تأملات في فاتحة الكتاب

أبو عبد المعز

Active member
إنضم
20/04/2003
المشاركات
720
مستوى التفاعل
35
النقاط
28
-1-

(ننبه قبل الشروع في البحث على أمرين :

- ترجيح التفسيرالذي أول( السبع المثاني) بالفاتحة.

- ترجيح المذهب الذي لا يرى البسملة من الفاتحة.)



وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر : 87]

هنا سؤال : لماذا نص القرآن على عدد الآيات؟ وما الحكمة من تخصيص العدد سبعة؟

عندما نستحضر العدد (سبع ) في بنية الآيات فقد يخطر على البال البحث عن الآية الوسطى في هذا البناء بسبب التميز الموضعي...فيجدها :

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة : 4]

وعند التأمل نكتشف أن هذه الآية محورية، فهي ليست وسطا في البناء فحسب بل هي وسط في المعنى أيضا:

الآية مسبوقة بثلاث آيات متحدة في موضوع...

و ملحوقة بثلاث آيات متحدة في موضوع آخر...

والآية الوسطى هي الحلقة التي يلتقي عندها الموضوعان ، فهي نتيجة لما قبلها وعلة لما بعدها...وهذا بيان ذلك:

موضوع الآيات الثلاث الأولى : (الثناء)

وموضوع الآيات الثلاث الأخيرة : (الدعاء)

الثناء على الله بثلاث صفات، في كل آية صفة:

1- الربوبية الشاملة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة : 1]

2- الرحمة المؤكدة بالاسمين: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 2]

3- السلطة المطلقة في الآخرة : مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة : 3]

ولأن الله موصوف بهذه الصفات فقد تعين إلا يعبد إلا هو...فتكون الآية :إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة : 4] معلولة للمقدمات السابقة :

- لم لا تعبدون إلا الله ولا تستعينون إلا به؟

-لأنه رب العالمين ، ورحمن رحيم، ومالك يوم الدينَ!

علاقة السببية هذه ستربط الآية الوسطى بالموضوع اللاحق :الدعاء

لو ربطنا الآية بما بعدها ب"الفاء " لاستقام المعنى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (ف) {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ...ذلك لأن كلا من العبادة والاستعانة ترتبطان عضويا بالدعاء :

- عن النعمان بن بشير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدعاء هو العبادة"...

(لا حاجة الى التنبيه أن مقصوده عليه السلام ليس الحصر ولكن بيان الأهمية بسبب عموم البلوى، كما قال في موضع آخر: "الحج عرفة ")

- والاستعانة هي طلب العون وأول وسيلة في الطلب هي الدعاء...

ومن ثم يمكن اختزال الآية في جملة : (إياك ندعو) ويأتي بعدها {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} كتطبيق عملي وتنفيذ بالفعل لما تقرر نظريا في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}...

الآية إذن محورية دلاليا كما هي محورية بنائيا فهي الوسطى في السبع آيات ...

ولعل هذا التحليل – إن صح- يرجح المذهب الذي لا يرى البسملة من الفاتحة ...لأنها لو كانت منها لكانت المحورية البنائية للآية قبلها :

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة : 4] وهي جزء من الموضوع الأول في السورة وليست نقطة تقاطع دلالي كما بينا بشأن إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ..

والله أعلم.
 
-2-

مركزية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} في السورة مؤشر على مركزية مضمونها في دين الله ، فهي تنصيص على توحيد العبادة وهو أعظم مقصد على الإطلاق سواء في الرسالة الخاتمة أوفي كل الكتب المنزلة وفي كل دعوات الرسل:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء : 25]

وليس من الغريب أن يكون موضوع أعظم سورة في التنزيل هو أعظم موضوع في دين الله...الفاتحة كلها توحيد : توحيد الربوبية في شقها الأول:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة : 1]

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة : 2]

مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة : 3]

وتوحيد الألوهية في الشق الثاني :

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة : 4]

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة : 5]
 
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم هل يمكن البحث في الموضوع الآتي:
( ترجيح المذهب الذي لا يرى البسملة من الفاتحة)
والحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو :
( إذا قرأتم الحمد لله، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم الكتاب والسبع المثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها) رواه الطبراني والبيهقي .
تناقشت مع أحد الأخوة من أعضاء الملتقى فقال لي : هذا رأيك ، وللعلماء رأي آخر ، هل يصح هذا الكلام ، هذا ليس رأي
إنما حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلينا أن نحترمه والله تعالى أعلم .

 
-3-


سوف نحلل شق توحيد الربوبية من منظور التلقي النفسي ، أعني نستكنه ما تخلفه الآية من أثر في الشعور:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ : الآية تثيرفي النفس (الحب)

الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : الآية تثير في النفس( الرجاء)

ملكِ يَوْمِ الدِّينِ : الآية تثير في النفس (الخوف)

1- استحضار الربوبية تعني استحضار الخالق الرازق واهب السمع والبصروالماء والثمار... فلا يكون من رد فعل النفس إلا الحب ،وما الحمد المفتتح للآية إلا دليل على الفضل العظيم والنعمة الدائمة..فلا يجدر أن يقابل ذو الفضل العظيم إلا بالمحبة.

2- الرحمة مؤكدة لغويا بالمادة والهيئة...فمادة (ر-ح - م) تكررت في الاسمين الشريفين : الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ...والتكرار يفيد التوكيد.

والهيئة تفيد المبالغة في معنى الاسمين كليهما :

رحمان على وزن "فعلان " وتفيد الصيغة الامتلاء بالشيء وعظم الصفة ، فالفرق بين الراحم والرحمان كالفرق بين (الغاضب والغضبان) و(الجائع والجوعان ) و(الفرح والفرحان) و(النادم والندمان) الخ....

رحيم على وزن" فعيل" ، والأصل في صفة اسم الفاعل (راحم)، فتكون في( رحيم) زيادة ومبالغة كما في الثنائيات التالية ( قادر- قدير) (سامع سميع) (عالم عليم)...الخ

إن اتساع الرحمة وتوكيدها لا ينشأ عنها إلا التفاؤل والرجاء!

3-" ملكِ يَوْمِ الدِّينِ " تشعربالخوف والهيبة، وكل كلمة من الكلمات الثلاث توحي بالرهبة فكيف اذا اجتمعت جميعا في تركيب إضافي واحد!

- الملك : يوحي بالخوف والهيبة

-اليوم عند العرب يوحي بالشدة فمن معاني اليوم الحرب فيقال "أيام العرب" أي معاركهم

وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة : 25]

(ولعل في اصطلاح القرآن( يوم القيامة ) إيحاء بجو الحرب ، فكأنها آخر وأكبر معركة يخوضها الانسان تنتهي بالفوز العظيم أو الهلاك المبين!)

- والدين والدينونة من أثقل الأمور على النفس..

فلا تتلقى آية " ملكِ يَوْمِ الدِّينِ " نفسيا إلا بالخوف والتوتر.

وهنا موضوع للبحث: هل يجب أن تكون عبادة الله بالخوف والرجاء معا ؟ وهل الجمع على سبيل الاقتران أم على سبيل التناوب؟ وما الأفضل عبادة الخوف أم عبادة الرجاء؟

الموضوع يتجاوز المنهج اللغوي- البلاغي الذي اخترناه وسنحاول بإذن الله أن نورد شيئا من أقوال أهل العلم في المسألة.
 
عودة
أعلى