حمل الخوف في خطاب إبراهيم عليه السلام لأبيه:"إني أخاف..."على ظاهره أرجح أم حمله على العلم؟

إنضم
12/01/2013
المشاركات
701
مستوى التفاعل
21
النقاط
18
العمر
52
الإقامة
مراكش-المغرب
حمل الخوف في خطاب إبراهيم عليه السلام لأبيه:"إني أخاف..."على ظاهره أرجح أم حمله على العلم؟

بسم1

حمل الخوف في خطاب إبراهيم عليه السلام لأبيه:"إني أخاف..."على ظاهره أرجح أم حمله على العلم؟

قال ابرهيم الخليل عليه السلام مخاطبا أباه:"يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا." -مريم:45-.

ذهب إمام المفسرين أبو جعفر الطبري رحمه الله تعالى إلى أن الخوف في هذه الآية بمعنى العلم، حيث قال في تأويلها:"يقول: يا أبت إني أعلم انك إن متّ على عبادة الشيطان أنه يمسك عذاب من عذاب الله( فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ) يقول: تكون له وليا دون الله ويتبرأ الله منك، فتهلك، والخوف في هذا الموضع بمعنى العلم، كما أن الخشية بمعنى العلم، في قوله( فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا )."-جامع البيان:18/204. وقد وافقه جماعة من أهل العلم بالتفسير في هذا النوع من التأويل منهم الفراء والإمام القرطبي مع تجويزه للمعنى الظاهر، قال رحمه الله تعالى:"{أَخَافُ} بمعنى أعلم. ويجوز أن يكون {أَخَافُ} على بابها فيكون المعنى : إني أخاف أن تموت على كفرك فيمسك العذاب."-الجامع لأحكام القرآن:11/111-.
لكن جمهور المفسرين حملوا الخوف على ظاهره، كما نبه عليه العلامة الشوكاني رحمه الله تعالى بقوله:"وقال الأكثرون : إن الخوف هنا محمول على ظاهره."-فتح القدير:3/480-، وقبله الإمام الرازي بقوله:"والأكثرون على أنه محمول على ظاهره."-مفاتيح الغيب:21/193-.
والراجح -والعلم عند الله- ما ذهب إليه الجمهور، من أن قول الخليل عليه السلام:"إني أخاف" محمول على معنى الخوف المتعاهد عليه لا على العلم، وذلك لعدة أمور، منها:

1 - أن ذلك إظهار لاهتمام إبراهيم عليه السلام البالغ بأبيه، فهو يخاف عليه من عذاب الله سبحانه، وهذا سيكون أدعى لقبول النصح، بخلاف حمل الخوف على العلم ففيه من التنفير ما فيه.
2- وقريب منه أن حمل الخوف على العلم قطع لمادة الرجاء وغلق لبابها في وجه آزر، وهذا ليس من مقام الدعوة في شيء، يقول العلامة ابن عاشور رحمه الله تعالى:" والتعبير بالخوف الدال على الظن دون القطع تأدب مع الله تعالى بأن لا يُثبت أمراً فيما هو من تصرف الله ، وإبْقاء للرجاء في نفس أبيه لينظر في التخلّص من ذلك العذاب بالإقلاع عن عبادة الأوثان."-التحرير والتنوير:16/118-.
3- أن حمل الخوف على العلم إنما يصح إذا كان إبراهيم عليه السلام قد أوحي إليه مسبقا بمصير أبيه وعاقبته المشؤومة، وهذا ما لا دليل عليه. وإن كان الإمام الطبري رحمه الله تعالى لم يفتح المجال لهذا الإيراد حيث علق الكلام على الشرط بقوله:"يا أبت إني أعلم أنك إن متّ على عبادة الشيطان...".

وبعد أن ذكر القولين، قال الإمام الرازي رحمه الله تعالى:"والقول الأول-أي أن الخوف بمعنى العلم- إنما يصح لو كان إبراهيم عليه السلام عالماً بأن أباه سيموت على ذلك الكفر وذلك لم يثبت فوجب إجراؤه على ظاهره فإنه كان يجوز أن يؤمن فيصير من أهل الثواب ويجوز أن يصر فيموت على الكفر ، فيكون من أهل العقاب ، ومن كان كذلك كان خائفاً لا قاطعاً."-مفاتيح الغيب:21/193-. .
4- حمل الخوف على العلم مع التعليق بالشرط –إن مت...- يقتضي تقدير محذوف، وهو هذا الشرط، بخلاف حمل الخوف على ظاهره فلا نحتاج معه لتقدير محذوف، والأصل في الكلام عدم الحذف.

5- كما أن حمل الخوف على العلم يلزم منه أن إبراهيم عليه السلام كان آيسا من إيمان أبيه وإذعانه واستجابته، وهذا خلاف ما يتضمنه حواره لأبيه من وجوه التلطف والترغيب والتأدب البليغ في النصح والدعوة، وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو حيان الأندلسي رحمه الله تعالى في البحر:" والأولى حمل (أَخَافُ) على موضوعه الأصلي لأنه لم يكن آيساً من إيمانه بل كان راجياً له وخائفاً أن لا يؤمن وأن يتمادى على الكفر فيمسه العذاب ، وخوّفه إبراهيم سوء العاقبة وتأدّب معه إذ لم يصرّح بلحوق العذاب به بل أخرج ذلك مخرج الخائف ، وأتى بلفظ المس الذي هو ألطف من المعاقبة ونكر العذاب ، ورتب على مس العذاب ما هو أكبر منه وهو ولاية الشيطان."-البحر المحيط:6/182-183.
6- لو كان المراد بالخوف العلم، فما الفائدة من الدعوة والترغيب والترهيب، لأن إبراهيم عليه السلام يعلم مصير أبيه وما ينتظره من العذاب –عياذا بالله-، فدعوته لأبيه والحال كذلك لا فائدة منها. وهذا ما لا يتصور إذا تأملنا السياق القرآن والخطاب الرباني في محاورة إبراهيم عليه السلام لأبيه.
7- أن الأصل في الكلام إجراءه على ظاهره والنصوص والألفاظ كذلك على ظواهرها وعلى المعنى المعروف منها، إلا لقرينة أو دليل،"والقاعدة المقررة عند العلماء: أن نصوص الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن ظاهرها المتبادر منها إلا بدليل يجب الرجوع إليه"-قواعد التفسير جمعا ودراسة:2/847-.
والله أعلم وأحكم ونسبة العلم إليه سبحانه أسلم.
 
جزاك الله خيرا،
ماذا ترى في ذكر الخوف نظيرا للظن في قوله (إلا ان يخافا ان لا يقيما حدود) وقوله (إن ظنّا ان يقيما حدود الله)
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خيرا أخي، حقا قد يأتي الخوف بمعنى الظن والظن بمعنى الخوف لاقتراب معنيهما كما نبه عليه الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره، لكن حمل الخوف في الآية الأولى على ظاهره أولى، ويكون المعنى، كما قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى:"{ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } وهي المخالعة بالمعروف، بأن كرهت الزوجة زوجها، لخلقه أو خلقه أو نقص دينه، وخافت أن لا تطيع الله فيه، { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ }-تيسير الرحمن-
ولعل الإمام الطبري رحمه الله تعالى حمل الخوف في الآية على ظاهره، حيث قال:"فإن قال قائل: وأية حال الحال التي يخاف عليهما أن لا يقيما حدود الله، حتى يجوز للرجل أن يأخذ حينئذ منها ما آتاها؟
قيل: حال نشوزها وإظهارها له بغضته، حتى يخاف عليها ترك طاعة الله فيما لزمها لزوجها من الحق، ويخاف على زوجها - بتقصيرها في أداء حقوقه التي ألزمها الله له - تركه أداء الواجب لها عليه. فذلك حين الخوف عليهما أن لا يقيما حدود الله فيطيعاه فيما ألزم كل واحد منهما لصاحبه."-جامع البيان:4/552-
ثم قال-بعد أن ذكر أقوال العلماء في ما يبيح للزوج أخذ الفدية من زوجته-:" وأولى هذه الأقوال بالصحة قول من قال: لا يحل للرجل أخذ الفدية من امرأته على فراقه إياها، حتى يكون خوف معصية الله من كل واحد منهما على نفسه - في تفريطه في الواجب عليه لصاحبه - منهما جميعا، على ما ذكرناه عن طاوس والحسن، ومن قال في ذلك قولهما; لأن الله تعالى ذكره إنما أباح للزوج أخذ الفدية من امرأته، عند خوف المسلمين عليهما أن لا يقيما حدود الله."-جامع البيان:4/562-.
أما الآية الثانية:"إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ": فالظن هنا ليس بمعنى الخوف وإنما على ظاهره، وهذه الآية في سياق الكلام عن الرجوع بعد الطلقة الثالثة ونكاح زوج آخر، فهنا للزوج الأول أن يراجعها إن غلب عليهما الظن في إقامة حدود الله تعالى، يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى:"ومفهوم الآية الكريمة، أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله، بأن غلب على ظنهما أن الحال السابقة باقية، والعشرة السيئة غير زائلة أن عليهما في ذلك جناحا، لأن جميع الأمور، إن لم يقم فيها أمر الله، ويسلك بها طاعته، لم يحل الإقدام عليها."-تيسير الرحمن:102-.
والله أعلم وأحكم.
 
ألا ترى ان من قال "ظن او علم" في موضع الخوف، إنما أراد دلالة اللزوم فلا خوف الا بعد علامات مظنونة؟ وحينئذ لا تتعارض الدلالات.
 
عودة
أعلى