دقائق ولطائف

قوله تعالى في سورة الحج :{فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)}
قال في التحرير والتنوير :
وَالْأَمْرُ بِاجْتِنَابِ الْأَوْثَانِ مُسْتَعْمَلٌ فِي طَلَبِ الدَّوَامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاء: 136] . وَفُرِّعَ عَلَى ذَلِكَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لِلتَّصْرِيحِ بِالْأَمْرِ بِاجْتِنَابِ مَا لَيْسَ مِنْ حُرُمَاتِ اللَّهِ، وَهُوَ الْأَوْثَانُ.
وبالنظر إلى قوله تعالى :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)}
فإننا نجدُ دلالةَ التحريم في مسألة الخمر بنفس طريقة التأويل التي نحاها ابن عاشور رحمه الله .
 
قال السعدي رحمه الله :
ومن نظر إلى تسليط الكفرة على المسلمين والظلمة، عرف أن ذلك من أجل ذنوبهم عقوبة لهم وأنهم إذا أقاموا كتاب الله وسنة رسوله، مكن لهم في الأرض ونصرهم على أعدائهم.
 
قوله تعالى :{ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}
قال في المحرر الوجيز :
قال الفقيه الإمام أبو محمد : وإذا تأملتَ جميعَ الطاعات ، وجدتَها إنفاقاً مما يحبُ الإنسان ، إما من ماله ، وإما من صحته ، وإما من دعته وترفهه ، وهذه كلها محبوبات .
 
قال في تفسير المنار وهو يفتتح تفسيره لسورة يوسف :
وَالْفَرْقُ بَيْنَ قِصَّتِهَا وَقِصَصِ الرُّسُلِ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا ، أَنَّ تِلْكَ قِصَصٌ لِلرُّسُلِ مَعَ أَقْوَامِهِمْ فِي تَبْلِيغِ دَعْوَةِ الرِّسَالَةِ وَالْمُحَاجَّةِ فِيهَا ، وَعَاقِبَةِ مَنْ آمَنَ بِهِمْ وَمَنْ كَذَّبَهُمْ ؛ لِإِنْذَارِ مُشْرِكِي مَكَّةَ وَمُتَّبِعِيهِمْ مِنَ الْعَرَبِ ، وَقَدْ كُرِّرَتْ بِالْأَسَالِيبِ وَالنُّظُمِ الْمُخْتَلِفَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ التَّأْثِيرِ وَوُجُوهِ الْإِعْجَازِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي مَبَاحِثِ الْوَحْيِ الْمُحَمَّدِيِّ ، ثُمَّ فِي بَحْثِ التَّحَدِّي بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ .
وَأَمَّا سُورَةُ يُوسُفَ فَهِيَ قِصَّةُ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وُجِدَ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ صَغِيرَ السِّنِّ ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ وَاكْتَهَلَ فَنُبِّئَ وَأُرْسِلَ وَدَعَا إِلَى دِينِهِ ، وَكَانَ مَمْلُوكًا ثُمَّ تَوَلَّى إِدَارَةَ الْمُلْكِ لِقُطْرٍ عَظِيمٍ ، فَأَحْسَنَ الْإِدَارَةَ وَالتَّنْظِيمَ ، وَكَانَ خَيْرَ قُدْوَةٍ لِلنَّاسِ فِي رِسَالَتِهِ وَجَمِيعِ مَا دَخَلَ فِيهِ مِنْ أَطْوَارِ الْحَيَاةِ وَطَوَارِئِهَا وَطَوَارِقِهَا ، وَأَعْظَمُهَا شَأْنُهُ مَعَ أَبِيهِ وَإِخْوَتِهِ آلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ، فَكَانَ مِنَ الْحِكْمَةِ أَنَّ تُجْمَعَ قِصَّتُهُ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا نَجْعَلُهُ فِي أَوَّلِهَا وَنُفَصِّلُهُ إِنْ شَاءَ اللهُ فِي خَاتِمَتِهَا . وَهِيَ أَطْوَلُ قِصَّةٍ فِي الْقُرْآنِ افْتُتِحَتْ بِثَلَاثِ آيَاتٍ تَمْهِيدِيَّةٍ فِي ذِكْرِ الْقُرْآنِ وَحُسْنِ قَصَصِهِ ، ثُمَّ كَانَتْ إِلَى تَمَامِ الْمِائَةِ فِي تَارِيخِ يُوسُفَ ، وَخُتِمَتْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى مَا أَنْزَلَهَا اللهُ لِأَجْلِهِ مِنْ إِثْبَاتِ رِسَالَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَإِعْجَازِ كِتَابِهِ ، وَالْعِبْرَةِ الْعَامَّةِ بِقَصَصِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ .
 
قوله تعالى :{يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (18)
قال في التحرير والتنوير :
. وَهَذَا يَقْتَضِي تَوَغُّلَهُمْ فِي النِّفَاقِ وَمُرُونَتَهُمْ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ بَاقٍ فِي أَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ بَعْثِهِمْ لِأَنَّ نُفُوسَهُمْ خَرَجَتْ مِنْ عَالَمِ الدُّنْيَا مُتَخَلِّقَةً بِهِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ إِنَّمَا تَكْتَسِبُ تَزْكِيَةً أَوْ خُبْثًا فِي عَالَمِ التَّكْلِيفِ. وَحِكْمَةُ إِيجَادِ النُّفُوسِ فِي الدُّنْيَا هِيَ تَزْكِيَتُهَا وَتَصْفِيَةُ أَكْدَارِهَا لِتَخْلُصَ إِلَى عَالَمِ الْخُلُودِ طَاهِرَةً، فَإِنْ هِيَ سَلَكَتْ مَسْلَكَ التَّزْكِيَةِ تَخَلَّصَتْ إِلَى عَالَمِ الْخُلُودِ زَكِيَّةً وَيَزِيدُهَا اللَّهُ زَكَاءً وَارْتِيَاضًا يَوْمَ الْبَعْثِ. وَإِنِ انْغَمَسَتْ مُدَّةَ الْحَيَاةِ فِي حَمْأَةِ النَّقَائِصِ وَصَلْصَالِ الرَّذَائِلِ جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ تَشْوِيهًا لِحَالِهَا لِتَكُونَ مَهْزَلَةً لِأَهْلِ الْمَحْشَرِ.
وَقَدْ تَبْقَى فِي النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ خَلَائِقُ لَا تُنَافِي الْفَضِيلَةَ وَلَا تُنَاقِضُ عَالَمَ الْحَقِيقَةِ مِثْلُ الشَّهَوَاتِ الْمُبَاحَةِ وَلِقَاءِ الْأَحِبَّةِ قَالَ تَعَالَى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ يَا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف: 67- 70] .
 
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :


وَأَمَّا ( صِلَة الرَّحِم ) فَهِيَ الْإِحْسَان إِلَى الْأَقَارِب عَلَى حَسَب حَال الْوَاصِل وَالْمَوْصُول, فَتَارَة تَكُون بِالْمَالِ ، وَتَارَة بِالْخِدْمَةِ ، وَتَارَة بِالزِّيَارَةِ وَالسَّلَام وَغَيْر ذَلِكَ .
 
بارك الله فى الكاتب وجهده المبارك وما اورده ، نعم لطائف ودقائق ، ولكن من وجهت نظرى كقارىء لو صنف هذه اللطائف فى اقسام كما يفعل اصحاب التصانيف لكان اولى واكمل .
 
أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور على هذه الدَفعة الطيبة ..... فكم يحتاج السائرُ إلي مُعين .
 
قال شيخ الإسلام في كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل :
إِنَّ
مَنْ أَبَاحَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الْأَفْعَالِ كَانَ خَارِجًا عَنْ الشَّرِيعَةِ فَكَيْفَ بِمَنْ أَوْجَبَهَا وَعَاقَبَ عَلَيْهَا ؟ فَكَيْفَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي الِاعْتِقَادَاتِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ مِنْ الْأَفْعَالِ ؟
 
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى :
فَلَمَّا صَارَ كَثِيرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ النُّسَّاكِ الْمُتَأَخِّرِينَ يَدَّعُونَ الْمَحَبَّةَ وَلَمْ يَزِنُوهَا بِمِيزَانِ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَخَلَ فِيهَا نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ وَاتِّبَاعِ الْأَهْوَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ مَحَبَّتَهُ مُوجِبَةً لِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ. فَقَالَ {قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وَهَذَا لِأَنَّ الرَّسُولَ هُوَ الَّذِي يَدْعُو إلَى مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ, وَلَيْسَ شَيْءٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ إلَّا وَالرَّسُولُ يَدْعُو إلَيْهِ ,وَلَيْسَ شَيْءٌ يَدْعُو إلَيْهِ الرَّسُولُ إلَّا وَاَللَّهُ يُحِبُّهُ, فَصَارَ مَحْبُوبُ الرَّبِّ وَمَدْعُوُّ الرَّسُولِ مُتَلَازِمَيْنِ ,بَلْ هَذَا هُوَ هَذَا فِي ذَاتِهِ وَإِنْ تَنَوَّعَتْ الصِّفَاتُ.
 
قال شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى :
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ بَعَثَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ ؛ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَعْبُودَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَإِنَّمَا يُعْبَدُ بِمَا أَمَرَ بِهِ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ . وَأَصْلُ عِبَادَتِهِ مَعْرِفَتُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَمَا وَصَفَهُ بِهِ رُسُلُهُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ مَذْهَبُ السَّلَفِ أَنَّهُمْ يَصِفُونَ اللَّهَ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَمَا وَصَفَهُ بِهِ رُسُلُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَمِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ , وَاَلَّذِينَ يُنْكِرُونَ بَعْضَ ذَلِكَ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَمَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَلَا وَصَفُوهُ حَقَّ صِفَتِهِ وَلَا عَبَدُوهُ حَقَّ عِبَادَتِهِ
 
قال ابْنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ في إعلامِ المُوقعينَ :
وَقَدْ أَمَرَنا اللَّهُ بِرَدِّ مَا تَنَازَعْنَا فِيهِ إلَيْهِ وَإِلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَلَمْ يُبِحْ لَنَا قَطُّ أَنْ نَرُدَّ ذَلِكَ إلَى رَأْيٍ وَلَا قِيَاسٍ وَلَا تَقْلِيدِ إمَامٍ وَلَا مَنَامٍ وَلَا كُشُوفٍ وَلَا إلْهَامٍ وَلَا حَدِيثِ قَلْبٍ وَلَا اسْتِحْسَانٍ وَلَا مَعْقُولٍ وَلَا شَرِيعَةِ الدِّيوَانِ وَلَا سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ، وَلَا عَوَائِدِ النَّاسِ .
 
وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ في فَتْحِ الْقَدِيرِ:
فَلَيْسَ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ عُرْضَةً لِتَلَاعُبِ آرَاءِ الرِّجَالِ بِهِ، وَلِهَذَا وَرَدَ الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ، فَاحْذَرْ أَيُّهَا الطَّالِبُ لِلْحَقِّ عَنْ قَبُولِ مِثْلِ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ، وَاشْدُدْ يَدَيْكَ فِي تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ، فَهُوَ قُرْآنٌ عَرَبِيٌّ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ، فَإِنْ جَاءَكَ التَّفْسِيرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَلْتَفِتْ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ، وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْعَرَبِ، وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَمِمَّنْ جَمَعَ إِلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْعِلْمَ بِالِاصْطِلَاحَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ مَعْنَى اللَّفْظِ أَوْسَعَ مِمَّا فسروه به فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَضُمَّ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الصَّحَابِيُّ مَا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ الْعَرَبِ وَأَسْرَارُهَا، فَخُذْ هَذِهِ كُلِّيَّةً تَنْتَفِعُ بِهَا.
 
قوله تعالى في سُورَةِ الْأَعْرَافِ:{ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (75) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (76)}
قال في فَتح القَديرِ:
{قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ}:أَيْ: قَالَ الرُّؤَسَاءُ الْمُسْتَكْبِرُونَ مِنْ قَوْمِ صَالِحٍ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ اسْتَضْعَفَهُمُ المستكبرون، ولِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بَدَلٌ مِنَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا بِإِعَادَةِ حَرْفِ الْجَرِّ بَدَلَ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ، لِأَنَّ في الْمُسْتَضْعَفِينَ مَنْ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ هَذَا عَلَى عَوْدِ ضَمِيرِ مِنْهُمْ إِلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا، فَإِنَ عَادَ إِلَى قَوْمِهِ كَانَ بَدَلَ كُلٍّ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَمَقُولُ الْقَوْلِ: أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالوا هذا على طَرِيقِ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ.
قَوْلُهُ:{قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ} أَجَابُوهُمْ بِأَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِرِسَالَتِهِ، مَعَ كَوْنِ سُؤَالِ الْمُسْتَكْبِرِينَ لَهُمْ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ، هَلْ تَعْلَمُونَ بِرِسَالَتِهِ أَمْ لَا؟ مُسَارَعَةً إِلَى إِظْهَارِ مَا لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مُرْسَلًا أَمْرٌ وَاضِحٌ مَكْشُوفٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى السُّؤَالِ عَنْهُ، فَأَجَابُوا تَمَرُّدًا وَعِنَادًا بِقَوْلِهِمْ إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ .
 
قال عبيد الله بن الحسن العنبري: لأن أكون ذنباً في الحق: أحبُّ إلي من أن أكون رأساً في الباطل.
قال ذلك حين رجع عن أقوال له خالفت السنة، فقيل له في ذلك وأنك لم تعد في مكانتك السابقة لما كنت على تلك الأقوال.
وقالها ابن عباد يوم جاء ابن تاشفين في أواخر عهد الأندلس، لينصر أهل الإسلام، فقيل له: يا ابن عباد، إن انتصر ابن تاشفين أخذ ملكك؟ فقال: لئن أكون ذنبًا في الحق، أحب إلي من أن أكون رأسًا في الباطل، لأن أرعى الإبل لابن تاشفين، خير لي أن أرعى الخنازير لألفونسو.{ البداية والنهاية -... تاريخ بغداد- دولة الإسلام في الأندلس– }
 
جاء في كتاب حلية الأولياء لابن أبي الدنيا وكتاب صفة الصفوة :
قَالَ الزُّهْرِيُّ رحمه الله :«إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ إِنْ أَخَذْتَهُ بِالْمُكَاثَرَةِ غَلَبَكَ وَلَمْ تَظْفَرْ مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَلَكِنْ خُذْهُ مَعَ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي أَخْذًا رَفِيقًا تَظْفَرْ بِهِ»

جاء في كتاب حلية الأولياء لابن أبي الدنيا :
عَنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ خَلْدَةَ الزُّرَقِيُّ: «إِنِّي أَرَى النَّاسَ قَدْ مَلَّكُوكَ أَمْرَ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا سُئِلْتَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، فَاطْلُبِ الْخَلَاصَ مِنْهَا لِنَفْسِكَ، ثُمَّ لِلَّذِي سَأَلَكَ» .
 
جاء في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء :
عن يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، يَقُولُ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: «كَفَى بِالْعِلْمِ فَضِيلَةً أَنْ يَدَّعِيهِ مَنْ لَيْسَ فِيهِ، وَيَفْرَحُ إِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ، وَكَفَى بِالْجَهْلِ شَيْنًا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ مَنْ هُوَ فِيهِ وَيَغْضَبَ إِذَا نُسِبَ إِلَيْهِ»
 
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم :
والقدرُ يؤمن به، ولا يُحتج به , بل العبدُ مأمور أن يرجعَ إلى القدر عند المصائب. ويستغفر الله عند الذنوب والمعايب، كما قال تعالى {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [غافر: 55]
فإنه لو ساغ هذا لساغ أن يَحتج إبليس ومن اتبعه من الجن والإنس بذلك , ويَحتج به قوم نوح وعاد وثَمود وسائر أهل الكفر والفسوق والعصيان , ولم يعاقب ربنا أحدًا , وهذا مِمَّا يعلم فساده بالاضطرار شرعًا وعقلًا.
فإن هذا القول لا يطرده أحد من العقلاء , فإن طرده يوجب أن لا يلام أحد على شيء , ولا يعاقب عليه.
وهذا المحتجُّ بالقدر: لو جنَى عليه جان لطالبه. فإن كان القدر حجة للجاني عليه. وإلا فليس حجة لا لهذا ولا لِهذا.
ولو كان الاحتجاجُ بالقدر مقبولًا: لم يُمكن للناس أن يعيشوا , إذ كان لكل من اعتدى عليهم أن يَحتج بذلك , فيقبلوا عذره ولا يعاقبوه , ولا يمكن اثنان من أهل هذا القول أن يعيشا , إذ لكل منهما أن يقتل الآخر , ويفسد جميع أموره , محتجًّا على ذلك بالقدر.
 
جاء في جامع العلوم والحكم:
وروي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عيوبَ الناس، فذكر الناسُ لهم عيوبًا، وأدركت قومًا كانت لهم عُيوب، فكفوا عن عُيوبِ الناس، فنُسيت عيوبُهم أو كما قالَ.
قال ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة : فعلامَةُ السَّعادَةِ أنْ تكونَ حسناتُ العَبدِ خَلْفَ ظَهرهِ , وسيِّئاتهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ. وعلامَةُ الشقاوَة أن يَجعَلَ حَسناتِهِ نُصْبَ عينيهِ وسيِّئاتهِ خَلْفَ ظَهرهِ واللهُ المُستعانُ.
وقال رحمه الله: فطُوبى لمَن شغَلهُ عَيبُهُ عن عُيوبِ النَّاسِ وَويلٌ لمن نَسِيَ عَيبَهُ وتفرَّغَ لِعُيوبِ النَّاسِ.
 
قال ابن الجوزي في التبصرة :
كَلامُكَ مَكْتُوبٌ وَقَوْلُكَ مَحْسُوبٌ، وَأَنْتَ يَا هَذَا مَطْلُوبٌ، وَلَكَ ذُنُوبٌ وَمَا تَتُوبُ، وَشَمْسُ الْحَيَاةِ قَدْ أَخَذَتْ فِي الْغُرُوبِ، فَمَا أَقْسَى قَلْبَكَ مِنْ بَيْنِ الْقُلُوبِ، وَقَدْ أَتَاهُ مَا يُصَدِّعُ الْحَدِيدَ {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رقيب عتيد} .
أَتَظُنُّ أَنَّكَ مَتْرُوكٌ مُهْمَلٌ، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّهُ يَنْسَى مَا تَعْمَلُ، أَوْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الْكَاتِبَ يَغْفُلُ، هَذَا صَائِحُ النَّصَائِحِ قَدْ أَقَبْلَ، يَا قَاتِلا نَفْسَهُ بِكَفِّهِ لا تَفْعَلْ، يَا مَنْ أَجَلُهُ يَنْقُصُ وَأَمَلُهُ يَزِيدُ، {مَا يَلْفِظُ مِنْ قول إلا لديه رقيب عتيد} .
 
جاء في كتاب حلية الأولياء وصفة الصفوة وكتاب ذم الهوى :
عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ قُبْرُصُ فُرِّقَ بَيْنَ أَهْلِهَا فَبَكَى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ، وَرَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ جَالِسًا وَحْدَهُ يَبْكِي، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا يُبْكِيكَ فِي يَوْمٍ أَعَزَّ اللهُ فِيهِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ؟ قَالَ: «وَيْحَكَ يَا جُبَيْرُ مَا أَهْوَنَ الْخَلْقِ عَلَى اللهِ إِذَا هُمْ تَرَكُوا أَمْرَهُ، بَيْنَا هِيَ أُمَّةٌ قَاهِرَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمُ الْمُلْكُ تَرَكُوا أَمْرَ اللهِ فَصَارُوا إِلَى مَا تَرَى» .
 
في حديث البخاري في وصية الزبير رضي الله عنه لولده عبدالله رضي الله عنه :
قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ، وَيَقُولُ: يَا بُنَيِّ! إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ، فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَتِ! مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: اللهُ، قَالَ: فَوَاللهِ! مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ! اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيهِ.

فاللهم يا مولانا اقض عنا دين الدنيا وأعنا على قضاء دين الآخرة .
 
جاء في كتاب مختصر التحفة الاثني عشرية لعلامة العراق محمود شكري الألوسي وهو يتكلم عن الرافضة:
ومن مكائدهم أنهم ينظرون في أسماء الرجال المعتبرين عند أهل السنة، فمن وجدوه موافقا لأحد منهم في الاسم واللقب أسندوا رواية حديث ذلك الشيعي إليه، فمن لا وقوف له من أهل السنة يعتقد أنه إمام من أئمتهم فيعتبر بقوله ويعتد بروايته، كالسدي فإنهما رجلان أحدهما السدي الكبير، والثاني السدي الصغير، فالكبير من ثقات أهل السنة، والصغير من الوضاعين الكذابين وهو رافضي غال، وعبد الله بن قتيبة رافضي غالٍ، وعبد الله بن مسلم بن قتيبة من ثقات أهل السنة، وقد صنف كتابا سماه بالمعارف، فصنف ذلك الرافضي كتابا وسماه بالمعارف أيضا قصدا للإضلال.
 
جاء في تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي (المتوفى: 373هـ):
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: صِفَةُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثُ خِصَالٍ: الثِّقَةُ بِاللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْفَقْرُ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.
وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَم رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إِلَى عَمَّانَ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ إِذْ سَقَطَ سَوْطُهُ، فَنَزَلَ عَنِ الدَّابَةِ وَرَبَطَهَا، وَذَهَبَ رَاجِلًا، فَأَخَذَ السَّوْطَ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ حَوَّلْتَ رَأْسَ دَابَّتِكَ فَأَخَذْتُ السَّوْطَ فَقَالَ: إِنَّمَا اسْتَأْجَرْتُهَا لِتَذْهَبَ وَلَمْ أَسْتَأْجِرُهَا لِتَرْجِعَ.
 
قال تعالى في سورة الجاثية :{ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)}
قال ابن كثير رحمه الله :
قَالَ تَعَالَى {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أَيْ: إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهَوَاهُ، فَمَهْمَا رَآهُ حَسَنًا فَعَلَهُ، وَمَهْمَا رَآهُ قَبِيحًا تَرَكَهُ: وَهَذَا قَدْ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيَّيْنِ.
وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنَ التَّفْسِيرِ: لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا عَبَدَهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} يَحْتَمِلُ قَوْلَيْنِ:
أحدها :وَأَضَلَّهُ اللَّهُ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ. وَالْآخَرُ: وَأَضَلَّهُ اللَّهُ بَعْدَ بُلُوغِ الْعِلْمِ إِلَيْهِ، وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَالثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الْأَوَّلَ، وَلَا يَنْعَكِسُ.

زادك الله رحمة ونورا في قبرك يا ابن كثير وكل من كان سببا في فضل الله عليك مما حباك الله به من بركة في العلم .
 
جاء في الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية لأبي شامة (المتوفى: 665 هـ):
وَفِي عَاشر رَمَضَان سنة خمس وَثَمَانِينَ قتل الْوَزير نظام الْملك أَبُو عَليّ الْحسن بن عَليّ بن إِسْحَاق قَتله صبي ديلمي بعد الْإِفْطَار وَقد تفرق عَن طَعَامه الْفُقَهَاء والأمراء والفقراء وَغَيرهم من أَصْنَاف النَّاس وَحمل فِي محفة لنقرس كَانَ بِهِ إِلَى خيمة الْحرم فَلَقِيَهُ صبي ديلمي مستغيثا بِهِ فقربه مِنْهُ ليسمع شكواه فَقتله وَقتل الصَّبِي أَيْضا فعدمت الدُّنْيَا وَاحِدهَا الَّذِي لم تَرَ مثله.
وَكَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة قد حكى لَهُ بعض الصَّالِحين أَنه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام كَأَنَّهُ أَتَاهُ وَأَخذه من محفته فَتَبِعَهُ.
فَاسْتَبْشَرَ نظام الْملك بذلك وَأظْهر السرُور بِهِ وَقَالَ هَذَا أبغي وإياه أطلب.
وَبلغ من الدُّنْيَا مبلغا عَظِيما لم ينله غَيره وَكَانَ عَالما فَقِيها دينا خيرا متواضعا عادلا يحب أهل الدّين ويكرمهم ويجزل صلَاتهم.
وَكَانَ أقرب النَّاس مِنْهُ وأحبهم إِلَيْهِ الْعلمَاء وَكَانَ يناظرهم فِي المحافل ويبحث عَن غوامض الْمسَائِل لِأَنَّهُ اشْتغل بالفقه فِي حَال حداثته مُدَّة
وَأما صدقاته ووقوفه فَلَا حد عَلَيْهَا ومدارسه فِي الْعَالم مَشْهُورَة لم يخل بلد من شَيْء مِنْهَا حَتَّى جَزِيرَة ابْن عمر الَّتِي هِيَ فِي زَاوِيَة من الأَرْض لَا يؤبه لَهَا بنى فِيهَا مدرسة كَبِيرَة حَسَنَة وَهِي الَّتِي تعرف الْآن الْآن بمدرسة رَضِي الدّين .
وأعماله الْحَسَنَة وصنائعه الجميلة مَذْكُورَة فِي التواريخ لم يسْبقهُ من كَانَ قبله وَلَا أدْركهُ من كَانَ بعده.
وَكَانَ من جملَة عباداته أَنه لم يحدث إِلَّا تَوَضَّأ وَلَا تَوَضَّأ إِلَّا صلى.
وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن حفظا ويحافظ على أَوْقَات الصَّلَوَات مُحَافظَة لَا يتقدمه فِيهَا المتفرغون لِلْعِبَادَةِ, حَتَّى إِنَّه كَانَ إِذا غفل الْمُؤَذّن أمره بِالْأَذَانِ وَإِذا سمع الْأَذَان أمسك عَن كل مَا هُوَ فِيهِ واشتغل بإجابته ثمَّ بِالصَّلَاةِ.
 
والشاهد .................
وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن حفظا ويحافظ على أَوْقَات الصَّلَوَات مُحَافظَة لَا يتقدمه فِيهَا المتفرغون لِلْعِبَادَةِ, حَتَّى إِنَّه كَانَ إِذا غفل الْمُؤَذّن أمره بِالْأَذَانِ وَإِذا سمع الْأَذَان أمسك عَن كل مَا هُوَ فِيهِ واشتغل بإجابته ثمَّ بِالصَّلَاةِ.
 
قال القرطبي رحمه في تفسيره لسورة الأحزاب :

قَوْلُهُ تَعَالَى:" زَوَّجْناكَها" دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ.
 
قوله تعالى :{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}
قال ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة :
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْخَلِيلَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ سِوَى تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى الِامْتِثَالِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَتَقْدِيمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ عَلَى مَحَبَّةِ الْوَلَدِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ رَفَعَ عَنْهُ الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ.
وفي كتاب مفتاح دار السعادة :
فَإِن الْمصلحَة لم تكن فِي ذبحه وَإِنَّمَا كَانَت فِي استسلام الْوَالِد وَالْولد لأمر الله وعزمهما عَلَيْهِ وتوطينهما أَنفسهمَا على امتثاله فَلَمَّا حصلت هَذِه الْمصلحَة بَقِي الذّبْح مفْسدَة فِي حَقّهمَا فنسخه الله.
قال ابن العربي في أحكام القرآن:
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُؤْمَرُ إبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْصِيَةِ لَا يَجُوزُ ؟ قُلْنَا : هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ الْإِسْلَامَ ، فَكَيْفَ مِمَّنْ يُفْتِي فِي الْحَلَالِ مِنْهُ وَالْحَرَامِ ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } .
جاء في كتاب التبصرة لابن الجوزي :
سُبْحَانَ الْمُفَاوِتِ بَيْنَ الْخَلْقِ! يُقَالُ لِلْخَلِيلِ: اذْبَحْ وَلَدَكَ. فَيَأْخُذُ الْمُدْيَةَ وَيُضْجِعُهُ لِلذَّبْحِ , وَيُقَالُ لِقَوْمِ مُوسَى: {اذْبَحُوا بَقَرَةً} فذبحوها وما كادوا يفعلون!
أمةٌ بأكملها تتردد في ذبح بقرة وإبراهيم عليه السلام لم يتردد في ذبح ولده .
قوله تعالى :{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}
قال ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة :
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْخَلِيلَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ سِوَى تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى الِامْتِثَالِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَتَقْدِيمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ عَلَى مَحَبَّةِ الْوَلَدِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ رَفَعَ عَنْهُ الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ.
وفي كتاب مفتاح دار السعادة :
فَإِن الْمصلحَة لم تكن فِي ذبحه وَإِنَّمَا كَانَت فِي استسلام الْوَالِد وَالْولد لأمر الله وعزمهما عَلَيْهِ وتوطينهما أَنفسهمَا على امتثاله فَلَمَّا حصلت هَذِه الْمصلحَة بَقِي الذّبْح مفْسدَة فِي حَقّهمَا فنسخه الله.
قال ابن العربي في أحكام القرآن:
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُؤْمَرُ إبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْصِيَةِ لَا يَجُوزُ ؟ قُلْنَا : هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ الْإِسْلَامَ ، فَكَيْفَ مِمَّنْ يُفْتِي فِي الْحَلَالِ مِنْهُ وَالْحَرَامِ ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } .
جاء في كتاب التبصرة لابن الجوزي :
سُبْحَانَ الْمُفَاوِتِ بَيْنَ الْخَلْقِ! يُقَالُ لِلْخَلِيلِ: اذْبَحْ وَلَدَكَ. فَيَأْخُذُ الْمُدْيَةَ وَيُضْجِعُهُ لِلذَّبْحِ , وَيُقَالُ لِقَوْمِ مُوسَى: {اذْبَحُوا بَقَرَةً} فذبحوها وما كادوا يفعلون!
أمةٌ بأكملها تتردد في ذبح بقرة وإبراهيم عليه السلام لم يتردد في ذبح ولده .
 
قوله تعالى :{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)}
قال ابن القيم في كتاب أحكام أهل الذمة :
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْخَلِيلَ بِذَبْحِ وَلَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ مُرَادُهُ سِوَى تَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى الِامْتِثَالِ، وَالتَّسْلِيمِ، وَتَقْدِيمِ مَحَبَّةِ اللَّهِ عَلَى مَحَبَّةِ الْوَلَدِ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ رَفَعَ عَنْهُ الْأَمْرَ بِالذَّبْحِ.
وفي كتاب مفتاح دار السعادة :
فَإِن الْمصلحَة لم تكن فِي ذبحه وَإِنَّمَا كَانَت فِي استسلام الْوَالِد وَالْولد لأمر الله وعزمهما عَلَيْهِ وتوطينهما أَنفسهمَا على امتثاله فَلَمَّا حصلت هَذِه الْمصلحَة بَقِي الذّبْح مفْسدَة فِي حَقّهمَا فنسخه الله.
قال ابن العربي في أحكام القرآن:
فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ يُؤْمَرُ إبْرَاهِيمُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْصِيَةِ لَا يَجُوزُ ؟ قُلْنَا : هَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ الْإِسْلَامَ ، فَكَيْفَ مِمَّنْ يُفْتِي فِي الْحَلَالِ مِنْهُ وَالْحَرَامِ ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ } .
جاء في كتاب التبصرة لابن الجوزي :
سُبْحَانَ الْمُفَاوِتِ بَيْنَ الْخَلْقِ! يُقَالُ لِلْخَلِيلِ: اذْبَحْ وَلَدَكَ. فَيَأْخُذُ الْمُدْيَةَ وَيُضْجِعُهُ لِلذَّبْحِ , وَيُقَالُ لِقَوْمِ مُوسَى: {اذْبَحُوا بَقَرَةً} فذبحوها وما كادوا يفعلون!
أمةٌ بأكملها تتردد في ذبح بقرة وإبراهيم عليه السلام لم يتردد في ذبح ولده .
 
قوله تعالى في سورة المؤمنون :{ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) }
قال أبو السعود رحمه الله :
{ قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا } أي ملكتَنا { شِقْوَتُنَا } التي اقترفناها بسوءِ اختيارِنا كما ينبىءُ عنه إضافتُها إلى أنفسِهم .
قال في فتح القدير:
أَيْ: غَلَبَتْ عَلَيْنَا لَذَّاتُنَا وَشَهَوَاتُنَا، فَسَمَّى ذَلِكَ شِقْوَةً لِأَنَّهُ يُؤَوَّلُ إِلَى الشَّقَاءِ. وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ أَيْ: بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ ضَلُّوا عَنِ الْحَقِّ بِتِلْكَ الشِّقْوَةِ.
 
قوله تعالى :{وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)}
قال في التحرير والتنوير :
وَالتَّمْهِيلُ: الْإِمْهَالُ الشَّدِيدُ، وَالْإِمْهَالُ: التَّأْجِيلُ وَتَأْخِيرُ الْعُقُوبَةِ، وَهُوَ مُتَرَتِّبٌ فِي الْمَعْنَى عَلَى قَوْلِهِ: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ، أَيْ وَانْتَظِرْ أَنْ نَنْتَصِرَ لَكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الْأَحْقَاف: 35] .
قوله تعالى :{ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}
قال في التحرير والتنوير :
والتهميل: مَصْدَرُ مَهَلَ بِمَعْنَى أَمْهَلَ، وَهُوَ الْإِنْظَارُ إِلَى وَقْتٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَالْجَمْعُ بَيْنَ «مَهِّلْ» وأَمْهِلْهُمْ تَكْرِيرٌ لِلتَّأْكِيدِ لِقَصْدِ زِيَادَةِ التَّسْكِينِ، وَخُولِفَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ فِي التَّعْدِيَةِ مَرَّةً بِالتَّضْعِيفِ وَأُخْرَى بِالْهَمْزِ لِتَحْسِينِ التَّكْرِيرِ.
 
قال العثيمين في سورة الواقعة :هذه السورة لو لم ينزل في القرآن إلا هي، لكانت كافية في الحث على فعل الخير وترك الشر، فقد ذكر الله تعالى في أولها يوم القيامة {إذا وقعت الواقعة } ثم قسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام: السابقون، وأصحاب اليمين، وأصحاب الشمال، ثم ذكر الله في آخرها حال الإنسان عند الموت، وقسم كل الناس إلى ثلاثة أقسام: مقربون، وأصحاب يمين، ومكذبون ضالون، وكذلك ذكر الله فيها ابتدأ الخلق في قوله: {أفرءيتم ما تمنون أءنتم تخلقونه أم نحن الخالقون} والرزق من طعام وشراب وما يصلحهما فهي سورة متكاملة، ولهذا ينبغي للإنسان أن يتدبرها إذا قرأها، كما يتدبر سائر القرآن لكن هي اشتملت على معاني عظيمة والله الموفق.
 
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»متفق عليه
قال الحافظ في الفتح :
قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَاعِثُ الْأَوَّلُ قَصْدُ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا انْضَافَ إِلَيْهِ .
 
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) }
قال ابن كثير رحمه الله :
يُخْبِرُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَامًّا يَعُمُّ جَمِيعَ الْخَلِيقَةِ بِأَنَّ كُلَّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ، كَقَوْلِهِ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ. وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ} فَهُوَ تَعَالَى وَحْدَهُ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ يَمُوتُونَ، وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ، وَيَنْفَرِدُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْقَهَّارُ بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاءِ، فَيَكُونُ آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا.

وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا تَعْزِيَةٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَدٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وفَرَغَت النُّطْفَةُ الَّتِي قَدَّرَ اللَّهُ وُجُودَهَا مِنْ صُلْبِ آدَمَ وَانْتَهَتِ الْبَرِيَّةُ -أَقَامَ اللَّهُ الْقِيَامَةَ وَجَازَى الْخَلَائِقَ بِأَعْمَالِهَا جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، كَثِيرِهَا وَقَلِيلِهَا، كَبِيرِهَا وَصَغِيرِهَا، فَلَا يَظْلِمُ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} أَيْ: مَنْ جُنِّبَ النَّارَ وَنَجَا مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ، فَقَدْ فَازَ كُلَّ الْفَوْزِ.
 
قوله تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) }

قال ابن كثير رحمه الله :

وَقَوْلُهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} هَذِهِ أَكْبَرُ نِعَمِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ أَكْمَلَ تَعَالَى لَهُمْ دِينَهُمْ، فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى دِينِ غَيْرِهِ، وَلَا إِلَى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِمْ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا جَعَلَهُ اللَّهُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَبَعَثَهُ إِلَى الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَلَا حَلَالَ إِلَّا مَا أَحَلَّهُ، وَلَا حَرَامَ إِلَّا مَا حَرَّمَهُ، وَلَا دِينَ إِلَّا مَا شَرَعَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ أَخْبَرَ بِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ لَا كَذِبَ فِيهِ وَلَا خُلْف، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الْأَنْعَامِ: 115] أَيْ: صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ، وَعَدْلًا فِي الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، فَلَمَّا أَكْمَلَ الدِّينَ لَهُمْ تَمَّتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِمْ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا} أَيْ: فَارْضَوْهُ أَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، فَإِنَّهُ الدِّينُ الَّذِي رَضِيَهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ وَبَعَثَ بِهِ أَفْضَلَ رُسُلِهِ الْكِرَامِ، وَأَنْزَلَ بِهِ أَشْرَفَ كُتُبِهِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وَهُوَ الْإِسْلَامُ، أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ أَكْمَلَ لَهُمُ الْإِيمَانَ، فَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى زِيَادَةٍ أَبَدًا، وَقَدْ أَتَمَّهُ اللَّهُ فَلَا يَنْقُصُهُ أَبَدًا، وَقَدْ رَضِيَهُ اللَّهُ فَلَا يَسْخَطُه أَبَدًا.
 
قوله تعالى :{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}

قال ابن كثير رحمه الله :

يَقُولُ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ فِي خَبَرِ الْمُرْسَلِينَ مَعَ قَوْمِهِمْ، وَكَيْفَ أَنْجَيْنَا الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلَكْنَا الْكَافِرِينَ {عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ} وَهِيَ الْعُقُولُ، {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} أَيْ: وَمَا كَانَ لِهَذَا الْقُرْآنِ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ: يُكَذَّبَ ويُختلق، {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أَيْ: مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ السَّمَاءِ، وَهُوَ يُصَدِّقُ مَا فِيهَا مِنَ الصَّحِيحِ، وَيَنْفِي مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ تَحْرِيفٍ وَتَبْدِيلٍ وَتَغْيِيرٍ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهَا بِالنَّسَخِ أَوِ التَّقْرِيرِ،

{وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} مِنْ تَحْلِيلٍ وَتَحْرِيمٍ، وَمَحْبُوبٍ وَمَكْرُوهٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْرِ بِالطَّاعَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ، وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمُورِ عَلَى الْجَلِيَّةِ، وَعَنِ الْغُيُوبِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْمُجْمَلَةِ وَالتَّفْصِيلِيَّةِ، وَالْإِخْبَارِ عَنِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَلِهَذَا كَانَ: {هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} تَهْتَدِي بِهِ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْغَيِّ إِلَى الرَّشَادِ، وَمِنَ الضَّلَالَةِ إِلَى السَّدَادِ، وَيَبْتَغُونَ بِهِ الرَّحْمَةَ مِنْ رَبِّ الْعِبَادِ، فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْمَعَادِ. فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، يَوْمَ يَفُوزُ بِالرِّبْحِ المُبْيَضَّة وُجُوهُهُمُ النَّاضِرَةُ، وَيَرْجِعُ المسودَّة وجوهُهم بِالصَّفْقَةِ الْخَاسِرَةِ.
 
قال في المنار :
الْكِتَابُ الْإِلَهِيُّ الْوَحِيدُ الَّذِي نُقِلَ بِنَصِّهِ الْحَرْفِيِّ تَوَاتُرًا عَمَّنْ جَاءَ بِهِ بِطَرِيقَتَيِ الْحِفْظِ وَالْكِتَابَةِ مَعًا هُوَ الْقُرْآنُ ، وَالنَّبِيُّ الْوَحِيدُ الَّذِي نُقِلَ تَارِيخُهُ بِالرِّوَايَاتِ الْمُتَّصِلَةِ الْأَسَانِيدِ حِفْظًا وَكِنَايَةً هُوَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالدِّينُ الْوَحِيدُ الَّذِي يُمْكِنُ لِلْعُلَمَاءِ الْمُسْتَقِلِّينَ فِي الْفَهْمِ وَالرَّأْيِ أَنْ يَعْقِلُوهُ وَيَبْنُوا عَلَيْهِ حُكْمَهُمْ هُوَ الْإِسْلَامُ .
 
قال في التحرير والتنوير :
وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ إِهْلَاكِ أَصْحَابِ الْفِيلِ خِلَافًا لِقِصَصِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ لِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَن إهلاك أَصْحَابِ الْفِيلِ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ تَكْذِيبِ رَسُولٍ مِنَ اللَّهِ، وَثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَتَّخِذَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ غُرُورًا بِمَكَانَةٍ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ كَغُرُورِهِمْ بِقَوْلِهِمْ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التَّوْبَة: 19] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الْأَنْفَال: 34] .
 
قال في التحرير والتنوير :
وَلَمْ يَتَكَرَّرْ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ إِهْلَاكِ أَصْحَابِ الْفِيلِ خِلَافًا لِقِصَصِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ لِوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا أَن إهلاك أَصْحَابِ الْفِيلِ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ تَكْذِيبِ رَسُولٍ مِنَ اللَّهِ، وَثَانِيهِمَا أَنْ لَا يَتَّخِذَ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ غُرُورًا بِمَكَانَةٍ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ كَغُرُورِهِمْ بِقَوْلِهِمْ الْمَحْكِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التَّوْبَة: 19] الْآيَةَ وَقَوْلِهِ: وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الْأَنْفَال: 34] .
ماشاء الله..جزاكم الله خير
 
قوله تعالى :{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}
قال السعدي رحمه الله :
وقد أنجز اللّه وعده، فإن اللّه قد أغنى المسلمين من فضله، وبسط لهم من الأرزاق ما كانوا به من أكبر الأغنياء والملوك.
وقوله: { إِنْ شَاءَ } تعليق للإغناء بالمشيئة، لأن الغنى في الدنيا، ليس من لوازم الإيمان، ولا يدل على محبة اللّه، فلهذا علقه اللّه بالمشيئة.
فإن اللّه يعطي الدنيا، من يحب، ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان والدين، إلا من يحب.
 
قوله تعالى :{ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)}
قال السعدي رحمه الله :
وفي هذا دليل على التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يبادر بقبول شيء أو رده، قبل أن يحيط به علمًا.
 
قالو:
إن ترك الإحسان إساءة - وترك الإساءة إحسان .
والتواضع في غير موضعه تراجع .
 
قوله تعالى :{ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}
قال السعدي رحمه الله :
{ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا } والدنيا كلها من أولها إلى آخرها ثمن قليل.
 
قوله تعالى في سورة النساء :{ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}
قال السعدي رحمه الله :
وفي الآية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات، وتركها من المحرمات، بل من الكبائر، وفي الآية دليل على أن كل مَن توفي فقد استكمل واستوفى ما قدر له من الرزق والأجل والعمل، وذلك مأخوذ من لفظ "التوفي" فإنه يدل على ذلك، لأنه لو بقي عليه شيء من ذلك لم يكن متوفيًا.
 
قوله تعالى :{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (105)}
قال في التحرير والتنوير :
وَالْبَيِّنَاتُ: الدَّلَائِلُ الَّتِي فِيهَا عِصْمَةٌ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الِاخْتِلَافِ لَوْ قُيِّضَتْ لَهَا أَفْهَامٌ.
 
جاء في كتاب: الشَّرَيعَةِ للآجُرِّيِّ البغدادي رَحِمَهُ اللَّهُ (المتوفى: 360هـ) :
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ مَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى وَفِي قَلْبِهِ بُغْضٌ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَنَفَعَنَا بِحُبِّهِمْ .
 
جاء في كتاب الشَّرَيعَةِ للآجُرِّيِّ البغدادي رَحِمَهُ اللَّهُ (المتوفى: 360هـ) :
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ الْقَدَرِيَّ لَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ وَفَّقْنِي، وَلَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي، وَلَا يَقُولُ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَشِيئَةَ إِلَيْهِ، إِنْ شَاءَ أَطَاعَ وَإِنْ شَاءَ عَصَى، فَاحْذَرُوا مَذَاهِبَهُمْ لَا يَفْتِنُوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ.
 
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى فَقَدْ رَدَّ نَصَّ الْقُرْآنِ وَكَفَرَ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ فَإِنْ قَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ كَلَامًا فِي الشَّجَرَةِ , فَكَلَّمَ بِهِ مُوسَى قِيلَ لَهُ: هَذَا هُوَ الْكُفْرُ , لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ الْكَلَامَ مَخْلُوقٌ , تَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ ذَلِكَ وَيَزْعُمُ أَنَّ مَخْلُوقًا يَدَّعِي الرُّبُوبَيَّةَ , وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ الْقَوْلِ وَأَسْمَجِهِ وَقِيلَ لَهُ: يَا مُلْحِدُ , هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ؟ نَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ يَكُونَ قَائِلُ هَذَا مُسْلِمًا , هَكَذَا كَافِرٌ يُسْتَتَابُ , فَإِنْ تَابَ وَرَجَعَ عَنْ مُذْهَبِهِ السُّوءِ وَإِلَّا قَتَلَهُ الْإِمَامُ , فَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْتَتِبْهُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ هُجِرَ وَلَمْ يُكَلَّمْ , وَلَمْ يُسَلَّمْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُصَلَّ خَلْفَهُ , وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ , وَلَمْ يُزَوِّجْهُ الْمُسْلِمُ كَرِيمَتَهُ.
قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ: قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: " مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى «فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ» .
 
قَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ:
عَذَرْنَا النَّخْلَ فِي إبْدَاءِ شَوْكٍ ... يَرُدُّ بِهِ الْأَنَامِلَ عَنْ جَنَاهُ
فَمَا لِلْعَوْسَجِ الْمَلْعُونِ أَبْدَى ... لَنَا شَوْكًا بِلَا ثَمَرٍ نَرَاهُ


وَقَالَ ابْنُ الرُّومِيِّ:
أقام يُجهِدُ أياماً قريحَتَهُ ** وفسَّر الماءَ بعد الجَهْدِ بالماءِ )
 
عودة
أعلى