بارك الله فيك أبا عبد الملك..
والمسألة واسعة لكني أكتفي بإشارة أراها هي مدخل الغلط عند من نسب للمحدثين تساهلهم في التفسير عن الحلال والحرام...
وهذا التساهل المنسوب لهم إن قصد به قبول حديث من هو لين الحديث في نفسه = فمثل هذا لا أصل له في كلامهم ..
وإنما المحفوظ عنهم أمران :
الأول : أن من رجال الحديث من تشتد عنايته بعلم فيكون ضبطه فيه أحسن من ضبطه لغيره فيطلب له المتابع في غير علمه (غالباً) ويتخفف من طلب المتابعة ويقبل تفرده في علمه (غالباً) ؛لضبطه وحسن حفظه فيه،مع كونه في كل ذلك ممن يقبل حديثه في الجملة كابن إسحاق،وعاصم بن أبي النجود.
الثاني : التساهل في كتابة حديث أقوام في التفسير والمغازي لا يقبل حديثهم في الحلال والحرام،وليس معنى الكتابة هنا هو القبول،وإنما معناها هو الاعتبار بها وزنتها بغيرها بنوع من الاعتبار والزنة يتنوع من علم لآخر،فبعض العلوم يختص بقرائن وخصائص تقوي قبول أو كتابة حديث الراوي الضعيف لا توجد هذه القرائن والخصائص في الحلال والحرام (غالباً)،فهي في التفسير (مثلاً) أن يشترك تلاميذ ابن عباس في تفسير معين لآية ثبت عنهم بطرق صحيحة ،فيقبل ما يرويه ليث عن مجاهد عن ابن عباس لدلالة اشتراك التلاميذ على ضبط ليث لهذه الرواية ،ومن الخصائص أن الرواية إن رد قبولها من حيث نسبة تفسير معين لرجل معين = فيبقى أن هذا تفسير ينسب في الجملة للسلف،وأن وهم أولئك الرجال لن يخرج إن وقع(فالضعيف قد يضبط) عن نسبة كلام رجل لرجل أو طبقة لطبقة لكن الأثر التفسيري سيبقى حينها في حيز أقوال السلف..
أما جعل التفسير والمغازي من جنس الفضائل التي صح عن السلف التخفف فيها ففي غفلة عن أمرين :
الأول : أن الثابت أن تخفف السلف في في الفضائل لم يكن في قبول الضعيف وإنما في تخفيف طلب تعاضد شروط الضبط،أما أصل شرط الضبط وكون الراوي ممن يقبل حديثه في الجملة فهذا لم ينزلوا عنه،ولكن غاية الأمر أنهم قبلوا تفرد رجال هم في أنفسهم ممن يقبل حديثه لكن لا يقبل تفردهم بالحلال والحرام..
أو جنس آخر من التخفف وهو سياق حديث من هو لين الحديث سياق التعضيد والاعتبار مع وجود ما يغني عنه في الباب فيدل الثابت في الباب على صحة المعنى ويساق ما فيه ضعف لمكان ما فيه من المعنى الصحيح من غير أن يُستقل بالاحتجاج به أو يجزم بنسبته لمن قاله..
الثاني : أن جعل التفسير الذي هو خبر عن مراد الله من جنس الفضائل = خطأ ظاهر،بل منه ما هو بالحلال والحرام أشبه،ومنه ما هو بالسير والتواريخ أشبه، ومننه ما هو بالفضائل أشبه،وتسوية كل ذلك ليس صواباً..
يبقى ما يحتج به من أمر الطبري وقبوله للأسانيد ،وهذا أيضاً خطأ فالطبري نفسه متساهل في قبول الأسانيد حتى في الحلال والحرام كما يظهر من تتبع أحكامه في ((تهذيب الآثار)) فليس منهج الطبري في التفسير حكماً على منهج المحدثين أصلاً..
هذه عجالة مبتسرة حتى يؤذن الله بفضل بيان لهذا الباب الذي خلاصته : أن الحلال والحرام والتفسير والمغازي كل ذلك لا يقبل فيه إلا خبر الراوي الذي يقبل حديثه في الجملة فلا يقبل تفرد راو ضعيف الحديث كليث بن أبي سليم ونحوه،غاية الأمر أن لكل باب قرائنه،وخصائصه،ومن خصائص التفسير أنك قد تحكي ما يرويه ليث بن أبي سليم في التفسير وليس عندك ما يدل على نكارته = على أنه تفسير طبقة من الطبقات قيل في فقه مراد الله لكن سيبقى تحرزك لمكان ضعفه حجاباً بينك وبين تثبيت نسبة تفسيره هذا لقائل معين من غير قرائن تدل على ضبطه..
أو أن تحكي هذا الجنس لثبوت ما صح في الباب فتحكيه تعضيداً لا يضرك ضعفه لصحة المعنى من طرق أخرى على ما هو النهج في ثبوت الأخبار ..
وخلاصة الباب : ليست المسألة منهج محدثين ولا فقهاء ولا مفسرين بقدر ما هي شروط صحة الخبر ونسبته لقائله وأن هذه الشروط ليست عملية رياضية يكون فيها ضعف الراوي منتجاً للرد أو يكون فيها اعتبار العلماء وروايتهم منتجاً للقبول،بل لابد من النظر في كل باب على حدة ولكل مسألة في التفسير وردت فيها آثار تحتف بها قرائن= ميزان..
والقدر الثابت : أن الراوي إذا كان ممن يرد حديثه لضعف ضبطه ولم يختص ضعف الضبط بعلم دون آخر ولم تحتف قرائن ترفع من ضعف ضبطه = أن خبره مردود ،وإن كان يحكى للاعتبار إن صح معناه من طريق آخر،أو إن رأى المجتهد أن الأثر يكفي مع ضعفه للدلالة على ثبوت هذا التفسير ولو عن طبقة دون الطبقة التي رفع إليها الرواي الخبر..