بعبارة أخرى: مالغرض من العدول عن الإفراد إلى الجمع في هذه الآية..؟

لطيفة

New member
إنضم
15 يوليو 2007
المشاركات
471
مستوى التفاعل
1
النقاط
18
في قول الله عز وجل: ((ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ))

يقول الرازي:
(( قال: ومن الناس من يقول آمنا ولم يقل آمنت مع أنه وحد الأفعال التي بعده كقوله تعالى: فإذا أوذي في الله وقوله: جعل فتنة الناس وذلك لأن المنافق كان يشبه/ نفسه بالمؤمن، ويقول إيماني كإيمانك فقال: آمنا يعني أنا والمؤمن حقا آمنا، إشعارا بأن إيمانه كإيمانه، وهذا كما أن الجبان الضعيف إذا خرج مع الأبطال في القتال، وهزموا خصومهم يقول الجبان خرجنا وقاتلناهم وهزمناهم، فيصح من السامع لكلامه أن يقول وماذا كنت أنت فيهم حتى تقول خرجنا وقاتلنا؟ وهذا الرد يدل على أنه يفهم من كلامه أن خروجه وقتاله كخروجهم وقتالهم، لأنه لا يصح الإنكار عليه في دعوى نفس الخروج والقتال، وكذا قول القائل أنا والملك ألفينا فلانا واستقبلناه ينكر، لأن المفهوم منه المساواة فهم لما أرادوا إظهار كون إيمانهم كإيمان المحقين كان الواحد يقول: آمنا أي أنا والمحق)).

فقد اتضح من كلام الرازي الغرض من التعبير بضمير الجمع في"آمنا" والعدول عن الإفراد الوارد في "يقول" و"أوذي"و"جعل"إلى الجمع في"آمنا"..
لكن ما الغرض من العدول إلى الجمع في "ليقولُن"..لا سيما أنه ورد بعد الإفراد في "أوذي"و"جعل"، فكان مقتضى الظاهر أن يفرد؟




ملحوظة: السؤال ورد في موضوع سابق لكن بعبارة أخرى: http://vb.tafsir.net/tafsir33146/#ixzz262oMBseR
 
بسم1​

في قول الله جل وعلا : ((ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ))
اقول والله اعلى واعلم أن مجمل الآية تتحدث بالاشارة الى الجمع وليس افرادا ثم جمعا ثم عدولا عن الجمع كما يرى البعض ، واذا اتينا عليها تفصيلا فنقول ابتداءا أن الله جلت قدرته يصف حال المنافقين الذين لا يجاوز الايمان السنتهم ولا ينفذ إلى قلوبهم فيقول جلت قدرته:

- ومن الناس من يقول آمنا بالله :
وينظر البعض إلى هذا التبعيض بالافراد وهذا برأيي غير صحيح فالقصد والله أعلم (ومن الناس جمعٌ يقولون آمنا) فالتبعيض جمعي وليس مفرداً وهذا له شبيه فيه كتاب الله فيقول جلت قدرته ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) أي - من الناس جمعٌ يقولون آمنا وليسوا بمؤمنين - ولا يقصد جلت قدرته ومن الناس رجل ! ، فالقصد من ذلك شرح حال مجموعة من الناس انتسبوا للايمان (بالقول) آمنا بالله ، والضمير يعود على أولئك الجمع .


- فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله:
أي فإذا أصاب أحدهم (هؤلاء القائلون آمنا بالله بالسنتهم) فإذا أصاب أحدهم (المفرد منهم او الواحد منهم ) أذى أثناء الجهاد بأن يهزم جيشهم أو يفقد قريبا أو أباً أو يصاب في القتال فإن تلك المصيبة فتنة من فتن الناس وليست عذابا من الله ولكنه يجعل هذه كتلك كمن ينسب إلى الله اخلاف وعده لعباده تعالى عن ذلك وما ذلك الظن السيء برب العالمين إلا لضعف إيمانهم الذي لم يستقر في قلوبهم ليعلموا أن ما أصاب بعضهم فتنة تختبر صبرهم وليست جزاءاً وعذابا من الله جل وعلا.
وهنا التساؤل لماذا عاد من الحديث عن الجمع في المقطع الأول الى الافراد في هذا المقطع ؟ أقول إن القول باللسان جمعي يقوله جميع المعنيون في المقطع الأول ولكن الأذى لا يصيبهم كلهم حتى يتصل الجمع في السياق فأفرد على سبيل المثل (بعض البعض) او (الواحد من اولئك البعض) لان المصيبة في القتال لا تشمل كما اسلفنا كل أولئك الجمع فلذلك افرد المثال بالواحد ولو أنه استطرد جمعاً فقال : فإذا أوذوا في الله جعلوا فتنة الناس كعذاب الله. كان ذلك موحياً بأن الفتنة اختصتهم جميعا دون غيرهم وشملتهم ولم تستثن منهم أحداً وهذا تعبير ليس بذات القوة والدقة في عرض المثل بالافراد.

وهذا من دقة وروعة التعبير القرآني ورونقه المعبر الذي يراعي تفاصيل دقيقة ومعاني عميقة تحتاج لتدبر عميق للوصول


-ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم :
هنا يعود الحديث بصيغة الجمع لأنهم لا يشتركون في وقوع الأذى عليهم ولكنهم يشتركون في القول (آمنا بالله) ويشتركون في ادعاء المعية و الانتساب للمؤمنين اذا أتى النصر من الله ، فهم رغبةً في الدنيا وتبعات النصر من فخر وغنيمة يأتون للمؤمنين يذكرونهم بذلك القول (آمنا بالله) وأنه إثبات لمعيتهم للمؤمنين بينما قلوبهم تمتلئ شكاً وريبةً ونفاقاً ، فيأتون طالبين للغنائم يحاجون المؤمنين بقولهم بألسنتهم ليس لإيمانهم ولكن لينالهم من تبعات النصر ويصيبون من الدنيا ما يصيبهم ، وهنا يرينا الله ظلمهم لأنفسهم ففي الأذى ونسبته إلى الله من باب الجزاء على قتالهم سوء ظن به تعالى وعندما نصر الله المؤمنين لم يقولوا ذلك جزاء الله لعباده المؤمنين جميعا بل هبوا يبحثون عن الدنيا فأي ظلم تحويه نفوسهم.


- أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين :
وهذا سؤال استنكاري لأولئك المنافقين بأن الله يعلم نسبتهم الاذى لله وانكارهم النصر من عنده ورغبتهم في الدنيا ولو لم يعلم المؤمنين ذلك فمهما اخفوا نفاقهم وسوء طويتهم عن المؤمنين فهم لا يخفونها عن الله فإن قرأوا أو سمعوا هذه الآية علموا أن الخطاب لهم فالله يعلم خفاياهم ويخبرهم بما في أنفسهم لأنه محيط عالم بما تخفيه قلوب العالمين و ما يحيك في صدورهم.

وإن كان ربنا جلت قدرته يمثل بالواحد منهم على المصيبة فإنه يشير جلت قدرته اشارة لطيفة بأنهم يشتركون جميعا بالايمان بالقول فقط ، وبنسبة الاذى لله ، وبركوب موجة النصر مع المؤمنين بحثا عن الدنيا.

قول الرازي رحمه الله:

هذا القول يختلف عن قول الرازي أنه رحمه الله يرى أن الآية من أولها تتحدث بصيغة الإفراد ففي رأيه أن المقطع الاول (ومن الناس من يقول آمنا بالله ) يتحدث عن مفرد يقول ذلك القول ويدعي ذلك الادعاء بالايمان فصارت (من) تعني واحدا ، ولكن أشكل عنده على هذا الإفراد لفظة آمنا فهي تدل على جمع فبرر قول (آمنا) بقوله اي : انا والمؤمن الحقيقي سواء، ثم استطرد في المقطع التالي بصيغة المفرد فيقول (فإذا أوذي في الله ) فأصبح جل الآية يتحدث بصيغة المفرد وفي آخرها يعدل (كما عبرت الأخت لطيفة) عن المفرد ليتحدث بصيغة الجمع في المقطع الثالث من الآية (ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم)
وأنا أقول أنه قد يكون في ذلك تكلف وقد يكون التفصيل اعلاه أبلغ وأكثر اتساقا مع دقة التعبير القرآني وسلامته واتساقه المعهود وبالتالي تَكونُ الآيةُ تَتَحَدَّثُ عن جمع و طُعِّمَت بمثال مفرد وليست حديث عن مفرد استحالت إلى حديث عن جمع ، وأرجو من الأخت لطيفة والأعضاء الكرام قراءة الآية بالفهمين وستنجلي صورة التغاير بينهما.

هذا رأي متواضع قد يكون صواباً وقد يكون خطأً فأرجو أن يصححني أولو العلم والفضل إن وجدوا خطأ وأستغفر الله إن كان مني خطأ وصلى اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
 
تعقيب بسيط لتوقف المهلة للاضافة في تفصيل الاذى المذكور في الآية وما دعاني لاعتباره أذىً متصل بالجهاد اكثر من سواه من الأذى لسببين:
أولهما أن الجهاد من اثقل الاعمال واكثرها رعبا للمنافقين لحرصهم على حياتهم لضعف ايمانهم فهو المثل الانسب لتمحيص المؤمنين من المنافقين.
ثانيهما لكون الله جل وعلا قابل الحالة الأولى بقوله ولئن جاء نصر من ربكم فصارت كأنها معركة وقتال فصور المنافق حال الهزيمة واصابة الاذى له وصوره في الحالة العكسية وهي حالة النصر .
هذا على وجه عموم الآية ولكن قيل أن سبب نزول الآية متعلق بأقوام استرجعتهم قريش فعادوا عن الايمان ، وقد تكون نفس حالة الجهاد إذ أن فتنة الكفار للمؤمنين وتعذيبهم ليعودوا عن دينهم ونجاح ذلك بأن يعود للكفر ظنا منه أن الله اخلفه وعده شبيه بالاذى الذي يقع عليه في المعركة فكلاها مظان قنوط المنافق ونكوص المرتاب ، والله أعلى وأعلم
 
عودة
أعلى