نزار حمادي
New member
من سلفهم ؟ أهم الصحابة والتابعون والأئمة المتبوعون أم من علم الكلام المحدث المأخؤذ عن الفلاسفة أفراخ اليونان ومبتدعة المتكلمين .
أخي في الله وعزيزي عبد الرحمن. أسأل الله تعالى أن يجمعنا على الحق.
سأذكر لك مسألة يجدر بنا جميعا التأمل فيها، لكي لا نطلق الأحكام إطلاقا بلا تأمل، مثلا كأن نقول إن كل ما لم يرد لفظه في القرآن أو السنة إنما هو لفظ أفراخ اليونان والجهمية والمعطة الخ الألقاب الجاهزة التي يطلقا البعض على أعلام الأمة.
فمثلا للإمام الحافظ أبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي (ت656هـ) كلام شديد في ذم علماء الكلام في كتابه النافع العظيم المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ولو شئت نقلته لك لتقف عليه، مع أني لا أظنك تخالف في أنه من حفاظ الحديث أو أهل الحديث بالمفهوم الصحيح للكلمة، لكن طالع معي أخي الحبيب ماذا يقول في تحقيق معاني حديث الجارية الصحيح:
و" أين " : ظرف يُسال به عن المكان ، كما أن " متى" ظرف يُسال به عن الزمان ، وهو مبني لما تضمّنه من حرف الاستفهام ، وحُرِّك لالتقاء الساكنين ، وخُصَّ بالفتح تخفيفًا ، وهو خبر المبتدأ الواقع بعده ، وهو لا يصح إطلاقه على الله بالحقيقة ؛ إذ الله تعالى منزّه عن المكان ، كما هو منزّه عن الزمان ، بل هو خالق الزمان والمكان ، ولم يزل موجودًا ، ولا زمانَ ولا مكانَ ، وهو الآن على ما عليه كان ، ولو كان قابلاً للمكان لكان مختصًّا به ، ويحتاج إلى مخصِّص ، ولكان فيه إما متحركًا واما ساكنًا ، وهما أمران حادثان ، وما يتّصف بالحوادث حادث ، على ما يبسط القول فيه في علم الكلام ، ولما صَدَق قوله تعالى : { ليس كمثله شيء } ؛ إذ كانت تماثله الكانيات في أحكامها ، والممكنات في إمكانها ، وإذا ثبت هذا ، ثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما أطلقه على الله بالتوسع والمجاز لضرورة إفهام المخاطبة القاصرة الفهم ، الناشئة مع قوم معبوداتهم في بيوتهم ، فأراد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتعرّف منها : هل هي ممن يعتقد أن معبوده في بيت الأصنام ، أم لا ؟ فقال لها : (( أين الله ؟ )) قالت : في السماء ، فقنع منها بذلك ، وحكم بإيمانها ؛ إذ لم تتمكن من فهم غير ذلك . وإذ نزَّهت الله تعالى عن أن يكون من قبيل معبوداتهم وأصنامهم ، ورفعته عن أن يكون في مثل أمكنتهم ، وحملها على ذلك : أنها رأت المسلمين يرفعون أبصارهم(8) وأيديهم إلى السماء عند الدعاء ، فتُركت على ذلك في تلك الحال(9) لقصور فهمها ، إلى أن يتمكن ففهمها وينشرح صدرها ؛ إذ لو قيل لها في تلك الحالة : الله تعالى يستحيل عليه المكان والزمان ، لخيف عليها أن تعتقد النفي الْمَحْض والتعطيل ؛ إذ ليس كل عقل يقبل هذا ، ويعقله على وجهه ، بل إنما يعقله العالمون الذين شرح الله صدورهم لهدايته ، ونوّر قلوبهم بنور معرفته ، وأمدّهم بتوفيقه ومعونته ، وأكثر الخلق تغلب عليهم الأوهام ، وتَكِلّ منهم الأفهام . (ج2/ص134)
أترى يا أخي الحبيب أن الحافظ القرطبي عندما ذم علماء الكلام وعلم الكلام كان يذم نفسه وعقيدته؟؟ أترى أن عاقلا أوتي ذرة من عقل وفهم يفعل ذلك؟؟ كلا وألف كلا.. بل مقصوده ومقصود الأئمة من قبله والسلف الصالح من ذم علم الكلام وعلماء الكلام هو قطعا ذم كلام الفلاسفة والمعتزلة الذين تبنوا أصولهم، لا الكلام الذي جاء بعدهم المبني على النصوص المحكمات من الكتاب والسنة وما وافقها من قواعد الفهم الصحيحة المستندة إلى لغة العرب الذين نزل القرآن بلسانهم. تأمل أخي الحبيب رجاء، فإن المسألة أدق بكثير مما تعتقد .