نبذة من مقدمة الدكتور عبدالله التركي
نبذة من مقدمة الدكتور عبدالله التركي
الْمُقَدِّمَةُ
بقلم الدكتور
عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُحْسِنِ التّركي
وَزير الشئون الإسلاميَّة والأوقَافِ والدّعوَة وَالإرشاد "سابقاً"
المشرف على إعدَاد "التّفسير الْمُيسَّر"
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
..........
إن تلاوة كتاب الله، وتدبر آياته، وتفهمها، سنة ماضية في حياة المسلمين، قال ابن جرير -رحمه الله تعالى-: (إني لأعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله، كيف يلتذ بقراءته؟).
وإن إعانة المسلمين التالين لكتاب ربهم على فهم آياته، والتزود بمقاصده، ونفوذ سلطانه على النفوس، وردهم إلى الاستمساك بالوحي، والإذعان لحكمه، وتحصيل المقاصد منه: اعتقادا وقولا وعملا من أوجب الواجبات، وأعظم الأعمال الصالحات، وهذا من نصرة المسلمين، وإعانتهم، وتثبيت الإسلام في قلوب أهله، والدعوة إليه على بصيرة في العالمين.
من هنا تتبين حاجة الأمة إلى وجود تفسير مختصر، على ضوء مدرسة الأثر، في عهدها الأغر، في محيط أصول التفسير، وقواعده، وطرقه، يعين التالي لكتاب الله بما تطمئن له القلوب، وتتأدى به أمانة المفسِّر، وأمانة التفسير؛ لأن القارئ لكتاب ربه، الذي يريد الوصول إلى المقصد الأول من التفسير، وهو فهم الآيات الكريمة على معناها الصحيح، استهداء بقول الله تعالى:(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) [الإسراء: 9]، وهو من غير المتخصصين، يجد أمامه من التفاسير ما لا يصل منها إلى ما يريد؛ لطولها وتعدد الأقوال، أو لصعوبة فهمها، أو لاختلاطها بما داخلها مما لا يصح رواية ولا دارية.
لقد رغَّبَ رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في تعلّم القرآن وتعليمه، فقال: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " رواه البخاري.
وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- لا يجاوزون عشر آيات من كتاب الله إلى غيرها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل.
وتابعهم السلف الصالح من بعدهم بإحسان تلاوته، وفهمه، والعمل به، وبيان ما فيه.
وكان غير العرب -بمجرد دخولهم في الإسلام- يتعلمون لغة العرب؛ ليقرؤوا القرآن ويفهموه ويعملوا به.
وحينما انحسر المد الإسلامي، وضعف المسلمون، وقل الاهتمام بالعلوم الإسلامية ولغتها العربية، ظهرت الحاجة إلى ترجمة معاني كتاب الله لمن لا يتكلم اللغة العربية ولا يفهمها؛ إسهاما في تبليغ رسالة الإسلام للناس كافة، ودعوة لهم إلى هدي الله وصراطه المستقيم.
وتعددت الترجمات، ودخل في الميدان من ليس أهلا له، بل قام بذلك أناس من غير المسلمين، مما جعل الحاجة ملحة إلى أن يعتني المسلمون بتوفير ترجمات صحيحة لمعاني كتاب الله، وبيان ما في بعض الترجمات من أخطاء وافتراء ودس على كتاب الله الكريم، ورسالة نبينا محمد صلى عليه وسلم.
وقد بذلت جهود مباركة من عدد من العلماء المسلمين، والهيئات والمراكز العلمية الإسلامية، لكنها مع ذلك جهود بشر، يعتريها ما يعتري البشر من النقص، فالكمال لله وحده سبحانه وتعالى.
وندر أن يسلم كتاب من كتب التفسير من النقص والملاحظة، بما في ذلك التفاسير التي قام بها علماء كبار أفنوا حياتهم في سبيل العلم بكتاب الله، وبيان مراده سبحانه منه.
فكانوا فرسان هذا الميدان، وخدموا الإسلام وعلومه وأمته خدمة عظيمة، أجزل الله لهم المثوبة، على عنايتهم بكتاب الله الكريم وتفسيره.
لقد وفق الله قادة المملكة العربية السعودية إلى العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاعتناء بهما تعليما وتطبيقا ونشرا.
وكان من أعظم الوسائل التي هدى الله إليها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ووفقه لإنشائها: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة النبوية.
إذ اعتنى بطباعة المصحف الشريف، وتوزيعه بمختلف الإصدارات والروايات على المسلمين في مختلف أنحاء المعمورة، واعتنى بترجمة معاني القرآن إلى مختلف اللغات التي يتحدث بها المسلمون، وتوزيعها عليهم.
وقد تجاوز إنتاجه خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية مائة وعشرين مليونا (1 )، وزعت ابتغاء مرضاة الله.
ولقد واجهت المجمع مشكلة سلامة الترجمات المتوافرة حاليا من الملحوظات والأخطاء، وعلى وجه الخصوص في أمور العقيدة؛ إذ يصعب توفر ترجمة وافية موافقة لما كان عليه السلف الصالح وما درج عليه مفسروهم، من تفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة النبوية، وبأقوال الصحابة، وبمقتضى لغة العرب، بعيدا عن التأويل والتحريف، والقول في كتاب الله بغير علم.
وكانت أي ترجمة يراد طبعها في المجمع، تخضع لفحص ومراجعة دقيقة من لجان موثوقة ومتخصصة، ويتم تلافي ما يظهر من الملحوظات قدر الإمكان.
ومع الجهود التي تبذل، تبقى الترجمة دون ما يطمح إليه المجمع.
فمن ثم اتجه المجمع -بعد دراسة مستفيضة- إلى إصدار تفسير ميسر لكتاب الله الكريم باللغة العربية على أصول التفسير وطرقه الشرعية التي نهجها السلف الصالح، سالم من تحريف الكلم عن مواضعه، يكون هو الأساس لما يصدره المجمع مستقبلا من ترجمات.
وتم دعوة عدد من أساتذة التفسير للإسهام في هذا التفسير، وفق ضوابط، من أهمها:
1) تقديم ما صح من التفسير بالمأثور على غيره.
2) الاقتصار في النقل على القول الصحيح أو الأرجح.
3) إبراز الهداية القرآنية ومقاصد الشريعة الإسلامية من خلال التفسير.
4) كون العبارة مختصرة سهلة، مع بيان معاني الألفاظ الغريبة في أثناء التفسير.
5) كون التفسير بالقدر الذي تتسع له حاشية "مصحف المدينة النبوية".
6) وقوف المفسر على المعنى المساوي، وتجنب الزيادة الواردة في آيات أخرى حتى تفسر في موضعها.
7) إيراد معنى الآية مباشرة دون حاجة إلى الأخبار، إلا ما دعت إليه الضرورة.
8) كون التفسير وفق رواية حفص عن عاصم.
9) تجنب ذكر القراءات ومسائل النحو والإعراب.
10) مراعاة المفسر أن هذا التفسير سيترجم إلى لغات مختلفة.
11) تجنب ذكر المصطلحات التي تتعذر ترجمتها.
12) تفسير كل آية على حده، ولا تعاد ألفاظ النص القرآني في التفسير إلا لضرورة، ويذكر في بداية تفسير كل آية رقمها.
وقد اجتهد هؤلاء الأساتذة في الالتزام بهذه الضوابط قدر الإمكان، وتمت مراجعة ما كتبوه من قبل علماء أفاضل؛ حرصا على أن يكون هذا التفسير أسلم من غيره، وأقرب إلى تحقيق الهدف من إصداراه، من حيث السهولة واليسر، مع بيان معنى الآية بيانا مختصرا وواضحا.
فجزى الله الجميع خير الجزاء، وشكر لهم تعاونهم مع المجمع.
ولا يزعم معدو هذا التفسير ولا مراجعوه، أنه بلغ الغاية المتوخاة، ولكنه في نظرهم أفضل ما تم التوصل إليه، في وقت محدود، وبجهود متواضعة محدودة؛ نظرا للحاجة الملحة لإصداره.
وقد تم الآن -بفضل الله وتوفيقه- إنجاز هذا: "التفسير الميسر" فجزى الله جميع من أسهم فيه أحسن الجزاء، وأثابهم، وجعل عملهم في ميزان حسناتهم آمين.
هذا وتمت طباعته حاشية على "مصحف المدينة النبوية" الذي يصدره "مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف".
نسأل الله -سبحانه- أن يكون هذا التفسير نافعا لعموم المسلمين، مؤديا الغرض من تأليفه، وهو صواب الفهم لكلام رب العالمين، وأن يوزعنا شكر ما أنعم به علينا، وأن يغفر زلاتنا، ويقيل عثراتنا، إنه سميع الدعاء، والحمد لله أولا وآخرا.
كما نسأله أن يجزي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أحسن الجزاء، على جهوده في خدمة كتاب الله، وتيسير الحصول عليه، وعلى ترجمات معانية لكل مسلم، وأن يوفقه وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني، وحكومته الرشيدة، وأعوانه إلى ما يحب ويرضى، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي كلمته.
ولا ننسى إعلان الحاجة إلى الإفادة بتصحيح أو استدراك، وهي أمانة نستودعها كل قادر على الإفادة بها، وندعو له بظهر الغيب أن يثيبه الله عليها، وهذا -إن شاء الله- من تمام النصح والتعاون بين المسلمين.
....
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تجاوز إنتاج المجمع في الوقت الحاضر، وخلال السنوات السبع عشرة الماضية مائة وثمانين مليونًا.
عبد الله بن عبد المحسن التركي
وزير الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد "سابقًا"
المشرف على إعداد "التفسير الميسَّر".