السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الفاضل البهيجي:
تفضلت بالقول :
ليس من المناسب ولا من الاحترام للقرآن الكريم أن نستخدم معه اللفظين ( إبطال ) و ( تعطيل) إنما أهل العلم قالوا : رفع حكم شرعي بحكم آخر .
مسألة قول الحقيقة وتسمية الأشياء بأسماءها شيء ، وكون النفس تقبلها أو لا فهذا شيء آخر ، فتعريف النسخ بهذه الصورة دقيق جداً مقارنة بالتعريف المرقق المحسن المجمّل المقتضب، فالتعريف اشتمل على معلومات وافية عن النسخ ففيه يظهر للقارئ ما يلي:
1- مصير الحكم قبل النسخ وبعده فهو سارٍ قبل النسخ وباطل معطل بعد النسخ.
2- أن النسخ يكون بآية أو بحديث أو برأي اجتهادي وأراك اقرّيت بمسالة الاجتهاد فيكون التعريف هنا دقيق.
في حين أن التعريف التقليدي لا يظهر من الذي نسخ ؟؟ وبأي مسوغ ؟ بل يخفي كل ذلك
فهل نحن أمام تعريف غير صحيح ؟؟ وفيه افتراء على المبطلين ؟؟ بالعكس هو دقيق ويصف النسخ بدقة بلا مساحيق ولا تجميل ولا ترقيق، كون هذا الأمر مؤلم ومزعج اتفق معك ولكنه الحقيقة للأسف.
أهل العلم لم يجيزوا لانفسهم ولا لكل عالم مهما علت مرتبته أن يدعو إلى نسخ آية أو
حديث صحيح فهذا الامر اختص به الله سبحانه ثم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بالوحي الذي ينزل عليه وليس من قبل نفسه .
كيف يجيزوا لأي عالم وهم الذين يقولون بالنسخ فهم أجازوه لأنفسهم وقبلوه من بعضهم البعض ، كلامك وكأنك تتحدث عن هيئة تشريعية محايدة بينما القائلين بالنسخ هم أنفسهم أهل العلم الذين يقولون بالنسخ ويجيزون من يقول به فلم ينكر احد منهم على القائلين بالنسخ هكذا وكأنه هو من تلقى الوحي فهذا مثل من الأمثلة في تفسير الطبري:
" أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا سَعِيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ المُبَارَكِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ حَدَّثَنِي قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {§وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] قَالَ: هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْأَنْفَالِ: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} قَالَ: فَلَيْسَ لِقَوْمٍ أَنْ يَفِرُّوا بِمِثْلَيْهَمْ، نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ هَذِهِ الْعِدَّةَ "
هكذا بكل بساطة : هذه منسوخة بالآية التي في الانفال
هل هذا قول متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم؟؟
لا
ولك أن ترجع لكتاب الناسخ والمنسوخ لابن حزم لتجد الابطال بالجملة فعلى سبيل المثال:
" سورة الأنعام: مكية غير تسع آيات وهي نزلت ليلا وهي تحتوي على أربع عشرة آية منسوخة: أولاهن قوله تعالى: * (قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ... ) * الآية [15 مكية / الأنعام / 6] منسوخة وناسخها قوله تعالى: (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ... )"
وهكذا ينطلق في ابطال آيات الله واحدة تتلو الأخرى حتى ابطل المئات من آيات الذكر الحكيم (الذي أصبح غير حكيماً بهذا العبث "تعالى الله عن ذلك").
تفضلت بالقول:
لم يقم أي مجتهد بالدعوة الى نسخ آية إعتباطاً ومن غير دليل فالبعض منهم اجتهدوا بما يمتلكون من أدوات الاجتهاد فتوصلوا إلى أن بعض الآيات منسوخة بآيات نزلت بعدها أو أحاديث صحت عندهم ، وتلك الآيات المنسوخة ليست من آيات الحلال والحرام فليس من الخلق الحسن أن نصفهم ( دهانقة ) أو غير ذلك من الاوصاف التي لا تليق بأهل القرآن الكريم
اجتهاداً ....وهذا ما قلناه في التعريف فلو غضضنا النظر عن ابن حزم وغيره ممن طفق مسحا بالسوق والاعناق وابطل بلا دليل آية وراء أخرى ، فغيره من المبطلين اجتهدوا والاجتهاد يحتمل الصواب والخطأ ، مما يعني أن قولهم يحق عليه الحق والباطل وبالتالي فإن كان قولهم باطل (وهو كذلك) فقد ارتكبوا جريمة عظيمة في حق كتاب الله وليس لديك مشكلة في التسامح مع هذا ولكن من ينزه كتاب الله عن هذا الهراء لديك معه مشكلة كبيرة فالله المستعان.
وأخيراً فأنتظر من حضرتكم المشاركة في مدارسة الآية المفتراه (آية التراب) لنقارنها بالنظم القرآني المحكم ونستخرج جواهر المعاني من تلك الآية ، أما إن أردت رهن عقلك ودينك للمجهول فسنقف أنا وأنت وكل مسلم أمام الحي القيوم ولن ينجو أحد يقول :
رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا
فالله جل وعلا آتاك الفهم والعقل لتزن به الامور ولا تقلد في مسائل العقيدة والقرآن من مسائل العقيدة فأنا وأنت محاسبون على اعتقادنا في كتاب الله ولن ينطبق علينا المثل العراقي الشهير (
حطها برقبة عالم واطلع منها سالم) أو المثل النجدي (
حط بينك وبين النار مطوع)