2) سورة يونس وفيها :(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس:38)
3) سورة هود وفيها : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود:13)
4) سورة الطور وفيها : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ*فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) (الطور33 :34)
5) سورة البقرة وفيها :(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23) .
--------------
وأول ما يلفت النظر في هذا الترتيب أن التحدي بني على جذر واحد واضح يبين أن الضمير في قوله (مثله ) لا يعود إلى على القرآن الكريم 0
فالبداية هي ( يأتوا بمثل هذا القرآن ) ولا يتصور بعد هذا عود الضمير على الرسول [40] هذا أولاً

ثانياً : أن الآيات بدأت بافتراض اجتماع الإنس والجن ( لئن اجتمعت الإنس والجن ) وهذا الافتراض لا يتصور عقلاً ، مما يعني أن نتيجة هذا الافتراض ـ وهو المجيء بمثل القرآن ـ لا يتصور عقلاً .

ثالثاً : أن المدعوين أولاً للتحدي هم الإنس والجن ، ثم تدني الأمر فطلب منهم دعوة من يستطيعون من دون الله ، ثم تدني الأمر إلى دعوة الشهداء وهم المناصرون لفكرة إمكانية المجيء بمثله وهؤلاء قلة .

رابعاً :كانت الآية الأولى إعلاناً من الله تعالى على لسان نبيه بعجز الخلق جميعاً عن المجيء بمثله ، فقيل ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن .......
هذا بلاغ من الله تعالى للخلق جميعاً ، ثم جاءت باقي الآيات لترد على دعوى افتراء القرآن من عند الرسول فقيل ( أم يقولون افتراه .... قل فأتوا بسورة أم يقولون افتراه .... قل فأتوا بعشرة سور
أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون ....
كل ذلك في الآيات المكية الأولى : أما آية المدينة وهي آية البقرة فليست رداً على هؤلاء بل هي رد على من دخل قلبه الشك ولذا قيل ( وإن كنت في ريب ... )0
إن السور المكية خطاب لجميع الناس . أما السورة المدنية فأغلبها [ خطاب لمن أقر بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنون . ] [41]
خامساً :الملاحظ في الآيات الخمس أن كل وجه من التحدي يغاير الآخر ولا يوجد وجهان متماثلان في التحدي ، وها هي أوجه التحدي حسب نزولها :
[ مثل هذا القرآن ] [ سورة مثله ] [ عشرة سور مثله ] [ حديث مثله ] [ سورة من مثله ] .
سادساً :إن هذا الترتيب من الممكن فهمه على أنه تدلٍ في التحدي من الأكثر إلى الأقل من حيث العدد ، ولكن بضرب من التأويل ، فماذا يفهم من الترتيب المصحفي ؟
لننظر ....
الترتيب المصحفي :
جاء ترتيب الآيات في المصحف كما هو معلوم : [سورة البقرة ثم يونس فهود ثم الإسراء ثم الطور . ] .
وهذا الترتيب سألخصه لك على النحو التالي حيث كان التحدي في [ سورة من مثله – ثم سورة مثله – فعشر سور من مثله – ثم مثل هذا القرآن – ثم حديث مثله . ]
ولقد وقف العلماء أمام هذا التدرج وحاولوا تأويله على غير ترتيبه فقالوا : [ إن التحدي بعشر سور وقع أولاً ، فلما عجزوا تحداهم بسورة من مثله ، كما نطقت به سورة البقرة ويونس ، وهو إن تأخر تلاوة إلا أنه متقدم نزولاً ، وأنه لا يجوز العكس إذا لا معنى للتحدي بعشر لمن عجز عن التحدي بواحدة ، وأنه ليس المراد تعجيزهم عن الإتيان بعشر سور مماثلات لعشرٍ معينة من القرآن .
وذهب ابن عطية إلى أن التحدي بعشر سور وقع بعد التحدي بسورة وأنكر تقدم نزول هذه السورة ... وقال .. :
إن ما وقع أولاً هو التحدي بسورة مثله في البلاغة والاشتمال على ما اشتمل عليه من الأخبار عن المغيبات والأحكام ، فلما عجزوا عن ذلك أمر بأن يأتوا بعشر سور مثله في النظم وإن لم تشتمل على ما اشتمل عليه ...
وقيل إنه لا يطرد في كل سورة من سور القرآن
وهب أن السورة متقدمة النزول إلا أنها لما نزلت على التدريج جاز أن تتأخر تلك الآية عن هذه ، ولا ينافي تقدم السورة . ] [42]
هكذا قالوا ..
وأنا أسأل هنا : هل نزول بعض الآيات قبل بعض مسألة اجتهادية ؟ !
أليس عجيباً أن يقال : إن التحدي وقع أولاً بكذا حتى وإن تأخر في النزول ؟!
لقد قلت : إن الترتيب النزولي يُثبت ضرباً من التدلي ، أعني أن التحدي في الأكثر ثم في الأقل .
وهنا أقول أن الترتيب المصحفي يعكس ذلك 000 أي أنه يتدرج في التحدي من سورة إلى عشر سور إلى القرآن الكريم كله .
وكأن القرآن ـ كما أفهم ـ يعرض قضية التحدي من الوجهتين صعوداً ونزولاً ، وعلى من يريد المعارضة والتحدي أن يختار لنفسه ، ومن هنا يثبت العجز من كل وجه .
[align=center]***[/align]
المبحث الرابع
مفهوم الإعجاز في كتب العلماء
يقول ابن فارس في المقاييس إن [ العين والجيم والزاء أصلان صحيحان ، يدل أحدهما على الضعف ، والآخر على مؤخر الشيء .
فالأول : عَجَزَ عن الشيء يعجز عجزاً فهو عاجز ، أي ضعيف ، وقولهم : إن العجز نقيض الحزم ، لأنه يضعف رأيه .
ويقولون : " المرء يعجز لا محالة " ويقال : أعجزني فلان إذا عجزت عن طلبه وإدراكه ، ولن يعجز الله شيء ، أي : لا يعجز الله تعالى عنه متى شاء .
وفي القرآن الكريم : (لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً)(الجـن: من الآية12)
وقال تعالى : (وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ )(الشورى: من الآية31)
ويقولون : عَجَز ، بفتح الجيم ، ولا يقال : عجِز إلا إذا عظمت عجيزته ، ومن الباب : العجوز : المرأة الشيخة .
وأما الأصل الآخر :
فالعجز : مؤخر الشيء ، والجمع : أعجاز ، حتى أنهم يقولون عجُزُ الأمر ، وأعجاز الأمور ..][43]
-------------------
وهذه الدلالة لم تتغير في كتاب الله تعالى ، فقد جاءت بمعنى مؤخرة الشيء ، كما في قوله سبحانه: (كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ)(القمر: من الآية20) .
وأيضاً بمعنى عدم القدرة كما في قوله سبحانه (أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ)(المائدة: من الآية31) .
وقد يظن القارئ أن الأصلين لا رحم بينهما [ ولكن الرحم بينهما موصولة فإن الضعف من ولائد التأخر ، فالذي يعجز عن الأمر ، أي يضعف عنه إنما هو آتيه في آخر ذلك الأمر ، فلا يستقيم له الاقتدار عليه ... وكل من تأخر عن القيام بالأمر في عجزه : ضعف عنه .
وأيضاً من حاول في آخر أمره شيئاً لم يقتدر عليه في أوله ، فسواء أكان التأخير من شأن الفاعل أو من شأن المفعول فإنه يترتب على ذلك ضعف . ] [44]
ومن الممكن ( في رأيي ) أن يقال : عجز عن كذا مع أنه لم يحاوله ولم يرغب في المحاولة ذلك لأنه يعلم علم اليقين أن هذه المعجزة خارجة عن طوقه ، ولذا قالت الجن : (لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً)(الجـن: من الآية12) .
فهم لم يحاولوا : ولم يدر بخلدهم أن يحاولوا .
أما أن يقال : [ إن علمه بحال نفسه : وحال ما يريد محاولته بمنزلة من أراد ، وحاول فثبت له ضعفه عما حاوله ] [45] فهذا لا أميل إليه لأن المعجزات ظهرت للناس ومن الوهلة الأولى وهي خارجة عن طوقهم ، وبعيدة عن مقدورهم ، وإذا رجعت مثلاً إلى إحياء الموتى لسيدنا عيسى وإخراج الناقة لسيدنا صالح وشق البحر لسيدنا موسى تجد أن القوم لم يحاولوا ذلك ولم يدر بخلدهم أن يحاولوا .
والعجيب أننا وضعنا كل ذلك في دائرة المعجزات ، مع أن الناس لم يفكروا في تحدي ذلك لعلمهم اليقين أنه ليس في مقدورهم .
ومن هنا أرى أن تسمية هذه الآيات معجزات يحتاج إلى مراجعة حيث لم تطلب الرسل من أقوامهم المجيء بمثلها ، وعلى الجانب الآخر لم يحاول الناس المجيء بمثلها .
إنها آيات وليست معجزات ، إنها براهين على صدق الأنبياء وحين أطلقنا على هذه الآيات معجزات وضعنا الناس موضع المتحدي مع أنهم لم يفعلوا .
أضف إلى ذلك أن هذه الكلمة لم ترد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالمعنى المفهوم به التحدي مما يعني أن لفظ (معجزة) نتاج عقلي فلسفي وليس نتاجاً شرعياً ، لأن العلماء ربطوا بين آيات التحدي الخمسة وبين عدم مجيئهم بقرآن مثل القرآن ، ولما لم يأتوا بذلك كان ذلك عجزاً منهم فسميت المسألة : الإعجاز القرآني .
وحين نربط بين القرآن الكريم والإعجاز نربط بين أشياء كثيرة وهذه اللفظة ، فهناك ألفاظ وأساليب ، ومعان ، ونظم وترتيب ... كما أن هناك الغيب والعلم التجريبي ، فهل الإعجاز في كل ذلك أما في شيء واحد ؟
إن القرآن الكريم حمل وجهتين :
فهو من جهة برهان وآية على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، تماماً مثل الآيات التي جاء بها الأنبياء .
ومن الجهة الأخرى : يتحدى الجميع بأن يأتوا بمثل هذه الآية ، وتلك إضافة لم تكن في آيات الأنبياء السابقين .
والثابت ـ عندي ـ أن الآية والبرهان الدال على صدق النبي لا يمكن للعباد أن يأتوا بمثلها ، لأن من بدهيات الآيات كونها خارجة عن طوق البشر ولو كانت في مقدورهم لما كانت آية خارقة ، ولقد فطن الناس إلى هذا فلم يحاولوا .
ويبقي السؤال : ما الوجه الذي وجدوه في هذا القرآن وعلموا ، أنهم عنه عاجزون فسكتوا رغم التحدي ؟ ذاك ما يجيب عنه هذا البحث ، وذاك لب الإعجاز وجوهره أو أن شئت قل : لب التحدي وجوهره وذاك معنى ( من مثله ) 0
ولكن ما الفرق بين وجه التحدي ووجه الإعجاز ؟
إن هناك فرقاً كبيراً بين وجوه الإعجاز ووجه التحدي ، ولعل أول من لفت النظر إلى هذه القضية هو ابن عطية حين قال : [ وجه التحدي في القرآن إنما هو بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه .
ووجه إعجازه أن الله قد أحاط بكل شيء علماً 0000’ وأحاط بالكلام كله علما فعلم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعني بعد المعني ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره . ] [46]
ويقول شيخي محمود توفيق ـ أعزه الله ـ [ علينا أن نفرق بين أمرين : مناط التحدي ومناط الإعجاز ...
ثم يقول : أذهب إلى أن كل شيء في القرآن هو مناط إعجاز ، وأن مناط التحدي هو نظمه ... أي صورة المعني وليس المعني نفسه ، فالمعني القرآني نفسه معجز ولكنه ليس هو مناط التحدي .
والنظم القرآني معجز ومناط تحدٍ .] [47]
وسواء اتفقنا مع هذا أو اختلفنا معه إلا أن الإشارة إلى وجود مناط للإعجاز ومناط للتحدي أمر بالغ الأهمية ، فعلماؤنا خلطوا بين الأمرين ، وحدثونا عن الإعجاز وهم يقصدون التحدي تارة ولا يقصدونه أخرى ، ولهذا تباين كلامهم ، وتعددت اتجاهاتهم .
لا لشيء إلا لأنهم أدخلوا هذا في ذلك ، وأصبح كـل عالم يتناول ما في القـرآن الكريم من قضايا – كل بحسب تخصصه – ولكنها جميعاً في عرفهم معجزة .
يقول شيخي ـ أعزه الله ـ : [ إن هناك ثلاث جهات كلية تناولت قضية الإعجاز :
الأولي : جهة الكلام في العقيدة .
والثانية : جهة تأويل القرآن وعلومه .
والثالثة : جهة علماء البلاغة .
. أما علماء العقيدة فمعنيون بما يعرف بوجوه دلالته على صدق النبوة المحمدية ... فإذا ما تقرر من بيان علماء العقيدة إعجاز القرآن الكريم بأي وجه من وجوه الإعجاز فقد قاموا برسالتهم ، فإذا امتد القول بهم إلى جهات إعجازه فنافلة .
فخطاب علماء العقيدة مرمي به إلى الكافرين .
أما علماء التأويل فكلامهم ينصب في باب وجوه الإعجاز ، وتعديد هذه الوجوه وبيان منازلها وكلام هؤلاء مبني على تحقيقات علماء العقيدة ... ويكون مع من آمن بإعجاز القرآن الكريم ...
أما علماء البلاغة ... ففريضتهم النظر في جهة واحدة من جهات إعجاز القرآن الكريم : بلاغته وفصاحته . ] [48]
وكلام شيخي ـ أعزه الله ـ يجعل الباحث في دلالة المثلية لا يخرج عن إطار البلاغة وكأنها آيات محكمات مما يجعلني أضع نفسي في إطار لا أخرج منه لأنني أدرس القرآن من جهة البلاغة .
ولكن : لم أضع نفسي في هذا القالب ، وماذا سأضيفه للبحث إن كنت سأقيد نفسي بهذا القيد ؟
إنني معنيٌ هنا بالكشف عن مراد كلمة ( المثل ) في قوله ( من مثله ) ليس من باب العقيدة ، ولا من باب التأويل ولكن من باب البلاغة ، فالبحث يتخذ من علم البلاغة ميداناً للنظر للوصول إلى مقصودهذه الكلمة وبعد الوصول إلى مقصودها يستطيع البحث أن يبني على هذا المراد عقيدة توضح مفهوم التحدي ومقصوده فالعفيدة لابد أن تكون مبنية على فهم صحيح للكلام والفهم الصحيح لاينشأ إلا من عند أهل اللغة وفي طليعتهم علماء البلاغة
ومن هنا نحن في صدد البحث عن دلالة ( المثل ) المتحى به وهل هو مثلية في البلاغة أم في غيرها ؟
وأول ما يلفت النظر هنا أن العلماء لم يتفقوا على وجه واحد من الإعجاز ليكون هو مناط التحدي بل تعددت آراؤهم مع أنهم جميعا وهم يعرضون أوجه الإعجاز يستدلون بآيات المثلية 0
وإليك بعضا من ذلك :
اختلاف وجوه الإعجاز في تراث العلماء
تزخر مكتبة الإعجاز القرآني بآراء علمائنا في وجوه الإعجاز ، ولا تكاد ترى عالماً ينفرد بوجه واحد ويقول : هذا هو وجه الإعجاز ، وما عداه فلا ، ذلك لأنهم جميعاً يرون الإعجاز في وجوه شتى وإن كان البعض يميل إلى رأي دون آخر .
وتتعدد أوجه الإعجاز في كتاب الله تعالى بتعدد جوانب النظر فيه ، فكل آياته فيها إعجاز لفظي ، وبياني ودلالي ، وكل مجموعة من الآيات وكل سورة من السور طالت أما قصرت بما فيها من قواعد عقدية أو أوامر تعبدية ، أو قيم أخلاقية أو ضوابط سلوكية ، أو إشارات علمية ، وكل شيء من أشياء هذا الكون الفسيح وما فيه من ظواهر وكائنات وكل تشريع وكل قصة وكل واقعة تاريخية وكل وسيلة تربوية وكل نبوءة مستقبلية كل ذلك يفيض بجلال الربوبية ويتميز عن كل صياغة إنسانية ويشهد للقرآن بالتفرد كما يشهد بعجز الإنسان عن أن يأتي بشيء من مثله ) [49]
ولأجل كل هذا عقد العلماء في كتبهم فصولاً وعنونوها بـ ( وجوه الإعجاز ) مثل الباقلاني ، والزركشي وقالوا : [ لا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز واختلفوا في إعجازه ] [50] فهذا قال بالصرفة ، وهذا قال الإعجاز في حديثه عن الغيب ، وهذا في إخباره عن قصص الأولين ، وهذا في تأثيره على القلوب وذاك في كشفه لما في الضمائر ، وآخر في غرابة الأسلوب والسلامة من العيوب لكن الغالبية منهم أعلت من شأن النظم وقالوا [ إنه الذي عليه الجمهور والحذاق . ] [51]
وهناك من تحير في وجه الإعجاز حين سئل عنه فقال :[ هذه مسألة فيها حيف على المفتي ، وذلك أنه شبيه بقولك : ما موضع الإنسان من الإنسان ؟ فليس للإنسان موضع من الإنسان ، بل متى أشرت إلى جملته فقد حققته ودللت على ذاته .
كذلك القرآن لشرفه لا يشار إلى شيء منه إلا وكان ذلك المعني آيه في نفسه ومعجزة لمحاولة وهدي لقائله ، وليس في طاقة البشر الإحاطة بأغراض الله من كلامه ، وأسراره في كتابه فلذلك حارت العقول وتاهت البصائر عنده . ] [52]
وإذا كانت هذه التوجهات قد قيل بها في زمان اشتغل الناس فيه بالقرآن الكريم كلغة وبيان ونظم وبرهان ، فلقد جاء زمان امتاز بنمط آخر من الاهتمام وهو الاهتمام بالعلم التجريبي ، ولم يبخل القرآن عليهم بما يمدهم من وجوه أخرى غابت عن أسلافهم .

وسواء اتفقنا مع هؤلاء أو اختلفنا معهم فإنه يجدر بنا الوقوف على جهدهم وعدم إغفاله عند الحديث عن إعجاز القرآن الكريم أو تحدي القرآن الكريم للناس .

ذلك لأنه هؤلاء ينطلقون من قاعدة لا يعتريها شك وهي أنه : إذا كان القرآن الكريم معجزاً في نظمه فإن فيه أيضاً حقائق أخرى متعلقة بالغيب ، وموصولة بالتشريع ومربوطة بأسرار الكون .
وكل ذلك لا يعقل أن يكون العرب قد طولبوا به ، لأنه لا علم لهم به .
أضف إلى ذلك : أن ابتعاد الناس عن اللغة الفصيحة اليوم يقلل من الأضواء التي ألقيت في السابق على الإعجاز البلاغي ، ولا تنس أيضاً أن الإعجاز للإنس والجن كما صرح القرآن الكريم وهو تحد مستمر إلى يوم الدين ، مما يعني أن تحجيم الإعجاز وقصر التحدي على اللغة وبلاغتها تغييب لعصٍر يحياه الناس الآن ، أو تغييب للقرآن الكريم ، وكلا الأمرين خطأ في ظل هذا الصراع القائم بين الإسلام وغيره من العقائد المختلفة .
فدعونا نقف قليلاً على هذا الوارد الجديد ، وهو الإعجاز العلمي أولاً :
[align=center]***[/align]
[align=center]المبحث الخامس
أشهر وجوه الإعجاز
[ الإعجاز العلمي ـ الإعجاز التأثيري ـ الإعجاز الغيبي ][/align]أولاً : الإعجاز العلمي :
على الرغم من وجود طائفة من العلماء الآن تجد أن اللغة التي تناسب العصر هي لغة الإعجاز العلمي ، وأنه ينبغي إغلاق الباب الآن حول الوجوه الأخرى لأنها لا تتساوق مع حديث الناس اليومي واهتماماتهم ، فلغة الناس اليوم هي لغة الكمبيوتر والذرة وغزو الفضاء وعلم الجينات ... إلى آخر هذا الفيض من المكتشفات ، 000 أقول على الرغم من هذا إلا أن هناك من يرى أن الأولى أن نجنب القرآن كل هذا ، لأن اللفتات العلمية فيه ليست مقصودة لذاتها بل هي داخلة في إطار الهداية ، ودلالة الخلق على الخالق.

وأنا هنا أسجل الموقفين ثم أدلف إلى مراد البحث :

فالفريق الأول يرى أن القرآن الكريم يفيض بالآيات العلمية عن الكون ومراحل تكونه وظواهره المختلفة ، والسنن التي تحكم هذه الظواهر ووصل عدد هذه الآيات في الإحصاء إلى ألف آية صريحة عدا الآيات الأخرى التي تدنو أو تبعد .

وعمدتهم في كل هذا قول الله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ)(فصلت: من الآية53)

حتى نادي صاحب كتاب جواهر القرآن على الناس قائلاً :

[ يا أمة الإسلام آيات معدودات في الفرائض اجتذبت فرعاً في علم الرياضيات فما بالكم أيها الناس بسبعمائة آية فيها عجائب الدنيا كلها .... هذا زمان العلوم ، وهذا زمان ظهور الإسلام ....

يا ليت شعري لماذا لا نعمل في آيات العلوم الكونية ما فعله آباؤنا في علوم الميراث ؟ ....

إن نظام التعليم الإسلامي لابد من ارتقائه ، فعلوم البلاغة ليست هي نهاية علوم القرآن ، بل هي علوم لفظه .... ] [53]

فهذا الوجه يعتمد أهله على أن القرآن الكريم كتاب علم بجانب كونه كتاب هداية ، وأن طلاب العلم ينبغي أن يولوا وجوههم تجاه هذه القبلة ، قبلة العلوم فهي لغة العصر ، وميزان التقدم ، كما كانت البلاغة والفصاحة هي لغة العصر وميزان التقدم في العصر الجاهلي .

ومن هنا تعددت المؤلفات التي تتناول القرآن الكريم من وجهات أخرى مثل الفلك ، والطب والهندسة ، وعلوم النبات ، وطبقات الأرض ، إلى آخر ذلك ووصل الأمر إلى إنشاء المجامع العلمية ، ودور البحث المتخصصة في الإعجاز العلمي وانتشر في شبكة المعلومات العديد ، بل الذي لا حصر له من هذه المواقع التي تتحدث بهذا اللسان وتنطق هذه اللغة ، لغة العلوم وتقدم العلوم التجريبية حتى وصل الأمر إلى إنشاء المجامع العلمية ودور البحث المتخصصة في الإعجاز العلمي فالعصر عصر العلوم التجريبية وليس عصر اللغة وظهرت بعض التفاسير المهتمة بالإعجاز العلمي مثل تفسير ( المنتخب ) وهو معنى بدلالة الآيات على نواميس الكون وأسراره العلمية .
-------
وعلى الجانب الآخر ، وفي خضم هذا الجانب ـ المحمود عندي ـ ظهر ما يعارض هذا التوجه ، بل ويجرحه في بعض الأحايين ، ذلك لأن القرآن لا يقصد إلا إنقاذ الإنسانية العاثرة وهداية الثقلين إلى سعادة الدنيا والآخرة ، فالقرآن الكريم كتاب هداية وإعجاز بلاغي .
وعليه فلا يليق أن نتجاوز به حدودهما حتى وإن ذكر فيه شيء من الكونيات فهو لا يقصد مطلقاً أن يشرح حقيقة علمية في الفلك أو الكيمياء ، ولا أن يحل مسألة حسابية أو معادلة جبرية ، أو نظرية هندسية ولا أن يزيد في علم الطب باباً ولا في علم التشريع فصلاً ، ولا أن يتحدث عن علم الحيوان .. إلى غير ذلك .
ولكن بعض الباحثين طاب لهم أن يتوسعوا في علوم القرآن ومعارفه فنظموا في سلكها ما بدا لهم من علوم الكون .
وهم في ذلك مخطئون ومسرفون وإن كانت نيتهم حسنة وشعورهم نبيلاً ، ولكن النية والشعور مهما حسنا لا يسوغان أن يحكي الإنسان غير الواقع ويحمل كتاب الله ما ليس من وظيفته خصوصاً بعد أن أعلن كتاب الله عن نفسه هذه الوظيفة وحددها مرات كثيرة منها قوله تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيه هدى للمتقين ِ)(البقرة: من الآية2)
ومما يجب التفطن له أن عظمة القرآن لا تتوقف على أن تنتحل له وظيفة جديدة ولا أن نحمله مهمة ما أنزل الله بها من سلطان فإن وظيفته في هداية العالم أسمي وظيفة في الوجود ، ومهمته في إنقاذ الإنسانية أعلى مهمة في الحياة ....
إن القرآن حين يعرض لآية كونية .... يتحدث عنها حديث المحيط بعلوم الكون الخبير بأسرار السماوات والأرض الذي لا تخفي عليه خافية 0
إن هناك مؤلفات جمة تموج وتضطرب باستنباط علوم الكون من القرآن الكريم ، ولقد تبين أن علوم الكون خاضعة لطبيعة الجزر والمد وأن أبحاثاً كثيرة منها لا تزال قلقة حائرة بين إثبات ونفي ... مما زعزع ثقتنا بما يسمونه العلم ، وجعلنا لا نطمئن إلى كل ما قرروه باسم هذا العلم ، فهل يليق أن نبقي مخدوعين مغرورين بعلمهم الذي اصطلحوا عليه ، وتحاكموا إليه وقد سجنوه وسجنوا أنفسهم معه في سجن ضيق هو دائرة المادة ، تلك الدائرة المسجونة هي أيضاً في حدود ما تفهم عقولهم وتصل تجاربهم ، وقد تكون عقولهم خاطئة ، وتجاربهم فاشلة .
ثم هل يليق بعد ذلك كله أن نحاكم القرآن الكريم إلى هذه العلوم المادية القلقة الحائرة ، بينما القرآن هو تلك الحقائق الإلهية العلوية القارة الثابتة المتنزلة من أفق الحق الأعلى الذي يعلم السر وأخفي.
ألا إن القرآن لا يفر من وجه العلم ولكنه يهفو إلى العلم ويدعوا إليه ويقيم بناءه عليه فأثبتوا العلم أولاً ووفروا له الثقة وحققوه ثم اطلبوه في القرآن فإنكم لا شك يومئذ واجدوه . ] [54]
وبعد هذا العرض لوجهتي النظر يحسن أن أسأل هنا :
ألا يعد الإعجاز العلمي أيسر الطرق لجذب عقول الغربيين إلى الإسلام ؟
ألا يعد أفضل الوسائل لإقناع الماديين والملحدين والعلمانيين بعظمته وبخاصة في عصرنا الحاضر؟
وإذا كان علماؤنا قد استفرغوا جهدهم في العناية بالإعجاز البلاغي في وقت كان العلم فيه لغة ، وكانت اللغة هي مدار العلوم أفلا يحق لأهل العلم الآن أن يستفرغوا جهدهم في إعجازه العلمي ويكون هو المنطلق والباعث وليس كما يقال : حققوا العلم ثم اطلبوه في القرآن فإنكم واجدوه ؟
إنني لا أري عيباً في أن ننظر إلى القرآن الكريم على أنه معجزة علمية شريطة أن يتناول ذلك أهل الاختصاص .
فالقرآن الكريم رسالة متجددة لكل العصور وحين يكون العصر عصراً لغوياً فهو معجزة بلاغية ، وحين يكون العصر يموج بالعلوم التجريبية فهو معجزة علمية ولا ننكر الأخرى ، وكلما تقدم علم الإنسان وتقدمت اهتماماته فتح القرآن من خزائنه ما يبرهن على أنه كلام الله تعالى 0
ولم أجد أحداً قديماً أو حديثاً من علمائنا الأجلاء توقف عند وجه واحد من وجوه الإعجاز وأنكر الباقي ، بداية من الأوائل مثل الرماني والخطابي وعبد القاهر وانتهاء بأساتذتنا مثل محمود شاكر ورجب البيومي وأبي موسى ومحمود توفيق وغيرهم 0
ولا عجب في أن يروا هم أن المقدم من الوجوه هو الإعجاز البلاغي ويري البحث غير ذلك .

ثانياً : الإعجاز التأثيري :
تأثير القرآن في الناس أمر بدهي لكل ذي عينين ، حتى سماه المشركون سحراً ، والذي ينبغي التوكيد عليه هنا أن القرآن الكريم كتاب هداية .
(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء:9)
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:2)
( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران:138)
ذاك هو الهدف من القرآن الكريم ، بل هو الهدف من وراء كل معجزة أتي بها الأنبياء .
ولقد كان العرب قديماً يعرفون له هذا الأثر فقالوا : ( هذا سحر مبين ) وقالوا ( إن له لحلاوة ) وقالوا لبعضهم ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ) .لأنهم إن سمعوه بقلب فارغ من العداء أسرهم وأحاط بهم وأخذ بمقاليدهم فلا يجدون مفراً من التسليم له واتباع ما فيه .
والقصة التي أوردها ابن خلكان في شأن أبي عبيدة معمر بن المثني وهو يدافع عن القرآن الكريم ، والتي قيل إنها سبب نشأة علم البلاغة هذه القصة تبين بجلاء أن قضية القرآن ، ليست قضية لغوية ، وأن التحدي فيه لم يكن في اللغة وفصاحتها وسموها .. إنما في شيء آخر ، والقصة ملخصها :
أن إبراهيم بن إسماعيل الكتب سأل عن قول الله تعالى (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ) (الصافات:65) . وكان العجب أن يقع الوعيد بمثل هذا حيث لم ير أحد رءوس الشياطين ، وكانت إجابة أبي عبيدة مضيئة لكثير مما غمض علينا ، فماذا قال ؟ لقد قال : إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم . ثم ذكر من شعر أمرئ القيس ما يؤيد هنا وذلك قوله :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
والعرب لم تر الغول ، ولكن لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به .] [55]
المهم هنا قوله : إنما كلم الله تعالى العرب على قدر كلامهم .
وهذا يؤيد أن أغلب تعليقات العرب على القرآن الكريم لم تكن على بلاغته بل على هديه وأثره في نفوسهم .
ولقد بعث أكثم بن صيفي ـ وهو من حكماء العرب المعدودين ـ ولده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع منه ...
فاستمع الولد إلى رسول الله ، ولا يخفي أن رسول الله كان يُسمِع كل وافد القرآن الكريم ..فلما جاء الولد أباه وأخبره بما سمعه من رسول الله جمع أكثم قومه ثم قال لهم : إن ابني شافه هذا الرجل مشافهة وأتاني بخبره وكتابه يأمر فيه بالمعروف وينهي عن المنكر ويأخذ بمحاسن الأخلاق ويدعو إلى توحيد الله .... الخ وهذا الكلام لا ذكر فيه لبلاغة أو فصاحته .
[ ولقد كان كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة أول كتاب يبحث في أسلوب القرآن الكريم ويوازن بينه وبين كلام العرب لينتهي من الموازنة إلى أنه نمط من ذلك الكلام ... وكلمات من كلام الناس ولكن يفعلن هذا الأمر العجيب في النفوس ويقمن هذا السلطان القاهر على القلوب ...
وهذا الوجه من وجوه الإعجاز هو المعجزة القائمة في القرآن الكريم أبداً الحاضرة في كل حين ، وهي التي تسع الناس جميعاً ، عالمهم وجاهلهم ، عربيهم وأعجميهم ، إنسهم وجنهم .
إن هذا الوجه عمدة وجوه الإعجاز في القرآن ، فالروعة التي كانت تلحق قلوب سامعيه عند سماعه والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته هي مثال إعجازه ، وهي المعجزة القائمة أبد الدهر وهو الوجه الذي من حقه في رأينا ، أن يكون وجه الإعجاز وحده . ] [56]
وهكذا نظر العلماء إلى الإعجاز التأثيري ، وعدوه الوجه الذي من حقه أن يكون وجه الإعجاز وحده .
وكأنهم يؤكدون عدة أمور ، من خلال كلامهم ، منها :
إن الإعجاز البلاغي والتحدي في البلاغة يتصادم مع وجود العالم والجاهل والعرب والعجم ، والإنس والجن ، وقيام المعجزة على طول الزمان والمكان .
لذا راحوا يضعون هذا عن عاتقهم ويحملون هذا الوجه البديل الذي لا مطعن فيه ولا خلاف عليه حتى قال الشيخ الغزالي ـ رحمه الله ـ [ ما أظن امرءاً سليم الفكر والضمير يتلو القرآن أو يستمع إليه ثم يزعم أنه لم يتأثر به . ] [57]
ولا يغرنك عدم تأثر أهل الإلحاد والشرك [ فأثر القرآن مختلف حسب نوع المتلقي ، وما لديه من استعدادات لاستقبال المؤثرات القرآنية أو موانع من أمراض القلوب المتنوعة ، فأثر هذا القرآن ومظاهر هذا التأثير واضحة في الفريقين :
في المؤمنين : زيادة في الإيمان واستبشار في الوجوه
وفي المنافقين : زيادة في الرجس والشر والدنس وخاتمة
سيئة هي الموت على الكفر . ] [58]
وإذا كنت أتفق في أثر القرآن على القلوب لكن هل المثلية المتحدى بها مثلية تأثير على الناس ، بمعنى هل طلب منهم المجيء بكلام مؤثر في القلوب ؟ إن أهل الشرك والإلحاد لا يزالون يجادلون ويقولون ولم لم نتأثر نحن فإن قلت إنه يزيدهم رجساً إلى رجسهم اتهموك بالهروب والمماطلة لأنهم يريدون التأثير بمعنى الهداية ، وأري أن لهم وجهاً ، ولذا أود أن نمضي إلى وجه آخر قد يكون محل اتفاق وهو :
--------
ثالثاً : الإخبار عن الغيب
أغلب المتحدثين عن الإعجاز اهتموا بذكر هذا الوجه ، وجعلوه في بعض الآراء الوجه الأهم ، يقول البيهقي :[ في القرآن وجهان من الإعجاز :
أحدهما : ما فيه من الخبر عن الغيب ، وذلك في قوله عز وجل : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(التوبة: من الآية33) وقوله (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ )(النور: من الآية55) وقوله في أول الروم (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)(الروم: من الآية3) وغير ذلك من وعده إياه بالفتوح في زمانه ، وبعد زمانه ، ثم كان كما أخبر ... والآخر : ما فيه من الخبر عن قصص الأولين ... ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ كتاباً ولا يخطه ، ولا يجالس أهل الكتاب للأخذ عنهم وحين زعم بعضهم أنه يعلمه بشر رد الله ذلك عليه فقال : (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)(النحل: من الآية103) .[59]

وفي كلتا الحالتين فالإعجاز إعجاز غيبي ، فالخبر عن المستقبل غيب ، والحديث عن السابقين غيب ، وكأن البيهقي ـ رحمه الله ـ يحصر الإعجاز والتحدي في الغيب لكن هذا الوجه لم يسلم من النقض فضلاً عن النقد ، حيث يقول شيخي محمود توفيق ـ حفظه الله ـ [ إن القول بأن الإخبار بالغيوب هو وحده مناط للإعجاز ، متعاند مع ما جاءت به آية التحدي في سورة هود(13) وهي قوله (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) .
فقوله ( مفتريات ) قاطع بأن مناط التحدي ليس ما تضمنه من معاني الحق سواء ما كان منها ، من باب الإخبار بغيب مضى أو غيب قائم أو غيب قادم . ] [60]
وأري أن الإخبار بالغيب وجه من وجوه الإعجاز الظـاهرة التي يُستـند إليها لكنها ـ كما قـال شيخي ـ لا يكتفي بها [ ولقد كان كفار مكة أحرص الناس على إبطال قوله صلى الله عليه وسلم مجتهدين بكل طريق يمكن ، فتارة يذهبون إلى أهل الكتاب يسألونهم عن أمور من الغيب حتى يسألوه عنها ، كما سألوه عن قصة يوسف وأهل الكهف وذي القرنين ... ] [61]
وحين قالوا ( لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا)(لأنفال: من الآية31) كان تعريفهم له أنه (أساطير الأولين ) فقالوا (إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ) .
والقرآن يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ )(يوسف: من الآية3) .
ولكن هناك أمر ينبغي الإشارة إليه وهو أن الغيب ليس مقصوراً على القصص أو التنبؤ بما سيكون
إن الغيب هو القرآن الكريم ، هو الحديث عن الله وملائكته ورسله وعن الكون بما فيه وعن القيامة بما فيها ، وعن الماضي كله والمستقبل كله ، ولو تصفحت كتاب الله تعالى لن تعدم شيئاً من هذه الأمور ، حتى في السور القصيرة ، وأقرأ من أول سورة الناس وهي تحدثك عن إله واحد مالك للجميع يعيذك من شر الشيطان الذي يوسوس في الصدور ... وكل ذلك كما تلحظ غيب .
ثم انتقل إلى سورة العلق وهي تحدثك عن [ ثلاثة أنواع من الشرور :
أحدهما : وقت يغلب وقوع الشر فيه وهو الليل .
والثاني : صنف من الناس أقيمت صناعتهم على إرادة الشر بالغير .
والثالث : صنف من الناس ذو خلق من شأنه أن يبعث على إلحاق الأذى بمن تعلق به.] [62]
وكل هؤلاء غيب : حتى في أقصر صورة في القرآن وهي سورة الكوثر حديثان عن الغيب
الأول : الكوثر وهو نهر في الجنة .
والآخر : الإخبار بأن مبغض النبي هو الأبتر بقطع ذكره الطيب إلى يوم القيامة 0
والذي أريد أن أقرره هنا أن الغيب وجه من وجوه الإعجاز ، لكن هل وقع التحدي به ؟ وهل المثلية المرادة هنا مثلية غيب ؟
وهل المطلوب من الجن والإنس أن يأتوا بكلام يحدث الناس عما وقع في الماضي أو ما سيقع في المستقبل؟
إن القرآن يقول :
1- (ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب ...ِ)(البقرة 2 :3)
2- (ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ )(آل عمران: من الآية44)
3- (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)(الجـن 26 : 27)
إن الغيب والإطلاع عليه وجه من وجوه التحدي ، أتي به النبي من عند ربه ولكنه ليس كل التحدي ، وحين يقول القرآن ( فأتوا بسورة من مثله ) قد يعني الغيب وقد يعني غيره ، وبخاصة أن البشر لا إطلاع لهم على الغيب .
إن الأمر قد يكون ، وقد لا يكون ، في كل ما سبق .
قد تكون المثلية المطلوبة مثلية علم ، أو مثلية هداية ، أو مثلية غيب وقد تكون المثلية غير ذلك ، وقد تكون في مجموع ذلك .
ولقد عرضت لك حديث العلماء عن الإعجاز العلمي والتأثيري ، والغيبي وفي كل مرة نرى أنه من الممكن حمل المثلية على هذا الوجه ، ومن الممكن لا .
لكن الشائع في ميدان البلاغة حتى صار هو الأصل في كتبهم أن المثلية المطلوبة في آيات التحدي هي مثلية أسلوب ونظم وبلاغة ، ... وغير ذلك من أوصاف تعود على لغة القرآن .
وأقف بك على هذا بعض الوقت .
[align=center]***[/align]
المبحث السادس
الإعجاز البلاغي
رؤية نقدية
ارتبط الإعجاز بالبلاغة منذ نزول القرآن الكريم على العرب ، والمعلوم سلفاً أن العرب قوم بضاعتهم البلاغة والفصاحة المتمثلة في الشعر والخطابة والحكم والأمثال ، وحين نزل القرآن الكريم وهو كلام الله على قوم هذه بضاعتهم انصرفت الأذهان مباشرة إلى جمال هذا الكلام وحلاوته ، وعلو منزلته ، وسمو تراكيبه ، حتى التصق الإعجاز بالفصاحة والبلاغة ، وهنا يطرح سؤال مهم :
ما الذي ربط الإعجاز بالبلاغة هكذا حتى بدا كأنه إجماع للأمة ، أو على الأقل : ما عليه جمهور العلماء ؟
الذي يظهر لي ، أن هذا الارتباط نشأ من عدة أمور منها :
1- أن القرآن نزل على العرب .
2- أن العرب اشتهروا بالفصاحة والبلاغة وهم يعتقدون أن المعجزة من جنس ما نبغ فيه القوم .
3- أن هذه المعجزة ما هي إلا كلام .
4- ما أثر عن بعض العرب في وصفهم للقرآن حين تأثروا به بأن له حلاوة وأن عليه طلاوة ... الخ.
كل ذلك حسب ظني هو الذي حبس الإعجاز في هذا الركن الضيق وصرف الأذهان عن غيره زمناً طويلاً .
لقد نظرنا إلى القرآن الكريم نَظَرَنا إلى القصيدة أو الخطبة أو الحكمة فما دامت المعجزة كلاماً ، فإعجازها وتحديها في ألفاظها وتراكيبها ، ورحنا نقول أن هذه المعجزة تكمن في إحاطة الله علماً بكل شيء , ومن هذه الأشياء الكلام وترتيب الألفاظ ، وأي لفظة تصلح أن تلي اللفظة الأولى ، وأي الألفاظ يثلث بها لبيان المعني ، ومطابقة هذا الكلام لمقتضى أوال الناس 0000 .
ولما كان علم الله تعالى محيطاً علم أي الألفاظ يبدأ بها ، وأيها يثني بها ، وأيها يثلث بها حتى جاء النظم القرآني في المرتبة التي يعجز عنها البشر .وبدأت الفكرة تتسع شيئاً فشيئاً فقيل [ إن القرآن الكريم لو تركت منه لفظة ثم أدير اللسان العربي على لفظه أحسن منها لما وجدنا . ] [63] لقد ظل هذا القول يتسع حتى عقدت موازنات بين ألفاظ القرآن الكريم وألفاظ الشعراء والحكماء ، وكيف يوظف القرآن اللفظة في مكانها التوظيف الأمثل وكيف ينتقي التركيب الأعلى في الإيجاز والدلالة ، مثل قوله سبحانه ( القصاص حياة ) وقول العرب ( القتل أنفي للقتل ) .
وهكذا اتسعت دائرة البلاغة شيئاً فشيئاً حتى استحال على القائلين بالإعجاز تجاهلها أو التغاضي عنها ، أو تقديم شيء عليها وأنا لا أختلف مع كل ذلك لكني أبحث عن موطن التحدي .
وأمر آخر وهو أن علماءنا نظروا إلى العرب على أنهم أهل التحدي وحدهم فما دام القرآن عربياً ونزل على العرب فالمعجزة عربية ، وبخاصة أن القوم أرباب فصاحة وبلاغة 000
وأسأل أيضاً هنا وأقول : إن الإنجيل نزل بلغة بني إسرائيل وقتها فلم لم تكن معجزة عيسى في اللغة ، وإذا اتفقت معك على أنهم قوم لم يشتهروا بالفصاحة بل بالطب فهل اقتصرت معجزة عيسى على الطب ، ألم يقل (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(آل عمران: من الآية49)
ألم يُنزل عليهم مائدة من السماء بدعائه ؟
ألم يخلق طيراً بإذن الله ؟
فهل كل هذا له علاقة بالطب ؟!
إن القول بأن المعجزة من جنس ما برع فيه القوم يحتاج إلى وقفة ، وهذا يعني أن ربط معجزة القرآن بفصاحة العرب وبلاغتهم وأن التحدي في ذلك يحتاج أيضاً إلى وقفة .
ثم أن المعلوم بجلاء أن اللغة وسيلة وليست غاية ، وأداة وليست هدفاً 0
نعم : نزل القرآن بلغة العرب .
راجع هذه الجملة :نزل القرآن بلغة العرب . إذن هناك قرآن ، وهو كلام الله تعالى . وهذا القرآن الذي هو كلام الله تعالى : نزل بلغة العرب .
وعند التحدي نطلب كلام الله ، وليس لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم .
إن سحرة موسى حين جاؤا بسحرهم جاؤا بالشكل والهيئة فسحروا أعين الناس حتى خاف موسى عليه السلام .
ولكن أفعالهم كانت هيئات وليست حقائق ، كانت أشكالاً مثل لغة القرآن ، ولم تكن حقائق مثل القرآن ، وحين ألقي موسى عصاه انقلبت حية حقيقية ، ومن هنا كان التحدي في الحقائق وليس في الأشكال والمطلوب من الناس الآن أن يأتوا بالقرآن وليس لغة القرآن .
ولو كان التحدي في الهيئة والشكل لقال سحرة فرعون لقد جئنا بمثل ما جاء به موسى ، فهل قالوا هذا ؟
ومن هنا أقول : إن التحدي ليس في البلاغة والفصاحة وإن كنت لا أنكر أن القرآن الكريم يقف في الغاية القصوى التي لا يطمح إليها بشر .
وما أثر عن العرب في حديثهم عن القرآن حيث يتخذ دليلاً على أن التحدي في البلاغة فإنه يحتاج إلى قراءة أخرى وهاك بعض الأمثلة :
نقل القرطبي ـ رحمه الله ـ [ أن أبا طالب لما قيل له : إن ابن أخيك زعم أن الله أنزل عليه ... (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90) قال اتبعوا ابن أخي فوالله إنه لا يأمر إلا بمحاسن الأخلاق .
وقال عكرمة :قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوليد بن المغيرة ، إن الله يأمر بالعدل والإحسان ... إلى آخرها فقال : يا ابن أخي أعد ، فأعاد عليه فقال والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أصله لمورق ، وأعلاه لمثمر ، وما هو بقول بشر . ] [64]
ففي موقف أبي طالب كان الانبهار ودعوة الناس إلى الإيمان بسبب ما في القرآن من خير دعوة إلى مكارم الأخلاق .
أما كلام الوليد فوصف للمعنى وليس وصفاً للفظ ، فالحلاوة والطلاوة والإثمار والإيراق كل ذلك وصف للمعاني كما قال الإمام [ إنهم لم يوجبوا للفظ ما أوجبوه من الفضيلة وهم يعنون نطق اللسان وأجراس الحروف ولكن جعلوا كالمواضعة فيما بينهم أن يقولوا اللفظ وهم يريدون الصورة التي تحدث في المعني] [65]
والآية التي وصفها الوليد فيها من المعاني ما يستولي على العقول حيث أوجبت العدل والإحسان وصلة الرحم و النهي عن كل منكر ...

كل ذلك معانٍ تأخذ بالقلوب قبل الأسماع ، ووضعت هذه المعاني في صورة تقابلية تجمع بين الأمر بالخير والنهي عن الشر في إطار واحد ، ولا يتأتى هذا إلا مِن إله يريد للناس الخير ولذلك ختم الوليد مقولته بأن قال : ( وما هو بقول بشر ) .
وذاك بيت القصيد : ( ما هو بقول بشر ) .
وحين تراجع قول النجاشي حين سمع القرآن الكريم ورويت له قصة عيسى عليه السلام وأمه الصديقة قال :
( هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ] [66]
إنه علق على المصدر الذي جاء منه القرآن والذي جاء منه كتاب موسى إنه من عند الله .

هذا ما جذبه وجعله يؤمن بهذا الكلام .

وفي قصة إسلام عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ روايات ، منها رواية لعطاء ومجاهد نقلها ابن اسحق عن عبد الله بن أبي نجيح وفيها أن عمر قال : ( كنت للإسلام مباعداً وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها وأشربها وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش ، فخرجت أريد جلسائي أولئك فلم أجد منهم أحداً ، فقلت : لو أنني جئت فلاناً الخمار ، وخرجت فجئته فلم أجده ، قلت : لو أنني جئت الكعبة فطفت بها سبعاً أو سبعين فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ، وكان إذا صلى استقبل الشام ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام واتخذ مكانه بين الركنين ، الركن اليماني والركن الأسود ، فقلت حين رأيته : والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول ، وقام بنفسي أنني دنوت منه أسمع لأروعنه ، فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثيابها ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة ، فلما سمعت القرآن رق له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام ] [67]

فهذا الحديث حديث تأثر ورقة القلب حين سماع القرآن ، ولا مجال هنا لبلاغة أو بيان أو نحو ذلك .

ومن خلال تلك الروايات يمكن القول بأن القوم حين استمعوا إلى القرآن الكريم كان رد فعلهم يدور في فلكين :

الأول : تأثرهم بهذا القرآن .

الآخر : إجماعهم على أنه ليس بكلام بشر .

[ فقعود الكفار عن المعارضة كان بسبب شعورهم بعجزهم عن هذه المعارضة واقتناعهم بإعجاز القرآن الكريم ] [68]

( ولكن ما السبب في قعودهم ؟ )

السبب أن [ للقرآن شأناً آخر وهو : أنهم رأوا فيه من مسحة الألوهية ما جعله روحاً من أمر الله يتحرك به كل من سمع صوته .

وفي الحديث ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشاً منعوني أن أبلغ كلامي ربي . ] [69]

فتأمل هذه الكلمة الموجزة عن القرآن ( كلام ربي ) .

وهكذا آمن الناس لأنهم سمعوا كلام الله فاستقبلوه استقبال الشفاء والهداية النازلة من السماء ، ولم يدر بخلد واحد منهم أن يعارض ليس لما رأي فيه من البلاغة ( وهي فوق الطاقة كما أعتقد ) ، ولكن لأنه مهما قال فسيقول كلام البشر ولغة البشر وأين كلام البشر من كلام خالق البشر ؟!

إن العربي بطبعه ، بل إن النفس البشرية بطبعها إذا طلب منها التحدي في أمر من الأمور خاضت فيه ، وبخاصة إذا كان عندها شيء من أولياته فلو طلبنا مثلاً من رجل لا يعرف معنى الشعر ، ولم يقرأ كتاباً في اللغة ، لو طلبنا منه أن يأتي بقصيدة مثل قصائد المتنبي لحاول وخاض ، ولأتي بألفاظ لها من الهيئة والتركيب ما لقصيدة المتنبي من الهيئة والتركيب أو قال كلاماً وادعي أنه مثل ما قال المتنبي .

لماذا ؟

لأنه بشر والمتنبي بشر .

ومهما بلغ المتنبي من الفصاحة والبلاغة والبيان والبراعة فهو بشر فالتحدي ممكن وله مسوغاته .

أما أن يقال لبشر يستطيع أن يقف النهار كله يخطب الخطبة ولا يعيد فيها شيئاً كما أثر عن قس بن ساعده الأيادي ، أو يقال لهؤلاء جميعاً إيتونا بسورة مكونة من سطر واحد فيسكتون ، ويمسكون ، ويحجمون ، فإن سكوتهم ليس ناشئاً عن عجز من قبل الكلام ، وإن كان الكلام خارجاً عن طوقهم ، بل من يقينهم بأن هذا الكلام كلام الله ونحن نريد كلاماً من عند الله وليس من عندكم .
والسؤال :
لنفترض ـ جدلاً ـ أن هذا الكلام قال به بشر ، وأن القرآن كلام بشر ـ أقول لنفترض ـ ثم تحدي به الناس ، هل كانوا سيقعدون عنه ؟
راجع نفسك وستعلم أن قعودهم عن التحدي إنما كان لأنه كلام الله .
--------------
ما المقصود بالبلاغة في كلامهم ؟
ما المقصود بالبلاغة التي تحدي بها القرآن الناس ؟
إن البلاغة والإعجاز البلاغي ، مصطلح لم يتفق عليه أهل البلاغة ، فلقد ذكروا كلاماً كثيراً قد نتفق معه حيناً وقد نختلف معه أحياناً أخرى ، لكن الذي لا شك فيه أنه لم يكن كلاماً واحداً ، ولا مضموناً واحداً .
فهناك من يرى البلاغة في نظم الحروف وتتابعها كما يقول الباقلاني :
( الذي تحداهم به أن يأتوا بمثل الحروف التي هي نظم القرآن ، منظومة كنظمها ، متتابعة كتتابعها مطردة كاطرادها ، ولم يتحداهم إلى أن يأتوا بمثل الكلام القديم الذي لا مثل له . ] [70]
ثم يقول : [ فالتحدي واقع إلى أن يأتوا بمثل الحروف المنظومة التي هي عبارة عن كلام الله تعالى في نظمها وتأليفها . ] [71]
فنظم الحروف هنا هو البلاغة ، وهو مناط التحدي ، وهذا ما أنكره الإمام عبد القاهر بل عقد له فصلاً قال فيه :
[ وما يجب إحكامه الفرق بين قولنا : حروف منظومة ، وكلم منظوم ، وذلك أن نظم الحروف هو تواليها في النطق ، وليس نظمها بمقتضٍ عن معنى ولا الناظم لها بمقتف في ذلك رسماً من العقل اقتضى أن يتحرى في نظمه لها ما تحراه ، فلو أن واضع اللغة كان قد كقال ( ربض ) مكان ( ضرب ) لما كان في ذلك ما يؤدي إلى فساده . ] [72]
ومن هنا سقط القول القائل بأن البلاغة هي نظم الحروف وأن الإعجاز في نظم تلك الحروف .
وفي جانب آخر جعلت البلاغة مخصوصة باللفظ والمعني ، ففصاحة الألفاظ وشرف المعاني هي موطن الإعجاز ، وحديث علمائنا عن اللفظ والمعني يكاد يكون تلخيصاً لقضية النظم والتأليف عندهم ، فالنظم أمر متعلق باللفظ والمعنى معاً ، وإن كنت تلمح في كلام البعض إعلاءً لشأن اللفظ ، وللبعض الآخر إعلاءً لشأن المعنى .

ففي كلام ابن عطية مثلاً أن الصحيح في وجه الإعجاز هو [ النظم وصحة معانيه ، وتوالي فصاحة ألفاظه ، وذلك أن الله تعالى أحاط بكل شيء وأحاط بالكلام كله علماً فترتيب الألفاظ من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره ...
فبهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة ... والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط ، ولهذا ترى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولاً ثم ينظر فيها فيغير فيها . وهلم جراً .
وكتاب الله عز وجل لو نزعت منه لفظ ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد . ] [73]
[ فالقرآن جاء بالأسلوب الرائع الخلاب الذي اشتمل على الخصائص العليا التي لم تجتمع بل لم توجد في كلام آخر مما أعجز أساطين الفصحاء ومقاويل البلغاء وأخرس ألسنة فحول البيان من أهل صناعة اللسان . ] [74]
فهؤلاء جميعاً جنحوا بالنظم إلى جهة اللفظ ، وأخذ بعضهم يوازن بين بعض التراكيب في لغة العرب ولغة القرآن الكريم ، كما في نحو ( القصاص حياة ) و ( القتل أنفي للقتل ) [75] بل بين لغة النبي صلى الله عليه وسلم ولغة القرآن الكريم مثل وصف الجنة في كلامه صلى الله عليه وسلم ، ووصفها في كلام الله تعالى ، ففي القرآن قيل (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)(السجدة: من الآية17) وقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ) [76]

ومع أن الحديث حديث قدسي إلا أن لفظه للنبي صلى الله عليه وسلم ومن هنا كانت الموازنة بين لغة البشر ولغة القرآن الكريم .

وعليه فإن الإعجاز هنا يبرز فيه دور الألفاظ أكثر مما يبرز دور المعاني ، لأن المعنى في القرآن الكريم وفي الحديث القدسي من الله تعالى فالموازنة إذاً في اللفظ 0
وترى طائفة أخرى من العلماء عكس هذا ، حيث يرون المعنى أعلى قامة من اللفظ كما صنع عبد القاهر الجرجاني ـ رحمه الله ـ فهو لا يبخس حق اللفظ ولا يطرحه اطراحاً ولكنه حامل للمعنى ، ورسول له ، وهذا ما استخلصه أستاذنا أبو موسى بعد مصاحبة طويلة للإمام عبد القاهر حيث خلص إلى أن :
[ الإعجاز قائم بالمعاني وأنه الأقوى والأظهر ، وأن القرآن الكريم حين قال : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) [77](هود: من الآية13)
إنما كان بهذا يتنزل معهم ويمد لهم مجال الإمكان ، ويوسعه لهم ، وكأنه يقول : إذا كانت المعاني مما لا عهد لكم بها ، ولا طاقة لكم عليها وليست من معادن معانيكم وقد بلغتم الغاية في إدارة اللغة على وجه معانيكم التي اخترعتم واختلفتم ، وأنتم في هذا سابقون ، وله مطيقون .
وهذا قاطع بأن الإعجاز بصحة المعاني ، واطراد استقامتها وسدادها أظهر وأبهر .
ولكن عبد القاهر وقف عند البناء البياني لمعاني القرآن . ] [78]
وإذا كان هذا هو رأي الإمام فإن المعاني عنده باب مستور ،وجوهر مكنون ما زال يحيطه الغموض ولذلك قال : [ وأعلم أن غرضي من الكلام الذي ابتدأته والأساس الذي وضعته أن أتوصل إلى بيان أمر المعاني كيف تختلف وتتفق ؟ ومن أين تجتمع وتفترق ؟ وأفصل أجناسها وأنواعها ، وأتتبع خاصها ومشاعها ، وأبين أحوالها في كرم منصبها من العقل ، وتمكنها في نصابه ، وقرب رحمها منه ، أو بعدها عنه . ] [79]
وكلام الإمام يثير في النفس سؤالاً ، بل أسئلة ، وهو الذي يتحدث عن أسرار بلاغة القرآن ودلائل إعجازه ، فهو إذن يقصد إلى بيان معاني القرآن وعلاقاتها المتوافقة تارة ، والمختلفة تارة أخرى .
فكثير من السور المكية ـ مثلاً ـ جاءت لترسخ أمور العقيدة ، وذاك توافق في المعنى ولكن تلك السورة حملت من المعاني ما لا يمكن إدراجه تحت نوع واحد من الأهداف ، ولا تحت باب واحد من المقاصد ، فكل سورة تمثل شخصية مستقلة مختلفة عن غيرها .
ثم إن معاني القرآن الكريم تترابط بروابط ظاهرة مرة وخافية أخرى ، وهذه الروابط لا تجعل هذا هذا ، بل تجعل لكل معنى جنساً بارزاً متوافقاً مع سياقه ومقاومة .

كما أن السور القرآنية فيها معان خاصة لم ترد إلا فيها ، كما اختصت سورة البقرة مثلاً بالحديث عن قصة البقرة ، وقصة طالوت وجالوت وقصة إبراهيم حين سأل ربه كيف يحيي الموتى ؟ كما اختصت بالحديث عن الديون .

وكذلك اختصت سورة النمل بالحديث عن النمل ، وسورة الكهف بالحديث عن أهل الكهف .
هذه معان خاصة ، وهناك معان مشاعة بين السور كما في قصة موسى مع قومه والحديث عن مشاهد القيامة ، وبدأ الخلق ، وعصيان إبليس ... الخ .
وهكذا يمكن فهم كلام الإمام ، وهو كلام أحيط بضرب من الغموض جعل الشيخ أبا موسى –حفظه الله - يراجع دراسة البلاغة بجملتها ويقول بعد سرده : [ وهذا من غوامض هذا الكتاب ، ولم يتضح لي وجهة إلا على ضرب من المسامحة وذلك لأن الكتاب بُني على ما سماه الشيخ مقدمات ، وليس في الكتاب ـ يعني أسرار البلاغة ـ إلا التشبيه والمجاز والكناية .
والشيخ يقول إنها مقدمات تُقدم ، وأصول تُمهد ، وكالأدوات لهذا الغرض حقها أن تجمع ، وضروب من القول هي كالمسافات دون ـ أي دون عرض الكتاب ـ يجب أن يسار فيها بالفكر وتقطع .
وإذا كان كذلك ، وهو كذلك بلا ريب فأين الغرض من علم البيان الذي نقول إن الشيخ هو الذي وضعه؟.
هل ضللنا الطريق ؟
هل درسنا مقدمات العلم على أنها العلم ؟
هل أنت معي في هذا الغموض أم أنني ضللت فهم كلام الشيخ وهو- فيما أراه - صريح مكشوف ؟
ذكر عبد القاهر شيئاً كهذا في دلائل الإعجاز حين قال :
إن ها هنا أسراراً ودقائق لا يمكن معرفتها إلا بعد أن يُعَد جملة من القول في النظم ، وفي تفسيره ، والمراد به ، وأي شيء هو ؟ .... الخ
وهذا يعني أن القول في النظم مقدمة للمقصود ، وأن دراسة الأسرار والدقائق هي المقصود . ] [80]
-------------
هل يجعلنا هذا الكلام نراجع هذا الكم الهائل من كتب الإعجاز لننظر إلى القرآن الكريم من جديد .؟
إن ما أفهمه أنا ، من كلام الإمام أن البلاغة والنظم والألفاظ والمعاني ، كل ذلك دلائل على الإعجاز ، وليست هي الإعجاز ، كلها مقدمات للتحدي وليست هي موطن التحدي .
إن الأصل في اللغة وفي أجناسها من ( شعر وخطابة ورسالة وقصة ... الخ ) وكل كلام هو استنباط المعنى أو تصوير المعنى ، وليست فنون البلاغة إلا أحوالاً لغوية تقتضيها هذه المعاني وتتطلب وقوعها على وجه دون وجه فالمعاني صاحبة السلطان على كل فنون البلاغة ، هي الملك في عالم النص وحين ترسل لا تكتسب إلا بما يليق بها .
وإنما يروم المتكلم المعاني ، فإذا انبجست لـه من ينبوعها وجد اللغة بين يديه ، وقد نشرت بزها حواليه 0
فالمعني هو المحور ، وهو العمود ، وهو الأصل ، وهو الذي ضاع منا درسه وصعب علينا الخوض فيه ، وعاشت البلاغة ، وعاش النحو ، وعاشت علوم العربية كلها وعشنا معها ندور حول اللغة ، حول الكلمات ، وتدور بنا اللغة ، وتدور بنا الكلمات ، حتى أتعبتنا اللغة وأتعبناها ، لأننا نحركها في الهواء ولم نحركها على ينابيع المعاني ، التي هي منابعها ..
هذه المعاني ... هي المقصود الأسمى ، والمطلب الأرفع ، والماء الكوثر الذي إذا تقاطر في قلب ظل تائقاً إليه .
لقد تركنا هذا الذي سماه العلماء ودائع العقول وثمر القلوب وشغلتنا عنه العبارة عنه ... فصرنا نتكلم في العبارة عن المعنى ، والمعنى غائب ... !!!
ليست القيمة في ألفاظ اللغة وإن كانت معجونة بالسحر ، وإنما قيمتها حين تفرى عن وجه المعنى الحر . ] [81]
وهكذا يلخص أستاذنا وجهة نظر الإمام في أن الإعجاز إعجاز في المعنى ..
وبعد هذا الفهم لمضمون النظم وغايته ومقصود البلاغة وعمودها ألا ترى معي أننا رجعنا إلى أول الطريق بعد أن ظننا أننا خطونا خطوات ، لأن القول بأن الإعجاز في النظم ، والنظم هو نظم المعاني يسلمنا إلى بحر زاخر فالحديث عن المعنى القرآني هو حديث عن كل شيء ، فما المعنى القرآني الذي تحداهم فيه وطلب منهم المجيء بمثله ؟
لا زال العقل يسير في مبهمات ، وهذا الأمر الذي يخيل إليك تارة أنه واضح وضوح الشمس ما تلبث إلا أن تراه خافياً خفاء الروح ، أقول هذا الأمر دفع طائفة من العلماء إلى مزج بعض الوجوه هي إلى الإحكام أقرب و إلى الضبط أميل مثل حديث القرآن عن الغيب ، وعن العلوم وأثره في قلوب السامعين .. الخ
وهذه الأمور إذا طلب من أي إنسان أن يتحدث فيها وجدها بين يديه بارزة شامخة لكل ناظر .
ولكن سيطرة كلام السابقين عن الإعجاز النظمي جعل البعض يحاول أن يخرج من هذه الدائرة ( دائرة اللفظ والمعنى ) ومن هنا جاء الحديث عن أن البلاغة هي جميع ما سبق من نظم وصحة معاني وتوالي فصاحته كما قال ابن عطية [82] وهذا يعني أن الوقوف على الحروف أو الألفاظ أو المعاني لم يلق قبولاً من جميع العلماء فراحوا يطلقون الإعجاز على كل ما يتعلق باللغة من نظم ولفظ ومعنى واستمرار ذلك ودوامه من أول القرآن إلى آخره ، يقول حازم القرطاجني :
[ يتوجه الإعجاز في القرآن من حيث استمرت الفصاحة والبلاغة فيه من جميع أنحائها استمراراً لا يوجد له فترة ، ولا يقدر عليه أحد من البشر ، وكلام العربي ومن يتكلم بلغتهم لا تستمر الفصاحة والبلاغة في جميع أنحائها في العالي منه إلا في الشيء اليسير المعدود . ] [83]
والعجيب هنا أن نجعل كثرة هذه النكات وتتابعها هو مقياس التفاضل عند العرب وأن البلغاء من العرب كانوا يتفاضلون بكثرة هذه النكات البلاغية وكأن من يأتي منها بأكبر عدد هو الأبلغ وهو الأعلى قدراً بين الآخرين ..
واسمع إلى العلامة ابن عاشور وهو يقول : [ إن بلغاء العرب كان تنافسهم في وفرة إبداع الكلام من هذه النكت ، وبذلك تفاضل بلغاؤهم ، فلما سمعوا القرآن انثالت على كل من سمعه من بلغائهم من النكت التي تفطن لها ما لم يجد من قدرته قبلاً بمثله .
وأحسب أن كل بليغ منهم قد فكر في الاستعانة بزملائه من أهل اللسان فعلم ألا مبلغ بهم إلى التظاهر على الإتيان بمثل القرآن فيما عهده كل واحد من ذوق زميله .
هذا كله بسبب ما بلغت إليه قريحة كل واحد ممن سمع القرآن منهم التفطن إلى نكت القرآن وخصائصه
ووراء ذلك نكت لا يتفطن إليها كل واحد .
وأحسب أنهم تآمروا وتدارسوا بينهم في نواديهم أمر تحدي الرسول إياهم بمعارضة القرآن ، وتواصفوا ما اشتملت عليه بعض آياته العالقة بحوافظهم وأسماعهم من النكت والخصائص وأوقف بعضهم على مالاح من تلك الخصائص : وفكروا وقدروا وتدبروا فعلموا أنهم عاجزون عن الإتيان بمثلها إن انفردوا ، أو اجتمعوا ، ولذلك سجل القرآن عليهم عجزهم في الحالتين ، فقال تارة : (فأتوا بسورة من مثله) وقال لهم مرة (لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ...)
فحالة اجتماعهم وتظاهرهم لم تكن مغفولاً عنها بينهم ضرورة أنهم مُتَحَدون بها ، وهذه الناحية من هذه الجهة من الإعجاز هي أقوى نواحي إعجاز القرآن وهي التي يتحقق بها إعجاز أقصر سورة منه .][84]
أرأيت ؟
إن القضية ـ كما يراها ابن عاشور ـ هي كثرة النكات إلى الحد الذي فاق طاقات العرب ، فوقفوا عاجزين حتى وإن استعانوا بأهل الفصاحة جميعاً .
وهذا أمر لا أميل إليه لأنه يدخلنا في دائرة الكثرة والقلة ، مما يجعلنا ننشغل عن القرآن بعدد ما فيه من وجوه البلاغة .
وعلى جانب آخر يرى فريق من العلماء أن الإعجاز يكمن في أن القرآن جاء بشيء غريب غير معهود ، والعجيب أن دليلهم في ذلك هو قول عتبة حين سمع القرآن الكريم أنه ما سمع بمثله .. وقالوا :
[ إذا اعترف عتبة ، على موضعه من اللسان ، وموضعه من الفصاحة والبلاغة بأنه ما سمع مثل القرآن قط ، كان في هذا القول مقراً بإعجاز القرآن له ولضربائه من المتحققين بالفصاحة والقدرة على التكلم بجميع أجناس القول وأنواعها .] [85]
[ وأجناس الكلام التي تكلمت بها العرب خمسة :
1- المنثور الذي تستعمله العرب في محاورة بعضهم بعضا .
2- الشعر الموزون .
3- الخطب .
4- الرسائل .
5- السجع .
ونظم كلام القرآن مباين لهذه الأوجه الخمسة مباينة لا تخفي علي من يسمعه من عربي فصيح أو ذي معرفة بلسان العرب من غيرهم حتى إذا سمعه لم يلبث أن يشهد بمخالفته لسائر هذه الأنواع من الكلام .

والحجة إنما قامت على قريش وسائر العرب بوقوفهم على ذلك من أمره وأن هذا الفرق بينه وبين سائر الكلام هو موضع الحجة ، وبذلك صار معجزاً للخلق وقائماً مقام الحجج التي بعث الله بها رسله واحتج بها على الناس مثل فلق البحر وإحياء الموتى . ] [86]

ولكن ما معنى أنه غير معهود ؟ وفي أي شيء لم يعهد ؟

إن [ المستقر في أذهان الناس أن ألفاظ القرآن ومعانيه إنما هي تجرى على نفس النمط الذي تجري عليه ألفاظ العرب ومعانيهم ] [87]

لقد قالوا إنه [ النظم والأسلوب والجزالة فهي لازمة كل سورة بل هي لازمة كل آية ، وبمجموع هذه الثلاثة يتميز عن سائر كلام البشر وبها وقع التحدي والتعجيز . ] [88]

ودعني اتفق هنا مع هذه المقولة .

نعم : نظم القرآن غير معهود ، فهل هذا يعني أنه وقع التحدي به ؟ وهل يعني هذا أن كل ما جاء بنظم غير معهود ، وأسلوب غير معهود يكون معجزاً ؟

وهل يمكن أن نطلق على الشعر الحر مثلاً ، أو الشعر النثري أو الشعر الحداثي أو ما يقرب من هذا النمط ، هل يمكن أن نقول إنه معجز ؟

إنه نظم غير معهود وأسلوب غير معهود ، وما قال أحد من الناس إنه معجز 0

إذن هذه القضية لا تقف على رجلين ، وأما كلام القرطبي فإنه كان يعدد وجوه الإعجاز ولم يقتصر على هذا الوجه ، وراجع كلامه ستجد أنه ضم إلى ذلك الإخبار عن الغيب ، والحكم البالغة ، والتناسب في جميع ما تضمنه ... الخ .

إننا حين نضع القرآن الكريم بجوار الكلام العالي عند الحكماء والشعراء نجد القرآن الكريم قد بلغ أعلى منازل البيان ، وسما إلى أعلى مراتبه لما جمع من وجوه الحسن وأسبابه وطرقه وأبوابه .

إن هناك بيان ولكن القرآن أعلاه وأحسنه .

وحين يتسابق فرسان ويسبق أحدها الآخر ، ويتفوق عليه لا نقول إنه أعجزه ، ولكنه سبق فقط ، سبق في كل شيء ، في [ الفواتح والخواتم والمبادئ والمثاني ، والطوالع والمقاطع ، والوسائط والفواصل ، ثم في نظم السور والآيات ، ثم في تفاصيل التفاصيل ، ثم في الكثير والقليل ثم الكلام الموشح والمرصع والمفصل والمصرع والمجنس والموشح ، والمحلى والمكلل والمطوف والمتوج ، والموزون والخارج عن الوزن ، والمعتدل في النظم والمتشابه فيه ...
ثم الخروج من فصل إلى فصل ، ووصل إلى وصل ، ومعنى إلى معنىً ، ومعنى في معنىً ، والبسط والقبض ، والبناء والنقض ، والاختصار والشرح ... وكل ذلك دال على أنه يصور عن عزة الملكوت وشرف الجبروت . ] [89]
إن علماءنا وهم يتحدثون عن آيات التحدي راحوا يتحدثون عن صفات القرآن وجمال أسلوبه .
وأنا أسأل : ما علاقة هذه الأوصاف بما نحن فيه؟
لقد حدث خلط شديد بين بلاغة القرآن الكريم وتحدى القرآن الكريم للناس0
إن بلاغة القرآن وعلو منزلته أمر لا يختلف عليه أحد من ا لمنصفين ولو أن البلاغة هي موطن التحدي لما وجدت هذا الخلاف بين العلماء من المراد منها.
وفي جانب ثالث ذهب البعض إلى أن بلاغة القرآن وإعجازه تعرف ولا تدرك بالحواس فجعلوها ضرباً من الأسرار الغائبة التي لا يمكن تحديدها أو وصفها .حتى قيل إن الجاحظ :
[ قال بالصرفة بعد أن أعياه الوقوع على الضوابط الدقيقة التي يضبط بها وجه الإعجاز ، فذلك أمر إن أعجز الجاحظ فقد أعجز الإنس والجن جميعاً فلو أن سر الإعجاز قد انكشف- وهيهات ـ لعرفه الناس ،
ومن ثم لم يعد بعيداً عن متناول أيديهم وكان في مستطاعهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن ] [90]
إن إعجاز القرآن في نظهرهم [شيء] كالنغم يسري إلى النفس ويستقر في أعماقها دون أن تكون لدينا القدرة على تحديده وإيضاحه ] [91]
[فكل ما ندركه بعقولنا ففي غالب الأمر نتمكن من التعبير عنه ،والإعجاز ليس كذلك ،لأنا نعلم قطعاً من كلام الله انه بحيث لا يمكن للبشر معارضته والإتيان بمثله ، ولا يماثله شيء من كلام فصحاء العرب مع أن كلماته كلمات كلامهم وكذا هيئات تراكيبه .
كم أنا نجد كلاماً نعلم قطعاً أنه مستقيم الوزن دون آخر لكن فيه شيء نسميه الملاحة ولا نعرف ما هو ] [92]
------------------
وهكذا فالإعجاز ندركه ولا نحسه ، والبلاغة شيء كالنغم لا نحدده ، فهي سر من الأسرار ولا يمكن لأحد بحسب هذا الكلام أن يدرك هذا الإدراك إلا إذا اشتعل بعلم المعاني والبيان .
وهذا ما أراه يناقض طبيعة التحدي ،إذا لا بد من معرفة وجه التحدي وطبيعته .
أما أن أحيل على أمور تدرك ولا توصف ، وأشياء لا يمكن ضبطها ولا تعليلها ، أشياء كالنغم تسري إلى النفوس وتستقر في الأعماق وليس لدينا قدرة على تحديدها ولا نعرف علتها فهذا أعجب العجب.
أقول : إن الحديث عن الإعجاز البلاغي حديث جميل ،ولقد أخذناه دون إطالة نظر ولقد ظهر بجلاء أن العلماء لم يتفقوا على المراد من الإعجاز البلاغي فجعلوه مرة في حروف القرآن ومرة في الألفاظ ، وثالثة في المعاني ، ورابعة في كل ذلك ، وخامسة في توالي هذه الفصاحة وتتابعها واستمرارها .
ثم قيل في النهاية إنها سر من الأسرار وأمور تستقر في الأعماق فتدرك ولا توصف ، وهذا مما لاأتفق معه ولا أراه ناصحاٍ للقرآن في عصرنا الحاضر.
أقول أيضاً : إن إرجاع التحدي إلى البلاغة إرجاع إلى لغة القرآن ، وليس إلى القرآن 0
إن إرجاع التحدي إلى البلاغة إرجاع إلى شيء يختلف فيه الناس فمنهم العرب والعجم ومنهج الفصيح وغيره ،ومنهم العالم وغيره فأي بلاغة نقصد ؟ ، وأي قوم من هؤلاء يتحداهم القرآن ببلاغته ؟
وفي أي زمان؟ هل في زمان كانت العربية فيه سليقة ؟ أم في زماننا الذي باتت العربية فيه تبحث عن لسان ينطق بها وعقل يفهمها ؟

خلاصة القول
إن الذي لا أشك فيه الآن أن المشركين الأوائل فقهوا المقصود من التحدي فسكتوا ، وجهل المشركون الجدد المقصود فاقتحموا ..
لقد علم المشركون الأوائل أن المقصود من قوله( فأتوا بسورة من مثله ) ( وبعشر سور ) أو (بحديث مثله ) يعني( إيتوا بالقرآن الكريم ) 0
ومن هنا عجزوا ووقفوا ،وألقموا الحجر فمن منهم سيقول قرآناً .
أعنى من منهم سيقول كلاماً ثم يدعى أنه من عند الله .. ؟
إن العرب الفصحاء لو طلب منهم أن يقولوا كلاماً ـ أي كلام ـ مهما كان بليغاً لحاولوا حتى وإن لم يستطيعوا ، لكنهم لن يكفوا عن المحاولة .
هذا إذا طلب منهم أن يأتوا بكلام فصيح بليغ منظوم على هيئة خاصة ، هذا أمر تراه حتى في صغار الناشئة حيث يحاولون النظم على غرار معلقة أمرئ القيس أو عنتره ، وأنت تعرف الفرق بين كلامهم والمعلقات ولكنهم يحاولون .
لكن العرب وهم من هم سكتوا وأمسكوا .
إذن التحدي لم يكن أن يأتوا بكلام فصيح بليغ ـ بل لم يخطر على بال أحدهم أن يعارض القرآن لا لشيء إلا لعلمهم أنهم مهما قلوا فلن يقبل منهم .
لماذا ؟
لأنهم سيقولون كلاماً من عند أنفسهم وليس من عند الله ولذلك حملت كتب التراث محاولات مسيلمة ، ومسيلمة لم يعارض القرآن إنما ادعى النبوة وكان يقول [أوحي إلى بكذا] 0
وانظر إلى هذا :
[ كتب مسيلمة ـ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً قال فيه :
من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد : فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك .
فإجابه : من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد :
فإن الأرض لله يورثها من يشاء و العاقبة للمتقين ) [93]
فمسيلمة سمى نفسه رسول الله وعليه حين يعارض القرآن يعارضه من منطلق أنه وحي ، وأنه من عند الله ، وليس من باب أنه كلام بليغ ...
ولقد وفد عمرو بن العاص - قبل أن يسلم -على مسيلمة الكذاب فقال لـه مسيلمة : ماذا أنزل على صاحبكم بمكة في هذا الحين ؟
فقال له عمرو : لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة . فقال : وما هي ؟
فقال : والعصر إن الإنسان لفي خسر .
ففكر ساعة ثم رفع رأسه فقال :
ولقد أنزل علىّ مثلها
فقال وما هو ؟
فقال : ياوبر ياوبر : إنما أنت أذنان وصدر ، وسائرك صقر فقر 0
ثم قال : كيف ترى يا عمرو ؟!
فقال له عمرو : والله إنك لتعلم إني لأعلم أنك تكذب ) [94]
فعمرو بن العاص لم ينظر في الكلام ولم يتطرق إليه ، إنما كذبه في جملة واحدة وهي " لقد أنزل على"
فمعارضه مسيلمة في الوحي وليس في الكلام .
ولو أن مسيلمة قال ما قال ثم لم يزعم أنه أوحى إليه لما التفت إليه أحد .
ومن هنا فإن دلالة المثلية هي دلالة وحى ، وحين يقول القرآن ا لكريم " فأتوا بسورة من مثله " يعنى كما أفهم فأتوا بسورة من عند الله .
فلا ينبغي الالتفات إلى معارضات الناس ليس لأن كلامهم ناقص عن حد البلاغة وإنما لأن كلامهم ليس من عند الله .
نعم كل ما في القرآن الكريم معجز بمعنى أنه بلغ المنتهى في بابه لكن التحدي في أن يأتوا بسورة من عند الله.
ودعنى أعود إلى كلام الله تعالى لأثبت لك ما ذهبت إليه .
أولاً: تعددت الآيات وتكاثرت لإثبات أن القرآن منزل من عند الله وصاحَبَ ذلك نفي الريب عنه أعنى عن الإنزال وهاك أمثله :
في أول البقرة قيل "لا ريب فيه " ثم قيل "والذين يؤمنون بما أنزل إليك " . في آية التحدي في البقرة قيل " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا ... " في سورة يونس قيل " وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله " ثم قيل " لا ريب فيه من رب العالمين " 37 وفي سورة العنكبوت قيل " وقولوا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم ثم قيل "وما كنت تتلوا من قبل من كتاب ولا تخطه بيمنك إذا لارتاب المبطلون ... " 48 وفي سورة السجدة قيل " تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين "
فالشك والريب لم يكن في القرآن على إطلاقه وإنما في قضية أخص وهي أن هذا الكلام من عند الله . ما يعني أن التحدي في هذه الجملة ( من عند الله ) 0
ثانياً : لا يكاد يُذكر لفظ القرآن أو الكتاب إلا ويذكر معه أنه منزل من عندالله ، واسمع لما يلي :
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ).... (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْك) (البقرة:2 البقرة: من الآية4)
(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) (البقرة: من الآية89)
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَاب) (البقرة: من الآية174)
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) (البقرة: من الآية176)
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَاب) (آل عمران: من الآية7) "
(مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ (آل عمران: من الآية79)
وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا) (النساء: من الآية47)
(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ) (النساء: من الآية105) "
( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) (الأنعام: من الآية92) "
(قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ) (القصص: من الآية49)
وهذا غيض من فيض ،فالعين الناظرة لا تخطئ هذه الصحبة اللازمة بين ذكر لفظ ( الكتاب ) وأنه منزل من عند الله وهذا يبين معنى المثلية المقصودة في آيات التحدي .
وإذا كان هذا شاخصاً في لفظ (الكتاب ) فإنه أشد وضوحاً في لفظ ( القرآن ) 0
فحين يذكر لفظ (القرآن ) يذكر معه – غالباً - أنه منزل من عند الله وموحاُ به من عنده سبحانه واسمع إلى ذلك :
( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِه) (الأنعام: من الآية19)
(نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) (يوسف: من الآية3)
( طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طـه:2)
( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (طـه: من الآية114)
(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) (النمل:6)
(لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَل) (الحشر: من الآية21)
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) (الإنسان:23)
(إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً) (يوسف: من الآية2)
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً) (الشورى: من الآية7)
وعلى هذا فلفظ (الكتاب) ولفظ (القرآن ) يلتصقان التصاقاً مع لفظ الإنزال والوحي وهذا يدل بجلاء على أن أول شيء يعرف به القرآن الكريم أنه "تنزيل من حكيم حميد" .
وحين يعرض هذا القرآن نفسه للتحدي فأول شيء يطالب به هو "كتاب من عند الله "
والتطرق إلى شيء آخر إنما هو تبع ورديف 0
فإذا قلنا إنه كتاب هداية والمثلية المتحدى بها مثلية هداية نقول إن الهداية من وظائف هذا الكتاب ولكنها ليست موطن التحدي ، والقرآن حين حكى هذه الوظيفة ذكرها بعد إثبات أنها من عند الله تعالى :
"(قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى) (القصص: من الآية49)
ولقد حاول بعض أهل الكتاب معارضة القرآن فماذا فعلوا ؟
يقول القرآن الكريم :ـ
(وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:78)
أرأيت ... ؟!
إنهم يقولون عند المعارضة (هو من عند الله)
لأن من يريد المعارضة فليقل كلاماً من عند الله وليس من عند نفسه 00
تلك هي معنى (حديث مثله ) (وسورة من مثله)
ولما كان الكلام البشري لا يرقى إلى الكلام الرباني قالوا كذباً (هو من عند الله) ولقد أصاب ابن كثير المحز حين قال : [ وأنى يتأنى لبشر أن يعارض القرآن والقرآن كلام الله خالق كل شيء وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين ] . [95]

ثالثاً : حين سمعت الجن هذا القرآن قالوا : ( إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى)(الاحقاف: من الآية30)
لاحظ : " أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى "

رابعاً : في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم فرق فيه بين معجزته ومعجزات الأنبياء يقول فيما يرويه
أبو هريرة-رض الله عنه - :
" ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطى من الآيات ما آمن على مثله البشر .وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلىّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ...[96]
لاحظ هذا التعريف النبوي للقرآن الكريم :
" وحياً أوحاه الله إلىّ "
فمن أراد التحدي فليقف هنا ويأتي بمثله .
ما معنى " مثله " ؟
أي : وحياً أوحاه الله إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -0
ومن هنا عجز الجميع وسيعجز الجميع (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ )(البقرة: من الآية24) هكذا قال القرآن الكريم 0

خامساً : حديث علمائنا عن الإعجاز البلاغي والعلمي والغيبي .. وغير ذلك يدخل كله ـ في رأيي ـ تحت قوله ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ )(هود: من الآية1)
والإحكام يعنى وضع كل شيء في موضعه ، وهذا يشمل الإحكام النظمي والإحكام في التشريع والإحكام في علاقاته المتنوعة والمتشابكة بين كلماته وجمله وتراكيبه وآياته وسوره.
ومرجعية هذا الإحكام أنه من عند الله أيضاً ، واسمع إلى قوله تعالى :
( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(النساء: من الآية82)
-----------------
وبعد :
فإن جهود علمائنا من إثبات أوجه الإعجاز وتسليط الضوء على مناط التحدي كانت كلها تصب في دلالة "المثلية " وإن لم يذكروا ذلك صراحة ،وأستطيع أن أخلص من هذا البحث بأن دلالة المثلية تكمن في قوله تعالى :(قل فأتوا بكتاب من عند الله )
هذا هو معنى المثلثة ، وهذا هو مناط التحدي وذاك هو بيت القصيد فالمثلية هنا مثلية وحي وتنزيل .
هذا ماتوصلت إليه .. فإن كان صواباً فالفضل لله وحده وإلا فحسبي أنني اجتهدت والله أعلى وأعلم وهو من وراء القصد .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

سعيد جمعه
أستاذ البلاغة والنقد المساعد
في كلية اللغة العربية بالمنوفية - فرع جامعة الأزهر الشريف


* أهم المصادر والمراجع
- الإتقان في علوم القرآن للسيوطى ـ مكتبة الحلبي .ط الثالثة مصر 1370هـ
- أحكام القرآن لأبي بكر الجصاص ت 370هـ دار إحياء التراث العربي ت/محمد الصادق قمحاوي
- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم لأبي السعود ت/951هو ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
- أسرار البلاغة لعبد الظاهر الجرجاني قرأه أبو فهد طبعة 1412هـ مطبعة المدني القاهرة .
- أسرار ترتيب القرآن للسيوطي ت 911هـ دار الإعتصام القاهرة ت/ عبدالقادر عطا
- إعجاز القرآن بالصرفة دراسة ناقدة لمحمود توفيق سعد ـ شبكة المعلومات ـ ملتقى أهل الحديث
- إعجاز القرآن لأبي بكر الباقلاني ـ دار المعارف القاهرة ـ تحقيق السيد صقر
- البرهان في علوم القرآن للزركشي ت 794هـ دار المعرفة ـ بيروت سنة 1319هـ ت/ محمد أبو الفضل إبراهيم 0
- التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ـ دار سحنون ـ تونس سنة 1395هـ
- التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب مكتب الشروق ـ القاهرة ط الرابعة عشرة 1407هـ
- تفسير البيضاوي ت791هـ دار الفكر بيروت سنة 1416هـ ت/عبد القادر عرفات حسونه .
- تفسير القرآن العظيم لإبن كثير ت 774هـ دار الفكر بيروت سنة 1401هـ
- التفسير ورجاله لمحمد الطاهربن عاشور ـ هدية مع مجلة الأزهر جمادى الأولى سنة 1425هـ
- ثلاث رسائل في الإعجاز ـ الرماني ـ الخطابي ـ عبد القاهر ـ ت / محمد زغلول سلام دار المعارف ـ مصر سنة 1376هـ
- جامع البيان عن تأويل القرآن للطبري .ت 310هـ دار الفكر ـ بيروت 1401هـ
- جواهر القرآن لأبي حامد الغزالي ت 505هـ دار إحياء العلوم ـ بيروت ط الأولى سنة 1415هـ ت / محمد سعيد رضا القباني
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ـ دار الفكر ـ بيروت 1993م
- دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرحاني ت / محمود شاكر ـ الخانجي ـ القاهرة .
- روح المعاني من تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوس ت 1270هـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت .
- سبل السلام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير ت852هـ دار إحياء التراث العربي بيروت 1379هـ ط/الرابعة . ت / محمد عبدالعزيز الخولي .
- سنن أبي داود .دار الفكر بيروت ـ ت / محمد محي الدين عبدالحميد .
- سنن الترميذي ت279هـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ت/أحمد شاكر وآخرون
- السيل الجرار للشوكاني ت/1255هـ ـ دار الجبل ـ بيروت
- شرح الزرقاني علي موطأ مالك لمحمد عبد الباقي الزرقاني ت/1122هـ ـ دار الكتب العلمية بيروت 1412هـ ط/الأولى .
- شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت .
- صحيح مسلم ـ دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ـ ت / محمد فؤاد عبدالباقي .
- الصناعتين لأبي هلال العسكري ت/مفيد خميمة ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت 1989هـ
- عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم أبادى ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت سنة 1415هـ ط/ الثانية .
- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني ت/852هـ دار المعرفة ـ بيروت ت/محمد فؤاد عبد الباقي ومحي الدين الخطيب.
- فتح القدير للشوكاني ـ دار الفكر ـ بيروت .
- الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط/ الرابعة سنة1405هـ0
- قواطع الأدلة في الأصول للسمعاني ت/489هـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ ط /الأولى سنة1997م ت/محمد حسن محمد حسن .
- الكشاف للزمخشري طبعة مصطفى الحلبي سنة 1392هـ القاهرة ومعه حاشية السيد الشريف وابن المنير .
- لسان العرب لابن منظورت 711هـ دار صادر بيروت ـ ط الأولى .
- المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز لابن عطية ـ دار الفكر ـ بيروت سنة 1405هـ
- مدخل إلى كتابي عبد القاهر لمحمد أبي موسى ـ مكتبة وهبة القاهرة .
- المستصفي في علم الأصول لأبي حامد الغزالي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ط/الأولى سنة 1413هـ ت/ محمد عبد السلام عبد الشافي .
- مفتاح العلوم للسكاكي ط/عيسى الحلبي ـ القاهرة ـ 1392هـ
- المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ـ دار المعرفة ـ بيروت ضبط محمد خليل عتياني ط الأولى سنة 1418هـ
- المقاييس في اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس ت 395هـ دار الفكر بيروت ت/ شهاب الدين أبو عمرو
- منار السبيل لإبراهيم بن ضويان ت 1353هـ مكتبة المعارف ـ الرياض ط/الثانية 1405هـ ت/عصام الفلعجي .
- مناهل العرفان للزرقاني ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط/ الأولى سنة 1996م
- نظرات في القرآن لمحمد الغزالي ـ ط /الخامسة دار الكتب الحديثة القاهرة .
- نيل الأوطار للشوكاني ـ دار الجيل ـ بيروت
---------------
[1] -هذا ومن الواجب هنا أن أشير إلى من سبق وتناول آيات التحدي بالدراسة أو التعليق فلقد سبق إلى هذا الميدان ـ أعني الحديث عن آيات التحدى ـ فيما أعلم ـ ما نقله صحاب طبقات الشافعية الكبرى من حديث حول مرجع الضمير في قوله ( من مثله ) ، حيث [ طرح عضد الدين الإيجي مكاتبة له يناشد فيها العلماء تفسير كلام الكشاف في معني ( من مثله ) حيث يقول :
( من مثله ـ الضمير متعلق (بسورة) صفة لها ، أي يسورة كائنة من مثل والضمير ( لما نزلنا ) أو ( لعبدنا ) ويجوز أن يتعلق بقوله ( فأتوا ) والضمير للعبد * .
فليت شعري ما الفرق بين : فأتوا بسورة كائنة من مثل ما نزلنا
وـ فأتوا من مثل ما نزلنا بسورة) * ( 1 / 58 ) طبعة دار الفكر بيروت
وشارك في الإجابة على ذلك جمع من العلماء وسطر السبكي ـ رحمه الله ـ إجابتهم في طبقاته .
والملاحظة على هذا السجال أمران .
الأول : أنه أخذ المنحى الفلسفي مما حدا بالبعض بالهجوم على الآخر واتهامه بالغموض :
والآخر : أن حديثهم كان في مرجع الضمير في قوله ( من مثله ) .وليس حديثا عن دلالة المثلية أو مناط التحدي مما يعني أن الأمر بعيد عن طبيعة هذا البحث واهتماماته 0 ( راجع طبقات الشافعية الكبرى لأبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي ت 771 دار هجر للطباعة ط الثانية ت دكتور الطناحي
وسبق أيضاً إلى هذا الميدان الأستاذ الدكتور أحمد هنداوي في بحث له منشور في مجلة كلية اللغة العربية بالمنوفية العدد الثالث عشر عام1413هـ 1993م وهو بعنوان آيات التحدي ودقائق في نظمها وقد تناول فيه ( مراتب التحدي عند الإمام الفخر الرازي ، وتنكير لفظ (سورة) ، والقدر المتحدى به ، ومرجع الضمير في قوله (من مثله) ، وإيثار حرف الجر (من) في سورة البقرة دون سواها ووصف لفظ (عشر سور) بكلمة ( مفتريات ) ودلالة ذلك ) .
وهذا كله بعيد عن مضمون بحثي هذا ، حيث أتناول أنا هنا دلالة المثلية والمراد منها ، لنضع أيدينا على موطن التحدي ، حتى إذا قيل للناس ائتوا بسورة من مثله ـ معناها ائتوا بكذا 0
* الكشاف للزمخشري 1 / 58 ـ طبعة دار الفكر ـ بيروت
* طبقات الشافعين الكبرى لأبي زهر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي 10/47 السبكي ت 771 دار هجر للطباعة ط الثانية ت/د الطناحي .
[2] - مقاييس اللغة لأحمد بن فارس ص 974 ط / دار الفكر .
[3] - لسان العرب لابن منظور 11/612 (مثل) ط / دار الشعب القاهرة .
[4] - الفروق في اللغة لأبي هلال العسكري ص 175 ـ ط/ المكتبة العلمية .
[5] - الفروق لأبي هلال العسكري ص 176 دار الفكر
[6] - سنن أبي داوود 4 / 358 والحديث رواه أبو قتادة رقم 5228
[7] - المفردات في غريب القرآن للراغب الاصفهاني صـ 465 ، 466 .
[8] - تفسير ابن كثير 3/275 .
[9] - تفسير القرطبي 5/418 ، وابن السعود 3/80 والبيضاوي 4/43 .
[10] - تفسير البيضاوي 4/68 .والقرطبي 5 /418 وأبو السعود 3 / 80
[11] - البيضاوي 4 /68
[12] - البرهان في علوم القرآن للزركش 3/271 .
[13] - فتح الباري شرح صحيح البخاري 4/220 ط/ دار الشروق ـ مصر .
[14] - الحديث رواه سيدنا عثمان بن عفان وأخرجه الإمام مسلم في باب فضل من بنى لله مسجداً 2/133 والترمذي عن عثمان أيضاً 2/134[15] - نيل الأوطار لمحمد بن علي الشوكاني 2/156 ت 1255هـ ط/ دار الجيل ـ بيروت ـ 1973م .
[16] - سبل السلام لمحمد بن إسماعيل الصنعاني الأمير 1/106 دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ت / محمد عبد العزيز الخولي ـ ط/ الرابعة
[17] - رواه مسلم 3/1208 في باب الربا رقم 1584 عن أبي سعيد الخدري .
[18] - منار السبيل لإبراهيم بن محمد بن سالم بن ضوبان 2/54 مكتبة المعارف ـ الرياض ت /1353هـ ت/ عصام القلعجي ط/ الثانية 1405هـ .
[19] - رواه البخاري 1/221 رقم 586 ومسلم رقم 383 باب استحباب القول مثل قول المؤذن .
[20] - شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد 1/183 دار الكتب العلمية ـ بيروت .
[21] - تفسير القرطبي 1/569 .
[22] - السابق 1/569 .
[23] - تفسير البيضاوي 4/56 .
[24] - تفسير أبي السعود 3/80 .
[25] - فتح القدير للشوكاني 5/16 .
[26] - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك 2/241 دار الكتب العلمية ـ بيروت ط/ الأولى 1411هـ .
[27] - تفسير أبي السعود 8/25 .
[28] - المستصفي في علم الأصول لأبي حامد الغزالي 1/304 دار الكتب العلمية ط/ الأولى 1413هـ ت / محمد عبد السلام عبد الشافي .
[29] - روح المعاني للألوسي 12 / 20
[30] - أحكام القرآن لأحمد بن علي الرازي الجصاص أبو بكر 1/34 ت 370هـ دار إحياء التراث العربي بيروت .
[31] - البرهان في علوم القرآن للزركش 2/108 ـ ت 794هـ ـ دار المعرفة بيروت ـ ت / محمد أبو الفضل إبراهيم .
[32] - الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 2/326 ـ دار المعرفة ـ بيروت .
[33] - أحكام القرآن للجصاص ص 5/35 .
[34] - إعجاز القرآن للباقلاني . 1/25 ـ دار الفكر ـ بيروت .
[35] - السابق 1/113 .
[36] - الإعجاز بالصرفة لمحمود توفيق ( كتاب منشور على الإنترنت في موقع : ملتقى أهل الحديث ) صـ 58 .
[37] - إعجاز القرآن للباقلاني 1/113 .
[38] - البلاغة القرآنية للرافعي صـ163
[39] - التفسير ورجاله لمحمد الطاهر بن عاشور ص 32 ـ 34 بحث منشور مع مجلة الأزهر عدد جمادى الثاني 1425هـ .
[40] - ولقد أورد ابن السبكي في الطبقات الشافعية الكبرى ما كتبه عضد الدين الأيجي يستفتي فيه أهل عصره فيما وقع في تفسير الكشاف في قوله (فأتوا بسورة من مثله ) حيث أجابه الشيخ فخر الدين الجايردي ، وحدث سجال بين العلماء يدور حول عود الضمير في قوله ( من مثله ) والمراد من لفظ المثل ، ولقد غلب على هذا السجال الناحية الفلسفية مما أثر على البعض فأحتد وشغب على أخيه فضاعت المسألة وراجع ذلك في طبقات الشافعية الكبرى لأبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي 10/54 ت / 771هـ دار الهجرة للطباعة والنشر ـ مصر ت/ محمود الطناحي ط الثانية 1992م .
[41] - أسرار ترتيب القرآن للسيوطي 1/116 ت 911هـ دار الاعتصام القاهرة .
[42] - روح المعاني للألوس 12/ 20 ، 21
[43] - معجم المقاييس في اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ت 395هـ ص 739 دار الفكر ـ بيروت . ط الأولى 1415هـ وانظر المفردات في غريب القرآن للراغب الاصفهاني ت محمد خليل عيتاني دار المعرفة ـ بيروت ص 325 .
[44] - الإعجاز بالصرفة لمحمود توفيق صـ 3
[45] - إعجاز القرآن الكريم بالصرفة ، دراسة ناقدة لمحمود توفيق سعد ـ صـ 3
[46] - إعجاز القرآن للباقلاني1/25
[47] - الإعجاز بالصرفة دراسة بيانية ناقدة لمحمود توفيق صـ75
[48] - الإعجاز بالصرفة صـ 11 ، 12
[49] - د. زغلول النجار وهو يجيب عن سؤال حول الإعجاز العلمي في موقع فتاوى إسلامية على شبكة الإنترنت .
[50] - البرهان للزركشي 2/91 .
[51] - السابق 2 / 93 .
[52] - السابق 2/100
[53] - جواهر القرآن لأبي حامد محمد الغزالي ت 505هـ ج1 ص 22 دار إحياء العلوم بيروت 1985م ط/ الأولى ت/ محمد رشيد رضا القباني .
[54] - مناهل العرفان ، في علوم القرآن لمحمد عبد العظيم الزرقاني 2/158 ، 159 ـ مكتبة البحث والدراسات ط/ الأولى ـ دار الفكر ـ بيروت .
[55] - وفيات الأعيان لابن خلكان 1/155 ، وأنظر معجم الأدباء لياقوت الحموي 19/158 .
[56] - الإعجاز في دراسات السابقين لعبد الكريم الخطيب صـ 68 ، 321 .
[57] - نظرات في القرآن لمحمد الغزالي صـ 123 دار الكتب الحديثة ـ القاهرة .
[58] - التصوير الفني في القرآن الكريم صـ 61 لسيد قطب .
[59] - شغب الإيمان للبيهقي 1/155 .
[60] - الإعجاز بالصرفة صـ 46 لمحمود توفيق .
[61] - تفسير ابن تيمية 1/154 .
[62] - التحرير والتنوير 11/627 .
[63] - معترك الأقران في إعجاز القرآن للسيوطي 1/24 ـ دار الفكر ـ بيروت ـ ط/ الأولى 1985م .
[64] - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 10/165 ط/ دار الغد العربي مصر ـ ط الأولى 1998م .
[65] - دلائل الإعجاز لعبد الطاهر الجرجاني صـ 296 ت شاكر ط الخانجي ـ مصر .
[66] - الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي 5/476 دار الفكر 1993م .
[67] - الجامع لأحكام القرآن القرطبي 11/73 .
[68] - نظرات في القرآن الكريم لمحمد الغزالي صـ 135 .
[69] - السابق صـ 135 ، والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين ورواه سيدنا جابر بن عبد الله رقم 4220 ج2 صـ 669 ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ط الأولى ت مصطفى عبد القادر عطا .
[70] - إعجاز القرآن للياقلاني 1/260 .
[71] - السابق 1/260 .
[72] - دلائل الإعجاز صـ 49 ت شاكر .
[73] - المحرر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز لابن عطية 1/216 وراجع القرطبي 1/76 ، الإتقان 2/216 .
[74] - مناهل العرفان للزرقاني 2/239 .
[75] - تفسير ابن كثير 1/212 .
[76] - صحيح البخاري 3/1185 وصحيح مسلم 4/2175 .
[77] - اختصاص ( عشر سور ) هنا ـ كما أري ـ لأن سورة هود سبقت بعشر سور وهي كما يلي [ الفاتحة ـ البقرة ـ آل عمران ـ النساء ـ المائدة ـ الأنعام ـ الأعراف ـ الأنفال ـ التوبة ـ يونس ] .
[78] - مدخل إلى كتابي عبد القاهر ـ لمحمد أبي موسى ـ صـ 198 مكتبة وهبة القاهرة .
[79] - أسرار البلاغة صـ 26 ـ لعبد القاهر ت / هـ . ريتر ، الخانجي .
[80] - مدخل إلى كتابي عبد القاهر للدكتور محمد أبي موسى صـ 149 ـ 151 .
[81] - مدخل إلى كتابي عبد القاهر لمحمد أبي موسى صـ 151 .
[82] - تفسير ابن عطية 1/23 .
[83] - منهاج البلغاء لحازم القرطاجني طبعة دار الفكر بيروت 1/24 .
[84] - التحرير والتنوير 1/90 .
[85] - تفسير القرطبي 1/75 .
[86] - الاعتقاد لأحمد بن الحسين البيهقي 1/266 ت / 458هـ ـ دار الآفاق الجديدة ـ بيروت ط الأولى 1401 هـ .
[87] - مختصر تاريخ البلاغة صـ 21 .
[88] - تفسير القرطبي 1/75 .
[89] - إعجاز القرآن للباقلاني 1/300 .
[90] - إعجاز القرآن لعبد الكريم الخطيب ص38
[91] - مختصر تاريخ البلاغة لعبدالقادر حسين ص21، 22 وراجع أيضاً ثلاث رسائل الإعجاز ص22
[92] - التحرير والتنوير لابن عااشور 1/87
[93] - تفسير البضاوي 2/337
[94] ) تفير ابن كثير 1/63
[95] - تفسير القرآن العظيم 1/61
[96] - أخرجه الإمام النجاري عن أبي هريرة تحت باب قول النبي (بنيت بجوامع الكلم رقم 6846 ج 6 في 2664 وسلم في باب وجوب الإيمان رقم 152 ج 1 ص 134
 
السلام عليكم ورحمة الله
ارجو لك دوام الخير والعافية يا دكتور سعيد وما رايك ان تاتي الى الاردن لتلقي هذا البحث بعد ان تختصره الى قرابة 30 صفحة في مؤتمر اعجاز القران الذي سيعقد في الزرقاء في الاردن في جامعة الزرقاء الاهلية فتكون انت والبحث وجها لوجه مع العلماء والباحثين انا نتظر الرد على الهاتف 0795300663 وهو هاتف جوال وانا اتكلم باسم انني رئيس اللجنة التحضيرية لذلك المؤتمر المزمع عقده في تاريخ 23-25/8/2005 القادم وانا الان انتظر الرد
واقبل التحيات
 
موضوع قيم جداً ، جزاك الله خيراً يا دكتور سعيد ...
ولتسمح لنا بنشر هذا الموضوع فى المنتديات المختصة بالرد على شبهات النصارى والملاحدة .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.
أولاً- الأخ الفاضل الدكتور سعيد! جزاك الله خير الجزاء على هذا البحث القيم الممتع، وأسأل الله تعالى أن يمدَّك بالصحة والعافية، وأن يزيدك علمًا وفقهًا في كتابه.
ثانيًا- استوقفني في المبحث الأول ( دلالة المثلية بين لغة العرب والقرآن الكريم ) قولك:
( وهذه التخريجات المتنوعة تثبت أن المثلية لا تعنى التطابق في كل شيء إنما في بعض الصفات سواء كثرت هذه الصفات أم قلت..
حتى أن البعض يلمح صفة واحدة بين المثلين ، ومن ذلك:
في قوله تعالى:( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ )(الكهف:من الآية110) أي في البشرية. والمعنى :
أنسى كما تنسون ).
فهل يصح في رأيك يا أخي أن يكون المراد بالمثلية هنا: التطابق في بعض الصفات، أو في صفة واحدة؟ وهل يصح أن يكون المعنى المراد من { مثلكم } في آية الكهف السابقة أن النبي صلى الله عليه وسلم ينسى كما ننسى نحن؟ وهل المماثلة في البشرية في الآية، ونحوها مما ذكرت بعد ذلك من آيات، تعني ما ذكرت من معنى النسيان، أو غيرها من الصفات؟
ثالثًا- ثم قلت:( [ فالمثل المطلق في الكتاب والسنة وإجماع الأمة والمعقول يراد به :
إما المثل صورة ومعنى.
وإما المثل صورة بلا معنى.
وإن لم يكن إرادة الأول إجماعاً، تعينت إرادة الثاني، لكونه معهوداً في الشرح؛ كما في حقـوق العبادة ].
ثم قلت:( فالمثلية تكون في الأصل كما يقول الزرقاني - -
أو في الذات كما يقول أبو السعود
ولا تكون إلا بين المتفقين وفي أخص الأوصاف ) .
فإذا كانت هذه الأقوال تنطبق على لفظ ( المِثل )، بكسر فسكون، فما الفرق بينه، وبين( المَثَل )، بفتحتين ؟
رابعًا- ثم قلت:( [ المثل المطلق لا يتصور ].
لماذا ؟
لأن المثل المطلق يعني أن الشيئين شيء واحد ، وعليه حين يقال: فأتوا بسورة مثله يراد فقط:[ التعجيز ، كما في قوله ( فأت بها من المغرب ] ).
فهل المراد بـ( مثله ): المثلية في الأصل؟ أم المراد: المثلية في الذات؟ أم المراد: المثلية في الصفات؟ أم المراد بالمثلية: الأصل والذات والصفات؟
ثم إذا كان المراد من ذلك التعجيز، فلماذا قال الله تعالى في الإسراء بعد قوله{ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ }:{ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ } (الإسراء:88)، فنفى فعل الإتيان بمثله بأداة النفي( لا ).
ثم قال سبحانه في البقرة بعد قوله{ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ }:{ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا } (البقرة:24)
فنفى الفعل( تفعلوا ) الثاني بـ( لن )؟ وهل من فرق بين النفيين؟
أرجو منك أخي الدكتور سعيد أن تجيب عن تساؤلاتي هذه، بعد الاطلاع على المقالين على هذين الرابطين.. ولك كل الشكر والتقدير.

http://www.tafsir.net/index.php?sub...hive=1110783259&start_from=&ucat=1&do=maqalat

http://tafsir.org/vb/showthread.php?t=1572
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في البداية أقدم شكري وتقديري لكل من بذل جهدا ووقتا في قراءة هذا البحث وأدعو الله تعالى أن ينفع به صاحبه والمسلمين جميعا .

كما أتقدم بخالص الحب والتقدير للأساتذة الكرام الذين ساهموا بالتعليق عليه وأدعو الله تعالى للجميع بأن يرضيهم في الدنيا والآخرة .

وبداية أقول للأستاذ الفاضل الدكتور / جمال أبو حسان رئيس اللجنة التحضيرية لمؤتمر إعجاز القرآن المزمع عقده في جامعة الزرقا بالمملكة الأردنية حفظها الله بأنني أسعد بحضور هذا المؤتمر ويشرفني الالتقاء بالعلماء الكرام المشاركين فيه ويمكن مراسلتي على عنواني البريدي [email protected] أو تليفوني في المملكة العربية السعودية وهو 73266028 أو الجوال 0507826129

أما الأستاذ الفاضل الأستاذ / الجندي فإنني أجيز نشر هذا البحث في كافة المنتديات وبخاصة التي ترد على شبهات الآخرين والله يتقبل منا جميعا

ثم آتي إل الأستاذ الفاضل / محمد إسماعيل عتوك - حفظه الله - .

وأقول إن الفقرات التي نقلها فضيلته ليست هي نتيجة البحث وإنما هي فقرات مكتوبة في سياق عرض آراء العلماء في دلالة كلمة المثل وعليه فلا وجه لنسبتها إلي وبخاصة الرأي القائل بأن تأويل قول الله تعالى " قل إنما أنا بشر مثلكم " تعني أنني أنسى كما تنسون

فهذا كلام الإمام الصنعانى في كتابه سبل السلام وقد أشرت إلى ذلك في البحث


إن سياق الكلام كان عرضا لأراء العلماء في معنى المثلية وهل يشترط التطابق في كل شيء حتى يكون الأمران متماثلين أم يمكن الاكتفاء بالتطابق في بعض الصفات أم أن المثلية تعني مجرد التشابه ؟

ولقد وضحت في ختام البحث أن المثلية المعتبرة في القرآن الكريم والتي قام التحدي فيها هي مثلية الوحي وفصلت ذلك بالأدلة

ويسعدني الاستفادة يا أستاذنا الفاضل من علمكم وفضلكم وتقبلوا خالص تحياتي
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الفاضل الدكتور سعيد!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد.
أولاً- أخي الفاضل! أنا لم أناقشك في النتيجة التي توصلت إليها في بحثك القيم والفريد هذا، وهي أن المراد بالمثلية هو مثلية وحي وتنزيل.. فأولئك الضالون والمضللون قد زعموا زورًا وبهتنًا أن ما سمَّوه فرقانًا؛ إنما هو وحي منزل من عند الله سبحانه.. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
ثانيًا- أنا لم أقل إن الفقرات التي نقلتها هي نتيجة البحث، ولم أنسبها إليك، فأنا أعلم أنها ليست من أقوالك، ولذلك نقلتها كما ذكرتها أنت في بحثك بين معكوفتين هكذا[ ]، بدليل أنني أسألك عن رأيك أنت فيها.
ثالثًا- إذا وقع الالتباس في بعض الفقرات المنقولة، فلا أظن أنه يقع فيما نقلته في الفقرة الأخيرة من تعقيبي السابق، وهو قولك:( لماذا.. لأن المثل المطلق يعني أن الشيئين شيء واحد ، وعليه حين يقال: فأتوا بسورة مثله يراد فقط:[ التعجيز، كما في قوله ( فأت بها من المغرب ].. وكان ذلك جوابًا منك عما قيل:[ المثل المطلق لا يتصور ].
ومع ذلك، إن حدث التباس، فأنا أعتذر إليك وبكل تواضع، وأكرر ما بدأت به فأقول: إن بحثك رائع وقيم وممتع، ولا أقول ذلك من باب المجاملة، فما في نفسي منه قد سألتك عنه، ولك الحق في أن تجيب، وألا تجيب.. وفقك الله لما يحب ويرضى، وتقبل اعتذاري وتحياتي.
 
السيد الأخ الدكتور سعيد

هل يمكن أن تلخص لنا رأيك بعدة سطور----أنا لم أشعر بالراحة وأخاف أن يكون حكمي على رأيك غير دقيق للتفصيل الشديد في بحثك
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ الفاضل / محمدإسماعيل عتوك المحترم متعك الله تعالى بالصحة والعافية وحسن الخاتمة أما بعد

فاسمح لي أن أعبر لك عن عميق تقديري وشكري على اهتمامك ببحثي هذا ولك أدعو ولكل مسلم يقف في وجه هذه الهجمة الشرسة على كتاب الله تعالى بأن يبيض الله وجهك يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
أما استفسارك عن : هل يصح أن تكون المثلية في لغة العرب تطابقا في بعض الصفات ؟
فالجواب نعم بل إنه لا يمكن لها أن تكون غير ذلك فالمثلية لا يمكن أن يتصور لها أن تكون تطابقا في كل شيء .
والآية التي استدل بها العلامة الصنعاني رحمه الله تثبت ذلك وهي قول الله تعالى " قل إنما أنا بشر مثلكم " فالآية لم تقل إنما أنا مثلكم بل خصصت المثلية هنا في شيء واحد وهو البشرية فرسول الله صلى الله عليه وسلم مثلنا في البشرية لكنه ليس مثلنا في أمور كثيرة .

ومنها مثلا :أنه يوحى إليه ولسنا كذلك
ومنها أنه يُتطيب بعرقه ولسنا كذلك
ومنها أنه يرى من ورائه كما يرى من أمامه ولسنا كذلك
ومنها ومنها ومنها الكثير مما اختص به صلى الله عليه وسلم


إذن المثلية في الآية مثلية بشرية


أما تفسير الببشرية في الآية على أنها أنسى كما تنسون فليس ذلك على الإطلاق فالنسيان جزء من البشرية لكن العلامة الصنعاني رحمه الله ذهب هذا المذهب معتمدا على الحديث الذي أخرجه الترمذى والذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وفيه

أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس العصر ركعتين فلما سلم قيل يارسول الله أحدث في الصلاة شيء ؟ قال وماذاك ؟ قالوا صليت كذا وكذا قال : فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم ثم أقبل على الناس بوجهه فقال إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن ( إنما أنا بشر مثلكم ) أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني ......... إلخ سبل السلام للصنعاني 1 / 206
فالإمام الصنعاني مازاد على أن نقل نص الحديث

أما قولهم إن المثل الطلق لايتصور فهذا صحيح في رأيي لأنك لاتقول " مثله " إلا إذا لاحظت فرقا فإن تطابق الأمران فلا يقال مثله بل يقال هو هو ولذلك قالت ملكة سبأ حين سئلت أهكذا عرشك ؟ قالت كأنه هو ولم تقل كأنه مثله لأنه كان عرشها بالفعل

والقرآن الكريم لو طلب منهم مثله على اعتبار المثل المطلق لكان المقصود أن يدعوا نسبة القرآن إليهم وليس المجيء بكتاب آخر

فالمثل المطلق للقرآن الكريم هو القرآن الكريم نفسه فهل يتصور أن يتحداهم القرآن بأن يأتوا بالقرآن وهو موجود ؟؟؟

وعليه فالتحدي بشيء آخر غير القرآن ويكون مثل القرآن .

أما قولهم إن طلب المثل المطلق يراد منه التعجيز فنعم لأن المطلوب ليس كلاما بشريا إنما المطلوب وحي من عند الله وهم يظنون أن المطلوب كلام بليغ أو نحو ذلك

وبعد تقبل احترامي وتقديرى

سعيد جمعة
الأستاذ المساعد في جامعة الأزهر الشريف والمعار حاليا إلى المملكة العربية السعودية في كليات البنات صبيا جازان
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إلى الأستاذ الكريم / جمال حسنى الشرباتي حفظك الله من كل سوء وبعد

فإن ملخص بحثى في كلمات قليله هو


ان القرآن الكريم تحدى الإنس والجن جميعا بأن يأتوا بمثله وجعل عجز الجميع عن المجيء بمثله دليلا على صدق الرسول وأنه نبي يوحى إليه وظل التحدي قائما طوال حياة النبي وبعد مماته إلى يوم القيامة
وهذا التحدي يثبت كل يوم صدق الرسول فيما ادعاه وهو أنه نبي يوحى إليه وأن هذا الكلام من عند الله

ولكن طرأ في العصر الحديث من خرج علينا بكلام وزعم أنه يتحدى به القرآن ليثبت من وراء ذلك بطلان الدعوى التي جاء بها محمد في أنه رسول من عند الله


وذهب العلماء قديما وحديثا في تفسير التحدي هذا في أنه يكمن في بلاغة القرآن أو في ما يحويه القرآن من لفتات علمية أو إخباره عن أمور غيبية

وهنا وقف المكذبون ليطعنوا في بلاغة القرآن ويشككوا في الحقائق العلمية التي أخبر بها

وكذلك يشككون في الغيب الذي أنبأ به

وبهذا يسقط التحدي ويبطل زعم محمد بن عبد الله في أنه رسول وأن ما جاء به وحي من الله

وهذا البحث يثبت أن التحدي ليس في كل ما سبق إنما يكمن في نقطة واحدة وهي أن يأتوا بكلام من عند الله كما جاء محمد بكلام من عند الله

ولو سألت ومن أدراني أن محمدا صادق في دعواه نقول وازنوا بين كلام البشر والقرآن الكريم ليتبين لكم الفرق
هذا مضمون البحث باختصار

والله يشرح صدري وصدرك لما يحبه ويرضاه والسلام
سعيد جمعة
الأستاذ المساعد في جامعة الأزهر الشريف في مصر فرع المنوفية

والمعار حاليا في السعودية كليات البنات جازان صبيا
 
أشكر الدكتور سعيد على التوضيح

وأرجو من الأخوة أن يشاركونا النقاش فقد أغفل عن نقاط فيذكرونها

#قلت (وهذا البحث يثبت أن التحدي ليس في كل ما سبق إنما يكمن في نقطة واحدة وهي أن يأتوا بكلام من عند الله كما جاء محمد بكلام من عند الله

ولو سألت ومن أدراني أن محمدا صادق في دعواه نقول وازنوا بين كلام البشر والقرآن الكريم ليتبين لكم الفرق
))

وهنا أنت تعرضت لتفي الإعجاز البلاغي---

فإذا كنا سنوازن بين كلام القرآن وكلام البشر فمن أي زاوية تكون الموازنة؟؟

أعني عندما أناقش شخصا واقول له القرآن الكريم كلام رب العالمين كيف سأثبت له ذلك؟؟---إذا قلت له قارن بينه وبين غيره من كلام البشر فعلى أي أساس ستتم المقارنة؟؟

هو كلام رب العالمين قطعا فما هو مميزه عن كلام البشر؟؟

هل يعني كلامك تبنيا لرأي المعتزلة بالصرفة؟

وهل يعني كلامك تراجعا عما أقر به غالبية علماء الإسلام قديما وحديثا من كون إعجازه الرئيس ينجم من كونه كلاما لا يدانيه أي كلام من حيث البلاغة والفصاحة والنظم الفريد
 
[align=justify]السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

فضيلة الدكتور سعيد جمعة حفظه الله ،

لقد قرأت بحثكم المطوّل ، وفيه بعض الأمور التي أشكلت علي ، فأذن لي بهذه الملاحظات السريعة ..

أولاً : قولكم : " ليس التحدي في المجيء بأعلى كلام في البلاغة ولا المجيء بأسهل لفظ وأحسن سبك وأجمل أسلوب ، ولا المجيء بكتاب أو بعض كتاب يشمل تنبؤات عن الزراعة والفلك والطب ، وغير ذلك . الإعجاز يكمن في هذا اللفظ ( المثل ) "

التعقيب : هل نفهم من ذلك أن القرآن لم يكن معجزاً ببلاغته وفصاحته وعلومه وإخباره بالغيب ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فهل تنفي أن القرآن معجز بذاته ؟ إذ إن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن ، فكيف يكون معجزاً وليس فيه صفة إعجاز ؟

ثانياً : قولكم : "إن الإنجيل نزل بلغة بني إسرائيل وقتها ، فلِمَ لم تكن معجزة عيسى في اللغة ؟ "

التعقيب : من عدّة وجوه ، أهمها يكمن في الفرق بين المعجزة والرسالة . فالرسل عليهم السلام بعثهم الله لهداية أجيال محدّدة ، في أزمان محدّدة ، وأماكن محدّدة ، وأيّدهم برسالات تكون هي منهج الحياة والتشريع ، ثمّ أيّدهم في الوقت نفسه بالمعجزات ، لتكون دليلاً على صدق دعواتهم . فمعجزات موسى وعيسى عليهما السلام شيء ، ومنهجهما ، المتمثّل في التوراة والإنجيل ، شيء آخر . أما الرسول الكريم صلى الله عليه وسلّم ، فقد بعثه الله تعالى هدى للناس ورحمة للعالمين ، مؤيَّداً بالقرآن الكريم ليكون المنهج القويم والتشريع الخالد لأمم العالم أجمعين ، وليكون في الوقت نفسه المعجزة الخالدة إلى يوم الدين . فهو إذن معجزة ومنهج في آن واحد . هذا من جهة . ومن جهة أخرى ، لم يبلغنا القرآن الكريم ولم يرد على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في الأثر أن الله تعالى أنزل على الأمم الكتابية كتاباً معجزاً . بل لقد أثبتت بحوث مؤرخي الأديان أن التوراة والإنجيل والزبور لم تُدوّن حتى بلغة واحدة ، ولم تُكتب في وقت واحد ، بل لم تحتفظ بصحّتها من الأصل ، فضلاً عن المعجز وغير المعجز . بل إن الله عزّ وجلّ تكفّل بحفظ كتابه العزيز في قوله : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " ، أما التوراة والإنجيل فقد قال عنها سبحانه وتعالى : " وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ " . فكان حفظ التوراة والإنجيل موكولا إلى الربانيين والأحبار . وفرق كبير بين أن يكون الكتاب موكول الحفظ إلى الله ، كما هو الشأن بالنسبة إلى القرآن ، وبين أن يكون موكولا إلى الربانيين والأحبار وهم بشر . فأي إعجاز يكون في كتاب حرّفه أصحابه ؟


ثالثاً : قولكم : "إذن التحدي لم يكن أن يأتوا بكلام فصيح بليغ ـ بل لم يخطر على بال أحدهم أن يعارض القرآن لا لشيء إلا لعلمهم أنهم مهما قلوا فلن يقبل منهم . لماذا ؟ لأنهم سيقولون كلاماً من عند أنفسهم وليس من عند الله "

التعقيب : هل نفهم من هذا أن العرب كان بمقدورهم أن يأتوا بمثل القرآن لغة ، ولكن لم يجرؤ أحد على الإدعاء بأنه من عند الله ؟ وإذا كان ذلك كذلك ، فما تأويلكم لقول الله تعالى : " وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ " (الأنفال :31) ؟

كانت هذه بعض الملاحظات السريعة التي راودتني حين تصفّحت مقالتكم ، وسأعقّب على المزيد منها بعد تكرّمكم بالإجابة مشكورين ..




[/align]
 

===================
أقول:
===================


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



بارك الله فيكم

على هذا البحث الطيب الجميل

و على محاوريك الذين سئلوا أسئلة وجيهة

لماذا - لا يكون بحث الدكتور الفاضل مكملا للبحوث الأخرى التي أثبتت شتى أنواع الإعجاز في القرآن الكريم

بمعنى - أن - كل ما تفضل به علمائنا القدماء و الجدد في إثبات إعجاز القرآن إعجازا

طبيا - علميا - تاريخيا - بلاغيا ......الخ

ايضا - يكون أنه من عند الله بإعجازه

أن تضيف بحثك الي البحوث الأخرى - و لا تنفي البحوث الثابقة التي أثبتت تنوع إعجاز القرآن

و الله أعلم

/////////////////////////////////////////////////
 
الأخ الفاضل الدكتور سعيد جمعة
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، و بعد :
فأولا أشكر لكم غيرتكم الحميدة على كتاب الله ، و كذلك تلكم الجرأة العلمية و الأدبية في طرحكم لما تعتقدون صوابه ،،،،،
و الحقيقة قرأت مقالكم المثبت أعلاه ، كما قرأت ملخصه الذي جاء بناء على طلب الأستاذ جمال ، و مما جاء فيهما :
قولكم - حفظكم الله - : " و أستطيع أن أخلص من هذا البحث بأن دلالة المثلية تكمن في قوله تعالى :
(قل فأتوا بكتاب من عند الله )
هذا هو معنى المثلثة ، وهذا هو مناط التحدي وذاك هو بيت القصيد فالمثلية هنا مثلية وحي وتنزيل .
هذا ماتوصلت إليه .. فإن كان صواباً فالفضل لله وحده وإلا فحسبي أنني اجتهدت والله أعلى وأعلم وهو من وراء القصد ".

و قولكم في الملخص : " ......وهذا البحث يثبت أن التحدي ليس في كل ما سبق إنما يكمن في نقطة واحدة وهي أن يأتوا بكلام من عند الله كما جاء محمد بكلام من عند الله ".

.......................
فرأيتكم قد جانبتم فيه الصواب ، و أراكم قد أخطأتم في الاستدلال لقولكم من جهة السياق القرآني ، و من جهة دلالة المثلية في لغة العرب و التخريج الغريب الذي خرجتموه عليها ، و خالفتم ما يعلمه الخاص و العام من مقاصد القرآن في المراد من ذلكم التحدي الخالد ، لا سيما أولئك المخاطبين بتلكم الآية زمن التنزيل ، فضلا عمن جاء من بعدهم إلى يوم الناس هذا .
إضافة إلى أنه يترتب على تفسيركم المذكور لمناط التحدي = مما لا يخفى بطلانه الشيء الكثير ، و سأوضح هذا جليا - إن شاء الله - قريبا جدا ، و اعذرني الآن فأنا أكتب على عجل من على نفس صفحة المشاركة ، مع انشغالي الليلة بابنتي فهي مريضة ، و التوضيح سيأتي موثقا - بإذن الله تعالى - .......
و الله الموفق لما فيه الخير
( يتبع بإذن الله ....).
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد
فأحمد الله تعالى حمدا يليق بجلاله وكماله وأسأله سبحانه أن يجعل جهدنا جميعا في خدمة كتابه الكريم وأن يشفع فينا قرآنه العظيم وأن يجعله قائدا لنا جميعا إلى مستقر رحمته إنه ولي ذلك والقادر عليه
وبعد فإنني سعيد باهتمام الكرام بهذا البحث وتعقيباتهم له أو عليه واود أن أجيب عن أسئلة الأساتذة الكرام
وأبدا بالأخ الكريم / جمال حسني الشرباتي أكرمه الله
لقد وضحت يا أخي الكريم الفرق بين وجه الإعجاز ووجه التحدي
فكل مافي القرآن معجز وماقلت غير ذلك بداية من بلاغته العالية التي لايطمح إليها بشر كما قال الرافعي رحمه الله فبلاغة القرآن ليست محلا لنزاع أحد
وأسأل وأجيب عن نفسي :
القرآن معجز ببلاغته ؟ الجواب نعم
القرآن الكريم معجز بإخباره عن الغيب ؟ نعم
القرآن الكريم مِِِِِِِِِعجزة طبية ؟ نعم
القرآن معجزة فلكية و وحسابية وجيولوجية ........ إلخ ؟ نعم نعم نعم
لكن هل القرآن حين تحدي الخلق كلهم تحداهم في البلاغة أو الطب أو الفلك أو غير ذلك ؟؟؟؟؟؟؟؟
الجواب --- كما أرى --- لا .
إنه لم يطلب من الخلق سورة فائقة في البلاغة .
وهل يظن أحد أن العرب وهم من هم في الفصاحة يعجزون عن قول مقدار سورة في حجم سورة الكوثر مثلا ؟
هذا إذا اعتبرنا أن التحدي للعرب أو لهم أولا ثم للخلق كافة . والثابت أن القرآن يتحى الخلق كافة العرب منهمة والعجم .
إذن قضية البلاغة والإعجاز البلاغي لاخلاف فيها الخلاف هل البلاغة وجه التحدي أم لا ؟
ثم ننتقل إلى باقي الأوجه ففي القرآن الكريم إعجاز في الطب لكن هل الطب وجه التحدي ؟ وهل الغيب وجه تحدي ......إلخ

ذاك هو الكلام يا أخي الفاضل
أما حديثك عن الموازنة وعلى أي شيء سنوازن عند التحدي
فأقول لك إن الموازنة لاينبغي أن تتم إلا إذا ادعى أحدهم أن كلامه من عند الله تعالى . عندها من الممكن أن نقف ونوازن ليظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود ويتبين للجميع قول البشر من قول رب البشر سبحانه وتعالى
أما سؤالك إذا ناقشني أحد في كون القرآن كلام رب العالمين وكيف سأثبت له فالآية القرآتية تجيب عن ذلك وهي قوله تعالى " قل لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا " وهنا يبرز دور البلاغة والإخبار عن الغيب والعلوم لتثبت ذلك فكل هذه دلائل على الإعجاز وليست هي موطن التحدي وعليه فيجب الا نقف أمام هذا الغثاء الذي يقوله الملحدون أو المشككون في القرآن الكريم لأنه ببساطة ليس كلام الله تعالى إنه كلامهم هم وهم يعترفون بذلك .
اما رأي المعتزلة فأنا لا أميل إليه ولقد ثبت تهاويه أمام النظر وياليتك تقرأ البحث الذي كتبه شيخي العلامة / محمود توفيق سعد وهو منشور أيضا على النت بعنوان إعجاز القرآن بالصرفة دراسة ناقدة
إن النقطة الجوهرية التي التبست على الكثيرين ياأخي الكريم هي عدم التفريق بين ( وجه الإعجاز ووجه التحدي ) والخلط بينهما لايجعلنا نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود
وبعد فتقبل تحياتى وشكري على اهتمامك
---------------------
ثم اجيب الأخ الفاضل لؤ ي الخطيب بارك الله فيه فأقول
لايمكن هذا الفصل يا أخي الكريم
وحديثك عن إعجاز القرآن بذاته أو الإعجاز الذاتي للقرآن الكريم يجعلنا نفصل بين القرآن الكريم وقائله وهذا الفصل ياسيدي مستحيل
فالقرآن لايمكن أن يقال له كلام وفقط إذ لابد أن تضيفه إلى قائله فتقول كلام الله وهذا أبسط تعريف للقرآن الكريم
ولعلك قرأت تلك النظريات الغربية التي تفصل النص عن المبدع وتقول باستقلالية النص وأنه يحمل مقومات إبداعه وهذا شيء لايستقر في عقلى ولايستوي على قدمين في نظري فالكلام ما هو إلا صفة لقائله ولذلك اتصف القرآن بصفات الله تعالى فهو قرآن كريم ومجيد وعظيم وهذه كلها صفات الله تعالى وعليه لايمكن الفصل بينهما وعليه فالقول بالإعجاز الذاتي لا مجال له هنا ووجه الإعجاز الأول في القرآن هو أنه " كلام الله "
أما قولك هل كان العرب بمقدورهم أن يأتوا بمثل القرآن لغة ؟
فأنا أعيدك إلى السؤال الأهم : وهو هل تحدى القرآن الكريم العرب وحدهم حتى نسأل هذا السؤال ؟
-----------------
ثم أتوجه إلى الأخ المفضال الملقب بــــــــــــــــ " الإسلام ديني "
وأقول له : أوافقك يا أخي الكريم .
نعم هذا البحث أراه إضافة وليس هدما لكلام العلماء السابقين فإن كانوا تحدثوا عن الإعجاز فأنا أتحث عن وجه التحدي وما دعمت كلامي إلا من كلامهم وارجع إلى نقلي عن المحدث ابن كثير رحمه الله وأنه أصاب المحز حيث قال ( وأنى يتأتى لبشر أن يعارض كلام الله ؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين؟
------------
ثم أتوجه إلى الشيخ الكريم المكنى بــــــــــ " ابن تيمية " أكرمه الله
وفي البداية أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يعافى ابنته وأن يعجل بشفائها كما أسأله وهو رب الناس أن يذهب الباس وأن يشفيها وهو الشافي شفاء لا يغادر سقما
ثم اقول للأخ الكريم قل لى يا أخي كيف خالفت كلام العلماء وما يعلمه الخاص والعام والقضية أصلا محل خلاف بينهم وراجع كتاب الباقلاني المسمى إعجاز القرآن لتر حقيقة هذا الخلاف
ثم إنك رميتني بعدة مخالفات دون توضيح وكان ودي أن تؤجل هذه الاعتراضات حتى تبينها لى ونصل سويا إلى مايرضي ربنا وما فيه النصح لكتابه الكريم
ثم أقول لك إنني يأخي العزيز قدمت فهما أراه صوابا كما أراه في الوقت نفسه يرد على هؤلاء الملحدين والمشككين في كتاب الله تعالى
وتقبل تحياتي
 
ملاحظات على بحث الدكتور سعيد جمعة

ملاحظات على بحث الدكتور سعيد جمعة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أود أولا أن أقول بأنني أرجو ألا تصدك هذه الملاحظات عن المشاركة في مؤتمر الاعجاز إن رغبت. وأما ثانياً فإني أرجو أن يتسع صدرك لها ولغيرها.
أولاً : اضطرب الباحث في أشياء أهمها أنه مرةً قال : إن ما تقدم من الوجوه لا يشفي غليلاً ، ثم عاد في آخر البحث دون أن ينكر منها وجهاً بل جعلها كلها من الوجوه المحمودة.
ثانياً: قال الباحث : إن آيات التحدي تمثل لب الاعجاز ، ثم عاد ليفرق بين التحدي والاعجاز ، بحيث لم يستطع القاريء الوصول إلى مراد الباحث.
ثالثاً: هناك تداخل شديد في الكلام بين المِثل بكسر الميم والمَثَل بفتحها وتحريك ما بعدها.
وقف الباحث عند قول البيضاوي واحتفل به مع إن عبارة البيضاوي يجب أن يشار فيها إلى أن الكلام دعوى فرعون بأن ما جاء به موسى عليه السلام هو كذلك ، لا أن الله تعالى قد قاله ابتداءا.
رابعاً: تحدث الكاتب عن أن العلماء السابقين قد حصروا الاعجاز في طائفة قليلة ، وهذا فهم الكاتب ، وليس هو رأي العلماء كما لا يخفى على من طالع كتبهم.
خامساً: نقل الكاتب عن من لم يذكره بأن التحدي قد انقطع بانقطاع زمن الوحي ، ولا أدري من القائل؟ وما منزلة قوله ؟ وهل وافقه عليه أحد ؟وهل علينا أن نحتفل بكل قولٍ كهذا القول ؟
سادساً: من أين جاء الكاتب الكريم بأن السور المكية خطاب لجميع الناس والسور المدنية خطاب لمن أقر بالانبياء؟
سابعاً: إن الترتيب في آيات التحدي الذي جاء به الكاتب ليس صواباً ، بل الصواب الترتيب بحسب نزول السور وهو على النحو التالي :
أولا سورة الطور، ثم هود ، ثم يونس ، ثم البقرة . هذا هو الترتيب الملائم لطبيعة التحدي كما فصله مولانا العلامة فضل عباس في كتابه الاعجاز الصفحة الحادية والثانية والثلاثين .
ثامناً : كيف هجم الباحث على قلوب الناس حتى خرج بأن العجز قد يصدر عمن لم يخطر بباله التحدي سواء كان جنياً أم إنسياً ؟
تاسعاً : أليس في صنيع الباحث من التحكم العجيب حين رفض القول بما سمي بالاعجاز البلاغي لانه يحصر التحدي في فئة خاصة ثم أثبت ما يسمى بالاعجاز العلمي وقال : إنه يُعد النافذه لجذب عقول الاخرين . وهل الاعجاز العلمي إلا مناسباً لبعض الناس دون بعض ؟ فلم رفضت تلك الخصوصية وأثبتت هذه ؟
عاشراً : أن القصة الواردة عن أبي عبيدة في شأن تاليفه لكتاب المجاز غير ثابتة والذي يدل على هذا أنه لم يثبتها في أول كتابه فلو كانت هي السبب لما تورع عن ذكرها .
حادي عشر: أن الكاتب الكريم لم يفرق بين الاعجاب والاعجاز فجعلهما شيئا واحدا وهذا يحوج إلى إعادة نظر.
ثاني عشر : هل صحيح أن كتاب أبي عبيدة هو أول كتاب يتحدث عن أسلوب القران ويوازن بينه وبين كلام العرب؟ أين الدليل على مثل هذا القول ؟
ثالث عشر : أثبت الكاتب أن الشك والريب ليس في القران على اطلاقه وانما في انه من عند الله . وهذا بعيدٌ عن الصواب؛ إذ الشك والريب لم يقع أصلاً ، بدليل التعبير بقوله تعالى :(وان كنتم في ريب) دون أن يقول : واذا كنتم في ريب. فأين هذا من ذاك ؟
رابع عشر : الكاتب الكريم يرى أن المثليه مثلية وحي وهذا يبطل الاعجاز الذاتي للقران ، بمعنى أن القران معجز لأنه من عند الله لا لما حواه من المضامين والأساليب التي أعجزت العرب ، وهذا القول يقترب رويداً رويداً من الصرفة إن لم يكن هو. والكاتب يرى أن هذا هو التحدي.
أوليس يصدق هذا على من قال: إن الرسول تحداهم أن يخرج منهم رسول غيره ؟ فما الفرق بين هذا وذاك؟
خامس عشر : على هذا الوجه كيف يمكن ان نفهم قوله تعالى ( من مثله) كيف يمكن فهم هذا التبعيض على راي الكاتب الكريم

أخيراً : إن هذا البحث فيه جهدٌ كبير ، لكن صاحبه - أكرمه الله - قد تعجل نتيجته دون أن ينظرها على نارٍ هادئةٍ وفقه الله ، وأوجد في المسلمين من الباحثين الجادين ما يرفع عنهم غشاوة التقليد والهدم. أسدي أصدق التحيات للباحث ولشيخه ، وأرجوه أن يسألَ شيخه أن يدخل إلى هذا المنتدى حتى نتعرف إليه عن قربٍ ، وأنا اليوم منشغل بقراة كتابهِ عن الصرفةِ ، وأرجو أن أجد فيه بغيتي أو بعضها .والسلام عليكم أجمعين.
 
استدراك

استدراك

قد قرا بعض الاخوة المحبين هذا الكلام الذي كتبته وقالوا ان فيه بعضا من القسوة وكان ينبغي ان لا يكون كذلك
فان كان الامر على ما قالوه والمرء لا يكاد يدري بعيوب نفسه فاني من على هذا المنبر اقدم كامل الاعتذارللدكتور سعيد واقول انني لم اقصد القسوة ولا ما يستتبعها وحسبه من محبتي انني احتفلت ببحثه ولولا اني رايت فيه فائدة وفضلا ما قراته وكتبت عنه
ورحم الله تعالى من اهدى الي عيوبي
والسلام عليكم ايها الباحثون المجدون جميعا
 
[align=justify]السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

فضيلة الدكتور سعيد جمعة حفظه الله ووفّقه لكل خير ..
شكر الله لك إجاباتك الكريمة ، ولكن ما زالت عندي بعض الملاحظات على كلامكم ، فأرجو أن تتقبّلوها بسعة صدر ..

أولاً :
قولكم : وهل يظنّ أحد أن العرب وهم من هم في الفصاحة يعجزون عن قول مقدار سورة في حجم سورة الكوثر مثلاً ؟

وأنا أسأل : وأنّى لهم ذلك ؟ فهل أنت تشكّ في أن العرب عجزوا عن الإتيان بمثلها ؟ إذ إن قولك هذا يذكّرنا بمزاعم بعضهم أن مِن العرب مَن عارض القرآن معارضة تبطل التحدّي ، غير أن المسلمين أخفوا هذه المعارضات ، ولم يستطع أحد من غيرهم أن ينقلها خوفاً منهم .
فهذه بنظرنا قضية خطيرة جداً ، وهي باطلة لأمور :
أ – لقد لجأ كفار قريش إلى الحرب ، ولو أنهم عارضوه ، أو كان بإمكانهم أن يعارضوه ، لأبطلوا حُجّته من أيسر طريق . ومن بدائه العقل أن الخصم الذي يستطيع أن يبطل حُجّة خصمه بطريق لا يلحقه منه ضرر لا يلجأ بطبيعة الحال إلى وسيلة يكون الضرر متحقّق فيها. فما الذي دعا كفار قريش وهم أصحاب العقول الراجحة إلى أن يعلنوا الحرب على الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه ، والجميع إخوتهم وأبناؤهم ، وهم يعلمون أن هذه الحرب لا بدّ أن تصيبهم وتصيب أهليهم الذين أسلموا بأقدح الأضرار ؟ فقد كان حسم القضية يسيراً عليهم ، لو أنهم استطاعوا إبطال الدعوة بأي معارضة مقبولة لما جاء به .
ب – لم تجرِ العادة في كتمان مثل هذا الأمر العظيم ، وإلا لافترضنا أن أشياء كثيرة حدثت في التاريخ ، وكتمها الناس . على أنه نُقل إلينا من أخبار مشركي العرب ما هو دون ذلك من نسبتهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنون والسحر والإفتراء ، وأنه أتى بأساطير الأولين ، ثم نسبته إلى الشعر والكهانة . ولا نشكّ في أن مشركي قريش استطاعوا أن يفرّقوا بين القرآن ، وبين الشعر وأسجاع الكهّان .
ج – لو صحّت المعارضة ، أو لو صحّ أن العرب كان بمقدورهم الإتيان بسورة مثل سورة الكوثر ، لكانت هذه كالحُجّة ، وكان القرآن كالشبهة . لأن بالمعارضة يُعلم من حاله أنه ليس بمعجز ، وتكون المعارضة من حيث كشفت ذلك من حال القرآن الكريم ودلّت عليه حُجّة . فكان يجب أن تكون بالنقل أولى من القرآن لأن الحاجة في الدين إليها أمسّ ، وكما وقعت الحاجة إليها أولاً ، فالحاجة إليها ماسّة على الدوام ما دام القرآن منقولاً ، فكيف يصحّ والحال هذه أن يُنقل القرآن ، ولا تُنقل المعارضة ؟
د – لو كان بمقدور مشركي قريش أن يأتوا بمثل سورة الكوثر ، لأوجب ذلك اضطراباً في نفوس الذين دخلوا في الإسلام . وقد كانوا – كما ظهر من سيرهم فيما بعد – أصحاب عقول راجحة ، وإرادات قويّة . فلا يُتصوّر أنهم داسوا على أنفسهم حين ظهر لهم بطلان الدين الجديد الذي دخلوا فيه . وقد كان بعضهم شديد العداوة له قبل أن يُسلم . فلو وجدوا أي ضعف في الدعوة لعادوا إلى عداوتهم لها . فثبات هؤلاء العقلاء على ما دخلوا فيه دليل على أنهم ما وجدوا فيه غميزة ، وما سمعوا من أحد مثل قوله .
هـ – احتججت بنقل المعارضة التي رُويت عن مسيلمة الكذّاب حين أراد أن يأتي بمثل سورة (والعصر) ، وعلّقت عليها بأن عمرو بن العاص لم ينظر فيها ولم يتطرّق إليها ، إنما كذّبه في جملة واحدة ، وهي (لقد أنزل علي) . ولكن ما دليلك على ذلك ؟ أولم يدرك عمرو بن العاص أن الكلمات التي تقوّل بها هذا الماجن ضعيفة الأسلوب ، سخيفة المعنى ، وأنها ليست إلا مما تفكّه به الرواة والقصاص في مجالس القصص ؟
و – أي سلطان كان للمسلمين وهم في مكة – شرّفها الله – وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم فيها ثلاثة عشر عاماً ، وهي مدّة تكفي لأن تُذاع أيّة معارضة حتى تبلغ أسماع كل من بلغته دعوة الإسلام ؟ ولا شك في أن القوم كانوا حريصين كل الحرص على إبطال هذا الدين الجديد . فلو كان منهم ما يبطله لجهدوا في إذاعته ، ولوجدوا من الذين يفدون إلى مكة – شرّفها الله – للحج والتجارة مَن يسير بهذه البشرى ، وينشرها في كل مكان يمكن أن يبلغ صوته إليه .

ثانياً :
قولكم : القول بالإعجاز الذاتي لا مجال له هنا ، ووجه الإعجاز الأول في القرآن هو أنه " كلام الله "

وأنا أسأل : وكيف يمكننا أن نفهم الإعجاز إذا عطّلنا ما في القرآن الكريم من مضامين وأساليب ؟

ثالثاً :
قولكم : تعقيباً على سؤالي : هل كان بمقدور العرب أن يأتوا بمثل القرآن لغة ؟ قلتم : وهل تحدّى القرآن الكريم العرب وحدهم حتى نسأل هذا السؤال ؟

نقول : لقد نبّهتم إلى قضية ما زال الخلاف فيها قائماً بين العلماء ، فمنهم من اقتصر التحدّي على العرب ، ومنهم من ذهب إلى القول بأن التحدّي إنما كان للناس جميعاً ، عرباً وعجماً .
وأنا أميل إلى ما ذهب إليه فضيلة الدكتور فضل عباس في كتابه القيم (إتقان البرهان في علوم القرآن) . فقد قسم فضيلته التحدّي إلى ثلاثة مراحل : المرحلة المكية ، وهي التي جاء فيها التحدّي للعرب على الخصوص في السور المكية الثلاثة (الطور وهود ويونس) ، والمرحلة المدنية المتمثّلة بآية سورة (البقرة) .
ثم بعد هذه التفرقة يقول حفظه الله : "إن المراحل الثلاث الأولى خوطب بها العرب ، لأنهم هم المتحدّون في هذه السور الثلاث ، أما المرحلة الرابعة فقد خوطب بها الناس جميعاً ، يدلّ لذلك سياق الآيات "يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلّكم تتّقون .. الآيات " . ثم بيّن أن المراحل الثلاث الأولى مختلفة من حيث الأسلوب عن المرحلة الرابعة ، كما يلي :
المرحلة الأولى "فليأتوا بحديث مثله" ، والثانية "قل فأتوا بعشر سور مثله" ، والثالثة "فأتوا بسورة مثله" . أما المرحلة الرابعة فجاء الألوب فيها "فأتوا بسورة من مثله" . فكلمة "من" لم تُذكر إلا في المرحلة الرابعة . هناك اختلاف إذن بين المراحل الثلاث والمرحلة الرابعة من حيث التنزّل ، ومن حيث السياق ، ومن حيث الأسلوب . ولهذه الفروق دلالتها في تعيين أو ترجيح أحد القولين السابقين في بيان وجوه الإعجاز .
فإذا كان التحدّي في المراحل الثلاث المخاطب به العرب ، والعرب كان البيان بضاعتهم والبلاغة سجيتهم ، فإن المرحلة الرابعة المخاطب بها الناس جميعاً عربهم وعجمهم . وإذا كانت المراحل الأولى خالية من كلمة "من" ، فلقد جاءت المرحلة الرابعة مشتملة على هذا الحرف الدال على التبعيض . ومعنى هذا أن المرحلة الأخيرة كان التحدّي فيها للناس جميعاً ، ولا يعقل أن يتحدّى الناس جميعاً بالبيان وحده ، وإنما هو تحدّ عام عموم المخاطبين به ."

ثم يقرّر فضيلته بعد هذه الدراسة "أن وجوه الإعجاز متعدّدة ، وأن القرآن معجز من حيث بيانه ، ومن حيث تشريعه ، ومن حيث ما فيه من حقائق علمية وكونية ، ومن حيث ما فيه من أخبار غيبية إلى ما هنالك من وجوه أخر ." (إتقان البرهان في علوم القرآن لفضيلة الدكتور فضل عباس ، ص111-113) .

وعلى هذا ، فإن القرآن تحدّى العرب في زمانهم على أن يأتوا بمثل بيانه المعجز . فدعوة مشركي قريش إلى المعارضة كانت قائمة . ولكنهم عجزوا ! ولماذا عجزوا ؟ ليس لأن القرآن من عنده سبحانه وتعالى فحسب – فهذا أمر مسلّم به أصلاً – ولكن لأنهم لم يقدروا على أن يأتوا بسورة مثله ، ولا بعشر سور مثله مفتريات . وما زال التحدّي قائماً يدعو من استطاع إلى الإتيان "بسورة من مثله" في البيان ، أو في العلوم المكنونة في هذا الكتاب الحكيم .

وأخيراً أرجو أن لا أكون قد أطلت في الموضوع بغير فائدة ترتضى لنا جميعاً ..
فالهدف الأول من مداخلتي التعلم من أمثالكم .. فبارك الله فيكم على جهودكم ..

[/align]
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر للدكتور جمال أبي حسان ملاحظاته التي أفدت منها ولا حاجة للعذر فنحن جميعا نبتغي وجه الله تعالى فيما نكتب وفيما نقول ، ومادام وجه الله تعالى هو غايتنا فالدين النصيحة .
حديثكم يافضيلة الدكتور عن الاضطراب لا محل له وذلك لأن الوجوه التي قلت بأنها لا تشفي الغلة مخصوصة بدلالة كلمة ( المثل ) المتحدى بها في القرآن ، ولم أعثر على شيء من ذلك إلا إشارتين إحداهما تتحدث عن مرجع الضمير في قوله " من مثله " والأخرى تتحدث عن بلاغة النظم في هذه الآيات ولقد أثبت ذلك في الهوامش
أما عدم إنكاري للوجوه في آخر البحث فكان في شأن وجوه الإعجاز ولقد ذكرت اكثر من مرة ان كل مافي القرآن معجز ولا إنكار لوجه من هذه الوجوه
وعليه فلا مجال للاضطراب .
ثانياً :نعم قلت إن آيات التحدي تمثل لب الإعجاز لأن علماءنا تناولوها في حديثهم عن التحدي لكن الواقع أن هناك فرق بينهما بينته كثيرا في بحثي .
ولا أظن أن القارئ لم يصل إلى مرادي فمرادي من البحث هو الوصول إلى معنى ( المثلية ) المتحدى بها
ونتيجة البحث أن المثلية تعني ( من عند الله ) وهذا واضح ، كما أرى .
ثالثاً: لاتداخل بين المثل والمثل وراجع كلام العسكري في الفروق اللغوية يظهر لكم ذلك جليا .
أما كلام العلامة البيضاوي وقوله ( مثله سحرك ) فلقد كان يلفت النظر إلى الوقوف على أيهما الأصل هل ما فعله موسى هو الأصل وما فعلوه هو المثل أم أن ما جاءوا به هو الأصل وما جاء به موسى هو المثل والقرآن الكريم جعل ماجاء به سيدنا موسى هو الأصل لأنه ليس سحرا وأن ما سياتون به هو المثل لأنه صورة وليس حقيقة .
رابعاً: نعم إنني أزعم ان كل من قال بأن التحدي في البلاغة كأنما يقول إن القرآن تحدي العرب الأوائل وحدهم .
خامساً: ترتيب السور ياسيدي ليس أمرا اجتهاديا حتى نقدم أو نؤخر فيه إنه توقيفي سواء الترتيب النزولي أو الترتيب المصحفي وأنا لم آت بترتيب من عندي لآيات التحدي إنما عرضت الأمرين وحاولت فهم الآيات بحسب كل ترتيب .
سادساً: أنا لم أرفض الإعجاز البلاغي ولا غيره وكل مافي الأمر أنني كنت أتتبع الخطوات المثلى لأي بحث فكنت أفترض صحة رأي وأظل أناقشه حتى يثبت أو يتهاوي وعليه فحين أمدح رأيا من الآراء أو وجها من الوجوه في اول البحث فلا يثبت هذا أنه موطن التحدي ولايثبت أيضا أنني أتناقض في كلامي فطبيعة البحث العلمي تتطلب هذا المنهج .
سايعاً: كتاب أبي عبيدة ليس هو موضوعنا وصحة القصة لادخل لها فيما نحن فيه ولذلك سأمررها هنا دون تعليق
ثامناً: إن المنصوص عليه عند أهل اللغة أن أداة الشرط ( إن ) تفيد الندرة ولاتنفي الوقوع كما تفضلتم وكيف يقال إن قوله " وإن كنتم في ريب ) تفيد عدم وقوع الشك أصلا ؟
تاسعاً: الإعجاز بالصرفة لا يتصور هنا ولادلالة عليه في كلامي وقضية الإعجاز الذاتي لاتثبت في عقلى ولا تستقر في صدري فأنا لا أتصور القرآن الكريم إلا ومعه قائله سبحانه وتعالى فلماذا تفصلون بين الكلام وقائله ؟
ثم من قال إن (من ) حرف تبعيض دائما ولماذا لاتكون بيانيه بدليل خلو الآيات الأخري منها ؟
وفي الختام تقبل تحياتي

--------------------------------------
ثم أنتقل إلى الأستاذ الطيب / لؤي الطيبي طيب الله تعالى ذكره في الدنيا والآخرة .
أتدري ياسيدي مالذي جر هؤلاء الغوغاء إلى الادعاء بأنهم قالوا مثل القرآن ؟
الذي جرأهم هو اعتقادهم بأن القرآن الكريم ماهو إلا كلام " محمد بن عبد الله" صلى الله عليه وسلم .
ثم افترض جدلا أننا قلنا لواحد من العرب الخُلص سنقول لك كلاما وحاول أن تقول مثله ولم نذكر له أنه كلام الله ألا تظن أن سيحاول ؟
بالطبع ياسيدي سيحاول حتى وإن أعجزته العبارات لكنه في النهاية سيحاول .
لكن قل له إن هذا كلام الله والله يتحداك أن تأتي بمثله وانتظر النتيجة ؟
وما المانع أن تجرب ذلك وتحكي لنا النتيجة ؟
نعم اتفق معك في أن العرب فرقت بين القرآن وبين الشعر والكهانة وهذا التفريق ليس دليلا لك بل هو دليل لى لأنهم عرفوا الفارق بين الكلام البشري والكلام الإلهي حتى قال أحدهم ( وما هو بقول بشر ).
إذن الحديث ليس عن قدرتهم في المجيء بسورة من الكلام ولكن في تحدي ربهم ولاطاقة لهم بذلك .
وهل تعتقد مثلا أن قول قس بن ساعدة ( ايها الناس اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ماهو آت آت ..........إلخ
لو قال رسول الله إن هذا من سور القرآن هل سيعارضه أحد أو سيحاول أن يقول مثله واسمع إلى أكثم ابن صيفي وهويقول ( إياك والتبذير فإن التبذير مفتاح البؤس ومن التواني والعجز نتجت الهلكة ، وأحوج الناس إلى الغنى من لا يصلحه إلا الغنى وحب المديح رأس الضياع وفي المشورة صلاح الرعية ورضا الناس غاية لاتدرك فتحر الخير بجهدك ولا تحفل سخط من رضاه الجور ............... إلخ )
حاول واجتهد ودع عنك ماقد قيل كله
أقول لو قيل هذا كلام الله ووضع في صلب المصحف هل ترى أن أحدا سيعارضه ؟
وهل هذا القدر القليل من الكلام لايفي بمقدار سورة من سور القرآن القصيرة ؟
إنني لا اريد أن نغلق الباب على كلام علمائنا الأوائل فلقد أفاضوا وجزاهم الله خيرا ولا عيب ان يرى الآخرون رأيا آخر مادام ليس هناك نص وما دام عندنا فهما وإخلاصا لله رب العالمين
وإذا أجبت عن هذا السؤال فأظن أن فيه الغنية عن باق الكلام . والسلام .
 
أولا أعتذر إلى الدكتور و إلى الإخوة القراء ، فإني سأنزل تعقيبي على ما ذكره الدكتور سعيد على مراحل لألا تختلط على القارئ مضامينه ، و أنا أعلم أن كثيرا ممن يقرؤون البحوث في المنتديات يملون من طول المكتوب على الصفحة الإلكترونية ، فالتجزئة تكاد تكون ضرورية لحسن الاستيعاب و سهولة الإدراك ،و الله أعلم
كما أعتذر للدكتور سعيد إن وجد في كلامي ما قد يبدو قساوة في الرد ، فليعلم أخانا الدكتور أن المردود عليه بين عيني هو الرأي ، لا صاحبه ، و لم يخطر ببالي غير ذلك ، و أالعبد الفقير إلى الله لا يعرف الدكتور سعيد معرفة شخصية ، و لم تكن بيني و بينه اتصالات ، و هو حفظه الله له مني و من كل مسلم بمقتضى الأخوة الإيمانية و الحقوق الإسلامية المحبة و الاحترام و التقدير .
ملاحظة : بعد اكتمال التنزيل سأضع التعقيب على ملف وورد .
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرًا طيبًا مبَاركًا فيه ، و الصلاةُ و السَّلامُ الأتمان الأكملانِ على نبينا محمَّد و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما بعد :
فلقد قرأت بحث الدكتور الفاضل سعيد جمعة حول تفسيره للمثلية المتحدى بها في آيات الكتاب كقوله تعالى ﴿ فأتوا بسورة من مثله ..﴾ ، و تبين لي بأدنى نظر أن نتيجته بعيدة عن الحق ، مجانبة للصواب ، و أن المقدمات التي بنى عليها منها ما هو حق و منها ما هو باطل ، و سأبين في مقالي هذا فساد ما ذهب إليه ، رغم أني شديد الانشغال في هذه الأيام ، و ليس لي من الوقت ما أحرر فيه ما أريد بيانه ، و لهذا سأتجاوز المسائل الجزئية التي أرى أن الباحث قد أخطأ فيها ، و أدخل إلى صلب الموضوع ، فأقول – مستعينا بالله وحده - :
إن المثْل و المثليَّة و الممَاثلة ألفاظٌ يكثُرُ ورودها في كتب الفقه و العقيدة و التفسير و شروح كتب الحديث ، و في علم الرواية منها ، و في غيرها ؛ فتجدها في كتب الفقه في بيان معنى المثلية في الربويات و في القصاص و جزاء الصيد و في مهر المثل و أجرة المثل و في غيرها ، و تجدها في كتب العقيدة في مبحث نفي التمثيل و نفي مماثلة المخلوقين : عن الله و عن صفاته ، و في كتب التفسير في آيات عدة – منها ما نحن بصدده – و في شروح كتب الحديث بيانًا لما أُسنِد فيها من أقوال النبي ×، كمثل قوله ×: (( من سمع المؤذن فقال مثلَ ما يقول ..)) ، و كقوله ×: (( الذهب بالذهب ..مثلا بمثل ..)) ، و في كتب علم الرواية في مبحث قول الراوي عن متن الحديث : (( مثله )) أو (( نحوه )) (1) - إذا ساق السند دون المتن - ، إلى آخر تلكم الكتب ، ولو أردت أن أسوق عباراتهم في هذا لجاءت في مجلدٍ فأكثر ، و في وسع كل أحدٍ أن يقف عليها بلا عناء و لا مشقة .
و يمكن تلخيصُ ما جاء فيها ، فأقول :
المثل في لغة العرب يطلق على معانٍ ، أصلها : التسوية و المناظرة بين الشيئين.
فيطلق على التسوية في الذوات .
أو على التسوية في الصفات .
أو التسوية في المقدار (2).
كما أنها تأتي مقيدة باللفظ ، فيقال : مثله في كذا و كذا.
و بعضُ أهل العلم يعبِّر بتعبير آخر ، فيقسمها إلى مماثلة في الصورة ، و أخرى في المعنى أو في الصورة و المعنى و بعضهم يعبر بالخلقة و الصورة ، أو في الصفات و الأخلاق ، و بعضهم بغير هذا .
قال ابن فارس )) :مثل ، الميم و الثاء و اللام أصلٌ صحيح يدل على مناظرة الشيء للشيء ، و هذا مثل هذا ، و المِثل و المثال في معنى واحد ، و ربما قالوا : مثيل كشبيه))( معجم مقاييس اللغة 5/296).
و قال أيضا : (( المِثْل : النظير )) ( مجمل اللغة 4/309-ط معهد المخطوطات ).
فقوله رحمه الله : (( و المِثل و المثال في معنى واحد )) يدل على استعمال المثل في معنى المقدار .
قال في القاموس : ( و المثال : المقدار ).
قال في شرحه : (( و المثال – بالكسر : المقدار ، و هو من الشِّبه و المِثل : ما جُعلَ مثالا ، أي : مقدارا لغيره يحذى عليه ، والجمع أمثلة و مثل )) ( التاج للزبيدي 30/382).
و في التعاريف ص 636 للمناوي قال : (( المثال : مقابلة شيء بشيء وهو نظيره أو وضع شيء ما ليحتذى فيه بما يفعل )) ، ثم ذكر المثل في الشيئين المتفقين جنسا و أنه ما سد مسده ، و ما كان مختلف الجنس فهو ما كان فيه معنى يقرب به من غيره .
و هكذا كان رأي معجم المجمع اللغوي المصري في (( المعجم الوسيط)) ( 2/860).
و قد فرق بعضهم بين المثل و المثال ، فقال : (( المثل هو المشارك في جميع الأوصاف و المثال هو المشارك في أحد الأوصاف سواء كان مشاركا في جميع الأوصاف أو لا )). (جامع العلوم في اصطلاحات الفنون 3/208-209 للأحمد نكري ).
و كثيرا ما يسوون في التفسير بين المثيل و الكفء و النظير و العدل و الند ؛ بل و الشبيه ، و هي كذلك معانيها متقاربة جدا ، والفروق بينها يسيرة جدا ، و قد عددها العلامة أبو هلالٍ العسكري في كتابه النافع (( الفروق )) (ص 257-260)، و مما قاله ص 259 : (( وليس في الكلام شيء يصلح في المماثلة إلا الكاف و المثل ، فأما الشبه والنظير فهما من جنس المثل )) .
و قال ص 260 : (( و الفرق بين كاف التشبيه و بين المِثل ، أن الشيء يشبَّه بالشيء من وجه واحد لا يكون مثله في الحقيقة إلا إذا أشبهه من جميع الوجوه لذاته ، فكأن الله تعالى لما قال ﴿ ليس كمثله شيء ﴾ أفاد أنه لا شبه له و لا مثل .. )) .
و صنيعُ الأئمة في هذا = المرادُ منه تقريبُ المعنى و محاولة تصويره في ذهن القارئ ، و هكذا صنيعهم في مفردات معاجم و قواميس اللغة .
و للعلم فإن تفسير المثل – بفتح الثاء – بمعنى : صفة الشيء ، قد رده المبرد في المقتضب 3/225 و خطَّأ قائله ، و كذلك فعل أبو علي الفارسي فإنه قال : (( تفسير المثَل بالصفة غير معروف في كلام العرب ؛ إنما معناها التمثيل )) ( التاج 30/382 ) ، و المسالة محل اختلاف.
.............................
الهوامش :
(1) : قال أبو عبد الله الحاكم في الرسالة البغدادية : " إن مما يلزم الحديثي من الضبط و الإتقان إذا ذكر حديثا و ساق المتن ثم أعقبه بإسناد آخر أن يفرق بين أن يقول : مثله أو نحوه ، فإنه لا يحل له أن يقول : مثله إلا بعد أن يقف على المتنين و الحديث جميعا فيعلم أنهما على لفظ واحد ، فإذا لم يميز ذلك حل له أن يقول : نحوه ، فإنه إذا قال : نحوه فقد بين أنه مثل معانيه .." نقله الزبيدي في التاج من نسخة لديه من كتاب الحاكم (30/380)، و في الفتح شرح لهذا الفرق في مواضع منه .
(2) انظر شرح العمدة 3/285 و 302 و مجموع الفتاوى 2/384 و 3/166 لابن تيمية و سيأتي الإحالة إلى غيرها في تضاعيف البحث .
يتبع .............
 
القسم الثاني

القسم الثاني

تفسير آيات التحدي
قبل بيان الأغلاط التي وقعت في بحث أخينا الفاضل الدكتور سعيد جمعة يحسن بي أن أبين في هذا المبحث معاني آيات التحدي مقتصرًا على ما فسَّر به إمامُ المفسرين محمد بن جرير رحمه الله في كتابه العظيم ( جامع البيان ) تلكم الآيات الكريمة ، ثم أتبعه بما يؤيِّده من كلام الإمامين الجليلين ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله ، و اخترتهما دون غيرهما لما تضمنه كلامهما من الزيادات المهمة فيما نحن بصدد بيانه ، بل الجواب المفصَّل عن كل شبهة أثيرت في مسألتنا هذه ، فإليكم تفسيرها – على حسب ترتيبها في المصحف الإمام :
1- ففي قوله تعالى ﴿و إن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾
قال ابن جرير : (( و هذا من الله عز وجل احتجاج لنبيه محمد × على مشركي قومه من العرب ومنافقيهم وكفار أهل الكتاب وضلالهم الذين افتتح بقصصهم قوله - جل ثناؤه - ﴿إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ﴾ وإياهم يخاطب بهذه الآيات وأخبر بأهم نعوتها قال الله جل ثناؤه ﴿ وإن كنتم ﴾ أيها المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين في شك وهو الريب مما نزلنا على عبدنا محمد × من النور والبرهان وآيات الفرقان أنه من عندي وأني الذي أنزلته إليه فلم تؤمنوا به ولم تصدقوه فيما يقول فأتوا بحجة تدفع حجته لأنكم تعلمون أن حجة كل ذي نبوة على صدقه في دعواه النبوة أن يأتي ببرهان يعجز عن أن يأتي بمثله جميع الخلق ومن حجة محمد × على صدقه وبرهانه على نبوته وأن ما جاء به من عندي عجز جميعكم وجميع من تستعينون به من أعوانكم وأنصاركم عن أن تأتوا بسورة من مثله .
وإذا عجزتم عن ذلك - وأنتم أهل البراعة في الفصاحة والبلاغة والدراية - = فقد علمتم أن غيركم عما عجزتم عنه من ذلك أعجز .
كما كان برهان من سلف من رسلي وأنبيائي على صدقه وحجته على نبوته من الآيات ما يعجز عن الإتيان بمثله جميع خلقي = فيتقرر حينئذ عندكم أنَّ محمدا لم يتقوله ولم يختلقه ؛ لأن ذلك لو كان منه اختلافا وتقولا لم يعجزوا وجميع خلقه عن الإتيان بمثله ؛ لأن محمدا × لم يعد أن يكون بشرا مثلكم وفي مثل حالكم في الجسم وبسطة الخلق وذرابة اللسان فيمكن أن يظن به اقتدار على ما عجزتم عنه أو يتوهم منكم عجز عما اقتدر عليه ...)) .
و قال : (( فإن قال قائل : إنك ذكرت أن الله عنى بقوله ﴿فأتوا بسورة من مثله ﴾ من مثل هذا القرآن ،فهل للقرآن من مثل ؟ فيقال : ائتوا بسورة من مثله ، قيل : إنه لم يعن به ائتوا بسورة من مثله في التأليف والمعاني التي باين بها سائر الكلام غيره ؛ وإنما عنى ائتوا بسورة من مثله في البيان ؛ لأن القرآن أنزله الله بلسان عربي ، فكلام العرب لا شك له مثل في معنى العربية ، فأما في المعنى الذي باين به القرآن سائر كلام المخلوقين فلا مثل له من ذلك الوجه ولا نظير ولا شبيه.
وإنما احتج الله - جل ثناؤه - عليهم لنبيه × بما احتج به له عليهم من القرآن إذ ظهر عجز القوم عن أن يأتوا بسورة من مثله في البيان إذ كان القرآن بيانا مثل بيانهم وكلاما نزل بلسانهم فقال لهم - جل ثناؤه – ﴿ وإن كنتم في ريب ﴾ من أن ما أنزلت على عبدي من القرآن من عندي فأتوا بسورة من كلامكم الذي هو مثله في العربية إذ كنتم عربا وهو بيان نظير بيانكم وكلام شبيه كلامكم
فلم يكلفهم جل ثناؤه أن يأتوا بسورة من غير اللسان الذي هو نظير اللسان الذي نزل به القرآن فيقدروا أن يقولوا : كلفتنا ما لو أحسناه أتينا به ؛ وإنا لا نقدر على الإتيان به ؛ لأنا لسنا من أهل اللسان الذي كلفتنا الإتيان به ، فليس لك علينا حجة بهذا ؛ لأنا وإن عجزنا عن أن نأتي بمثله من غير ألسنتنا ؛ لأنا لسنا بأهله = ففي الناس خلقٌ كثير من غير أهل لساننا يقدرُ على أن يأتي بمثله من اللسان الذي كلفتنا الإتيان به .
ولكنه جل ثناؤه قال لهم ﴿ائتوا بسورة مثله ﴾ لأن مثله من الألسن ألسنتكم ، وأنتم : إن كان محمد اختلقه وافتراه - إذا اجتمعتم وتظاهرتم على الإتيان بمثل سورة منه من لسانكم وبيانكم - = أقدرُ على اختلاقه ووضعه وتأليفه من محمد ×.
و إن لم تكونوا أقدر عليه منه = فلن تعجزوا – و أنتم جميع - عما قدر عليه محمد من ذلك ، وهو وحده - إن كنتم صادقين في دعواكم وزعمكم أن محمدًا افتراه واختلقه ، وأنه من عند غيري )) جامع البيان 1/165-166.
2 - و في قوله تعالى ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾
قال ابن جرير : (( يقول - تعالى ذكره - أم يقول هؤلاء المشركون افترى محمدٌ هذا القرآن من نفسه فاختلقه وافتعله ، قل - يا محمد لهم - : إن كان كما تقولون : إني اختلقته و افتريته = فإنكم مثلي من العرب ، و لساني وكلامي = مثل لسانكم ، فجيئوا بسورة مثل هذا القرآن )) الجامع 11/117 .
3- و في قوله تعالى ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾
قال ابن جرير : (( يقول - تعالى ذكره لنبيه محمد ×- : كفاك حجة على حقيقة ما أتيتهم به ودلالة على صحَّة نبوتك هذا القرآن من سائر الآيات غيره ؛ إذ كانت الآيات إنما تكون لمن أعطيها دلالة على صدقه لعجز جميع الخلق عن أن يأتوا بمثلها وهذا القرآن جميع الخلق عجزة عن أن يأتوا بمثله .
فإن هم قالوا : افتريته أي : اختلقته وتكذبته – و دل على أن معنى الكلام ما ذكرنا قوله ﴿أم يقولون افتراه﴾ إلى آخر الآية ، و يعني تعالى ذكره بقوله ﴿أم يقولون افتراه ﴾ أي : أيقولون افتراه ، و قد دللنا على سبب إدخال العرب " أم " في مثل هذا الموضع - = فقل لهم : يأتوا بعشر سور مثل هذا القرآن مفترياتٍ - يعني : مفتعلات مختلفات - إن كان ما أتيتكم به من هذا القرآن مفترى ، و ليس بآية معجزة كسائر ما سئلته من الآيات ؛كالكنز الذي قلتم : هلا أنزل عليه ، أو الملك الذي قلتم : هلا جاء معه نذيرا له مصدقا ؛ فإنكم قومي وأنتم من أهل لساني ، وأنا رجل منكم ، ومحال أن أقدر أخلق وحدي مئة سورة وأربع عشرة سورة ولا تقدروا بأجمعكم أن تفتروا و تختلقوا عشر سور مثلها ولا سيما إذا استعنتم في ذلك بمن شئتم من الخلق .
يقول - جل ثناؤه - : قل لهم ﴿ وادعوا من استطعتم﴾ أن تدعوهم من دون الله : - يعني : سوى الله ، لافتراء ذلك واختلاقه - : من الآلهة ؛ فإن أنتم لم تقدروا على أن تفتروا عشر سور مثله = فقد تبين لكم أنكم كذبة في قولكم : افتراه ، وصحت عندكم حقيقة ما أتيتكم به : أنه من عند الله ، ولم يكن لكم أن تتخيروا الآيات على ربكم ، و قد جاءكم من الحجة على حقيقة ما تكذبون به أنه من عند الله = مثل الذي تسألون من الحجة و ترغبون أنكم تصدقون بمجيئها .
وقوله ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ لقوله ﴿ فأتوا بعشر سور مثله ﴾ و إنما هو قل : فأتوا بعشر سور مثله مفتريات إن كنتم صادقين أن هذا القرآن افتراه محمد ، وادعوا من استطعتم من دون الله على ذلك من الآلهة والأنداد " ( الجامع 12/9-10).
4- و في قوله تعالى : ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾ .
قال ابن جرير : " يقول - جل ثناؤه - قل يا محمد للذين قالوا لك أنا نأتي بمثل هذا القرآن لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون أبدا بمثله ولو كان بعضهم لبعض عونا وظهرا
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله × بسبب قوم من اليهود جادلوه في القرآن وسألوه أن يأتيهم بآية غيره شاهدة له على نبوته لأن مثل هذا القرآن بهم قدرة على أن يأتوا به تجدونه مكتوبا عندكم ولو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله ما جاؤوا به فقال عند ذلك وهم جميعا فنحاص وعبد الله بن صوريا وكنانة بن أبي الحقيق وأشيع وكعب بن أسد وسموءل بن زيد وجبل بن عمرو يا محمد ما يعلمك هذا إنس ولا جان فقال رسول الله × أما والله إنكم لتعلمون أنه من عند الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة والإنجيل فقالوا يا محمد إن الله يصنع لرسوله إذا بعثه ما شاء ويقدر منه على ما أراد فأنزل علينا كتابا نقرؤه ونعرفه وإلا جئناك بمثل ما تأتي به فأنزل الله عز وجل فيهم وفيما قالوا قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " الجامع 15/158-159 .
5- و في قوله تعالى : ﴿ أم تأمرهم أحلامهم بهذآ أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾
قال ابن جرير : (( يقول - تعالى ذكره - : أتأمر هؤلاء المشركين أحلامهم بأن يقولوا لمحمد × هو شاعر وأن ما جاء به شعر أم هم قوم طاغون يقول جل ثناؤه ما تأمرهم بذلك أحلامهم وعقولهم بل هم قوم طاغون قد طغوا على ربهم فتجاوزوا ما أذن لهم وأمرهم به من الإيمان إلى الكفر به
و قوله ﴿أم يقولون تقوله ﴾ يقول تعالى ذكره : أم يقول هؤلاء المشركون تقول محمد هذا القرآن و تخلقه .
وقوله ﴿بل لا يؤمنون ﴾يقول جل ثناؤه : كذبوا فيما قالوا من ذلك ؛ بل لا يؤمنون ؛ فيصدقوا بالحق الذي جاءهم من عند ربهم
وقوله ﴿ فليأتوا بحديث مثله ﴾ يقول جل ثناؤه : فليأت قائلو ذلك له من المشركين بقرآن مثله ؛ فإنهم من أهل لسان محمد صلى الله عليه وسلم ولن يتعذر عليهم أن يأتوا من ذلك بمثل الذي أتى به محمد × إن كانوا صادقين في أن محمدا × تقوله وتخلقه " ( الجامع 27/32-33 ).
 
و بمثل الذي قال : قال أئمة الدين المقتدى بهم ، و من هؤلاء شيخا الإسلام ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله تعالى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( و القرآن يظهر كونه آية و برهانا له من وجوه جملة وتفصيلا :
أما الجملة : فإنه قد علمت الخاصة والعامة من عامة الأمم علما متواترا أنه هو الذي أتى بهذا القرآن ، وتواترت بذلك الأخبار أعظم من تواترها بخبر كل أحد من الأنبياء والملوك والفلاسفة وغيرهم.
والقرآن نفسه فيه تحدي الأمم بالمعارضة ، والتحدي هو أن يحدوهم أي : يدعوهم فيبعثهم إلى أن يعارضوه ، فيقال فيه : حداني على هذا الأمر، أي : بعثني عليه ، ومنه سمي حادي العيس ؛ لأنه بحداه يبعثها على السير .
وقد يريد بعض الناس بالتحدي :دعوى النبوة ؛ ولكنه أصله الأول ، قال تعالى في سورة الطور ﴿ أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين﴾
فهنا قال ﴿فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾ - في أنه تقوله ؛ فإنه إذا كان محمد قادرا على أن يتقوله كما يقدر الإنسان على أن يتكلم بما يتكلم به من نظم ونثر = كان هذا ممكنا للناس الذين هم من جنسه ، فأمكن الناس أن يأتوا بمثله.
ثم إنه تحداهم بعشر سور مثله فقال تعالى ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾.
ثم تحداهم بسورة واحدة منه فقال تعالى ﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾ .
فطلب منهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات - هم وكل من استطاعوا من دون الله- ثم تحداهم بسورة واحدة - هم ومن استطاعوا – قال ﴿ فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو﴾.
و هذا أصل دعوته ، وهو الشهادة بأنه لا إله إلا الله والشهادة بأن محمدا رسول الله
وقال تعالى ﴿فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله﴾
كما قال ﴿لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون ﴾
أي : هو يعلم أنه منزل لا يعلم أنه مفترى كما قال ﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ﴾ أي: ما كان لأن يفتري ، يقول : ما كان ليفعل هذا ، فلم ينف مجرد فعله ؛ بل نفي احتمال فعله ، وأخبر بأن مثل هذا لا يقع ؛ بل يمتنع وقوعه ، فيكون المعنى : ما يمكن ولا يحتمل ، ولا يجوز أن يفتري هذا القرآن من دون الله ؛ فإن الذي يفتريه من دون الله مخلوق ، و المخلوق لا يقدر على ذلك .
وهذا التحدي كان بمكة فإن هذه السور مكية : سورة يونس وهود والطور.
ثم أعاد التحدي في المدينة بعد الهجرة ، فقال في البقرة - وهي سورة مدنية- ﴿ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين﴾
ثم قال ﴿فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة﴾
فذكر أمرين ، أحدهما قوله ﴿ فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار ﴾يقول : إذا لم تفعلوا فقد علمتم أنه حق ، فخافوا الله أن تكذبوه ، فيحيق بكم العذاب الذي وعد به المكذبين ، وهذا دعاء إلى سبيل ربه بالموعظة الحسنة بعد أن دعاهم بالحكمة وهو جدالهم بالتي هي أحسن.
والثاني :قوله ﴿ولن تفعلوا﴾ ، و " لن " لنفي المستقبل .
فثبت الخبر أنهم فيما يستقبل من الزمان لا يأتون بسورة من مثله كما أخبر قبل ذلك ، وأمره أن يقول في سورة سبحان - وهي سورة مكية افتتحها بذكر الإسراء ، و هو كان بمكة بنص القرآن والخبر المتواتر - ، وذكر فيها من مخاطبته للكفار بمكة ما يبين بذلك بقوله﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾.
فعم بالخبر جميع الخلق معجزا لهم قاطعا بأنهم إذا اجتمعوا كلهم = لا يأتون بمثل هذا القرآن ، و لو تظاهروا وتعاونوا على ذلك ، وهذا التحدي والدعاء هو لجميع الخلق ، وهذا قد سمعه كل من سمع القرآن ، و عرفه الخاص والعام ، وعلم مع ذلك أنهم لم يعارضوه ولا أتوا بسورة مثله ، ومن حين بعث وإلى اليوم ، الأمر على ذلك مع ما علم من أن الخلق كلهم كانوا كفارا قبل أن يبعث ، و لما بعث إنما تبعه قليل ، و كان الكفار من أحرص الناس على إبطال قوله مجتهدين بكل طريق يمكن ؛ تارة يذهبون إلى أهل الكتاب فيسألونهم عن أمور من الغيب حتى يسألوه عنها كما سألوه عن قصة يوسف وأهل الكهف وذي القرنين - كما تقدم - .
و تارة يجتمعون في مجمع بعد مجمع على ما يقولونه فيه ، و صاروا يضربون له الأمثال فيشبهونه بمن ليس مثله لمجرد شبه ما ، مع ظهور الفرق ؛ فتارة يقولون : مجنون وتارة يقولون : ساحر وتارة يقولون : كاهن وتارة يقولون : شاعر ، إلى أمثال ذلك من الأقوال التي يعلمون - هم وكل عاقل سمعها - أنها افتراء عليه.
فإذا كان قد تحداهم بالمعارضة مرة بعد مرة وهي تبطل دعوته ، فمعلوم أنهم لو كانوا قادرين عليها لفعلوها ؛ فإنه مع وجود هذا الداعي التام المؤكد - إذا كانت القدرة حاصلة - = وجب وجود المقدور ، ثم هكذا القول في سائر أهل الأرض.
فهذا القدر يوجب علما بينا لكل أحد بعجز جميع أهل الأرض عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن بحيلة وبغير حيلة ، وهذا أبلغ من الآيات التي يكرر جنسها كإحياء الموتى فإن هذا لم يأت أحد بنظيره )) ( الجواب الصحيح 5/422-428).
و قال في موضع آخر : ((و القرآن معجز بلفظه ونظمه ومعناه ، وإعجازه يعلم بطريقين : جملي وتفصيلي .
أما الجملي : فهو أنه قد علم بالتواتر أن محمد × ادعى النبوة ، وجاء بهذا القرآن وأن في القرآن آيات التحدي والتعجيز ؛ كقوله تعالى ﴿أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾ فتحداهم هنا أن يأتوا بمثله.
وقال في موضع آخر ﴿فليأتوا بعشر سور مثله مفتريات ﴾ ، وقال في موضع آخر ﴿فأتوا بسورة من مثله﴾ وأخبر مع ذلك أنهم لن يفعلوا فقال ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداؤكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار﴾ بل أخبر أن جميع الإنس والجن إذا اجتمعوا لا يأتون بمثله فقال ﴿قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾.
وقد علم أيضا بالتواتر أنه دعا قريشا خاصة والعرب عامة ، وأن جمهورهم في أول الأمر كذبوه وآذوه وآذوا الصحابة ، وقالوا فيه أنواع القول مثل قولهم هو ساحر وشاعر وكاهن ومعلم ومجنون وأمثال ذلك .
وعلم أنهم كانوا يعارضونه ، و لم يأتوا بسورة من مثله ، وذلك يدل على عجزهم عن معارضته لأن الإرادة الجازمة لا يتخلف عنها الفعل مع القدرة.و معلوم أن إرادتهم كانت من أشد الإرادات على تكذيبه وإبطال حجته ، و أنهم كانوا أحرص الناس على ذلك حتى قالوا فيه ما يعلم أنه باطل بأدنى نظر ، و فيلسوفهم الكبير الوحيد ﴿فكر وقدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر﴾ .
و ليس هذا موضع ذكر جزئيات القصص ؛ إذ المقصود ذكر ما علم بالتواتر من أنهم كانوا من أشد الناس حرصا ورغبةً على إقامة حجة يكذبونه بها حتى كانوا يتعلقون بالنقض مع وجود الفرق ؛ فإنه لما نزل ﴿إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ﴾ عارضوه بالمسيح حتى فرق الله تعالى بينها بقوله ﴿إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ﴾وقال تعالى ﴿ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ﴾ .
فمن عارضوا خبره بمثل هذا ؛ كيف لا يدعون معارضة القرآن وهم لا يقدرون على ذلك(1)؟ )) .
ثم قال : (( ثم انتشرت دعوته في أرض العرب ثم في سائر الأرض إلى هذا الوقت ، وآيات التحدي قائمة متلوة ، و ما قدر أحد أن يعارضه بما يظن أنه مثل .ولما جاء مسيلمة ونحوه بما أتوا به يزعمون أنهم أتوا بمثله ، كان ما أتوا به من المضاحك التي لا تحتاج للمعرفة بانتفاء مماثلها إلى نظر .
وذلك كمن جاء إلى الرجل الفارس الشجاع ذي اللامة التامة فأراد أن يبارزه بصورة مصورة ربطها على الفرس ، كقول مسيلمة : يا ضفدع بنت ضفدعين ، كم تنقنقين لا الماء تكدرين ولا الشارب تمنعين ، رأسك في الماء وذنبك في الطين . وقوله أيضا : الفيل وما أدراك ما الفيل ، له زلوم طويل إن ذلك من خلق ربنا الجليل ، وأمثال ذلك .
ولهذا لما قدم وفد بني حنيفة على أبي بكر وسألهم أن يقرؤوا له شيئا من قرآن مسيلمة فاستعفوه ، فأبى أن يعفيهم حتى قرأوا شيئا من هذا ، فقال لهم الصديق : ويحكم ، أين يذهب بعقولكم ، إن هذا كلام لم يخرج من إِلٍّ ، أي : من ربٍّ .
فاستفهم استفهام المنكر عليهم لفرط التباين وعدم الالتباس وظهور الافتراء على هذا الكلام ، وأن الله سبحانه وتعالى لا يتكلم بمثل هذا الهذيان .
وأما الطرق فكثيرة جدا متنوعة من وجوه ، وليس كما يظنه بعض الناس و أن معجزته من جهة صرف الدواعي عن معارضته، وقول بعضهم إنه من جهة فصاحته ، وقول بعضهم من جهة إخباره بالغيوب إلى أمثال ذلك ، فإن كلاّ من الناظرين قد يرى وجها من وجه الإعجاز ، وقد يريد الحجر وإن لم ير غيره ذلك الوجه ، واستيعاب الوجوه ليس هو مما يتسع له شرح هذه العقيدة )) ( شرح العقيدة الأصفهانية ص 266-269).
و سيأتي نقل أقواله الكثيرة في هذا ، وبعض تلك النقول في عشرات الصفحات ، لولا الإطالة لنقلتها لأهميتها .
قال ابن القيم(1) في تفسير آيات التحدِّي : (( و من ذلك احتجاجه سبحانه على نبوة رسوله وصحة(2) ما جاء به من الكتاب وأنه من عنده وكلامه الذي يتكلم به وأنه ليس من صنعة البشر ولا من كلامهم بقوله : ﴿وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ [البقرة23] .
فأمر من ارتاب في هذا القرآن الذي نزله على عبده و أنه كلامه = أن يأتي بسورة واحدة مثله ، وهذا يتناول أقصر سورة من سوره ، ثم فسح له إن عجز عن ذلك أن يستعين بمن أمكنه الاستعانة به من المخلوقين .
وقال تعالى ﴿ أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ [يونس38 ].
وقال ﴿أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ [هود13].
وقال ﴿أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين﴾ [ الطور34 – 33] .
ثم أسجل سبحانه عليهم إسجالا عاما في كل زمان ومكان بعجزهم عن ذلك ولو تظاهر عليه الثقلان فقال ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾ [الإسراء88]
فانظر أي موقع يقع من الأسماع والقلوب هذا الحجاج القاطع الجليل الواضح الذي لا يجد طالب الحق ومؤثره ومريده عنه محيدا ولا فوقه مزيدا ولا وراءه غاية ، ولا أظهر منه آية ولا أصح منه برهانا ولا أبلغ منه بيانا )) .
و قال في كتابه (( بدائع الفوائد ))(2) : ((فلما قرر نوعي التوحيد انتقل إلى النبوة ، فقال ﴿ وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ إن حصل لكم ريب في القرآن الكريم وصدق من جاء به وقلتم إنه مفتعل = فأتوا بسورة واحدة تشبهه ، وهذا خطاب لأهل الأرض أجمعهم .
و من المحال أن يأت واحد منهم بكلام يفتعله ويختلقه من تلقاء نفسه ، ثم يطالب أهل الأرض بأجمعهم أن يعارضوه في أيسر جزء منه يكون مقداره ثلاث آيات من عدة ألوف ، ثم تعجز الخلائق كلهم عن ذلك حتى أن الذين راموا معارضته = كان ما عارضوه من أقوى الأدلة على صدقه ، فإنهم أتوا بشيء يستحي العقلاء من سماعه ويحكمون بسماجته وقبح ركاكته وخسته .
فهو كمن أظهر طيبا لم يشم أحد مثل ريحه قط وتحدى الخلائق ملوكهم وسوقتهم بأن يأتوا بذرة طيب مثله ، فاستحى العقلاء وعرفوا عجزهم وجاء الحمقان بعذرة منتنة خبيثة ، وقالوا : قد جئنا بمثل ما جئت به ، فهل يزيد هذا ما جاء به إلا قوة وبرهانا وعظمة و جلالة.
و أكد تعالى هذا التوبيخ والتقريع والتعجيز بأن قال ﴿وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ﴾ كما يقول المعجز لمن يدعي مقاومته : اجهد عليَّ بكل مَنْ تقدر عليه من أصحابك وأعوانك وأوليائك ، ولا تبق منهم أحدا حتى تستعين به .
فهذا لا يقدم عليه إلا أجهل العالم و أحمقه و أسخفه عقلا ؛ إن كان غير واثق بصحة ما يدعيه ، أو أكملهم وأفضلهم وأصدقهم وأوثقهم بما يقوله ، والنبي × يقرأ هذه الآية وأمثالها على أصناف الخلائق أميهم وكتابيهم وعربهم وعجمهم ويقول : لن تستطيعوا ذلك ولن تفعلوه أبدا ، فيعدلون معه إلى الحرب والرضى بقتل الأحباب ، فلو قدروا على الإتيان بسورة واحدة لم يعدلوا عنها إلى اختيار المحاربة و إيتام الأولاد و قتل النفوس والإقرار بالعجز عن معارضته .
وتقرير النبوة بهذه الآية له وجوه متعددة : هذا أحدها .
وثانيها : إقدامه هذا الأمر و إسجاله على الخلائق إسجالا عاما إلى يوم القيامة أنهم لن يفعلوا ذلك أبدا ، فهذا لا يقدم عليه ويخبر به إلا عن علم لا يخالجه شك مستند إلى وحي من الله تعالى ؛ و إلا فعلم البشر وقدرته يضعفان عن ذلك .
وثالثها : النظر إلى نفس ما تحدى به وما اشتمل عليه من الأمور التي تعجز قوى البشر على الإتيان بمثله ، الذي فصاحته ونظمه وبلاغته فرد من أفراد إعجازه.
وهذا الوجه يكون معجزة لمن سمعه وتأمله وفهمه ، وبالوجهين الأولين يكون معجزة لكل من بلغة خبره ، ولو لم يفهمه ولم يتأمله ، فتأمل هذا الموضع من إعجاز القرآن تعرف فيه قصور كثير من المتكلمين وتقصيرهم في بيان إعجازه وأنهم لم يوفوه عشر معشار حقه حتى قَصَر بعضهم الإعجاز على صرف الدواعي عن معارض0ته مع القدرة عليها ، وبعضهم قصر الإعجاز على مجرد فصاحته وبلاغته ، وبعضهم على مخالفة أسلوب نظمه لأساليب نظم الكلام ، وبعضهم على ما اشتمل عليه من الإخبار بالغيوب ، إلى غير ذلك من الأقوال القاصرة التي لا تشفي ولا تجدي .
وإعجازه فوق ذلك ووراء ذلك كله
)) .
 
و بعد هذا البيان من هؤلاء الأئمة ، أذكِّر بمسألة غير خفية ؛ إلا أن التذكير بها في هذا الموطن مهم – كما سيأتي بيان ذلك في موضعه - ، ألا وهي :
على ماذا كان اعتراض قريش ؟
الجواب بلا عناء : كان كفار قريش معترضين على صحة دعوى نبوة محمد × ، و أن الذي جاء به هو كلام الله ، و كذلك القول في كفار أهل الكتاب .
و الآيات المتقدمة واضحة الدلالة في هذا ، فهم يدعون أن محمدا افترى هذا الكلام – وهو القرآن - و تقوَّله ، و لهذا خاطبهم الله بالآيات السابقة ، و أمر نبيه ×أن يقول لهم ذلك .
ثم أنبه إلى أمر دقيقٍ ، قلَّ مَن يتفطن إليه ، ألا و هو أنه شاع في تفاسير أهل العلم تفسير الألفاظ ذات المعاني الخاصة بالمعنى الأوسع دلالة منه ، كما حصل عكسه من السلف في ذكر بعض أفراد العام دون بعض في اللفظ القرآني العام أو الذي له أكثر من معنى ، فيظن من لا خبرة له أن المراد بذلك حصر التفسير في ذلكم المعنى المعيَّن ، و هذا كما سبق و أن ذكرنا – فالمراد من تلكم التفسيرات تقريب المعنى .
و لهذا تجد أن ابن القيم في كلامه المنقول قبل ، قال : " فأتوا بسورة واحدة تشبهه ".
ففسر المثل بالشبيه .
و قد سبق أن ذكرت أن من العلماء من يفسر المثل بالشبيه و الكفء و العدل و النظير و غيرها ، مع علمهم بعدم ترادفها في المعنى .
و المشابهة أوسع دلالة من المماثلة .
فالمماثل مشابه و ليس كل مشابه مماثلا .
و لذلك نفى الله تعالى عن نفسه المثلية و لم ينف المشابهة ، فقال سبحانه ﴿ ليس كمثله شيء ﴾ .
مع أن نفي التشبيه المفضي إلى التمثيل = منفي عن الله عز و جل ، و لذلك جرى استعمال هذا اللفظ في كلام بعض السلف ، و المراد منه تشبيه خاص لا مطلق التشبيه ؛ لأن نفي مشابهة شيء لشيء آخر مطلقا = غير واقع ، فما من شيئين إلا و بينهما قدر اشتباه .
و لهذا لما أراد شيخ الإسلام كتابة العقيدة لأهل واسط توخى فيها أن لا يذكر فيها إلا ما كان من ألفاظ الكتاب و السنة ، فنفى التمثيل و لم يتطرق إلى التشبيه ، و قال في المناظر ة المشهورة التي عقدت له لأجل (( الواسطية )) : (( وقلت له أيضا : ذكرت في النفي التمثيل ، و لم أذكر التشبيه ؛ لأن التمثيل نفاه الله بنص كتابه حيث قال﴿ ليس كمثله شيء﴾ وقال ﴿هل تعلم له سميا ﴾وكان أحب إلي من لفظ ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ، وإن كان قد يعنى بنفيه معنى صحيحًا ، كما قد يعنى به معنى فاسدًا )) المجموع 3/166 .
و قال رحمه الله في معرض رده على من نفى الصفات الثابتة لله بدعوى لزوم التشبيه : (والتشبيه الممتنع على الله أن يشارك المخلوقات في شيء من خصائصها ، و إن يكون مماثلا لها في شيء من صفاته ) (المجموع 6/122 ).
و قال رحمه الله في بيان بديعٍ لهذه المسألة ، و أن التشبيه لفظٌ فيه إجمال ، كما قال غيره عن لفظ المثل : إن فيه إجمالا : ( وسبب هذا الضلال أن لفظ (( التشبيه )) و (( التركيب )) لفظ فيه إجمال ، وهؤلاء أنفسهم - هم وجماهير العقلاء - يعلمون أن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك ، ونفي ذلك القدر المشترك ليس هو نفس التمثيل ، والتشبيه الذي قام الدليل العقلي والسمعي على نفيه ،وإنما التشبيه الذي قام الدليل على نفيه ما يستلزم ثبوت شيء من خصائص المخلوقين لله سبحانه وتعالى إذ هو سبحانه : ﴿ ليس كمثله شيء ﴾ [ الشورى : 11 ] ولا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله .
ولهذا اتفق جميع طوائف المسلمين وغيرهم على الرد على هؤلاء الملاحدة ، وبيان أنه ليس كل ما اتفق شيئان في شيء من الأشياء يجب أن يكون أحدهما مثلا للآخر ، ولا يجوز أن ينفى عن الخالق سبحانه كل ما يكون فيه موافقة لغيره في معنى ما ؛ فإنه يلزمه عدمه بالكلية ، كما فعله هؤلاء الملاحدة ، بل يلزم نفي وجوده ونفي عدمه وهو غاية التناقض والإلحاد والكفر والجهل ) ( الدرء 3/67).
و قال : (والمشابهة من وجه لا تقتضي المماثلة في الذات والصفات والمقدار) الدرء 10/108 .
و قال في الصفدية 1/99-102 : (والمقصود هنا التنبيه على مجامع الأقوال ومنشأ الضلال حيث أخذوا لفظ التشبيه بمعنًى مشترك مجمل ، فأرادوا نفيه بكل معنى من المعاني ومن المعلوم أنه ما من موجودين إلا و بينهما قدر يتفقان فيه ، و إن كان المعنى الكلي المشترك وجوده في الأذهان لا في الأعيان فلا بد أن يكون بين أفراد الاسم العام الكلي نوع من المشابهة باعتبار اتفاقهما في ذلك المعنى العام ، و هذا موضع غلط فيه كثير من الناس في أحكام الأمور الكلية التي تشتبه فيها أعيانها ...) إلى قوله : ( فيقال لهؤلاء : التشبيه الممتنع إنما هو مشابهة الخالق للمخلوق في شيء من خصائص المخلوق ، أو أن يماثله في شيء من صفات الخالق ، فإن الرب تعالى منزه عن أن يوصف بشيء من خصائص المخلوق أو أن يكون له مماثل في شيء من صفات كماله ، و كذلك يمتنع أن يشاركه غيره في شيء من أموره بوجه من الوجوه ، بل يمتنع أن يشترك مخلوقان في شيء موجود في الخارج ، بل كل موجود في الخارج فإنه مختص بذاته وصفاته القائمة به ، لا يشاركه غيره فيها ألبتة ....) ، و فيها : ( و ليس مطلق الموافقة في بعض الأسماء والصفات الموجبة نوعا من المشابهة = تكون مقتضية للتماثل والتكافؤ ، بل ذلك لازم لكل موجودين ، فإنهما لا بد أن يتفقا في بعض الأسماء والصفات ، و يشتبها من هذا الوجه ، فمن نفى ما لا بد منه = كان معطلا ، ومن جعل شيئا من صفات الله مماثلا لشيء من صفات المخلوقين = كان ممثلا ، والحق هو نفي التمثيل ونفي التعطيل ، فلا بد من إثبات صفات الكمال المستلزمة نفى التعطيل ولا بد من إثبات اختصاصه بما له على وجه ينفي التمثيل .
ولكن طائفة من الناس يجعلون التمثيل والتشبيه واحدا ويقولون : يمتنع أن يكون الشيء يشبه غيره من وجه ويخالفه من وجه ، بل عندهم كل مختلفين كالسواد والبياض فإنهما لم يشتبها من وجه ، وكل مشتبهين كالأجسام عندهم يقولون بتماثلها ، فإنها مماثلة عندهم من كل وجه لا اختلاف بينهما إلا في أمور عارضة لها .
... وأما جمهور الناس فيقولون : إن الشيء قد يشبه غيره من وجه دون وجه ، وهذا القول هو المنقول عن السلف والأئمة ..) إلى آخر كلامه و هو نفيس يحسن الوقوف عليه .
و هذه المسألة – أعني مسألة الألفاظ المجملة و منها لفظ التشبيه - لشيخ الإسلام ابن تيمية بها اعتناء ظاهر ، يظهر لكل من له عناية بمصنفاته رحمه الله .
يتبع ..............
 
نقض ما توصل إليه الدكتور سعيد جمعة
قبل بيان أوجه بطلان ما توصل إليه الدكتور الفاضل يحسن بي التنبيه إلى مسألتين مهمتين تطرق غليهما الدكتور :
الأولى : هي الفرق بين التحدي و الإعجاز ، فأقول : الإعجاز هو أثر التحدي ، فهو نتيجة له ، فالتحدي كان بالإتيان بمثل القرآن أو بعضه ، فلما لم يفعلوا = حصل العجز منهم و هو الإعجاز .الثاني: أن لفظ الإعجاز و المعجزة لم يأت في كتاب الله و لا في سنة النبي ×، و قد أفاض الكلام فيها شيخ الإسلام في كتابه العظيم " النبوات " ، و بين أن الله سماها آيات و براهين و بينات ، قال رحمه الله : ( والآيات والبراهين الدالة على نبوة محمد كثيرة متنوعة وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء ويسميها من يسميها من النظار معجزات وتسمى دلائل النبوة وأعلام النبوة .
وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات ولهذا لم يكن لفظ المعجزات موجودا في الكتاب والسنة وإنما فيه لفظ الآية والبينة والبرهان ) ( الجواب الصحيح 5/412 ).
ثم أقول : إذا تبيين للقارئ معنى التحدي المراد من الآيات ، و وجه اعتراض المشركين ، و المراد بالمثلية في اللغة و الشرع = تبين له بطلان النتيجة التي توصل إليها الأخ الكريم الدكتور سعيد ، و هي أن مناط التحدي في الإتيان بكلام من عند الله ، كما أن محمدا جاء بكلام من عند الله ، و ذلك في أوجه :
أولا : أن هذا التفسير الذي قال به الدكتور الفاضل = غير مقبول عقلا ، فضلا عن الشرع ، فالدعوى هي نبوة محمد × ، و المشركون يرفضون نبوته و يطعنون فيما جاء به بأنه كلام افتراه و تقوله ، فكيف يتحداهم بما طالبوا إقامة الدليل عليه ، هذه مصادرة على المطلوب ، و يلزم منها الدور ، و هو باطل عقلا ، فلو قال مشرك للنبي × جدلا على تفسيركم : دعواك أن هذا الكلام من عند الله = محض دعوى عارية عن البرهان ، فما برهانك على صحة دعواك ؟ ، فقال له : إيت بسورة من عند الله – على تفسيركم للمثلية – فسيقول المشرك : هذا مصادرة على المطلوب ، فأنا لم أدع ذلك حتى أطالب بأن آتي بكلام أنسبه إلى الله ، فالمطالب بذلك هو المدعي ، و هذا بين .
فالقائل :إن كلامي هذا من عند الله هو قائل بنوته و انه نبي الله .
و الدكتور بقوله هذا جعل الدعوى – دعوى النبوة - جزءا من الدليل ، كما فعل الأشاعرة في تعريفهم للمعجزة .
و هذا القول قال عنه شيخ الإسلام إنه خلاف الكتاب و الإجماع ؛ بل خلاف قول العقلاء جميعا .
فالمعارضة على رأي الدكتور لا تكون إلا مقترنة بدعوى النبوة و هي أنه كلام من عند الله ، قال شيخ الإسلام في النبوات 1/538 : (فلو أتوا بمثل القرآن من غير دعوى النبوة لم يكونوا عارضوه وهذا خلاف ما في القرآن وخلاف ما أجمع المسلمون بل العقلاء ).
ثانيا : يقال للدكتور الفاضل : لو كان مناط التحدي في المثلية هو نسبة ذلك إلى الله = فلم افترق القرآن عن باقي الكتب السماوية ، لم كان التحدي بالقرآن خاصا بمحمد دون باقي الأنبياء ؟ مع أنهم شاركوه في أصل التلقي بالوحي ؟؟
كان المفترض على رايكم أن تتساوى الكتب السماوية في ذلك ، و أن يتحدى كل نبي قومه بما أوحي إليه !!
و كلام رسول الله بين في هذا ، قال × : " ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة " و الحديث في الصحيحين .
فالتوراة و الإنجيل و الزبور كذلك من الوحي المنزل ، لكن لم يتحد بها ، فلم إذًا خصه الله بالتحدي دون باقي آياته الأخرى .
قال ابن تيمية : (بل لم ينقل عنه التحدي إلا في القرآن خاصة ولا نقل التحدي عن غيره من الأنبياء مثل موسى والمسيح وصالح ) النبوات 1/541 .
و قال رحمه الله 2/793-794 في رده على الأشاعرة في تعريفهم اشتراطهم للمعجزة دعوى النبوة : (منها : أنهم جعلوا المدلول عليه وهو إخبار النبي بنبوته وشهودها وثبوتها جزءا من الدليل ) و قال : ( وأيضا فإن عامة معجزات الرسول لم يكن يتحدى بها ويقول : ائتوا بمثلها ، والقرآن إنما تحداهم لما قالوا : إنه افتراه ، ولم يتحدهم به ابتداء وسائر المعجزات لم يتحد بها ، وليس فيما نقل تحد إلا بالقرآن ؛ لكن قد علم أنهم لا يأتون بمثل آيات الانبياء ).
و على قول الدكتور الفاضل : لو كان القرآن نزل على قلب محمد و تحداهم على أن يأتوا بمثله من غير دعواه النبوة = لأمكن الإتيان بمثله ؛ إذ لم ينسبه إلى الله و لم يدع نبوة بعدُ .
و هذا من أبطل الباطل ، و لذا كان هذا القول هو سبب ضلال طوائف كثيرة في باب النبوة ، و قد أفاض شيخ الإسلام في نقض شبهاتهم في كتابه العظيم النبوات ، فارجع إليه ؛ فإنه لولا خشية الإطالة لنقلت لك ما يظهر لك تطابق القولين .
يقول الجويني و هو من أئمة الأشاعرة : ( إن المعجزة لا تدل لعينها و إنما لتعلقها بدعوى النبي و الرسالة ) الإرشاد ص 319
و قال الشهرستاني : ( إذا لم يدع الكاذب النبوة فلا محذور و لا مانع من ظهور الخوارق ) نهاية الإقدام ص 434 .
و لذلك عندهم يقع من الساحر و الكاذب و الدجال ما يقع من يقع من الأنبياء و أكثر إلا أنها من غير اقتران بدعوى النبوة .
قال ابن تيمية ) :و لهذا يقيم أكابر فضلائهم مدة يطلبون الفرق بين المعجزات و السحر فلا يجدون فرقا ؛ إذ لا فق عندهم في نفس الأمر ) النبوات 2/798.
بل قال أيضا في معرض بيام معتقد الأشاعرة : ( الوجه الثالث : المعارضة بالمثل : أن يأتي بحجة مثل حجة النبي .
وحجته عندهم - أي الأشاعرة - مجموع دعوى النبوة والاثبات بالخارق ، فيلزم على هذا أن تكون المعارضة بأن يدعي غيره النبوة ويأتي بالخارق وعلى هذا فليست معارضة الرسول بأن يأتوا بالقرآن أو عشر سور أو سورة بل أن يدعي أحدهم النبوة ويفعل ذلك وهذا خلاف العقل والنقل .
ولو قال الرسول لقريش : لا يقدر أحد منكم أن يدعي النبوة ويأتي بمثل القرآن وهذا هو الآية ، وإلا فمجرد تلاوة القرآن ليس آية بل قد يقرأه المتعلم له فلا تكون آيه لأنه لم يدع النبوة ولو ادعاها لكان الله ينسيه إياه أو يقيض له من يعارضه كما ذكرتم لكانت قريش وسائر العلماء يعلمون أن هذا باطل ) النبوات 1/490 .

يتبع ......................
 
ثالثا : يقال على تفسيركم للمثلية هنا ، لم تتبعوا فيها المعاني اللغوية التي تطلق عليها المثلية ، فلا أعرف أحدا سبقكم إلى تفسيركم المذكور ، و فسر المثلية هنا ، بوحدة المصدر و المنشأ .
فلا السياق القرآني في الآيات يدل عليه ، و لا الدلالة اللغوية لكلمة المثل .
فالسياق القرآني بين واضح جلي ، فالمشركون يقولون عن اللفظ القرآني المتلو عليهم : إنه مفترى ، و هو قول محمد×، فالاعتراض على شيء ظاهر و هو القرآن ، فهم لا يسلمون للنبي أنه كلام الله ، فجاءت الآيات مطالبة إياهم بالإتيان بمثله ، أي : بكلام مثله .
فالمثلية هنا في الكلام لا في المصدر ، و هذا لا يختلف فيه .
و قد سقت كلام أئمة التفسير بما لا مجال لإعادته .
رابعا : معلوم أن دعوى النبوة هي محل اعتراض المشركين ، و المدعي مطالب بإقامة الحجة عليها لا العكس .
و المسألة هكذا صورتها : حصلت دعوى الرسول في رسالته و نبوته ، ثم جاءت المطالبة من المشركين له بإثبات ذلك ، فجاء بالدليل المبرهن و المبين لصحة نبوته ، وهو القرآن ، فكذبوا الدليل : و أن الكلام هو كلامه اختلقه و افتراه ، وليس كلام الله ، فحينئذ جاء التحدي بأن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بعضه ، فلو كان هذا بمقدور البشر ، فليستعينوا بمن شاؤوا من الجن والإنس ، فلم يفعلوا و هذا كافٍ في إثبات نبوته فكيف إذا انضاف إلى هذا الإخبار بأنهم لن يفعلوا في المستقبل ؛ " فهذا لا يقدم عليه ويخبر به إلا عن علم لا يخالجه شك مستند إلى وحي من الله تعالى " .
قال شيخ الإسلام : ( وهؤلاء جعلوا من جملة الدليل :دعوى النبوة ،والاحتجاج به ، والتحدي بالمثل :ثلاثة أشياء ، وهذه الثلاثة هي أجزاء الدليل .
ودعوى النبوة هو الذي تقام عليه البينة والذي تقام عليه الحجة ليس هو جزءا من الحجة ) النبوات 1/542.
خامسا : لو كان التحدي محصورا في دعوى النبوة و أنه كلام من عند الله لكان كافيا في إثبات عجزهم =التحدي بآية واحدة .فلو قرأ عليهم آية من كتاب الله و نسبها إلى الله و تحداهم في الإتيان بمثلها من عند الله لكان كافيا في إثبات عجزهم على حد تفسيركم المذكور ، فلما لم يحصل ذلك = دل على بطلان تفسيركم للمثلية بمثلية الوحي .
سادسا : أن التفسير المذكور منكم يلزم منه أن لا يكون القرآن معجزا في نفسه ؛ لأن قولكم بالإعجاز تابع لتفسيركم لمناط التحدي ، و ما ذكرتموه من أنكم تقولون بالإعجاز ينافي تفسيركم لمناط التحدي ، فعل أيِّ شيء بنيتم إعجازه ما دمتم لا ترون التحدي في نفس الكلام ، بل في مصدره و هو الوحي .
 
سابعا : أن محل التحدي جاء مصرحا – كما أشرت قبل – في الآيات بأنه في القرآن ، فقال تعالى﴿ وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين﴾ .
فالمشار إليه في الآيات هو هذا القرآن ، و طلب الإتيان بالمثل = كان به كلِّه ، أو بسور أو بسورة منه ، و كلها دالة على المماثلة في شيء ظاهر لا شيء خفي ، ثم إنه طالبهم بالاستعانة في ذلك بمن يستطيعون ، و في هذا دلالة على أن مثله ليس في مقدور فرد معارضته ؛ و لا كذلك في مقدور جميع الثقلين ؛ و لو كان التحدي في دعوى نسبته إلى الله = لكان هذا مقدورا لكل أحد ، كما فعل مسليمة الكذاب .
فصنيعه منتقض – مع أنه نسبه إلى الله – لكن لم يكن أبدا مثل كلام الله في لفظه و معناه و نظمه ، و لهذا كانت عبارة الصديق دقيقة المعنى و اللفظ حيث قال : ((إن هذا كلام لم يخرج من إِلٍّ ، أي : من ربٍّ )) .
و لم يقل : لم ينسبه إلى الله ، أو لم يدع أنه كلام الله ؛ لأن الواقع يدل على خلافه ، و أن مسليمة زعم أنه وحي من الله إليه .

تلكم هي أوجه بطلانه ، و هناك غيرها ، لكن فيما ذكرت كفاية .
و قبل الختام أسلط الضوء عن بيان مواقع الإعجاز في الكلام الإلهي الخالد
فأقول : إن العلماء المتقدمين منهم و المتأخرين لما خاضوا في غمار البحث عن موقع الإعجاز في كتاب الله إنما كان دافعهم إلى ذلك معرفة ما الذي أعجز الكفار بل الثقلين عن الإتيان بمثل كلام الله .
فإنه لما جاء التحدي الإلهي في الإتيان بمثل سورة من كلامه أو سور منه أو بمثله كله = عجزت الخليقة كلها – وحق لها أن تعجز ؛ لأن المتحدى به هو كلام الله – حينئذ لجأ العلماء إلى البحث في أثر هذا التحدي و محله في كتاب الله .
و هي المميزات التي تميز بها هذا الكلام الإلهي و خالف بها سائر الكلام .
و لقد وقفت على كلام كثير لشيخي الإسلام ابن تيمية و ابن القيم في قضية الإعجاز و مواقعه في كتاب الله =رأيت أنه يحسن بي سياقها .
قال شيخ الإسلام : (( وكون القرآن أنه معجزة ليس هو من جهة فصاحته وبلاغته فقط ، أو نظمه وأسلوبه فقط ، ولا من جهة إخباره بالغيب فقط ، ولا من جهة صرف الدواعي عن معارضته فقط ، ولا من جهة سلب قدرتهم على معارضته فقط ، بل هو آية بينة معجزة من وجوه متعددة :
1 -من جهة اللفظ ، 2- ومن جهة النظم 3 - ومن جهة البلاغة في دلالة اللفظ على المعنى 4 - ومن جهة معانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته وغير ذلك
5 – و من جهة معانيه التي أخبر بها عن الغيب الماضي وعن الغيب المستقبل 6 - ومن جهة ما أخبر به عن المعاد 7 - ومن جهة ما بين فيه من الدلائل اليقينية والأقيسة العقلية التي هي الأمثال المضروبة كما قال تعالى ﴿ ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا﴾ و قال تعالى﴿ ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا﴾ وقال ﴿ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون﴾ .
و كل ما ذكره الناس من الوجوه في إعجاز القرآن هو حجة على إعجازه ولا تناقض في ذلك ، بل كل قوم تنبهوا لما تنبهوا له.
ومن أضعف الأقوال قول من يقول من أهل الكلام إنه معجز بصرف الدواعي مع تمام الموجب لها أو بسلب القدرة التامة أو بسلبهم القدرة المعتادة في مثله سلبا عاما مثل قوله تعالى لزكريا ﴿آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا﴾ و هو أن الله صرف قلوب الأمم عن معارضته مع قيام المقتضي التام ؛ فإن هذا يقال على سبيل التقدير والتنزيل ، وهو أنه إذا قدر أن هذا الكلام يقدر الناس على الإتيان بمثله فامتناعهم جميعهم عن هذه المعارضة مع قيام الدواعي العظيمة إلى المعارضة = من أبلغ الآيات الخارقة للعادات بمنزلة من يقول : إني آخذ أموال جميع أهل هذا البلد العظيم وأضربهم جميعهم وأجوِّعهم وهم قادرون على أن يشكوا إلى الله أو إلى ولي الأمر وليس فيهم مع ذلك من يشتكي = فهذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة .
ولو قدِّر أن واحدا صنف كتابا يقدر أمثاله على تصنيف مثله أو قال شعرا يقدر أمثاله أن يقولوا مثله وتحداهم كلهم فقال : عارضوني وإن لم تعارضوني فأنتم كفار مأواكم النار ودماؤكم لي حلال = امتنع في العادة أن لا يعارضه أحد ، فإذا لم يعارضوه = كان هذا من أبلغ العجائب الخارقة للعادة .
والذي جاء بالقرآن قال للخلق كلهم : أنا رسول الله إليكم جميعا ، ومن آمن بي دخل الجنة ومن لم يؤمن بي دخل النار ، وقد أبيح لي قتل رجالهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم ووجب عليهم كلهم طاعتي ، ومن لم يطعني كان من أشقى الخلق ، ومن آياتي هذا القرآن ، فإنه لا يقدر أحد على أن يأتي بمثله ، و أنا أخبركم أن أحدا لا يأتي بمثله.
فيقال : لا يخلو ؛ إما أن يكون الناس قادرين على المعارضة أو عاجزين.
فإن كانوا قادرين ولم يعارضوه ، بل صرف الله دواعي قلوبهم ومنعها أن تريد معارضته مع هذا التحدي العظيم أو سلبهم القدرة التي كانت فيهم قبل تحديه - فإن سلب القدرة المعتادة أن يقول رجل: معجزتي أنكم كلكم لا يقدر أحد منكم على الكلام ولا على الأكل والشرب فإن المنع من المعتاد كإحداث غير المعتاد - = فهذا من أبلغ الخوارق.
و إن كانوا عاجزين =ثبت أنه خارق للعادة .
فثبت كونه خارقا على تقدير النقيضين النفي والإثبات ، فثبت أنه من العجائب الناقضة للعادة في نفس الأمر .
فهذا غاية التنزل ؛ وإلا فالصواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك ولا يقدر محمد نفسه من تلقاء نفسه على أن يبدل سورة من القرآن بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر كلامه لكل من له أدنى تدبر كما قد أخبر الله به في قوله ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾ .
وأيضا فالناس يجدون دواعيهم إلى المعارضة حاصلة ، لكنهم يحسون من أنفسهم العجز عن المعارضة ولو كانوا قادرين لعارضوه .
وقد انتدب غير واحد لمعارضته لكن جاء بكلام فضح به نفسه وظهر به تحقيق ما أخبر به القرآن من عجز الخلق عن الإتيان بمثله ؛ مثل قرآن مسيلمة الكذاب ، كقوله : " يا ضفدع بنت ضفدعين نقِّي كم تنقين ، لا الماء تكدرين ، ولا الشارب تمنعين ، رأسك في الماء وذنبك في الطين ).
وكذلك أيضا يعرفون أنه لم يختلف حال قدرتهم قبل سماعه وبعد سماعه ، فلا يجدون أنفسهم عاجزين عما كانوا قادرين عليه ، كما وجد زكريا عجزه عن الكلام بعد قدرته عليه).
و قال : ( وليس في العلوم المعتادة أن يعلم الإنسان أن جميع الخلق لا يقدرون أن يأتوا بمثل كلامه إلا إذا علم العالم أنه خارج عن قدرة البشر والعلم بهذا يستلزم كونه معجزا ، فإنا نعلم ذلك وإن لم يكن علمنا بذلك خارقا للعادة ، ولكن يلزم من العلم ثبوت المعلوم و إلا كان العلم جهلا = فثبت أنه على كل تقدير يستلزم كونه خارقا للعادة.
وأما التفصيل ، فيقال :
نفس نظم القرآن وأسلوبه عجيب بديع ليس من جنس أساليب الكلام المعروفة ، و لم يأت أحد بنظير هذا الأسلوب ، فإنه ليس من جنس الشعر ولا الرجز ولا الخطابة ولا الرسائل ، ولا نظمه نظم شيء من كلام الناس : عربهم وعجمهم .
و نفس فصاحة القرآن وبلاغته هذا عجيب خارق للعادة ، ليس له نظير في كلام جميع الخلق ، وبسط هذا وتفصيله طويل ، يعرفه من له نظر وتدبر.
ونفس ما أخبر به القرآن في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته = أمرٌ عجيب خارق للعادة ، لم يوجد مثل ذلك في كلام بشر لا نبي ولا غير نبي .
وكذلك ما أخبر به عن الملائكة والعرش والكرسي والجن وخلق آدم وغير ذلك ، و نفس ما أمر به القرآن من الدين والشرائع كذلك ، و نفس ما أخبر به من الأمثال وبينَهُ من الدلائل هو أيضا كذلك.
و من تدبر ما صنفه جميع العقلاء في العلوم الإلهية والخلقية والسياسية - وجد بينه وبين ما جاء في الكتب الإلهية : التوراة والإنجيل والزبور وصحف الأنبياء = وجد بين ذلك وبين القرآن من التفاوت أعظم مما بين لفظه ونظمه ، و بين سائر ألفاظ العرب ونظمهم.
فالإعجاز في معناه أعظم وأكثر من الإعجاز في لفظه ، وجميع عقلاء الأمم عاجزون عن الإتيان بمثل معانيه أعظم من عجز العرب عن الإتيان بمثل لفظه وما في التوراة والإنجيل : - ولو قدر أنه مثل القرآن - لا يقدح في المقصود ؛ فإن تلك كتب الله أيضا ، ولا يمتنع أن يأتي نبي بنظير آية نبي ، كما أتى المسيح بإحياء الموتى ، وقد وقع إحياء الموتى على يد غيره ، فكيف وليس ما في التوراة والإنجيل مماثلا لمعاني القرآن ؛ لا في الحقيقة ولا في الكيفية ولا الكمية ؟
بل يظهر التفاوت لكل من تدبر القرآن وتدبر الكتب.
وهذه الأمور من ظهرت له من أهل العلم والمعرفة ظهر له إعجازه من هذا الوجه .
ومن لم يظهر له ذلك اكتفى بالأمر الظاهر الذي يظهر له ولأمثاله ؛ كعجز جميع الخلق عن الإتيان بمثله مع تحدي النبي وإخباره بعجزهم ؛ فإن هذا أمر ظاهر لكل أحد .
ودلائل النبوة من جنس دلائل الربوبية ، فيها الظاهر البين لكل أحد كالحوادث المشهودة مثل خلق الحيوان والنبات والسحاب وإنزال المطر وغير ذلك وفيها ما يختص به من عرفه مثل دقائق التشريح ومقادير الكواكب وحركاتها وغير ذلك ، فإن الخلق كلهم محتاجون إلى الإقرار بالخالق والإقرار برسله وما اشتدت الحاجة إليه في الدين والدنيا فإن الله يجود به على عباده جودا عاما ميسرًا ....) الجواب الصحيح 5/428-435.
و انظر ما قبله أيضا في الجواب : 5/408-411 .
وقال : (وهذا التحدي والتعجيز ثابت في لفظه ونظمه ومعناه كما هو مذكور في غير هذا الموضع ) (المجموع 33/42-43).
و قال في النبوات : (و القرآن آيته باقية على طول الزمان من حين جاء به الرسول تتلى آيات التحدي به ويتلى قوله ﴿فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ﴾و ﴿فأتوا بعشر سور مثله ﴾و ﴿بسورة مثله ...﴾ و يتلى قوله ﴿قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ﴾ فنفس إخبار الرسول بهذا في أول الأمر وقطعه بذلك مع علمه بكثرة الخلق = دليل على أنه كان خارقا يعجز الثقلين عن معارضته ، وهذا لا يكون لغير الأنبياء ، ثم مع طول الزمان ، قد سمعه الموافق والمخالف والعرب والعجم ، وليس في الأمم من أظهر كتابا يقرأه الناس ، وقال : إنه مثله ، وهذا يعرفه كل أحد ، وما من كلام تكلم به الناس و إن كان في أعلى طبقات الكلام لفظًا ومعنى إلا وقد قال الناس نظيره و ما يشبهه و يقاربه سواء كان شعرا أو خطابة أو كلاما في العلوم والحكمة والاستدلال والوعظ والرسائل وغير ذلك وما وجد من ذلك شيء إلا و وُجد ما يشبهه ويقاربه .
والقرآن مما يعلم الناس عربهم و عجمهم أنه لم يوجد له نظير، مع حرص العرب وغير العرب على معارضته ؛ فلفظه آية ونظمه آية وإخباره بالغيوب آية وأمره ونهيه آية ووعده ووعيده آية وجلالته وعظمته وسلطانه على القلوب آية .
وإذا ترجم بغير العربي = كانت معانيه آية ، كل ذلك لا يوجد له نظير في العالم .
و إذا قيل : إن التوراة والإنجيل والزبور لم يوجد لها نظير أيضا لم يضرنا ذلك ؛ فإنا قلنا إن آيات الانبياء لا تكون لغيرهم ، وإن كانت لجنس الأنبياء كالإخبار بغيب الله ، فهذه آية يشتركون فيها ...) النبوات 1/515-517 و انظر باقيه فهو مهم .
و في الختام
لقد تبين بجلاء تام أن دعوى أن مناط التحدي كان في مصدر الكلام وهو الوحي و التنزيل = دعوى عارية عن البرهان ، مخالفة للمعقول و المنقول ، بل مخالفة – كما قال شيخ الإسلام – لإجماع العقلاء .
و للأسف الشديد فإن هذه الدعوى تصدر عن قول الأشاعرة و الماتريدية في تعريفهم للإعجاز و المعجزة ، و ينتج عنها من الباطل ما لا يوصف ، و قد ذكر شيخ الإسلام و غيره أن لازم القول بما تقوله الأشاعرة في الباب = نفي النبوة ، والله المستعان .
هذا ، و الله أسأل لي و لإخواني المسلمين التوفيق لما فيه خير الإسلام و المسلمين ، والحمد لله رب العالمين و صلواته و سلامه على سيدنا محمد و على آله و صحبه .
و كتب أبو تيمية إبراهيم بن شريف الميلي – عفا الله عنه و عن والديه و جميع المسلمين -
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد

فإن اعتراضاتك يا سيدي ( ابن تيمية ) اعتراضات وجيهة وتتطلب منى بعض التريث للإجابة عنها أو الموافقة عليه

والله يهدينا إلى سواء الصراط
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخ الكريم ابن تيمية حفظه الله وسدد خطاه وجمعنا به في مستقر رحمته

سعدت كثيرا بكلامك وحرصك على بيان وجهة نظرك التي أحترمها وأقدرها ، واسمح لى ببعض النقاش والله تعالي يهدينا إلى ما يرضيه .
فبي البداية شغلتني كثيرا أيها الأخ الكريم بالنقول التى أخشى على القاريء من العزوف عن باقي الكلام بسببها مع أنك في ختام كلامك قلت كلاما جيدا لكن كثرة النقول أرهقتني أنا فما بال الأخوة الكرام الذين يتابعون هذا النقاش ؟

وعلى كل حال أود أن أقول لك لم هذا الجهد في تعريف المثلية وهو أمر موجود باستفاضة في البحث ؟
ولم نقلتم كلام ابن جرير في جميع الآيات وكان يكفي آية واحدة لنتبين رأيه في الأمر ؟
وعلى كل حال فإنني أعيد عليك كلام شيخ المفسرين ابن جرير لأنني في الواقع ظننت أنك تستشهد به لرأيي وليس لرأيك وانظر إلى هذا يقول : ( وإن كنتم في ريب أيه المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين مما نزلنا على عبدنا محمد من النور والبرهان وآيات الفرقان أنه من عندي وأني الذي أنزلته إليه فأتوا بحجة تدفع حجته )
هل لاحظت هذا الكلام ؟؟؟؟
أعيد عليك ( أنه من عندي وأني الذي أنزلته )
ومرة ثالثة : ( أنه من عندي وأني الذي أنزلته )
هل هذا دليل لك أم لي ؟

ياسيدي إن كل رسول يحمل معه دليلا من المرسل يشهد على أنه مبعوث من عنده .
ولو افترضنا أن ملكا من الملوك أرسل مبعوثا له إلى قوم وبعث معه بخاتمه دليلا على صدق هذا الرسول فكذبه الناس فقال هذا خاتمه معى دليل على صدقي فقالوا هذا خاتمك أنت فقال لهم إيتوا بخاتم مثله .
هل يعقل عندها ان ننسى كل شيء ونظل نتحدث عن الخاتم وجماله وبهائه وننسى أنه خاتم الملك ؟ ورحم الله الصديق الذي استشهدت بكلامه حيث قال " هذا كلام لايخرج من إل يعني من رب ) فما وصف الكلام ببيان ولافصاحة وإنما بنسبته إلى الرب ؟

فلماذا نحور الكلام ونقرأه كما نريد وليس كما يدل ؟


وحقيقة ياعزيزي نقولك الكثيرة التي أرهقتني في متابعتها لم تلبث أن ختمتها بجملة من الأسئلة كنت أود أن تكتفي بها .
وهي أسئلة وجيهة واعتراضات لها من البهاء ما يقويها ولذلك سأجيب عنها في هدوء وسأوجز حتى لايمل القارئ الكلام ولا تضيع منه الخيوط .
سؤالك الأول تقول فيه : لو قال مشرك للنبي صلي الله عليه وسلم جدلا : دعواك أن هذا الكلام من عند الله محض دعوى عارية عن البرهان فما برهانك على صحة دعواك . ؟
الجواب ياسيدي موجود في القرآن فانتظام القرآن وعدم اختلافه هو الجواب واسمع إلى ربك وهو يقول (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82)
ثم جواب آخر وهو أنه كلام لايشبه كلام البشر ، كما قال ابن كثير – رحمه الله –

وسؤالك الثاني : لو كان مناط التحدي في المثلية هو نسبة القرآن إلى الله تعالى فلم افترق القرآن عن باقي الكتب السماوية ؟
والجواب هو : ان الله تعالى أراد ذلك وحديث النبي صلى الله عليه وسلم يوضح ذلك والذي فيه " وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي وأرجو أن اكون اكثرهم تابعا "
ولا يمكن لنا أن نسأل لم كانت معجزة موسى العصا وليست التوراة أو ليست الطب ؟
فتلك مشيئة الله تعالى ولا تعقيب على مشيئته ،يصطفي من المعجزات ماشاء ، والقول بأن العرب أهل فصاحة وبلاغة يعيدنا إلى السؤال القديم وهل التحدي كان خاصا بهم ؟


وسؤالك الثالث : تقول فيه إن المثلية في الكلام فكيف نجعلها للمصدر ؟

وأنا أقول لك إنني متفق معك فى أن المثلية المتحدى بها في الكلام لكنني أزيد عليه هل هو أي كلام أم الكلام المنسوب لله تعالى ؟
ولا أتصور عقلا فصل القرآن الكريم عن قائله سبحانه ، وهل يتصور بشر أن القرآن الكريم يمكن قراءته او النظر إليه أو تدبره في معزل عن قائله سبحانه .

أما سؤالك الرابع : لو كان التحدي محصورا في دعوى النبوة وأنه كلام من عند الله تعالى لكان كافيا في إثبات عجزهم التحدي بآية واحدة .
وهذا صحيح وكذلك لو أريد إثبا ت نبوة موسى عليه السلام لكان يكفي معجزة واحدة وكل نبي يكفيه معجزة واحدة ولكن شاء الله تعالى إجراء المعجزات تترى كما تحدي بسورة وعشر والقرآن كله .
أما سؤالك الخامس والذي تقول فيه : على أي شئ بنيتم الإعجاز مادمتم لاترون التحدي في نفس الكلام ؟

فكلام في مغالطة فأنا لا أنفي شيئا من إعجاز القرآن فكل مافي القرآن ياقوم معجز والتحدي في نفس الكلام لكن هذا الكلام ليس مفصولا عن قائله .
هل هذا الكلام صعب ؟
لافصل ياقوم بين هاتين الكلمتين ( كلام ) ( الله ) ولا بد ان ينظر إليهما جملةً فهما كلمة واحدة .

وتقبل تحياتي وتقديري وحبي .
 
أخي الفاضل الدكتور سعيد نفع الله بك
أولا : أشكركم على هذا الخلق الكريم الذي تناقشون به الموضوع .
و ثانيا : تصحيحا للكنية التي أكنى بها ، فأخوكم أبو تيمية لا ابن تيمية و أين الثرى من الثريا ؟ رحم الله شيخ الإسلام .
...........................
و إجابة عما ذكرتم ، أقول :
بخصوص النقول الكثيرة التي ذكرت ، فأنا قد بينت أول المشاركة أنني سأجعلها على مراحل لألا يحصل الملل من قراءتها ، ثم أقوم بجمعها في ملف وورد ، و قد وفيت بذلك و الحمد لله .
فالملف الآن على الوورد ، و لمواضع المهمة من تلك النقول قد علمت عليها بالألوان : الأحمر و الأزرق و غيرهما .
فالأمر سهل إن شاء الله
ثم كان الغرض من تلكم النقول ، أمرين :
الأول : كونها تضمنت الإجابة عما أثير من شبه في مسألتنا هذه ، و فيها الاعتراض على جميع ما ذكرت كما بينته جليا في مبحث نقض ذلكم الاستنتاج .
و الثاني : أنني حرصت على سياق كلام الأئمة ذوي العقول الراجحة و الفهوم الثاقبة لرجحانها على عقولنا و فهومنا في الجملة ، و مهما كانت عباراتي في البيان و الإيضاح فلن تكون مكافئة لبيانهم و لا قريبة من ذلك .
إضافة إلى أنني كما أشرت أول البحث : أنني أعتذر عن تحرير النقول لانشغالي الشديد هذه الأيام .

...........
بخصوص تعريفي للمثلية ، فالداعي لذلك عدم وضوحها في مبحثكم ، و لأنني لمست فيها بعض الاضطراب ، و قد أشار إلى هذا الدكتور جمال في مشاركته .
هذا أولا ، و ثانيا بيان موطن الخلل في تفسيركم للمثلية في الآية بناء على المعنى اللغوي .

و النقول عن ابن جرير كانت لغرض بينته و هو بيان معاني آيات التحدي ، و المراحل التي مرت بها .
و ذلك لأبني كلامي في النقض عليها ، ولم أكتف بتفسير آية واحدة لأن النتيجة منبنية على فهمكم للآيات جميعا ، و كذلك فعلتم في مبحثكم فلم تقتصروا على واحدة .
و القارئ الآن بوسعه النظر في كلام الأئمة المقتدى بهم في الدين و الفهم.


قلتم حفظكم الله : ( وعلى كل حال فإنني أعيد عليك كلام شيخ المفسرين ابن جرير لأنني في الواقع ظننت أنك تستشهد به لرأيي وليس لرأيك وانظر إلى هذا يقول : ( وإن كنتم في ريب أيه المشركون من العرب والكفار من أهل الكتابين مما نزلنا على عبدنا محمد من النور والبرهان وآيات الفرقان أنه من عندي وأني الذي أنزلته إليه )
هل لاحظت هذا الكلام ؟؟؟؟
أعيد عليك ( أنه من عندي وأني الذي أنزلته )
ومرة ثالثة : ( أنه من عندي وأني الذي أنزلته )
هل هذا دليل لك أم لي ؟ )

أقول : و الله لا أدري كيف استدللتم بهذا الكلام ، فأين ما قلتم مما قال ابن جرير هنا ، و اقرأ كلامه كله الذي لم تذكروه ، فهو يقول : ( وإنما عنى ائتوا بسورة من مثله في البيان ؛ لأن القرآن أنزله الله بلسان عربي ، فكلام العرب لا شك له مثل في معنى العربية ، فأما في المعنى الذي باين به القرآن سائر كلام المخلوقين فلا مثل له من ذلك الوجه ولا نظير ولا شبيه )
و الغريب أنكم وفقكم الله صرتم تتمسكون بكل عبارة فيها من عند الله أو من عندي ، و هل يختلف أحد في أن القرآن = كلام الله ، و أنه من عند الله و أن المشركين اعترضوا لأنه كلام قال عنه محمد ×: إنه من عند الله .
هذا ليس محل الإشكال في نتيجتكم ، الإشكال أنكم قلتم ، إن المثلية هنا مثلية مصدر لا غير .
و العجب أنني أوضحت لكم بما لا مزيد بعده = أن قولكم يلزم منه الدور و هو باطل عقلا ، و هو مصادرة للمطلوب ، فالرسول : يقول إن ما جاء به هو كلام الله و يطالبهم بأن يأتوا بكلام الله !!
فهل هذا ما جاء القرآن بالرد عليه ...؟؟؟
يا فضيلة الأستاذ ، القرآن جاء ليفنذ شبهاتهم حوله ، حيث قالوا عنه : مفترى و متقول ، فطالبهم بالمجيء بمثله ؟؟
فالمثلية ترجع للكلام لا في مصدره .
و كيف تصادر مطلوب القوم ، هم يطالبون بالبينة على أنه كلام من عند الله .و قد سبق بياني لكم في هذا بما لا مزيد عليه.
و هذا مسليمة نسب كلاما إلى الله هل صحت تلك النسبة بمجرد الدعوى أم عرف القوم بطلانها من خلال بيانه ؟
و اعلم يا اخي الدكتور أن الأمة كلها لما تكلمت في آيات التحدي و موضع الإعجاز منها = لم يغب عن بالها أنه كلام الله ، و هذه كانت الدعوى ، فالمدعي مطالب بإقامة البينة على صحة دعواه .
و العجب ، أين العجز إذن ، أهم عاجزون أن يفتروا كلاما بليغا ثم ينسبونه إلى الله ، ألهذا المستوى بلغ ورعهم و تدينهم و خوفهم من الله ؟
يا أخانا الكريم ، إن القوم يعلمون أن بيانهم لفظا و معنى و نظما لن يحاكي كلام الله و لن يدانيه ، مع اجتماعهم و تعاونهم و ووو على ذلك ، فلهذا لم يقدموا على المعارضة ، فهذا هو السر ؟
و العجب كل العجب أنكم تمسكتم بكلمة إل = رب في عبارة الصديق و نسيتم أنها هي عينها ما اعترض عليه المشركون ، فالكلام المسموع خرج من بين شفتي رسول الله كما خرج من بين شفتي ذلكم الكذاب مسليمة ، و الدعوى واحدة ؟
فما الذي جعل دعوى محمد صادقة و دعوى مسلمية كاذبة .الجواب لكم .
وأرجو ألا يكون حرصكم على تتبع كلمة تناسب استنتاجكم ، بعيدة عن السياق و عما أريد بها .
و قد شرحت و لا أريد أن أضيف = أن دعواكم نابعة من تعريفكم للمعجزة ، و هو خلاف القرآن و الإجماع .
و أنا أدعوكم لقراءة ما كتبته على الوورد فهو واضح منسق و بالالوان .
و لا حاجة لكم لقراءة المقدمات لهي لغيركم ، فاكتفوا بقراءة الأوجه
و دمتم في رعاية الله و حفظه .
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ الكريم أبو تيمية / أشكر لكم هدوء النبرة هنا عما ذي قبل ولا تغضب مني في خطئى في كتابة الاسم فلهذا الاسم وقع في نفوس طلبة العلم لايخفى وتشابه الكنى يعيدنا إلى الأصل ومن تشبه بقوم حشر معهم جمعنا الله جميعا تحت ظل عرشه

واعذرني ثانية لأنني لم أستطع رغم محاولاتي العديدة فتح ملف الوورد لكنه أبى على الفتح كما حاولت مرارا إرسال النسخة الموثقة من البحث لكن محاولاتي جميعا باءت بالفشل ولعل الجهاز عندي في حاجة غلى إصلاح
واسمح لي بعد ذلك بالمرور سريعا على ما تفضلتم به .
في تعريف كلمة المثل : لقد ذكرت تعريفها عند أهل اللغة وعلماء التفسير والفقهاء والفروق والحديث وفي الختام اخترت أهم مايميز دلالة المثل عن غيرها والخصائص التي تميز هذا اللفظ عن الألفاظ القريبة منه ولا أظن أن في ذلك اضطرابا .
ثانيا : وبعيدا عن اختلاف وجهات النظر بيننا هل تعتقد أن للقرآن الكريم مثلا ؟
فإن كانت الإجابة : نعم ، فهل هم قادرون عليه أم لا ؟
وإن كانت الإجابة لا فكيف يصح التحدي في أمر غير موجود ؟
ثم استفسار آخر : إن كانوا قادرين عليه فما الذي منعهم ؟
وإن كانوا غير قادرين فهل يدخل ذلك في باب التحدي ؟



إنني ياسيدي العزيز لا أدعي أن التحدي في قول أي كلام بل كلام على هذه الشاكلة من بيا ن وبراعة وفصاحة وعلو وبهاء وانتظام وتكامل وتآلف ونغم ............إلخ وقد تعجب حين تعرف أنني متخصص في البلاغة العربية ولي بحوث في هذا الميدان .
بل إن هناك في نفس الصفحة المنشور عليها بحث دلالة المثلية بحثا آخر لى بعنوان من أسماء الله الحسنى غافر وغفار وغفور مقاماتها ودلالاتها في القرآن الكريم .
ومازلت إلى يومنا هذا أتعلم من بلاغة القرآن على أيد مشايخ العربية الكبار من أمثال الأستاذ الدكتور محمد أبي موسى وشيخي الجليل الأستاذ الدكتور محمود توفيق حفظهما الله ومازلت أدرس كتاب العلامة عبد القاهر الجرجاي لطلابى وطالباتي وأكتب البحوث المتعلقة بالبلاغة العربية .
فأنا لست بعيدا عن عالم اابلاغة ولا أهلها بل أنا واحد منهم لكن نظرتي للتحدي تختلف عن نظرتي لمنزلة القرآن البياني وإن كنت أرى أنهما يتكاملان ولا ينفصلان .
وتعلم فضيلتكم كما يعلم الجميع أن قضية الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم لايختلف عليه مسلمان .
لكن الإشكال الذي حدث نتج من أمرين :
الأول : من خلط قضية الإعجاز بقضية التحدي .
والآخر : من اختلاف وجهات النظر في وجه التحدي وتحديد من المتحدى ( بفتح الدال )

لكنني في الختام وبحق أقول لكم لقد أفدت من إجاباتكم وانتفعت كثيرا بها وجزاكم الله خيرا وما زال لكل منا رأيه والله يهدينا جميعا إلى ما يحب ويرضى .
حفظكم الله وسدد خطاكم . ....
 
فضيلة الأخ الأستاذ الدكتور سعيد جمعة
أعتذر لكم مما قد رأيتموه من شدة أو قسوة في الرد ، و أعلمكم انه لم يكن من قصدي بالتعقيب الإساءة إليكم و لا الإنقاص من منزلتهم و فضيلتكم ، فأنتم في الموضع التي تحب من قلوبنا ، و حاشا لله أن نكن لإخواننا المعتنين بتدبر كتابه و فهمه غلا أو نضمر لهم شرا ..
و كل كلامي كان في مناقشة ما تضمنه بحثكم الكريم ...
كما إنني أعلم بأنكم من المتخصصين في علم البلاغة ، و قد رأيت بعض جهودكم على الشبكة و منها بحث الغفار المشار إليه و هو في موقع أهل الحديث و لم يتيسر لي الاطلاع عليه بعد ، و سأطلع عليه - إن شاء الله - ..
و مثلكم - نفع الله بكم - ممن يستفاد من علمه و أدبه ، و أنا أحد أولئك - ولا تواضع -
و بخصوص ما سالتم عنه من إمكان المعارضة فهذا سبق التطرق إليه فيما نقلته ،
فقد قال شيخ الإسلام على سبيل التنزل في كلام طويل نقلته و قد مر : ( ... و من آياتي - يتكلم على لسان الرسول - : هذا القرآن ، فإنه لا يقدر أحد على أن يأتي بمثله ، و أنا أخبركم أن أحدا لا يأتي بمثله.
فيقال : لا يخلو ؛ إما أن يكون الناس قادرين على المعارضة أو عاجزين.
فإن كانوا قادرين ولم يعارضوه ، بل صرف الله دواعي قلوبهم ومنعها أن تريد معارضته مع هذا التحدي العظيم أو سلبهم القدرة التي كانت فيهم قبل تحديه - فإن سلب القدرة المعتادة أن يقول رجل: معجزتي أنكم كلكم لا يقدر أحد منكم على الكلام ولا على الأكل والشرب فإن المنع من المعتاد كإحداث غير المعتاد - = فهذا من أبلغ الخوارق.
و إن كانوا عاجزين =ثبت أنه خارق للعادة .

فثبت كونه خارقا على تقدير النقيضين النفي والإثبات ، فثبت أنه من العجائب الناقضة للعادة في نفس الأمر .
فهذا غاية التنزل ؛ وإلا فالصواب المقطوع به أن الخلق كلهم عاجزون عن معارضته لا يقدرون على ذلك ولا يقدر محمد نفسه من تلقاء نفسه على أن يبدل سورة من القرآن بل يظهر الفرق بين القرآن وبين سائر كلامه لكل من له أدنى تدبر كما قد أخبر الله به في قوله ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا﴾ .
وأيضا فالناس يجدون دواعيهم إلى المعارضة حاصلة ، لكنهم يحسون من أنفسهم العجز عن المعارضة ولو كانوا قادرين لعارضوه .
وقد انتدب غير واحد لمعارضته لكن جاء بكلام فضح به نفسه وظهر به تحقيق ما أخبر به القرآن من عجز الخلق عن الإتيان بمثله ...)
و هكذا القول في جميع الآيات و البراهين التي أرسل الله بها رسله لإقامة الحجة على الكافرين و الجاحدين =فهي مما لا يقدر عليها ؛ ليحصل بذلك ثبوت دعوى نبويتهم ورسالتهم ، مثل عصا موسى و ناقة صالح و غيرها فهي مما لا يقدر عليه و ليس لها مثل .
و أخيرا نفع الله بكم و جزاكم عن العلم و أهله خير الجزاء ، كما أسأله أن يمكنكم من تنزيل البحث المرفق .
 
بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد لفت انتباهي- وأنا أقرأ هذا البحث- قول الدكتور سعيد حفظه الله وهو يخاطب الأخ ابن تيمية:
(( إنني يا سيدي العزيز لا أدعي أن التحدي في قول أي كلام بل كلام على هذه الشاكلة من بيا ن وبراعة وفصاحة وعلو وبهاء وانتظام وتكامل وتآلف ونغم ............إلخ وقد تعجب حين تعرف أنني متخصص في البلاغة العربية ولي بحوث في هذا الميدان.
بل إن هناك في نفس الصفحة المنشور عليها بحث دلالة المثلية بحثا آخر لي بعنوان من أسماء الله الحسنى غافر وغفار وغفور مقاماتها ودلالاتها في القرآن الكريم.
ومازلت إلى يومنا هذا أتعلم من بلاغة القرآن على أيد مشايخ العربية الكبار من أمثال الأستاذ الدكتور محمد أبي موسى وشيخي الجليل الأستاذ الدكتور محمود توفيق حفظهما الله ومازلت أدرس كتاب العلامة عبد القاهر الجرجاني لطلابى وطالباتي وأكتب البحوث المتعلقة بالبلاغة العربية.
فأنا لست بعيدا عن عالم البلاغة ولا أهلها بل أنا واحد منهم لكن نظرتي للتحدي تختلف عن نظرتي لمنزلة القرآن البياني وإن كنت أرى أنهما يتكاملان ولا ينفصلان )).

فتعجبت من إنسان يدعي أنه متخصص في البلاغة العربية، وأن له بحوث فيها، وأنه واحد من أهلها، ثم ينتهي بعد ذلك كله من هذا البحث الذي أتعب فيه نفسه كثيرًا، وأنفق من أجله الكثير من الجهد والوقت أن يصل إلى هذه النتيجة الفاسدة التي قال بها الأشاعرة والتي قال فيها الشيخ ابن تيمية إنها( خلاف ما في القرآن وخلاف ما أجمع المسلمون بل العقلاء )، وإنها( خلاف العقل والنقل ) كما هو واضح من النقول التي نقلها الأخ ابن تيمية.
وأضيف هنا إلى هذه النقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية التي رد فيها على الأشاعرة، وبين فساد مذهبهم، وأنه خلاف للعقل والنقل، أن الطاهر بن عاشور قد ذهب في تفسيره للمثلية في آيات التحدي مذهب الأشاعرة، فقال في تفسير قوله تعالى:{ مِنْ مِثْلِهِ } ما نصُّه:
( فالتحدي على صدق القرآن هو مجموع مماثلةِ القرآن في ألفاظه وتراكيبه، ومماثلة الرسول المنزَّل عليه في أنه أمي لم يسبق له تعليم، ولا يعلم الكتب السالفة، قال تعالى:{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ }(العنكبوت:51)؛ فذلك معنى المماثلة ).
ثم قال:( فلو أتوا بشيء من خُطبِ، أو شعرِ بلغائهم غيرِ مشتملٍ على ما يشتمل عليه القرآن من الخصوصيات، لم يكن ذلك إتيانًا بما تحداهم به. ولو أتوا بكلام مشتمل على معان تشريعية، أو من الحكمة من تأليف رجل عالم حكيم، لم يكن ذلك إتيانًا بما تحداهم به. فليس في جعل ( من ) ابتدائية إيهام إجْزاء أن يأتوا بشيء من كلام بلغائهم؛ لأن تلك مماثلة غير تامة ).
وإذا كان ابن عاشور قد ذهب هذا المذهب، فلأنه أجاز عود الهاء في{ مِنْ مِثْلِهِ } على المنزَّل، والمنزَّل عليه في قوله تعالى:{ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا }، فقال:( والضمير في قوله:{ من مثله } يجوز أن يعود إلى{ مَا نَزّلنا } أي من مِثل القرآن، ويجوز أن يعود إلى{ عبدنا } ).
وهذا ما رفضه أكثر المفسرين؛ لأنه لا يتصوَّر عود الهاء على المنزَّل عليه، لظهور عودها على المنزَّل. وهذا هو المروي عن عمر وابن مسعود وابن عباس والحسن وأكثر المحققين،
وإذا كان ابن عاشور قد ذهب إلى أن المثلية المتحدى بها مثلية وحي وتنزيل؛ لأنه يجيز عود الضمير في{ مِنْ مِثْلِهِ } على المنزَّل، والمنزَّل عليه، فإن الدكتور سعيد جمعة قد ذهب هذا المذهب مع قوله بعدم تصور عود الضمير على المنزَّل عليه حين قال:
( التحدي بني على جذر واحد واضح، يبين أن الضمير في قوله{ مِثْلِهِ } لا يعود إلا على القرآن الكريم. فالبداية هي:{ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ } ولا يتصور بعد هذا عود الضمير على الرسول ).فأتى بذلك ما لم يستطع أن يأتي به الأوائل كما قال أبو العلاء المعري:
وإني وإن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل
والأعجب من ذلك كله أن تسمعهم يقولون: إن المثل المذكور في{ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ }، وفي{ فَأْتُوا بِسُوَرٍةٍ مِنْ مِثْلِهِ } هو مثل مقدر مفروض، لا يتصوره العقل. وهذا ما صرح به ابن عاشور، وتابعه فيه الدكتور سعيد جمعة فقال:( الآيات بدأت بافتراض اجتماع الإنس والجن( لئن اجتمعت الإنس والجن ). وهذا الافتراض لا يتصور عقلاً، مما يعني أن نتيجة هذا الافتراض- وهو المجيء بمثل القرآن- لا يتصور عقلاً ).
ولست أدري كيف يقول هذا القول وأمثاله عالم، يزعم أنه متخصِّص بالبلاغة، وله فيها أبحاث، وأنه ومازال يدرس كتاب العلامة عبد القاهر الجرجاني لطلابه وطالباته، ويكتب البحوث المتعلقة بالبلاغة العربية- كما يقول- وهو يعلم أن علماء البلاغة يكادون يجمعون على القول بأن ( إن ) الشرطية تدل على الإمكان، وعدم الإمكان!!!
حتى إن بعض المفسرين قد ادَّعى أن ( إن )- في آية البقرة- معناها:( إذا ). فرد عليهم الشيخ ابن تيمية بقوله:( ومذهب المحققين أن ( إن ) لا تكون بمعنى:( إذا ).. والذي قاله القوم: إن الواقع، ولا بد يعلق بـ( إذا ). وأما ما يجوز أن يقع، ويجوز أن لا يقع فهو الذي يعلق بها، وإن كان بعد وقوعه متعين الوقوع ). النبوات للشيخ ابن تيمية:1/230.

خالد- طالب علم
﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل للدكتور الفاضل أو أحد الإخوة الكرام
أن يبين لنا على ماذا اعتمد في ترتيب نزول آيات التحدي وكيف رتبها على النحو التالي:
وترتيب النزول كان على النحو التالي :
1) سورة الإسراء وفيها : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الاسراء:88)
2) سورة يونس وفيها : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس:38)
3) سورة هود وفيها : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود:13)
4) سورة الطور وفيها : (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ*فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) (الطور33 :34)
5) سورة البقرة وفيها : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:23) .

وبارك الله فيكم
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخوة الكرماء عذرا على تأخري في قراءة الردود وأشكر للجميع اهتمامهم بهذا الموضوع وأسأل الله تعالى أن يجعل القرآن الكريم حجة لنا لا علينا .
كما أنني أقول للأخ محمد مطني - جزاه الله خيرا - : نعم أجيز نشر البحث في أي مجلة بشروط النقل المعروفة لدي طلبة العلم , ولا تنساني من صالح دعائك .
والأخ الكريم الذي يسأل عن مرجع ترتيب النزول فالمرجع سيدي هو كتب التفسير ولقد وضعتها في ذيل البحث وليس ذلك بخاف على أحد.
أما الأخ الفاضل / خالد - طالب علم
فأقول له ترفق يا أخي العزيز في الحوار فالخلاف في وجهات النظر لا يستدعي مثل هذه الأساليب التي نعتني بها كما أنه لا يستدعي إقحام الخلاف بين الفرق واتهامي بما لم تتبينه وليس ذلك من سمت أهل العلم ولا طلابه والله تعالى يعفو عني وعنك وعن المسلمين أجمعين .
 
بورك فيك

بورك فيك

بحثك في آيات التحدي قيم ونفيس، وقد استمتعت حقيقة بقراءة ما خطته يداك - سلمت يداك ـ وقد أفدت منه كثيرا، دعواتي لك، ومزيدا من الدرسات العلمية البلاغية، وأحب أن أذكر هنا أن لي بحثا بعنوان ( آيات التحدي في القرآن الكريم: دلالاتها وإيحاءاتها) وسأنشره - إن شاء الله - في هذا المنتدى المبارك .
 
سلمت من كل سوء يافضيلة الدكتور عبد العزيز وبارك الله فيك ’ وأنا في شوق للاستفادة من بحثكم عن آيات التحدي , وأسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا , وأن يجمعنا مع الحبيب صلى الله عليه وسلم في مستقر رحمته جميعا .
 
ومن باب إثراء الموضوع فهذا بحث لفضيلة الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله في شرحه للعقيدة الطحاوية قال ما نصه:
"فلا بأس إذاً أن نقرر هذه المسألة وهي المسألة الموسومة بإعجاز القرآن؛ لأجل ندرة الكلام عليها في كتب العقائد مُفَصَّلَة، ونذكر منها بعض ما يناسب هذه الدروس المختصرة.
لتقرير هذه المسألة وهي مسألة إعجاز القرآن، وقد تكلم فيها أنواع من الناس من جميع الفرق والمذاهب، نجعل البحث فيها في مسائل، نقول:
[المسألة الأولى]:
أنَّ لفظ الإعجاز لم يرد في الكتاب ولا في السنة، وإنما جاء في القرآن وفي السنة أنّ ما يعطيه الله - عز وجل - للأنبياء والرسل وما آتاه محمد صلى الله عليه وسلم هو آية وبرهان على نبوته.
فلفظ المعجزة لم يأتِ كما ذكرنا من قبل في الكتاب ولا في السنة وإنما هو لفظٌ حادث ولا بأس باستعماله إذا عُنِيَ به المعنى الصحيح الذي سيأتي.
الذي جاء في القرآن الآيات والبراهين؛ لكن العلماء استعملوا لفظ الإعجاز لسبب، وهو:
أنَّ القرآن تَحَدَّى الله - عز وجل - العرب بأن يأتوا بمثله، أو أن يأتوا بعشر سور مثله أو أن يأتوا بسورة من مثله، فلما تَحَدَّاهُمْ فلم يَغْلِبُوا، ولم يأتوا بما تَحَدَّاهُمْ به، فدل ذلك على عجزهم، وذلك بسبب أنَّ القرآن مُعْجِزٌ لهم فلم يأتوا بمثله، قال - عز وجل - {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:88]، وقال - عز وجل - {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(13)فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[هود:13-14].
إذا تبين ذلك فالتحدي لمَّا وَقَعَ وعَجِزُوا، وهم يريدون أي وسيلة لمعارضة القرآن وإثبات أنه قول البشر، {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ}، ائتوا بمثله، {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}، لما عَجِزُوا سَمَّى العلماء فِعْلَهُمْ ذلك أو عجزهم سموه: مسألة إعجاز القرآن؛ لأجل التحدي وعجز الكفار أن يأتوا بمثله.
[المسألة الثانية]:
أنَّ كلام الله - عز وجل - هو المُعْجِزْ، وليس أنَّ الله - عز وجل - أعْجَزَ لأجل السماع، أعْجَزَ لما أنزل القرآن.
والفرق بين المسألتين أنَّ الإعجاز صفة القرآن، ولكن لا يقال أنَّ الله - عز وجل - أعْجَزَ البشر عن الإتيان بمثل هذا القرآن؛ لأنَّ هذا القول يتضمن، بل يدل على أنهم قادرون لكنَّ الله - عز وجل - سلبهم القدرة على هذه المعارضة.
فإذاً الإعجاز والبرهان والآية والدليل في القرآن نفسه لم؟
لأنه كلام الله - عز وجل -، ولا يقال إنَّ الله - عز وجل - أعْجَزَ الناس، أن يأتوا بمثل هذا القرآن، أو صرفهم عن ذلك، كما هي أقوال يأتي بيانها.
فإذاً تنتبه على أنَّ تعبير أهل العلم في هذه المسألة أنَّ القرآن آية، فآية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وآية رسالته القرآن.
بل محمد صلى الله عليه وسلم لمَّا سَمِعَ كلام الله - عز وجل - خاف صلى الله عليه وسلم، فلما فَجَأَه الوحي وهو بغار حراء فأتاه جبريل فَقَالَ له: اقْرَأْ، قَالَ (مَا أَنَا بِقَارِئٍ) فَقَالَ اقْرَأْ، قَالَ: (مَا أَنَا بِقَارِئٍ)، قَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ}[العلق:1-2] إلى آخر ما أُنْزِلْ في أول ما نبئ النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع بها صلى الله عليه وسلم يرجُف بها فؤاده؛ لأنَّ هذا الكلام لا يشبه كلام أحد، ولم يتحمله صلى الله عليه وسلم لا في ألفاظه ومعانيه ولفظه، ولا في أيضا صفة الوحي والتنزيل، فما استطاع صلى الله عليه وسلم أن يتحمل ذلك فرجع بهن -يعني بالآيات- يرجف بها فؤاده صلى الله عليه وسلم إلى آخر القصة.
إذاً فالنبي صلى الله عليه وسلم أول ما جاء الوحي لم يتحمل هذا الذي جاءه، لم؟
لأنه كلام الله - عز وجل -، وأما كلام البشر فإنه يتحمله لما سمع منه.
[المسألة الثالثة]:
أقوال الناس في إعجاز القرآن.
مسألة إعجاز القرآن -كما ذكرنا- لها صلة بدلائل النبوة.
والقرآن مُعْجِزْ لمن؟
للجن والإنس جميعاً؛ بل معجز لكل المخلوقات، لم؟
لأنه كلام الله - عز وجل -، وكلام الله - عز وجل - لا يشبه كلام الخلق، وكون القرآن معْجِزَاً، راجع إلى أشياء كثيرة يأتي فيها البيان.
فاختلف الناس في وجه الإعجاز لأجل أَنَّ إعجاز القرآن دليل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم في أقوال:
1 - القول الأول:
ذهب إليه طائفة من المعتزلة ومن غيرهم حتى من المعاصرين الذين تأثروا بالمدرسة العقلية في الصفات والكلام، قالوا:
إنَّ الإعجاز في القرآن إنما هو بصرف البشر عن معارضته، وإلا فالعرب قادرة على معارضته في الأصل؛ لكنهم صُرِفُوا عن معارضته، فهذا الصرف هو قدرة الله - عز وجل -، لا يمكن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يصرفهم جميعاً عن معارضته.
وهذا الصرف لابد أن يكون من قوة تَمْلِكُ هؤلاء جميعا وهي قوة الله - عز وجل -.
فإذاً الصَّرْفَةْ التي تسمع عنها، القول بالصَّرْفَةْ؛ يعني أنَّ الله صَرَفَ البشر عن معارضة هذا القرآن، وإلا فإنَّ العرب قادرون على المعارضة.
وهذا القول هو القول المشهور الذي ينسب للنّظّام وجماعة بما هو معلوم.
وهذا القول يرده أشياء نقتصر منها على دليلين:
- الدليل الأول سمعي نقلي من القرآن.
- والدليل الثاني عقلي.
@ أما الدليل الأول وهو الدليل القرآني: فهو قول الله - عز وجل - {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء:88]، فالله - عز وجل - أثْبَتَ أَنَّ الإنس والجن لو اجتمعت على أنْ تأتي بمثل هذا القرآن وصار بعضهم لبعض معيناً في الإتيان بمثل هذا القرآن أنهم لن يأتوا بمثله، وهذا إثبات لقدرتهم على ذلك؛ لأنَّ اجتماعهم مع سلب القدرة عنهم بمنزلة اجتماع الأموات لتحصيل شيء من الأشياء.
فالله - عز وجل - بيّنَ أنهم لو اجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن وكان بعضهم لبعض معيناً وظهيرا على المعارضة، فإنهم لن يستطيعوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن.
فأثْبَتَ لهم القدرة لو اجتمعوا قادرين وبعضهم لبعض يعين، لكنهم سيعجزون مع قُدَرِتهم التي ستجتمع وسيكون بعضهم لبعض معيناً على المعارضة.
وهذه الآية هي التي احتج بها المعتزلة على إعجاز القرآن، ففيها الدليل ضدهم على بطلان الصَّرْفَةْ.
@ أما الدليل الثاني وهو الدليل العقلي: أنَّ الأمة أجمعت من جميع الفرق والمذاهب أنَّ الإعجاز يُنْسَبْ ويضاف إلى القرآن ولا يضاف إلى الله - عز وجل -.
فلا يقال إعجاز الله بالقرآن، وإنما يقال باتفاق الجميع وبلا خلاف هو إعجاز القرآن.
فإضافة الإعجاز إلى القرآن تدل على أنَّ القرآن مُعْجِزٌ في نفسه، وليس الإعجاز من الله بصفة القدرة.
لأننا لو قلنا الإعجاز إعجاز الله بقدرته الناس عن الإتيان بمثل هذا القرآن، فيكون الإعجاز بأمر خارج عن القرآن.
فلما أجمعت الأمة من جميع الفئات والمذاهب على أنّ الإعجاز وصْفٌ للقرآن علمنا بُطلان أن يكون الإعجاز صفة لقدرة الله - عز وجل -؛ لأنّْ من قال بالصرفة بأنّْ الله سلبهم القدرة هذا راجِعٌ الإعجاز -يعني تعجيز أولئك- راجع إلى صفة القدرة وهذه صفة ربوبية.
فإذاً لا يكون القرآن مُعْجِزَاً في نفسه، وإنما تكون المعجزة في قدرة الله - عز وجل - على ذلك.
وهذا لاشك أنه دليل قوي في إبطال قول هؤلاء.
لهذا المعتزلة المتأخرون ذهبوا على خلاف قول المتقدمين في الإعجاز بالصرفة؛ لأنَّ قولهم لا يستقيم لا نقلاً ولا عقلاً.
2 - القول الثاني:
من قال القرآن مُعْجِزٌ بألفاظه، فألفاظ القرآن بلغت المنتهى في الفصاحة؛ لأنَّ البلاغيين يُعَرِّفُونَ الفصاحة بقولهم:
فصاحة المفرد في سلامته من نُفرة فيه ومن غرابته
فالقرآن مشتمل على أعلا الفصيح في الألفاظ.
ولما تأمل أصحاب هذا القول جميع كلام العرب في خطبهم وأشعارهم، وجدوا أنَّ كلام المتكلم لابد أن يشتمل على لفظ داني في الفصاحة، ولا يستقيم في كلام أي أحد -في المعلقات ولا في خطب العرب ولا في نثرهم ولا في مراسلاتهم إلى آخره- لا يستقيم أن يكون كلامهم دائماً في أعلى الفصاحة، فنظروا إلى هذه الجهة فقالوا الفصاحة هي دليل إعجاز القرآن لأنَّ العرب عاجزون.
وهذا ليس بجيد؛ لأنَّ القرآن اسم للألفاظ والمعاني، فالله - عز وجل - تَحَدَّى أن يُؤْتَى بمثل هذا القرآن، أو بمثل عشر سور مثله مفتريات -كما زعموا- وهذه المثلية إنما هي باللفظ وبالمعنى جميعاً وبصورة الكلام المتركبة.
فإذاً كونه مُعْجِزَاً بألفاظه نعم لكن ليس وجه الإعجاز الألفاظ وحدها.
3 - القول الثالث:
من قال إنَّ الإعجاز في المعاني وأما الألفاظ فهي على قارعة الطريق.
مثل ما يقول الجاحظ وغيره؛ يعني فيما ساقه في كتاب الحيوان يقول: الشأن في المعاني أما الألفاظ فهي ملقاة على قارعة الطريق.
يعني أنَّ الألفاظ يتداولها الناس؛ لكن الشأن في الدِلالة بالألفاظ على المعاني.
وهذا لاشك أنه قصور لأنَّ القرآن كما ذكرنا مشتمل على فصاحة الألفاظ وعظمة المعاني جميعاً.
4 - القول الرابع:
من قال إنَّ القرآن مُعْجِزٌ في نظمه، ومعنى النظم هو الألفاظ المتركبة والمعاني التي دلت عليها الألفاظ وما بينها من الروابط.
يعني أَنَّ الكلام يُحْتَاجُ فيه إلى أشياء، يُحْتَاجُ فيه إلى ألفاظ وإلى معانٍ في داخل هذه الألفاظ يُعَبَّرُ بها، يُعَبَّرُ بالألفاظ عن المعاني وإلى رابط يربط بين هذه الألفاظ والمعاني في صور بلاغية، وفي صور نحوية عالية، وهذا المجموع سماه أصحاب هذا القول النَّظم.
وهذا هو مدرسة الجُرجاني المعروفة، العلامة عبد القادر الجرجاني فيما كتب في دلائل الإعجاز وفي أسرار البلاغة.
وهذا القول لَمَّا قال به الجرجاني وهو مسبوق إليه من جهة الخطّابي وغيره يعني في كلمة، هو أراد به الرد على عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني، فإنه ألف كتاب المغني وجعل مجلداً كاملا في إعجاز القرآن، وردّ عليه بكتاب دلائل الإعجاز وأنَّ الإعجاز راجع إلى اللفظ والمعنى والروابط؛ يعني إلى النظم ،نظم القرآن جميعا، المقصود بالنظم يعني تآلف الألفاظ والجمل مع دلالات المعاني البلاغية واللفظية وما بينها من صلات نحوية عالية.
وهذا القول قول جيد؛ ولكن لا ينبغي أن يُقصر عليه إعجاز القرآن.
5 - القول الخامس:
من قال إنَّ إعجاز القرآن فيما اشتمل عليه.
فالقرآن اشتمل على:
- أمور غيبية لا يمكن أن يأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ بأمر الماضي وبأمر المستقبل.
- واشتمل القرآن أيضا على أمور تشريعية لا يمكن أن تكون من عند النبي صلى الله عليه وسلم.
- واشتمل القرآن على هداية ومخالطة للنفوس لا يمكن أن تكون من عند بشر.
وهذا قول لبعض المتقدمين وجمع من المعاصرين بأنَّ القرآن محتمل على هذه الأشياء جميعاً.
ولكن هذا القول يُشْكِلْ عليه أَنَّ إعجاز القرآن الذي تُحُدِّيَت به العرب، والعرب حينما خوطبوا به ،خوطبوا بكلام مشتمل على أشياء كثيرة، وكان التحدي واقعاً أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بمثل سورة أو بعشر سور مثله مفتريات كما زعموا، وهذا يؤول إلى ما تميزت به العرب، وهو مسألة البلاغة وما تميزوا به من رِفعة الكلام وفصاحته وبلاغته.
والعرب لم تكن متقدمة عارفة بالأمور الطبية ولا بالأمور الفلسفية ولا بالأمور العقدية ولا بالغيبيات، وليس عندهم معرفة بالتواريخ على تفاصيلها ونحو ذلك، حتى يقال إنَّ الإعجاز وقع في هذه الجهة؛ لكنهم خوطبوا بكلام من جنس ما يتكلمون به -يعني من جهة الألفاظ والحروف-؛ لكنهم عجزوا عن الإتيان بذلك لأنه كلام الله - عز وجل -.
6 - القول الأخير -والأقوال متنوعة؛ لأنَّ المدارس كثيرة-:
أنَّ القرآن مُعْجِزْ لأنه كلام الله - عز وجل -، وكلام الله - عز وجل - لا يمكن أن يشبه كلام المخلوق.
وهذا القول هو الذي ذكره الطحاوي هنا ،قال (عَلِمْنَا وأَيْقَنَّا أنه قولُ خالقِ البَشرِ، ولا يُشْبِهُ قولَ البشر، وَمَنْ وَصَفَ الله بِمعنَى مِنْ مَعاني البشر، فقدْ كَفَر، فمن أبْصَرَ هذا اعْتَبر، وعَنْ مِثْلِ قول الكفَّارِ انْزَجَر، وعَلِمَ أنَّه بصفاته-التي منها القرآن- ليسَ كالبشر).
وهذا القول الذي أشار إليه لم يَتَفَرَّعْ إليه شارحوا هذه الرسالة سواء من السلفيين أو من المبتدعة من الماتريديين وغيرهم- في تقرير هذه المسألة، وهو من أرْفَع وأعظم الأقوال؛ بل هو القول الحق في هذه المسألة: أنَّ كلام الله - عز وجل - لا يمكن أن يشبه كلام البشر.
خذ مثلاً فيما يتميز به المخلوقات ترى فلاناً فتقول هذا عربي، وترى آخر فتقول هذا أوروبي، وترى ثالثا فتقول هذا من شرق آسيا، لم؟
لأنَّ الصفة العامة دَلَّتْ على ذلك، ولو أَخَذَ الآخِذْ يُعَدِّدُ أشياء كثيرة متنوعة دلته على أَنَّ هذه الصورة هي صورة عربي، وهذه الصورة صورة أوروبي، هذه الصورة الخَلقية صورة من شرق آسيا وهكذا.
فإذاً الصورة العامة بها تتفرق الأشياء، فالذي يدل على الفرقان ما بين شيء وشيء، وأهمها الصورة العامة له.
كلام الناس -إذا انتقلنا من الصورة الخَلقية- كلام الناس يختلف بعضه عن بعض.
قول الصحابة إذا سمعنا كلاما نقول هذا من قول الصحابة أو من قول السلف؛ لأنَّ كلامهم لا يشبه كلام المتأخرين، كما قال ابن رجب (كلام السلف قليل كثير الفائدة وكلام الخلف كثير قليل الفائدة).
فكلام السلف له صورة عامة تعلم أنَّ هذا من كلام السلف، فلو أتينا بكلام إنسان معاصر وبكلمات له كثيرة وقارناها بكلام السلف لاتضح الفرق.
فإذاً المخلوق البشر في كلامه متباين.
إذا رأيت كلام الإمام أحمد تقول هذا ليس كلام ابن تيمية، ترى كلام الشيخ محمد ابن عبد الوهاب في تقريره تقول هذا ليس بكلام مثلاً النووي، إذا رأيت كلام الإمام أحمد تقول هذا ليس هو كلام أبي حنيفة وهكذا.
فإذاً الكلام له صورة، له هيئة من سَمِعَهَا مَيَّزَ هذا الكلام.
وهذا هو الذي أشار إليه الطحاوي بأنَّ كلام الله - عز وجل - لا يشبه كلام البشر.
إذا تبين ذلك فإنَّ كلام الله - عز وجل - صِفَتُهُ، فهذا القرآن من سَمِعَهُ أيقن أنه ليس بكلام البشر.
ولهذا بعض الأدباء الغواة مثل ابن المقفع والمعري ونحو ذلك أرادوا معارضة القرآن بصورة أدبية فظهر؛ بل افْتَضَحُوا في ذلك فَغَيَّرُوا منحاهم إلى مَنْحَى التأثير إلى ما أشبه ذلك في كتبهم المعروفة وهي مطبوعة.
أرادوا المعارضة من جهة المعاني، من جهة الألفاظ، أن يأتوا شيء لكنهم افتضحوا لأنَّ كلام البشر لا يمكن أن يكون مثل كلام الله - عز وجل -.
العرب عندهم معرفة بالبيان، هم الغاية في البيان، هم الغاية في معرفة الفصاحة، هم الغاية في معرفة تركيب الكلام؛ لكنهم لما سمعوا القرآن ما استطاعوا أن يعارضوه لم؟
لأنَّ الكلام لا يشبه الكلام، لا يمكن، لا يمكن أن يعارضوا؛ لأنَّ كلام الله - عز وجل - لا يشبه كلام المخلوق.
إذا تبين لك ذلك، فنقول إذاً:
ما نُقَرِّرُهُ هو أنَّ وجه الإعجاز في كلام الله - عز وجل - هو أَنَّ كلام الله ـ لا يشبه كلام البشر، ولا يماثل كلام البشر، وأنَّ البشر لا يمكن أن يقولوا شيئاً يماثل صفة الله - عز وجل -، والناس لا يستطيعون على اختلاف طبقاتهم وتنوِّع مشاربهم أن يَتَلَقَّوا أعظم من هذا الكلام، وإلا فكلام الله - عز وجل - في عظمته لو تَحَمَّلَ البشر أعظم من القرآن لكانت الحجة أعظم؛ لكنهم لا يتحملون أكثر من هذا القرآن.
لهذا تجد التفاسير من أول الزمان إلى الآن وكل واحد يُخْرِجُ من عجائب القرآن ما يُخْرِجُ، والقرآن كنوزه لا تنفذ ولا يفتر على كثرة الرد لا من جهة التِّلاوة ولا من جهة التفسير.
إذا تبين لك ذلك فكلام الطحاوي هذا من أنْفَسْ ما سمعت وأصح الأقوال في مسألة إعجاز القرآن وهو أنَّ الكلام لا يشبه الكلام.
إذا تبين هذا فنقول:
كلام الله - عز وجل - في كونه لا يشبه كلام البشر، له خصائص.
فأوجه إعجاز القرآن التي ذَكَرَهَا من ذَكَر، نقول هي خصائص لكلام الله - عز وجل - أوجبت أن يكون كلام الله - عز وجل - ليس ككلام البشر.
مثل ما يقول الواحد: هذا الشعر موزون، هذا البيت فيه كسر، لماذا ؟، حرف واحد نقص قال فيه كسر، أو هذا البيت ما يمكن أن يكون كذا، لماذا؟
في هيئته العامة؛ لكن له برهان يأتيك، يقول لأنه كذا، وكذا، وكذا.
فلان بخصاله، دلنا بصفاته، حركاته تصرفاته على أنه ليس بعربي، هذه القضية العامة لم؟
له أدلة عليها؛ لكن هذه الخصائص العرب وما تميزوا به عن غيرهم.
يقول هذا الحديث ضعيف أو هذا الحديث معلول، ما وجه علته؟
مثل ما قال أبو حاتم وغيره ممن تقدمه: إنَّ أهل الحديث يعرفون العلة كما يعرف صاحب الجوهر الزيف من النقي.
أنت ترى هل هذا ألماس نقي أو ليس بنقي؟ يأتيك صاحب الخبرة ويقول هذا ألماس ليس بنقي، أنت ترى ما تعرف تُفَرِّقْ هل هذا نقي؟
هذا الكتاب طبعته طبعة حجرية، الذي لا يعرف ما يعرف، هذا الكتاب مطبوع في روسيا كيف عرفت أنه مطبوع وليس عليه اسم البلاد؟
هذا الكتاب مطبوع في بلدة كذا في الهند لماذا؟
عنده البرهان ولكن الصفة العامة هي هذه.
لهذا نقول وانتبه لهذا حتى تخلص من إشكال عظيم في هذه المسألة -مسألة إعجاز القرآن- لتنوع الخطاب فيها وتنوع المدارس فيها نقول:
إنّ كلام الله - عز وجل - ليس ككلام البشر، وكلام الله - عز وجل - له خصائص ميزته عن كلام البشر.
ما هذه الخصائص؟
كل ما قيل داخل في خصائص القرآن:
- أولاً:
القرآن كلام الله - عز وجل -، واشتمل القرآن على ألفاظ العرب جميعاً.
تجد القرآن فيه كلمات بلغة قريش، وفيه كلمات بلغة هذيل، وفيه كلمات بلغة تميم، وفيه كلمات بلغة هوازن، وفيه كلمات بلغة أهل اليمن، وفيه بلغات كثيرة بلغة حِمْيَر، {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ}[النجم:61]، قال ابن عباس (السمود: الغناء بلغة حمير).
بعض قريش خَفِيَ عليها بعض الكلمات مثل ما قال عمر رضي الله عنه لما تلا سورة النحل في يوم الجمعة -يعني في الخطبة-، تلا سورة النحل فوقف عند قوله تعالى {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}[النحل:47]، نظر فقال: ما التخوف؟
فسكت الحاضرون، فقام رجل من هذيل فقال: يا أمير المؤمنين التخوّف في لغتنا التَّنَقُّص قال شاعرنا أبو كبير الهذلي:
تخوّف الرَّحْلُ منها تامِكاً فردا كما تَخَوَّف عودُ النّبعة السَّفِنُ

تنقص، يعني {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} يعني يبدأ يتنقص شيئاً فشيئاً، ينقصون عما كانوا فيه من النعمة شيئاً فشيئاً، حتى يأتيهم الأجل، عمر القرشي خفيت عليه هذه الكلمة؛ لأنها بلغة أخرى.
هل يستطيع أحد من العرب أن يحيط بلغة العرب جميعاً؟
لا يمكن، أن يحيط بلغة العرب جميعاً بألفاظها وتفاصيلها لا يمكن.
ولهذا تجد في القرآن الكلمة بلغة مختلفة، وتجد فيه التركيب النحوي بلغة من لغات العرب، فيكون مثلاً على لغة حِمْيَرْ في النحو، أو على لغة [سَدُوسْ] في النحو، أو على لغة هذيل في النحو.
فإذاً الألفاظ والمعاني والتراكيب النحوية في القرآن تنوَّعت ودخل فيها كل لغات في العرب.
هذا لا يمكن أن يكون من كلام أحد، لا يستطيع أن يحيط هذه الإحاطة إلا من خَلَقَ اللغات وهو رب العالمين.
- ثانياً:
الألفاظ، كما ذكرنا ألفاظ القرآن بلغت الأعلى في الفصاحة، والقرآن كله فصيح في ألفاظه، والفصاحة راجعة إلى الكلمات جميعا؛ الأسماء والأفعال والحروف، حتى {الم} فصيح.
إذاً من خصائص القرآن التي دلت على إعجازه أنَّ ألفاظه جميعاً فصيحة، وما استطاع أحد من العرب الذين أنزل عليهم القرآن أن يعيبوا القرآن في لفظٍ مما فيه كما عابوا كلام بعضهم بعضاً، بل قال قائلهم: إنَّ له لحلاوة وإنَّ عليه لطُلاوة. إلى آخر كلامه.
- ثالثاً:
من خصائصه المعاني، المعاني التي يتصورها البشر عند قول كلامه لابد أن يكون فيها قصور.
فإذا تكلم البشر في المعاني العَقَدِيَة فلابد أن يكون عنده لاشك قصور، إذا تكلم في المعاني التشريعية لابد أن يظهر خلل، إذا تكلم في المعاني الإصلاحية التهذيبية لابد أن يكون فيها خلل، ولهذا قال - عز وجل - {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82].
فإذاً تَنَوُّعُ المعاني على هذا الوجه التام بما يناسب المعاني الكثيرة التي يحتاجها الناس يدل على أنَّ هذا كلام الله - عز وجل -؛ يعني أنه صفته.
هذه خصائص كلام الله - عز وجل -، فلو قيل تقديراً: إننا سنصف القرآن الذي هو كلام الله - عز وجل - وبه فارق كلام البشر فَسَتُعَدِّدْ هذه جميعا.
فهي خصائص أو أوجه للإعجاز بها صار القرآن معجزاً بجميعها، لا بواحدة منها.
- رابعاً:
أنَّ القرآن فيه النَّظم مثل ما قال الجُرْجَاني وهو من أحسن النظريات والكلام في إعجاز القرآن من جهة البيان.
القرآن فيه القِمَّةْ في فصاحة الألفاظ وفي البلاغة.
البلاغة مُتَرَكِّبَةْ من أشياء؛ مُتَرَكِّبَةْ من ألفاظ ومن معاني ومن روابط -الحروف التي تربط بين الألفاظ والمعاني وتصل الجمل بعضها ببعض-.
فالقرآن إذاً من أوجه إعجازه أو من صفاته وخصائصه أنَّ نظمه - يعني أنَّ ترتيب الكلام والآيات فيه وترتيب الجمل في الآية الواحدة - يدل على أنَّه الغاية في البيان، ولا يمكن لبشر أو لا يمكن للجن والإنس لو اجتمعوا أن يكونوا دائما على أعلى مستوى في هذا النظم.
ولهذا تجد أنَّ تفاسير القرآن حارت في القرآن، حتى التفاسير المتخصصة في النحو تجده ينشط في أوله تجده يعجز في آخره، ما تجده ينشط، آخر تجده في البلاغة يريد أن يبين بلاغة القرآن فيُجَوِّدْ في موضع ثم بعد ذلك تأتي مواضع يكسل، ما يستطيع أن يُبِينْ عن ذلك.
ولهذا قال من قال من أهل العلم: العلوم ثلاثة:
علم نضج واحترق.
وعلم نضج ولم يحترق.
وعلم لم ينضج ولم يحترق.
والثالث هو التفسير، لم ينضج ولم يحترق؛ لأنه على كثرة المؤلفات في التفسير وهي مئات فإنها لم تأتِ على كل ما في القرآن، لم؟
لأنَّ الإنسان يعجز، يعجز المبَيَّن أن يُبَيَّن عن كل ما في القرآن.
إذاً نظرية النظم التي ذكرها عبدالقادر الجرجاني في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة -على تفصيل ما فيها- لا شك أنها دالة على صفة من صفات القرآن.
- خامساً:
أنَّ القرآن له سلطان على النفوس، وليس ثَمَّ من كلام البشر ما له سلطان على النفوس في كل الكلام.
ولكن القرآن له سلطان على النفوس بما تميز به من كلام الله - عز وجل -؛ لأنه كلام الله - عز وجل -، مثل ما صار السلطان على ذلك المشرك؛ يعني أنه يُرْغِمْ الأنوف.
وقد كان مَرَّةً أحد الدعاة يخطب بالعربية وفي أثناء خطبته يورد آيات من القرآن العظيم يتلوها، فكانت امرأة كافرة لا تحسن الكلام العربي ولا تعرفه، فلما انتهى الخطيب من خطبته استوقفته -وكانت خطبته في سفينة-، لما انتهى من خطبته استوقفته، وقالت:
كلامك له نمط، وتأتي في كلامك بكلمات مختلفة في رنتها وفي قرعها للأذن عن بقية كلامك، فما هذه الكلمات؟
فقال: هي القرآن.
وهذا لاشك إذا سمعت القرآن تجد له سلطان على النفس ينبئ النفس على الاستسلام له، إلا لمن ركب هواه.
هذا السلطان تجده في أشياء:
~ أولاً:
أنَّ آيات القرآن في السورة الواحدة -كما هو معلوم- لم تُجْعَلْ آيات العقيدة على حِدَا، وآيات الشريعة على حدا؛ الأحكام، وآيات السلوك على حدا، إلى آخره؛ بل الجميع كانت هذه وراء هذه، فآية تخاطب المؤمنين، وآية أخرى تخاطب المنافقين، وآية تخاطب النفس، وآية فيها العقيدة، وآية فيها قصص الماضين، وآية تليها فيها ما سيأتي، وآية فيها الوعد وآية فيها الوعيد، وآية فيها ذكر الجنة وذكر النار، وآية فيها التشريع، وثم يرجع إلى آية أخرى فيها أصل الخلق قصة آدم، وهكذا في تنوع.
وهذا من أسرار السلطان الذي يكون للقرآن على النفوس؛ لأنَّ الأنفس متنوعة.
بل النفس الواحدة لها مشارب، فالنفس تارة يأتيها الترغيب وتارة يأتيها الترهيب، تارة تتأثر بالمثل، تارة تتأثر بالقصة، تارة هي مُلْزَمَة بالعمل، تارة هي ملزمة بالاعتقاد.
فَكَوْنُ هذه وراء هذه وراء هذه تُغْدِقُ على النفس البشرية أنواع ما تتأثر به.
وهذا لا يمكن أن يكون إلا من كلام من خَلَقَ هذه النفس البشرية، {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:14].
فتجد أنَّ القرآن يحاصرك، فأيُّ إنسان أراد أن يفر لا يمكن أن يفر من القرآن، ستأتيه قوة بآية فيها وصف الكافرين، آيات فيها قوة في وصف المنافقين، آيات فيها قوة في وصف المؤمنين، آيات فيها العقيدة، فيها الماضي، فيها الحاضر، فيها النبوة، فيها الرسالة، فيها الدلائل، فيها حال المشركين، إلى آخر [.....] ما يحصر على النفس الحية والعقل الواعي الذي يتحرك وعنده همة يحصر عليه الهروب.
وهذا لا يمكن أن يحصره في أنواع النفس البشرية الواحدة إلا من خَلَقَ هذه النفس وتَكَلَّمَ بهذا القرآن لإصلاحها، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9].
فكيف إذاً بأنواع الأنفس المختلفة، هذا الذي يَصْلُحُ له الترغيب، وهذا الذي يَصْلُحُ له الترهيب، وهذا الذي يَصْلُحُ له وصف الجنة، وهذا الذي ينشأ عنده الإيمان بالحب وإلى آخره، وذلك الذي ينشأ عنده الإيمان بالجهاد، ونحو ذلك.
~ ثانياً:
تنوع الأنفس وخطاب القرآن للناس جميعاً على تنوع أنفسهم هذا دليل على أنَّ هذا القرآن له سلطان على النفوس.
أيضاً تجد أن القرآن خُوطب به من عنده فن الشعر وما يسميه بعض الناس موسيقى الكلام؛ يعني رنات الكلام.
بعض الناس عنده شفافية في التأثر باللحن، بالرنات، بالصعود والنزول في نغمة الكلام، هذا النوع من الناس تجد في القرآن ما يجبره على أن يستسلم له.
لَبيد بن رَبيعة صاحب معلقة وصاحب ديوان مشهور، قيل له: ألا تنشدنا من قصائدك، لم وقفت عن الشعر؟ قال أغناني عن الشعر وتذوقه -أو كما قال- سورتا البقرة وآل عمران.
لأنَّ هذا الشيء هو له تذوق في هذا الفن بخصوصه، فيأتي القرآن فيجعل سلطانه على النفس فيقصره قصرا، لهذا قال - عز وجل - {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(41)لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}[فصلت:41-42]، وقال سبحانه {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}[فصلت:44].
- سادساً:
أنَّ القرآن فيه الفصل في أمور الغيبيات، فَثَمَّ أشياء في القرآن أُنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم وكان أميا صلى الله عليه وسلم، ما لم يَظْهَرْ وجه بيانها وحجتها في كمال أُطْرِهَا إلا في العصر الحاضر، وهو ما اعتنى به طائفة من الناس وسموه الإعجاز العلمي في القرآن.
والإعجاز العلمي في القرآن حق؛ لكن له ضوابط، توسَّعَ فيه بعضهم فخرجوا به عن المقصود إلى أنَّ يجعلوا آيات القرآن خاضعة للنظريات، وهذا باطل؛ بل النظريات خاضعة للقرآن لأن القرآن حق من عند الله والنظريات من صنع البشر لكن بالفهم الصحيح للقرآن.
فثَم أشياء من الإعجاز العلمي حق لم يكن يعلمها الصحابة رضوان الله عليهم على كمال معناها وإنما علموا أصل المعنى، فظهرت في العصر الحاضر في أصول من الإعجاز العلمي.
الإعجاز الاقتصادي، الإعجاز التشريعي، الإعجاز العَقدي أشياء تكلم عنها الناس في هذا العصر -ما نطيل في بيانها- وكل واحدة منها دالة على أن هذا القرآن من عند الله - عز وجل - {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء:82].
- سابعاً:
أنّ القرآن من صفاته أنّ الإنسان المؤمن كلما ازداد من القرآن ازداد حباً في الله - عز وجل -، وهذا راجع إلى الإيمان، وراجع إلى أنَّ صفة القرآن فيها زيادة في الهدى والشفاء للقلوب.
فالأوامر والنواهي والأخبار التي في القرآن هي هدى وشفاء لما في القلوب، كما قال سبحانه {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}[فصلت:44]، وهذا سلطان خاص على الذين آمنوا في أنه يهديهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور في المسائل العلمية وفي المسائل العملية.
لهذا ما تأتي فتنة ولا اشتباه إلا وعند المؤمن البصيرة لما في هذا القرآن؛ {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[الإسراء:9].
فإذاً صفة كلام الله - عز وجل - في أنَّ المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعلم حدوده ويعلم معانيه، أنَّ عنده النور في الفصل في المسائل العلمية والعملية، وهذه لا يُلقاها إلا أهل الإيمان {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}[فصلت:44]، {وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء:82]، وهذا أيضا سلطان خاص يزيد المؤمن إيمانا.
لهذا إذا تليت على المؤمن آيات الله - عز وجل - {زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}[الأنفال:2]، زادتهم إيماناَ لما فيه من السلطان على النفوس.
إذا تبين لك ذلك فكلام الله - عز وجل - قديم النوع حادث الآحاد.
والقرآن من الحادث الآحاد وقت التَّنَزُّل كما قال - عز وجل - {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ(2)لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}[الأنبياء:2-3] إلى آخر الآيات.
يعني أنّ الله - عز وجل - تَكَلَّمَ به.
وكلام الله - عز وجل - أوسع من الكلام بالقرآن.
والقرآن جاء على هذا النحو؛ لأنه الذي يتحمله الإنسان، الإنس والجن لا يتحملون أكثر من هذا، وإلا لصار عليهم كَلَفَة وعَنَفَة.
بهذا يتبين لك ما ظهر لي من تحصيل أقوال أهل العلم في هذه المسألة العظيمة التي خاض فيها المعتزلة، وخاض فيها الأشاعرة، وقل بل نَدَرْ من أهل السنة من خاض فيها على هذا النحو، بل لا أعلم من جمع فيها الأوجه على هذا النحو في كتب العقائد؛ بل تجدها متفرقة في كتب كثيرة في البلاغة، وفي الدراسات في إعجاز القرآن، وفي التفسير، وفي كتب متنوعة.
وما أجمل قول الطحاوي رحمه الله رحمة واسعة (أَيْقَنَّا أنه قولُ خالقِ البَشرِ، ولا يُشْبِهُ قولَ البشر) وهذا هو الحق فالقرآن بصورته وهيئته وصفته لا يمكن أن يشبه قول البشر، حتى في رسمه وتنوع آياته وسوره لا يمكن أن يشبه قول البشر.
أسال الله - عز وجل - أن يغرس الإيمان في قلوبنا غرسا عظيما، وأن يجعلنا من أوليائه الصالحين، وأن يهيئ لنا من امرنا رشداً".
 
إعجاز القرآن بين الخلق والأمر

إعجاز القرآن بين الخلق والأمر

أخي الكريم حقظكم الله ورعاكم وأنار دربكم وفتح بصائركم،
أبدأ بالدعاء بين يدي العزيز الحكيم الذي وحده القادر على تأليف القلوب وإضفاء عليها رحمة من عنده تهدي السبيل.
لا أخفيك أخي الكريم وأنا أقرأ ما تمخض عنه بحثكم والقلب منقبض، وتركت الرد عليكم إلى حين انشرح القلب؛ وإذا كان القاضي ملزم بأن لا يقض وهو عضبان، فكيف بمن يريد إسداء نصح لأخ غيور على هذا القرآن، ولكن كل عيبه أنه لم يأت البيوت من أبوابها.
أخي الكريم حين يخاطبنا الحق جل في علاه بقوله تعالى {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [23] فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [24]} من سورة البقرة، فهل فعلا آمنا بقوله تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ } بأن المسألة جاء فيها جزم من الله والجزم منه سبحانه وتعالى لا ينخرم؟
كان علينا أن لا نبالي بهذه الأقوال ولا نلتفت إليها لماذا ؟
لكوننا بصدق لم نضع اليد على جوهر الإعجاز القرآني وهو ما يدعوني لأترككم تتأملون هذه الفقرات علها تكشف لبسا أو تزد يقينا على ما حبى الله المرء من فيضه وفضله: إعجاز القرآن الكريم بين الخلق والأمر

{ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [الأعراف : 54]

حتى نلمس حقيقة إعجاز القرآن الكريم والذي جاء بخاصة بين الخلق والأمر يأبى علينا خلقنا أن نتقدم النصوص كي لا نقف مع الواقفين على عتبة آيات الله سواء منها القرآنية أو الكونية جعلها الله نبراسا منيرا يستضاء به أعشى البصر حتى ينقدح زناد بصيرته لتبصر الغيب من وراء حجبه الكثيفة بعدما يرق سمكها وتضحي شفافة فتتوقد حساسيتها وتتوقف عند كل كلمة تستشف أسرارها وتتنبه لدلالاتها وتهتز لما يخفق له القلب طربا أو ما طمحت له طموحها أو انطوت عليه انطواءها بغية تفتح إدراك جديد ورأي سديد أصاب رمحه سويداء عيون الفهم فائتلفت عليه القلوب، وتعانقت عليه أيدي الراسخين في العلم فباتوا نخلا سامقا لها طلع نضديد رزق للعباد. وبهذا شدا كل طير شدوه بما أصابه من إعجاب بآيات جاءت بصائر للناس سواء منها القرآنية أو الكونية حسب ما تأثر به كل منهم.
وما انساق المنساقون وراء الكلام عن الإعجاز إلا بحسن ظن منهم بكونهم يبرزون آيات تستحث الهمم وتشحذ العزائم والذمم للالتصاق بهذا المنبع الثر المتدفق، والذي لا ينضب معينه، ولا تنقضي عجائبه.
واختلط على العوام والمتخصصين أيضا أمر الآيات والبصائر والتي ساقت عبرا وعظات قد تهز المرء من أعماقه بما هو حقيقة التحدي القرآني.
وانساق الناس وراء آيات البصائر فتكلم الفقهاء حول الإعجاز البلاغي، والبياني، والعلمي، والغيبي، وتأثير القرآن، والقول بصرف قلوب الناس عن معارضته، وهي كلها إشارات مهمة ووقفات لا تخلو من نكتة أدبية وفقهية، لكن الجزم بكونها التحدي القرآني الذي رمت إليه الآيات فهذا موطن الخلاف، وهو ما لم نسلمه لقائله. وهل بات الخلاف مسألة اصطلاح لدلالة لفظ : " الإعجاز "؟.
فالكلام عن الإعجاز القرآني مسألة خلافية لا بد فيها من الرجوع إلى الله وإلى الرسول وإلى أهل العلم والاستنباط. والرد إلى الله يقتضي منا الضراعة بباب الكريم.
1ـ نقف بباب من تعهد ببيان ما أبهم من كتابه مصداقا لقوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة : 19].

2ـ نستعين به سبحانه ونتوسل إليه بأسمائه الحسنى : "الله العلي الكبير" و"الله عليم حكيم" ليبين لنا ما أبهم علينا من شأن تحدي آيات القرآن، وما صار إليه الكلام تحت عنوان إعجاز القرآن مصداقا لقوله تعالى :
 فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ [غافر : 13- 12]. يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء : 26].
وما يؤكد التوجه هو أن الدعاء إنابة إلى باب الرحمن، والمنيبون اختصهم الله العلي الكبير بالعبرة والذكرى.
وبعدها نطرح السؤال على القرآن الكريم : هل في القرآن إعجاز ؟

هل في القرآن إعجاز ؟
نجد أن الله رفع التحدي للخلق في أربعة أمور منها : الخلق وهو دخول الروح الجسد، أو الموت وهو خروجها من الجسد، ثم الأمر الذي هو تشريع الله لخلقه، وتجلى فيه التحدي إن على مستوى روحه، أو على مستوى تشريعه.
وبهذا يضحي الإعجاز متعلقا بأمرين لا ثالث لهما : الخلق والأمر. والخلق والأمر من اختصاص الله سبحانه وتعالى.

أـ الخلق
يرفع القرآن التحدي عاليا في وجه البشرية جمعاء :
يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج : 3]
ويستفسر في استغراب : {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [لقمان : 11]. {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ، بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً} [فاطر : 40] ؛ {قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [الأحقاف : 4].

ب- درء الموت
وإذا كان "الخلق تقديرا وإيجادا"1 بعد دخول الروح الجسد فالموت كناية عن خروج الروح من الجسد، والروح نفخة ربانية وهي من أمر الله ؛ إذ فعله قول : " كن فيكون" وهي من اختصاصه سبحانه وتعالى لا يشاركه فيه مشارك.
وكما تحدى الخلق بخلق ذبابة فما فوقها تحداهم أيضا بدرء الموت عن النفس :
{ قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران : 168].
من الأمور الكلية التي جاء بها القرآن موت الإنسان، بل وكل المخلوقات، ويبقى الدوام لله: ويقرر القرآن الكريم ضمن السنن الإلهية التي نظمت مسار الكون وسريانه:
{كلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ } [آل عمران : 185].
ولكم يخشى الإنسان تحوله من حياة إلى موت، بل أشد الناس تمسكا بحياة على أي شاكلة هم اليهود ولو كانت حياة الذلة والصغار : {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة : 96].
وأن الله قهر العباد بالموت، وجعلها سنة الحياة ؛ {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [الأنعام : 61]
ومهما اعتصم المرء وفر من الموت ما نفعته حيلة، ولا دفع القضاء إلا الدعاء، فالموت قدر معلوم إلى أجل معلوم، ومن زعم غير ذلك فليدفع الموت عنه ولو كان في بروج مشيدة : {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً} [الأحزاب : 16].
{الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران : 168].
{أيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [النساء : 78].
ويصور القرآن الكريم حالة نزع روح الكافر تصويرا تشهده ملائكة العذاب وهي تتوعدهم : {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام : 93].
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج : 6].

ج ـ : الأمر
 وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ  [يونس : 37]
إنه نفي جازم من الله، من الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؛ فالذي يتابع التناسق الغريب بين السنن القرآنية والتي هي أساس الوجود ليندهش أمام هذا التطابق الهائل لكل سنة على حدة ! فكيف بالسنن حين تتداخل وتتشابك؟! فإن سنن الله تتضافر وتتآزر مع العلم بأن من سنن الله السنن الكلية والسنن الجزئية، ولا تختلف باختلاف الكتب إلا ما حرف منها، فأنى لها أن تختلف في كتاب واحد؟
ما راعى الذين تكلموا عن الإعجاز هذا النفي فتناولوا أقوال مسيلمة وسجاح وغيرهما بالنقد والتجريح. وبعد نفي إمكانية الافتراء يأتي التحدي سافرا لا لبس فيه ولا غموض يكتنفه :
 إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [23] فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [24]  [البقرة].
وكل عناية بكل ما قيل بانها أقوال جاءت لتعارض القرآن فهو ضمنا تكذيب لهذا الجزم الرباني، وهو كفر صريح عندنا فيه من الله برهان.
والخلق والأمرأمران من اختصاص الحق سبحانه وتعالى فلا ينازعه فيهما منازع ؛ إذ شمل تحديين إن على مستوى التشريع، وإن على مستوى الروح، والتي هي جوهر إعجاز القرآن : {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ }[الأعراف : 54].

د ـ روح القرآن :
يقول الحق سبحانه وتعالى :
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52].
فسِرُّ تحدي القرآن هو روحه، وهو ما لم يلتفت إليه المتكلمون عن الإعجاز بالمرة.

هـ ـ التحدي التشريعي:
جاء كتاب الله مهيمنا على ما قبله من الكتب، بما جاء به من هداية سبيلا اصطفاها الله دستورا للبشرية إلى أن يأخذ الأرض ومن عليها.
والمسلمون في زمن الانبهار العلمي بما أنجزته يد الغربيين استداروا وجهتهم عن كتاب ربهم الذي مكن أجدادهم من حياة العزة والسؤدد قرونا متطاولة، وأقبلوا إقبالا على المدارس الغربية ومناهجها في التعليم والتعلم. فذلوا وأذلوا وراوحوا مكانهم في العالم الثالث حيث عشش الفقر وهيمن الظلم وطغى الاستبداد وركب التبعية. فصاروا أذنابا تابعين بعد أن كان أجدادهم سادة متبوعين.
وعوض أن يرفع العلماء لواء التحدي عاليا لنصرة دين الله وإعلاء كلمته، -وهي العالية بإذن ربها-، استجابوا لدواعي الظروف الاجتماعية القاهرة وأخلدوا إلى المناصب والكراسي وانشطروا قسمين :
فأما الصادقون فصدقوا في إخلاصهم لمناصبهم واعتبروها أمانة وراعوها رعاية المشفق، وقد أخذت منهم الجهد والوقت، فإن تجاوزوها لأشغال وأعمال أخرى كانت جهودهم شكلية لضيق أفق وقتهم، ولقلة المعين، الشيء الذي كرس طوق التقليد خلفا لسلف، مما جعل منهم محامين فاشلين أمام قضية عادلة ومنصفة، وكان الأجدر بكل باحث أن يشكل خلية بحث يشرف على جهودها استكمالا لما لا يتم الواجب إلا به، ليضحي شوكة في حلق كل معاند، وسدا منيعا يقطع طمع الطامعين في النيل من الشريعة الغراء، واضعين نصب أعينهم قوله تعالى : {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة : 217]. لم يمض عهد مقاتلة الظالمين وإنما تغيرت وسائل سلاحه ؛ فالمواجهة أصبحت مواجهة حضارية أضحت فيها الكلمة لقوة الحجة والبرهان، لتخلد العقول للتفكير الرصين، بعيدا عن كل تهييج وخفة وطيش، لا لقوة السيف والسلطان، في بلداننا حيث أصبح السيف وسيلة إرهاب تتسلط به الدولة على المستضعفين، ابتزازا لأموالهم وتسخيرا لرجال القمع في إذلالهم، ولم يعد سيف الدولة وسيلة لدحض الكافرين والنيل منهم ولو كانوا للأرض مستعمرين.
وأما غير الصادقين فتزينوا بالمناصب لهثا وراء سراب الدنيا والجاه والمكانة، ولم يزينوها بزينة الإيمان والمواقف الصادقة التي لا تخشى في الله لومة لائم.
مع العلم بأن التشريع الرباني جاء ليرفع التحدي في وجه كل المخالفين ولكل الأنظمة والقوانين : {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 40]. وتحدى أهل الكتاب بقوله : {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [القصص : 49] ورفع التحدي للبشرية جمعاء : { اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف : 4].
كما بين بأن القرآن جاء مفصلا على علم هدى ورحمة :{وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 52]. بل ما جاء القرآن إلا ليرفع عاليا فوق كل تشريع وفوق كل دين : {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 40]
وما أرسل رسوله إلا ليظهره على القوانين الوضعية السائدة في كل زمان وأوان: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة : 33].
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} [الفتح : 28].
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف : 9].
فهل لنا من رجال أفذاذ يذودون عن الحمى بفقه منهجي علمي رصين، نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم في مهمة التبليغ؟

ا محمد جابري
 
شكر الله لكل المشاركين نصحهم ومساهمتهم؛
إن كان لي أن أدلي بدلوي في الموضوع فإني لا أرى ما تصوره الإخوة، إذ كان على الباحث في موضوع المثلية أن يبحث عن مواصفات القرآن حتى يمكنه ذلك من المقارنة وجوه المثلية، ولعل ما أصبو إليه وجه وصف القرآن بالروح في قوله تعالى:
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52]
فلو تدبرنا هذه الاية ما كان لنا أن نخوض في كثير من الكلام، فسر القرآن الكريم روحه،ـــ وراجع أقوال المفسرين في الموضوع ــ .
ثم ما كان للآخ الكريم أن يخوض غمار هذا البحث أصلا لو وقف وقفة تدبر مع قوله تعالى:{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة : 24] ذلك بكون العهد من الله لا ينخرم، وعهده هنا لم تفعلوا ولن تفعلوا.
فكيف بمن يؤمن بالله واليوم الآخر ويؤمن بالكتاب يناقش ما سماه سورة الشجرة؟
ولقد عجبت لكبار الأدباء مثل الرافعي رحمه الله وهو ينتقد كتابات مسيلمة ويحتفي بشأنها!!!
ألا فاليخش المؤمنون على يقينهم وتصديقهم بوعد ربهم؛ إذ الله لا يخلف الميعاد.
وكل احتفاء بمثل هذه الأقاويل فلهو شك في وعد الله وصدق كتابه؛ إذ ما كان لمن يصدق كلام الله أن يصدق كلام يناقضه؟
 
لقد مرت ثلاث سنوات على آخر تعقيب لي على هذا البحث, واليوم وأنا أتابع ما فيه وجدت أخا فاضلا اسمه محمد الجابري يعترض على الجميع في الرد على المشككين في القرآن الكريم , وذكر أن تدبر آية البقرة تجزم بذلك فقال : ( ثم ما كان للآخ الكريم أن يخوض غمار هذا البحث أصلا لو وقف وقفة تدبر مع قوله تعالى:{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة : 24] ذلك بكون العهد من الله لا ينخرم، وعهده هنا لم تفعلوا ولن تفعلوا.) ثم قال : ( ألا فاليخش المؤمنون على يقينهم وتصديقهم بوعد ربهم؛ إذ الله لا يخلف الميعاد.)
وهذا والله عجيب .
هل سلمنا أخي الكريم بأقوال هؤلاء ؟ !
وهل قول الله تعالى هنا " فاتقوا النار " موجه لمن يدافع عن القرآن الكريم ؟!!!!!!
ثم ماذا تقول لهذا الجيش الجرار من كبار العلماء ممن وقف في وجه المشككين ؟
لعل الأمر يحتاج منكم إلى مراجعة
والله يوفق الجميع

ثم لقد اطلعت على كلام الشيخ الفضل صالح آل الشيخ ورأيته يوافق ما قلته في بحثي , وجئت به في كلامي , فلماذا أحجم الجميع عن التعليق حين كتب الشيخ بحثه ؟
فهل تردون على الكلام أم على المتكلم ؟
إنه لأمر عجيب عجيب !!!!!
 
العود أحمد أبا أنس

أحييك أخي الكريم على صبرك وطول نفسك في البحث والدرس الذي لا يخلو من تدبر واجتهاد يقود إلى آراء فريدة قد نتفق حولها وقد نختلف لكن يبقى أن نعترف لأهل الفضل بفضلهم ونسأل الله لهم سداد الرأي فالحاجة ماسة – اليوم أكثر من أي وقت مضى - إلى تضافر الجهود خدمة للكتاب العزيزالذي يشكو من عامة المسلمين هجره ، ومن الخاصة عدم القيام بكامل حقه.
أخي الحبيب،
هل تذكر تلك الليلة التي جمعتنا وبعض إخوتنا من أهل العلم وقد هالنا ساعتها جرأة من لا تتجاوز ثقافتهم في النحو رفع الفاعل ونصب المفعول على القرآن الكريم، وادّعاءهم إمكانية المعارضة ، وزعموا أنهم قد أتوا في ذلك بطائل قد أرضى غرورهم؟
قرأنا ما كتبوا فإذا هو سخف من القول أرفض أن أدنس بذكره صفحات هذا الملتقى المبارك وقد أشرتم في بحثكم إلى بعضه ؟
أتذكر يا أبا أنس ؟
ليلتها ولدت فكرة هذا البحث لديكم وبعدها فرقتنا الأيام فلم أشهد معك مراحل إتمامه كما كان العهد بيننا ، أن تمتعنا بما تسطره يمينك مرحلة مرحلة، ونسعد معا بما تثمره مجالستكم من أفكار، وما يتمخض عنها من تحليل وتصويب.

أخي الكريم قبل أن أتفق معك أوأختلف أود أن أستجلي رأيكم حول ما ذكره بعض العلماء من أن التحدي في آية سورة البقرة وحدها{فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} هو للناس جميعا وبوجوه متعددة وليس بالوجه البلاغي فقط ، وأما في غيرها من الآيات فالتحدي كان خاصا بالعرب وهو رأي مؤسس على أن "من" الدالة على التبعيض قد وردت في هذه الآية وحدها دون بقية آيات التحدي
فما رأيكم ؟
دام فضلكم
 
قرئت بحثكم و اشكركم شكرا جزيلا على المجهود فوودت ان اطرح هذا البحث الجاد لاحد الباحثين المعاصرين للزيادة في النفع و التنوير.

- محتويات القرآن

يقول إن الكتاب المتشابه هو السبع المثاني والقرآن العظيم. فالتشابه في السبع المثاني جاء في قوله تعالى (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هادٍ) (الزمر 23).
نلاحظ هنا كيف جاءت كلمة "كتاب" منكرة ولذلك فهي لا تعني كل محتويات المصحف، وإنما وصف هذا الكتاب بصفتين هما التشابه والمثاني. ويعني ذلك أن مجموعة السبع المثاني هي كتاب متشابه ومثانٍ معاً.
أما بالنسبة للقرآن فيجب أن نميز بين القرآن معرفاً كقوله (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) (البقرة 185) وقوله (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) (الحجر 87) وقوله (بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ) (البروج 21-22) وقوله (يس * والقرآن الحكيم) (يس 1-2) ولم يقل يس * وقرآن حكيم.
فعندما يأتي القرآن معرفاً فإنه يأخذ المعنى نفسه، أما إذا جاء منكراً فيمكن أن يعني جزءاً منه. فالقرآن الحكيم هو القرآن العظيم نفسه وهو الذي أنزل في رمضان. وليست عبارة (قرآن مجيد) هي بالضرورة (القرآن العظيم). ولكنها من جنسه وتعني جزءاً منه، لا كله. وقد جاء الدليل على أن القرآن كله متشابه وأنه هو الحق في سورة يونس في قوله (وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون) (يونس 36) (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) (يونس 37) (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورةٍ مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) (يونس 38) (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) (يونس 39).
وها هنا نلاحظ أن سياق الآيات يتكلم عن القرآن وأنه احتوى على معلومات لم يحيطوا بها وأنه لم يأت تأويله بعد. ونلاحظ أيضاً ما جاء في الآية 7 آل عمران أن التأويل هو للمتشابه فقط.
أما إذا نظرنا إلى محتويات القرآن فنرى أنه يتألف من موضوعين رئيسيين وهما:
1 - الجزء الثابت: (قرآن مجيد * في لوح محفوظ) (البروج 21-22) وهذا الجزء هو القوانين العامة الناظمة للوجود كله ابتداء من خلق الكون (الانفجار الكوني الأول، وفيه قوانين التطور "الموت حق" وتغير الصيرورة "التسبيح" حتى الساعة ونفخة الصور والبعث والجنة والنار. وهذا الجزء لا يتغير من أجل أحد وهو ليس مناط الدعاء الإنساني، وإن دعا كل أهل الأرض والأنبياء لتغييره فلا يتغير، وهذا الجزء العام هو الذي تنطبق عليه عبارة (لا مبدل لكلماته) (الكهف 27).
فكلمات الله هي عين الموجودات أي الأشياء (قوله الحق) (الأنعام 73). وفي اللوح المحفوظ يوجد القانون العام الصارم لهذا الوجود، ولا تبديل لهذا القانون من أجل أحد. أما التشابه في هذا الجزء فهو منسوب إلى الفلسفة وهي أم العلوم، أي معرفة الإنسان بالقوانين العامة الناظمة للوجود.
2 - الجزء المتغير من القرآن: وهذا الجزء عبر عنه بأنه مأخوذ من أمام مبين في قوله (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس 12).
فالإمام المبين يحتوي على شقين:
أ - أحداث وقوانين الطبيعة الجزئية: مثل تصريف الرياح واختلاف الألوان وهبة الذكور والإناث والزلازل والطوفان وهي قابلة للتصريف، وغير مكتوبة سلفاً على أي إنسان وغير قديمة. فمثلاً القانون العام في اللوح المحفوظ يقول: إن "الموت حق" ، ولكن الأحداث الجزئية في الطبيعة يمكن أن تسمح بوجود ظواهر تطيل الأعمار وظواهر تقصرها. فالتصريف هو بطول العمر وقصره، وليس بإلغاء الموت. فأحداث الطبيعة الجزئية أطلق عليها مصطلح آيات الله (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) (الروم 22) (تلك آيات الله) (الجاثية 6). فآيات الله تختص بظواهر الطبيعة وقد جاءت في الكتاب في مصطلح "كتاب مبين" في قوله (وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابس إلا في كتاب مبين) (الأنعام 59) وهذه الأحداث ليست مبرمجة سلفاً وليست قديمة.
وعندما عطف عبارة (كتاب مبين) على القرآن في أول سورة النمل عطف خاصاً على عام. لنرجع إلى الآية 75 التي تقول: (وما من غائبةٍ في السماء والأرض إلا في كتاب مبين). فعندما يورد لفظ "كتاب مبين" في القرآن يتكلم فيه عن جزئيات ظواهر الطبيعة، كالحرية الكيميائية (ولا رطب ولا يابس) والموقع (ولا حبةٍ في ظلمات الأرض) والحركة الميكانيكية (وما تسقط من ورقة إلا يعملها).
هذا الجزء الذي سماه بعبارة "كتاب مبين" فيه التصريف والتغيير وهو مناط التدخل الإلهي وفقاً للنواميس الكونية التي ارتضاها وقررها، فتارة يعمل لصالح زيد وأخرى لصالح عمرو، وهو مناط الدعاء. فنحن ندعو الله أن يرسل لنا مطراً، لأن المطر يأتي من تصريف الرياح أو أن يهب لنا ذكوراً وإناثاً. لأن كل هذه الأشياء ليس لها علاقة باللوح المحفوظ وإنما هي أحداث جزئية في أحداث جزئية في ظواهر الطبيعة وإلا فلا معنى لقوله عليه السلام: الدعاء مخ العبادة وقوله أيضاً: لا يرد القضاء إلا الدعاء. وهي أيضاً مناط العلوم كلها الطب والفلك والفيزياء والكيمياء .. الخ. ما عدا الفلسفة والتاريخ. ويقوم التشابه في آيات الكتاب المبين "آيات الله" على نسبة تقدم المعارف الإنسانية بأحداث الطبيعة وظواهرها وهو الذي ينطبق عليه (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) (آل عمران 47 – مريم 35).
ب - أفعال الإنسان الواعية: وهو ما نسميه القصص. لقد أكد في الكتاب أن القصص من القرآن في قوله: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) (يوسف 3). فقد أشار إلى أن تتبع أفعال الإنسان المسجلة عليه بعد وقوعها يتم في (إمام مبين) ليميزه عن (لوح محفوظ) (إنا نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس 12) وقد أورد منه أحداثاً متكاملة لتتبع تطور التاريخ الإنساني، وتطور المعارف في النبوات والتشريع في الرسالات، أي كيف تفاعل الإنسان مع القانون العام للوجود والقوانين الجزئية من جهة، وكيف تفاعل مع الرسالات من جهةٍ أخرى. وبما أنه أعطى هذا الخط في القصص فقد سماه "أحسن القصص".
أما القصص جزء من القرآن فقد ورد في قوله: (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) (يوسف 3) فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهل القصص والقرآن معاً، وكان القصص ليس جزءاً من القرآن لجاءت الصيغة بصورة المثنى أي: وان كنت من قبلهما، وهذه الصيغة "من قبله" تصح في حالة أن القرآن شيء والقصص شيء آخر في حالة واحدة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهل القرآن ولا يجهل القصص، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهل القصص أيضاً لقوله في سورة هود بعد قصة نوح: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) (هود 49). من هنا نستنتج النتيجة الوحيدة وهي أن القصص جزء من القرآن. وهناك دليل آخر في قوله تعالى في أول سورة النمل: (طس تلك آيات القرآن وكتابٍ مبين) فإذا تصفحنا سورة النمل وجدنا أن فيها قصصاً.
أما العنوان العام الذي أعطاه الكتاب للقصص وهو عبارة "الكتاب المبين" فقد جاء في ثلاث سور فيها قصص وهي سورة يوسف (الر تلك آيات الكتاب بالمبين)، وسورة الشعراء (طسم * تلك آيات الكتاب المبين)، وسورة القصص (طسم * تلك آيات الكتاب المبين).
ولنشرح الآن لماذا سمى القصص الكتاب المبين وسمى ظواهر الطبيعة كتاباً مبيناً.
السبب الأول: أن كليهما أوحي من الإمام المبين وليس من اللوح المحفوظ. وثانيهما أن القصص أعطت مواضيع متكاملة منتقاة لتتبع تطور التاريخ الإنساني، لذا سميت "أحسن القصص"، وعرفت بالكتاب المبين. أما أحداث الطبيعة وظواهرها فقد أورد فيها آيات متفرقة لذا سماها "كتاباً مبيناً".
ونشير إلى أن التشابه في القصص منسوب إلى تطور المعارف الإنسانية حول تطور التاريخ الإنساني، فكلما زادت هذه المعارف تمكنا من تأويل آيات القصص.
ومن هنا نستنتج أن القرآن العظيم وهو كتاب متشابه يتألف من مصدرين رئيسيين:
أ - القانون العام (قرآن مجيد * في لوح محفوظ) وهو كلمات الله القديمة لا تبديل لها وسمي مجيداً لأن السيطرة الكاملة له ولا يمكن الخروج عنه وهو مطلق.
ب - القانون الخاص الجزئي في أحداث الطبيعة الجزئية وظواهرها وأفعال الإنسان بعد وقوعها، وسماه إماماً مبيناً، وهو مناط التصرف والدعاء والمعرفة، ولكنه لا يلغي القانون العام بل يعمل ضمنه وهو كلام الله المحدث وينطبق عليه قوله (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) وفيه إرادة الله الظرفية. حيث أن هذين الجزأين يحملان طابع الوجود الموضوعي. وسمي قرآناً لأنه قرن القانون العام للوجود مع القانون الخاص ومع خط تطور سير التاريخ الإنساني.
وهكذا نفهم أن القرآن هو الجانب الموضوعي في الكتاب "الحق" (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين) (سبأ 43). وفي قوله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين) (الأحقاف 7).
هنا نرى أن الإعجاز جاء في القرآن فقط، وليس في أم الكتاب إذ أن أم الكتاب ذاتية، وهكذا لا يمكن أن نرى في أي آية من آيات الأحكام مصطلح (قال الله)، هذا مستحيل .. إنما نرى أن آيات الأحكام جاءت ضمن الصيغ التالية:
- صيغة أمر: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) (النحل 90).
- صيغة نهى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) (التحريم 2).
(كتب عليكم الصيام) (البقرة 183).
(والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم) (النساء 24).
- صيغة وصايا: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (النساء 11).
أي أنه لا يمكن أن نرى آية واحدة من آيات الرسالة "الأحكام" فيها عبارة (قال الله)، لأنه لو جاءت بهذه الصيغة (قال الله صلوا) أو (قال الله صوموا)، مع الأخذ بالحسبان أن قول الله هو الحق (قوله الحق) (الأنعام 73)-فهذا يعني أن الصلاة والصوم حقيقة موضوعية موجودة خارج الوعي. ولأصبحت الصلاة والصوم ناموساً لا يمكن مخالفته. ولرأينا أن الناس جميعاً دون استثناء صاموا وصلوا من دون أن يكون لهم أي خيار في ذلك، ولأصبحت الصلاة والصوم كعملية هضم الطعام ونبض القلب يلتزم بأدائهما الناس آلياً.
من هنا وللدقة وجب علينا أن لا نطلق عبارة (قال الله) على الأحكام ولكن نقول: أمرنا الله بالصلاة ونقول: أمرنا الله بالصوم، ونقول: أمرنا الله تعالى بصلاة الجمعة في الآية: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ..) (الجمعة 9). ولا نقول: قال الله (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة …) فإذا قلنا: قال الله صلوا، وكان هناك أناس لا يصلون، فهذا يعني أن قوله غير نافذ وهذا يناقض قانون (قوله الحق) هذا إذا أردنا أن نتقيد بالمصطلح القرآني البحت. أما قولنا عن كل آية وردت في الكتاب: (قال تعالى) فهذا مصطلح مجازي بحت يقصد به الصياغة اللغوية للكتاب كله الذي أنزل من عند الله وهو من صياغة رب العالمين.
من هنا يجب أن نفهم أن كلمات الله نافذة لا مجال لتبديلها ولا خيار لنا في تنفيذها أو عدم تنفيذها لأن كلماته عن الوجود ونواميسه العامة وأحداثه الجزئية حين وقوعها. لذا قال عن القرآن: (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً) (الكهف 27) هنا قال عن كلمات الله: إنها غير قابلة للتبديل وإن الإنسان لا يستطيع أن يحيد عنها (ولن تجد من دونه ملتحدا)، فلو كانت الآية (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) (النساء 11) هي من كلمات الله، ورأينا أناساً لا يلتزمون بها ويبدلونها، لكان ذلك يعني كذب ما جاء في الآية (لا مبدل لكلماته).
وهكذا نفهم قوله تعالى: (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) (الكهف 109). بما أن كلمات الله هي عين الموجودات ونواميسها العامة والخاصة حين وقوعها، ونعلم الآن مدى كبر هذا الكون حسب معلوماتنا، فلو أراد الله سبحانه وتعالى أن يصف لنا الموجودات من خلال كلام الإنسان، للزم أن يكون البحر مداداً لهذه الكلمات ولا يكفي.
أما قوله تعالى (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين) (البقرة 58) (فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون) (البقرة 59).
هنا الآية 58 في سورة البقرة تبدأ بقوله (وإذ قلنا) والقائل هو الله، فقوله نافذ ولكنه ينطبق فقط على الفقرات (ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا) (وادخلوا الباب سجداً) أي أنهم دخلوا القرية وأكلوا ودخلوا الباب سجداً. ولكن جملة (قولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين) هي جملة أمر (ضد النهي) وليست قولاً، ولكي يبين أن هذه جملة أمر قابلة للعصيان والطاعة وليست كلمة فقد أتبعها بالآية (فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم). وليست كلمة نافذةً لا محالة.
ولو كانت جملة (قولوا حطة نغفر لكم خطاياكم) كلمةً من كلمات الله وليست أمراً لتناقضت مع قوله تعالى (لا مبدل لكلماته) إذ كيف يقول (لا مبدل لكلماته) ويقول أيضاً (فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم) لذا فقد أفرد آية خاصة هي الآية 59 من سورة البقرة لكي يؤكد عدم التناقض.
وقد أكد هذه الناحية أيضاً في الآيتين 161-162 في سورة الأعراف (وإذا قيل له اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجداً نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين) (الأعراف 161).
(فبدل الذين ظلموا منهم قولاً غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزاً من السماء بما كانوا يظلمون) (الأعراف 162).
أما لماذا تكرر الموضوع نفسه مرتين في البقرة والأعراف فهو بحاجة إلى بحث خاص.
أما قوله تعالى: (وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون) (النحل 51).
لنقارن هذه الآية مع الآية (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل) (الحج 26) أي أن وحدانية الله هي حقيقة موضوعية خارج الوعي الإنساني وأن التعددية غي ممكنة موضوعياً حيث أن أي تعددية هي باطل ووهم. فالأصنام هي حجارة خارج الوعي الإنساني وليست آلهة. لذا بدأت الآية بقوله: (قال الله).
لنناقش الآن الصيغة التالية:
(قل هو الله أحد) (الإخلاص 1) هذه الصيغة هي صيغة أمر، فلو حذفنا منها فعل (قل) لأصبحت الصيغة (هو الله أحد) وهي صيغة خبر. وصيغة (قل هو الله أحد) ليست قرآنية، ولو حذفنا قل لأصبحت الصيغة قرآنية لأنها خبر عن أكبر حقيقة موضوعية في الوجود وهي وحدانية الله. لذا فإن وضع صيغة قل أو عدم وضعها له أهمية كبيرة في الكتاب حيث أنه يُعد أحد المؤشرات لتحديد نوع الآية.
إن آيات القرآن والسبع المثاني كلها من الآيات المتشابهات وهي تمثل النبوة مع آيات تفصيل الكتاب. فما هي مواضيع القرآن؟
لقد قلنا: إن القرآن جاء من (قرن) وهو من جمع الجزء الثابت من قوانين الكون الموجود في (اللوح المحفوظ) مع الجزء المتغير الموجود في (الإمام المبين). لذا فإن القرآن يحتوي على موضوعين هما:
1 - الجزء الثابت وفيه القانون العام للوجود المادي الثنائي والذي يتمثل في جدل هلاك شكل الشيء باستمرار وجدل تلاؤم الزوجين. ويعتبر التطور وتغير الصيرورة العمود الفقري لهذا الجزء، ويتمثل بالانفجار الكوني الأول وقوانين التطور حتى الساعة ونفخة الصور الأولى والثانية والبعث والحساب والجنة أي خط الوجود المادي كله مع خط تطوره الحتمي. هذا الجزء الذي له السيطرة التامة والمجد والذي قال عنه (بل هو قرآن مجيد * في لوح محفوظ) (البروج 21-22). هذا الجزء ليس مناط الدعاء من قبل الإنسان ولا يمكن أن يتغير من أجل أحد وهو الذي يطلق عليه: (كلام الله القديم) والذي هو جوهر الوجود المادي وعينه والذي قال عنه: (لا مبدل لكلماته) وهذا الجزء هو مناط الفلسفة وهي أم العلوم.
2 - الجزء المتغير وهو الذي أوحي من إمام مبين (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين) (يس 12). ويشتمل على:
أ ‌- الجزء المتعلق بأحداث الطبيعة وظواهرها ويسمى آيات الله وقال عنه: (كتاب مبين). وهذا الجزء هو مناط المعرفة الإنسانية بالطبيعة وهو مناط التصريف من الله والإنسان وهو مناط الدعاء لأنه غير ثابت ولكنه لا يخرج عن القانون العام وهو الجزء الذي قال عنه: (سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) (مريم 35) (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (يس 82) (مريم 35) (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (يس 82) مثل هبة الذكور والإناث وتصريف الرياح والمطر والصحة والمرض والرزق وهو كلام الله المحدث (إرادة الله الظرفية).
ب - أحداث التاريخ الإنساني بعد وقوعها وهو الجزء الذي سمي (أحسن القصص) "الكتاب المبين" وفيه خط تطور التاريخ الإنساني بالنبوات والرسالات. فالتاريخ الإنساني الواعي هو معرفة وتشريع، وما نتج عن ذلك من نتاج مادي وعلاقات حضارية إنسانية. وبما أن الإنسان يحتاج إلى تراكم معرفي حتى تحصل قفزة تشريعية، فإننا نرى أن عدد الأنبياء يزيد ع عدد الرسل، فكل رسول هو بالضرورة نبي، ولكن ليس كل نبي هو بالضرورة رسولاً. وأضرب المثال التالي لكي نفهم هذه النقطة:
عندما دخلت أول سيارة إلى دمشق لم يواكب دخولها إصدار قانون للسير، أي أن قانون السير في دمشق لم يصدر مع دخول أول سيارة إلى دمشق، ولكن صدر القانون بعد أن تراكم عدد السيارات ومست الحاجة إلى تشريع جديد منظم للسير. فيجب أن نفهم النبوات والرسالات على هذا الوجه، فالنبوات قفزات معرفية، وعندما تتراكم هذه المعارف تحصل الحاجة إلى قفزات في التشريع "الرسالات"، ولهذا نرى أن عدد الأنبياء هو بالضرورة أكثر من عدد الرسل
 
الأخ المغوار وفقه الله .
أرجو التوقف عن نقلك لكتابات محمد شحرور للملتقى ، فمن يريد قراءة كلامه فلديه موقع يخصه بارك الله فيك .
 
هل تتكرمون؟

هل تتكرمون؟

أيها الأخوة الأفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
طلبي من الجميع وأرجو أن تتكرموا علينا جميعا ولا تبخلوا، بعد هذا الأخذ والرد الخطير في شكله ومضمونه أن يقدم لنا كل مشارك في سطرين أو ثلاثة بالكثير فهمه الخاص في معنى المثلية.
فهل تتكرمون؟
 

طلبي من الجميع وأرجو أن تتكرموا علينا جميعا ولا تبخلوا، بعد هذا الأخذ والرد الخطير في شكله ومضمونه أن يقدم لنا كل مشارك في سطرين أو ثلاثة بالكثير فهمه الخاص في معنى المثلية.
فهل تتكرمون؟
المثلية أو المماثلة، فمثل ماذا؟ مثل القرآن، فما هو القرآن؟ القرآن يعرّف نفسه بنفسه: نبأ، بيان، هدى، شفاء لما في الصدور، يخرج الناس من الظلمات إلى النور، .. و بلسان عربي مبين.

بلسان عربي مبين، أي بلغة عربية مبينة، هذا إن كنت عربيا من العرب الخلص، أما إن كنت من العجم أو من العرب المستعربة (العربية بالتعلم لا بالفطرة والسليقة) فبلسانك أنت وجب عليك أن تركب كلاما تفتريه من عندياتك بلسان عربي (فصيح) مبين.

بالفرنسية مثلا لابد من كلام فرنسي فصيح مبين خال من الإختلاف: يبيّن، يخرج من الظلمات (الفردية الاجتماعية العقائدية القلبية الأخلاقية..) إلى النور، يهدي، يثبت الفؤاد، يشفي ما في الصدور من علل وتساؤلات مصيرية..، ثم تأتي بفرنسيين فصحاء بلغاء يشهدوا لكلامك أنه كذلك: تنظيم لألفاظ وجمل ليس بعده نظام، كيفما أدرته وقلبته، وكيفما عارضت ألفاظه أو وافقته، فإنك لا تقف منه إلا موقف الإعتراف بالعجز أو الإستكبار ورميه بالسحر!

ما رأيك أنت وما فهمك لـ (من مثله) ؟
 
عودة
أعلى