تحقيق مناط الإعجاز العلمي

إنضم
22/06/2010
المشاركات
176
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
بسم الله الرحمن الرحيم​
تحقيق مناط الإعجاز العلمي
د. عبد الحفيظ الحداد

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:

هذه الحلقة الثانية في فقه الإعجاز العلمي وسنركز فيها على تحقيق مناط الإعجاز العلمي.
إن أول ما يطلب من الباحث إنجازه عند كلامه في الإعجاز العلمي أو كتابة بحث فيه هو تجلية الحقيقة الكونية المتوفرة في النص ؛ أما مجرد الدعوى بوجود إعجاز علمي دون اقترانها بالبرهان, فهو من قبيل المجازفة والتسرع حيث إننا قد نقع فريسة التوهم والانسياق وراء الظنون, ولنعلم بأن كلمة الإعجاز بالأصل تدل على ما يفيد العجز, أي أن المدعي به هنا يمثل أمرا خارقا للعادة ـ النواميس الكونية ـ وبمعنى أوضح لابد وأن تؤيد هذه الدعوى بوجود حقيقة ثابتة من حقائق العلم وليس مطلق الظن أو التخيل, وكما قلنا فإن ذلك إنما يتمثل بالدليل القاطع مع البرهنة المناسبة ليحصل المراد من لطائف الإعجاز العلمي, والمتمثل بالأثر القوي المحرض للفكر الإنساني لدرجة ينتج عنها الاقتناع بصحة الشيء المقارن لتلك اللطائف.
ولئن كانت شواهد الإعجاز الحسي آنفا قد أثمرت يقظة الفكر عند من أبصرها فولج بوابة التصديق برسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودخل حظيرة الإيمان واستروح ببرد اليقين, فإنه يرتجى أن يحصل مثل ذلك بالنسبة لظهور لطائف الإعجاز العلمي من اليقظة لعقول المنصفين ووصولهم إلى التصديق برسالة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونفوذ أنوار الهداية إلى صدورهم ومخالطة هذا الإيمان بشاشة قلوبهم, فيتحقق بذلك وعد الخالق الحكيم:(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاَفَاقِ وَفِيَ أَنفُسِهِمْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبّكَ أَنّهُ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ شَهِيدٌ )
(الآية 53, سورة فصلت ).

إذا عرفنا ذلك فلنعلم أن تحقيق مناط الإعجاز العلمي يشترط له بعض الأمور التي يلزم تحقيقها انسجاما مع المنهجية البحثية على الشكل الصحيح المفضي إلى المطلوب.
يقول العلامة الباقلاني موضحا أثر المعجزة في النفوس حيث يذكر أنها: «قد حققت أن القرآن أتى به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وظهر من جهته, وجعله عَلَما على نبوته, وعلمنا ذلك ضرورة فصار حجة علينا»
(انظر: كتاب إعجاز القرآن للباقلاني, صفحة 297).

فلا جرم إذن أن نبذل الجهود الصادقة لإبراز مظاهر الإعجاز العلمي بكل وضوح؛ لأن تحقيق مناط هذا الإعجاز هو بمثابة الخبر الصادق من أجل إثبات صحة الرسالة المحمدية وأن هذا القرآن هو تنزيل الخالق الحكيم. ولنتأمل قول الله تعالى ـ في سياق قصة نبيه نوح, عليه السلام:(تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـَذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ) (الآية 49, سورة هود ) حيث نفهم من قوله جل وعلا: (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ ) الإشارة إلى حجية هذا الإخبار وأنه مناط تصديق العقلاء بسبب استشعارهم صدق الخبر بأن هذا من كلام الله رب العلمين.
ونستطيع إيجاز المطلوب في مجال تحقيق مناط الإعجاز العلمي بما يلي:
ترجمة ما يحصل لدينا من الفهم عند تدبر النصوص بدقة وسداد وضمن دائرة الإنصاف؛ دون تقصير أو مبالغة, وذلك لأن فهم المتدبر قد يكون صحيحًا وقد يكون مضطربًا أو خاطئًا تبعًا للمستوى العلمي لدى المتدبر أو تبعًا لإمكاناته الذهنية أو مقدار الجلاء في دلالات النصوص, لذا فإن المخزون الحاصل من الإدراك يكون على درجات من أبرزها:
1 ـ خواطر وإشارات ترد على الفكر الإنساني دون استقرار أو رسوخ.
2 ـ أفكار مُلحّة لأن لها رصيدًا من الاستقرار ولكن دون رسوخ.
3 ـ استقرار تصور معين يتماشى مع فهم علمي يكون بمثابة الخلفية الكاشفة لذلك التصور ولكن مع عدم استقرار هذا التصور بشكل نهائي نظًرا لافتقاره لمزيد من شواهد الإثبات.
4 ـ رسوخ الفكرة ووضوحها واطمئنان القلب بها لأن براهينها قاطعة وساطعة.
وهذه المرتبة الأخيرة هي المستهدفة في عملية تحقيق المناط. لذا فإن على الباحث المستبصر أن يسعى لتحقيقها مع الحذر من التكلف فكم يدعي باحثون بوجود حقيقة علمية وعند البرهنة نجد أن النص لا يدل في ظاهره ولا في مراميه عليها, اللهم إلا عبر التكلفات الهادفة إلى إطواع النصوص للظنون وهذا مسلك غير صحيح, بل المنهج العدل يقتضي التثبت ثم البرهنة المناسبة بأدلتها الصحيحة والعلمية دون وَكْسٍ ولا شَطَط؛ ولنتأمل عبارة الدكتور محمد حسين الذهبي ـ رحمه الله ـ منددًا بتلك التكلفات حيث يقول: «وليعلم أصحاب هذه الفكرة أيضا أن من الخير لهم ولكتابهم أن لا ينحوا بالقرآن هذا المنحى رغبة منهم في إظهار إعجاز القرآن وصلاحيته للتماشي مع التطور الزمني, وحسبهم أن لا يكون في القرآن نص صريح يصادم حقيقة علمية ثابتة»
(انظر: التفسير والمفسرون, الجزء الثاني, صفحة 494).

وكذلك يقطع الدكتور أحمد عمر أبو حجر بضرورة مجانبة هذا المسلك حيث يقول: «إن أولئك الذين يعمدون إلى آيات من القرآن ويأخذونها مجردة عن كل ما يتولى تفسيرها وبياناتها من تلك النصوص نفسها ليرغموها على أن تحمل معاني وتأويلات أخرى غير تلك المعاني التي تولت النصوص إعطاءها مجانبون للصواب»
( انظر: التفسير العلمي للقرآن في الميزان, صفحة 505).
___________________________________
المصدر : الهيئة العالمية للإعجاز العلمي فى القرءآن والسنة
 
يقول العلامة الباقلاني موضحا أثر المعجزة في النفوس حيث يذكر أنها: «قد حققت أن القرآن أتى به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وظهر من جهته, وجعله عَلَما على نبوته, وعلمنا ذلك ضرورة فصار حجة علينا»
(انظر: كتاب إعجاز القرآن للباقلاني, صفحة 297).
فلا جرم إذن أن نبذل الجهود الصادقة لإبراز مظاهر الإعجاز العلمي بكل وضوح؛ لأن تحقيق مناط هذا الإعجاز هو بمثابة الخبر الصادق من أجل إثبات صحة الرسالة المحمدية وأن هذا القرآن هو تنزيل الخالق الحكيم. ولنتأمل قول الله تعالى ـ في سياق قصة نبيه نوح, عليه السلام:(تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـَذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ) (الآية 49, سورة هود ) حيث نفهم من قوله جل وعلا: (مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ ) الإشارة إلى حجية هذا الإخبار وأنه مناط تصديق العقلاء بسبب استشعارهم صدق الخبر بأن هذا من كلام الله رب العلمين.

أما لو أدرك بعض من يتكلم في آيات القرآن الكريم بحجة الإعجاز العلمي هذا الأمر المناط بما يقولونه لأحجموا
فإن بعضهم يكون غرضه من ذكر هذه الأمور هو الإغراب والإتيان بأمور جديدة تشد الانتباه ناهيك عن المراتب الثلاث التي ذكرها صاحب المقال وبيّن أنه هذه المراتب لا تسوِّغ الكلام في هذا الباب من أبواب الإعجاز
 
عودة
أعلى