حُجِّيَّةُ خبرِ الآحادِ في العلم والعمل

الدَّلِيلُ الثَّانِيَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَدَعْوَتُهُ نَوْعَانِ: مُوَاجَهَةٌ وَنَوْعٌ بِوَاسِطَةِ الْمُبَلِّغِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِإِجَابَةِ الدَّعْوَتَيْنِ فِي الْحَالَتَيْنِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ حَيَاتَهُ فِي تِلْكَ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِجَابَةِ لَهَا وَمِنَ الْمُمْتَنَعِ أَنْ يَأْمُرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِجَابَةِ لِمَا لَا يُفِيدُ عِلْمًا مَا أَوْ يُجِيبَهُ بِمَا لَا يُفِيدُ عِلْمًا أَوْ يَتَوَعَّدَهُ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِجَابَةِ لِمَا لَا يُفِيدُ عِلْمًا بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَاقَبَهُ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ.
 
الدَّلِيلُ الثَّالِثَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ مُخَالِفٍ بَلَغَهُ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَوْ كَانَ مَا بَلَغَهُ لَمْ يُفِدْهُ عِلْمًا لَمَا كَانَ مُتَعَرِّضًا بِمُخَالَفَةِ مَا لَا يُفِيدُ عِلْمًا لِلْفِتْنَةِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي لَا يَبْقَى مَعَهَا لِمُخَالِفِ أَمْرِهِ عُذْرٌ.
 
الدَّلِيلُ الرَّابِعَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: 59] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَرُدَّ مَا تَنَازَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالرَّدُّ إِلَى اللَّهِ هُوَ الرَّدُّ إِلَى كِتَابِهِ وَالرَّدُّ إِلَى رَسُولِهِ هُوَ الرَّدُّ إِلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِلَى سُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَلَوْلَا أَنَّ الْمَرْدُودَ إِلَيْهِ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَفَصْلَ النِّزَاعِ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّدِّ إِلَيْهِ فَائِدَةٌ، إِذْ كَيْفَ يَرُدُّ حُكْمَ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إِلَى مَا لَا يُفِيدُ عِلْمًا الْبَتَّةَ وَلَا يَدْرَى حَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ؟ وَهَذَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ بِحَمْدِ اللَّهِ، فَلِهَذَا قَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَخْبَارَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُفِيدُ عِلْمًا، إِنَّا نَرُدُّ مَا تَنَازَعْنَا فِيهِ إِلَى الْعُقُولِ وَالْآرَاءِ وَالْأَقْيِسَةِ فَإِنَّهَا تُفِيدُ الْعِلْمَ.
 
الدَّلِيلُ الْخَامِسَ عَشَرَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة: 49] إِلَى قَوْلِهِ: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50] وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ كُلَّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَهُوَ ذِكْرٌ مِنَ اللَّهِ أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَقَدْ تَكَفَّلَ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِهِ، فَلَوْ جَازَ عَلَى حُكْمِهِ الْكَذِبُ وَالْغَلَطُ وَالسَّهْوُ مِنَ الرُّوَاةِ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى غَلَطِهِ وَسَهْوِ نَاقِلِهِ لَسَقَطَ حُكْمُ ضَمَانِ اللَّهِ وَكَفَالَتِهِ لِحِفْظِهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ، وَنَحْنُ لَا نَدَّعِي عِصْمَةَ الرُّوَاةِ، بَلْ نَقُولُ: إِنَّ الرَّاوِيَ إِذَا كَذَبَ أَوْ غَلِطَ أَوْ سَهَا فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَعْرِفُ كَذِبَهُ وَغَلَطَهُ لِيَتِمَّ حِفْظُهُ لِحُجَجِهِ وَأَدِلَّتِهِ، وَلَا تَلْتَبِسَ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا، فَإِنَّهُ مِنْ حُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ، بِخِلَافِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَالْأَحْكَامِ الْمَنْقُولَةِ إِلَيْنَا آحَادًا كَذِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَايَتُهَا أَنْ تَكُونَ كَمَا قَالَهُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا، وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ.
 
الدَّلِيلُ السَّادِسَ عَشَرَ: مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ نَفْسُهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «نَضَرَّ الَلَّهُ عَبْدًا سَمِعَ مَقَالَتِي فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ، إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَالنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ» ".
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَلَمَّا نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى اسْتِمَاعِ مَقَالَتِهِ وَحِفْظِهَا وَأَدَائِهَا أَمَرَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَلَوْ وَاحِدٌ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَأْمُرُ مَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ إِلَّا مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ أَدَّى إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُؤَدَّى عَنْهُ حَلَالٌ يُؤْتَى، وَحَرَامٌ يُجْتَنَبُ وَحَدٌّ يُقَامُ، وَمَالٌ يُؤْخَذُ وَيُعْطَى، وَنَصِيحَةٌ فِي دِينٍ وَدُنْيَا، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَحْمِلُ الْفِقْهَ غَيْرُ الْفَقِيهِ يَكُونُ لَهُ حَافِظًا وَلَا يَكُونُ فِيهِ فَقِيهًا، وَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لَازِمٌ. انْتَهَى.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ لَوْ لَمْ يُفِدْ عِلْمًا لَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِمَّنْ أَدَّى إِلَيْهِ إِلَّا مِنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ إِلَّا بِخَبَرِهِمْ، وَلَمْ يَدْعُ لِلْحَامِلِ الْمُؤَدِّي وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ مَا حَمَلَهُ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ، فَلَمْ يَفْعَلْ مَا يَسْتَحِقُّ الدُّعَاءَ وَحْدَهُ إِلَّا بِانْضِمَامِهِ إِلَى أَهْلِ التَّوَاتُرِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا نَدَبَ إِلَى ذَلِكَ وَحَثَّ عَلَيْهِ وَأَمَرَ بِهِ لِتَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ أَدَّى إِلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يُفِدِ الْعِلْمَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ.
 
الدَّلِيلُ السَّابِعَ عَشَرَ: حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ الصَّحِيحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " «لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي يَقُولُ: لَا نَدْرِي مَا هَذَا، بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ، أَلَا وَإِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» " وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ هَذَا نَهْيٌ عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ بَلَغَهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَالِفَهُ أَوْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُ إِلَّا الْقُرْآنَ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ لَازِمٌ، وَفَرْضٌ حَتْمٌ بِقَبُولِ أَخْبَارِهِ وَسُنَنِهِ، وَإِعْلَامٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ أَوْحَاهَا إِلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ تُفِدْ عِلْمًا لَقَالَ مَنْ بَلَغَتْهُ: إِنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ لَا تُفِيدُ عِلْمًا فَلَا يَلْزَمُنِي قَبُولُ مَا لَا عِلْمَ لِي بِصِحَّتِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْنِي الْعِلْمَ بِمَا لَمْ أَعْلَمْ صِحَّتَهُ وَلَا اعْتِقَادَهُ، بَلْ هَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي حَذَّرَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ وَنَهَاهَا عَنْهُ، وَلَمَّا عَلِمَ أَنَّ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يَقُولُهُ حَذَّرَهُمْ مِنْهُ، فَإِنَّ الْقَائِلَ إِنَّ أَخْبَارَهُ لَا تُفِيدُ الْعِلْمَ هَكَذَا يَقُولُ سِوَاهُ لَا نَدْرِي مَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ، وَكَانَ سَلَفُ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْقُرْآنُ وَخَلَفُهُمْ يَقُولُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَدِلَّةُ الْعُقُولِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ وَقَالُوا: تُقَدَّمُ الْعُقُولُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، آحَادِهَا وَمُتَوَاتِرِهَا، وَنُقَدِّمُ الْأَقْيِسَةَ عَلَيْهَا.
 
الدَّلِيلُ الْعَاشِرُ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِثْلِهَا " فَاشْهَدُوا " أَشَارَ إِلَى الشَّمْسِ وَلَمْ يَزَلِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْحَدِيثِ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَطْعِ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَأَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ وَفَعَلَهُ لَمَّا بَلَّغَهُمْ إِيَّاهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ فَيَقُولُونَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا، وَحَرَّمَ كَذَا وَأَبَاحَ كَذَا، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ جَازِمَةٌ يَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ كَالشَّمْسِ فِي الْوُضُوحِ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ الْتِفَاتٌ إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعْتِنَاءٌ بِهَا يَشْهَدُ شَهَادَةً جَازِمَةً أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ عِيَانًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ يَدْخُلُونَ النَّارَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ وَأَنَّ الصِّرَاطَ حَقٌّ، وَتَكْلِيمَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ، وَأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ، إِلَى أَضْعَافِ أَضْعَافِ ذَلِكَ، بَلْ يَشْهَدُ بِكُلِّ خَبَرٍ صَحِيحٍ مُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ لَمْ يُنْكِرْهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ شَهَادَةً لَا يَشُكُّ فِيهَا.

ألست اخي بشير تقول ان هذا الحديث ضعيف ؟؟ فأين الأمانة العلمية في الاستدلال ؟؟ وما بالك ما حركت ساكنا امام فعلك هذا بالاعتذار او التنويه؟؟
لي بإذن الله عودة لكل استدلالاتك واحدا تلو الآخر بالتدريج لنناقشها ونتتبع صحتها من ضعفها ومدى انطباقها على ما أوردت من أجله .
 
الدَّلِيلُ الثَّامِنَ عَشَرَ: مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ «عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنْتُ أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ، فَجَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: قُمْ يَا أَنَسُ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ فَاكْسِرْهَا، فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهَا حَتَّى كَسَرْتُهَا» " وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ أَقْدَمَ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ التَّحْرِيمِ حَيْثُ ثَبَتَ بِهِ التَّحْرِيمُ لَمَّا كَانَ حَلَالًا، وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِفَاهًا، وَأَكَّدَ ذَلِكَ الْقَبُولَ بِإِتْلَافِ الْإِنَاءِ وَمَا فِيهِ، وَهُوَ مَالٌ، وَمَا كَانَ لِيُقْدِمَ عَلَى إِتْلَافِ الْمَالِ بِخَبَرِ مَنْ لَا يُفِيدُهُ خَبَرُهُ الْعِلْمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَامَ خَبَرُ ذَلِكَ الْأَتِي عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ مَعَهُ مَقَامَ السَّمَاعِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَيْثُ لَمْ يَشُكُّوا وَلَمْ يَرْتَابُوا فِي صِدْقِهِ، وَالْمُتَكَلِّفُونَ يَقُولُونَ إِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْخَبَرِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ لَا بِقَرِينَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ
 
الدَّلِيلُ التَّاسِعُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86]
وَهَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَاتُ الْحُفَّاظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَقًّا أَوْ بَاطِلًا أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا، لَا يُدْرَى هَلْ هِيَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ، فَإِنْ كَانَتْ بَاطِلًا أَوْ مَشْكُوكًا فِيهَا وَجَبَ اطِّرَاحُهَا وَأَنْ لَا يُلْتَفَتَ إِلَيْهَا وَهَذَا انْسِلَاخٌ مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا فَيَجِبُ الشَّهَادَةُ بِهَا عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ شَاهِدًا بِالْحَقِّ وَهُوَ يَعْلَمُ صِحَّةَ الْمَشْهُودِ بِهِ.
 
الدَّلِيلُ التَّاسِعَ عَشَرَ: أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَوْ لَمْ يُفِدِ الْعِلْمَ لَمْ يُثْبِتْ بِهِ الصَّحَابَةُ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ وَالْإِبَاحَةَ وَالْفُرُوضَ، وَيُجْعَلْ ذَلِكَ دِينًا يُدَانُ بِهِ فِي الْأَرْضِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ، فَهَذَا الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَادَ فِي الْفُرُوضِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ فَرْضَ الْجَدَّةِ وَجَعَلَهُ شَرِيعَةً مُسْتَمِرَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخَبَرِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَقَطْ، وَجَعَلَ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْفَرْضِ حُكْمَ نَصِّ الْقُرْآنِ فِي إِثْبَاتِ فَرْضِ الْأُمِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ وَالْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُمْ عَلَى إِثْبَاتِهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَأَثْبَتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِخَبَرِ حَمَلِ بْنِ مَالِكٍ دِيَةَ الْجَنِينِ وَجَعَلَهَا فَرْضًا لَازِمًا لِلْأُمَّةِ، وَأَثْبَتَ مِيرَاثَ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا بِخَبَرِ الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ وَحْدَهُ، وَصَارَ ذَلِكَ شَرْعًا مُسْتَمِرًّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَثْبَتَ شَرِيعَةً عَامَّةً فِي حَقِّ الْمَجُوسِ بِخَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَحْدَهُ، وَأَثْبَتَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ شَرِيعَةً عَامَّةً فِي سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِخَبَرِ فُرَيْعَةَ بِنْتِ مَالِكٍ وَحْدَهَا، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، بَلْ هُوَ إِجْمَاعٌ مَعْلُومٌ مِنْهُمْ، وَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الظَّنِّيَاتِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ ذَلِكَ لِأَنَّا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُمْ جَمَعُوا عَلَى قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ كَذِبًا أَوْ غَلَطًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكَانَتِ الْأُمَّةُ مُجْمِعَةً عَلَى قَبُولِ الْخَطَأِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَهَذَا قَدْحٌ فِي الدِّينِ وَالْأُمَّةِ.
 
عودة
أعلى