عبدالرحيم الشريف
Member
تم نشر هذا البحث في مجلة جامعة القصيم للعلوم الشرعية
المجلد التاسع عدد4
ص 1571 - 1620
وهذا نص المبحث الثاني الذي يشكل صلب البحث
المطلب الأول: سبب تأليف الكتاب:
كان للحرية الفكرية ولضعف الغيرة الدينية عند الحكام في زمن ابن حزم دور كبير في جرأة علماء اليهود على تأليف كتب يتهكمون بها على عقائد المسلمين، وعبَّر ابن حزم عن ذلك في مقدمة رده على ابن النغريلة فقال: " اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور - يتركونها عما قريب - عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم، وبجمع أموال ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم، وعن حياطة ملتهم التي بها عزوا في عاجلتهم وبها يرجون الفوز في آجلتهم، حتى استشرف لذلك أهل القلة والذمة، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتموا بذلك ضعف همنا ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][1][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وذكر ابن حزم سبباً آخر جرّأ ابن النغريلة على صنيعه وهو بغض يهود للمسلمين، وكأن ابن النغريلة قد " تقلّى قلبه للعداوة للإسلام وأهله، وذُوبت كبده ببغضه الرسول e ".[SUP]([2])[/SUP]
وقد سطر ابن حزم في نهاية رده سبب تأليفه، فقال: " قد أوردنا في هذا الكتاب من شنعهم أشياء تقشعر منها الجلود، ولولا ان الله تعالى نصَّ علينا من كفرهم ما نصَّ.. لما استجزنا ذكر ما يقولون؛ لشنعته وفظاعته. ولكننا اقتدينا بكتاب الله عز وجل في بيان كفرهم، والتحذير منهم ".[SUP]([/SUP][3][SUP])[/SUP]
المطلب الثاني: دراسة نقدية لرد ابن حزم على ابن النغريلة:
بدأ ابن حزم الرد بمقدمة شكا فيها إلى الله تعالى تشاغلَ الناس عن العدو اليهودي الخطير، ذاك " العدو من عصابة لا تحسن إلا الخبث، مع مهانة الظاهر؛ فيأنس المغتر إلى الضعف البادي، وتحت ذلك الختل والكيد والمكر ".[SUP]([4])[/SUP]
وبهذا يحث الناس على عدم التهوين من شأن الشبهات التي يطرحها ذاك العدو، ثم ختم رده ببيان أنه اقتدى - في رده على عصابة اليهود - " بكتاب الله عز وجل في بيان كفرهم، والتحذير منهم ".[SUP]([5])[/SUP]
وبين المقدمة والخاتمة أخذ يرد على شبهات ابن النغريلة، في ثمانية فصول بحسب التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى:
دعوى التناقض بين آيتي سورة النساء: " ..وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.. (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ.. (79) ". فكأنه في الآية الثانية صحّح مقولة الكفار التي زعموها في الآية الأولى.
عرض رد ابن حزم:[SUP]([6])[/SUP]
رد عليه ابن جزم بالدعوة إلى قراءة الآية الكريمة قراءة ظاهرية؛ فإنك ستفهم المراد منها بادي الرأي بلا تأويل، وبيان ذلك أن الكفار يقولون: " إن الحسنات[SUP]([7])[/SUP] الواصلة إلينا هي من عند الله عز وجل، وإن السيئات التي ستصيبنا هي من عند محمد e "، فأكذبهم الله تعالى في ذلك، وبيَّن وجه ورود حسنات الدنيا وسيئاتها - على كل مَن فيها - بأن الحسنات السارة هي من عند الله تعالى - بفضله على الناس -، وأن كل سيئة يصيب الله تعالى بها إنساناً في دنياه فمن قِبَل نفس المصاب بها - بما يجني على نفسه من تقصيره فيما يلزمه من أداء حق الله تعالى الذي لا يقوم به أحد -.
وكل ذلك من عند الله تعالى جملةً، فأحد الوجهين - الحسنات - فضلٌ من الله تعالى، مجرَّدٌ لم يستحقه أحد على الله تعالى. والوجه الثاني - السيئات - تأديب من الله تعالى، أوجبَه على المصاب بها تقصيرُه عمَّا يلزمه من واجبات ربه تعالى.
ثم وضح كيف أن ابن النغريلة لم يفرق بين ما أوجبه الله تعالى (مِن أنَّ كل من أصابته سيئة فمن نفسه)، وبين ما ذكر الله تعالى من قول الكفار لمحمد e: (إن ما أصابهم من سيئة فمنك يا محمد).
ثم ختم رده لهذه الشبهة ببيان تناقضات موجودة في التوراة المحرفة حين تحدث موسى [نبي التوراة المحرفة][SUP] ([8])[/SUP] عن تأثير التوبة عن الذنوب على فاعلها وعلى غيره فقال: " يغفر الذنب والسيئة لكنه لا يبرئ بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع "،[SUP]([9])[/SUP] ولكن ذلك يخالف إن الرب قال لموسى: " لا تقتل الآباء لأجل الأبناء، ولا الأبناء لأجل الآباء، ألا كل واحد يُقتل بذنبه ".[SUP]([10])[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
جاء رد ابن حزم جيداً، وموافقاً لما ذكره أكثر العلماء،[SUP]([11])[/SUP] وكان من المفيد ذِكر سبب النزول: " نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنه لما قدم رسول الله e المدينة عليهِم قالوا: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه. قال ابن عباس: ومعنى " مِنْ عِنْدِكَ " أي بسوء تدبيرك. وقيل: "مِنْ عِنْدِكَ " بشؤمك، كما ذكرنا، أي بشؤمك الذي لحقنا، قالوه على جهة التطيُّر. قال الله تعالى: "قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " أَي الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله، أي بقضاء الله وقدره. " فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ " يعني المنافقين " لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً " أي ما شأنهم لا يفقهون أن كلا من عند الله؟ ".[SUP]([12])[/SUP]
ويرى الباحث أن الرد سيكون أقوى لو ذكر ابن حزم سبب النزول، ثم أتبعه بمعتقد المسلمين في القدر، وعقيدة أهل السنة والجماعة في خلق أفعال العباد، بأن " الشر في الحقيقة ليس في فعل الله نفسه، بل في مفعولاته، فالمفعولات هي التي فيها خير وشر، أما الفعل نفسه فهو خير، ولهذا قال الله عز وجل [في سورة الفلق]: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) "، أي: من شر الذي خلقه الله.
فالشر إنما يكون في المفعولات لا في الفعل نفسه، أما فعل الله فهو خير. ويدلك لهذا أنه لو كان عندك مريض وقيل له: إن من شفائه أن تكويه بالنار، فكويته بالنار، فالنار مؤلمة بلا شك، لكن فعلك هذا ليس بشر، بل هو خير للمريض، لأنك إنما تنتظر عاقبة حميدة بهذا الكي، كذلك فعل الله للأشياء المكروهة والأشياء التي فيها شر هي بالنسبة لفعله وإيجاده خير، لأنه يترتب عليها خير كثير ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][13][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
أما ما ذكره من تناقض التوراة حول محاسبة الأبناء على أوزار الآباء: فجيد. ومثله ما ورد في سفر إرميا (31/30): " كل واحد يموت بذنبه "، ولكن ناقضه ما ورد في السفر ذاته، بعد إصحاح واحد (32/18): " صانع الإحسان لألوف ومجازي ذنب الآباء في حضن بنيهم بعدهم ".
وفي هذا تناقض ظاهر إضافة إلى كونه ظلم محض؛ إذ إنه في أحد مَوضعي التناقض قال: إنه يقتصُّ من البريء عن غيره.
ومن الجيد لمحاججته : إبراز نصوص من الكتب المقدسة لليهود تنسب الشر إلى ربهم، منها:
1. ورد في سفر إشعيا (63/17): " لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك قسيت قلوبنا عن مخافتك ".
2. أضل الربُّ فرعونَ فقال: " إني أقسِّي قلب فرعون " (سفر الخروج 7/3).
3. جاء في المزامير (146/9): " الرب يحفظ الغرباء يعضد اليتيم والأرملة أما طريق الأشرار فيعوجه ".
4. ورد في سفر حزقيال (14/6): " النبي إذا ضل وتكلم بكلام، فأنا الرب أضللت ذلك النبي "، ثم جاء فيه (14/9): " أنا الرب أضللت ذلك النبي ". وفي (20/25): " وأعطيتهم أيضاً فرائض غير صالحة وأحكاماً لا يحيون بها ونجستهم بعطاياهم ".
5. في سفر إرميا (18/11): " قال الرب ها أنذا مصدر عليكم شراً وقاصد عليكم قصداً ".
6. في سفر عاموس (3/6): " هل تحدث بليَّة في مدينةٍ والرب لم يصنعها "، وفيه (8/10): " يقول السيِّد الرب: إني أُغيِّب الشمس في الظهر، وأُقتِّم الأرض في يوم نور، وأُحوِّل أعيادكم نوحًا، وجميع أغانيكم مراثي ".
ويشرح البابا شنودة الثالث معنى نسبة الشر إلى الرب: " إن كانت كلمة " الشر " معناها: الضيقات، فمن الممكن أن تصدر عن الله، يريدها أو يسمح بها؛ تأديباً للناس أو حثاً لهم على التوبة.. وحين يجلب الله شراً على أمة، يقصد بهذا وضعها تحت عصا التأديب بالضيقات والضربات التي يراها الناس شراً ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][14][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
الشبهة الثانية:
دعوى اختلاف ترتيب أولية خلق السماء والأرض بين قوله تعالى في سورة النازعات: " أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) "، اختلافها مع قوله تعالى في سورة البقرة: " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ.. (29) ".
عرض رد ابن حزم:[SUP]([15])[/SUP]
يرى ابن حزم أن هذه الشبهة كسابقتها يكفي الرد عليها بإمرار المَوضعين على العقل لمرة واحدة والأخذ بظاهر كل منها ليتبين لك الحق، فالله تعالى ذكر في سورة النازعات أنه بنى السماء ورفع سمكها، وأنه بعد ذلك أخرج ماء الأرض ومرعاها وأرسى الجبال فيها. ثم ذكر تبارك وتعالى في سورة البقرة تسويته للسماوات سبعاً، وأن ذلك كان بعد خلقه كل ما في الأرض.
وقع التناقض عند الذي لم يفرق بين أن الله تعالى سوَّى السماء ورفعِ سمكها، وبين أنه سوّاهن سبع سماوات، فإنما أخبر تعالى أن تسوية السماء جملة واختراعها كان قبل دحو الأرض، وأن دحوه الأرض كان قبل تقسيم السماء إلى سبع طبقات.
ثم ذكر تناقض التوراة مع العقل في خلق الإنسان مختلفاً عن الرب بالعلم والخلود، ثم يخاف الرب من أن يأكل من الشجرة فيكون عالماً خالداً.
نقد رد ابن حزم:
هذا الرد منطقي واضح حاسم لا إشكال فيه، وقد سبق ابن عباس رضي الله عنها الرد به على نافع بن الأزرق[SUP]([16])[/SUP] في حديث طويل[SUP]([SUP][17][/SUP][/SUP])، والرد به ذكره أكثر العلماء.[SUP]([18])[/SUP]
" فالآيتان ترشدان إلى أن الله تعالى خلق الأرض أولاً ثم خلق السماوات بعد ذلك، ثم عاد إلى الأرض فمهدها ودحاها.. ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من أمر المآكل والمشارب، وإمكان القرار عليها فقال: " أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاهَا " أي: فجّر منها العيون والينابيع والأنهار، وأنبت فيها النبات سواء أكان قوتاً لبني آدم كالحب والثمر، أم قوتاً للأنعام والماشية كالعشب والحشيش ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][19][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وتلخيص ذلك أن الله تبارك وتعالى شاء وقدَّر أن يخلق الكون؛ فتمَّ خلقه على مراحل:
المرحلة الأولى: خلقُ الأرض.
المرحلة الثانية: بناء السماء ورفع سمكِها.
المرحلة الثالثة: دحو الأرض (تهيئتها بجعلها صالحة للمعاش).
المرحلة الرابعة: الاستواء إلى السماء وتقسيمها إلى سبع طبقات.
فاكتمال خلق الأرض وتسويتها كان قبل اكتمال بناء وتسوية السماوات سبعاً.
إلا أن الباحث يرى أن ما ذكره ابن حزم بعد دفعه الشبهة الثانية - من تناقض للتوراة في خوف الرب من خلود الإنسان رغم أنه ابتداءً حين خلقه جعله ليس بخالدٍ - ليس في مكانه، بل الأصح والأليق بمقتضى السياق أن يذكر تناقضها في ابتداء خلق الكون.
فقصة بدء الخلق في الإصحاح الأول من سفر التكوين، تتناقض مع الرواية الورادة في الإصحاح الثاني منه في مواضع عدة، منها:
1. يُفهم من الإصحاح الأول (1/25-27) أن خلق الدواب متقدم على خلق الإنسان، بينما الإصحاح الثاني (2/7-19) يضع خلق الإنسان قبل الدواب؛ فالرب خلق العشب بعد خلقه الإنسان.
2. يفهم من الإصحاح الأول (1/21-25) أن خلق الطيور سابق لخلق الحيوانات؛ حيث خلقت الطيور في اليوم الخامس والحيوانات في اليوم السادس. بينما يُفهم من الإصحاح الثاني (2/19) أنهما خلقا معاً في الوقت ذاته.
3. يفهم من الإصحاح الأول (1/27) أن آدم وحواء خلقا معاً في الوقت نفسه، بينما يفهم من الإصحاح الثاني (2/20-22) أن آدم خلِق قبلها.
4. يُفهم من الإصحاح الأول (1/10) أن الأرض في بداية الخلق كانت مغطاة بالمياه، بينما الإصحاح الثاني (2/ 17) يشير إلى أن الأرض كانت جافة.
بل إنك تجد التناقض في الإصحاح الأول ذاته من سفر التكوين في مواضع شتى، مثلا: عند الحديث عما خلق الرب في اليوم الأول (1/3) " وقال الله: ليكن نوراً، فكان نور ". ثم نقرأ عما خلق الرب في اليوم الخامس (1/14) " وقال الله لتكن أنوارٌ في جَلَد السماء ". فهل خلق الشمس والنجوم في اليوم الأول أم الخامس؟
الشبهة الثالثة:
ذكر ابن النغريلة آيات من سورة فصلت: " .. خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ..(12) "، ثم ذكر قوله قوله تعالى: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ " [ق: 38].
يزعم ابن النغريلة أن سورة فصلت جعلت زمن خلق السماوات والأرض ثمانية أيام:
- يومان لخلق الأرض (آية: 9)
- أربعة أيام لتقدير أقواتها (آية: 10)
- يومان لخلق السماوات (آية: 12).
وعلى هذا يكون المجموع ثمانية أيام، وهذا يناقض الآيات التي جعلتها ستة أيام (الأعراف: 54، يونس:3، هود: 7، الفرقان: 59، السجدة: 4، ق: 38، الحديد: 4).
عرض رد ابن حزم:[SUP]([/SUP][SUP][SUP][20][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
اليومان اللذان خلق الله فيهما السماوات داخلان في يومين من الأربعة التي قدر فيها أقوات الأرض؛ لأن التقدير غير الخلق، فالخلق: الاختراع والإبداع وإخراج الشيء من العدم إلى الوجود. بينما التقدير: ترتيب وإحكام الأشياء الموجودات بعد إيجادها.
ثم ذكر النص الشهير في التوراة بأن الرب استراح في اليوم السابع من بدء الخلق.[SUP]([21])[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
رد ابن حزم صحيح واضح، ذكره العلماء،[SUP]([22])[/SUP] لا ينقصه إلا بيان أن أصل شبهة ابن النغريلة عدم معرفته بأساليب العربية وتفننها في الكلام؛ فتتمة الأيام الأربعة بدخولها في اليومين أسلوب تعرفه العرب، كقولك: " خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما، أي في تتمة خمسة عشر يوماً ".[SUP]([23])[/SUP]
وليت شعري كيف سكت العرب الأقحاح زمن النبوة عن هذه الشبهة ولم ينتبهوا لها رغم شدة حاجتهم لأي حجة ينتقصون بها من مقام جلال هذا الكتاب الكريم، هل غفل عنها أقحاح العرب وتنبه لها أعجمي لا يعرف من العربية إلا رسمها؟!
يقال لابن النغريلة ولأمثاله: " قدِّروا أنَّ [محمداً e] لم يكن نبياً، وقدِّروا أنْ كان نازل الدرجة في الفصاحة والبلاغة، وقدِّروا أنْ كان لا يتكلم إلا خطأً.. أوَ قد بلغتم من العمى إلى حيث لم تقدروا أنْ يتبين لكم أنه عاش مدة مديدة بين أولياء وأعداء؟.. ألم يكن له وليٌّ فينبهه - فعلَ الأولياء ـ؛ إبقاءً عليه أن يُنسَب إلى نقيصة ؟ ولا عدو فينقص عليه ؟ ".[SUP]([24])[/SUP]
أما ختام ابن حزم الرد على الشبهة الثالثة ببيان عقيدتهم في استراحة ربهم بعد إتمام الخلق في ستة أيام، فصحيح من جهة تناقضه مع تنزه الرب عن صفات نقص البشر، ويُضاف إليه: تناقضه مع نصوص التوراة ذاتها، كالوارد في سفر إشعيا (40/28) بأن الرب لا يتعب: " إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يَعيا ؟ ".
الشبهة الرابعة:
دعوى تناقض قوله تعالى في سورة المرسلات: " هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) "، مع قوله تعالى في سورة النحل: " يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) ".
عرض رد ابن حزم:([25][SUP])[/SUP]
جاء رد ابن حزم من طريقين:
الأولى: إن المنع من النطق المذكور في آية المرسلات إنما هو في بعض مواقف يوم القيامة، بينما الجدال المذكور في آية النحل في موقف آخر مما يتلو ذلك اليوم نفسه، تأمل سياق آية المرسلات: " انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) " أي لا يأذن لهم أن يعتذروا فيه بعذر.
فصح أن اليوم الذي لا ينطقون فيه بعذر إنما هو يوم إدخالهم النار، وهو أول اليوم التالي ليوم الحساب: يوم جدال كل نفس عن نفسها.[SUP]([26])[/SUP]
الطريق الثانية: المقصود بآية المرسلات: نفي قبول الله معاذير الخلق؛ فقد أرسل إليهم الرسل وبيَّن لهم الحجة في الدنيا.
أما ما ذكرته آية النحل من مجادلة فإن المقصود بها مجادلة الخلق بعضهم بعضاً؛ فالله تعالى لا يجادل، وإنما يجادل الناس بعضهم بعضاً، فكل أحد حينئذ يجادل من ظلمه ليقتص منه. ([27])
ثم ذكر ابن حزم تناقض اليهود في اعتقادهم مرة بالحساب الأخروي ومرة بتناسخ الأرواح في الدنيا.[SUP]([28])[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
إن رد ابن حزم حازم قاطع، ويضاف إليه أن منشأ الخطأ عند ابن النغريلة ظنه استغراق عدم نطقهم ليوم القيامة كله، وهذا من عدم فهمه للخطاب العربي، فالعرب " لا تُضيف اليوم إلى فعل يُفعل، إلا إذا أرادت الساعة من اليوم والوقت منه، وذلك كقولهم: آتيك يومَ يقدمُ فلان، وأتيتك يوم زارك أخوك، فمعلوم أن معنى ذلك: أتيتك ساعة زارك، أو آتيك ساعة يقدُم، وأنه لم يكن إتيانه إياه اليوم كله ".[SUP]([29])[/SUP]
ويرى الإمام أحمد أن ترتيب سكوتهم ثم كلامهم وجدالهم بحسب أهوال يوم القيامة كما يلي:[SUP]([30])[/SUP]
المرحلة الأولى: بُعَيد البعث والنشور: " هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ " [المرسلات: 35]، وذلك أول البعث من القبور حيث يسكتون " وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ " [المرسلات: 36].[SUP]([31])[/SUP]
المرحلة الثانية: يؤذن لهم بالكلام فيتكلمون، وعندها تبدأ معاذيرهم: " رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ.. " [السجدة: 12] ومنهم مَن يقول: " وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.." [الأنعام: 23]. وتبرأ " الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ " [البقرة: 166]، فيحصل الخصام فيُقال لهم: " لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ " [ق: 28].
قال السكاكي: " ولو عرفوا شروط التناقض لما قالوا ذلك، أليس من شروط التناقض اتحاد الزمان واتحاد المكان واتحاد الغرض وغير ذلك مما عرفتَ؟.. وعُرف بالأخبار أن يوم القيامة مشتمل على مقامات مختلفة؟ فإذا احتمل أن يكون السؤال في وقت من أوقات يوم القيامة ولا يكون في آخر أو في مقام من مقاماته ولا يكون في آخر أو بقيد من القيود كالتوبيخ أو التقرير أو غير ذلك مرة وبغير ذلك القيد أخرى فكيف يتحقق التناقض؟".[SUP]([32])[/SUP]
أما تناقض اليهود وحيرتهم بين إثبات الجزاء الأخروي وتناسخ الأرواح في الدنيا، فقد فصَّل الحديث عنه " يُسر محمد سعيد مبيض " في كتابه: " اليوم الآخر في الأديان السماوية "،[SUP]([33])[/SUP] وذكر فيه ما يُبين أن النصوص بخصوص ذلك متناقضة إلى حد كبير. وعلَّل د. عبدالوهاب المسيري سبب هذا الاضطراب بتطور معتقدات اليهود بعد السبي البابلي حين ظهرت فكرة الثواب والعقاب الفرديين، بحيث أصبحت شيول [جهنم] المكان الذي ينتظر فيه الموتى يوم الحساب حين يُبعثون ليُحاسَبوا.[SUP]([/SUP][SUP][SUP][34][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
الشبهة الخامسة:
دعوى التناقض بين ما ورد في سورة الرحمن: " فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) " وما ورد في سورة الأعراف: " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) ".
عرض رد ابن حزم:[SUP]([35])[/SUP]
آية الرحمن معناها أن اليهودي إذا دخل جهنم فلن يسأله أحد عن ذنبه (لن يحاسَب)؛ لأن مرحلة الحساب قد انتهت ودخل في مرحلة جديدة وهي مرحلة العذاب، بينما آية الأعراف تتحدث عن السؤال في مرحلة الحساب.
ثم ذكر نصاً من التوراة يثبت لربهم البداء[SUP]([/SUP][36][SUP])[/SUP] حين أراد الرب إهلاك بني إسرائيل لرفضهم قتال الكنعانيين، فاستدرك عليه موسى بقوله: " اذكر إبراهيم وإسحق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم: أكثر من نسلكم كنجوم السماء، وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد؛ فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه ".([37])
نقد رد ابن حزم:
يقصد ابن حزم في رده على الشبهة بأن يوم القيامة مراحل مختلفة، ففي بعضها يُسألون وفي بعضها لا يُسألون، لكل مرحلة من المراحل أحوالها ومشاهدها الخاصة بها، ومن يتتبع سياق الآيات الكريمة موضع الشبهة، يجد أن كلاً منها يتحدث عن موقف مستقل من مواقف يوم القيامة، وبه رد بعض العلماء.[SUP]([38])[/SUP]
لكن يمكن الاستدراك على رد ابن حزم بوجود نصوص تتحدث عن سؤال خزنة جهنم للكافرين سؤال توبيخ، قال تعالى في سورة الملك: " وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) ".
لذا فالأفضل الجواب عن الشبهة الخامسة بأن السؤال في مرحلة العذاب ليس سؤال استخبار بل توبيخ.
فالسؤال قسمان: سؤال توبيخ وتقريع، وأداته غالباً (لِمَ). وسؤال استخبار واستعلام، وأداته غالباً (هَل). فالمثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع، والمنفي هو سؤال: الاستخبار والاستعلام.
وسؤال العصاة والمشركين - المنصوص في القرآن الكريم - كله توبيخ وتقريع كقوله: " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ " [الصافات: 24]، وكقوله: " أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ " [الطور: 15]، وكقوله: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ " [الزمر: 71]، وكقوله: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " [الملك: 8].. إلى غير ذلك من الآيات.
بينما سؤال الله للرسل: " مَاذَا أُجِبْتُمْ " [المائدة: 109]؟ لتوبيخ الذين كذبوهم، ومِثله سؤال المظلوم توبيخاً للظالِم كسؤال الموؤودة: " بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ " [التكوير: 9] لتوبيخ قاتلها.[SUP]([SUP][39][/SUP][/SUP])
أما اتهام الرب بالبداء في التوراة فنصوصه كثيرة، منها:
1. أنه ندم حين خلق الإنسان " .. فحزنَ الرب أنه عمِل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه " (التكوين: 6/6). وانظر (إرميا: 26/13 وصموئيل الثاني: 24/16 وعاموس: 7/3).
2. تأمل سبب ندم الرب في القصة الواردة في سفر صموئيل الأول: يحارب (شاول) العماليق بجيش كبير وينتصر عليهم ويقتلهم بحد السيف. ولكنه يعفو عن ملكهم (أجاج) وعن خيار الغنم والبقر والحملان. (15/9). وذاك العفو يغضب الرب، ويُعلم صموئيل بأنه ندم على اختياره ملكاً: " إني قد ندمت على إقامتي شاول ملكاً لأنه مال عن اتباعي ولم يقم كلامي". (15/11).
3. وأشنع من البداء: الخداع بنقض العهد! جاء سفر زكريا (11 / 10-11): " فأخذت عصاي نعمة وقصفتها لأنقض عهدي الذي قطعته مع كل الأسباط، فنقض في ذلك اليوم وهكذا علم أذل الغنم المنتظرون لي إنها كلمة الرب ".
وتأمل عهد الرب لداود في سفر إرميا (33 /17): " لأنه هكذا قال الرب: لا ينقطع لداود إنسان يجلس على كرسي بيت إسرائيل ". أي: لا ينقطع نسل داود من الملوك الجالسين على كرسي حكم إسرائيل، ولكن... ورد في الإصحاح 33 عدد 21 ما يلي: " فإن عهدي أيضاً مع داود عبدي ينقض فلا يكون له ابن مالكاً على كرسيه ".
وبهذا يكون رب اليهود دائراً بين البداء والخداع، فبأي الصفتين يتصف ؟
الشبهة السادسة:
قال تعالى في سورة يونس: " فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ.. (94) ". فهل كان النبي في شك؟
عرض رد ابن حزم:[SUP]([/SUP][40][SUP])[/SUP]
أجاب ابن حزم بأنَّ (إنْ) هذه الآية ليست التي بمعنى الشرط، وإنما معناها هنا: الجحد، أي بمعنى (ما)، وهذا المعنى هو أحد موضوعاتها في اللغة العربية.
ثم ذكر نصوصاً من القرآن الكريم فيها (إن) بمعنى (ما) كقوله تعالى: " إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [الأعراف: 188]، وقوله: " قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " [إبراهيم:11]، وبه قال عدد من العلماء.[SUP]([41])[/SUP]
ثم استهزأ ابن حزم مِن حرص ابن النغريلة على تنزيه الأنبياء ذاكراً أمثلة على فعل أنبياء بني إسرائيل لما هو أسوأ من الشك، كالاعتراض على أمر الله تعالى، بل ومصارعته!
فقد راجع موسى ربه إذ أراد إرساله وقال: من أنا حتى أمضي إلى فرعون؟[SUP]([42])[/SUP] وصارع يعقوب ربه[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
فات ابن حزم ذكر الجواب الأشهر بأن الخطاب هنا للرسول e والمقصود أمته، والهدف منه: استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم.[SUP]([44])[/SUP]
قال الرازي: " الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام في الظاهر، والمراد غيره كقوله تعالى: " يَا أَيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِيْنَ وَالمُنَافِقِين " [الأحزاب: 1] وكقوله: " لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ " [الزمر:65] وكقوله: " يَا عِيْسَى ابنَ مَرْيَمَ أَأنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ " [المائدة: 116] ومن الأمثلة المشهورة: إياك أعني واسمعي يا جارة.
والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه:
الأول: قوله تعالى في آخر السورة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنتُمْ فِيْ شَكٍّ مِنْ دِينِي " [يونس : 104]؛ فبيَّن أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز، هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح.
الثاني: أن الرسول e لو كان شاكَّاً في نبوة نفسه، لكان شكِّ غيره في نبوته أولى وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية.
والثالث: أن بتقدير أن يكون شاكاً في نبوة نفسه، فكيف يزول ذلك الشك بأخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم في الأكثر كفار وإن حصل فيهم من كان مؤمناً، إلا أن قوله ليس بحجة لا سيما وقد تقرر أن ما في أيديهم من التوراة والإنجيل، فالكل مصحَّفٌ محرَّف.
فثبت أن الحق هو أن الخطاب، وإن كان في الظاهر مع الرسول r إلا أن المراد هو الأمة " يا رب لا أشكُّ ولا أطلب الحجة من قول أهل الكتاب، بل يكفيني ما أنزلته عليَّ من الدلائل الظاهرة ". ونظيره قوله تعالى للملائكة: " أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ " [سبأ: 40] والمقصود أن يصرحوا بالجواب الحق ويقولوا: " سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن " [ سبأ : 41 ] وكما قال لعيسى u: " أأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُوْنِيْ وَأُمّيَ إلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ " [المائدة: 116]. والمقصود منه أن يصرِّح عيسى u بالبراءة عن ذلك فكذا ههنا ".[SUP]([SUP][45][/SUP][/SUP])
وقد " استجازت العرب قول القائل منهم لمملوكه: " إن كنت مملوكي فانته إلى أمري " والعبد المأمور بذلك لا يشكُّ سيدُه القائل له ذلك أنه عبده. كذلك قول الرجل منهم لابنه: " إن كنت ابني فبرَّني "، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه، وأنّ ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم ".[SUP]([46])[/SUP]
أما نسبة التوراة النقائص إلى الأنبياء فهي أكثر من الحصر، من أشهرها:
1. النبي نوح يسكر ويتعرى ويرى ابنه (حام) عورته، فيلعن نوحٌ ابنَ حام: كنعان، دون غيره من أبناء حام! (سفر التكوين/9).
2. النبي إبراهيم يضحِّي بشرفه وشرف زوجته سارة مرتين: مرة مع فرعون (سفر التكوين 12/ 11-16)، ومرة مع أبيمالك (ملك الفلسطينيين) (سفر التكوين 20/ 1-12).
3. النبي إبراهيم يسجد للشعب الحثي الوثني؛ شكراً لهم لأنهم سمحوا له بدفن زوجته سارة (سفر التكوين 23/7).
4. سُكر النبي لوط ثم إغمائه من شدة السكر، وزناه بابنتيه[SUP] - [/SUP]وعدم إنكاره حملهما بدون زواج بعد ذلك - (سفر التكوين 19/ 30-38).
وقبل ذلك: سجوده لضيوفه الملائكة (19/1)، وتقديم ابنتيه لقومه ليفعلوا بهما الفاحشة (19/8).
5. النبي يهوذا يزني بثامار زوجة ابنه (سفر التكوين، الإصحاح 38)، ومن ثم يشهد لها بالصلاح.
6. النبي رأوبين يزني بزوجة أبيه بلهة (سفر التكوين 35/ 22 و 49/ 3-4).
7. النبي داود لا يستطيع النوم إلا في حضن فتاة عذراء (سفر الملوك الأول 1/ 1-4).
8. النبي داود ينظر إلى زوجة صديقه بشهوة، ويتسبب بمقتل زوجها ليتزوجها هو (سفر صموئيل الثاني، الإصحاح الحادي عشر).
9. النبي داود يرقص عارياً أمام تابوت العهد المقدس، والعبيد يشاهدونه، وزوجته تذم رقصه المبتذل. (صموئيل الثاني 6/20).
10. ابن النبي يزني بأخته، والنبي لا يعاتبه: - أمنون بن داود يزني بأخته ثامار أخت أبشالوم بن داود - (سفر صموئيل الثاني، الإصحاح الثالث عشر).
11. النبي حزقيال يشجع النساء على الزنى والفجور (سفر حزقيال 16/ 33-34).
12. النبي شاول يُزوِّج ابنته للنبي داود، وهي لم تُطلَّق من زوجها الأول: (سفري صموئيل الأول 25/ 44 وصموئيل الثاني 3/ 14-16). ويذهب إلى عرَّافةٍ متنكراً، ويطلب منها التعامل مع الجن لأجله (سفر صموئيل الأول 28/9)، ثم ينتحر (سفر صموئيل الثاني 1/4-11).
13. النبي شمشون ذهب إلى غزة، ورأى هناك امرأة زانية، فدخل إليها (سفر القضاة 16/ 1).
14. النبي أبشالوم قتل أخاه (سفر صموئيل الثاني 13/1-29)، وقاد حرباً ضد أبيه النبي داود (صموئيل الثاني 18/1-17).
15. النبي أليشع يلعن أطفالاً صغاراً - باسم الرب - لأنهم نادوه يا أقرع، فتخرج دُبَّتان تأكلان منهم اثنين وأربعين طفلاً (الملوك الثاني 2/23).
16. بل إن كثيراً من أنبيائهم عَبدوا الأوثان من دون الله، ومنهم: هارون (خروج32/1-6)، وسليمان (الملوك الأول11/9)، وجدعون (قضاة8/24-28)، وآحاز (16/2-4)، ويربعام (الملوك الأول14/9)، وبعشا (الملوك الأول15/33)، ويفتاح الجلعادي (قضاة 11/30)، وأخاب بن عمري (الملوك الأول16/31-33)، ويهورام (الملوك الثاني3/1-25)، وأمصيا (أخبار الأيام الثاني25/14).
لهذا لا تتعجب إن غضِب الرب على (كل) أنبيائه، كما في سفر إرميا [23/11-13]: " لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعاً بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب. وقد رأيت في أنبياء السامرة حماقة. تنبؤوا بالبعل وأضلوا شعبي ".
فصدق عليهم ما ورد في سفر حزقيال [13/4]: " أنبياؤك يا إسرائيل صاروا كالثعالب في الخرب ".
أبعدَ كل هذا يزعم يهود أنهم الحريصون على عصمة الأنبياء، والأعلم بما يقتضيه مقام النبوة ؟[/SUP]
إن كل عاقل يشهد بأن القرآن الكريم أعاد الاعتبار لمقام النبوة والأنبياء، مزيلاً ما سبَّبه كتابهم المقدس من مفاهيم غامضة مشوَّهة لمفهوم النبوة، وطعنها بصلاحية الأنبياء لتقديم القدوة والمثل الصالح للناس.
الشبهة السابعة:
ذكر الله تعالى في سورة النحل أن في العسل " فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ.. (69) ". ولكن العسل يؤذي المحمومين.
عرض رد ابن حزم:[SUP]([48])[/SUP]
رد ابن حزم بأن الله تعالى لم يقل: العسل شفاء كل علة، ثم ذكر بعضاً من فوائد العسل الطبية المعروفة في زمانه.
ثم حاجَّ اليهودي بنص موجود عندهم يعد الله فيه بني إسرائيل بأرض الميعاد التي تفيض عسلاً ولبناً،[SUP]([49])[/SUP] فكيف يَعد خاصة شعبه بما يضرهم؟
نقد رد ابن حزم:
وكان الأليق أن يذكر له نصاً من التوراة فيه فائدة العسل بكونه كان يستخدم في بعض العلاجات، يقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال (16/24): " الكلام الحسن شهد عسل حلو للنفس وشفاء للعظام ".
ولا يخفى على المطَّلعين وجود فوائد لا تحصى للعسل، من أبرزها:[SUP] ([SUP][50][/SUP][/SUP])
1. الفيتامينات الموجودة في العسل تشمل أكثر ما يحتاجه جسم الإنسان من فيتامينات وهي: (أ، ب1، ب2، ب3، ب5، ب6، ك). والفيتامينات المستخلصة من العسل يمتصها الجسم بسهولة خلال ساعة من تناول العسل، خلافاً للفيتامينات التي نحصل عليها من مأكولات أخرى.
2. يحتوي على مادة الديوتيريوم (هيدروجين ثقيل) المضادة للسرطان.
3. يزيد السكر الحيوانى (جليكوجين) في الكبد. وهو منبع الطاقة في جسم الكائن الحي.
4. يحسن عملية بناء الأنسجة والتمثيل الغذائي.
5. يقوي الجهاز الدوري.
6. يزيد من مقاومة الكبد للتسمم.
7. يزيد من المقاومة المضاد للأكسدة في جسم الإنسان.
8. يحارب القمل وبيوضه.
9. يستخدم عقب العمليات الجراحية كمنعش قلبي.
10. يساعد على تنظيم عمل جميع الأعضاء الهضمية المضطربة.
11. يساعد في علاج: قشرة الرأس، التهاب الجلد الدهني، التهاب القصبات الهوائية، تسمم الحمل، التهاب المعدة، التهاب القولون، الجروح الملتهبة، أمراض اللثة وتقرحات الفم، التهابات عضلة القلب.
لكن الأقرب إلى هذا مقصود هذا البحث ما قال الأديب عباس محمود العقاد[SUP]([/SUP][51][SUP])[/SUP]: " إنَّ العقل السليم لا يتقبل الحكم على الشيء بالغباوة والقداسة لعلة واحدة، في وقت واحد. فإن تقبَّل العقل ذلك، فلا بد من سبب يوقعه في هذا الاضطراب باختياره، وأكثر ما يكون ذلك السبب مرضاً من أمراض الجنون، أو هوىً دفيناً.. يحمله على المغالطة، ويعجزه عن مقاومتها، أو خداعاً مقصوداً يعرفه العاقل بينه وبين نفسه ويصطبغه مع غيره؛ لغشه والاحتيال عليه..
ولسنا نخطِّئ في جماعة المبشرين المتخصصين لنقد القرآن، آفةً من هذه الآفات. فليس من المعروف أن أحداً منهم يسلم من التخبط في التفكير، كما يتخبط المصابون بالعلل العقلية، أو يملكه التعصب الذميم فيقوده إلى المغالطة، ويُسوِّل له أن يحجب الحقيقة عن عينيه بيديه، أو يعمل عمل المحترف الذي يحتال لصناعته بما وسِعَه من وسائل الترويج والتضليل، ولا يعنيه إلا أن يعرِض بضاعته، ويهيء لها أسباب النَّفاق في السوق، وربما اكتفى من النفاق بإقناع صاحب البضاعة بصدق الخدمة في العرض والترويج ".
ثم ناقشَ شبهة للمُنصِّر (زويمر)، يزعم وجود خطأ علمي في القرآن الكريم عند حديثه عن فوائد العسل في قوله تعالى: " فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ " [النحل: 69]؛ لأنه لم يثبت - في عهده - أن للعسل فوائد طبية هامة، ثم ذكر عباس العقاد أنه بعد وفاة زويمر بتسع سنين، بيَّن الطب فوائد عظمى للعسل.. وختم بالتعليق التالي: " إن نصيب (زويمر) من هذه العِدة المعكوسة على قدر مكانته في ميدان التبشير، إلا أنها عِدة لا ترشحه لرد المسلمين عمَّا اعتقدوه. بل لعله لا يتطلب لرسالته عِدةً أوفى منها، لو أنه أراد بها تثبيت المسلمين على عقائد الإسلام ".
وهذا التعليق من العقاد يؤكد أن شبهات المشككين في القرآن الكريم - كما تبيَّن بالدليل - أوهى من أن تطعن في القرآن الكريم، وليس لها من تأثير عليه. بل نجزم بأنها تزيد الإيمان به رسوخاً، وإعجازه بياناً، ونظمَهُ تماسكاً، ونورَه نوراً. مع إثبات العجز المستمر، لمن يُريد إثباتَ خطأ القرآن الكريم وعجزه.
الشبهة الثامنة:
قال تعالى في سورة ق: " وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا .. (9) "، فكيف يكون الماء مباركاً وهو يهدم البنيان ويهلك فيضانه الحيوان؟
عرض رد ابن حزم:[SUP]([52])[/SUP]
رد ابن حزم بالتذكير بأنه لولا المياه النازلة من السماء لما وجدت الحياة على وجه الأرض، فأصل ماء الينابيع والأنهار العذبة منها، بدليل أن غزارة مياه الينابيع تزيد بزيادة النازل من المطر.
وذكَّر ابن حزمٍ ابنَ النغريلة بوجود نص في التوراة يتحدث عن بركة ماء المطر، حين وعد الرب موسى أن يسكن شعب بني إسرائيل في أرض الميعاد المباركة رغم عدم وجود نهر كالنيل فيها، فبركتها مستنبطة من بركة ماء المطر.[SUP]([53])[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
يحار الإنسان كيف يفعل بهذه الشبهة، أيرد أم يسكت؟! فتوضيح الواضحات من أعضل المعضلات!
لكن من الناحية المنهجية فإن من المهم التنويه بعدم تسليم اليهود على رد ابن حزم بأن مصدر الماء العذب في الينابيع والأنهار أصله من ماء المطر؛ حيث يرى كتبة التوراة أن مياه الينابيع والأنهار العذبة ليس مصدرها المطر، بل تأتي من مصدر ماء آخر، عبَّرت عنه التوراة بـ: " المياه السفلية " أو " ماء الغمر العظيم " أو " اللجة الرابضة تحت "، وهي عبارة عن خزان ماء ضخم تقوم فوقه قشرة الأرض، مستقل عن ماء المطر ولا علاقة له به (انظر: سفر التكوين 7/11، وسفر التثنية 33/13، وسفر حزقيال 31/4).
ويبدو بأن ابن النغريلة قد تأثر بالصورة السلبية للماء النازل من السماء في بعض نصوص التوراة كقول الرب: " أسكب عليهم سخطي كالماء " (سفر هوشع 5/10)، ووصف يعقوب ابنه رأوبين بأنه متقلب لا يستقر: " فائر كالماء " (سفر التكوين 49/ 4)، ووصفُ سليمان الحكيمُ الفقيرَ الظالمَ كالمطر " الرجل الفقير الذي يظلم فقراء هو مطر جارف لا يبقي طعاماً " (سفر الأمثال: 28/3).
لكن تلك التشبيهات السلبية للمطر في التوراة تناقض تشبيه الرب لكلامه التعليمي به: " يهطل كالمطر تعليمي " (سفر التثنية 32/2)، وشبه الشوق إليه به " وانتظروني مثل المطر " (سفر أيوب: 29/23).
وبهذا ينتهي عرض ردود ابن حزم على شبهات ابن النغريلة ومناقشتها، وما بعد الرد على الشبهة الثامنة لا علاقة له بموضوع البحث؛ فقد أخذ يذكر كثيراً من الانتقادات لدين اليهود من أسفار توراتهم المحرفة، من باب مقارنة الأديان.[SUP]([54])[/SUP]
([1]) ص (41).
([2]) ص (42).
([3]) ص (70).
([4]) ص (42).
([5]) ص (70).
([6]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الأولى والرد عليها في ثلاث صفحات. من ص (43) إلى ص (46).
([7]) المقصود بالحسنة والسيئة هنا: الحسنة: كل ما يسر من نعمة تنال الانسان في نفسه وبدنه وأحواله، والسيئة تضادها. انظر: المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص (236).
([8]) في الدراسة النقدية لعقيدتهم في أنبياء كتابهم المقدس، سيتم الحديث عنهم وفق اعتقاد القوم. وإن اشتركت بالاسم معنا. فموسى النبي عندهم، ليس سيدنا موسى u عندنا، وداود الزاني عندهم، ليس سيدنا داود u.. لذا فلن يُذكَروا مسبوقين بكلمة: " سيدنا "، ولن يُقال بعد ذكرهم " u "، وهذا ما قرره مناظِروا أولئك الناس. قال القاضي أبو بكر ابن العربي: " وكنا نفاوض الكرامية، والمعتزلة، والمشبهة، واليهود. وكان لليهود بها [يعني بيت المقدس] حَبر منهم يقال له التستري.. وقد حضرنا يوماً مجلساً عظيماً فيه الطوائف، وتكلم التستري الحبر اليهودي عن دينه، فقال: اتفقنا على أن موسى نبي مؤيد بالمعجزات، معلم بالكلمات، فمن ادعى أن غيره نبي، فعليه الدليل - وأراد [اليهودي] من طريق الجدل أن يرد الدليل في جهتنا حتى يطرد له المرام، وتمتد أطناب الكلام - فقال له الفهري [الطرطوشي شيخ ابن العربي]: إن أردتَ به موسى u الذي أيِّد بالمعجزات، وعُلم الكلمات، وبَشَّر بمحمد r، فقد اتفقنا عليه معكم، وآمنا به وصدقناه، وإن أردت به موسى آخر، فلا نعلم من هو؟ فاستحسن ذلك الحاضرون، وأطنبوا بالثناء عليه، وكانت نكتة جدلية عقلية قوية، فبهت الخصم، وانقضى الحكم ". انظر كتاب: مع القاضي أبي بكر بن العربي، سعيد أعراب، ص(206).
ومثله ما وقع في مناظرة نصراني مع ابن الطلاع بقرطبة، حين سأل النصراني: ما تقول في عيسى؟ فأجاب ابن الطلاع: لعلك تريد الذي بشر بمحمد r ؟ فانقطع النصراني. انظر: عيون المناظرات، السكوني، ص (298).
وكان السكوني قد ذكر ص (230) مناظرة بين أبي الهذيل العلاف المعتزلي وأحد اليهود حين سأله اليهودي: أليس موسى نبياً؟ فأجاب: الذي أخبر بنبوة محمد r، وأمر باتِّباعِهِ، وبشَّر به، فإني أقرُّ به. وإن سألتني عن موسى آخر لا يقر بنبوة محمد r، ولا بشَّرَ به، فلست أعرفه، ولا أقرُّ به. فانقطع اليهودي ".
([9]) جاء في سفر الخروج (20/5): " افتقد ذنوب الآباء في الابناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي ".
([10]) جاء في سفر التثنية (24/16): " لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء ".
([11]) انظر: تفاسير ابن كثير (2/359)، والشوكاني (1/565)، وابن عطية (2/82)، والبغوي (1/665)، والسمرقندي (1/345)، ومحمد رشيد رضا (5/218). وكتب: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ص(225). والانتصار للقرآن للباقلاني (2/661). ودفع إيهام الاضطراب للشنقيطي، ص(64).
([12]) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (5/284).
([13]) شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين 1/214. وانظر: الفصل في الملل والنحل، لابن حزم (2/122). ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (8/161). وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز (2/515).
([14]) سنوات مع أسئلة الناس، البابا شنودة الثالث، ص22.
([15]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الثانية والرد عليها في صفحة واحدة. من ص(46) إلى ص(47).
([16]) هو نافع بن الأزرق الحروري: من رؤوس الخوارج.. وإليه تنسب طائفة الأزارقة، وكان قد خرج في أواخر دولة يزيد بن معاوية.. وكان إمام سوق الأهواز، ويعترض الناس بما يحير العقل في الناس.. كان يطلب العلم وله أسئلة ومناظرات مع ابن عباس - رضي الله عنهما -. قتل سنة 65 هـ. انظر: لسان الميزان، ابن حجر6/144 (506).
([17]) انظر الحديث الذي رواه البخاري في تفسير القرآن أول سورة حم السجدة [أي: فصلت] معلقاً. ووصله ابن حجر في تغليق التعليق4/301 وفتح الباري8/559، وحكم بصحته. وذكره عبد الرزاق الصنعاني بسنده في تفسيره 1/160-161 والطبري في تفسيره 4/96-97، والحاكم في المستدرك2/494-495 (3938) وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
([18]) انظر: تفاسير الخازن (4/393) وابن كثير (7/107) والشوكاني (5/458) والرازي (31/46) والقرطبي (19/204). وكتب الانتصار للقرآن للباقلاني (2/568) وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ص(48)، والبرهان للزركشي (2/62) ودفع إيهام الاضطراب للشنقيطي، ص (252).
([19]) تفسير المراغي (30 / 31).
([20]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الثالثة والرد عليها في صفحة واحدة. من ص(47) إلى ص(48)
([21]) جاء في سفر التكوين (2/2): " وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع". وزاد سفر الخروج (31/17): " أن الرب في اليوم السابع استراح وتنفس! ".
([22]) انظر: تفاسير ابن كثير (1/214) والشوكاني (4/582) والرازي (27/545) والنسفي (3/228) والآلوسي (24/101) وابن عاشور (24/245) والشعراوي (4/2477) وكتب: الانتصار للقرآن للباقلاني (2/597) والانتصارات الإسلامية للطوفي (1/504) والبرهان للزركشي (2/62) ودفع إيهام الاضطراب للشنقيطي، ص(72).
([23]) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (15/343).
([24]) مفتاح العلوم، السكاكي، ص(708).
([25]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الرابعة والرد عليها في صفحة واحدة. من ص(48) إلى ص(49)
([26]) انظر تفاسير: الزمخشري (2/429) والرازي (18/398) وأبو السعود (4/241) والقرطبي (9/97) والآلوسي (12/139) والشعراوي (11/6681) وكتاب الانتصار للقرآن للباقلاني (2/596).
([27]) نقل الشوكاني في تفسيره (5/434) عن الحسن البصري: لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون. وانظر تفاسير: الطبري (17/560) وابن الجوزي (4/386) وكتاب معاني القرآن للزجاج (3/78).
([28]) تناسخ الأرواح: عقيدة تؤمن بها بعض فرق اليهودية كالقرائين، وتعني الإيمان بأن أرواح البشر تعود بعد الموت وتستقر في جسد إنسان آخر في الدنيا، ويسميها بعض المؤمنين بها: " تلقيح الروح " فإذا كانت الروح الهائمة روحاً مذنبة، فهي تلقي بظلالها على الشخص لتكفِّر عن سيئاتها. ولغاية الآن يذهب بعض اليهود عند قبر أحد أوليائهم في مصر (ويدعى: أبو حصيرة) أملاً في أن تحل روحه فيهم وتُسمَّى تلك العملية " شيطَّوح " أي: " التسطح على القبر". انظر: موسوعة اليهود، د. عبدالوهاب المسيري (14/275-277).
([29]) جامع البيان، الطبري (24/142).
([30]) الرد على الزنادقة والجهمية، أحمد بن حنبل، ص(3).
([31]) رأي ابن حزم بأنهم لا ينطقون ولا يؤذن لهم بالاعتذار بعد دخولهم النار - وليس بعد البعث - أقرب إلى سياق الآيات الكريمة، ويؤيده رده على الشبهة الخامسة.
([32]) مفتاح العلوم، السكاكي، ص (596).
([33]) انظر: الفصل الثالث منه: اليوم الآخر في التوراة وعقيدة اليهود، ص(50-60)، ط1، الدوحة: دار الثقافة، 1991م. وانظر: الباب التاسع عشر: الفكر الأخروي من كتاب: موسوعة اليهود، د. عبدالوهاب المسيري (14/252 - 307)
([34]) انظر: موسوعة اليهود، عبدالوهاب المسيري (14/297).
([35]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الخامسة والرد عليها في ثلاث صفحات. من ص(49) إلى ص(52)
([36]) الفرق بين نسخ الأحكام والبداء أن سبب البداء: أن يأمر الآمر بالأمر، وهو لا يدري ما يؤول إليه الحال. بينما النسخ: أن يأمر الآمر بالأمر، وهو يدري أنه سيحيله، أو سيبطله في وقت كذا، وقد سبَقَ ذلك في علمه وقضائه ". انظر: الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم (1/483).
([37]) انظر: سفر الخروج (32/13)
([38]) انظر: تفاسير الماتريدي (4/359) والشعراوي (16/10159) والشنقيطي في أضواء البيان (2/7) وتوسع فيه. وكتب: البرهان للزركشي (2/55) والإتقان للسيوطي (3/95) والانتصار للقرآن للباقلاني (2/596).
([39]) انظر: دفع إيهام الاضطراب، الشنقيطي، ص70.
([40]) وقع عرض ابن حزم للشبهة السادسة والرد عليها في ثلاث صفحات. من ص(52) إلى ص(54)
([41]) انظر تفاسير: ابن عطية (3/142) وأبي حيان (6/105) والنيسابوري (3/612) والآلوسي (4/80).
([42]) ورد في سفر الخروج (3/10-11): " فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني اسرائيل من مصر، فقال موسى لله من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر ؟ ".
([43]) انظر القصة بطولها في سفر التكوين (32/24-30).
([44]) انظر: الزيادة والإحسان في علوم القرآن، ابن عقيلة المكي 5/463.
([45]) مفاتيح الغيب، الرازي (8/346). ومثله إذا كان عندك أبناء وتخاطب أفضلهم أمام الجميع وتتوعده إن أخطأ بعقاب ما، فأنت لا تعنيه هو بالضرورة. فإن كان سيدنا محمد r - وهو حبيب الله تعالى - إذا فعل (كذا) لا تغنيه محبة الله تعالى شيئاً فكيف نحن؟ وهذا مثل الحديث الشريف: " وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا ". متفق عليه، رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار (3475) ومسلم في الحدود باب قطع السارق الشريف.. (1688) كلاهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، مطولاً، واللفظ لمسلم.
([46]) تفسير الطبري (15/203).
([47]) علَّل أبو الحسن السبتي سبب تحريف رجال دين أهل الكتاب لقصص الأنبياء، خاصة تنقُّصهم من شرف الأنبياء الكرام، ووصفِهِم بشتى النقائص: " وغرض هؤلاء الفسقة في سرد تلك الحكايات - المورطة قائلها وناقلها في سخط الله تعالى ـ: أن يهوِّنوا الفسوق والمعاصي على بُلَه العوام، ويتسللوا إلى الفجور بالنساء بذكرها، لو ذا حصل حتى ترى المرأة تخرج من مجلس الواعظ إلى منزله، فتسأله على التفصيل، فيزيدها أقبح مما أسمعها في الجمهور، يقول لها: هذا أمرٌ ما سَلِمَ منه عظماء المرسلين، فكيف نحن؟ فلا يزال يُهَوِّنُ عليها ما كان يصعب من قبل. فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ". انظر كتابه: تنزيه الأنبياء، ص (26).
([48]) وقع عرض ابن حزم للشبهة السادسة والرد عليها في صفحتين. من ص(54) إلى ص(55)
([49]) انظر: سفر الخروج (3/8 و17). وبحسب سفر أيوب (20/17): تفيض أخاديدها بالعسل.
([50]) انظر: نحل العسل في القرآن والطب لمحمد علي البنبني، وعلى هامش الطب النبوي لعلي مؤنس، وعسل النحل شفاء نزل به الوحي لعبدالكريم الخطيب.
([51]) في مقال له بعنوان: " المبشرون نُقاد القرآن " نشره سنة 1961م، انظر: المجموعة الكاملة لأعماله 6/506-510.
([52]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الثامنة والرد عليها في صفحتين. من ص(55) إلى ص(56)
([53]) جاء في سفر التثنية (10/10-11): " لأن الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها ليست مثل أرض مصر التي خرجت منها حيث كنت تزرع زرعك وتسقيه برجلك كبستان بقول، بل الأرض التي أنتم عابرون إليها لكي تمتلكوها هي أرض جبال وبقاع من مطر السماء تشرب ماء ".
([54]) من ص(56) إلى ص(70).
المجلد التاسع عدد4
ص 1571 - 1620
وهذا نص المبحث الثاني الذي يشكل صلب البحث
المطلب الأول: سبب تأليف الكتاب:
كان للحرية الفكرية ولضعف الغيرة الدينية عند الحكام في زمن ابن حزم دور كبير في جرأة علماء اليهود على تأليف كتب يتهكمون بها على عقائد المسلمين، وعبَّر ابن حزم عن ذلك في مقدمة رده على ابن النغريلة فقال: " اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور - يتركونها عما قريب - عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم، وبجمع أموال ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم، وعن حياطة ملتهم التي بها عزوا في عاجلتهم وبها يرجون الفوز في آجلتهم، حتى استشرف لذلك أهل القلة والذمة، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتموا بذلك ضعف همنا ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][1][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وذكر ابن حزم سبباً آخر جرّأ ابن النغريلة على صنيعه وهو بغض يهود للمسلمين، وكأن ابن النغريلة قد " تقلّى قلبه للعداوة للإسلام وأهله، وذُوبت كبده ببغضه الرسول e ".[SUP]([2])[/SUP]
وقد سطر ابن حزم في نهاية رده سبب تأليفه، فقال: " قد أوردنا في هذا الكتاب من شنعهم أشياء تقشعر منها الجلود، ولولا ان الله تعالى نصَّ علينا من كفرهم ما نصَّ.. لما استجزنا ذكر ما يقولون؛ لشنعته وفظاعته. ولكننا اقتدينا بكتاب الله عز وجل في بيان كفرهم، والتحذير منهم ".[SUP]([/SUP][3][SUP])[/SUP]
المطلب الثاني: دراسة نقدية لرد ابن حزم على ابن النغريلة:
بدأ ابن حزم الرد بمقدمة شكا فيها إلى الله تعالى تشاغلَ الناس عن العدو اليهودي الخطير، ذاك " العدو من عصابة لا تحسن إلا الخبث، مع مهانة الظاهر؛ فيأنس المغتر إلى الضعف البادي، وتحت ذلك الختل والكيد والمكر ".[SUP]([4])[/SUP]
وبهذا يحث الناس على عدم التهوين من شأن الشبهات التي يطرحها ذاك العدو، ثم ختم رده ببيان أنه اقتدى - في رده على عصابة اليهود - " بكتاب الله عز وجل في بيان كفرهم، والتحذير منهم ".[SUP]([5])[/SUP]
وبين المقدمة والخاتمة أخذ يرد على شبهات ابن النغريلة، في ثمانية فصول بحسب التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى:
دعوى التناقض بين آيتي سورة النساء: " ..وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.. (78) مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ.. (79) ". فكأنه في الآية الثانية صحّح مقولة الكفار التي زعموها في الآية الأولى.
عرض رد ابن حزم:[SUP]([6])[/SUP]
رد عليه ابن جزم بالدعوة إلى قراءة الآية الكريمة قراءة ظاهرية؛ فإنك ستفهم المراد منها بادي الرأي بلا تأويل، وبيان ذلك أن الكفار يقولون: " إن الحسنات[SUP]([7])[/SUP] الواصلة إلينا هي من عند الله عز وجل، وإن السيئات التي ستصيبنا هي من عند محمد e "، فأكذبهم الله تعالى في ذلك، وبيَّن وجه ورود حسنات الدنيا وسيئاتها - على كل مَن فيها - بأن الحسنات السارة هي من عند الله تعالى - بفضله على الناس -، وأن كل سيئة يصيب الله تعالى بها إنساناً في دنياه فمن قِبَل نفس المصاب بها - بما يجني على نفسه من تقصيره فيما يلزمه من أداء حق الله تعالى الذي لا يقوم به أحد -.
وكل ذلك من عند الله تعالى جملةً، فأحد الوجهين - الحسنات - فضلٌ من الله تعالى، مجرَّدٌ لم يستحقه أحد على الله تعالى. والوجه الثاني - السيئات - تأديب من الله تعالى، أوجبَه على المصاب بها تقصيرُه عمَّا يلزمه من واجبات ربه تعالى.
ثم وضح كيف أن ابن النغريلة لم يفرق بين ما أوجبه الله تعالى (مِن أنَّ كل من أصابته سيئة فمن نفسه)، وبين ما ذكر الله تعالى من قول الكفار لمحمد e: (إن ما أصابهم من سيئة فمنك يا محمد).
ثم ختم رده لهذه الشبهة ببيان تناقضات موجودة في التوراة المحرفة حين تحدث موسى [نبي التوراة المحرفة][SUP] ([8])[/SUP] عن تأثير التوبة عن الذنوب على فاعلها وعلى غيره فقال: " يغفر الذنب والسيئة لكنه لا يبرئ بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع "،[SUP]([9])[/SUP] ولكن ذلك يخالف إن الرب قال لموسى: " لا تقتل الآباء لأجل الأبناء، ولا الأبناء لأجل الآباء، ألا كل واحد يُقتل بذنبه ".[SUP]([10])[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
جاء رد ابن حزم جيداً، وموافقاً لما ذكره أكثر العلماء،[SUP]([11])[/SUP] وكان من المفيد ذِكر سبب النزول: " نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنه لما قدم رسول الله e المدينة عليهِم قالوا: ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه. قال ابن عباس: ومعنى " مِنْ عِنْدِكَ " أي بسوء تدبيرك. وقيل: "مِنْ عِنْدِكَ " بشؤمك، كما ذكرنا، أي بشؤمك الذي لحقنا، قالوه على جهة التطيُّر. قال الله تعالى: "قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ " أَي الشدة والرخاء والظفر والهزيمة من عند الله، أي بقضاء الله وقدره. " فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ " يعني المنافقين " لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً " أي ما شأنهم لا يفقهون أن كلا من عند الله؟ ".[SUP]([12])[/SUP]
ويرى الباحث أن الرد سيكون أقوى لو ذكر ابن حزم سبب النزول، ثم أتبعه بمعتقد المسلمين في القدر، وعقيدة أهل السنة والجماعة في خلق أفعال العباد، بأن " الشر في الحقيقة ليس في فعل الله نفسه، بل في مفعولاته، فالمفعولات هي التي فيها خير وشر، أما الفعل نفسه فهو خير، ولهذا قال الله عز وجل [في سورة الفلق]: " قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) "، أي: من شر الذي خلقه الله.
فالشر إنما يكون في المفعولات لا في الفعل نفسه، أما فعل الله فهو خير. ويدلك لهذا أنه لو كان عندك مريض وقيل له: إن من شفائه أن تكويه بالنار، فكويته بالنار، فالنار مؤلمة بلا شك، لكن فعلك هذا ليس بشر، بل هو خير للمريض، لأنك إنما تنتظر عاقبة حميدة بهذا الكي، كذلك فعل الله للأشياء المكروهة والأشياء التي فيها شر هي بالنسبة لفعله وإيجاده خير، لأنه يترتب عليها خير كثير ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][13][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
أما ما ذكره من تناقض التوراة حول محاسبة الأبناء على أوزار الآباء: فجيد. ومثله ما ورد في سفر إرميا (31/30): " كل واحد يموت بذنبه "، ولكن ناقضه ما ورد في السفر ذاته، بعد إصحاح واحد (32/18): " صانع الإحسان لألوف ومجازي ذنب الآباء في حضن بنيهم بعدهم ".
وفي هذا تناقض ظاهر إضافة إلى كونه ظلم محض؛ إذ إنه في أحد مَوضعي التناقض قال: إنه يقتصُّ من البريء عن غيره.
ومن الجيد لمحاججته : إبراز نصوص من الكتب المقدسة لليهود تنسب الشر إلى ربهم، منها:
1. ورد في سفر إشعيا (63/17): " لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك قسيت قلوبنا عن مخافتك ".
2. أضل الربُّ فرعونَ فقال: " إني أقسِّي قلب فرعون " (سفر الخروج 7/3).
3. جاء في المزامير (146/9): " الرب يحفظ الغرباء يعضد اليتيم والأرملة أما طريق الأشرار فيعوجه ".
4. ورد في سفر حزقيال (14/6): " النبي إذا ضل وتكلم بكلام، فأنا الرب أضللت ذلك النبي "، ثم جاء فيه (14/9): " أنا الرب أضللت ذلك النبي ". وفي (20/25): " وأعطيتهم أيضاً فرائض غير صالحة وأحكاماً لا يحيون بها ونجستهم بعطاياهم ".
5. في سفر إرميا (18/11): " قال الرب ها أنذا مصدر عليكم شراً وقاصد عليكم قصداً ".
6. في سفر عاموس (3/6): " هل تحدث بليَّة في مدينةٍ والرب لم يصنعها "، وفيه (8/10): " يقول السيِّد الرب: إني أُغيِّب الشمس في الظهر، وأُقتِّم الأرض في يوم نور، وأُحوِّل أعيادكم نوحًا، وجميع أغانيكم مراثي ".
ويشرح البابا شنودة الثالث معنى نسبة الشر إلى الرب: " إن كانت كلمة " الشر " معناها: الضيقات، فمن الممكن أن تصدر عن الله، يريدها أو يسمح بها؛ تأديباً للناس أو حثاً لهم على التوبة.. وحين يجلب الله شراً على أمة، يقصد بهذا وضعها تحت عصا التأديب بالضيقات والضربات التي يراها الناس شراً ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][14][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
الشبهة الثانية:
دعوى اختلاف ترتيب أولية خلق السماء والأرض بين قوله تعالى في سورة النازعات: " أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) "، اختلافها مع قوله تعالى في سورة البقرة: " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ.. (29) ".
عرض رد ابن حزم:[SUP]([15])[/SUP]
يرى ابن حزم أن هذه الشبهة كسابقتها يكفي الرد عليها بإمرار المَوضعين على العقل لمرة واحدة والأخذ بظاهر كل منها ليتبين لك الحق، فالله تعالى ذكر في سورة النازعات أنه بنى السماء ورفع سمكها، وأنه بعد ذلك أخرج ماء الأرض ومرعاها وأرسى الجبال فيها. ثم ذكر تبارك وتعالى في سورة البقرة تسويته للسماوات سبعاً، وأن ذلك كان بعد خلقه كل ما في الأرض.
وقع التناقض عند الذي لم يفرق بين أن الله تعالى سوَّى السماء ورفعِ سمكها، وبين أنه سوّاهن سبع سماوات، فإنما أخبر تعالى أن تسوية السماء جملة واختراعها كان قبل دحو الأرض، وأن دحوه الأرض كان قبل تقسيم السماء إلى سبع طبقات.
ثم ذكر تناقض التوراة مع العقل في خلق الإنسان مختلفاً عن الرب بالعلم والخلود، ثم يخاف الرب من أن يأكل من الشجرة فيكون عالماً خالداً.
نقد رد ابن حزم:
هذا الرد منطقي واضح حاسم لا إشكال فيه، وقد سبق ابن عباس رضي الله عنها الرد به على نافع بن الأزرق[SUP]([16])[/SUP] في حديث طويل[SUP]([SUP][17][/SUP][/SUP])، والرد به ذكره أكثر العلماء.[SUP]([18])[/SUP]
" فالآيتان ترشدان إلى أن الله تعالى خلق الأرض أولاً ثم خلق السماوات بعد ذلك، ثم عاد إلى الأرض فمهدها ودحاها.. ثم فسر التمهيد بما لا بد منه في تأتي سكناها من أمر المآكل والمشارب، وإمكان القرار عليها فقال: " أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاهَا " أي: فجّر منها العيون والينابيع والأنهار، وأنبت فيها النبات سواء أكان قوتاً لبني آدم كالحب والثمر، أم قوتاً للأنعام والماشية كالعشب والحشيش ".[SUP]([/SUP][SUP][SUP][19][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
وتلخيص ذلك أن الله تبارك وتعالى شاء وقدَّر أن يخلق الكون؛ فتمَّ خلقه على مراحل:
المرحلة الأولى: خلقُ الأرض.
المرحلة الثانية: بناء السماء ورفع سمكِها.
المرحلة الثالثة: دحو الأرض (تهيئتها بجعلها صالحة للمعاش).
المرحلة الرابعة: الاستواء إلى السماء وتقسيمها إلى سبع طبقات.
فاكتمال خلق الأرض وتسويتها كان قبل اكتمال بناء وتسوية السماوات سبعاً.
إلا أن الباحث يرى أن ما ذكره ابن حزم بعد دفعه الشبهة الثانية - من تناقض للتوراة في خوف الرب من خلود الإنسان رغم أنه ابتداءً حين خلقه جعله ليس بخالدٍ - ليس في مكانه، بل الأصح والأليق بمقتضى السياق أن يذكر تناقضها في ابتداء خلق الكون.
فقصة بدء الخلق في الإصحاح الأول من سفر التكوين، تتناقض مع الرواية الورادة في الإصحاح الثاني منه في مواضع عدة، منها:
1. يُفهم من الإصحاح الأول (1/25-27) أن خلق الدواب متقدم على خلق الإنسان، بينما الإصحاح الثاني (2/7-19) يضع خلق الإنسان قبل الدواب؛ فالرب خلق العشب بعد خلقه الإنسان.
2. يفهم من الإصحاح الأول (1/21-25) أن خلق الطيور سابق لخلق الحيوانات؛ حيث خلقت الطيور في اليوم الخامس والحيوانات في اليوم السادس. بينما يُفهم من الإصحاح الثاني (2/19) أنهما خلقا معاً في الوقت ذاته.
3. يفهم من الإصحاح الأول (1/27) أن آدم وحواء خلقا معاً في الوقت نفسه، بينما يفهم من الإصحاح الثاني (2/20-22) أن آدم خلِق قبلها.
4. يُفهم من الإصحاح الأول (1/10) أن الأرض في بداية الخلق كانت مغطاة بالمياه، بينما الإصحاح الثاني (2/ 17) يشير إلى أن الأرض كانت جافة.
بل إنك تجد التناقض في الإصحاح الأول ذاته من سفر التكوين في مواضع شتى، مثلا: عند الحديث عما خلق الرب في اليوم الأول (1/3) " وقال الله: ليكن نوراً، فكان نور ". ثم نقرأ عما خلق الرب في اليوم الخامس (1/14) " وقال الله لتكن أنوارٌ في جَلَد السماء ". فهل خلق الشمس والنجوم في اليوم الأول أم الخامس؟
الشبهة الثالثة:
ذكر ابن النغريلة آيات من سورة فصلت: " .. خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ ..(12) "، ثم ذكر قوله قوله تعالى: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ " [ق: 38].
يزعم ابن النغريلة أن سورة فصلت جعلت زمن خلق السماوات والأرض ثمانية أيام:
- يومان لخلق الأرض (آية: 9)
- أربعة أيام لتقدير أقواتها (آية: 10)
- يومان لخلق السماوات (آية: 12).
وعلى هذا يكون المجموع ثمانية أيام، وهذا يناقض الآيات التي جعلتها ستة أيام (الأعراف: 54، يونس:3، هود: 7، الفرقان: 59، السجدة: 4، ق: 38، الحديد: 4).
عرض رد ابن حزم:[SUP]([/SUP][SUP][SUP][20][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
اليومان اللذان خلق الله فيهما السماوات داخلان في يومين من الأربعة التي قدر فيها أقوات الأرض؛ لأن التقدير غير الخلق، فالخلق: الاختراع والإبداع وإخراج الشيء من العدم إلى الوجود. بينما التقدير: ترتيب وإحكام الأشياء الموجودات بعد إيجادها.
ثم ذكر النص الشهير في التوراة بأن الرب استراح في اليوم السابع من بدء الخلق.[SUP]([21])[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
رد ابن حزم صحيح واضح، ذكره العلماء،[SUP]([22])[/SUP] لا ينقصه إلا بيان أن أصل شبهة ابن النغريلة عدم معرفته بأساليب العربية وتفننها في الكلام؛ فتتمة الأيام الأربعة بدخولها في اليومين أسلوب تعرفه العرب، كقولك: " خرجت من البصرة إلى بغداد في عشرة أيام، وإلى الكوفة في خمسة عشر يوما، أي في تتمة خمسة عشر يوماً ".[SUP]([23])[/SUP]
وليت شعري كيف سكت العرب الأقحاح زمن النبوة عن هذه الشبهة ولم ينتبهوا لها رغم شدة حاجتهم لأي حجة ينتقصون بها من مقام جلال هذا الكتاب الكريم، هل غفل عنها أقحاح العرب وتنبه لها أعجمي لا يعرف من العربية إلا رسمها؟!
يقال لابن النغريلة ولأمثاله: " قدِّروا أنَّ [محمداً e] لم يكن نبياً، وقدِّروا أنْ كان نازل الدرجة في الفصاحة والبلاغة، وقدِّروا أنْ كان لا يتكلم إلا خطأً.. أوَ قد بلغتم من العمى إلى حيث لم تقدروا أنْ يتبين لكم أنه عاش مدة مديدة بين أولياء وأعداء؟.. ألم يكن له وليٌّ فينبهه - فعلَ الأولياء ـ؛ إبقاءً عليه أن يُنسَب إلى نقيصة ؟ ولا عدو فينقص عليه ؟ ".[SUP]([24])[/SUP]
أما ختام ابن حزم الرد على الشبهة الثالثة ببيان عقيدتهم في استراحة ربهم بعد إتمام الخلق في ستة أيام، فصحيح من جهة تناقضه مع تنزه الرب عن صفات نقص البشر، ويُضاف إليه: تناقضه مع نصوص التوراة ذاتها، كالوارد في سفر إشعيا (40/28) بأن الرب لا يتعب: " إله الدهر الرب خالق أطراف الأرض لا يكل ولا يَعيا ؟ ".
الشبهة الرابعة:
دعوى تناقض قوله تعالى في سورة المرسلات: " هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) "، مع قوله تعالى في سورة النحل: " يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (111) ".
عرض رد ابن حزم:([25][SUP])[/SUP]
جاء رد ابن حزم من طريقين:
الأولى: إن المنع من النطق المذكور في آية المرسلات إنما هو في بعض مواقف يوم القيامة، بينما الجدال المذكور في آية النحل في موقف آخر مما يتلو ذلك اليوم نفسه، تأمل سياق آية المرسلات: " انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (29) انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ (30) لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ (31) إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ (32) كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ (33) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (34) هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ (35) وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ (36) " أي لا يأذن لهم أن يعتذروا فيه بعذر.
فصح أن اليوم الذي لا ينطقون فيه بعذر إنما هو يوم إدخالهم النار، وهو أول اليوم التالي ليوم الحساب: يوم جدال كل نفس عن نفسها.[SUP]([26])[/SUP]
الطريق الثانية: المقصود بآية المرسلات: نفي قبول الله معاذير الخلق؛ فقد أرسل إليهم الرسل وبيَّن لهم الحجة في الدنيا.
أما ما ذكرته آية النحل من مجادلة فإن المقصود بها مجادلة الخلق بعضهم بعضاً؛ فالله تعالى لا يجادل، وإنما يجادل الناس بعضهم بعضاً، فكل أحد حينئذ يجادل من ظلمه ليقتص منه. ([27])
ثم ذكر ابن حزم تناقض اليهود في اعتقادهم مرة بالحساب الأخروي ومرة بتناسخ الأرواح في الدنيا.[SUP]([28])[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
إن رد ابن حزم حازم قاطع، ويضاف إليه أن منشأ الخطأ عند ابن النغريلة ظنه استغراق عدم نطقهم ليوم القيامة كله، وهذا من عدم فهمه للخطاب العربي، فالعرب " لا تُضيف اليوم إلى فعل يُفعل، إلا إذا أرادت الساعة من اليوم والوقت منه، وذلك كقولهم: آتيك يومَ يقدمُ فلان، وأتيتك يوم زارك أخوك، فمعلوم أن معنى ذلك: أتيتك ساعة زارك، أو آتيك ساعة يقدُم، وأنه لم يكن إتيانه إياه اليوم كله ".[SUP]([29])[/SUP]
ويرى الإمام أحمد أن ترتيب سكوتهم ثم كلامهم وجدالهم بحسب أهوال يوم القيامة كما يلي:[SUP]([30])[/SUP]
المرحلة الأولى: بُعَيد البعث والنشور: " هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ " [المرسلات: 35]، وذلك أول البعث من القبور حيث يسكتون " وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ " [المرسلات: 36].[SUP]([31])[/SUP]
المرحلة الثانية: يؤذن لهم بالكلام فيتكلمون، وعندها تبدأ معاذيرهم: " رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ.. " [السجدة: 12] ومنهم مَن يقول: " وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.." [الأنعام: 23]. وتبرأ " الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ " [البقرة: 166]، فيحصل الخصام فيُقال لهم: " لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ " [ق: 28].
قال السكاكي: " ولو عرفوا شروط التناقض لما قالوا ذلك، أليس من شروط التناقض اتحاد الزمان واتحاد المكان واتحاد الغرض وغير ذلك مما عرفتَ؟.. وعُرف بالأخبار أن يوم القيامة مشتمل على مقامات مختلفة؟ فإذا احتمل أن يكون السؤال في وقت من أوقات يوم القيامة ولا يكون في آخر أو في مقام من مقاماته ولا يكون في آخر أو بقيد من القيود كالتوبيخ أو التقرير أو غير ذلك مرة وبغير ذلك القيد أخرى فكيف يتحقق التناقض؟".[SUP]([32])[/SUP]
أما تناقض اليهود وحيرتهم بين إثبات الجزاء الأخروي وتناسخ الأرواح في الدنيا، فقد فصَّل الحديث عنه " يُسر محمد سعيد مبيض " في كتابه: " اليوم الآخر في الأديان السماوية "،[SUP]([33])[/SUP] وذكر فيه ما يُبين أن النصوص بخصوص ذلك متناقضة إلى حد كبير. وعلَّل د. عبدالوهاب المسيري سبب هذا الاضطراب بتطور معتقدات اليهود بعد السبي البابلي حين ظهرت فكرة الثواب والعقاب الفرديين، بحيث أصبحت شيول [جهنم] المكان الذي ينتظر فيه الموتى يوم الحساب حين يُبعثون ليُحاسَبوا.[SUP]([/SUP][SUP][SUP][34][/SUP][/SUP][SUP])[/SUP]
الشبهة الخامسة:
دعوى التناقض بين ما ورد في سورة الرحمن: " فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) " وما ورد في سورة الأعراف: " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) ".
عرض رد ابن حزم:[SUP]([35])[/SUP]
آية الرحمن معناها أن اليهودي إذا دخل جهنم فلن يسأله أحد عن ذنبه (لن يحاسَب)؛ لأن مرحلة الحساب قد انتهت ودخل في مرحلة جديدة وهي مرحلة العذاب، بينما آية الأعراف تتحدث عن السؤال في مرحلة الحساب.
ثم ذكر نصاً من التوراة يثبت لربهم البداء[SUP]([/SUP][36][SUP])[/SUP] حين أراد الرب إهلاك بني إسرائيل لرفضهم قتال الكنعانيين، فاستدرك عليه موسى بقوله: " اذكر إبراهيم وإسحق وإسرائيل عبيدك الذين حلفت لهم بنفسك وقلت لهم: أكثر من نسلكم كنجوم السماء، وأعطي نسلكم كل هذه الأرض التي تكلمت عنها فيملكونها إلى الأبد؛ فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه ".([37])
نقد رد ابن حزم:
يقصد ابن حزم في رده على الشبهة بأن يوم القيامة مراحل مختلفة، ففي بعضها يُسألون وفي بعضها لا يُسألون، لكل مرحلة من المراحل أحوالها ومشاهدها الخاصة بها، ومن يتتبع سياق الآيات الكريمة موضع الشبهة، يجد أن كلاً منها يتحدث عن موقف مستقل من مواقف يوم القيامة، وبه رد بعض العلماء.[SUP]([38])[/SUP]
لكن يمكن الاستدراك على رد ابن حزم بوجود نصوص تتحدث عن سؤال خزنة جهنم للكافرين سؤال توبيخ، قال تعالى في سورة الملك: " وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) ".
لذا فالأفضل الجواب عن الشبهة الخامسة بأن السؤال في مرحلة العذاب ليس سؤال استخبار بل توبيخ.
فالسؤال قسمان: سؤال توبيخ وتقريع، وأداته غالباً (لِمَ). وسؤال استخبار واستعلام، وأداته غالباً (هَل). فالمثبت هو سؤال التوبيخ والتقريع، والمنفي هو سؤال: الاستخبار والاستعلام.
وسؤال العصاة والمشركين - المنصوص في القرآن الكريم - كله توبيخ وتقريع كقوله: " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ " [الصافات: 24]، وكقوله: " أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ " [الطور: 15]، وكقوله: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ " [الزمر: 71]، وكقوله: " أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ " [الملك: 8].. إلى غير ذلك من الآيات.
بينما سؤال الله للرسل: " مَاذَا أُجِبْتُمْ " [المائدة: 109]؟ لتوبيخ الذين كذبوهم، ومِثله سؤال المظلوم توبيخاً للظالِم كسؤال الموؤودة: " بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ " [التكوير: 9] لتوبيخ قاتلها.[SUP]([SUP][39][/SUP][/SUP])
أما اتهام الرب بالبداء في التوراة فنصوصه كثيرة، منها:
1. أنه ندم حين خلق الإنسان " .. فحزنَ الرب أنه عمِل الإنسان في الأرض وتأسف في قلبه " (التكوين: 6/6). وانظر (إرميا: 26/13 وصموئيل الثاني: 24/16 وعاموس: 7/3).
2. تأمل سبب ندم الرب في القصة الواردة في سفر صموئيل الأول: يحارب (شاول) العماليق بجيش كبير وينتصر عليهم ويقتلهم بحد السيف. ولكنه يعفو عن ملكهم (أجاج) وعن خيار الغنم والبقر والحملان. (15/9). وذاك العفو يغضب الرب، ويُعلم صموئيل بأنه ندم على اختياره ملكاً: " إني قد ندمت على إقامتي شاول ملكاً لأنه مال عن اتباعي ولم يقم كلامي". (15/11).
3. وأشنع من البداء: الخداع بنقض العهد! جاء سفر زكريا (11 / 10-11): " فأخذت عصاي نعمة وقصفتها لأنقض عهدي الذي قطعته مع كل الأسباط، فنقض في ذلك اليوم وهكذا علم أذل الغنم المنتظرون لي إنها كلمة الرب ".
وتأمل عهد الرب لداود في سفر إرميا (33 /17): " لأنه هكذا قال الرب: لا ينقطع لداود إنسان يجلس على كرسي بيت إسرائيل ". أي: لا ينقطع نسل داود من الملوك الجالسين على كرسي حكم إسرائيل، ولكن... ورد في الإصحاح 33 عدد 21 ما يلي: " فإن عهدي أيضاً مع داود عبدي ينقض فلا يكون له ابن مالكاً على كرسيه ".
وبهذا يكون رب اليهود دائراً بين البداء والخداع، فبأي الصفتين يتصف ؟
الشبهة السادسة:
قال تعالى في سورة يونس: " فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ.. (94) ". فهل كان النبي في شك؟
عرض رد ابن حزم:[SUP]([/SUP][40][SUP])[/SUP]
أجاب ابن حزم بأنَّ (إنْ) هذه الآية ليست التي بمعنى الشرط، وإنما معناها هنا: الجحد، أي بمعنى (ما)، وهذا المعنى هو أحد موضوعاتها في اللغة العربية.
ثم ذكر نصوصاً من القرآن الكريم فيها (إن) بمعنى (ما) كقوله تعالى: " إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [الأعراف: 188]، وقوله: " قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ " [إبراهيم:11]، وبه قال عدد من العلماء.[SUP]([41])[/SUP]
ثم استهزأ ابن حزم مِن حرص ابن النغريلة على تنزيه الأنبياء ذاكراً أمثلة على فعل أنبياء بني إسرائيل لما هو أسوأ من الشك، كالاعتراض على أمر الله تعالى، بل ومصارعته!
فقد راجع موسى ربه إذ أراد إرساله وقال: من أنا حتى أمضي إلى فرعون؟[SUP]([42])[/SUP] وصارع يعقوب ربه[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
فات ابن حزم ذكر الجواب الأشهر بأن الخطاب هنا للرسول e والمقصود أمته، والهدف منه: استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم.[SUP]([44])[/SUP]
قال الرازي: " الخطاب مع النبي عليه الصلاة والسلام في الظاهر، والمراد غيره كقوله تعالى: " يَا أَيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلاَ تُطِعِ الكَافِرِيْنَ وَالمُنَافِقِين " [الأحزاب: 1] وكقوله: " لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ " [الزمر:65] وكقوله: " يَا عِيْسَى ابنَ مَرْيَمَ أَأنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ " [المائدة: 116] ومن الأمثلة المشهورة: إياك أعني واسمعي يا جارة.
والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه:
الأول: قوله تعالى في آخر السورة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنتُمْ فِيْ شَكٍّ مِنْ دِينِي " [يونس : 104]؛ فبيَّن أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز، هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح.
الثاني: أن الرسول e لو كان شاكَّاً في نبوة نفسه، لكان شكِّ غيره في نبوته أولى وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية.
والثالث: أن بتقدير أن يكون شاكاً في نبوة نفسه، فكيف يزول ذلك الشك بأخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم في الأكثر كفار وإن حصل فيهم من كان مؤمناً، إلا أن قوله ليس بحجة لا سيما وقد تقرر أن ما في أيديهم من التوراة والإنجيل، فالكل مصحَّفٌ محرَّف.
فثبت أن الحق هو أن الخطاب، وإن كان في الظاهر مع الرسول r إلا أن المراد هو الأمة " يا رب لا أشكُّ ولا أطلب الحجة من قول أهل الكتاب، بل يكفيني ما أنزلته عليَّ من الدلائل الظاهرة ". ونظيره قوله تعالى للملائكة: " أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ " [سبأ: 40] والمقصود أن يصرحوا بالجواب الحق ويقولوا: " سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن " [ سبأ : 41 ] وكما قال لعيسى u: " أأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُوْنِيْ وَأُمّيَ إلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ " [المائدة: 116]. والمقصود منه أن يصرِّح عيسى u بالبراءة عن ذلك فكذا ههنا ".[SUP]([SUP][45][/SUP][/SUP])
وقد " استجازت العرب قول القائل منهم لمملوكه: " إن كنت مملوكي فانته إلى أمري " والعبد المأمور بذلك لا يشكُّ سيدُه القائل له ذلك أنه عبده. كذلك قول الرجل منهم لابنه: " إن كنت ابني فبرَّني "، وهو لا يشك في ابنه أنه ابنه، وأنّ ذلك من كلامهم صحيح مستفيض فيهم ".[SUP]([46])[/SUP]
أما نسبة التوراة النقائص إلى الأنبياء فهي أكثر من الحصر، من أشهرها:
1. النبي نوح يسكر ويتعرى ويرى ابنه (حام) عورته، فيلعن نوحٌ ابنَ حام: كنعان، دون غيره من أبناء حام! (سفر التكوين/9).
2. النبي إبراهيم يضحِّي بشرفه وشرف زوجته سارة مرتين: مرة مع فرعون (سفر التكوين 12/ 11-16)، ومرة مع أبيمالك (ملك الفلسطينيين) (سفر التكوين 20/ 1-12).
3. النبي إبراهيم يسجد للشعب الحثي الوثني؛ شكراً لهم لأنهم سمحوا له بدفن زوجته سارة (سفر التكوين 23/7).
4. سُكر النبي لوط ثم إغمائه من شدة السكر، وزناه بابنتيه[SUP] - [/SUP]وعدم إنكاره حملهما بدون زواج بعد ذلك - (سفر التكوين 19/ 30-38).
وقبل ذلك: سجوده لضيوفه الملائكة (19/1)، وتقديم ابنتيه لقومه ليفعلوا بهما الفاحشة (19/8).
5. النبي يهوذا يزني بثامار زوجة ابنه (سفر التكوين، الإصحاح 38)، ومن ثم يشهد لها بالصلاح.
6. النبي رأوبين يزني بزوجة أبيه بلهة (سفر التكوين 35/ 22 و 49/ 3-4).
7. النبي داود لا يستطيع النوم إلا في حضن فتاة عذراء (سفر الملوك الأول 1/ 1-4).
8. النبي داود ينظر إلى زوجة صديقه بشهوة، ويتسبب بمقتل زوجها ليتزوجها هو (سفر صموئيل الثاني، الإصحاح الحادي عشر).
9. النبي داود يرقص عارياً أمام تابوت العهد المقدس، والعبيد يشاهدونه، وزوجته تذم رقصه المبتذل. (صموئيل الثاني 6/20).
10. ابن النبي يزني بأخته، والنبي لا يعاتبه: - أمنون بن داود يزني بأخته ثامار أخت أبشالوم بن داود - (سفر صموئيل الثاني، الإصحاح الثالث عشر).
11. النبي حزقيال يشجع النساء على الزنى والفجور (سفر حزقيال 16/ 33-34).
12. النبي شاول يُزوِّج ابنته للنبي داود، وهي لم تُطلَّق من زوجها الأول: (سفري صموئيل الأول 25/ 44 وصموئيل الثاني 3/ 14-16). ويذهب إلى عرَّافةٍ متنكراً، ويطلب منها التعامل مع الجن لأجله (سفر صموئيل الأول 28/9)، ثم ينتحر (سفر صموئيل الثاني 1/4-11).
13. النبي شمشون ذهب إلى غزة، ورأى هناك امرأة زانية، فدخل إليها (سفر القضاة 16/ 1).
14. النبي أبشالوم قتل أخاه (سفر صموئيل الثاني 13/1-29)، وقاد حرباً ضد أبيه النبي داود (صموئيل الثاني 18/1-17).
15. النبي أليشع يلعن أطفالاً صغاراً - باسم الرب - لأنهم نادوه يا أقرع، فتخرج دُبَّتان تأكلان منهم اثنين وأربعين طفلاً (الملوك الثاني 2/23).
16. بل إن كثيراً من أنبيائهم عَبدوا الأوثان من دون الله، ومنهم: هارون (خروج32/1-6)، وسليمان (الملوك الأول11/9)، وجدعون (قضاة8/24-28)، وآحاز (16/2-4)، ويربعام (الملوك الأول14/9)، وبعشا (الملوك الأول15/33)، ويفتاح الجلعادي (قضاة 11/30)، وأخاب بن عمري (الملوك الأول16/31-33)، ويهورام (الملوك الثاني3/1-25)، وأمصيا (أخبار الأيام الثاني25/14).
لهذا لا تتعجب إن غضِب الرب على (كل) أنبيائه، كما في سفر إرميا [23/11-13]: " لأن الأنبياء والكهنة تنجسوا جميعاً بل في بيتي وجدت شرهم يقول الرب. وقد رأيت في أنبياء السامرة حماقة. تنبؤوا بالبعل وأضلوا شعبي ".
فصدق عليهم ما ورد في سفر حزقيال [13/4]: " أنبياؤك يا إسرائيل صاروا كالثعالب في الخرب ".
أبعدَ كل هذا يزعم يهود أنهم الحريصون على عصمة الأنبياء، والأعلم بما يقتضيه مقام النبوة ؟[/SUP]
إن كل عاقل يشهد بأن القرآن الكريم أعاد الاعتبار لمقام النبوة والأنبياء، مزيلاً ما سبَّبه كتابهم المقدس من مفاهيم غامضة مشوَّهة لمفهوم النبوة، وطعنها بصلاحية الأنبياء لتقديم القدوة والمثل الصالح للناس.
الشبهة السابعة:
ذكر الله تعالى في سورة النحل أن في العسل " فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ.. (69) ". ولكن العسل يؤذي المحمومين.
عرض رد ابن حزم:[SUP]([48])[/SUP]
رد ابن حزم بأن الله تعالى لم يقل: العسل شفاء كل علة، ثم ذكر بعضاً من فوائد العسل الطبية المعروفة في زمانه.
ثم حاجَّ اليهودي بنص موجود عندهم يعد الله فيه بني إسرائيل بأرض الميعاد التي تفيض عسلاً ولبناً،[SUP]([49])[/SUP] فكيف يَعد خاصة شعبه بما يضرهم؟
نقد رد ابن حزم:
وكان الأليق أن يذكر له نصاً من التوراة فيه فائدة العسل بكونه كان يستخدم في بعض العلاجات، يقول سليمان الحكيم في سفر الأمثال (16/24): " الكلام الحسن شهد عسل حلو للنفس وشفاء للعظام ".
ولا يخفى على المطَّلعين وجود فوائد لا تحصى للعسل، من أبرزها:[SUP] ([SUP][50][/SUP][/SUP])
1. الفيتامينات الموجودة في العسل تشمل أكثر ما يحتاجه جسم الإنسان من فيتامينات وهي: (أ، ب1، ب2، ب3، ب5، ب6، ك). والفيتامينات المستخلصة من العسل يمتصها الجسم بسهولة خلال ساعة من تناول العسل، خلافاً للفيتامينات التي نحصل عليها من مأكولات أخرى.
2. يحتوي على مادة الديوتيريوم (هيدروجين ثقيل) المضادة للسرطان.
3. يزيد السكر الحيوانى (جليكوجين) في الكبد. وهو منبع الطاقة في جسم الكائن الحي.
4. يحسن عملية بناء الأنسجة والتمثيل الغذائي.
5. يقوي الجهاز الدوري.
6. يزيد من مقاومة الكبد للتسمم.
7. يزيد من المقاومة المضاد للأكسدة في جسم الإنسان.
8. يحارب القمل وبيوضه.
9. يستخدم عقب العمليات الجراحية كمنعش قلبي.
10. يساعد على تنظيم عمل جميع الأعضاء الهضمية المضطربة.
11. يساعد في علاج: قشرة الرأس، التهاب الجلد الدهني، التهاب القصبات الهوائية، تسمم الحمل، التهاب المعدة، التهاب القولون، الجروح الملتهبة، أمراض اللثة وتقرحات الفم، التهابات عضلة القلب.
لكن الأقرب إلى هذا مقصود هذا البحث ما قال الأديب عباس محمود العقاد[SUP]([/SUP][51][SUP])[/SUP]: " إنَّ العقل السليم لا يتقبل الحكم على الشيء بالغباوة والقداسة لعلة واحدة، في وقت واحد. فإن تقبَّل العقل ذلك، فلا بد من سبب يوقعه في هذا الاضطراب باختياره، وأكثر ما يكون ذلك السبب مرضاً من أمراض الجنون، أو هوىً دفيناً.. يحمله على المغالطة، ويعجزه عن مقاومتها، أو خداعاً مقصوداً يعرفه العاقل بينه وبين نفسه ويصطبغه مع غيره؛ لغشه والاحتيال عليه..
ولسنا نخطِّئ في جماعة المبشرين المتخصصين لنقد القرآن، آفةً من هذه الآفات. فليس من المعروف أن أحداً منهم يسلم من التخبط في التفكير، كما يتخبط المصابون بالعلل العقلية، أو يملكه التعصب الذميم فيقوده إلى المغالطة، ويُسوِّل له أن يحجب الحقيقة عن عينيه بيديه، أو يعمل عمل المحترف الذي يحتال لصناعته بما وسِعَه من وسائل الترويج والتضليل، ولا يعنيه إلا أن يعرِض بضاعته، ويهيء لها أسباب النَّفاق في السوق، وربما اكتفى من النفاق بإقناع صاحب البضاعة بصدق الخدمة في العرض والترويج ".
ثم ناقشَ شبهة للمُنصِّر (زويمر)، يزعم وجود خطأ علمي في القرآن الكريم عند حديثه عن فوائد العسل في قوله تعالى: " فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ " [النحل: 69]؛ لأنه لم يثبت - في عهده - أن للعسل فوائد طبية هامة، ثم ذكر عباس العقاد أنه بعد وفاة زويمر بتسع سنين، بيَّن الطب فوائد عظمى للعسل.. وختم بالتعليق التالي: " إن نصيب (زويمر) من هذه العِدة المعكوسة على قدر مكانته في ميدان التبشير، إلا أنها عِدة لا ترشحه لرد المسلمين عمَّا اعتقدوه. بل لعله لا يتطلب لرسالته عِدةً أوفى منها، لو أنه أراد بها تثبيت المسلمين على عقائد الإسلام ".
وهذا التعليق من العقاد يؤكد أن شبهات المشككين في القرآن الكريم - كما تبيَّن بالدليل - أوهى من أن تطعن في القرآن الكريم، وليس لها من تأثير عليه. بل نجزم بأنها تزيد الإيمان به رسوخاً، وإعجازه بياناً، ونظمَهُ تماسكاً، ونورَه نوراً. مع إثبات العجز المستمر، لمن يُريد إثباتَ خطأ القرآن الكريم وعجزه.
الشبهة الثامنة:
قال تعالى في سورة ق: " وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا .. (9) "، فكيف يكون الماء مباركاً وهو يهدم البنيان ويهلك فيضانه الحيوان؟
عرض رد ابن حزم:[SUP]([52])[/SUP]
رد ابن حزم بالتذكير بأنه لولا المياه النازلة من السماء لما وجدت الحياة على وجه الأرض، فأصل ماء الينابيع والأنهار العذبة منها، بدليل أن غزارة مياه الينابيع تزيد بزيادة النازل من المطر.
وذكَّر ابن حزمٍ ابنَ النغريلة بوجود نص في التوراة يتحدث عن بركة ماء المطر، حين وعد الرب موسى أن يسكن شعب بني إسرائيل في أرض الميعاد المباركة رغم عدم وجود نهر كالنيل فيها، فبركتها مستنبطة من بركة ماء المطر.[SUP]([53])[/SUP]
نقد رد ابن حزم:
يحار الإنسان كيف يفعل بهذه الشبهة، أيرد أم يسكت؟! فتوضيح الواضحات من أعضل المعضلات!
لكن من الناحية المنهجية فإن من المهم التنويه بعدم تسليم اليهود على رد ابن حزم بأن مصدر الماء العذب في الينابيع والأنهار أصله من ماء المطر؛ حيث يرى كتبة التوراة أن مياه الينابيع والأنهار العذبة ليس مصدرها المطر، بل تأتي من مصدر ماء آخر، عبَّرت عنه التوراة بـ: " المياه السفلية " أو " ماء الغمر العظيم " أو " اللجة الرابضة تحت "، وهي عبارة عن خزان ماء ضخم تقوم فوقه قشرة الأرض، مستقل عن ماء المطر ولا علاقة له به (انظر: سفر التكوين 7/11، وسفر التثنية 33/13، وسفر حزقيال 31/4).
ويبدو بأن ابن النغريلة قد تأثر بالصورة السلبية للماء النازل من السماء في بعض نصوص التوراة كقول الرب: " أسكب عليهم سخطي كالماء " (سفر هوشع 5/10)، ووصف يعقوب ابنه رأوبين بأنه متقلب لا يستقر: " فائر كالماء " (سفر التكوين 49/ 4)، ووصفُ سليمان الحكيمُ الفقيرَ الظالمَ كالمطر " الرجل الفقير الذي يظلم فقراء هو مطر جارف لا يبقي طعاماً " (سفر الأمثال: 28/3).
لكن تلك التشبيهات السلبية للمطر في التوراة تناقض تشبيه الرب لكلامه التعليمي به: " يهطل كالمطر تعليمي " (سفر التثنية 32/2)، وشبه الشوق إليه به " وانتظروني مثل المطر " (سفر أيوب: 29/23).
وبهذا ينتهي عرض ردود ابن حزم على شبهات ابن النغريلة ومناقشتها، وما بعد الرد على الشبهة الثامنة لا علاقة له بموضوع البحث؛ فقد أخذ يذكر كثيراً من الانتقادات لدين اليهود من أسفار توراتهم المحرفة، من باب مقارنة الأديان.[SUP]([54])[/SUP]
([1]) ص (41).
([2]) ص (42).
([3]) ص (70).
([4]) ص (42).
([5]) ص (70).
([6]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الأولى والرد عليها في ثلاث صفحات. من ص (43) إلى ص (46).
([7]) المقصود بالحسنة والسيئة هنا: الحسنة: كل ما يسر من نعمة تنال الانسان في نفسه وبدنه وأحواله، والسيئة تضادها. انظر: المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، ص (236).
([8]) في الدراسة النقدية لعقيدتهم في أنبياء كتابهم المقدس، سيتم الحديث عنهم وفق اعتقاد القوم. وإن اشتركت بالاسم معنا. فموسى النبي عندهم، ليس سيدنا موسى u عندنا، وداود الزاني عندهم، ليس سيدنا داود u.. لذا فلن يُذكَروا مسبوقين بكلمة: " سيدنا "، ولن يُقال بعد ذكرهم " u "، وهذا ما قرره مناظِروا أولئك الناس. قال القاضي أبو بكر ابن العربي: " وكنا نفاوض الكرامية، والمعتزلة، والمشبهة، واليهود. وكان لليهود بها [يعني بيت المقدس] حَبر منهم يقال له التستري.. وقد حضرنا يوماً مجلساً عظيماً فيه الطوائف، وتكلم التستري الحبر اليهودي عن دينه، فقال: اتفقنا على أن موسى نبي مؤيد بالمعجزات، معلم بالكلمات، فمن ادعى أن غيره نبي، فعليه الدليل - وأراد [اليهودي] من طريق الجدل أن يرد الدليل في جهتنا حتى يطرد له المرام، وتمتد أطناب الكلام - فقال له الفهري [الطرطوشي شيخ ابن العربي]: إن أردتَ به موسى u الذي أيِّد بالمعجزات، وعُلم الكلمات، وبَشَّر بمحمد r، فقد اتفقنا عليه معكم، وآمنا به وصدقناه، وإن أردت به موسى آخر، فلا نعلم من هو؟ فاستحسن ذلك الحاضرون، وأطنبوا بالثناء عليه، وكانت نكتة جدلية عقلية قوية، فبهت الخصم، وانقضى الحكم ". انظر كتاب: مع القاضي أبي بكر بن العربي، سعيد أعراب، ص(206).
ومثله ما وقع في مناظرة نصراني مع ابن الطلاع بقرطبة، حين سأل النصراني: ما تقول في عيسى؟ فأجاب ابن الطلاع: لعلك تريد الذي بشر بمحمد r ؟ فانقطع النصراني. انظر: عيون المناظرات، السكوني، ص (298).
وكان السكوني قد ذكر ص (230) مناظرة بين أبي الهذيل العلاف المعتزلي وأحد اليهود حين سأله اليهودي: أليس موسى نبياً؟ فأجاب: الذي أخبر بنبوة محمد r، وأمر باتِّباعِهِ، وبشَّر به، فإني أقرُّ به. وإن سألتني عن موسى آخر لا يقر بنبوة محمد r، ولا بشَّرَ به، فلست أعرفه، ولا أقرُّ به. فانقطع اليهودي ".
([9]) جاء في سفر الخروج (20/5): " افتقد ذنوب الآباء في الابناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضي ".
([10]) جاء في سفر التثنية (24/16): " لا يقتل الآباء عن الأولاد ولا يقتل الأولاد عن الآباء ".
([11]) انظر: تفاسير ابن كثير (2/359)، والشوكاني (1/565)، وابن عطية (2/82)، والبغوي (1/665)، والسمرقندي (1/345)، ومحمد رشيد رضا (5/218). وكتب: تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ص(225). والانتصار للقرآن للباقلاني (2/661). ودفع إيهام الاضطراب للشنقيطي، ص(64).
([12]) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (5/284).
([13]) شرح رياض الصالحين، محمد بن صالح العثيمين 1/214. وانظر: الفصل في الملل والنحل، لابن حزم (2/122). ومجموع الفتاوى، لابن تيمية (8/161). وشرح العقيدة الطحاوية، لابن أبي العز (2/515).
([14]) سنوات مع أسئلة الناس، البابا شنودة الثالث، ص22.
([15]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الثانية والرد عليها في صفحة واحدة. من ص(46) إلى ص(47).
([16]) هو نافع بن الأزرق الحروري: من رؤوس الخوارج.. وإليه تنسب طائفة الأزارقة، وكان قد خرج في أواخر دولة يزيد بن معاوية.. وكان إمام سوق الأهواز، ويعترض الناس بما يحير العقل في الناس.. كان يطلب العلم وله أسئلة ومناظرات مع ابن عباس - رضي الله عنهما -. قتل سنة 65 هـ. انظر: لسان الميزان، ابن حجر6/144 (506).
([17]) انظر الحديث الذي رواه البخاري في تفسير القرآن أول سورة حم السجدة [أي: فصلت] معلقاً. ووصله ابن حجر في تغليق التعليق4/301 وفتح الباري8/559، وحكم بصحته. وذكره عبد الرزاق الصنعاني بسنده في تفسيره 1/160-161 والطبري في تفسيره 4/96-97، والحاكم في المستدرك2/494-495 (3938) وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
([18]) انظر: تفاسير الخازن (4/393) وابن كثير (7/107) والشوكاني (5/458) والرازي (31/46) والقرطبي (19/204). وكتب الانتصار للقرآن للباقلاني (2/568) وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، ص(48)، والبرهان للزركشي (2/62) ودفع إيهام الاضطراب للشنقيطي، ص (252).
([19]) تفسير المراغي (30 / 31).
([20]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الثالثة والرد عليها في صفحة واحدة. من ص(47) إلى ص(48)
([21]) جاء في سفر التكوين (2/2): " وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع". وزاد سفر الخروج (31/17): " أن الرب في اليوم السابع استراح وتنفس! ".
([22]) انظر: تفاسير ابن كثير (1/214) والشوكاني (4/582) والرازي (27/545) والنسفي (3/228) والآلوسي (24/101) وابن عاشور (24/245) والشعراوي (4/2477) وكتب: الانتصار للقرآن للباقلاني (2/597) والانتصارات الإسلامية للطوفي (1/504) والبرهان للزركشي (2/62) ودفع إيهام الاضطراب للشنقيطي، ص(72).
([23]) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (15/343).
([24]) مفتاح العلوم، السكاكي، ص(708).
([25]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الرابعة والرد عليها في صفحة واحدة. من ص(48) إلى ص(49)
([26]) انظر تفاسير: الزمخشري (2/429) والرازي (18/398) وأبو السعود (4/241) والقرطبي (9/97) والآلوسي (12/139) والشعراوي (11/6681) وكتاب الانتصار للقرآن للباقلاني (2/596).
([27]) نقل الشوكاني في تفسيره (5/434) عن الحسن البصري: لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون. وانظر تفاسير: الطبري (17/560) وابن الجوزي (4/386) وكتاب معاني القرآن للزجاج (3/78).
([28]) تناسخ الأرواح: عقيدة تؤمن بها بعض فرق اليهودية كالقرائين، وتعني الإيمان بأن أرواح البشر تعود بعد الموت وتستقر في جسد إنسان آخر في الدنيا، ويسميها بعض المؤمنين بها: " تلقيح الروح " فإذا كانت الروح الهائمة روحاً مذنبة، فهي تلقي بظلالها على الشخص لتكفِّر عن سيئاتها. ولغاية الآن يذهب بعض اليهود عند قبر أحد أوليائهم في مصر (ويدعى: أبو حصيرة) أملاً في أن تحل روحه فيهم وتُسمَّى تلك العملية " شيطَّوح " أي: " التسطح على القبر". انظر: موسوعة اليهود، د. عبدالوهاب المسيري (14/275-277).
([29]) جامع البيان، الطبري (24/142).
([30]) الرد على الزنادقة والجهمية، أحمد بن حنبل، ص(3).
([31]) رأي ابن حزم بأنهم لا ينطقون ولا يؤذن لهم بالاعتذار بعد دخولهم النار - وليس بعد البعث - أقرب إلى سياق الآيات الكريمة، ويؤيده رده على الشبهة الخامسة.
([32]) مفتاح العلوم، السكاكي، ص (596).
([33]) انظر: الفصل الثالث منه: اليوم الآخر في التوراة وعقيدة اليهود، ص(50-60)، ط1، الدوحة: دار الثقافة، 1991م. وانظر: الباب التاسع عشر: الفكر الأخروي من كتاب: موسوعة اليهود، د. عبدالوهاب المسيري (14/252 - 307)
([34]) انظر: موسوعة اليهود، عبدالوهاب المسيري (14/297).
([35]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الخامسة والرد عليها في ثلاث صفحات. من ص(49) إلى ص(52)
([36]) الفرق بين نسخ الأحكام والبداء أن سبب البداء: أن يأمر الآمر بالأمر، وهو لا يدري ما يؤول إليه الحال. بينما النسخ: أن يأمر الآمر بالأمر، وهو يدري أنه سيحيله، أو سيبطله في وقت كذا، وقد سبَقَ ذلك في علمه وقضائه ". انظر: الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم (1/483).
([37]) انظر: سفر الخروج (32/13)
([38]) انظر: تفاسير الماتريدي (4/359) والشعراوي (16/10159) والشنقيطي في أضواء البيان (2/7) وتوسع فيه. وكتب: البرهان للزركشي (2/55) والإتقان للسيوطي (3/95) والانتصار للقرآن للباقلاني (2/596).
([39]) انظر: دفع إيهام الاضطراب، الشنقيطي، ص70.
([40]) وقع عرض ابن حزم للشبهة السادسة والرد عليها في ثلاث صفحات. من ص(52) إلى ص(54)
([41]) انظر تفاسير: ابن عطية (3/142) وأبي حيان (6/105) والنيسابوري (3/612) والآلوسي (4/80).
([42]) ورد في سفر الخروج (3/10-11): " فالآن هلم فأرسلك إلى فرعون وتخرج شعبي بني اسرائيل من مصر، فقال موسى لله من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر ؟ ".
([43]) انظر القصة بطولها في سفر التكوين (32/24-30).
([44]) انظر: الزيادة والإحسان في علوم القرآن، ابن عقيلة المكي 5/463.
([45]) مفاتيح الغيب، الرازي (8/346). ومثله إذا كان عندك أبناء وتخاطب أفضلهم أمام الجميع وتتوعده إن أخطأ بعقاب ما، فأنت لا تعنيه هو بالضرورة. فإن كان سيدنا محمد r - وهو حبيب الله تعالى - إذا فعل (كذا) لا تغنيه محبة الله تعالى شيئاً فكيف نحن؟ وهذا مثل الحديث الشريف: " وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا ". متفق عليه، رواه البخاري في أحاديث الأنبياء، باب حديث الغار (3475) ومسلم في الحدود باب قطع السارق الشريف.. (1688) كلاهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، مطولاً، واللفظ لمسلم.
([46]) تفسير الطبري (15/203).
([47]) علَّل أبو الحسن السبتي سبب تحريف رجال دين أهل الكتاب لقصص الأنبياء، خاصة تنقُّصهم من شرف الأنبياء الكرام، ووصفِهِم بشتى النقائص: " وغرض هؤلاء الفسقة في سرد تلك الحكايات - المورطة قائلها وناقلها في سخط الله تعالى ـ: أن يهوِّنوا الفسوق والمعاصي على بُلَه العوام، ويتسللوا إلى الفجور بالنساء بذكرها، لو ذا حصل حتى ترى المرأة تخرج من مجلس الواعظ إلى منزله، فتسأله على التفصيل، فيزيدها أقبح مما أسمعها في الجمهور، يقول لها: هذا أمرٌ ما سَلِمَ منه عظماء المرسلين، فكيف نحن؟ فلا يزال يُهَوِّنُ عليها ما كان يصعب من قبل. فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ". انظر كتابه: تنزيه الأنبياء، ص (26).
([48]) وقع عرض ابن حزم للشبهة السادسة والرد عليها في صفحتين. من ص(54) إلى ص(55)
([49]) انظر: سفر الخروج (3/8 و17). وبحسب سفر أيوب (20/17): تفيض أخاديدها بالعسل.
([50]) انظر: نحل العسل في القرآن والطب لمحمد علي البنبني، وعلى هامش الطب النبوي لعلي مؤنس، وعسل النحل شفاء نزل به الوحي لعبدالكريم الخطيب.
([51]) في مقال له بعنوان: " المبشرون نُقاد القرآن " نشره سنة 1961م، انظر: المجموعة الكاملة لأعماله 6/506-510.
([52]) وقع عرض ابن حزم للشبهة الثامنة والرد عليها في صفحتين. من ص(55) إلى ص(56)
([53]) جاء في سفر التثنية (10/10-11): " لأن الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها ليست مثل أرض مصر التي خرجت منها حيث كنت تزرع زرعك وتسقيه برجلك كبستان بقول، بل الأرض التي أنتم عابرون إليها لكي تمتلكوها هي أرض جبال وبقاع من مطر السماء تشرب ماء ".
([54]) من ص(56) إلى ص(70).