حاكمية المصطلح القرآني على الدعوات المعاصرة (الدعوة للمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة أنموذجاً)
تمهيد:
ظهرت حركات تحرير المراة في الغرب وتطورت نتيجة لصعوبات معينة عانت منها المراة الغربية واقتصرت مطالب هذه الحركات على المساواة في حق العمل والعلم والحقوق المدنية والسياسية ،إلا أن الستينيات شهدت تحولاً في مسار الحركة النسوية التي أصبحت أكثر تطرفاً وأصبحت جزءاً من الجدل الفلسفي الدائر في الجامعات، وافتتحت مراكز لدراسات المرأة في العالم الغربي والعربي وتم تخويل هذه المراكز منح الدرجات العلمية،وعلى الصعيد العملي وصلت الحركة النسوية المتطرفة إلى أماكن صنع القرار في الأمم المتحدة مما عولم هذا الفكر المتطرف وتم اتخاذه ذريعة للتدخل في الشؤؤون الداخلية للدول والضغط عليها، وبعيداً عن تفاصيل النظرية النسوية الراديكالية فإن جوهر طرحها هو المساواة المطلقة بين الرجل والمراة ،وإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة واستخدمت الحركة النسوية مفردات تنم عن منطق صراعي بين الرجل والمرأة مثل (القمع والتحرر) ، ودخولاً في جحر ضب الغربيين فقد انخرط الخطاب العلماني في بلادنا في هذا الفكر وروج له ،ولهذا فإن من المناسب التعرف على الرؤية القرآنية لقضية المساواة المطلقة وجعل المصطلح القرآني هو الكلمة الفصل في الحكم عليها.
بين المساواة والعدل لغة:
المساواة لغة:هي "المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل ،يقال هذا ثوب مساو لذاك الثوب ،وهذا الدرهم مساو لذلك الدرهم،وقد يعتبر بالكيفية نحو هذا السواد مساو لذلك السواد وإن كان تحقيقه راجعاً إلى اعتبار مكانه دون ذاته ولاعتبار المعادلة التي فيه استعمل استعمال العدل"([1])، وتساوى الشيئان إذا تماثلا ،وتساوى الشيئان إذا تم العدل بينهما ([2]) ،وعلى هذا فالعدل يقتضي معنى المساواة وهو في المحسوسات التقسيط على سواء وهو نوعان نوع مطلق يقتضي العقل حسنه ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخاً ولا يوصف بالاعتداء،والنوع الثاني هو العدل الذي يعرف كونه عدلاً بالشرع وهذا الذي جاء به الأمر في كتاب الله ([3]) ، وعدل عن الحق إذا جار ([4]) . ،مما سبق يتضح ان المساواة قد تكون عدلاً وقد تكون فقط مماثلة، وكذلك العدل قد يكون مساواة وقد يكون ضد الجور،ولمنع اللبس فسأستخدم في هذه المشاركة العدل بمعنى عكس الجور ،وسأستخدم المساواة بمعنى المماثلة المطلقة.
بين مصطلح المساواة ومصطلح العدل في كتاب الله:
بتتبع المساواة في كتاب الله يتبين انه لم يأت المصطلح في معرض الحديث عن المرأة والرجل وإنما جاء في قضايا أخرى جلها لإثبات عدم المساواة بين فريق الكفر وفريق الإيمان وهذه تجاوزت العشرين موضعاً في كتاب الله ، ومن هذا قوله تعالى:
(قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون)(المائدة:100)
(قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور ...)(الرعد:16)
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين )(التوبة :19)
(ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون)(النحل:75)
(أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون)(السجدة :18)
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على انتفاء المساواة المطلقة في مواضع كثيرة ، والسؤال هنا لماذا انتفت المساواة في هذه المواضع؟ والجواب واضح؛ القضية هي العدل الإلهي الذي اقتضى في هذه المواضع انتفاء المساواة ،وبتتبع مصطلح العدل في القرآن نجد أن الله أمر بالعدل ولم يأمر بالمساواة ومنها قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً او فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ...) (النساء:135)
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقو الله إن الله خبير بما تعملون )(المائدة :8)
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون)(النحل:90) .
ولم يذكر القرآن ولا مرة واحدة مصطلح المساواة بين الرجل والمرأة ،وهذا لا يمنع أن تكون هذه القضية حاضرة في القرآن ، فالله ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)(النساء:1)
أي انها خلقت من نفس الجبلة ومن نفس مادة الخلق ([5]) ، وترتب على هذه القاعدة العريضة التي أقرها القرآن عدة أمور هي:
- المساواة في التشريف:
والشواهد في كتاب الله كثيرة منها قوله تعالى:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(الإسراء:70)
(الرحمن ،علم القرآن،خلق الإنسان،علمه البيان)(الرحمن :من1إلى 4)
(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)(التين:4)
- المساواة في التكليف :
) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيداً)(الأحزاب:36)
-المساواة في المسؤولية الفردية :
(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره،ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)(الزلزلة:7-8)
(المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ،وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ...)(التوبة :67-68)
-المساواة في الجزاء:
) فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض .....)(آل عمران:195)
(ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً)(النساء:124).
(من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)(النحل:97)
(من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (غافر: 40).[6]
إلا أن هناك آيات في كتاب الله توحي بعدم المساواة بين الرجل والمرأة وهذه الآيات هي التي جعلت الخطاب العلماني يقول بتاريخيتها أي أنها آيات مختصة بزمن نزولها فقط وليست متجاوزة للزمان والمكان وذلك لتعارضها مع مبدأ المساواة المطلقة الذي أرداته الحركة النسوية المتطرفة ومن هذه الآيات قوله تعالى:
(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً)(النساء:34)
والآيات التي تبيح تعدد الزوجات وتفرض الحجاب وآيات الشهادة والقوامة والاختلاف في أنصبة المواريث :
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )(النساء:11)
وقد قرر القرآن حقيقة أن الرجل والمرأة على قدم المساواة أمام الله وان هذه الأنصبة هي قرار علوي لا يد للرجال والنساء فيه قال تعالى:
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً)(النساء:7).
وهذا يقود إلى سؤال مشروع لماذا انعدمت المساواة في هذه الآيات ووجدت في مواضع أخرى،الحق أن التدبر في كتاب الله يظهر انه لا يوجد موضع تكون فيه المساواة بين الرجل والمرأة عدلاً إلا أقرها القرآن، ولا يوجد موضع تكون فيها المساواة ظلماً وجوراً إلا ظهر الفرق في الأحكام المتعلقة بالجنسين وهذا الفرق لا ينتقص من أحد الجنسين أو يجعل احدهما أعلى والآخر أدنى، وإنما هو فرق مبني على اعتبار الاختلافات الفسيولوجية والسيكولوجية والوظيفية ،وعلى اعتبار المصالح والمقاصد الشرعية ،ومعلوم ان لكل حكم حيثياته فلا ينبغي أن يفسر كل حكم على ضوء الأنوثة والذكورة ،وبهذا يكون العدل مقصداً قرآنياً والمساواة في مواضع معينة هي وسيلة لتحقيق هذا المقصد ،وإقامة المقصد تتأتى من إقامة المصطلح ،فالمصطلح هو المدخل الوحيد لبيان القرآن الكريم ،بحكم انه وعاء الدلالة والمفهوم والرؤية القرآنية،ومن إقامة المصطلح كذلك التزام المفسر بدلالات هذا المصطلح وفقاً لسياق الاستعمال القرآني للمصطلح ،لأن القرآن حمل بعض الألفاظ العربية معان لم تكن معهودة عند العرب ، وأعاد استخدام بعض المصطلحات العربية وفق ما يتناسب مع كون الخطاب القرآني خطاب رباني ، والعدل في الشرع هو من هذه المصطلحات فكل حكم في كتاب الله هو العدل ،لأن الله هو العدل،وما جعل الخطاب العلماني يغفل هذه الحقائق أنه بادئ بدء غير معني بقواعد وأصول التعامل مع النص القرآني فهو يتعامل مع النص تبعاً لاتجاه إسقاطي بدل الاتجاه الاستمدادي .
- الحواشي -
([1]) الأصفهاني،الراغب،(ت503هـ)،معجم مفردات القرآن ،(عناية ابراهيم شمس الدين)،ط1،دار الكتب العلمية ،بيروت،ص281،
([2]) ابن منظور،لسان العرب،مادة سوى.
([3]) الأصفهاني،مرجع سابق،مادة عدل، ص363 وما بعدها.
([4]) ابن منظور، لسان العرب،مادة عدل.
([5]) الرازي،التفسير الكبير،المجلد الثالث ،ص477 وما بعدها ،ذكر الرازي قولين في الآية وفند القول بأن حواء خلقت من ضلع آدم ورجح اختيار أبي مسلم الأصفهاني وهو)خلق منها زوجها)أي من جنسها.
[6](وقد سمعت اليوم في درس الفجر من الشيخ أن كلمة الرجال وردت في القرآن بعدد يماثل كلمة النساء وكأني به قال أنها وردت 57مرة واستدل بها على المساواة بين الرجل والمرأة ومن عنده تأكيد لهذه الإحصائية فليعلمنا وله الأجر ).
تمهيد:
ظهرت حركات تحرير المراة في الغرب وتطورت نتيجة لصعوبات معينة عانت منها المراة الغربية واقتصرت مطالب هذه الحركات على المساواة في حق العمل والعلم والحقوق المدنية والسياسية ،إلا أن الستينيات شهدت تحولاً في مسار الحركة النسوية التي أصبحت أكثر تطرفاً وأصبحت جزءاً من الجدل الفلسفي الدائر في الجامعات، وافتتحت مراكز لدراسات المرأة في العالم الغربي والعربي وتم تخويل هذه المراكز منح الدرجات العلمية،وعلى الصعيد العملي وصلت الحركة النسوية المتطرفة إلى أماكن صنع القرار في الأمم المتحدة مما عولم هذا الفكر المتطرف وتم اتخاذه ذريعة للتدخل في الشؤؤون الداخلية للدول والضغط عليها، وبعيداً عن تفاصيل النظرية النسوية الراديكالية فإن جوهر طرحها هو المساواة المطلقة بين الرجل والمراة ،وإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة واستخدمت الحركة النسوية مفردات تنم عن منطق صراعي بين الرجل والمرأة مثل (القمع والتحرر) ، ودخولاً في جحر ضب الغربيين فقد انخرط الخطاب العلماني في بلادنا في هذا الفكر وروج له ،ولهذا فإن من المناسب التعرف على الرؤية القرآنية لقضية المساواة المطلقة وجعل المصطلح القرآني هو الكلمة الفصل في الحكم عليها.
بين المساواة والعدل لغة:
المساواة لغة:هي "المعادلة المعتبرة بالذرع والوزن والكيل ،يقال هذا ثوب مساو لذاك الثوب ،وهذا الدرهم مساو لذلك الدرهم،وقد يعتبر بالكيفية نحو هذا السواد مساو لذلك السواد وإن كان تحقيقه راجعاً إلى اعتبار مكانه دون ذاته ولاعتبار المعادلة التي فيه استعمل استعمال العدل"([1])، وتساوى الشيئان إذا تماثلا ،وتساوى الشيئان إذا تم العدل بينهما ([2]) ،وعلى هذا فالعدل يقتضي معنى المساواة وهو في المحسوسات التقسيط على سواء وهو نوعان نوع مطلق يقتضي العقل حسنه ولا يكون في شيء من الأزمنة منسوخاً ولا يوصف بالاعتداء،والنوع الثاني هو العدل الذي يعرف كونه عدلاً بالشرع وهذا الذي جاء به الأمر في كتاب الله ([3]) ، وعدل عن الحق إذا جار ([4]) . ،مما سبق يتضح ان المساواة قد تكون عدلاً وقد تكون فقط مماثلة، وكذلك العدل قد يكون مساواة وقد يكون ضد الجور،ولمنع اللبس فسأستخدم في هذه المشاركة العدل بمعنى عكس الجور ،وسأستخدم المساواة بمعنى المماثلة المطلقة.
بين مصطلح المساواة ومصطلح العدل في كتاب الله:
بتتبع المساواة في كتاب الله يتبين انه لم يأت المصطلح في معرض الحديث عن المرأة والرجل وإنما جاء في قضايا أخرى جلها لإثبات عدم المساواة بين فريق الكفر وفريق الإيمان وهذه تجاوزت العشرين موضعاً في كتاب الله ، ومن هذا قوله تعالى:
(قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون)(المائدة:100)
(قل من رب السماوات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور ...)(الرعد:16)
(أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين )(التوبة :19)
(ضرب الله مثلاً عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون)(النحل:75)
(أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون)(السجدة :18)
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على انتفاء المساواة المطلقة في مواضع كثيرة ، والسؤال هنا لماذا انتفت المساواة في هذه المواضع؟ والجواب واضح؛ القضية هي العدل الإلهي الذي اقتضى في هذه المواضع انتفاء المساواة ،وبتتبع مصطلح العدل في القرآن نجد أن الله أمر بالعدل ولم يأمر بالمساواة ومنها قوله تعالى:
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً او فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا ...) (النساء:135)
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقو الله إن الله خبير بما تعملون )(المائدة :8)
(إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر يعظكم لعلكم تذكرون)(النحل:90) .
ولم يذكر القرآن ولا مرة واحدة مصطلح المساواة بين الرجل والمرأة ،وهذا لا يمنع أن تكون هذه القضية حاضرة في القرآن ، فالله ساوى بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا)(النساء:1)
أي انها خلقت من نفس الجبلة ومن نفس مادة الخلق ([5]) ، وترتب على هذه القاعدة العريضة التي أقرها القرآن عدة أمور هي:
- المساواة في التشريف:
والشواهد في كتاب الله كثيرة منها قوله تعالى:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا)(الإسراء:70)
(الرحمن ،علم القرآن،خلق الإنسان،علمه البيان)(الرحمن :من1إلى 4)
(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم)(التين:4)
- المساواة في التكليف :
) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيداً)(الأحزاب:36)
-المساواة في المسؤولية الفردية :
(فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره،ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)(الزلزلة:7-8)
(المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ،وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ...)(التوبة :67-68)
-المساواة في الجزاء:
) فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض .....)(آل عمران:195)
(ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً)(النساء:124).
(من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)(النحل:97)
(من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (غافر: 40).[6]
إلا أن هناك آيات في كتاب الله توحي بعدم المساواة بين الرجل والمرأة وهذه الآيات هي التي جعلت الخطاب العلماني يقول بتاريخيتها أي أنها آيات مختصة بزمن نزولها فقط وليست متجاوزة للزمان والمكان وذلك لتعارضها مع مبدأ المساواة المطلقة الذي أرداته الحركة النسوية المتطرفة ومن هذه الآيات قوله تعالى:
(الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً)(النساء:34)
والآيات التي تبيح تعدد الزوجات وتفرض الحجاب وآيات الشهادة والقوامة والاختلاف في أنصبة المواريث :
(يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين )(النساء:11)
وقد قرر القرآن حقيقة أن الرجل والمرأة على قدم المساواة أمام الله وان هذه الأنصبة هي قرار علوي لا يد للرجال والنساء فيه قال تعالى:
(للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً)(النساء:7).
وهذا يقود إلى سؤال مشروع لماذا انعدمت المساواة في هذه الآيات ووجدت في مواضع أخرى،الحق أن التدبر في كتاب الله يظهر انه لا يوجد موضع تكون فيه المساواة بين الرجل والمرأة عدلاً إلا أقرها القرآن، ولا يوجد موضع تكون فيها المساواة ظلماً وجوراً إلا ظهر الفرق في الأحكام المتعلقة بالجنسين وهذا الفرق لا ينتقص من أحد الجنسين أو يجعل احدهما أعلى والآخر أدنى، وإنما هو فرق مبني على اعتبار الاختلافات الفسيولوجية والسيكولوجية والوظيفية ،وعلى اعتبار المصالح والمقاصد الشرعية ،ومعلوم ان لكل حكم حيثياته فلا ينبغي أن يفسر كل حكم على ضوء الأنوثة والذكورة ،وبهذا يكون العدل مقصداً قرآنياً والمساواة في مواضع معينة هي وسيلة لتحقيق هذا المقصد ،وإقامة المقصد تتأتى من إقامة المصطلح ،فالمصطلح هو المدخل الوحيد لبيان القرآن الكريم ،بحكم انه وعاء الدلالة والمفهوم والرؤية القرآنية،ومن إقامة المصطلح كذلك التزام المفسر بدلالات هذا المصطلح وفقاً لسياق الاستعمال القرآني للمصطلح ،لأن القرآن حمل بعض الألفاظ العربية معان لم تكن معهودة عند العرب ، وأعاد استخدام بعض المصطلحات العربية وفق ما يتناسب مع كون الخطاب القرآني خطاب رباني ، والعدل في الشرع هو من هذه المصطلحات فكل حكم في كتاب الله هو العدل ،لأن الله هو العدل،وما جعل الخطاب العلماني يغفل هذه الحقائق أنه بادئ بدء غير معني بقواعد وأصول التعامل مع النص القرآني فهو يتعامل مع النص تبعاً لاتجاه إسقاطي بدل الاتجاه الاستمدادي .
- الحواشي -
([1]) الأصفهاني،الراغب،(ت503هـ)،معجم مفردات القرآن ،(عناية ابراهيم شمس الدين)،ط1،دار الكتب العلمية ،بيروت،ص281،
([2]) ابن منظور،لسان العرب،مادة سوى.
([3]) الأصفهاني،مرجع سابق،مادة عدل، ص363 وما بعدها.
([4]) ابن منظور، لسان العرب،مادة عدل.
([5]) الرازي،التفسير الكبير،المجلد الثالث ،ص477 وما بعدها ،ذكر الرازي قولين في الآية وفند القول بأن حواء خلقت من ضلع آدم ورجح اختيار أبي مسلم الأصفهاني وهو)خلق منها زوجها)أي من جنسها.
[6](وقد سمعت اليوم في درس الفجر من الشيخ أن كلمة الرجال وردت في القرآن بعدد يماثل كلمة النساء وكأني به قال أنها وردت 57مرة واستدل بها على المساواة بين الرجل والمرأة ومن عنده تأكيد لهذه الإحصائية فليعلمنا وله الأجر ).