حياكما الله د. فهد ود. خضر،
وأرجو أن يسترعي هذا الموضوع انتباه آخرين، بما يساعد على جمع اقتراحات عملية في هذا الاتجاه.
وقد اطلعت اليوم على موضوع ذي صلة، كتبه د. عبد الرحمن الشهري منذ أربع سنوات في هذا المنتدى على
هذا الرابط
وقال فيه ما يلي:
كتبت هذا الموضوع منذ ما يزيد على أسبوعين أو أكثر ، ولم يشارك أحد ، وأنا أقدر سبب ذلك.
- أما التفسير باللغة العربية فهو تفسير العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله.
- وأما التفسير باللغة الانجليزية فهي الترجمة التي اعتمدها مجمع الملك فهد في المدينة النبوية.
- والترجمة الفرنسية والألمانية كنت أتوقع أن يشارك أحد الإخوان من أهل المغرب ومن غيرهم ، وأنا أعرف منهم الأخ أمين نور شريف ، والأخ عمار العراقي وغيرهما من أهل مونستر بألمانيا ، الذين يجيدون هاتين اللغتين ، وهم من أعضاء ملتقى أهل التفسير!! وربما تكون التي اعتمدها المجمع كذلك وخاصة الفرنسية.
ولكن بقية اللغات ربما لا يحسنها أحد من الأعضاء أو الزوار للملتقى.
وهذه مشكلة كبيرة لا زالت تعاني من الإهمال التام في الأقسام العلمية للقرآن الكريم وعلومه في الكليات الإسلامية بصفة عامة. والسبب في ذلك عدم التنبه لأهمية ابتعاث المتخصصين في الدراسات القرآنية بعد إتقانهم لتخصصهم لدراسة اللغات الأخرى للمشاركة في الترجمات المعتمدة التي يطمئن إليها المسلمون في أنحاء الأرض ، سواء كانت هذه الترجمات لتفسير القرآن الكريم ، أو لغيره من الكتب والرسائل.
فقل أن تجد متخصصاً في التفسير يتقن لغة أجنبية واحدة لهذا الهدف النبيل وهو خدمة هذا التخصص وتقريبه لأهل لغة من اللغات الحية التي لا يزال المسلمون الذين يتحدثون تلك اللغة يعانون معاناة شديدة في معرفتهم للإسلام كما ينبغي أن يكون.
وأغلب الذين قاموا بالترجمات المتداولة من غير أهل التخصصات الشريعة القوية التي تطمئن معها للترجمات. وبدل أن ينشط المسلمون لحل المشكلة من أصلها ، نشطوا في انتقاد الترجمات المنتشرة ، والكثير من الانتقادات التي وجهت إلى ترجمات تفسير القرآن الكريم ، انتقادات مبنية على ترجمات الآخرين من غير المتخصصين ، فلم يكن الباحث بنفسه هو الذي قام بالترجمة.
وأسجل هنا استثناء ما قام به الدكتور نجدة رمضان وفقه الله في كتابه (ترجمة القرآن الكريم وأثرها في معانيه) مع دراسة تحليلية لثماني ترجمات متداولة بست لغات هي الانجليزية والفرنسية والروسية والألمانية والتركية والشركسية. وهو وفقه الله يجيد هذه اللغات وخاصة الألمانية والفرنسية والانجليزية والروسية والشركسية.
وقد أجاد الدكتور نجدة في بحثه هذا إجادة طيبة ، لاعتماده في دراساته على لغته هو كباحث.
وإنني لأسطر عجبي أيها الإخوة الكرام من رجل واحد أتقن لغات حية عديدة ، وكتب بها العديد من المؤلفات ، وترجم منها وإليها العديد من الكتب. وهو شخص واحد هو الدكتور عبدالرحمن بدوي المصري الذي توفي قريباً جداً. له أكثر من 120 كتاباً بلغات مختلفة، ولا أريد أن يخبرني أحد بأنه صاحب مذهب وجودي أو غير ذلك ، والذي يهمنا في سيرته هو هذه الهمة العالية. وأقول ألا يوجد بين أهل التفسير من يتصدى لهذا الأمر؟! أرجو ذلك.
ومن مؤلفات الدكتور عبدالرحمن بدوي كتاب بعنوان (دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي) ترجمها عن الألمانية والانجليزية والفرنسية الدكتور عبدالرحمن بدوي !!
وهناك رجل آخر هو الدكتور حسين مجيب المصري يجيد عشر لغات إجادة طيبة ويكتب بها ، ولعلكم تعرفونه!! همم عالية ، وإنما نبكي على هزال هممنا والله المستعان.
وهذا باب له صلة بدراسات المستشرقين حول القرآن الكريم وترجماته وترجمات معانيه ، وما أكثر اهتمام المستشرقين بتاريخ القرآن وعلومه ، بل إنهم ما كتبوا في مثل هذا الموضوع من موضوعات الشرق ، ودراسة أعمال هؤلاء لا تغني فيها الترجمة.
وانظر إذا أردت أن تفرق بين من يبحث بناء على الكتب المترجمة ، ومن يبحث بناء على قراءاته الخاصة باللغات الأصلية ، فانظر إلى ما يكتبه الدكتور عبدالوهاب المسيري وفقه الله ، وما يكتبه غيره عن العلمانية والصهيونية وغيرها من الموضوعات التي كتب فيها وفقه الله. تجد مصداق ما أقول.
وفقكم الله جميعاً. وجعلنا الله من أهل القرآن وخدمته.
وقد بدا لي أن أعلق بجملة من الأفكار:
أرى أن هناك فرقا بين توجيه الطلبة والأساتذة في العلوم الدينية إلى تعلم اللغات الأخرى وبين ترجمة البحوث والكتب الدينية إلى اللغات الأخرى. حيث أن الأمر الأول يمكن فيه الاكتفاء بمعرفة اللغات الأخرى بالحد الذي يسمح للطالب أن يوصل فكرته بدون تشويهها أو تحريفها، حتى لو لم يتقن اللغة الأخرى إتقانا تاما. أما الأمر الثاني فيستطلب عملا محترفا ومتقنا يسمح بنشر البحوث والكتب الإسلامية في لغة الأقوام الأخرى بالشكل الذي يكفل إقبال المتخصصين وغير المتخصصين من غير المسلمين على الاطلاع عليها في لغة جيدة تحفظ جودة الموضوع المطروح، وبالتالي يضمن سلامة الوعاء (أي اللغة) لضمان سلامة المحتوى.
وسأشرح هذا الكلام في نقطتين:
1- من الضروري توجيه الطلبة إلى الاهتمام باللغات الأخرى في كليات العلوم الشرعية، لأن هذا الطريق مفيد كثيرا للأسباب التالية:
- نشر بحوثهم والاستفادة منها على نطاق أوسع
- هذا الانفتاح على اللغات الأخرى سيفتح لهم في المقابل مجالات جديدة من الإفادة. فكما قلت سابقا: العرب المسلمون لا يتجاوز عددهم 8% من جملة المسلمين في العالم. وعدد كبير منهم يرغب في فهم الدين على يد متخصصين عوض الاعتماد على كتابات غير ناضجة في المجالات التخصصية. والذي يحصل حاليا في المواقع الإسلامية الإنجليزية والفرنسية مثلا، هو أن المواقع الشهيرة حاليا ليست مواقع متخصصة، وإنما هي مواقع هواة، أغلبهم من المتخصصين في برمجة مواقع الإنترنت القاطنين في بلدان الغرب، تولدت لديهم الرغبة في الإفادة والقيام بعمل إيجابي، فحدد لنفسه أهدافا بسيطة وسهلة نظرا لعدم وجود المادة الإسلامية الصالحة للنشر بالإنجليزية والفرنسية. فلا يجد سوى ترجمة للقرآن، وترجمة لبعض الأحاديث، وترجمة لبعض الفتاوى الفقهية، أو الخطب الدعوية العامة... فيقوم بجمعها في موقع على الإنترنت، ويعمل الدعاية اللازمة في محيطه، وبعد فترة يصبح لديه زوار في الموقع.
المشكلة في هذه المواقع هو استمرارها كمواقع هواة نظرا لأن الفكرة بدأت كعمل تطوعي يبذل فيه صاحب الموقع من ماله الخاص ومن وقته الخاص، ولا يقدر فيه على تجميع المتخصصين لإثراءه لأسباب مختلفة.
ولذلك فمن يبحث عن المواقع الإسلامية بالفرنسية والإنجليزية سيجد صعوبة بالغة في العثور على كتابات في مناهج العلوم الشرعية: الجرح والتعديل، تراجم الرجال، مناهج تصحيح الأحاديث، نقد متون الأحاديث، أصول الفقه، علوم القرآن، أصول التفسير...
وهذا النقص، يولد خللا كبيرا في فهم المسلمين الجدد والشباب المسلم الناشئ في بلدان الغرب، لأنه سيجعلهم أسرى التعلم والتلقي على دعاة وأنصاف دعاة غير متخصصين في علوم الدين.
وحتى عندما يفكر مسؤولو المراكز الإسلامية في دعوة بعض المتخصصين من البلدان العربية لتقديم المحاضرات والندوات والدورات العلمية، يصطدمون بفقدان العدد الكافي من الأساتذة الجامعيين وطلبة العلم القادرين على الحديث بالإنجليزية والفرنسية.
لذلك فإن تشجيع الطلبة والأساتذة في الكليات الدينية على تعلم هذه اللغات أمر ضروري لأنه سيفتح المجال واسعا لدعوتهم إلى هذه البلدان ولنشر العلم، ولممارسة واجبهم في البلاغن وسيحاسبون يوم القيامة على أي تقصير في هذا المجال، إن كان داخلا في إطار ما لهم طاقة به.
وهذا التشجيع يمكن أن يأخذ أشكالا متعددة، من إدراج تعلم هذه اللغات في المقررات الدراسية إلى تقديم دورات لتعلم هذه الللغات، غلى غير ذلك. وعلى سبيل المثال: ففي جامعة أوتاوا حيث أشتغل حاليا، توفر إدارة الموارد البشرية للجامعة دروسا دورية مجانية للأساتذة والطلبة والموظفين لتعلم الفرنسية والإنجليزية، نظرا لخصوصية هذه الجامعة (في كامل كندا) في اعتماد اللغتين رسميا في التدريس وجميع الخدمات المقدمة.
وهذه الدروس اللغوية تشمل: تطوير المهارات في الحديث وفي الكتابة.
وليس الغرض من هذه الدروس المقدمة الوصول إلى إتقان اللغة وإنما تمكين الأستاذ والطالب والموظف من تجاوز صعوبة التواصل مع الآخرين، حتى ولو كان ذلك بنسبة بسيطة، فالمهم ليس الإتقان وإنما كسر الحواجز المعيقة للتواصل.
وأعتقد أن هذه التجربة لا بد من خوضها في الكليات الدينية في بلداننا العربية، وهي مسألة عاجلة لا تحتمل التأجيل.
2- أما ترجمة البحوث والكتب التخصصية، فهي خلافا للنقطة السابقة، عمل يستدعي الإتقان، ولا يمكن فيه الاعتماد على هواة للقيام به، لعدة اعتبارات، منها:
- دقة المحتويات ودقة المصطلحات التي تستدعي الدقة في الترجمة
- المستوى العالي من العلم والفهم للقراء الذين يقرأون هذه الأعمال
- سيمكن هذا الأمر من بيع هذه البحوث والكتب للمكتبات الجامعية الدولية التي تبحث عن الكتب الجيدة.
- فتح المجال لطبع هذه البحوث والكتب لدى أشهر دور النشر الأكاديمية التي تملك مقاييس صارمة للجودة والجدة في المواضيع. وهذا ما يؤدي إلى التغلب على صعوبات النشر والحصول على العائد المادي من الإبداع الفكري
- كما سيؤدي إلى تمكين القراء في الجامعات الدولية من الاطلاع على كتابات عن الإسلام بأقلام مسلمين متخصصين عوض ما يملأ المكتبات الجامعية من كتابات عن الإسلام بأقلام متغربين بعيدين عن الفهم الصحيح للدين، أو بأقلام غير مسلمين يعرضون الإسلام من زاوية نظر مشوهة.
لذلك فإن ترجمة هذه الأعمال يستدعي التعاون مع مترجمين متقنين.
وكمثال آخر على ما يحصل هنا (في كندا) في مجال الترجمة الاحترافية، فيوجد شروط إلزامية لقبول الكتب المترجمة المتخصصة، من أهمها أن المترجم لا يمكن اعتماد ترجمته إلا إذا كان مترجما من اللغات الأخرى إلى لغته الأصلية. أما من يترجم من لغته الأصلية إلى اللغات الأخرى، فلا يمكن قبول أعماله.
ختاما، أرجو المعذرة على الإطالة، وعلى سرعة الكتابة، لضيق الوقت.
وأرجو أن يجد الموضوع تفاعلا، وأن ينبثق عنه أمور عملية.