تفسير قصة يوسف عليه السلام مع نسوة مصر

إنضم
9 سبتمبر 2010
المشاركات
178
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
الهند
لفضيلة الوالد الدكتور محمد عناية الله سبحاني

قال تعالى في سورة يوسف:
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)

فمــامعنى:( وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) ؟
ماقيل في معنى:(قطّعن أيديهن)
قال القرطبي،وهويفسرتلك الآيات:
"قوله تعالى: (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) قال مجاهد: قطعنها حتى ألقينها. وقيل: خدشنها. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حزا بالسكين، قال النحاس: يريد مجاهد أنه ليس قطعا تبين منه اليد، إنما هو خدش وحز، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده. وقال عكرمة:" أَيْدِيَهُنَّ" أكمامهن، وفيه بعد. وقيل: أناملهن، أي ما وجدن ألما في القطع والجرح، أي لشغل قلوبهن بيوسف، والتقطيع يشير إلى الكثرة، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في مواضع، ويمكن أن يرجع إلى عددهن."(الجامع لأحكام القرآن-سورةيوسف:9/180-دارالكتب المصرية-القاهرة)

وقال الواحدي:
وناولت { كلَّ واحدةٍ منهن سكيناً وقالت } ليوسف : { اخرج عليهنَّ فلما رأينه أكبرنه } أعظمنه وهَالَهُنَّ أمره وبُهتن {وقطعن أيديهنَّ} حَززْنَها بالسَّكاكين ، ولم يجدن الألم لشغل قلوبهنَّ بيوسف { وقلن حاشَ لِلَّه } بَعُدَ يوسف عن أن يكون بشراً { إنْ هذا } ما هذا {إلاَّ ملك كريم}(الوجيزفي تفسيرالكتاب العزيز-سورةيوسف)

وقال أبوحيان الأندلسي:
"وقطعن أيديهن أي جرحنها ، كما تقول : كنت أقطع اللحم فقطعت يدي. والتضعيف للتكثير إما بالنسبة لكثرة القاطعات ، وإما بالنسبة لتكثير الحز في يد كل واحدة منهن. فالجرح كأنه وقع مرارا في اليد الواحدة وصاحبتها لا تشعر لما ذهلت بما راعها من جمال يوسف ، فكأنها غابت عن حسها. والظاهر أن الأيدي هي الجوارح المسماة بهذا الاسم."(أبوحيان-البحرالمحيط-سورةيوسف: 6/269، دارالفكر-بيروت)

وقال صاحب ظلال القرآن:
لقد أقامت لهن مأدبة في قصرها. وندرك من هذا أنهن كن من نساء الطبقة الراقية. فهن اللواتي يدعين إلى المآدب في القصور. وهن اللواتي يؤخذن بهذه الوسائل الناعمة المظهر. ويبدو أنهن كن يأكلن وهن متكئات على الوسائد والحشايا على عادة الشرق في ذلك الزمان. فأعدت لهن هذا المتكأ. وآتت كل واحدة منهن سكينا تستعملها في الطعام - ويؤخذ من هذا أن الحضارة المادية في مصر كانت قد بلغت شأوا بعيدا ، وأن الترف في القصور كان عظيما. فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية. وبينما هن منشغلات بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة ، فاجأتهن بيوسف :
«وَقالَتِ : اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ» ..
«فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ» .. بهتن لطلعته ، ودهشن.
«وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ» ..
وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة.
«وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ!» ..
وهي كلمة تنزيه تقال في هذا الموضع تعبيرا عن الدهشة بصنع اللّه ..
«ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ».(سيدقطب- في ظلال القرآن-سورةيوسف: 4/1984)

وهكذانرى المفسرين،القدامى منهم والمحدثين،رحمهم الله جميعا،سلكوامسلكاواحدافي تأويل (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ).
والباحث حينماينظرفي هذاالتأويل لايرتاح إليه لإشكالات آتية:

الإشكال الأول:
لقد استعمل القرآن لفظ(تقطيع الأيدي)مرات كثيرة،مثل قوله تعالى:
قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ( سورةطه:71)
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (سورةالمائدة:33)
فالقرآن لايستعمل (تقطيع الأيدي) بمعنى:الخدش، والحزّ،والجرح البسيط في اليد،كمازعموا عن تلك النسوة،بل يستعمله بمعنى: المبالغة في القطع المتقطّع بشكل مؤلم فظيع حتى تنفصل اليد،أوالرجل من الجسم، كمافعل فرعون بالسحرة الذين آمنوابموسى وهارون. وكما يفعل بالذين يحاربون الله ورسوله،ويفسدون في الأرض.

الإشكال الثاني:
حينماقالت النسوة بحرف واحدعن سيدنايوسف:(حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ - سورةيوسف:31)
فهن لم يقصدن بكلامهنّ ذلك، تلك الوسامةوالقسامةوذلك الحسن والجمال الذي كان يكسو وجه سيدنايوسف، وإنما قصدن بكلامهنّ ذلك السموّالنفسي،والعلوّالروحي، والطهروالعفاف الذي كان يتمتع به يوسف على الوجه الأكمل- على الوجه الذي لايتصورمن أي بشر! وإنماهومن شأن الملائكة المكرمين.
والملائكة المكرمون يُضرب بهم المثل دائما في الخيروالصلاح والبروالتقوى،لافي الحسن والجمال وقسامة الوجه.

الإشكال الثالث:
حينما أرسل الملك إلى سيدنايوسف بعد ماأعجب بتأويل رؤياه،قال سيدنايوسف لرسول الملك:
ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (سورةيوسف:50)
فإن كان الأمر كما قيل، وهو أن تلك النسوة حينما رأين يوسف بُهتنَ لطلعته، ودهشن وجرحن أيديهن بالسكاكين للدهشة المفاجئة. أوحَززْنَها بالسَّكاكين ،ولم يجدن الألم لشغل قلوبهنَّ بيوسف،إن كان الأمر كذلك فهذا يعني أن تلك النسوة ماعليهن غبار.
إنهن ماأتين بشئ منكر يستوجب اللوم أوالمؤاخذة أوالمحاكمة، وإنماحدث ماحدث بصورةطبيعية خالصة،ولم يكن هناك كيد ولاتدبير ولاتعاون على الإثم،أومجاهرةبالسوء.
وإذاً،فلماذا تذكرهن سيدنايوسف بعد مدة طويلة لاتقل عن تسع حجج ؟ ولماذا تذكر تقطيعهنّ أيديهن بصفة خاصة ؟ وماعلاقته بالفحص عما حصل بينه وبين امرأة العزيز ؟ ولماذاقال بعد ذكرتقطيع الأيدي:
(إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) ؟
تلك أمورلاتدعنا نستريح إلى ماقيل في تأويل الآية.
وهنا يأتي سؤال: فما تأويل الآية إذاً ؟
قبل أن نقبل إلى تأويل الآية بإذن الله، نودّأن ننبّه إلى أمرين كانا مزلة وزلقا للناس في تأويل الآية:

معنى السكّين:
ماالمراد بالسكين في قوله تعالى:(وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا) ؟
فقد يراد بالسكين تلك الأداة التي تقشربها الفواكه والخضار،وتقطع.وهوالمعنى المعروف للّفظ.
ويراد به أحيانا على سبيل الاستعارة،أدوات الزينة والتجمل من الحُليّ والحُلل،وأصناف الطيب التي تستخدمها المرأة،وتتزين بها،وتستعين بها على اقتناص من تريد.
ويراد به أحيانا ذلك الجمال الساحر،الذي تملكه المرأة بطبيعتها،وتقتنص به الرجال.
وهناك كلمات أخرى غيرالسكين،تستعارلذكر فتنة المرأة واستحواذهاعلى الرجال، مثل:النبل، والسلاح، والسهام.
قال امرؤالقيس:
وَما ذَرَفَتْ عَيناكِ إلا لتَضْرِبِي ** بسَهمَيك في أعشار قَلبٍ مُقَتَّلِ
يقول الزوزني في شرح هذاالبيت:
للأئمة في البيت قولان، قال الأكثرون: استعار لِلَحْظِ عينيها ودمعهما اسم السهم لتأثيرهما في القلوب وجرحهما إياها كما أن السهام تجرح الأجسام وتؤثر فيها.
وتلخيص المعنى على هذا القول: وما دمعت عيناك وما بكيت إلا لتصيدي قلبي بسهمي دمع عينيك وتجرحي قطع قلبي الذي ذللته بعشقك غاية التذليل، أي نكايتهما في قلبي نكاية السهم في المرمى.(انظر:شرح المعلقات السبع للزوزني- معلقةامرئ القيس)
وقال بشاربن برد:
لقد شط المزار فبتُّ صبا ** يطــــــــــــــالعني الهوى من كل باب
وعهدي بالفراع وأم بكر ** ثقال الردف طيبــــــــــــــــــــة الرضاب
من الْمُتصيِّدات بكُلِّ نَبْلٍ ** تسيلُ إِذَا مشتْ سَيْلَ الْحُباب
مصورة يحار الطرف فيها ** كأنَّ حديثهــــــــــا سُكْرُ الشَّراب
(ديوان بشاربن برد: 1/146-147)
وقال أبودهبل الجمحي:
جنّية أو لها جنّ يعلمها ... رمى القلوب بقوس ما لها وتر
(ديوان الحماسةلأبي تمام-باب النسيب: 2/ 125)
وقال آخر:
تَعرَّضْنَ مَرْمَى الصَّيْدِ ثُمَّ رَمَيْنَنا ... مِنَ النَّبْلِ لاَ بِالطَّائِشاتِ الْخَوَاطِفِ
ضَعائِفُ يَقْتُلْنَ الرِّجالَ بِلاَ دَمٍ ... فَيـــــــــــــــــــا عَجباً لِلقاتِلاَتِ الضَّعائفِ
(ديوان الحماسةلأبي تمام-باب النسيب: 2/98-99)
وقال أبوعلي القالي:
وزادني بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأخفش:
إذا سمعت آذانها صوت سائل ** أصاخت فلم تأخذ سلاحاولا نبلا
( قال أبو علي ) السلاح ههنا جمالها.
(الأمالي في لغةالعرب- أبو علي إسماعيل بن القاسم القالي البغداد:2/6- دارالكتب العلمية –بيروت)
ثم هذه الاستعارة ليست خاصة بالنساء وسحرهنّ، وسبيهنّ قلوب الرجال، بل استخدموها للنوق كذلك.
ومنه قول المساور بن هند بن قيس بن زهير:
إذا قلت عودوا عــــــــــــاد كل شمردل ... أشم من الفتيان جزل مواهبه
إذا أخذت بزل المخاض سلاحها ... تجرد فيها متلف المــــــــال كاسبه
قال المرزوقي في شرحه:
يقول: إذا عرض على كل واحد من بني غالب معاودة الحروب والكرور فيها عاد منهم كل رجل تام الخلقة ممتد القامة، كريم النفس، كثير العطية.
وقوله: إذا أخذت بزل المخاض سلاحها فالمراد بسلاحها محاسنها وأمارات عتقها وكرمها، كأنها تتحلى بتلك المحاسن في عين أربابها حتى تحلى، فيصير ذلك سبباً للضن بها.
يريد أن تحسنها بسلاحها في عينه لا يجدي عليها نفعاً، ولا يدفع عنها مكروهاً، لما به من إكرام الضيوف، ويوجب على نفسه من قضاء الحقوق.(انظر:شرح ديوان الحماسةللمرزوقي: 2/10)
ولانريد أن نكثر، ففي تلك الأمثلةكفاية، والجدير بالذكرأن الشعراء حينما يذكرون تلك المعاني،يكثرون من ذكرالسهام، والنبال، والقسيّ، والسلاح؛ فإن النضال عندهم من بعيد.
وأماالقرآن، فإنه عدل عن تلك الكلمات إلى لفظ (السكين)؛فإن الصيد في متناول اليد،وليس عن النسوة ببعيد.فالمراد بالسكين في قوله تعالى: (وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا) أدوات الزينة والتجمّل التي تزيد في فتنة تلك النسوة ،وتزيد من سحر جمالهن، وتساعدهنّ في تدلية يوسف واستهوائه والانتصارعليه.
وأما السكين بمعنى:المدية،أو آلة القطع والذبح،فهذا ليس مكانه، وأسلوب الكلام وموقعه لايقبله، والمدية لاتقدّم للضيف في يده، ولاسيما إذا كانت ضيافة النسوة.
وإنما تكون المدية- إذاكانت- مع الطعام والفواكه في ضمن أدوات الأكل،ولوقدم إنسان لضيفه مدية من غيرمستلزماتها لأوحشه،وربماعاد الضيف على أدراجه!

معنى:(قطّعن أيديهن)
لقد سبق أن قلناإن لفظ:التقطيع يفيد معنى المبالغة في القطع، فإذاقيل مثلا: قطّع القاضي أيدي المجرمين وأرجلهم، فلا يفيد ذلك إلا أنه قطعها شر قطعة،حتى أبانها عن أماكنها.والقرآن لم يذكر تقطيع الأيدي والأرجل إلافي هذا المعنى.
ويفيد اللفظ هذا المعنى إذا تولى شخص تقطيع أيدي الآخرين.ولكن إذاكان أصحاب الأيدي هم الذين يقطّعون أيديهم فحينئذ يتحوّل اللفظ من الحقيقة إلى المجاز،لاستحالةأن يقطّع أصحاب الأيدي أيديهم حقيقة،فاللفظ يكون إذاً استعارة لبذل أقصى الجهد،واستنفاد الطاقة.
فحينما جاءعن هؤلاء النسوة أنهن قطّعن أيديهن، فهذا يوحي أنهن بذلن أقصى جهودهن،بل أقصى كيدهنّ ومكرهنّ لاستهواء يوسف، وإزلاقه من قمّة الطهر والعفاف إلى مهواة الفجور والفاحشة !
ويدل عليه أيضا دعاء يوسف واستجابة ربه،بعد ماتمت تلك المهزلة المخزية بفشل تلك النسوة:
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ(33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
كمايدلّ عليه قول يوسف لرسول الملك حينما جاءه في السجن،حيث قال:
وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)
وهذا التركيز على لفظ الكيد إن دل على شئ فإنمايدل على ضخامة ذلك الكيد والمكرالذي ابتلي به سيدنايوسف من تلك النسوة الفاتنات الماكرات،ولكنه خرج بفضل الله وتوفيقه، من تلك الفتنة الحالقة،بحيث لم يمسسه سوء،واعترفت تلك النسوة بكل صراحة بنزاهته وطهارته وشموخه: ( وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)

تأويل الآيات كما يمليه عليناالسياق:
والآن بعد هذاالتقديم المهمّ نتوجه إلى تأويل تلك الآيات،فنقول:
حينما راودت امرأة العزيز سيدنا يوسف عن نفسه، وبذلت كل ما استطاعت من صنوف الكيد والحيل لاستهوائه، وفشلت فشلا مخزيا فيما بذلت وفيماحاولت، افتضحت بين جاراتها وصديقاتها فضيحةلم تتصورها، وأصبحت حديث النسوة في كل بيت، وكلما اجتمعت صديقاتها وزميلاتها في صباحهن ومسائهن، تحدثن عنها،وسخرن منها،وقلن:
تلك امرأةخرقاء ذات نيقة، لاتعرف كيف تستبي فتاها! ليس فيها مكر ودهاء ! لوكنّا مكانها،لفعلنا كذا وكذا! وماكان لفتاها إلا أن يستجيب لنا،وينزل عند رغبتنا!
فذلك قوله تعالى:
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)
فالنسوة حينما قلن: (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) لم يقصدن أنها ليست عفيفة راشدة،وإنماقصدن أنها امرأة خرقاء لاتعرف كيف تنجز أمرها،وكيف تنال مبتغاها !
وأوضح دليل على ذلك أنهن فعلن كل ما فعلته امرأةالعزيز،حينما سنحت لهن الفرصة،فالأمرماكان أمرخلق وفضيلة، وإنما كان أمرالمهارة في إنجاز الرذيلة !
فلماوصل حديثهن إلى أذن امرأة العزيز،أخذتها العزة بالإثم،وقررت أن تجمعهن جميعافي قصرها،وتفسح لهن المجال مع فتاها،حتى يجربن مايتبجحن به من مكرهنّ ودهاءهن،وهي على يقين بأنهن لن ينجحن فيمافشلت فيه،و إنماكانت تريد أن تكمّم أفواههنّ،وتقيم الحجة على أنها إن فشلت في مبتغاها،فليس ذلك بسبب عجزهاوخُرقها،ونقص في مكرهاو دهائها، وإنما فشلت لأنها أدخلت يدها في أمرمستحيل !
فكان أن أرسلت إليهن، وأعتدت لهن غرفا مريحة فارهة تناسب مهمّتهنّ، وهيأت لهن جميع أدوات الزينةوأسباب الفتنة،حتى لايبقى عندهن عذر في فشلهن مع يوسف،إذافشلن كفشلها.
فأقبلت إليه النسوة كاسيات عاريات مائسات،ومكرن مكرا،وألقين حبالا،ورمينه بكل سهم،وتعرضن له بكل سكين، وأظهرن لافتتانه كل مهارة ولباقة ، وكانت نهاية كيدهن ومكرهن أنهن اعترفن اعترافا: (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ !!)
جملة القول أن المعاجم والقواميس لاتساعدنافي معنى (آتت كل واحدة منهن سكينا)كما لا تساعدنا في معنى(قطّعن أيديهن) ولكن القرآن - بجوّه وسياقه- واضح في معنى اللفظين،فلامبرر للعدول عن ظاهر القرآن إلى معان لا يقرّها اللسان،ولا يقترن بها برهان.
 
لفضيلة الوالد الدكتور محمد عناية الله سبحاني

قال تعالى في سورة يوسف:
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)
فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)

فمــامعنى:( وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) ؟
ماقيل في معنى:(قطّعن أيديهن)
....
حينما راودت امرأة العزيز سيدنا يوسف عن نفسه، وبذلت كل ما استطاعت من صنوف الكيد والحيل لاستهوائه، وفشلت فشلا مخزيا فيما بذلت وفيماحاولت، افتضحت بين جاراتها وصديقاتها فضيحةلم تتصورها، وأصبحت حديث النسوة في كل بيت، وكلما اجتمعت صديقاتها وزميلاتها في صباحهن ومسائهن، تحدثن عنها،وسخرن منها،وقلن:
تلك امرأةخرقاء ذات نيقة، لاتعرف كيف تستبي فتاها! ليس فيها مكر ودهاء ! لوكنّا مكانها،لفعلنا كذا وكذا! وماكان لفتاها إلا أن يستجيب لنا،وينزل عند رغبتنا!
فذلك قوله تعالى:
وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)
فالنسوة حينما قلن: (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) لم يقصدن أنها ليست عفيفة راشدة،وإنماقصدن أنها امرأة خرقاء لاتعرف كيف تنجز أمرها،وكيف تنال مبتغاها !
وأوضح دليل على ذلك أنهن فعلن كل ما فعلته امرأةالعزيز،حينما سنحت لهن الفرصة،فالأمرماكان أمرخلق وفضيلة، وإنما كان أمرالمهارة في إنجاز الرذيلة !
فلماوصل حديثهن إلى أذن امرأة العزيز،أخذتها العزة بالإثم،وقررت أن تجمعهن جميعافي قصرها،وتفسح لهن المجال مع فتاها،حتى يجربن مايتبجحن به من مكرهنّ ودهاءهن،وهي على يقين بأنهن لن ينجحن فيمافشلت فيه،و إنماكانت تريد أن تكمّم أفواههنّ،وتقيم الحجة على أنها إن فشلت في مبتغاها،فليس ذلك بسبب عجزهاوخُرقها،ونقص في مكرهاو دهائها، وإنما فشلت لأنها أدخلت يدها في أمرمستحيل !
فكان أن أرسلت إليهن، وأعتدت لهن غرفا مريحة فارهة تناسب مهمّتهنّ، وهيأت لهن جميع أدوات الزينةوأسباب الفتنة،حتى لايبقى عندهن عذر في فشلهن مع يوسف،إذافشلن كفشلها.
فأقبلت إليه النسوة كاسيات عاريات مائسات،ومكرن مكرا،وألقين حبالا،ورمينه بكل سهم،وتعرضن له بكل سكين، وأظهرن لافتتانه كل مهارة ولباقة ، وكانت نهاية كيدهن ومكرهن أنهن اعترفن اعترافا: (حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ !!)
جملة القول أن المعاجم والقواميس لاتساعدنافي معنى (آتت كل واحدة منهن سكينا)كما لا تساعدنا في معنى(قطّعن أيديهن) ولكن القرآن - بجوّه وسياقه- واضح في معنى اللفظين،فلامبرر للعدول عن ظاهر القرآن إلى معان لا يقرّها اللسان،ولا يقترن بها برهان.
أيها الفاضل
لا نرى في النص القرآني ما يشير إلى شيء من هذا
والزيادة على النص نسخ عند الأحناف !
 
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32))
المتأمل في الآية يتبادر إلى ذهنه مباشرة أن النسوة يثربن على امرأة العزيز فعلها حيث وصفنها بأنها في ضلال وليس الضلال فقط بل الضلال المبين ، وسواء كان ذاك التثريب لأنهن يمقتن هذا العمل في ذاته أو لأنها علقت بمن هو ليس في المقام المناسب.
والأخير هو الظاهر ولهذا سماه الله مكرا ، والدليل أنها لم تتحرج من دعوتهن لتثبت لهن أنهن كن مخطئات في تقديرهن ، بل وتصرح بأنها راودته وأنها أيضا مصرة على طلبها.
والصورة التي تقدمها لنا الآيات:
نساء متكئات في يد كل واحدة سكين ، والذي يفهم أيضا أن السكين كانت من أجل الأكل ولا يتصور في هذا المقام إلا أن يكون الأكل فواكه.
ويبدوا أن امرأة العزيز كانت على ثقة من ردة فعل النسوة ، لأنها تعرف ردة فعل المرأة أمام الجمال الآخذ إذا لم يكن هناك رادع من الإيمان والحياء، فلهذا لا يستغرب أن يقطعن أيديهن بمعنى يجرحن أيديهن وهذا أمر ممكن مع الذهول ويحصل كثيرا في حياة الناس.
ويبدو أن يوسف عليه السلام قد رأى فعلهن وسمع حوارهنّ وفهم منه أنهن قد رفعن اللوم عن امرأة العزيز وربما تبرعن بالمشورة لها لتصل إلى مبتغاها ، ولهذا أضاف يوسف الدعوة إلى الفاحشة على جميعهن في دعائه:
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (33)

وأما حمل القطع على إبانة جزء من اليد فلا يتصور هذا ولا شك أن القول به لا يستند إلى دليل.
أما اللوم فلا يتوجه إلى النسوة لأنهن بهرن بجمال يوسف عليه السلام وإنما اللوم يتوجه إليهن لأنهن حاولن ما ليس لهن بحق ولا يجيزه شرع ولا عقل ولا عرف.
وأما وصف يوسف النسوة باللاتي قطعن أيديهن فهو دليل أن التقطيع كان حقيقيا.
والله أعلى وأعلم.
 
(وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30)فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32))
المتأمل في الآية يتبادر إلى ذهنه مباشرة أن النسوة يثربن على امرأة العزيز فعلها حيث وصفنها بأنها في ضلال وليس الضلال فقط بل الضلال المبين ، وسواء كان ذاك التثريب لأنهن يمقتن هذا العمل في ذاته أو لأنها علقت بمن هو ليس في المقام المناسب.
والأخير هو الظاهر ولهذا سماه الله مكرا ، والدليل أنها لم تتحرج من دعوتهن لتثبت لهن أنهن كن مخطئات في تقديرهن ، بل وتصرح بأنها راودته وأنها أيضا مصرة على طلبها.
والصورة التي تقدمها لنا الآيات:
نساء متكئات في يد كل واحدة سكين ، والذي يفهم أيضا أن السكين كانت من أجل الأكل ولا يتصور في هذا المقام إلا أن يكون الأكل فواكه.
ويبدوا أن امرأة العزيز كانت على ثقة من ردة فعل النسوة ، لأنها تعرف ردة فعل المرأة أمام الجمال الآخذ إذا لم يكن هناك رادع من الإيمان والحياء، فلهذا لا يستغرب أن يقطعن أيديهن بمعنى يجرحن أيديهن وهذا أمر ممكن مع الذهول ويحصل كثيرا في حياة الناس.
ويبدو أن يوسف عليه السلام قد رأى فعلهن وسمع حوارهنّ وفهم منه أنهن قد رفعن اللوم عن امرأة العزيز وربما تبرعن بالمشورة لها لتصل إلى مبتغاها ، ولهذا أضاف يوسف الدعوة إلى الفاحشة على جميعهن في دعائه:
(قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (33)

هنا كلام نفيس للرازي رحمه الله تعالى:
"واعلم أن المرأة لما قالت : { وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مّن الصاغرين } [ يوسف : 32 ] وسائر النسوة سمعن هذا التهديد فالظاهر أنهن اجتمعن على يوسف عليه السلام وقلن لا مصلحة لك في مخالفة أمرها وإلا وقعت في السجن وفي الصغار فعند ذلك اجتمع في حق يوسف عليه السلام أنواع من الوسوسة :
أحدها : أن زليخا كانت في غاية الحسن .
والثاني : أنها كانت ذات مال وثروة ، وكانت على عزم أن تبذل الكل ليوسف بتقدير أن يساعدها على مطلوبها .
والثالث : أن النسوة اجتمعن عليه وكل واحدة منهن كانت ترغبه وتخوفه بطريق آخر ، ومكر النساء في هذا الباب شديد.
والرابع : أنه عليه السلام كان خائفاً من شرها وإقدامها على قتله وإهلاكه ، فاجتمع في حق يوسف جميع جهات الترغيب على موافقتها وجميع جهات التخويف على مخالفتها ، فخاف عليه السلام أن تؤثر هذه الأسباب القوية الكثيرة فيه .
واعلم أن القوة البشرية والطاقة الإنسانية لا تفي بحصول هذه العصمة القوية ، فعند هذا التجأ إلى الله تعالى وقال : { رَبّ السجن أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا يَدْعُونَنِى إِلَيْهِ }".
 
كان العلماء إذا رأوا الرجل يكثر من رواية الغرائب اتهموه في روايته ، وعندما أرى الباحث يكثر من الغرائب في فهمه على غير بينة شككت في معرفته بأصول العلم . وقد لاحظت كثرة مخالفة الدكتور عناية الله سبحاني لأقوال المفسرين وغيرهم ، مما يوحي بوجود مشكلة لدى الدكتور. وقد كنتُ قرأتُ بحثه للماجستير وللدكتوراه واستوقفتني كثرة الاجتهادات المريبة التي توحي بأن فهمه قد فاق فهم المفسرين السابقين أجمعين ، وأنهم قد غفلوا جميعاً عن أمرٍ تنبه له هو، وأراد أن يصحح هذه الأخطاء التي وقعوا فيها، ويقدم بين يديه بحجج سائغة من مثل قوله : كم ترك الأول للآخر ، وأنهم ليسوا بمعصومين ، ونحو هذه العبارات التي كثر تردادها عند الباحثين المعاصرين تمهيداً للإتيان بالجديد النافع برأيهم ، ولذلك فإنني بدأت أستريب مما يكتبه د. محمد عناية الله سبحاني حقاً، وأصبح لزاماً علينا التحذير من كتاباته ، ودعوة الباحثين لنقدها وبيان ما فيها من الخلل المنهجي .

وهذا الموضوع مثال لهذا الفهم المخالف لفهم أهل التفسير السابقين ، ودعونا نتوقف معه وقفات سريعة :

أولاً : يقول : (فالقرآن لايستعمل (تقطيع الأيدي) بمعنى:الخدش، والحزّ،والجرح البسيط في اليد،كما زعموا عن تلك النسوة،بل يستعمله بمعنى: المبالغة في القطع المتقطّع بشكل مؤلم فظيع حتى تنفصل اليد،أوالرجل من الجسم، كمافعل فرعون بالسحرة الذين آمنوا بموسى وهارون. وكما يفعل بالذين يحاربون الله ورسوله، ويفسدون في الأرض) .
فقد نفى أن يكون القرآن استعمل التقطيع بمعنى الخدش والحز والجرح ، على الرغم من أن هؤلاء المفسرين من السلف فسروا التقطيع هنا بهذا المعنى ، ولكنهم برأي الدكتور لم يفهموا لغة القرآن فهماً صحيحاً ، وهنا وقع الدكتور في خلل أصولي يتعلق بأصول التفسير ، حيث إن فهم هؤلاء للغة القرآن حجةٌ يجب علينا المصير إليها ، لأنهم أعلم مني ومنك بلغتهم ، وصاحب الذوق العربي يفهم من قوله تعالى : (وقطعن أيديهنَّ) الخدش والجرح ، ولا يفهم منها القطع (حتى تنفصل اليد،أو الرجل من الجسم) على حد قولك . فإن لكل مقام وسياق ما يليق به من المعنى الذي تحمله اللفظة ، ولو دلت على الحز والفصل في مقام آخر كما في سياق قصة فرعون والسحرة .

ثانياً : قولك في الإشكال الثاني (حينما قالت النسوة بحرف واحد عن سيدنا يوسف:(حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ – سورة يوسف:31)
فهن لم يقصدن بكلامهنّ ذلك، تلك الوسامة والقسامة وذلك الحسن والجمال الذي كان يكسو وجه سيدنا يوسف، وإنما قصدن بكلامهنّ ذلك السموّ النفسي،والعلوّ الروحي، والطهر والعفاف الذي كان يتمتع به يوسف على الوجه الأكمل- على الوجه الذي لا يتصور من أي بشر! وإنما هو من شأن الملائكة المكرمين.
والملائكة المكرمون يُضرب بهم المثل دائما في الخير والصلاح والبر والتقوى،لا في الحسن والجمال وقسامة الوجه)
وهذا كلام عجيب ، فمعرفتهن بسموه النفسي وعلوه الروحي وطهره وعفافه لا يتأتى من النظرة المفاجأة التي وقعت لهنَّ ، ولكن الذي يتأتى في تلك اللحظة المفاجئة هو دهشتهنّ من جماله البارع ، وهذا أمرٌ محسوس مشاهد لا يحتاج إلى هذا التكلف في توجيه هذا المشهد توجيهاً مخالفاً لظاهر الآية ، ولا أدري ما هو المبرر لهذا التوجيه ، وما وجه تسميته إشكالاً عند العربي الذي يفهم العربية .


ثالثاً : وأما الاستشكال الثالث فأعجب من الثاني ، فهو وصفهن بأنهن اللاتي قطعن أيديهن لأنه أمرٌ نادر الوقوع فكأن تلك الحادثة تناقلها الناس بينهم وأصبحت تعرف بين الناس بذلك، وعندما طلب يوسف عليه السلام سؤال النسوة اللاتي قطعن أيديهن فهو لا يقصد أن ذنبهن أنهن قطعن أيديهن وإنما ما تبع ذلك من مراودات وإغراء له للوقوع في الخطيئة، وسياق القصة واضح في ذلك للعربي أيضاً ولا إشكال فيه البتة .

رابعاً : أما تفسيرك للسكين بأنه أدوات الزينة فهذا مضحك جداً ، ويدل على أن بينك وبين فهم العربية مسافات ، وما حشدك للشواهد الشعرية إلا دليل على عدم فهمك للمقصود ، ورحم الله الإمام الفراهي الذي جرأكم على مثل هذا المنهج في الاستشهاد بالشعر فدخل فيه من يحسن ومن لا يحسن .
وأنا أستغرب في توجيه معنى السكين إلى هذه المعاني البعيدة ، والمعنى الظاهر هو المعنى الذي ذكره المفسرون كلهم ، وهو المعنى الذي يستقيم مع تقطيع الأيدي بهذه السكاكين ، ولكن العجمة تفسد على الباحث فهمه وتوقعه في المتاهات .
والخلاصة التي ذهبت إليها خاطئة ؛ لأنك بنيتها على فهمٍ غير صحيح، وظننت بالمفسرين أهل اللسان أنهم جهلوا ما أتيت به ، ولذلك فقولك
جملة القول أن المعاجم والقواميس لاتساعدنا في معنى (آتت كل واحدة منهن سكينا)كما لا تساعدنا في معنى (قطّعن أيديهن) ولكن القرآن - بجوّه وسياقه- واضح في معنى اللفظين،فلا مبرر للعدول عن ظاهر القرآن إلى معان لا يقرّها اللسان، ولا يقترن بها برهان.​
يظهر مدى الخلل لديك في الفهم ، فهذه القواميس والمعاجم وكتب التفسير هي المرجع لفهم لغة العرب لعلماء العربية من أهل العربية فضلاً عن غيرهم . وأنا أدعوك أن تتقي الله في الكلام في كلام الله بهذه الطريقة المجانبة لأصول فهم العربية ، ولا تظنن أن التهويل بذكر عبارات مثل (دلالة السياق) ونحوها تخفي هذا الضعف الظاهر في فهمك للعربية فإن الباحثين من العرب يستغربون ما تستحسنه ، ويستدلون به على قصور علمك بالعربية ، فدع عنك مثل هذه الاجتهادات التي لا قيمة لها، ولا علاقة لها بالأمر بتدبر القرآن ، وإنما هي من القول في كتاب الله بغير علم .
 
شكرا جزيلا لكل من د/ عبد الرحمن الشهرى &د/ أبو سعد الغامدى
ولكنى اتساءل هل ال د/ محمد عناية الله سبحانى شيعى ام سنى ؟, فان الشيعة هم من يجعلون للقرآن ظاهرا وباطنا ويخالفون أهل العربية. وان لم يكن شيعيا فهل هو صوفيا ؟ فهذه التأويلات الغريبة ( أو بالأصح الخواطر ) هى منهجهم دائما فى فهم القرآن ..ولا يستندون الى اى منهج علمى .. ( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا )
 
شكرا خاص للدكتور سعد الغامدى والدكتور عبد الرحمن الشهرى
 
جزاكم الله خيراً وقد انتظرت طويلاً لأقرأ رد اهل التخصص على الدكتور محي الدين غازي ،وسؤالي للدكتور الفاضل محي الدين غازي هل ما ذكره هو إشكالات حقيقية أم أنها إشكالات في ذهن الباحث إذ إن من شروط البحث العلمي أن يعالج إشكالات علمية حقيقية لا إشكالات في ذهن الباحث ،وقد قرأت ما كتبت عن قصة يوسف ونسوة المدينة مرات ومرات فما وجدت فيها إشكالاً علمياً وعلى ما يبدو أنها إما إشكالات في ذهن الباحث يجاب عليها من أهل التخصص أو أنها إشكالات مفتعلة للخروج بالتفسير (الذي هو الكشف عن مراد الله )عن قواعده اللغوية والعلمية المنضبطة ،ونحن في هذا المقام لا نشكك في إخلاص الباحث لهذا نفترض أنها إشكالات في ذهنه يجيب عليها أهل التخصص اللغوي والتفسيري.
 
شكرا جزيلا لكل من د/ عبد الرحمن الشهرى &د/ أبو سعد الغامدى
ولكنى اتساءل هل ال د/ محمد عناية الله سبحانى شيعى ام سنى ؟, فان الشيعة هم من يجعلون للقرآن ظاهرا وباطنا ويخالفون أهل العربية. وان لم يكن شيعيا فهل هو صوفيا ؟ فهذه التأويلات الغريبة ( أو بالأصح الخواطر ) هى منهجهم دائما فى فهم القرآن ..ولا يستندون الى اى منهج علمى .. ( ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا )

تساؤل وجيه، وأؤكد للسيد محمد حسن أن الدكتور سبحاني ليس شيعيا ولا صوفيا، وله ردود شديدة على المناهج التي لا تقوم على أسس علمية منضبطة بل تقوم على المعنى الباطن أو على الخواطر، فإن الذي يلجأ إلى ذلك لا يلجأ إلا لأن الأسس العلمية لا تساعده.
هذا ومنهج الدكتور سبحاني حفظه الله ورعاه في تقديري أقرب إلى منهج العلامة محمد أبوزهرة رحمه الله تعالى، والذي بيّنه في مقدمة كتابه زهرة التفاسير.
 
شكرا د/ محى الدين غازى على الأيضاح و جزاكم الله خيرا
والبحث المذكور لا يمس العقيدة ولا اسس من اسس الشريعة ولا الأحكام ولكنة ينبنى على اللغة ومدى فهم العلماء لها وادراك قارئ القرآن للغة القرآن .. وهذا من شأن أهل الأختصاص
وحيث اننا جميعا اليوم ( علماء وعامة )لا نتقن العربية كما اتقنها السالفين من الصحابة وتابعيهم والأزمنة التى من بعدهم .. فهل يجوز لنا فى عصرنا هذا ان نحاول فهم بعض آيات القرآن ( غير المحكمة منها ولا التى تمس العقيدة ولا التشريع ) - ك القصص القرآنى والأيات الكونية وخلق الأنسان وغيرها من الأيات - فهما بادراكاتنا اليوم وبعلوم عصرنا اليوم ؟
 
شكرا د/ محى الدين غازى على الأيضاح و جزاكم الله خيرا
والبحث المذكور لا يمس العقيدة ولا اسس من اسس الشريعة ولا الأحكام ولكنة ينبنى على اللغة ومدى فهم العلماء لها وادراك قارئ القرآن للغة القرآن .. وهذا من شأن أهل الأختصاص
وحيث اننا جميعا اليوم ( علماء وعامة )لا نتقن العربية كما اتقنها السالفين من الصحابة وتابعيهم والأزمنة التى من بعدهم .. فهل يجوز لنا فى عصرنا هذا ان نحاول فهم بعض آيات القرآن ( غير المحكمة منها ولا التى تمس العقيدة ولا التشريع ) - ك القصص القرآنى والأيات الكونية وخلق الأنسان وغيرها من الأيات - فهما بادراكاتنا اليوم وبعلوم عصرنا اليوم ؟
القرآن الكريم هو تزيل من حكيم حميد، أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير، ولم ينص القرآن ولا الحديث الشريف أن ثمة أيات محكمة وأخرى مشتابهة بالتحديد. فأرجو من العلماء الأفاضل بيان وتفصيل الآيات المحكمات والمتشابهات حتى يحذر عامة المسلمين من عدم تناولهم بحثاً وتفسيراً بل عليهم أن يتبعوا ما نقل عن السلف مع ذكر مأثور فسره النبي صلى الله عليه وسلم،
وأن كل ما يؤثر أو ينقل عن الصحابة ومن تبعهم فيه آراء متباينة ولم يقل أحد بالتحديد أن هذا أو ذاك قول مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا أصبحت قصص قرآنية غير محكمة ( متشابهة) فما المقصود بذكرها، القرآن يسرد قصصاً تارة بالتفصيل وأخرى بالإجمال كل في مكانه واضح كل الوضوح بحيث يهفمه قارئ القرآن ويتعظ به.
وحيث أن القرآن الكريم أنزل بلسان عربي مبين، بغض النظر عن أن ثمة آيات تتعلق بالعقيدة وأخرى بالشريعة فيجب اتباع قواعد اللغة العربية وعلومها وفنونها اللازمة في تفسير تلك الآيات أولاً، ولا غنى عن آراء السلف في فهم تلك الآيات‘ وفي كثر من الأحيان حتى السلف لهم أراء متباينة، فمن حق الباحث أن يتمحص في تلك الآراء ويختار ما يراه أقرب للفهم وذلك بناء على الأصول والقواعد.
والمشلكة كل المشلكة في علمائنا هو عدم التأني والبحث العميق في موضوع بل التسرع في الحكم، وكل ما يشكل عليهم ولا يممكن الرد بشكل علمي معقول، يحكم علي قائله بكل سهولة بأن قائل هذا القول خارج عن منهج أهل السنة..... هو قادياني، شيعي، صوفي أو من منكري الحديث........
 
من عظمة القرآن وإعجازه أن تفتتح سورة يوسف بقول الله تعالى: { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 1 - 3] فقوله جل وعلا: { تلك آيات الكتاب المبين} يقرر حقيقة كبرى في التعامل مع هذا القرآن وفهمه، وهي أن آياته واضحة بيّنة نزلت بلسان عربي مبين؛ فهل يتحقق هذا بما ذكره صاحب هذه التأويلات غير البينة ولا الظاهرة، والتي تحتاج إلى مكتشف يستنبطها ويوضحها للعرب الذين لم يصلوا إليها!!! سبحان الله العظيم.

الذي أجزم به أن هذا التفسير الذي نقله الدكتور محيي الدين غازي عن والده الدكتور محمد عناية الله سبحاني ما هو إلا من جنس "قراءة أصحاب القراءات المعاصرة المنحرفة لنصوص القرآن الكريم، ومن جنس تأويلات الباطنية المتقدمين. مع الاحترام والتقدير للناقل والباحث.
 
رحم الله الحسن البصري لما قال : ( أهلكتهم العجمة).غفر الله لصاحب المقال وعفا عنه، ما هذه العجمة في فهم كلام الله العربي؟!وهل سيكون أعرب من طبقة الصحابة والتابعين؟!هذا زمن العجائب، ينتقد فهم العرب ومن عاش لغتهم، ويدَّعي عليهم الخطأ في فهم كلام الله، وكأن كلام الله رموز لا يفهمها إلا هو.كم تفتقد المنهجية الصحيحة في فهم كلام الله أيها الشيخ؟ أيعقل أن يجهل علماء الصحابة والتابعين وأتباعهم مراد الله، ويغفلون عنه، وتفهمه أنت؟!إن تفسيرك يحمل بطلانه بذاته، لو كنت توقن بأنه لا يسلم في المنطق العلمي أن يجهل هؤلاء مراد الله، ولا يفهمون هذا الكلام العربي الذي نزل بلغتهم، وتفهمه أنت .كم تأتي أنت أو غيرك من المعاصرين إلى الاعتراض على قوال الأسلاف، وتردُّون قولهم ، وتدَّعون أن لكم حق الاجتهاد والتجديد؛ لأن كتاب الله مفتوح لكل عصر، وغير ذلك من الدعاوى التي ترفعون بها من فهمكم ، وتخفضون فهم سلفكم.وفي الوقت نفسه تجهلون المعيار الذي يجب أن تحتكموا إليه، الذي تعرفون به متى يجوز لكم الاجتهاد في فهم كلام الله أو الاستنباط منه، ومتى لا يجوز.وتفسيراتك الغريبة تدل على عدم اعتبارك لأصول التفسير، ولا للمنهج العلمي الصحيح في كيفية إضافة الأقوال التي لا تبطل قول أعلامنا من الصحابة والتابعين وأتباعهم.وأنصحك بمراجعة طريقتك الغريبة هذه في فهم كلام الله تعالى ، وعليك بالسداد، وأن تذكر قول مسروق رحمه الله : ( اتقوا التفسير ، فإنما هو الرواية عن الله).وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
 
جعلت كلمة السكين لها اكثر من معنى بينما كلمة القطع ليس لها عندك الا معنى واحدا ! اما قوله سبحانه "وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا " ان وجدت ما تقول في هذه الاية انهن يغتبنها وهي فرصة عندهن للنيل من امراة ذات منصب وجاه وهذه عادات النساء في الجاهلية وماذا تقول في قول الله تعالى "فذلكن الذي لمتنني فيه "
 
من عظمة القرآن وإعجازه أن تفتتح سورة يوسف بقول الله تعالى: { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف: 1 - 3] فقوله جل وعلا: { تلك آيات الكتاب المبين} يقرر حقيقة كبرى في التعامل مع هذا القرآن وفهمه، وهي أن آياته واضحة بيّنة نزلت بلسان عربي مبين؛ فهل يتحقق هذا بما ذكره صاحب هذه التأويلات غير البينة ولا الظاهرة، والتي تحتاج إلى مكتشف يستنبطها ويوضحها للعرب الذين لم يصلوا إليها!!! سبحان الله العظيم.

الذي أجزم به أن هذا التفسير الذي نقله الدكتور محيي الدين غازي عن والده الدكتور محمد عناية الله سبحاني ما هو إلا من جنس "قراءة أصحاب القراءات المعاصرة المنحرفة لنصوص القرآن الكريم، ومن جنس تأويلات الباطنية المتقدمين. مع الاحترام والتقدير للناقل والباحث.
إخواني الكرام:
حقا، فإن القرآن الكريم آياته واضحة بيّنة، ولكن ذلك لا يعني أنه لم يقع خلاف في فهم آيات القرآن بين السلف، وكذلك لا يعني أنه لم يقع خطأ من بعضهم في فهم بعض الآيات، وكذلك لا يعني أن باب البحث عن معنى أنسب وأصح قد أغلق، وأن العرب هم المخولون بالبحث عن المعنى الأنسب دون العجم، أو أهل قرن معين دون غيرهم.
ففي نفس سورة يوسف التي استهلت بقوله تعالى: الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُم ْتَعْقِلُونَ (2)، وقع اختلاف شديد في كثير من معاني آياته، فمثلا في قوله تعالى: أكبرنه، يقول السيوطي في الدر المنثور:
أخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد بن الكميت الشاعرقال : حدثني أبي عن جدي قال : سمعت جدي الكميت يقول في قوله {فلما رأينه أكبرنه} قال : أمنين ، وأنشد في ذلك :
لما رأته الخيل من رأس شاهق * صهلن وأكبرن المني المدفقا.
وَأخرَج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فلما رأينه أكبرنه} قال : لما خرج عليهن يوسف حضن من الفرح وقال الشاعر : نأتي النساء لدى إطهارهن ولا * نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا.
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {فلما رأينه أكبرنه} قال : أعظمنه.
وفي تفسير برهان ربه أقوال لا تحصى، ولا يمكن أن يصح منها إلا واحد.
ذكر بعضها السيوطي حيث قال:
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (لولا أن رءا برهان ربه) قال : رأى صورة أبيه يعقوب في وسط البيت عاضا على إبهامه فأدبر هاربا وقال : وحقك يا أبت لا أعود أبدا.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة وسعيد بن جبير في قوله {لولا أن رأى برهان ربه} قال : حل السراويل وجلس منها مجلس الخاتن فرأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا على أصابعه فدفع صدره فخرجت الشهوة من أنامله فكل ولد يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولدا إلا يوسف عليه السلام فإنه نقص بتلك الشهوة ولدا ولم يولد له غير أحد عشر ولدا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : في قوله {لولا أن رأى برهان ربه} قال : رأى آية من كتاب الله فنهته مثلت له في جدار الحائط.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام ثلاث آيات من كتاب الله (وإن عليكم لحافظون كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) (الإنفطار الآيات 10 - 11 - 12) وقول الله (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعلمون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه) (يونس الآية 61 - 62) وقول الله (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) (الرعد الآية 33).
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : رأى في البيت في ناحية الحائط مكتوبا (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) (الإسراء الآية 32).
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : لما خلا يوسف وامرأة العزيز خرجت كف بلا جسد بينهما مكتوب عليه بالعبرانية (أفمن هو قائم على كل نفس ما كسبت) (الرعد الآية 33) ثم انصرفت الكف وقاما مقامهما ثم رجعت الكف بينهما مكتوب عليها بالعبرانية (إن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) (الإنفطار الآيات 10 - 11 - 12) ثم انصرفت الكف وقاما مقامهما فعادت الكف الثالثة مكتوب عليها (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) (الإسراء الآية 32) وانصرفت الكف وقاما مقامهما فعادت الكف الرابعة مكتوب عليها بالعبرانية (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) (البقرة الآية 281) فولى يوسف عليه السلام هاربا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لولا أن رأى برهان ربه} قال : آيات ربه رأى تمثال الملك.
وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال : لما دخل يوسف عليه السلام معها البيت وفي البيت صنم من ذهب قالت : كما أنت حتى أغطي الصنم فإني أستحي منه ، فقال يوسف عليه السلام : هذه تستحي من الصنم أنا أحق أن أستحي من الله ، فكف عنها وتركها.
ويقول فضيلة الوالد الدكتور محمد عناية الله سبحاني حفظه الله: برهان ربه، هو ما قاله يوسف حين دعته امرأة العزيز: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون. أي وقر في نفسه أن هذا العمل ينافي مقتضى نعم الله عليه، حيث أحسن مثواه، وأن هذا عمل الظالمين، وأن الظالمين لا يفلحون، وأنه إذا فعل ذلك يكون من الخاسرين.
 
كثر في هذا العصر اتهام السابقين بعدم معرفتهم ـ المعرفة الصحيحة ـ لمعاني كتاب الله تعالى ، وكأن ذلك هو إثبات قوة العلم والتحرير، وتحرر الذهن، ولا شكَّ أن ذلك مسلكٌ خطيرٌ في تفسير كتاب الله تعالى، وسببه والله أعلم البعد الحقيقي عن معرفة اللغة العربية ودلالاتها، التي فاق فيها الأولون وبرعوا، إذ هي سليقتهم ولغتهم التي تفننوا فيها غاية التفنن، وبرعوا فيها غاية البراعة، ولا يحقُّ لنا مهما بلغنا من العلم أن نقول إنهم لم يفهموا كتاب الله تعالى، إذ الإجماع منعقد على معرفتهم بمعاني كتاب الله تعالى، وأبواب الاجتهاد في كتاب الله تعالى مفتوحة بعد ذلك في معرفة عموم ألفاظه، ومناطها، وما يستنبط منها، وما يُلحق بها، وما يحتمله اللفظ من المعاني والأمثلة الكثيرة.
وقد أكد العلماء على أهمية معرفة اللغة العربية لطالب التفسير: قال الإمام مجاهد بن جبر رحمه الله : "لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر؛ أن يتكلم في كتاب الله إذا لم يكن عالماً بلغات العرب"، وقال الشاطبي: "وكثيراً ما يوقع الجهلُ بكلام العرب في مجارٍ لا يرضى بها بها عاقل، أعاذنا الله من الجهل والعمل به بفضله" [الاعتصام: 1/ 192].
بل بيَّن العلماءُ أن من مسالك أهل البدع الكلام في كتاب الله تعالى مع الجهل بلغة العرب، قال الشاطبي في بيان مآخذ أهل البدع في الاستدلال: " ومنها: تخرُّصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيَّيْن مع العرو عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله، فيفتاتون على الشريعة بما فهموا، ويدينون به، ويخالفون الراسخين في العلم، وإنما دخلوا في ذلك من جهة تحسين الظن بأنفسهم، واعتقادهم أنهم من أهل الاجتهاد" [الاعتصام: 1 / 190].
وبهذا يتضح أن الجهل باللغة سبب كبير للجهل بمعاني كتاب الله تعالى، وهو سبيل للخطأ في المعاني وما يترتب عليها من أحكام وعقائد.
كما أن من الخطأ المنهجي المعاصر في التعامل مع كتب السابقين إطلاق العبارات الدالة على عدم فهمهم أو قلة علمهم، أو على خفاء العلم عليهم حتى وصل إلينا...
نسأل الله تعالى الهداية والسداد..​
 
رحم الله الحسن البصري لما قال : ( أهلكتهم العجمة).غفر الله لصاحب المقال وعفا عنه، ما هذه العجمة في فهم كلام الله العربي؟!وهل سيكون أعرب من طبقة الصحابة والتابعين؟!هذا زمن العجائب، ينتقد فهم العرب ومن عاش لغتهم، ويدَّعي عليهم الخطأ في فهم كلام الله، وكأن كلام الله رموز لا يفهمها إلا هو.كم تفتقد المنهجية الصحيحة في فهم كلام الله أيها الشيخ؟ أيعقل أن يجهل علماء الصحابة والتابعين وأتباعهم مراد الله، ويغفلون عنه، وتفهمه أنت؟!إن تفسيرك يحمل بطلانه بذاته، لو كنت توقن بأنه لا يسلم في المنطق العلمي أن يجهل هؤلاء مراد الله، ولا يفهمون هذا الكلام العربي الذي نزل بلغتهم، وتفهمه أنت .

شيخنا الكريم
اسمح لي أن أقول بكل تأدب، أنك عاتبت الباحث على ما لم يقترفه، فإنه لم يدّع أبدا أنه فهم مالم يفهمه الصحابة والتابعون، نعم، إنه ذكر تأويلا لم ينقل عنهم، ولكن شتان بين أن يصل المرء إلى فهم معنى لم ينقل عن الصحابة والتابعين، فيذكره، وبين أن يدّعي أنه لم يفهمه من أتى قبله، فإن ما جمعه ابن جرير وغيره لا يمثل كل ما فهمه الصحابة وعلماء التابعين، وكذلك ما جمعوه ليس بالضرورة صحيح نسبته إلى من نسب إليهم، فإذا ذكرنا معنى جديدا يوافق السياق القرآني، واطمأن إليه قلبنا، ووجدناه أنسب لعظمة القرآن، فإننا نقوله مع الإيمان بأنه إذا صح هذا المعنى الجديد، فلا شك في أنه نفس ما فهمه الصحابة والتابعون، وإن لم ينقل إلينا.
 
رحم الله الحسن البصري لما قال : ( أهلكتهم العجمة).غفر الله لصاحب المقال وعفا عنه، ما هذه العجمة في فهم كلام الله العربي؟!وهل سيكون أعرب من طبقة الصحابة والتابعين؟!هذا زمن العجائب، ينتقد فهم العرب ومن عاش لغتهم، ويدَّعي عليهم الخطأ في فهم كلام الله، وكأن كلام الله رموز لا يفهمها إلا هو.كم تفتقد المنهجية الصحيحة في فهم كلام الله أيها الشيخ؟ أيعقل أن يجهل علماء الصحابة والتابعين وأتباعهم مراد الله، ويغفلون عنه، وتفهمه أنت؟!إن تفسيرك يحمل بطلانه بذاته، لو كنت توقن بأنه لا يسلم في المنطق العلمي أن يجهل هؤلاء مراد الله، ولا يفهمون هذا الكلام العربي الذي نزل بلغتهم، وتفهمه أنت .كم تأتي أنت أو غيرك من المعاصرين إلى الاعتراض على قوال الأسلاف، وتردُّون قولهم ، وتدَّعون أن لكم حق الاجتهاد والتجديد؛ لأن كتاب الله مفتوح لكل عصر، وغير ذلك من الدعاوى التي ترفعون بها من فهمكم ، وتخفضون فهم سلفكم.وفي الوقت نفسه تجهلون المعيار الذي يجب أن تحتكموا إليه، الذي تعرفون به متى يجوز لكم الاجتهاد في فهم كلام الله أو الاستنباط منه، ومتى لا يجوز.وتفسيراتك الغريبة تدل على عدم اعتبارك لأصول التفسير، ولا للمنهج العلمي الصحيح في كيفية إضافة الأقوال التي لا تبطل قول أعلامنا من الصحابة والتابعين وأتباعهم.وأنصحك بمراجعة طريقتك الغريبة هذه في فهم كلام الله تعالى ، وعليك بالسداد، وأن تذكر قول مسروق رحمه الله : ( اتقوا التفسير ، فإنما هو الرواية عن الله).وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

الرجاء من إخواني الكرام تفسير قول مسروق رحمه الله : اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله...وهل الروايات الآتية كلها عن الله

  1. أخرج أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن الوزير بن الكميت بن زيد بن الكميت الشاعرقال : حدثني أبي عن جدي قال : سمعت جدي الكميت يقول في قوله {فلما رأينه أكبرنه} قال : أمنين ، وأنشد في ذلك :
لما رأته الخيل من رأس شاهق * صهلن وأكبرن المني المدفقا.
وَأخرَج ابن جرير ، وَابن المنذر ، وَابن أبي حاتم من طريق عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فلما رأينه أكبرنه} قال : لما خرج عليهن يوسف حضن من الفرح وقال الشاعر : نأتي النساء لدى إطهارهن ولا * نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا.
2-خرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (لولا أن رءا برهان ربه) قال : رأى صورة أبيه يعقوب في وسط البيت عاضا على إبهامه فأدبر هاربا وقال : وحقك يا أبت لا أعود أبدا.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة وسعيد بن جبير في قوله {لولا أن رأى برهان ربه} قال : حل السراويل وجلس منها مجلس الخاتن فرأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا على أصابعه فدفع صدره فخرجت الشهوة من أنامله فكل ولد يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولدا إلا يوسف عليه السلام فإنه نقص بتلك الشهوة ولدا ولم يولد له غير أحد عشر ولدا.
كيف اتهموا نبي الله يوسف عليه السلام بانه حل السراويل وجلس منها مجلس الخاتن... وفي رواية أخرى أن الله أرسل الله جبريل عليه السلامفي صورة أبيه يعقوب حتى يجنب نبيه يوسف عليه السلام ويبعده عن هذا الذنب. كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً. ما هو المرجع لهذا الرأي..... هل قاله الرسول صلى الله عليه وسلم أم هو اجتهاد أو رأي سعيد بن جبيرأم نسب إليه هذا القول؟
والقرآن ينص أن الله من على يوسف عليه السلام بالنبوة وأصبح نبياً حينما بلغ أشده: حيث يقول اللهسبحانه وتعالى
ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين (يوسف 22) الاية قبل ذلك المشهد.. وراودته التي .... (يوسف 23)

وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : في قوله {لولا أن رأى برهان ربه} قال : رأى آية من كتاب الله فنهته مثلت له في جدار الحائط.
وأخرج ابن جرير ، وَابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال : البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام ثلاث آيات من كتاب الله (وإن عليكم لحافظون كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) (الإنفطار الآيات 10 - 11 - 12) وقول الله (وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعلمون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه) (يونس الآية 61 - 62) وقول الله (أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت) (الرعد الآية 33).
وأخرج ابن أبي شيبة ، وَابن جَرِير ، وَابن المنذر وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال : رأى في البيت في ناحية الحائط مكتوبا (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) (الإسراء الآية 32).
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال : لما خلا يوسف وامرأة العزيز خرجت كف بلا جسد بينهما مكتوب عليه بالعبرانية (أفمن هو قائم على كل نفس ما كسبت) (الرعد الآية 33) ثم انصرفت الكف وقاما مقامهما ثم رجعت الكف بينهما مكتوب عليها بالعبرانية (إن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) (الإنفطار الآيات 10 - 11 - 12) ثم انصرفت الكف وقاما مقامهما فعادت الكف الثالثة مكتوب عليها (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) (الإسراء الآية 32) وانصرفت الكف وقاما مقامهما فعادت الكف الرابعة مكتوب عليها بالعبرانية (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) (البقرة الآية 281) فولى يوسف عليه السلام هاربا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لولا أن رأى برهان ربه} قال : آيات ربه رأى تمثال الملك.
وأخرج أبو الشيخ وأبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال : لما دخل يوسف عليه السلام معها البيت وفي البيت صنم من ذهب قالت : كما أنت حتى أغطي الصنم فإني أستحي منه ، فقال يوسف عليه السلام : هذه تستحي من الصنم أنا أحق أن أستحي من الله ، فكف عنها وتركها.
وما هو مرجع هذه الأقوال هل قالها الرسول صلى الله عليه وسلم أم أنها آراء ارتاها قائلوها وما مدى صحة تلك الآراء، هل قام أحد من رواتها بالحبث عن سندها؟

 
أخي رفيق شيخ أحمد وفقك الله أنت وألأخ د. محي الدين غازي وصاحب المقالة د. محمد عناية الله سبحاني ، ومع إنني لا أعرف واحداً منكم شخصياً ولكنني أحبكم في الله وأدعو الله أن يغفر لنا جميعاً تقصيرنا وذنوبنا .
نحن هنا لا نريد أن نناقش كل شيء ، وهذه الإيرادات التي توردها تدل على أنك لا تريد التعلم ، وإنما تغالط بإيراد إيرادات تظنها في صلب الموضوع ، وهي بعيدة عنه ، والنقاش يكشف للقارئ الفطن أين هو الحق ، وأين هو الخطأ .
ما كتبه د. محمد عناية الله أعلاه هو من القول في كتاب الله بغير علم ، ومحاولة تبرير الخطأ غير مقبولة ، وأرى أخي الناقل ينقل لنا مقالات والده ويراقب بصمتٍ , ويبدو أنه يرى النقاشات غير علمية حتى الآن وليته يضع لنا معايير النقاشات العلمية عنده حتى نحاول بلوغها .
وقد كنت في جلسة مع بعض المشايخ منهم الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم ، والأستاذ الدكتور ناصر العمر وغيرهم ، فأخبرتهم بهذه المقالة وغيرها ، وعرفوا الدكتور محمد عناية الله وأنه قد درس عندهم في جامعة الإمام ، فطلب مني الدكتور مصطفى مسلم طباعة كل هذه المقالات ليقرأها ويناقش الكاتب فيها ، ولعله ينشر رأيه قريباً . نسأل الله أن يرينا الحق حقاً وأن يجنبنا فتنة القول والعمل .
 
الأخ الفاضل رفيق - حفظه الله- هل أورد المفسرون تلك القصص التي سردتَ بعضها على سبيل التفسير منهم للآية ؟
 
ما كتبه د. محمد عناية الله أعلاه هو من القول في كتاب الله بغير علم ، ومحاولة تبرير الخطأ غير مقبولة ، وأرى أخي الناقل ينقل لنا مقالات والده ويراقب بصمتٍ , ويبدو أنه يرى النقاشات غير علمية حتى الآن وليته يضع لنا معايير النقاشات العلمية عنده حتى نحاول بلوغها .
وقد كنت في جلسة مع بعض المشايخ منهم الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم ، والأستاذ الدكتور ناصر العمر وغيرهم ، فأخبرتهم بهذه المقالة وغيرها ، وعرفوا الدكتور محمد عناية الله وأنه قد درس عندهم في جامعة الإمام ، فطلب مني الدكتور مصطفى مسلم طباعة كل هذه المقالات ليقرأها ويناقش الكاتب فيها ، ولعله ينشر رأيه قريباً . نسأل الله أن يرينا الحق حقاً وأن يجنبنا فتنة القول والعمل .
فضيلة الشيخ عبد الرحمن، كيف لي أن أقول ذلك، وبين يدي مشايخ أمثالكم، وليس السبب وراء صمتي هو مستوى النقاش، وأنتم أعلم بمعايير النقاش العلمي، وأهل لها، وإنما الأمر أنني لا أقصد أن يكون النقاش سريعا، وأحب أن لا يكون في جو يسوده الغضب، فكما أن القاضي لا يقضي وهو غضبان، فكذلك في رأيي لا تقدم الأدلة بين يدي القاضي وهو غضبان.
والحق أن هذه المقالات مقتبسة من كتاب الوالد في أصول التفسير، وأحببنا قبل طباعته، أن يعرض الكتاب في ملتقاكم الكريم، فنستقبل ملاحظات أهل العلم قبل أن يطبع الكتاب فتفوت الأوان، وفي رأيي هذا استخدام جيد لمثل هذا الملتقى، فليس القصد تقرير رأي معين، إنما القصد الإلمام المسبق بآراء أهل العلم قبل إصدار الكتاب.والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق.
 
إن سمح لي الإخوة بمشاركة هادئة حول ما تقدم من تفسيرٍ لمعنى تقطيع الأيدي الذي نقله سبحاني عن والده، وأنا أشارك هذه الثلة الفاضلة من العلماء بقولهم: إن ما أتى به سبحاني لا يعتمد على أصول علم التفسير، لا من حيث اللغة ولا من حيث الرواية ولا من حيث السياق، بل لا يعين عليه الواقع الذي تعيشه النسوة – كما لا يخفى فلا تأتي النسوة إلا متزينات متجملات -، وتفسير السكين بأداة التزيين لونٌ من التزيين، وتفسير التقطيع بما فسر تقطيع للنص القرآني ما بعده تقطيع، لكن علينا مناقشة الأمر بعيداً عن الغضب الذي يثيره هكذا اجتهاد؛ لأن من شأن المغضوب عليه أن يتصلب لرأيه ويتمسك به، إن أبدى الغاضب حدةً، وفي ظني أن الأمر لا يعدو أن يكون خيالاً قد تعالى، أو مناماً قد تراءى، بمعنى أن صاحبنا قد أخذ خياله منه مأخذاً، فأنزل النص على خياله فكان منه ما كان ولا حول ولا قوة إلا بالله، لكن علينا أن نعترف بأن فائدة طرح مثل هذه الموضوعات يزيدنا إيماناً بعلو كعب المتقدمين - مع اعترافنا أنهم غير معصومين -.
ومن فوائد هذا الطرح إعادة مناورة الذهنية النقدية، وهي فرصة سانحة لتجلية بعض الألفاظ المتصلة بالنص، مما يرفع غبار الاستبعاد أن يكون التقطيع تقطيعاً.
قوله تعالى: {وآتت كل واحدة منهن سكيناً}، يدل على أن امرأة العزيز حرصت على تقديم سكين لكل واحدة، والظاهر من النص أن كل واحدة من النسوة أخذت سكينها بيدها مباشرة من يد امرأة العزيز، وهذا يعطيك دلالة نفسية في مدى حرص امرأة العزيز على أن تأخذ كل امرأة سكيناً؛ كي لا يفوتها الخير القادم، وكأنها قد جعلت كل سكينة مصقولة بحث تؤدي الغرض المنشود.
قوله تعالى: {وقالت اخرج عليهن}، وفيه دلالة على أنه عليه السلام كان بحجرة داخل المكان الذي يجلسن فيه، ولو كان خارجاً لقالت: ادخل عليهن – أفاده المنار -، وفيه أن خروج الرجل من مكان وسط المجلس فيه ما يدعو إلى شدة الذهول والإعجاب، كما لا يخفى على من أحب أن يتخيل الموقف.
قوله تعالى: {وقطعن أيديهن} هو تقطيع بما يحمله ظاهر هذا اللفظ القرآني العربي بدلالته الواقعية، وأكثر ما يستعمل لفظ التقطيع فيمن جرح يده في هذا الذي أتت به الآية، ومن منا لم يقل لآخر قد جرح يده: قطعت يدك!! كناية عن قلة اهتمام الجارح ليده بسبب أمر قد أهمه، ولذلك حاولت النسوة أن يقدمن بين يدي تقطيع أيديهن الاعتذار فقلن مباشرة: {حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم}.
قوله تعالى: {ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} في النص إشارة واضحة إلى أن النسوة قد انتشر أمر تقطيع أيديهن بين الناس، لكن الذي يبدو أن سبب التقطيع لم ينتشر، وهنا مفصل الكلام، فلما سأل يوسف عليه الصلاة والسلام عن شأن النسوة اللاتي قطعن أيديهن وهو يعرِّض بسبب التقطيع، فكأنه يقول: ما بالهن حين قطَّع أيديهن؟ أفقدن عقولهن أو أن هناك شيئاً قد دبر بليل؟؟!!
قوله تعالى: {إن ربي بكيدهن عليم} في هذه الفاصلة تنبيه على أن ما وقع من تقطيع الأيدي سببه مكر النسوة الذي جعل امرأة العزيز تكيد لهن بما صنعت لهنَّ، وكيدهنَّ ليوسف عليه الصلاة والسلام بعد ذلك، وهذا ما فهمه الملك تماماً فتوجه لهنَّ بالسؤال قائلاً: {ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه}، فتقطيع الأيدي هو القاعدة الصلبة لكيد امرأة العزيز بالنسوة، وهو الدليل ذاته الذي سينجي يوسف عليه السلام من كيدهن، وهو دليل مادي استمر لسنوات عديدة، وهو ما يدل بقوة على أن التقطيع لم يكن خدشاً بسيطاً، أو حزاً يسيراً، بل هو قطع سالت منه الدماء، وليس بالضرورة أن تحصل الإبانة، وإن كان اللفظ القرآني يحتملها، ولا مانع من ذلك ألبتة، خصوصاً إذا سهرت امرأة العزيز على إمضاء السكاكين بنفسها، وكان كيد النساء ومكرهن عظيماً، فعند ذلك يكون القطع فيه قوة ذلك المكر، وليعلم العاملون أن مع الشدة يكون الفرج، وكلما احلولك الليل اقترب انبلاج صبح جديد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
أخي رفيق شيخ أحمد وفقك الله أنت وألأخ د. محي الدين غازي وصاحب المقالة د. محمد عناية الله سبحاني ، ومع إنني لا أعرف واحداً منكم شخصياً ولكنني أحبكم في الله وأدعو الله أن يغفر لنا جميعاً تقصيرنا وذنوبنا .
نحن هنا لا نريد أن نناقش كل شيء ، وهذه الإيرادات التي توردها تدل على أنك لا تريد التعلم ، وإنما تغالط بإيراد إيرادات تظنها في صلب الموضوع ، وهي بعيدة عنه ، والنقاش يكشف للقارئ الفطن أين هو الحق ، وأين هو الخطأ .
ما كتبه د. محمد عناية الله أعلاه هو من القول في كتاب الله بغير علم ، ومحاولة تبرير الخطأ غير مقبولة ، وأرى أخي الناقل ينقل لنا مقالات والده ويراقب بصمتٍ , ويبدو أنه يرى النقاشات غير علمية حتى الآن وليته يضع لنا معايير النقاشات العلمية عنده حتى نحاول بلوغها .
وقد كنت في جلسة مع بعض المشايخ منهم الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم ، والأستاذ الدكتور ناصر العمر وغيرهم ، فأخبرتهم بهذه المقالة وغيرها ، وعرفوا الدكتور محمد عناية الله وأنه قد درس عندهم في جامعة الإمام ، فطلب مني الدكتور مصطفى مسلم طباعة كل هذه المقالات ليقرأها ويناقش الكاتب فيها ، ولعله ينشر رأيه قريباً . نسأل الله أن يرينا الحق حقاً وأن يجنبنا فتنة القول والعمل .
أخي الكريم! عبد الرحمن معاضة الشهري، سلمك الله.
أحبك الله الذي أحببتني فيه، وأتضرع المولى القدير أن يجعلنا أنا وأنت وكل الإخوة المشاركين في ملتقى التفسير ممن يحب بعضهم بعضاً لوجه الله، ويكرمنا جميعًا على منابر النور في يوم يكون فيه الأخلاء بعضهم لعض عدو إلا المتقين .ربنا اغفر لنا ذنوبنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
وقد كثر الكلام في الملتقى عن الدكتور محمد سبحاني سلمه الله ومنهجه فأحق بالقائلين ما لهم وما عليهم.
والله يجزيكم عن طلبة علوم القرآن كل خير على اهتمامكم بعرض مقالات الدكتور محمد عناية الله على فضيلة الأستاذ الكبير الدكتور مصطفى مسلم للنظر فيها والتعليق عليها. فيكون جهداً مشكوراً.

ولكنكم حينما خصصتموني بالذكر: وهذه الإيرادات التي توردها تدل على أنك لا تريد التعلم، وإنماتغالط بإيراد إيرادات تظنها في صلب الموضوع، وهي بعيدة عنه، والنقاش يكشف للقاري الفطن أين هو الحق ، وأين هو الخطأ.

أقول ما يلي:
أولاً: إذا أردت بكلامك بأن سؤالي مع ذكر بعض الأقوال والآراء هو بعيد عن صلب الموضوع، (هو تفسير معنى قطعن أيدهن....)، فأقول استوقفني قول مسروق رحمه الله " اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله". ختم به كلامَه الأستاذ الفاضل مساعد الطيار، فأردت من الإخوة المشاركين والعلماء تفسير معنى هذا القول ومدلولاته. مع التعليق على الأقوال والآراء المذكورة في كتب التفاسير حول معنى الهم والبرهان في الآية كمثال للأقوال والآراء.

وإجابة على سؤال أثاره الأخ أبوصفوت سلمه الله في الملتقي.... هل أورد المفسرون تلك القصص التي سردتَ بعضها على سبيل التفسير منهم للآية؟
أقول أوردها تلك الأقوال ابن جريرالطبري رحمه الله. بل أتى بتفاصيل حديث المراودة التي دار بين يوسف وامرأة العزيز، إذ قال أبو جعفر:
ذُكِرَ أنَّ امرأة العزيز لما هَمَّت بيوسف وأرادت مُراودته ، جعلت تذكر له محاسنَ نفسه ، وتشوّقه إلى نفسها، كما:- حدثنا ابن وكيع ، قال: حدثنا عمرو بن محمد ، قال: حدثنا أسباط ، عن السدي:(ولقد همت به وهم بها) قال: قالت له: يا يوسف، ما أحسن شعرك! قال: هو أوَّل ما ينتثر من جسدي . قالت: يا يوسف، ما أحسن وجهك ! قال: هو للتراب يأكله . فلم تزل حتى أطمعته ، فهمَّت به وهم بها، فدخلا البيت ، وغلَّقت الأبواب ، وذهب ليحلّ سراويله ، فإذا هو بصورة يعقوب قائمًا في البيت، قد عضَّ على إصبعه، يقول:"يا يوسف لا تواقعها فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جو السماء لا يطاق ، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطع أن يدفع عن نفسه. ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يُعمل عليه ، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النَّمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه"، فربط سراويله ، وذهب ليخرج يشتدُّ ، فأدركته ، فأخذت بمؤخر قميصه من خلفه فخرقته، حتى أخرجته منه وسقط ، وطرحه يوسف واشتدَّ نحو الباب

وفي رواية عن ابن إسحاق... حتى رَقَّ لها مما يرى من كَلَفها به ، ولم يتخوَّف منها حتى همَّ بها وهمَّت به ، حتى خلوا في بعض بُيوته.
وفي رواية أخرى عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس ، سئل عن همّ يوسف ما بلغ؟ قال: حَلّ الهِمْيان ، وجلس منها مجلس الخاتن
وفي رواية عن ابن أبي مليكة ، قال: سألت ابن عباس: ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت له ، وجلس بين رجليها.
وفي رواية عن ابن أبي مليكة :قال: استلقت له، وحلّ ثيابه.

وفي رواية ابن أبي مليكة ، قال: سألت ابن عباس ما بلغ من همّ يوسف؟ قال: استلقت على قفاها ، وقعد بين رجليها لينزعَ ثيابه.
وفي رواية الأعمش ، عن مجاهد ، في قوله:(ولقد همت به وهم بها) قال: حلّ سراويله حتى وقع على أَلْيَتيه.

تعليق الطبري على آراء تخالف هذا القول:

· وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف وتأوَّلوا القرآن بآرائهم ، فإنهم قالوا في ذلك أقوالا مختلفة.
فقال بعضهم: معناه: ولقد همت المرأة بيوسف، وهمَّ بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمِّها به مما أرادته من المكروه، لولا أنّ يوسف رأى برهان ربه ، وكفَّه ذلك عما همّ به من أذاها، لا أنها ارتدعت من قِبَل نفسها . قالوا: والشاهد على صحة ذلك قوله:(كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) قالوا: فالسوء هُو ما كان همَّ به من أذاها ، وهو غير"الفحشاء".
· وقال آخرون منهم: معنى الكلام: ولقد همت به، فتناهى الخبرُ عنها. ثم ابتدئ الخبر عن يوسف ، فقيل:"وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه" . كأنهم وجَّهوا معنى الكلام إلى أنَّ يوسف لم يهمّ بها ، وأن الله إنما أخبر أنَّ يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهمَّ بها ، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهمَّ بها ، كما قيل:( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا )، [النساء: 83].

قال أبو جعفر: ويفسد هذين القولين: أن العرب لا تقدم جواب "لولا" قبلها، لا تقول:"لقد قمت لولا زيد" ، وهي تريد": لولا زيد لقد قمت" ، هذا مع خلافهما جميع أهل العلم بتأويل القرآن، الذين عنهم يؤخذ تأويله.

وقال آخرون منهم: بل قد همَّت المرأة بيوسف، وهم يوسف بالمرأة ، غير أن همَّهما كان تميِيلا منهما بين الفعل والترك، (1) لا عزمًا ولا إرادة. قالوا: ولا حرج في حديث النفس، ولا في ذكر القلب، إذا لم يكن معهما عزْمٌ ولا فعلٌ.

وأما " البرهان " الذي رآه يوسف، فترك من أجله مواقعة الخطيئة، فإن أهل العلم مختلفون فيه.
فقال بعضهم: نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة .
* ذكر من قال ذلك:
وفي رواية عن ابن مليكة عن ابن عباس قال: فلم يُعْطِ على النداء....، فلم يزد على هذا = قال ابن جريج: وحدثني غير واحد، أنه رأى أباه عاضًّا على إصبعه.
وفي رواية عن ابن أبي مليكة , قال: نودي فلم يسمع.. قال : بلغني أنّ يوسف لما جلس بين رجلي المرأة فهو يحلّ هميانه، نودي: يا يوسف بن يعقوب، لا تزن , فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه. فأعرض، ثم نودي فأعرض، فتمثل له يعقوب عاضًّا على إصبعه، فقام.
وفي رواية عن ابن أبي مليكة , عن ابن عباس , قال: ...فلم يطع على النداء، ففُزِّع.
وقال آخرون: " البرهان " الذي رأى يوسف فكفّ عن مواقعة الخطيئة من أجله، صورة يعقوب عليهما السلام يتوعّده .
وفي رواية عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: رأى صورةَ، أو: تمثالَ، وجهِ يعقوب عاضًّا على إصبعه , فخرجت شهوته من أنامله.
وفي رواية عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (لولا أن رأى برهان ربه) قال: مَثَل له يعقوب , فضرب في صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
وفي رواية: حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن علي بن بذيمة،عن سعيد بن جبير: رأى صورةً فيها وجه يعقوب عاضًّا على أصابعه، فدفع في صدره،فخرجت شهوته من أنامله . وفي رواية: فكلُّ ولد يعقوب وُلِدَ له اثنا عشر رجلا إلا يوسف، فإنه نقص بتلك الشهوة، ولم يولد له غير أحد عشر.
وفي رواية حدثني الحارث عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: مثل له يعقوب، فدفع في صدره، فخرجت شهوته من أنامله.
وفي رواية عن عبيد بن سليمان قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (لولا أن رأى برهان ربه) ، آية من ربه؛ يزعمون أنه مَثَلَ له يعقوب، فاستحيى منه.
وقال آخرون: بل البرهان الذي رأى يوسف، ما أوعد الله عز وجل على الزنا أهله .
ذكر من قال ذلك:
عن أبي مودود , قال: سمعت محمد بن كعب القرظي , قال: رفع رأسَه إلى سقف البيت , فإذا كتاب في حائط البيت: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا ، [سورة الإسراء: 32].
ومنهم من يقول إن البرهان الذي رأى يوسف: ثلاث آيات من كتاب الله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ الآية، [سورة الانفطار: 10] , وقوله: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ الآية، [سورة يونس: 61]، وقوله: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ [سورة الرعد: 33]. قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي , وزاد آية رابعة: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا . حتى البعض إنه رأى ترجمة تلك الآية أو الآيات باللغة العبرية.
وقال آخرون: بل رأى تمثال الملك .
عن ابن عباس: .......يقول: آيات ربه، أُرِيَ تمثالَ الملك.
عن ابن إسحاق، , قال: كان بعض أهل العلم، فيما بلغني، يقول: البرهان الذي رأى يوسف فصرف عنه السوءَ والفحشاء، يعقوبُ عاضًّا على إصبعه , فلما رآه انكشفَ هاربًا ،ويقول بعضهم: إنما هو خيال إطفير سيده، حين دَنا من الباب , وذلك أنه لما هرب منها واتبعته، ألفياه لدى الباب.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله جل ثناؤه أخبر عن همِّ يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه , لولا أن رأى يوسف برهان ربه , وذلك آيةٌ من الله، زجرته عن ركوب ما همَّ به يوسف من الفاحشة، وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب، وجائز أن تكون صورة الملك - وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا، ولا حجة للعذر قاطعة بأيِّ ذلك [كان] من أيٍّ .
المرجع:

http://www.qurancomplex.org/Quran/tafseer/Tafseer.asp?Page=238&l=arb&t=tabary&bcsi_scan_E356CDC7DAB87AE0=+lp/xuHzxEBMEqluLAr7RMdvTH4EAAAAqrFDBg==&bcsi_scan_filename=Tafseer.asp

و الموسوعة الشاملة. (3.28)

ولكم بعض النماذج من تفسير البسيط للواحدي (ت 468 هـ)

قال ابن عباس في رواية عن ابن أبي مليكة: إنه لم يزدجر برؤية صورة يعقوب حتى ركض جبريل في ظهره (يوسف عليه السلام) فلم يبق فيه شهوة إلا خرجت فوثب واستبقا الباب،

هذا الذي ذكره قول أئمة المفسرين الذين أخذوا التأويل عمن شاهدوا التنزيل، وأما المتأخرون فإنهم ذكروا في الآية أوجها قصدوا بها تنزيه يوسف عن الهم الفاسد .

تعليق المشارك:
ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا الاختلاق أأنزل عليه ( قائل هذه الأقوال ) الذكر من بين المفسرين.... ) لأن هذا الحادث لم يشهده إلا جبريل حينما ذهب ليركض ظهر يوسف عند الواقعة كما ذكره الواحدي، أو يعقوب عليه حينما ذهب ليبعد ابنه عن الفاحشة، حتى يرى البعض أنه من كرامات يعقوب عليه السلام، حتى قال من قال إن بسبب خروج هذه الشهوة من يوسف عليهم السلام حر م عليه السلام من أحد أبناء كما تقدم...

وقال آخرون: الآية محمولة على التقديم والتأخير، وتلخيصها: ولقد همت به لو لا أن رآى برهان ربه لهم بها، فقدم جواب لو لا عليها، كما يقال قد كنت من الهالكين لو لا أن فلاناُ خلصك، ومثله قول الشاعر
فلا يدعني قومي صريحًا لحرة لئن كنت مقتولاً ويسلم عامر
ص (74)

تعليق الواحدي على رأي يخلف هذا القول:
قال أبو اسحاق والذي عليه المفسرون أنه هم بها، وأنه جلس منها مجلس الرجل من المرأة إلا أن الله تفضل بالبرهان...... ص 76

يمكن تحميل الكتاب من موقع:
http://www.al-shaaba.net/vb/showthread.php?t=15174

رأي شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله.:

وبعد رد هذا القول بأوجه كثيرة ختم كلامه بتعليق جميل مقنع واضح كل الوضوح:

و يوسفعليه السلام لم يذكر الله تعالى عنه في القرآن أنه فعل مع المرأة ما يتوب عنه أو يستغفر منه أصلا . وقد اتفق الناس على أنه لم تقع منه الفاحشة ولكن بعض الناس يذكر أنه وقع منه بعض مقدماتها مثل ما يذكرون أنه حل السراويل وقعد منها مقعد الخاتن ونحو هذا وما ينقلونه في ذلك ليس هو عن النبي عليه السلام ولا مستند لهم فيه إلا النقل عن بعض أهل الكتاب وقد عرف كلام اليهود في الأنبياء وغضهم منهم كما قالوا في سليمان ما قالوا وفي داود ما قالوا ، فلو لم يكن معنا ما يرد نقلهم لم نصدقهم في مالم نعلم صدقهم فيه؛ فكيف نصدقهم فيما قد دل القرآن على خلافه.

والقرآن قد أخبر عن يوسف من الاستعصام والتقوى والصبر في هذه القضية ما لم يذكر عن أحد نظيره فلو كان يوسف قد أذنب لكان إما مصرا وإما تائبا والإصرار ممتنع فتعين أن يكون تائبا . والله لم يذكر عنه توبة في هذا ولا استغفارا كما ذكر عن غيره من الأنبياء ; فدل ذلك على أن ما فعله يوسف كان من الحسنات المبرورة والمساعي المشكورة كما أخبر الله عنه بقوله تعالى : { إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين
وإذا كان الأمر في يوسف كذلك ; كان ما ذكر من قوله : { إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي } إنما يناسب حال امرأة العزيزلا يناسب حال يوسف فإضافة الذنوب إلى يوسف في هذه القضية
فرية على الكتاب والرسول وفيه تحريف للكلم عن مواضعه وفيه الاغتياب لنبي كريم عليه السلام وقول الباطل فيه بلادليل ونسبته إلى ما نزهه الله منه وغير مستبعد أن يكون أصل هذا من اليهودأهل البهت الذين كانوا يرمون موسى بما برأه الله منه فكيف بغيره من الأنبياء ؟ وقد تلقى نقلهم من أحسن به الظن وجعل تفسير القرآن تابعا لهذا الاعتقاد .
المرجع:

http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?bk_no=22&ID=972&idfrom=1562&idto=1571&bookid=22&startno=4

(وفي التوراة المحرف أن يوسف عليه السلام هرب عارياً تاركاً قميصه عند المرأة. (إضافة من المشارك)

ورأي الشيخ الشنقيطي رحمه الله حول تفسير الآية:

أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن - (13 / 8)

قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} الآية، ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هم بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه؛ ولكن القرآن العظيم بين براءته عليه الصلاة والسلام من الوقوع فيما لا ينبغي حيث بين شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته، وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به.

أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم: يوسف، والمرأة، وزوجها، والنسوة،والشهود.
أما حزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فذكره تعالى في قوله: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} الآية [12/26].وقوله: {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [12/33].

وأما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [12/32]، وقولها: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [12/51].
وأما اعتراف زوج المرأة، ففي قوله: {قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [12/28، 29].
وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} الآية [12/26].
وأما شهادة الله جل وعلا ببراءته، ففي قوله: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [12/24].

قال الفخر الرازي في "تفسيره": قد شهد الله تعالى في هذه الآية الكريمة على طهارته أربع مرات:
أولها: {لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ} واللام للتأكيد والمبالغة.
والثاني: قوله: {وَالْفَحْشَاءَ}، أي: وكذلك لنصرف عنه الفحشاء.
والثالث: قوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا}، مع أنه تعالى قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [25/63].
والرابع: قوله: {الْمُخْلَصِينَ}، وفيه قراءتان: قراءة باسم الفاعل. وأخرى باسم المفعول.
فوروده باسم الفاعل يدل على كونه آتياً بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص.
ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه، واصطفاه لحضرته. وعلى كلا الوجهين فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزهاً عما أضافوه إليه. اهـ من تفسير الرازي.
ويؤيد ذلك قوله تعالى: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [12/23].

وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته، ففي قوله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [38/82، 83]، فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين، ولا شك أن يوسف من المخلصين، كما صرح تعالى به في قوله: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}، فظهرت دلالة القرآن من جهات متعددة على براءته مما لا ينبغي.


وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية ما نصه: وعند هذا نقول: هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام هذه الفضيحة، إن كانوا من أتباع دين الله تعالى فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته، ولعلهم يقولون: كنا في أول الأمر تلامذة إبليس، إلى أن تخرجنا عليه فزدنا في السفاهة عليه؛ كما قال الخوارزمي:
وكنت امرأ من جند إبليس فارتقى بي الدهر حتى صار إبليس من جندي
فلو مات قبلي كنت أحسن بعده طرائق فسق ليس يحسنها بعدي
فثبت بهذه الدلائل: أن يوسف عليه السلام بريء مما يقول هؤلاء الجهال. ا هـ كلام الرازي.

ولا يخفى ما فيه من قلة الأدب مع من قال تلك المقالة من الصحابة وعلماء السلف الصالح! وعذر الرازي في ذلك هو اعتقاده أن ذلك لم يثبت عن أحد من السلف الصالح.

فإن قيل: قد بينتم دلالة القرآن على براءته عليه السلام مما لا ينبغي في الآيات المتقدمة. ولكن ماذا تقولون في قوله تعالى : {وَهَمَّ بِهَا} [12/24] فالجواب من وجهين:

الأول: إن المراد بهم يوسف بها خاطر قلبي صرف عنه وازع التقوى. وقال بعضهم: هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المذمومة بالتقوى، وهذا لا معصية فيه؛ لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف. كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما لا أملك"، يعني ميل القلب الطبيعي.
ومثال هذا ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد، مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة"؛ لأنه ترك ما تميل
إليه نفسه بالطبع خوفاً من الله، وامتثالاً لأمره، كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [79/40، 41].
وهم بني حارثة وبني سلمة بالفرار يوم أحد، كهم يوسف هذا، بدليل قوله: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} [3/122]؛ لأن قوله: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} يدل على أن ذلك الهم ليس معصية، لأن إتباع المعصية بولاية الله لذلك العاصي إغراء على المعصية.
والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه: هذا ما يهمني، ويقول فيما يحبه ويشتهيه: هذا أهم الأشياء إلي، بخلاف هم امرأة العزيز، فإنه هم عزم وتصميم، بدليل أنها شقت قميصه من دبر وهو هارب عنها، ولم يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي إلا عجزها عنه.
ومثل هذا التصميم على المعصية: معصية يؤاخذ بها صاحبها، بدليل الحديث الثابت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار"، قالوا: يا رسول الله قد عرفنا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "إنه كان حريصاً على قتل صاحبه"، فصرح صلى الله عليه وسلم بأن تصميم عزمه على قتل صاحبه معصية أدخله الله بسببها النار.
وأما تأويلهم هم يوسف بأنه قارب الهم ولم يهم بالفعل، كقول العرب: قتلته لو لم أخف الله، أي قاربت أن أقتله، كما قاله الزمخشري.
وتأويل الهم بأنه هم بضربها، أو هم بدفعها عن نفسه، فكل ذلك غير ظاهر، بل بعيد من الظاهر ولا دليل عليه.
والجواب الثاني: وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف لم يقع منه هم أصلاً، بل هو منفي عنه لوجود البرهان.

قال مقيده عفا الله عنه: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية؛ لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب: أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه، كقوله: {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ} [10/84]، أي: إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه، فالأول: دليل الجواب المحذوف لا نفس الجواب، لأن جواب الشروط وجواب {لَوْلا} لا يتقدم، ولكن يكون المذكور قبله دليلاً عليه كالآية
وكقوله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [27/64]، أي: إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم.
وعلى هذا القول: فمعنى الآية، {وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [12/24]، أي: لولا أن رآه هم بها. فما قبل {لَوْلا} هو دليل الجواب المحذوف، كما هو الغالب في القرآن واللغة.
ونظير ذلك قوله تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا} [28/10]، فما قبل {لَوْلا} دليل الجواب. أي لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به.
واعلم أن جماعة من علماء العربية أجازوا تقديم جواب {لَوْلا} [12/24] وتقديم الجواب في سائر الشروط: وعلى هذا القول يكون جواب {لَوْلا} في قوله: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [12/24]، هو ما قبله من قوله: {وَهَمَّ بِهَا} [12/24]، وإلى جواز التقديم المذكور ذهب الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو العباس المبرد، وأبو زيد الأنصاري.
وقال الشيخ أبو حيان في البحر المحيط ما نصه: والذي اختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها ألبتة، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان؛ كما تقول: لقد فارقت لولا أن عصمك الله. ولا نقول: إن جواب {لَوْلا} متقدم عليها، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك، بل صريح أدوات الشروط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها. وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون، ومن أعلام البصريين: أبو زيد الأنصاري، وأبو العباس المبرد.

بل نقول: إن جواب {لَوْلا} محذوف لدلالة ما قبله عليه، كما يقول جمهور البصريين في قول العرب: أنت ظالم إن فعلت؛ فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم. ولا يدل قوله أنت ظالم على ثبوت الظلم، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل، وكذلك هنا التقدير: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فكان وجود الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم، ولا التفات إلى قول الزجاج. ولو كان الكلام؛ ولهم بها كان بعيداً، فكيف مع سقوط اللام؟ لأنه يوهم أن قوله: {وَهَمَّ بِهَا}، هو جواب {لَوْلا} ونحن لم نقل بذلك، وإنما هو دليل الجواب. وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب فاللام ليست بلازمة، لجواز أن يأتي جواب {لَوْلا} إذا كان بصيغة الماضي

وبغير لام تقول: لولا زيد لأكرمتك، ولولا زيد أكرمتك، فمن ذهب إلى أن قوله: {َهَمَّ بِهَا} نفس الجواب لم يبعد، ولا التفات لقول ابن عطية: إن قول من قال: إن الكلام قد تم في قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ}، وإن جواب {لَوْلا} في قوله: {وَهَمَّ بِهَا} وإن المعنى: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، فلم يهم يوسف عليه السلام.
قال: وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف اهـ.
أما قوله: يرده لسان العرب فليس كما ذكر، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب، قال الله تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [28/10]، فقوله: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ} إما أن يتخرج على أن الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل، وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب، والتقدير: لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به.

وأما أقوال السلف: فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضاً، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة.

والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب؛ لأنهم قدروا جواب {لَوْلا} محذوفاً ولا يدل عليه دليل؛ لأنهم لم يقدروا لهم بها ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط؛ لأن ما قبل الشرط دليل عليه اهـ. محل الغرض من كلام أبي حيان بلفظه.
وقد قدمنا أن هذا القول هو أجري الأقوال على لغة العرب، وإن زعم بعض العلماء خلاف ذلك.
فبهذين الجوابين تعلم أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بريء من الوقوع فيما لا ينبغي، وأنه إما أن يكون لم يقع منه أصلاً بناء على أن الهم معلق بأداة الامتناع التي هي {لَوْلا} على انتفاء رؤية البرهان، وقد رأى البرهان فانتفى المعلق عليه، وبانتفائه ينتفي المعلق الذي هو همه بها كما تقدم إيضاحه في كلام أبي حيان.

وإما أن يكون همه خاطراً قلبياً صرف عنه وازع التقوى، أو هو الشهوة والميل الغريزي المذموم بالتقوى كما أوضحناه، فبهذا يتضح لك أن قوله: {وَهَمَّ بِهَا} لا يعارض ما قدمنا من الآيات على براءة يوسف من الوقوع فيما لا ينبغي.

ويختتم الشنقيطي رحمه الله كلامه بقوله:
هذه الأقوال التي رأيت نسبتها إلى هؤلاء العلماء منقسمة إلى قسمين:

قسم لم يثبت نقله عمن نقله عنه بسند صحيح، وهذا لا إشكال في سقوطه.

قسم ثبت عن بعض من ذكر، ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك، فالظاهر الغالب على الظن، المزاحم لليقين: أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات؛ لأنه لا مجال للرأي فيه، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صلى الله عليه وسلم.
وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف بأنه جلس بين رجلي كافرة أجنبية، يريد أن يزني بها؛ اعتماداً على مثل هذه الروايات. انتهى كلام الشنقيطي رحمه الله>


ولكن السؤال يبقى كما هو ما معنى ومدلولات قول مسروق رحمه الله" اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله". هل تلك الروايات كلها عن اللهتبارك وتعالى لأنها رويت عن من رويت! وما الذي يترتب على من َيُرُّد أو يخالف تلك الروايات؟
 
سأبدأ من حيث انتهى أخونا رفيق أحمد شيخ في قول مسروق رحمه الله: "اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن الله"، وهذا شأن مفسري السلف أنهم كانوا يتهيبون التفسير؛ ويقول الشعبي: "والله ما من آية إلا وقد سألت عنها ولكنها الرواية عن الله"، ومعنى كلام الشعبي، أنه عنده من التفاسير لكلام الله الشيء الكثير، لكنه يتقي الله ولا يحدث إلا بما يثق به؛ لأنها الرواية عن الله، والأقوال في الهيبة من التفسير عند علماء السلف كثيرة في هذا المقام، ومقصود مسروق رحمه الله تعالى أن من أراد أن يتكلم بتفسير آية فعليه أن يتهيب لذلك؛ لأنه يتكلم عن مراد الله ومقصده من كلامه، فالمفسر عندما يقول: وتفسير الآية كذا، معناه: مراد الله كذا، ومقصد الله كذا، فالمفسر في حقيقة الأمر هو راوٍ عن الله تعالى، وفي هذا خطر كما لا يخفى، ولهذا تنبه علماؤنا رحمهم الله تعالى لخطورة علم التفسير، فجاءت مثل تلك الرواية التي تتحدث عن خطورة الأمر، ووجه أن المفسر راوٍ عن الله تعالى، أن التفسير بيان معنى ألفاظ الآيات، فعندما يفسر يعطي ألفاظاً جديدة لمعنى ارتآه المفسر من الآية أو الآيات، وبالتالي فالمعنى الذي أتى به هو في حقيقته رواية عن الله، فتكون الرواية عن الله، رواية ألفاظ ومعان، ورواية معان دون ألفاظ، أما رواية الألفاظ والمعاني فهي القرآن الكريم، وأما رواية المعاني دون الألفاظ فهي التفسير الذي يأتي به كل مفسر على حدة، وهذا تماماً يقابل ما ذكره ابن القيم في بيان حال الفقهاء في عنوان كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين.
وأما اختلاف المفسرين في تفسير الآيات نعم هو من قبيل رواية معنى الآية، كما أن اختلاف الفقهاء فيما بينهم من قبيل الاختلاف في معرفة مراد الله تعالى من عباده، فهذا يقول مباح، وذاك يقول حرام، ويصح الاختلاف في التفسير، وعليه يصح الاختلاف في الرواية، لكن شرط ذلك كله الخضوع لأصول علم التفسير، وهي الأثر واللغة والسياق، من حيث الدليل ووجه الاستدلال، ولا يوجد أدنى مانع أن يقع الاختلاف في التفسير، والله قد أمر بتدبره، وأنزله بلسان عربي مبين، وجعل الألفاظ تحمل العديد من المعاني، ولو أراده لفظاً واحداً لمعنى واحد لجعله قطعي الدلالة، لكنه سبحانه أراده في معظمه ظني الدلالة ليكون موطن الامتحان والابتلاء، وليرى الله من عباده حرصاً وتعظيماً وتوقيراً وتقديساً وهيبةً من الإقدام على التفسير، وهذا ما وقفه علماؤنا رحمهم الله تعالى من التفسير فكانت منهم تلك الهيبات المتوارثة، فورثوا الهيبة مع التفسير، ونحن ورثنا التفسير دون الهيبة، فكان منا ما كان ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال ابن شوذب: حدثني يزيد بن أبي يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام، وكان أعلم الناس، فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع، لأنهم رأوا أن التفسير أخطر من الفتيا، فالفتوى متعلقة بأفعال العباد، أما التفسير فهو متعلق بأفعال العباد وفكرهم وسلوكهم ونهضتهم وحياتهم ومماتهم ورفعتهم وخسفهم وبقائهم وذهابهم، ومن أراد أن يعلم حقيقة الهيبة من الكلام في التفسير فلينظر إلى واقعنا المعاصر سيعلم علم اليقين بأن قلوبنا تطاولت على كتاب ربنا قبل عقولنا، فتكلمنا وما درينا، وتلونا وما وعينا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
رأي شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية رحمه الله.:
وبعد رد هذا القول بأوجه كثيرة ختم كلامه بتعليق جميل مقنع واضح كل الوضوح:
و يوسفعليه السلام لم يذكر الله تعالى عنه في القرآن أنه فعل مع المرأة ما يتوب عنه أو يستغفر منه أصلا . وقد اتفق الناس على أنه لم تقع منه الفاحشة ولكن بعض الناس يذكر أنه وقع منه بعض مقدماتها مثل ما يذكرون أنه حل السراويل وقعد منها مقعد الخاتن ونحو هذا وما ينقلونه في ذلك ليس هو عن النبي عليه السلام ولا مستند لهم فيه إلا النقل عن بعض أهل الكتاب وقد عرف كلام اليهود في الأنبياء وغضهم منهم كما قالوا في سليمان ما قالوا وفي داود ما قالوا ، فلو لم يكن معنا ما يرد نقلهم لم نصدقهم في مالم نعلم صدقهم فيه؛ فكيف نصدقهم فيما قد دل القرآن على خلافه.

. . . . . . . . . .
ويختتم الشنقيطي رحمه الله كلامه بقوله:
هذه الأقوال التي رأيت نسبتها إلى هؤلاء العلماء منقسمة إلى قسمين:
قسم لم يثبت نقله عمن نقله عنه بسند صحيح، وهذا لا إشكال في سقوطه.
قسم ثبت عن بعض من ذكر، ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك، فالظاهر الغالب على الظن، المزاحم لليقين: أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات؛ لأنه لا مجال للرأي فيه، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صلى الله عليه وسلم.

هنا يتفق الإمام الشنقيطى رحمه الله مع شيخ الإسلام رحمه الله فى أن كثيراً من المنقول عن السلف الصالح رضى الله عنهم فى هذه المسألة قد تلقوه عن بعض أهل الكتاب ، وإنه من الإسرائيليات المنكرة ، وهو ما نميل إليه ونرجحه
وبارك الله فى الأخ رفيق وجزاه خيراً على إجتهاده
 
إخواني الكرام ومشايخي العظام
صحيح أن السكين بمعنى أدوات الزينة، وتقطيع اليد بمعنى بذل الجهد ليس موجودا في قواميس اللغة وكتب التفسير، ولم ينقل عن أحد أنه اختار هذا المعنى، وهذا يعرفه فضيلة الوالد الدكتور سبحاني، ولكنه ومع معرفته واعترافه بذلك يريد أن يقرر مبدأ، وهو أنه إذا كان السياق القرآني يدل على معنى، فإن ذلك يؤخذ به ولو لم ينقل فيه شاهد من اللغة، ولو لم يرو ذلك المعنى عن أحد.
وهو يقول: وهنا لا يفوتنا التنبيه إلى أن القرآن هو أوثق وأوسع مرجع في لغة العرب،فقد تكون هناك كلمةعربية استعملها العرب في معنى، واستعملها القرآن في ذلك المعنى، وفي معنى آخر، لايوجد له شاهد في كلام العرب. ولكن تلك الكلمة تكون واضحة في مدلولها بحكم سياقها. إذا كان الوضع هكذا، فلا يترك ذلك المعنى الذي يقتضيه السياق، وتدل القرينة على صحته، والكلمة تتسع لذلك المعنى من غير تكلف،لايترك ذلك المعنى بحجة أنه لايوجدله شاهدفي كلام العرب. فإن القرآن كلام محفوظ لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، بخلاف كلام العرب، فإنه ليس كله محفوظا، بل جزءكبيرمنه قد تلاعبت به الأيام، وعبثت به يد الحدثان، ولعل الذي وصل إلينا أقلّ مما ذهب عنا.
ويقول: جملة القول أن المعاجم والقواميس لاتساعدنا في معنى (آتت كل واحدةمنهن سكينا)كما لا تساعدنا في معنى (قطّعن أيديهن) ولكن القرآن - بجوّه وسياقه- واضح في معنى اللفظين، فلامبرر للعدول عن ظاهر القرآن إلى معان لا يقرّها اللسان، ولايقترن بها برهان.
والحق أن المعنى لا يفهم إلا من السياق، فمثلا من قال تمنى يأتي بمعنى قرأ، استدل ببيت شاعر يقول:
تمنى كتاب الله أول ليلة، وآخرها لاقى حمام المقادر
فالدليل على أن تمنى في البيت المذكور بمعنى قرأ هو السياق، لا غير.
 
هل سيصبح السياق أداة طيعة في يد كل من أراد أن يتكلم في كلام الله تعالى ما يحلو له؟!
وهل فهم السياق أن يكون حجة مبسوطة بحيث تُخرج الباحث عن مقصدية النص؟؟
السياق له ضوابطه ومعاييره الذاتية، لا يصح أن نتجاوزها بحال من الأحوال، لكني أريد من أخينا الفاضل أن يذكر لي تلك الأدلة السياقية التي يرى فيها تأييداً لما ذهب له فضيلة الوالد من تزيين السكين، وتقطيع التقطيع، وأرجو أن تكتب هذه الأدلة السياقية بلغة عربية مباشرة واضحة، غير مزينة العبارات، ولا مقطعة الدلالات، ولك جزيل الشكر والامتنان وتمام الإحسان.
 
هل سيصبح السياق أداة طيعة في يد كل من أراد أن يتكلم في كلام الله تعالى ما يحلو له؟!
وهل فهم السياق أن يكون حجة مبسوطة بحيث تُخرج الباحث عن مقصدية النص؟؟
السياق له ضوابطه ومعاييره الذاتية، لا يصح أن نتجاوزها بحال من الأحوال، لكني أريد من أخينا الفاضل أن يذكر لي تلك الأدلة السياقية التي يرى فيها تأييداً لما ذهب له فضيلة الوالد من تزيين السكين، وتقطيع التقطيع، وأرجو أن تكتب هذه الأدلة السياقية بلغة عربية مباشرة واضحة، غير مزينة العبارات، ولا مقطعة الدلالات، ولك جزيل الشكر والامتنان وتمام الإحسان.
أخي الكريم د. المثنى
أما الأدلة السياقية فقد ذكرها فضيلة الوالد في مقاله وبلغة عربية كما نظن، ولكن أرجو منك بكل أدب وإخلاص، أن تتحفنا بضوابط السياق ومعاييره الذاتية، فنستفيد. جزاكم الله خيرا.
 
نعم الوالد حبيب إلى النفس لكن الحق أحب، أما ضوابط السياق فهي تكمن في الضابط اللغوي وما يتعلق به من قانون التعامل مع اللفظة المفردة، سواء كانت ذا دلالة واحدة لا تخرج عنها، إلا بتشبيه أو استعارة أو كناية وما شابه، أو كانت ذات دلالات متعددة، وهو ما قامت عليه فلسفة كتب الوجوه والنظائر، أو ما يتعلق بالتراكيب، وضابط التعامل مع التراكيب ما ينسجم مع التراكيب السابقة واللاحقة، وبما يحقق الانسجام المعنوي لمجموع الآيات، بما تحفه من قرائن وأدلة على أن المقصود هذا المعنى دون ذاك، فمثلاً لنقف مع المثال الذي نحن فيه "سكين"، فلا يوجد في لغة العرب ما يدل على ما ذهب إليه الوالد في مقاله، فالضابط اللغوي يأبى المناصرة لرأي الوالد في هذا الجانب، ومع ذلك فإنكم تقرون بذلك، وتعترفون بأنه لا يوجد في اللغة ما ينصركم لتأييد رأيكم في أن السكين هي أداة الزينة.
ولننتقل الآن إلى المعنى التركيبي {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا}، هذا التركيب الأصل فيه أن يبقى على ظاهره؛ لأنه لا يوجد فيه ما يدل على أن المقصود من السكين آله التزيين، إذن علينا أن نبحث عن معنى آلة التزيين في التراكيب السابقة واللاحقة، {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً}، هذه التراكيب السابقة في الآية نفسها، هل يوجد فيها ما يدل صراحة أو إشارة قريبة أو بعيدة على أن معنى السكين آلة التزيين؟ بل الأمر على عكس ذلك تماماً، فهي قد سمعت بمكرهن وهل جزاء مكرهن أن تقدم لهن أدوات التزيين؟ وهل التزيين يحتاج إلى إعداد المتكأ؟ الأمر لا يوجد فيه من قريب أو بعيد ما يدل على هذا المعنى، أما التراكيب اللاحقة، {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}، لا يوجد فيها أي إشارة لفظية أو معنوية تدل على التزيين، بل المعاني تتضافر على تثبيت المعنى الواضح لأدنى بصيرة.
هذا من حيث سياق الآية، أما من حيث سياق المقطع وسياق السورة فالمعاني متتابعة ومتلاحقة ومتضافرة في تثبيت أن معنى التقطيع المعهود المعروف، وهل يفهم من قوله تعالى: {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي: تزينَّ؟!
ومع ذلك فقد طلبت منك أخي أن تذكر لي تلك الأدلة السياقية التي تدل على أن المقصود بالسكين أداة التزيين، بلغة عربية مباشرة واضحة، وأنا لا أقصد الإساءة بل أعني ما أقول، لأنني لا أريد أن ندخل في دوامة الجدل بلغة محتملة، وكل ما أريده أن نتناقش بلغة علمية لنستفيد ليس إلا، والحديث عن ضوابط السياق حديث طويل، لا يتسع المقام إلى ذكره، وقد ذكرت شيئاً عنه في كتابي نظرية السياق القرآني فانظره إن شئت، لكنني هنا أطالب بالأدلة السياقية، وأنا مصر على أن السياق ليس قانوناً فضفاضاً، بل له ما يضبطه في التعامل الأصولي، على مستوى المفردة، وعلى مستوى التركيب، وعلى مستوى التراكيب المتساوقة، وعلى مستوى جو السورة، والتطبيق هو ما يثبت ذلك أو ينفيه، فالكل يدعي والبقاء لصاحب الدليل.
وقولك: "وهو أنه إذا كان السياق القرآني يدل على معنى، فإن ذلك يؤخذ به ولو لم ينقل فيه شاهد من اللغة، ولو لم يرو ذلك المعنى عن أحد".
ثم تنقل عن الوالد قوله: "وهو يقول: وهنا لا يفوتنا التنبيه إلى أن القرآن هو أوثق وأوسع مرجع في لغة العرب،فقد تكون هناك كلمة عربية استعملها العرب في معنى، واستعملها القرآن في ذلك المعنى، وفي معنى آخر، لا يوجد له شاهد في كلام العرب. ولكن تلك الكلمة تكون واضحة في مدلولها بحكم سياقها. إذا كان الوضع هكذا، فلا يترك ذلك المعنى الذي يقتضيه السياق، وتدل القرينة على صحته، والكلمة تتسع لذلك المعنى من غير تكلف،لا يترك ذلك المعنى بحجة أنه لا يوجد له شاهد في كلام العرب. فإن القرآن كلام محفوظ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بخلاف كلام العرب، فإنه ليس كله محفوظا، بل جزء كبير منه قد تلاعبت به الأيام، وعبثت به يد الحدثان، ولعل الذي وصل إلينا أقلّ مما ذهب عنا."
وهنا خطورة الموقف الذي لا تُحمد عقباه، وهي الدعوى بأنه قد يوجد في كلام الله تعالى ألفاظ قد تحمل معاني لا يوجد في لغة العرب ما يشهد لها وإنما تفهم من السياق، ألست معي في أن هذا الكلام سيفتح الباب أمام العابثين في كتاب الله تعالى؟ ألست معي في أن هذا الطرح يسعد له الحداثيون الذين يريدون تفكيك النص القرآني وإعادة بنائه حسب ما يرون؟ ألست معي أن الموضوع لم يعد قاصراً على رأي ارتآه الوالد وإنما هو خطير لأنه يعطي الآخر سلاحاً فتاكاً على طبق من ذهب؟ ألست معي في أن هذا الطرح قد يؤسس لمنهج يسير عليه أصحاب النفوس الخبيثة ويقولون يصح لنا أن نفهم ما نريد ولو لم يكن في لغة العرب ما يدل على فهمنا، واعلم أخي الحبيب أن كثيراً من أولئك الذين يتربصون بنا ينتظرون من يعلق لهم جرس الفتنة، فحذار أن تكون من يصنع ذلك.
ولذلك فعلماؤنا رحمهم الله تعالى – وخصوصاً المتقدمين – كانت كلماتهم حول التفسير قليلة جداً، وهذا شيء قد يزعج بعض الدارسين، ويظن أنهم لم يكونوا ليتوسعوا في الحديث حول الآيات، الأمر ليس بهذه البساطة، لأنهم يعتقدون أن كل كلمة صدرت عنهم ستكون لمن بعدهم مجالاً خصباً للانطلاق في التفكير والإتيان بما يريدون وما لا يريدون، فهم محترزون لأنهم أخذوا التفسير بهيبته وقداسته.
وأريد أن أنقل لك كلمة للطوفي يقول في كتابه الإكسير في علم التفسير بعد أن ذكر قانون التفسير: "واعلم أن التزام هذا القانون في التفسير يدفع عنك كثيراً من خبط المفسرين بتباين أقوالهم، واختلاف آرائهم، وإنما ينتفع بالتزام هذا القانون من كانت له يد في معرفة المعقول والمنقول واللغة وأوضاعها، ومقتضيات ألفاظها، والمعاني والبيان، بحيث إذا استبهم عليه تفسير آية، وتعارضت فيها الأقوال، صار إلى ما دل عليه القاطع العقلي، أو النقلي، ثم إلى مقتضى اللفظ لغة، ونحو ذلك، أما من كان قاصراً فيما ذكرناه، فلا ينتفع بما قررناه"ص43.
وأؤكد لك أن الأمر ليس مجرد رأي يُقال، وإنما هي فتنة تُحاك، فليس المتدبر لكتاب الله تعالى هو من أطلق لسانه بكل ما خطر في باله، وإنما المتدبر هو من نظر في مآلات تفكيره، وعلم ما ستحدثه تلك الكلمات من مزالق، نعم الرجوع عن الرأي أمر صعب على النفس، ولكن أريد منك أخي أن تسارع إلى الاعتراف بضعف هذا الرأي ومرجوحيته كي تختم القضية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
نعم الوالد حبيب إلى النفس لكن الحق أحب، أما ضوابط السياق فهي تكمن في الضابط اللغوي وما يتعلق به من قانون التعامل مع اللفظة المفردة، سواء كانت ذا دلالة واحدة لا تخرج عنها، إلا بتشبيه أو استعارة أو كناية وما شابه، أو كانت ذات دلالات متعددة، وهو ما قامت عليه فلسفة كتب الوجوه والنظائر، أو ما يتعلق بالتراكيب، وضابط التعامل مع التراكيب ما ينسجم مع التراكيب السابقة واللاحقة، وبما يحقق الانسجام المعنوي لمجموع الآيات، بما تحفه من قرائن وأدلة على أن المقصود هذا المعنى دون ذاك، فمثلاً لنقف مع المثال الذي نحن فيه "سكين"، فلا يوجد في لغة العرب ما يدل على ما ذهب إليه الوالد في مقاله، فالضابط اللغوي يأبى المناصرة لرأي الوالد في هذا الجانب، ومع ذلك فإنكم تقرون بذلك، وتعترفون بأنه لا يوجد في اللغة ما ينصركم لتأييد رأيكم في أن السكين هي أداة الزينة.
ولننتقل الآن إلى المعنى التركيبي {وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا}، هذا التركيب الأصل فيه أن يبقى على ظاهره؛ لأنه لا يوجد فيه ما يدل على أن المقصود من السكين آله التزيين، إذن علينا أن نبحث عن معنى آلة التزيين في التراكيب السابقة واللاحقة، {فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ} {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً}، هذه التراكيب السابقة في الآية نفسها، هل يوجد فيها ما يدل صراحة أو إشارة قريبة أو بعيدة على أن معنى السكين آلة التزيين؟ بل الأمر على عكس ذلك تماماً، فهي قد سمعت بمكرهن وهل جزاء مكرهن أن تقدم لهن أدوات التزيين؟ وهل التزيين يحتاج إلى إعداد المتكأ؟ الأمر لا يوجد فيه من قريب أو بعيد ما يدل على هذا المعنى، أما التراكيب اللاحقة، {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}، لا يوجد فيها أي إشارة لفظية أو معنوية تدل على التزيين، بل المعاني تتضافر على تثبيت المعنى الواضح لأدنى بصيرة.
هذا من حيث سياق الآية، أما من حيث سياق المقطع وسياق السورة فالمعاني متتابعة ومتلاحقة ومتضافرة في تثبيت أن معنى التقطيع المعهود المعروف، وهل يفهم من قوله تعالى: {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي: تزينَّ؟!
ومع ذلك فقد طلبت منك أخي أن تذكر لي تلك الأدلة السياقية التي تدل على أن المقصود بالسكين أداة التزيين، بلغة عربية مباشرة واضحة، وأنا لا أقصد الإساءة بل أعني ما أقول، لأنني لا أريد أن ندخل في دوامة الجدل بلغة محتملة، وكل ما أريده أن نتناقش بلغة علمية لنستفيد ليس إلا، والحديث عن ضوابط السياق حديث طويل، لا يتسع المقام إلى ذكره، وقد ذكرت شيئاً عنه في كتابي نظرية السياق القرآني فانظره إن شئت، لكنني هنا أطالب بالأدلة السياقية، وأنا مصر على أن السياق ليس قانوناً فضفاضاً، بل له ما يضبطه في التعامل الأصولي، على مستوى المفردة، وعلى مستوى التركيب، وعلى مستوى التراكيب المتساوقة، وعلى مستوى جو السورة، والتطبيق هو ما يثبت ذلك أو ينفيه، فالكل يدعي والبقاء لصاحب الدليل.
وقولك: "وهو أنه إذا كان السياق القرآني يدل على معنى، فإن ذلك يؤخذ به ولو لم ينقل فيهشاهد من اللغة، ولو لم يرو ذلك المعنى عن أحد".
ثم تنقل عن الوالد قوله: "وهو يقول: وهنالا يفوتنا التنبيه إلى أن القرآن هو أوثق وأوسع مرجع في لغة العرب،فقد تكون هناككلمة عربية استعملها العرب في معنى، واستعملها القرآن في ذلك المعنى، وفي معنى آخر،لا يوجد له شاهد في كلام العرب. ولكن تلك الكلمة تكون واضحة في مدلولها بحكم سياقها. إذا كان الوضع هكذا، فلا يترك ذلك المعنى الذي يقتضيه السياق، وتدل القرينة علىصحته، والكلمة تتسع لذلك المعنى من غير تكلف،لا يترك ذلك المعنى بحجة أنه لا يوجد لهشاهد في كلام العرب. فإن القرآن كلام محفوظ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،بخلاف كلام العرب، فإنه ليس كله محفوظا، بل جزء كبير منه قد تلاعبت به الأيام، وعبثتبه يد الحدثان، ولعل الذي وصل إلينا أقلّ مما ذهب عنا."
وهنا خطورة الموقف الذي لا تُحمد عقباه، وهي الدعوى بأنه قد يوجد في كلام الله تعالى ألفاظ قد تحمل معاني لا يوجد في لغة العرب ما يشهد لها وإنما تفهم من السياق، ألست معي في أن هذا الكلام سيفتح الباب أمام العابثين في كتاب الله تعالى؟ ألست معي في أن هذا الطرح يسعد له الحداثيون الذين يريدون تفكيك النص القرآني وإعادة بنائه حسب ما يرون؟ ألست معي أن الموضوع لم يعد قاصراً على رأي ارتآه الوالد وإنما هو خطير لأنه يعطي الآخر سلاحاً فتاكاً على طبق من ذهب؟ ألست معي في أن هذا الطرح قد يؤسس لمنهج يسير عليه أصحاب النفوس الخبيثة ويقولون يصح لنا أن نفهم ما نريد ولو لم يكن في لغة العرب ما يدل على فهمنا، واعلم أخي الحبيب أن كثيراً من أولئك الذين يتربصون بنا ينتظرون من يعلق لهم جرس الفتنة، فحذار أن تكون من يصنع ذلك.
ولذلك فعلماؤنا رحمهم الله تعالى – وخصوصاً المتقدمين – كانت كلماتهم حول التفسير قليلة جداً، وهذا شيء قد يزعج بعض الدارسين، ويظن أنهم لم يكونوا ليتوسعوا في الحديث حول الآيات، الأمر ليس بهذه البساطة، لأنهم يعتقدون أن كل كلمة صدرت عنهم ستكون لمن بعدهم مجالاً خصباً للانطلاق في التفكير والإتيان بما يريدون وما لا يريدون، فهم محترزون لأنهم أخذوا التفسير بهيبته وقداسته.
وأريد أن أنقل لك كلمة للطوفي يقول في كتابه الإكسير في علم التفسير بعد أن ذكر قانون التفسير: "واعلم أن التزام هذا القانون في التفسير يدفع عنك كثيراً من خبط المفسرين بتباين أقوالهم، واختلاف آرائهم، وإنما ينتفع بالتزام هذا القانون من كانت له يد في معرفة المعقول والمنقول واللغة وأوضاعها، ومقتضيات ألفاظها، والمعاني والبيان، بحيث إذا استبهم عليه تفسير آية، وتعارضت فيها الأقوال، صار إلى ما دل عليه القاطع العقلي، أو النقلي، ثم إلى مقتضى اللفظ لغة، ونحو ذلك، أما من كان قاصراً فيما ذكرناه، فلا ينتفع بما قررناه"ص43.
وأؤكد لك أن الأمر ليس مجرد رأي يُقال، وإنما هي فتنة تُحاك، فليس المتدبر لكتاب الله تعالى هو من أطلق لسانه بكل ما خطر في باله، وإنما المتدبر هو من نظر في مآلات تفكيره، وعلم ما ستحدثه تلك الكلمات من مزالق، نعم الرجوع عن الرأي أمر صعب على النفس، ولكن أريد منك أخي أن تسارع إلى الاعتراف بضعف هذا الرأي ومرجوحيته كي تختم القضية، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

أخي الفاضل دكتور مثنى، تقبل الله منك اهتمامك الكبير بالموضوع، وكلامك صحيح أن دلالة السياق ينبغي أن لا تخرج عن قانون التعامل مع اللفظة المفردة، سواء كانت ذا دلالة واحدة لا تخرج عنها، (إلا بتشبيه أو استعارة أوكناية وما شابه) ، أو كانت ذات دلالات متعددة. وأضيف إلى كلامك أن دلالة السياق تخرج اللفظة عن دلالتها بتشبيه أو استعارة أو كناية أو ما شابه، وهذا هو ما يقوله الوالد.
إلا أنك في بيان ضوابط السياق ومعاييره الذاتية لم تزد على أن فسرت الماء بالماء، حيث قلت: وضابط التعامل مع التراكيب ما ينسجم مع التراكيب السابقة واللاحقة، وبما يحقق الانسجام المعنوي لمجموع الآيات. ودلالة السياق ليس إلا تحقيق الانسجام المعنوي لمجموع الآيات.
وقد قلت أن قوله تعالى: فلما سمعت بمكرهن. وقوله تعالى وأعتدت لهن متكأ. لا يساعدان على أن السكين بمعنى آلة الزينة. وهنا أود أن أسأل، وبكل أدب وبقصد الحوار المثمر، هل هناك علاقة بين ما سمعت من مكر النساء وبين إعطائهن آلة القطع؟، هل كانت تعلم يقينا أنهن سوف يقطعن أيديهن؟، وهل كان نسوة المدينة لا يعرفن ما كان يملك يوسف من جمال؟ ألم يكن يوسف وقد أوتي من الجمال ما أوتي مشهورا بجماله في المدينة كلها وقد ترعرع فيها سنين، حيث فاق بجماله كما تحدثنا الروايات كل من سبقه ومن أتى بعده في التاريخ البشري؟ وهل كلمة ملك مقرونا بكريم يستخدم في اللغة لبيان الجمال؟ ثم لماذا يؤكد القرآن مرارا على كيد النساء جميعهن ومراودتهن يوسف؟ وهل قول النسوة عن امرأة العزيز إنا لنراها في ضلال مبين، يدل على أن النسوة كن يلمنها على وقوعها في حب غير شرعي؟ ولما ذا يطلق على مثل هذه الملامة كلمة مكر، فهو لم يكن مكرا إنما كان نصيحة إذا كان مجرد الملامة على وقوعها في حب غير شرعي، إلى غير ذلك من أسئلة كثيرة ترد على التأويل المشهور.
وقد تعجبت أخي الكريم كثيرا حين وقفت على نصيحتك، حيث قلت: ولكن أريد منك أخي أن تسارع إلى الاعتراف بضعف هذا الرأي ومرجوحيته كي تختم القضية. وأقول أخي الفاضل: إن الاعتراف بضعف الرأي ومرجوحيته ليس أمرا صعبا، ولكن يجب أن يكون دافعه الدليل، ولا سيما إذا كان تبني الرأي القائم دافعه مجرد دليل.
أما ما ذكرته من مخاوف، فإنني على يقين أن الاحتكام إلى السياق القرآني هو نفسه يضمن حماية معاني القرآن الكريم من عبث العابثين، وأنا لست معك في أن هذا الكلام سيفتح الباب أمام العابثين فيكتاب الله تعالى؟ ولست معك في أن هذا الطرح يسعد له الحداثيون الذين يريدون تفكيك النص القرآني وإعادة بنائه حسب ما يرون؟ ولست معك في أن الموضوع لم يعد قاصراً على رأيارتآه الوالد وإنما هو خطير لأنه يعطي الآخر سلاحاً فتاكاً على طبق من ذهب؟ ولست معك في أن هذا الطرح قد يؤسس لمنهج يسير عليه أصحاب النفوس الخبيثة ويقولون يصح لناأن نفهم ما نريد ولو لم يكن في لغة العرب ما يدل على فهمنا، ما دام القرآن الكريم بنظمه وسياقه هو الحاكم عند الخلاف وهو القائد إلى فهم آياته.
 
سؤال واحد لعل الأخ محيي يجيب عليه:
هل عاش المسلمون ألف وأربعمائة سنة لا يفهمون مراد الله بالسكين والتقطيع بمن في ذلك القرون المفضلة وجبال الدنيا في علوم اللغة والبلاغة والتفسير؟
هل عاشوا يفهمون القرآن على غير مراد الله حتى يأتي والدك بعد انقضاء حقب تاريخية ليطلعه الله على مراده دون هؤلاء؟
ما فائدة وصف القرآن بأنه بلسان عربي مبين إذا كان العرب لا يفهمونه في عصور الاحتجاج والتدوين؟
 
سؤال واحد لعل الأخ محيي يجيب عليه:
هل عاش المسلمون ألف وأربعمائة سنة لا يفهمون مراد الله بالسكين والتقطيع بمن في ذلك القرون المفضلة وجبال الدنيا في علوم اللغة والبلاغة والتفسير؟
هل عاشوا يفهمون القرآن على غير مراد الله حتى يأتي والدك بعد انقضاء حقب تاريخية ليطلعه الله على مراده دون هؤلاء؟
ما فائدة وصف القرآن بأنه بلسان عربي مبين إذا كان العرب لا يفهمونه في عصور الاحتجاج والتدوين؟

أخي الفاضل عبدالله الحجي
أقدر لك مشاعرك، وأرجوك أن تزور مقالا لي في الرابط التالي ليتضح لك قوة السؤال الذي ذكرته:
http://vb.tafsir.net/tafsir28570/
وبالله التوفيق
 
وقد كنت في جلسة مع بعض المشايخ منهم الأستاذ الدكتور مصطفى مسلم ، والأستاذ الدكتور ناصر العمر وغيرهم ، فأخبرتهم بهذه المقالة وغيرها ، وعرفوا الدكتور محمد عناية الله وأنه قد درس عندهم في جامعة الإمام ، فطلب مني الدكتور مصطفى مسلم طباعة كل هذه المقالات ليقرأها ويناقش الكاتب فيها ، ولعله ينشر رأيه قريباً . نسأل الله أن يرينا الحق حقاً وأن يجنبنا فتنة القول والعمل .

نحن في شوق شديد إلى رأي الشيخ الهمام الدكتور مصطفى مسلم، وأرجو وبكل احترام وود من فضيلة الدكتور عبدالرحمن أن يتولى ذلك.
 
الأخوة الأفاضل في هذا الحوار أنا لم أقرأ كل الردود، لهذا أستميحكم عذراً إن كان ماأذكره مكرراً .
للقراءات دور كبير في تجلية المعنى ويؤمن المؤمنون ان القراءات المتواترة جزء لا يتجزأ من كتاب الله،وبقطع النظر عن عدم احتمال اللغة لتفسير الدكتور محيي الدين غازي، في الآية قراءات (وأعتدت لهن متكئاً)(وأعتدت لهن متكاً):قال العلماء متكاً نوع من الطعام واختلفوا هل هو من الفاكهة التي تشبه الليمون أم هو طعام آخر ،وهذه القراءة تجعل معنى (السكين )هي أداة القطع المعروفة وأن معنى (القطع)على الحقيقة ،وهذا من أثر القراءات المتواترة في توجيه المعاني،وليس بعد بيان الله بيان.
 
عودة
أعلى