برنامج قصة آية للدكتور عبد الرحمن الشهري

إنضم
7 مايو 2004
المشاركات
2,562
مستوى التفاعل
13
النقاط
38
الإقامة
الخبر - المملكة ا
الموقع الالكتروني
www.islamiyyat.com
تقدم قناة الرسالة الفضائية برنامجاً يومياً للدكتور عبد الرحمن الشهري بعنوان
قصة آية
وسوف يعرض الساعة 12.30 ظهراً بتوقيت مكة المكرمة ويعاد الساعة التاسعة والنصف وهذا رابط الاعلان من موقع قناة الرسالة
http://www.alresalah.net/index.jsp#programdetail.jsp?pid=414

نرجو من الأخت أم الحارث تسجيل الحلقات ليتم تفريغها بإذن الله تعالى
 
وهذا تفريغ أولى الحلقات بحمد الله تعالى

برنامج قصة آية
د. عبد الرحمن الشهري
قناة الرسالة – رمضان 1433هـ

الحلقة الأولى:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾)
نتوقف مع قصة هذه الآيات. هذه الآيات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي أول ما نزل من القرآن الكريم على الإطلاق وهو الصحيح من أقوال العلماء. كان النبي صلى الله عليه وسلم متعوداً أن يذهب إلى غار حراء وكان يبقى صلى الله عليه وسلم الليلة والليلتين وهو منقطع يتحنّث كما يقولون في الحديث والتحنث هو الانقطاع للعبادة. وذات يوم وكانت ليلة من ليالي رمضان لأن القرآن الكريم أنزل في رمضان بدلالة قوله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) القدر) (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ (3) الدخان) (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (185) البقرة) ففوجئ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الوحي يفجأه ما كان صلى الله عليه وسلم ينتظر هذا الوحي ولا كان يتوقعه ولا خطر على بال النبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف يتعرض لهذا الموقف. بعض المشككين قالوا كان النبي يتحرى مثل هذا الوحي، أبداً، النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ينتر مثل هذا الأمر ولكن النبي صلى الله عليه وسلم الله كان يهيؤه قبل تلقي الوحي بالانقطاع للعبادة. وغار حراء الذي يجلس في الغار يشاهد عن بُعد الكعبة من بعيد وهو جبل مرتفع الواقف على رأس الجبل يرى مكة، فجاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآيات التي نتحدث عنها اليوم أنه يقول صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد وأخرجه البخاري ومسلم وترويه عائشة رضي الله عنها وهو في صحيح البخاري ومسلم قالت رضي الله عنها وهي تروي لنا قصة هذه الآيات: قالت أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤية إلا جاءت كفلق الصبح في الحديث المعروف. قالت ثم حبب إليه الخلاء أي الانفراد فكان يأتي غار حراء فيتحنث فيه أي يتعبد الليالي ذوات العدد يعني أربع خمس ست عشر احياناً أكثر من ذلك ويتزود لذلك يعني يأخذ معه من الطعام والشراب ما يكفيه لهذه الليالي التي يبقى فيها ثم يرجع إلى خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها فيتزود لمثلها حتى فجأه الوحي وهو في غار حراء فجاءه الملك وهو جبريل عليه السلام وهو الذي كان ياتيه بالقرآن فقال للنبي صلى الله عليه وسلم اِقرأ، طبعاً النبي صلى الله عليه وسلم لا يقرأ ولا يكتب وكل من قال أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ أو أنه أصبح يقرأ بعد الوحي فهو مخطئ. النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولا يكتب أبداً والعجيب أن الأمية وهي عدم معرفة القرآءة والكتابة تعتبر صفة ذمّ ولذلك الدول الآن تسعى للقضاء على الأمية إلا في حق النبي صلى الله عليه وسلم فهي صفة مدح لأنه لو كان يقرأ أو يكتب لكان المشركون قالوا: أنت أتيت بالقرآن وجمعته من هنا وهناك لكن هم يعرفون أنه لا يقرأ ولا يكتب ولذلك قال الله تعالى (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) العنكبوت) لكان سبباً في ريبتهم وفي تشككهم بالوحي، قالت عائشة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ يعني جبريل يقول اِقرأ وبعض الناس يقول كيف يقولله جبرل اِقرأ؟ كيف يقرأ؟ في بعض الروايات في الأحاديث أنه جاءه بكتاب وأراه إياه وقال اقرأ فقال ما أنا بقارئ. بعض الناس يظن أن ما أنا بقارئ يعني لن أقرأ والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول أنا ما أعرف اقرأ، ما أنا بقارئ لا أُحسن القرآءة، قال فأخذني جبريل فغطني إليه أي ضمّني إليه ثم قال لي اقرأ قلت ما أنا بقارئ فغطّني الثالثة ثم قال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾) تخيل هذا الموقف الذي نزل فيه هذا الوحي وكان هو أول وحي يطرق سمع النبي صلى الله عليه وسلم وكان أول ما نزل على النبي من القرآن الكريم! وكيف كنا قبل هذه الآيات وكيف أصبحنا بعد هذه الآيات؟
والقصة بعدما رجع إلى خديجة وهو يرجف فؤاده ومرعوب عليه الصلاة والسلام ويقول لخديجة: دثروني يعني غطوني فقالت ما الذي أصابك؟ فأخبرها بالخبر فقالت خديجة وانظر المرأة الصالحة حتى قبل الاسلام امرأة عاقلة وتعرف زوجها أنه رجل مستقيم أمين ولاحظ سبحان الله عندما قال لها هذا فهدأت من روعه وقالت كلا والله، لا يخزيك الله أبداً. لماذا؟ لاحظ الصفات التي ذكرتها خديجة، قالت: إنك لتصل الرحِم أليست هذه علاقات اجتماعية؟ وتصدق الحديث وتحمل الكلّ يعني الرجل الضعيف العاجز تحمله وتعينه وتُقري الضيف وتعين على نوائب الحق. ذكرت فيه خمس صفات وما قالت له أنك تؤمن بالله لأنه ما كان هناك شيء كهذا وإنما ذكرت مكارم أخلاق فيه صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام وجاء الإسلام بثتبيتها وبتأكيدها وبتحقيقها هذه كلها مكارم أخلاق وعلاقات اجتماعية مع الناس ورأت خديجة بعقلها أن من كانت فيه هذه الصفات لا يمكن أن يخذله الله بفطرتها قبل الإسلام، مما يدل على أن الأديان والفطر السليمة تجتمع كلها على مكارم الأخلاق على الكرم وعلى الشجاعة وعلى إغاثة الملهوف. ثم انطلقت به ومن تمام عقلها رضي الله عنها ذهبت به إلى ورقة بن نوفل ابن عمها وكان رجلاً مثقفاً ولديه معرفة بالكتاب العبراني وكان نصرانياً. والعجيب أنه في مكة كان الناس في مكة قبل مجيء النبي صلى الله عليه وسلم وقبله بسنين طويلة لم يكونوا أهل كتاب لم يبعث فيهم نبي بعث موسى لبني إسرائيل في مصر وبعث عيسى إلى بني إسرائيل في الشام بعث ابراهيم إلى قومه في العراق وضواحيها، بعث لوط إلى قومه في نواحي فلسطين، بعث نوح إلى قومه، بعث صالح إلى قومه في شمال الجزيرة بعث هود إلى قومه في جنوب شبه الجزيرة في اليمن أما في مكة فلم ياتي في التاريخ إلا عندما جاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام بابنه اسماعيل إلى مكة ولكن لم ياتي لينشر دعوة لأن ابراهيم مرسل لى قمه فقط. ولم يرسل أحد إلى البشر كافة وإلى الجن والإنس إلا النبي صلى الله عليه وسلم وهذه من خصائصه عليه الصلاة والسلام (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ (28) سبأ) وعندما قال الله سبحانه وتعالى في سورة الفرقان (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) الفرقان) سهل أن يرل الله تعالى في كل قرية رسول وبالتأكيد سيكون كل رسول بنفس لغة المرسل إليهم لكنه اختار رسولاً واحداً واختار اللغة العربية وهذه تستحق أن نتوقف عندها لماذا اختاره عربياً واختراه باللغة العربية من مكة مع أن الرسالة لكافة اللغات ولكافة الأجناس بل للجن والإنس أيضاً هذه لا شك فيها دلالات.
عرفنا قصة هذه الآية وهي قصة بدء الوحي وهي أعظم قصة في التاريخ ونحن كنا قبل الوحي كانت العرب أمة مجهولة ليس لها وزن في التاريخ وبعد هذه الآية تغير مجرى التاريخ تماماً وأصبحت العرب أمة لها صولة ولها جولة في التاريخ وكتب الله على أيديهم بعد ذلك سقوط مملكة كسرى ومملكة هرقل وفتح الله البلاد لهذه الدعوة. نطيعاًحن نتحدث عنها الآن بعد أكثر من ألف وأربعمئة وخمسين سنة من هذا التاريخ التي نزلت فيه هذه الآيات. هذه الآيات نزلت تقريباً قبل ألف وأربعمئة وخمسن أو ثلاث وخمسين، قبل الهجرة، لكن عندما تنظر إليها في وقتها كانت حدثاً جديداً النبي صلى الله عليه وسلم خاف واستغرب من هذا الموقف.
نتوقف مع الآيات:
العجيب أن الله سو في أول آيات أنزلها على النبي صلى الله عليه وسلم ما قال له آمن، اتق الله، لا، قال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) وهذه لفتة عجيبة معناها أن دين الاسلام هو دين العلم ولذلك من إيحاءات هذه الآية في القرآن الكريم كله أن الله سبحانه وتعالى أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتزود من العلم فقال (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114) طه) ولم يأمره في القرآن الكريم أن يدعوه أن يستزيد من شيء إلا العلم، فهذا ملحظ.
الأمر الثاني أنه قال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وهناك معلومة مفيدة في القرآن، إذا وجدت في القرآن كلمة (رب العالمين – الربّ - ربك) كل كلمة رب فهناك رحمة يريدها الله في هذا السياق فعندما يقول الله (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فهو يريد بنا الرحمة ويريد بنا الخير وهذا فعلاً الذي حدث وأن العلم مقرون بالرحمة. ثم لاح أن الله وصف نفسه ما قال اقرأ باسم ربك الذي علّم وإنما قال (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فخصّ نفسه بأخص أوصاف الألوهية أن الخالق هو الذي يستحق أن يُعبد ولذلك قال (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ (7) النحل) فوصف نفسه بأخص الصفات وهي الخلْق الذي اختص به ولا أحد غيره يستطيع أن يخلق فقال في سورة لقمان (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ (11)) وفي قوله (وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (73) الحج) فهذه إيحاءات.
نقف عند مسالة العلم في الايات أن الله سبحانه وتعالى عندما ابتدأ الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾) لاحظ كيف يكرر كلمة الرب، ثم يقول (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) فيها إشارة إلى أن العلم ورحمة الله سبحانه وتعالى وفضله وكرم الله سبحانه وتعالى عندما قال (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) يعني أن العلم والقرآءة والإقبال وأولى ما يقرأ ويتدبر ويتعلم كتاب الله ولذلك نحن نطمح في كل حلقة من حلقات هذا البرنامج لو لم نخرج منها إلا بفائدتين أو ثلاث حول قصة الآية فإن الازدياد من علم القرآن الكريم بركة. ولذلك لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم جاء أبو بكر وعمر إلى إحدى الصحابيات كبيرة في السن كان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها فجاؤوا فسلموا عليها فإذا بها تبكي فخافوا وقالوا ما الذي يبكيك فوالله لما صار إليه النبي صلى الله عليه وسلم خير مما هو فقالت والله ما أبكي لأنني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله ولكنني أبكي لانقطاع الوحي لأنهم كانوا يرون هذا الوحي بركة وحبل موصول بالسماء خبر السماء يومياً ولذلك الصحابة رضي الله عنهم كلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر ينتظرون، ما الجديد؟ لكن لما مات النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي ولذلك كما قال أنس رضي الله عنه قال" لما أقبل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أضاء منها كل شيء ولما مات أظلم منها كل شيء. وكل هذا لبركة هذا الوحي وهذا القرآن. تخيل انك كنت تعيش في هذ المجتمع الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم تنتظر الوحي تنتظر خبر السماء تنتظر توجيهات جبريل جبريل عليه الصلاة والسلام كان يؤيد النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي ويوجهه ويصوبه ويدّله وهذا شيء افتقدناه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يعد معنا إلا التأمل في هذه الآيات وفي هذه الفوائد.
أيضاً في هذه الآيات أن القرآءة والكتابة هي أدوات العلم وأنه ينبغي على كل مسلم أن يكون قارئاً وكاتباً ومتعلماً وأن بدء الوحي كله وبدء رسالة الإسلام كله فيه هذه الإشارة لذلك الأمية والجهل مرفوضة عندنا في الإسلام.
 
[FONT=&quot]الحلقة الثانية[/FONT]
[FONT=&quot](يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴿١﴾ قُمْ فَأَنْذِرْ ﴿٢﴾ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴿٣﴾ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴿٤﴾ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴿٥﴾ وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ﴿٦﴾ وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ﴿٧﴾)[/FONT]
[FONT=&quot]قصة آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم. كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يفاخر الصحابة رضي الله عنهم ويقول: والله ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت ومتى نزلت وفي من نزلت ولو كنت أعلم أحداً أعلمَ مني بكتاب الله تبلُغه المطيّ لرحلتُ إليه، وما كان الصحابة رضي الله عنهم ينازعونه في هذا العلم[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ونريد في هذه الجلسات القرآنية أن نتوقف مع قصة آية واحدة من هذه الآيات العظيمة التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، واليوم نتحدث عن آية سورة المدثر أول سورة المدثر[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]هذه الآيات هي من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) العلق) وكانت هي أول الآيات التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم. ثم لما هدأ النبي صلى الله عليه وسلم وهدأ روعه رجع الوحي مرة أخرى وجاء جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه الآيات (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ). المدثر معناها المتدثر يعني الملتحِّف باللحاف والدثار، والدِّثار في اللغة هو الثوب الذي يُلبَس من الخارج والشِعار الذي يُلبَس من الداخل ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأنصار شعار والناس دثار". والشعار هو الذي يلي جسمك أما الدثار فهو الخارجي. فالله سبحانه وتعالى يقول يا أيها النبي المتدثر باللحاف وبالغطاء قُم فأنذِر، فلما رجع بعد أن فجأه الوحي قال دثروني دثروني وفي رواية أخرى زملوني زملوني فنزلت عليه يا أيها المدثر ويا أيها المزمل. ولاحظوا سبحان الله العظيم فيها لطف من تعامل الله سبحانه وتعالى مع نبيه صلى الله عليه وسلم كيف يتلطف الله سبحانه وتعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم ما قال يا أيها النبي أو يا محمد وغنما قال على سبيل الملاطفة (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴿١﴾ قُمْ فَأَنْذِرْ (2)) ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان يستخدم نفس الأسلوب مع الصحابة رضي الله عنهم عندما جاء يوماً إلى عليّ رضي الله عنه وهو نائم في المسجد فأخذ يمازحه ويقول له: قُمْ أبا تراب، قُم أبا تراب، وينفض التراب عنه، فالملاطفة والملاعبة أسلوب رباني مع نبيه عليه الصلاة والسلام وفي تعامله معه[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]يلفت النظر في هذه الآيات العظيمة وهي من أوائل الآيات يعني الآن لا يوجد إلا (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) العلق) خمس آيات من أول سورة العلق و (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) وبعض المفسرين يذكر سورة القلم هي نزلت في أوقات متقاربة فنحن نتحدث عن آيات محدودة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل كل القرآن بعد ما زال النور في بدايته، النبي صلى الله عليه وسلم غريب في دعوته لم يؤمن به إلا خديجة بعد ما زالت المسألة سرية جداً جداً وكل هذه الأحداث التي تذكرها الآيات ما زالت خاصة جداً لا تعرفها قريش ولم ينتشر الخبر ما زالت بين الرسول وخديجة وأبو بكر يعني في هذه الدائرة الضيقة جداً. فالله سبحانه وتعالى يقول للنبي صلى الله عليه وسلم (قُمْ فَأَنْذِرْ) وقوله (قُم) اختزنت كل معاني الجد والمثابرة ومواصلة الليل بالنهار وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فهم هذه الرسالة منذ أن قال الله له (قم) ما جلس عليه الصلاة والسلام حتى توفي وظل ثلاث وعشرون عاماً وهو يدعو إلى الله، ولذلك لما قال الله سبحانه وتعالى (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (19) الجن) لا أحد يدعو وهو راقد! الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى قيام ولذلك حتى في سورة المزمل (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) المزمل) فكأنه هنا يقول قم فانذر واستعن على قيامك للدعوة بقيام الليل والداعية لا بد أن يتزود بالطاعة وقيام الليل والصبر والإحتساب وإلا سوف يقعد وينقطع[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]متى نزلت هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم؟[/FONT]
[FONT=&quot]قال جابر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جاورت بحراء (يعني بغار حراء الذي نزل عليه الوحي فيه أول مرة) فلما قضيت جواري هبطت فنوديت قال فنظرت عن يميني فلم أرى شيئاً نظرت عن يساري فلم أرى شيئاً نظرت أمامي نظرت خلفي قال فالتفتُ إلى السماء قال فرأيت شيئاً -هذه رواية البخاري- قال فأتيت خديجة فقلت دثروني وصبوا علي ماء بارداً قال فدثروني وصبوا علي ماءً بارداً فنزلت (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴿١﴾ قُمْ فَأَنْذِرْ(2)). ورواه الإمام مسلم بلفظ آخر يدل على أن أول ما نزل هو (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) الآية التي مرت معنا وجمع العلماء بينهما بأن أول ما نزل على الإطلاق هي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ثم انقطع الوحي حتى رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم هدوءه. وقد يقول قائل: ما الذي أخاف النبي صلى الله عليه وسلم؟ في الحقيقة أن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم مسألة في غاية الصعوبة ولا يتحملها البشر بسهولة، النبي صلى الله عليه وسلم قد أُعِدَّ اِعداداً خاصاً لتحمل الوحي لثقله ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله أحد الصحابة قال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يأتيني كصلصلة الجرس وهو أشده عليّ، ثقيل ولذلك قال (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) ثم يفصِم عني وقد وعيتُ عنه ما قال وأحياناً يأتيني على هيئة رجل فيكلمني وأكلمه. لكن هذه الحالة "يأتيه كصلصلة الجرس" يتعب النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك حطمه هذا وتعب عليه الصلاة والسلام وظهر عليه آثار التعب ولذلك يقول الحارث بن هشام أو غيره عندما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي فقال: قلت لعمر ليتني أرى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه الوحي، فلما نزل عليه الوحي ناداه عمر فقال: هل تريد أن ترى الرسول وهو يتلقى الوحي؟ فقال: فدخلتُ فالتفت في خباء وكان في سفر فوجدت له غطيطاً كغطيط البَكْر ويسمع عند وجهه صوت كدويّ النحل، وأنا أقول الرسول يقول أحياناً يأتيني كصلصلة الجرس، الذي يسمعه من غير النبي صلى الله عليه وسلم يسمعه كدويّ النحل لا يسمعه كصلصلة الجرس ثم يفصم عنه ولذلك يقول عبد الله بن مسعود ويقول بعض الصحابة نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وركبته على ركبتي فكادت ركبتي أن ترضّ من ثقل الوحي. أيضاً كان النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه الوحي وهو على دابته فربما بَرَكَت من ثقل الوحي، ويقول نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على بعيره وعلى راحلته قال فوتدت قدميها البعير إذا كان عليه حمل ثقيل يريد أن يبرك ويقاوم مما يدلك على أن الوحي كان ثقيلاً على النبي صلى الله عليه وسلم وكان متعباً وكان مخيفاً خاصة في بدايته، تخيل جبريل عليه الصلاة والسلام في هيأته الملائكية له ستمائة جناح يسد بجناحه ما بين المشرق والمغرب! المسألة ليست سهلة فعندما يقول النبي صلى الله عليه وسلم دثروني أو زملوني معه في ذلك حق في أن المسألة ليست سهلة. عندما هدأ النبي صلى الله عليه وسلم بدأ الوحي مرة أخرى بمثل (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) هذه السورة التي معنا[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]يقول العلماء (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) كانت إرسالاً للنبي صلى الله عليه وسلم للنذارة، فكانت (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) نبوة للنبي لى الله عليه وسلم وبدءً الوحي أما (يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴿١﴾ قُمْ فَأَنْذِرْ (2)) فهي رسالة، ولذلك لاحظ فيها (قُم) فيها معاني الجد والتشمير والنشاط والمواصلة والمثابرة وأن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى كلها قيام وصبر واحتساب ولذلك الله سبحانه وتعالى عندما قال في سورة الإنسان (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ (24) الإنسان) قد يتبادر إلى الذهن أن يقال فاقرأ أو فاحفظ ولكنه قال (فاصبر) لأن طريق القرآن والعمل به والدعوة إليه فيها مشقة وفيها عوائق والذي يظن أن الدعوة إلى الله مفروشة بالورود فهو واهم ولم يقرأ القرآن، القرآن الكريم مليء بالتصريح ولذلك قال (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) لقمان). ولذلك يذكرون قصة طريفة حدثني بها أحد المشايخ عندما تخرجت أول دفعة من الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة يقولون قام الشيخ محمد تقي الدين الهلالي وهو من مشايخ المغرب المشهورين وكان يدرس في الجامعة يلقي كلمة على الطلاب الخريجين وكان معهم الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمهم الله جميعاً فقال: أبشروا يا أبنائي فأنتم الآن مقبلون على طريق مفروش بالورود هو طريق الدعوة إلى الله، قال فتململ الشيخ الشنقيطي في مكانه ما أعجبه هذا الكلام، فلما أنهى الشيخ تقي الدين كلمته قام الشيخ الشنقيطي – إن لم أكن واهماً أنه الشيخ الهلالي- وقال هذا غير صحيح بل طريق الدعوة إلى الله مليء بالصعوبات ومليء بالعقبات ومليء بالتحديات وذكر الآيات في ذلك، وطبعاً الشيخ محمد تقي الدين الهلالي يريد أن ينشط الشباب ويفتح لهم باب الأمل والشيخ الشنقيطي متمسك بالآيات يريد أن يثبت لهم أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى صبر وتحتاج إلى احتساب وإلا انقطع الإنسان.[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ولذلك لاحظ الآيات (قُمْ فَأَنْذِرْ) كأنه اختصر وظيفة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع بالنذارة مع أن الله سبحانه وتعالى يقول (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (119) البقرة) ولكن في أول الإسلام كان تقديم النذارة أولى لغلبة الشرك وغلبة الكفر وكثرة الأصنام وكثرة المنكر فأنت في هذا الموضع في حاجة إلى الإنذار وإلى التحذير ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم عندما قام ينذر المشركين والعرب قال (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ) وكان يظهر على صوته ويظهر على عباراته عليه الصلاة والسلام الخوف الشديد على هؤلاء[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ثم يقول الله سبحانه وتعالى (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) الإكثار من التكبير وتعظيم لله سبحانه وتعالى، ولاحظوا معي قد كنت قلت (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وهنا يقول (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) مما يشير إلى أن الله سبحانه وتعالى قريب بعنايته وربوبيته ورعايته وحفظه لك يا محمد ولكل من يؤمن بك ويتبعك[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ثم يقول (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ) المفسرون يقولون المقصود بالثياب ظاهر الثياب وبعض المفسرين يقولون أن الثوب المقصود به هنا القلب يعني المقصود وقلبك فطهر من الشرك، أو وثيابك فطهرها من الأدناس والأرجاس وأنت تتعبد لله والآية تحتمل هذا وتحتمل هذا لماذا؟ لأنهم يقولون العرب يسمون القلب الثوب ويستشهدون على هذا المعنى بقول عنترة بن شداد في معلقته المشهورة يقول[/FONT][FONT=&quot]:[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ومُــــدَّجِجٍ كَـرِهَ الكُماةُ نِزَالَـهُ لا مُمْعـــنٍ هَـرَبــاً ولا مُسْتَسْلِـمِ[/FONT]
[FONT=&quot]جَـادَتْ لهُ كَفِّي بِعاجِلِ طَعْنـةٍ بِمُثَقَّـفٍ صَدْقِ الكُعُوبِ مُقَـــوَّمِ[/FONT]
[FONT=&quot]فَشَكَكْـتُ بِالرُّمْحِ الأَصَمِّ ثِيابـهُ ليـسَ الكَريمُ على القَنا بِمُحَـرَّمِ[/FONT]
[FONT=&quot]فمعنى البيت فشككت بالرمح الأصمّ قلبه لأن الثوب ليس فيه مشكلة إذا شققته لكن عندما تشق قلبه فهذه هي المشكلة[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]الله يقول (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7)) هذه الآية الحقيقة في قصتها عبرة لكل الدعاة وكيف أن القيام بأعباء الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يحتاج إلى صبر ولذلك قال هنا (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) ففيها إشارة إلى الإخلاص وانك لا تصبر مجاملة لفلان أو مجاملة لعلان وإنما لوجه الله تعالى (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ). ولاحظوا كيف أنه يقول (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) (وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) أن هذا الرب الكريم الذي خلقك ورزقك وأرسلك هو الذي يستحق أن تكبّره وهو الذي يستحق أن تصبر من أجله وتحتسب من أجله وتقوم من أجله ولذلك الداعية الصادق يتلذذ بالمشقة ويتلذذ بالمعاناة ويتلذذ بالمشي حافياً في سبيل الدعوة إلى الله ولا يريد من أحد شيئاً (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ (86) ص) ولذلك معظم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يقولون هذه الكلمة (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) وإنما نخدمكم لوجه الله ونبلغكم لوجه الله ونقرب العلم لوجه الله وندعو الله على بصيرة لوجه الله وهذا الذي يثبت وهذا الذي يبقى للإنسان.[/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً يقول سبحانه وتعالى في هذه الآيات في هجر الأوثان في قوله (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى قوم كل واحد لديه صنم والأصنام كانت حول الكعبة تزيد على الثلاثمئة صنم فيقول (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) والمقصود بالرجز هنا هذه الأوثان وهذه الأصنام، والمقصود (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) ليس المقصود الهجر المؤقت وإنما المباينة والمقاطعة التامة والهجران التام لكل مظاهر الشرك ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم بدأ من تلك اللحظة التي نزلت فيها هذه الآيات العظيمة وهو يلزم هذا الأمر. وهو صلى الله عليه وسلم كما جاء في السيَر لم يعبد صنماً قط في حياته كلها صلى الله عليه وسلم ولا شك أن هذا من صنع الله وتهيئته للنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة والنبي صلى الله عليه وسلم من أحفاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام منزّه عن الشرك.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
 
[FONT=&quot]الحلقة الثالثة[/FONT]
[FONT=&quot]قصة آية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (206) البقرة)[/FONT]
[FONT=&quot]اليوم سنتوقف مع قصة صحابي جليل جاء من خارج الجزيرة العربية ليس بعربي وسكن في مكة ثم أسلم وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان قد كثرت تجارته وزادت ثروته فلما أراد أن يخرج من مكة مهاجراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم منعته قريش قالت: أما مالَك فيبقى عندنا وأما أنت فاذْهَب. [/FONT]
[FONT=&quot](وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) البقرة)[/FONT]
[FONT=&quot]هذه الآيات من سورة البقرة وسورة البقرة يمكن أن نسميها كلية الشريعة. سورة البقرة سورة جامعة للشرائع والأحكام والحِكَم والفوائد. سورة البقرة يجعل المفسرون كل ما عندهم من العلم فيها لأنها في أول التفسير فيودعونها الفوائد والأحكام والاستنباطات وهي مليئة 286 آية. فهذه الآيات التي معنا هي من سورة البقرة والله سبحانه وتعالى يذكر فيها صورتين متقابلتين يقول (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) خصِم فاجر مخاصِم لله ولرسوله (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ) ازداد (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ) ولذلك دليل على أنه كافر وأن إعراضه إعراض كفر قول الله سبحانه وتعالى (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) تكفيه جهنم عقاباً وجزاءً لهذا الكبر والفسوق.[/FONT]
[FONT=&quot]نتوقف عند الصورة المقابلة في الاية التي بعدها فيقول الله سبحانه وتعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) يشري نفسه يعني يبيعها معظم المفسرين على هذا لأن يشري بمعنى يبيع تأتي بمعنى يشتري وتأتي بمعنى يبيع كما في قوله (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ (20) يوسف) يعني باعوه وتأتي شروه بمعنى ابتاعوه لكنها جاءت في السياقات التي معنا بمعنى باعوه. الله سبحانه وتعالى يقول من الناس من يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله وهذا هو مصداق الوعد الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على المؤمنين عندما قال (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم (111) التوبة) ماذا بقي لهم؟ إذا الله اشترى منك نفسك وروحك واشترى منك مالك وما هو الإنسان إلا نفسه وماله ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "إلا رجل خرج بنفسه وبماله" لأن هذه هي الحياة كلها، تخرج بنفسك وبمالك. فيقول (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم) مقابل ماذا يا رب؟ قال (بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) وماذا نفعل؟ قال (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) أنا وعدتك بالجنة وأخذت منك نفسك ومالك أنها تذهب في سبيل الله ومن أصدق من الله وعداً؟. [/FONT]
[FONT=&quot]فالله سبحانه وتعالى يقول هنا عن هذا المؤمن (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) هي آية قصيرة لكن لها قصة، صهيب بن سنان الرومي، صحابي جليل معروف. صهيب رضي الله عنه مولى من الموالي كان يعمل في مكة هو رومي أصلاً من بلاد الروم من سوريا تقريباً والمناطق حولها لأنه كا يقال لها قبل الاسلام تسمى بلاد الروم، هرقل كان حاكم الروم وكان يقيم في سوريا ولذلك لما خرج في عهد عمر رضي الله عنه قال: وداعاً يا سوريا وداعاً لا لقاء بعده وخرج هرقل ولم يعد بعدها وبقيت إسلامية إلى اليوم. صهيب رضي الله عنه أقام في مكة وبدأ يتاجر يشتغل وفعلاً كثرت أمواله وهو جاء إلى مكة وهو فقير ما عنده شيء لكنه نمت أمواله من تجارته. لما جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة آمن به ودخل في الإسلام مثله في ذلك مثل سلمان الفارسي رضي الله عنه وبلال الحبشي رضي الله عنه وصهيب الرومي. وهؤلاء سابقين لأقوامهم في الدخول في الإسلام فسلمان سابق لفارس الذين دخلوا في الإسلام بالملايين بعد ذلك وأصبح منهم العلماء والمحدثون بعد ذلك. وبلال رضي الله عنه كان سابق الحبشة الذين دخلوا في الإسلام بالملايين بعد ذلك لكن أول واحد دخل في الإسلام منهم هو بلال بن رباح رضي الله عنه ومثلهم صهيب رضي الله عنه كان هو سابق الروم في هذا.[/FONT]
[FONT=&quot]لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أراد صهيب أن يهاجر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن صهيب تاجر وعنده أموال فانتظر يضع خطة يحاول أن يأخذ الأموال معه ينتفع بها هي أمواله ولكن قريش تربصت به وحاصرته حتى أمكنه أن يهرب ولكنه أدركه القناصة والرماة وحاصروه، قالوا لا يمكن أبداً أن تخرج بنفسك وبمالك فقال لهم لو دللتكم على مكان المال تتركوني؟ فنظروا إلى بعضهم البعض وتشاوروا ثم قالوا نتركك. [/FONT]
[FONT=&quot]من حقائق التاريخ والحياة أن أعداء الله وأعداء دينه في كل مكان أهدافهم دنيوية اقتصادية يرضيهم متاع الدنيا الزائل ويرون أنهم إن حصلوا عليه قد حصلوا على ما يريدون. ولذلك في قصة طالوت بنو اسرائيل قوم متعلقون بالدنيا، أهم شيء عندهم الاقتصاد وللك اليوم اليهود يهتمون بالاقتصاد بشكل كبير وهذا هو المقياس عندهم أن الرجل يكون كثير المال والرسول صلى الله عليه وسلم حذّرنا من ذلك أن الإنسان ليس يقاس بماله ولا يقاس بنفسه وإنما يقاس بتقواه ( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا (13) الحجرات) ثم وضع القاعدة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا" وقال "لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى" وقال "كلكم لآدم وآدم من تراب".[/FONT]
[FONT=&quot]في قصة طالوت لما قال لهم نبيهم (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا (247) البقرة) استنكروا مباشرة (قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ) ليس عنده اقتصاد يجعلنا نوليه علينا ملكاً لأنهم يرون أن هذا هو المؤشر (وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ) لأننا من سلالة بني إسرائيل. (قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ) ليس عنده مال لكن هذه المقاييس التي يوزن بها الناس العلم، فهذا يؤشر على قضية الدنيا وتمكنها من نفوس وقلوب اليهود والمشركين والمنافقين وكل مخالف للحق وللدين تجد أنه إذا حصل على الدنيا هذا هو مراده. ولذلك لما قال المشركون لصهيب لما قال لهم أترك لكم المال وتتركوني قالوا ما عندنا مانع فلما تأكدوا من مكان المال ووجدوه قالوا له اخرج! [/FONT]
[FONT=&quot]تخيل أنت جمعت المال الحلال طيلة حياتك بطريق حلال ومشروع في لحظة تجد نفسك بين خيارين: أن تترك كل مالك وثروتك والرجل تاجر، وفعلاً تخلى صهيب عن هذه كلها لوجه الله حتى يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. صهيب رضي الله عنه لما خرج من عندهم متوجهاً إلى المدينة كأني به وشعوره أن كل ثروته ذهبت وسيذهب للمدينة لا مال له وما عنده شيء والنبي جاءه الوحي بخبر صهيب فنزلت الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) فلما دخل صهيب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم تلقّاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقابله في طرف الحرّة من طرف المدينة لأنه جاءهم الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل لصهيب وساومه المشركون على ماله ونفسه فترك لهم المال فتلقوه على طرف المدينة فلما دخل قالوا له: ربح البيع يا صهيب! فقال: وأنتم فلا أخسر الله تجارتكم. وأخبروه أن الله أنزل هذه الآية. ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ربح البيع يا صهيب![/FONT]
[FONT=&quot]هذا درس، الآية قصيرة ومعناها واضح أن الإنسان الذي يبيع نفسه لمرضاة الله والهجرة في سبيل الله والدعوة في سبيل الله لأن كثير من الدعاة في أنحاء العالم فقراء وربما بعضهم يفكر بالمال والثروة والله سبحانه وتعالى يقول لا، طريق الدعوة تحتاج من يبيع نفسه في سبيل الله فتتنازل عن كثير مما يحرص عليه الآخرون المال، الراحة، الحياة الفارهة، يجب أن تتنازل عنها، اِصبر لأنه من الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله. ولاحظ كيف تختم الآية فوق ذلك أنت لم تخسر يا صهيب، الله رؤوف بك عندما صنع بك هذا الصنيع (وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) [/FONT]
[FONT=&quot]لاحظ التعبير كلمة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) ما قال والله روؤف بهم، قال (وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) وهذه فيها إشارة أن وصف العبودية عبوديتنا لله سبحانه وتعالى هو شرف لنا نحن لما نقول هذا عبد فلان فهذا نقص بحق الإنسان لكن وصف العبودية لله سبحانه وتعالى فهذا وصف شرف. وسام شرف نتشرف به أننا عباد لله سبحانه وتعالى ولذلك يعجبني قول الشاعر: [/FONT]
[FONT=&quot]ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا [/FONT]
[FONT=&quot]دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً[/FONT]
[FONT=&quot]كوني أدخل تحت (وبشِّر عباد) (يا عبادي) أنا من هؤلاء العباد. ولذلك لما وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في اشرف المواضع وصفه بالعبودية فقال في سورة الاسراء قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (1)) هذه من المعجزات الكبيرة وأيضاً لما أنزل عليه القرآن (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ (1) الكهف) وهذا موقف تشريف ولما قام يدعو إلى الله (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (19) الجن) هذه كلها مواقف تشريف وأنا أقول وجود العباد المخلصين في المجتمعات صمام أمان لهم، وجود العلماء في المجتمعات هو صمام أمان لهم تنال المجتمعات من بركة هؤلاء الدعاء المخلصين الصادقين الذين يبيعون أنفسهم في سبيل الله ما يصيبهم من الخير والرحمة والسكينة. وهي شرف لهؤلاء المخلصين وأمانة من جهة أخرى. أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص وأن نؤدي شكر هذه النعم التي أنعم بها علينا.[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
 
ما شاء الله تبارك الله .
بارك الله في أختي الكريمة د. سمر على هذه المتابعة والتنبيه وتفريغ الحلقات . أول مرة أشاهد البرنامج ، وقد سجلته لصالح وزارة الشؤون الإسلامية قبل عدة أشهر ، وقد أخبرني المشرف عليه أنه تم توزيعه على أكثر من سبعين قناة تلفزيونية وإذاعية ، ويبث يوميا على إذاعة FM في السعودية .
نسأل الله ألا يحرمنا جميعا أجر مثل هذه المشاركات ، وأن يغفر لنا الزلل والتقصير .
 
وفيك بارك دكتور عبد الرحمن على هذا البرنامج القيم والجميل في طرحه وأسلوبه وفقكم الله وتقبله منكم خالصاً لوجهه الكريم.
البرنامج بحسب تعليق إحدى الأخوات على البرنامج أنه يعرض أيضاً على قناة مكة الساعة 1:30 أو 2:00ظهرا وعلى قناة المعالي الساعة 4 عصرا.
وإن شاء الله أتابع التفريغ ما استطعت جزاكم الله عنا خيراً وأعانكم على تقديم المزيد من هذه البرامج القرآنية الرائدة.
 
[FONT=&quot]قصة آية[/FONT][FONT=&quot] [/FONT]
[FONT=&quot]الحلقة الرابعة[/FONT]
[FONT=&quot](أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (285) البقرة) [/FONT]
[FONT=&quot]قصة آيتنا في هذه الحلقة مع ابراهيم عليه السلام وموقف من مواقف جهاده عليه الصلاة والسلام في دعوته. قصّ الله علينا هذه القصة في سورة البقرة وقد وقعت هذه القصة لابراهيم عليه الصلاة والسلام مع النمرود ابن كنعان.[/FONT]
[FONT=&quot]المناظرة بين ابراهيم عليه الصلاة والسلام والنمرود[/FONT]
[FONT=&quot](أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (285) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (286) البقرة)[/FONT]
[FONT=&quot]هذه المناظرة التي نقلها الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة عن ابراهيم عليه الصلاة والسلام يذكر المفسرون أنها وقعت لابراهيم عليه السلام مع ملك زمانه واسمه النمرود ابن كنعان وكان ملكاً لبابل وهي المنطقة التي بُعث فيها ابراهيم عليه الصلاة والسلام. ومعلوم أن ابراهيم عليه الصلاة والسلام ونوح وكل الأنبياء السابقين بُعثوا إلى أقوامهم فقط ابراهيم إلى قومه فقط، موسى إلى قومه فقط إلى بين إسرائيل، وعيسى إلى بني إسرائيل كانت دعوات محلية بحته بل سبحان الله حتى عيسى عليه السلام عندما جاءته امرأة من سوريا تطلب منه أن يتدخل في إصلاح أهل سوريا ودعوتهم فقال لها كلمة، قال: إنما بُعِثتُ لِخِراف بني إسرائيل الضالّة، مسألة محلية. ولذلك النصرانية باطلة الآن هي ليست دعوى عالمية، الذين ينصّرون الناس ويبشّرون بالنصرانية هؤلاء مخالفون لتعاليم عيسى، مخالفون. والعكس عندنا عندما نقصّر في دعوة الناس إلى الإسلام نحن مخالفون لتعاليم ديننا لأن ديننا عالمي أما هم فمخالفون لتعاليم شريعتهم نفسها عندما يصدّرون النصرانية، قارن بين المسألتين: نحن مدعوون لعولمة الإسلام ونقصّر وهم مدعوون للإنكفاء ويطبعون الانجيل بكل لغات العالم ولهجاته![/FONT]
[FONT=&quot]الله سبحانه وتعالى هنا يذكر لنا قصة ابراهيم مع ملك بابل وأن ابراهيم عليه الصلاة والسلام ذهب إلى هذا الملك الذي يذكره المفسرون والمؤرخون أن اسمه النمرد بن كنعان وهو من ذرية نوح وكان ملكاً جباراً. فجاءه ابراهيم عليه الصلاة والسلام ودعاه إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتوحيد الله وكما تقدم معنا أن ابراهيم عليه الصلاة والسلام داعية التوحيد برزت في دعوته قضية التوحيد وإلا كل الأنبياء دعوتهم واحدة، من آدم إلى محمد كلهم دعوتهم أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت، لا إله إلا الله. فجاء ابراهيم عليه الصلاة والسلام إلى النمرود وهو يدعوه إلى الله سبحانه وتعالى فدخل معه في مجادلة وفي مناظرة: أنت إلى ماذا تدعو؟ أنا أدعو إلى عبادة الله لا شريك له، قال ما هو إلهك؟ تدعوني لإلهك ماذا يفعل إلهك؟ قال يحيي ويميت، قال أنا أحيي ويميت. لاحظ الآية في قوله (ألم تَرَ) يا محمد والمقصود بالرؤية هنا ألم تعلم [/FONT]
[FONT=&quot]وقوله سبحانه ولو تَرى لكي يعمّ كل شخص قد يرى [/FONT]
[FONT=&quot]والرؤية تأتي في القرآن الكريم بمعنى العلم (ألم تر كيف فعل ربك باصحاب الفيل) الرسول ما رأى، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ) لم ير ذلك لكن ألم تعلم يا محمد ألم يبلغك خبر الذي حاجّ ابراهيم في ربه. وحاجج بمعنى ناظر وجادل مأخوذة من المحاججة كأنك تبدي حجتك وأنا أُبدي حجتي وأنت تبدي حجتك وأنا أُبدي حجّتي وأحاول أنني أغلبك، محاججة، ويسمونه علم الحجاج كل واحد يبرز حجته ونرى من يغلب. (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ) في الله سبحانه وتعالى وأنه يستحق العبادة. قال الله سبحانه وتعالى (أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ) ما الذي دفعه إلى هذا الاستكبار والمحاججة والمجادلة في الله؟ أن الله آتاه الملك فبدل أن يشكر نعمة الله عليه وينقاد كان المُلك سبباً في إعراضه. ولذلك الله سبحانه وتعالى عندما ذكر في سورة الكهف قصة ذي القرنين وسورة الكهف يمكن أن نعنون لها بعنوان جميل وهو العصمة من الفتن فذكر الله فتنة العلم وكيفية العصمة منها وهي بردّ الأمر إلى الله، الخضر، هي فتنة العلم لكنه كان يرد العلم لله سبحانه وتعالى. والأمر الثاني فتنة المال ذكر الله تعالى (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ (32)) فتنة المال، رسب في الاختبار وقال (وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36)). تأتي عند فتنة المًلك وهو فتنة ذو القرنين فتجد أنه نجح في الاختبار وسخّر هذه القوة وهذا الجاه لخدمة الناس وإلى الدعوة. هنا النمرود رسب في الاختبار آتاه الله الملك فكان سبباً في كفره وفي تكبره وفي اعراضه عن ابراهيم عليه الصلاة والسلام. (إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) ولاحظ أن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه الصفة وهي من أخص صفات الألوهية أن الذي يحيي ويميت ويخلق هو الجدير بالعبادة ولذلك قال سبحانه وتعالى (أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ (17) النحل)؟ لا. يقول ابراهيم عليه الصلاة والسلام أنا ربي من صفاته أنه يحيي ويميت ولاحظ أنه قدّم الإحياء لأن التحدي في الإحياء أما الإماتة والقتل فهو أهون لكنه قدم الذي يحيي. تقدمت الآن التكنولوجيا ووصلوا إلى الاستنساخ، الاستنساخ لا يعني نفخ الروح أبداً ولذلك الدراسات والبحوث إلى الآن ما زالت عاجزة عن اكتشاف حقيقة النفس الإنسانية. ولذلك قرأت كتاباً جميلاً جداً يقول أن الإنسان كلما ازداد معرفة بالخارج زاد جهلاً بحقيقة نفسه. وتذكر قول الله سبحانه وتعالى (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) الذاريات). (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي (85) الإسراء) لم يصل العلم إلى حقيقة الروح ولن يصل.[/FONT]
[FONT=&quot]قال (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) لاحظ سخافة هذا الملك في المجادلة، ابراهيم عليه الصلاة والسلام يقول (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ) ينفخ الروح ويخلق البشر ويخلق الحيوانات ويخلق النباتات ويبعث فيها هذا الروح وليس المقصود هو مقصود النمرود في الاحياء والإماتة في نظره الساذج، قال أنا أحيي وأميت، ماذا تقصد بالإحياء والإماتة؟ قال هذا رجل محكوم عليه بالقتل عندي في السجن أُطلق سراحه هذا إحياء، فيه نوع من السخافة! هذا لا يسمى إحياءً، يسمى عتق رقبة، يسمى منّ. قال ورجل بريء لا ذنب له آخذه وأقتله، هذه إماته في نظري. طبعاً ابراهيم عليه الصلاة والسلام لو أراد أن يفحمه يدخل معه في جدال ويقول ليست الحياة هي التي تقصد، أنا أقصد الروح، أنت تدخل في مهاترات. وهذا من آداب المناظرات أنه إذا شعر أن مناظره دخل في دليل محتمل – وهذا الدليل يمكن أن ينطلي على بعض الناس السُذّج يقولون فعلاً هذا كان سيحكم عليه بالقتل وأطلقه، هذا إحياء- فماذا صنع ابراهيم عليه السلام؟ لم يسترسل في هذا الدليل ونقله إلى دليل أقوى منه ليس منه مفرّ ولذلك لما قال له النمرود (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) لم يقل له ابراهيم أنت كذاب وأنت ما تحيي وأنت ما تميت، لا، اختصر الطريق مباشرة وأتى بشيء لا يقدر عليه قال (قالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ) فقال الله سبحانه وتعالى (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ). [/FONT]
[FONT=&quot]هذه قصة هذه الآية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى عن ابراهيم عليه الصلاة والسلام وفيها إشارات وفوائد. من هذه الفوائد أن ابراهيم عليه السلام كان نموذجاً يُحتذى في الدفاع عن التوحيد وشرح وبيان دعوته للآخرين وأنه كان يغشى الجميع من الملك إلى أقرب الناس إليه وهو والده، الأصنام، أقام الحجة على الجميع. فلما رأى أنه قد قام بكل ما عليه وأنه لا جدوى هاجر ولاحظ، كل هذا يحدث قبل أن يرزق بأولاد وكبر سنه وهاجر إلى الشام فلما هاجر إلى الشام كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة الصافات (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١٠٠﴾ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴿١٠١﴾ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿١٠٢﴾) ابتلاه الله، بعدما وصل عمره 86 يبشر باسماعيل، ولما يكبر ويبلغ معه السعي يؤمر بذبحه ما هذا البلاء؟ ولذلك قال الله (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) ويرى في المنام أكثر من مرة وكلما نام يرى أنه يذبح ابنه اسماعيل مرتين ثلاثة أربعة فقال لابنه (قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) قال (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) حتى اسماعيل فهم أن الرؤية وحي وأنها حقّ وأنها أمر (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿١٠٢﴾ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴿١٠٣﴾ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿١٠٤﴾ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٠٥﴾ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴿١٠٦﴾ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴿١٠٧﴾ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ﴿١٠٨﴾ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴿١٠٩﴾ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١١٠﴾ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴿١١١﴾ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١١٢﴾) جاءت البشرى باسماعيل ثم جاءت بعدها باسحق ثم أُمر ببناء البيت الحرام ولا زلنا إلى اليوم في ذكريات ابراهيم عليه الصلاة والسلام. إن طفتب البيت ذكرت ابراهيم وان سعيت بين الصفا والمروة ذكرت ابراهيم وإن رميت الجمرات تذكر ابراهيم وإن ذبحت الأضحية تذكر ابراهيم عليه الصلاة والسلام، سنته كلها تدل على التوحيد. [/FONT]
[FONT=&quot]هنا في هذا الموقف يناظر. لاحظ هنا المناظرة أولاً عندما جاءه بالدليل المحتمِل عرض عليه قال (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) انتقل إلى دليل آخر وهذه من فوائد المناظرة. ومن فوائد الآيات تحصيل ملكة الجدل والمناظرة بالدفاع عن الحق، أنها مهمة للداعية لا ينبغي أن يدخل الداعية في مناظرات مع الآخرين وهو لا يملك القدرة على المجادلة والحجاج لأنه ربما يضر من حيث يريد أن ينفع ولذلك ابراهيم عليه الصلاة والسلام قال (الله) (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أُسقط في يده ما استطاع أن يفعل شيئاً وهُزِم وأقام عليه الحجة وهو أمام أتباعه.[/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً من فوائد هذه الآيات ينبغي على المناظر أن يرفع الشبهة عن الدليل. عندما يقول ابراهيم عليه الصلاة والسلام ربي الذي يحيي ويميت، قال أنا أحيي وأميت، كيف؟! ابراهيم عليه الصلاة والسلام قادر على أن يقيم الحجة عليه ويثبت أن هذا ليس فيه إحياء وليس فيه إماتة وأن مفهوم الإحياء والإماتة الحقيقي مفهوم أعمق من ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي ينفخ في الإنسان الروح ولولا نفخة الروح ما كان الإنسان. ولذلك إذا خرجت الروح من الإنسان زوجتك التي تنام أنت وإياها مع بعضكم ما تستطيع أن تنام مع هذه الجثّة، ولا أبناءك يقبلون أن تبقى في البيت وإنما يبحثون عن وساطات ليرسلوك إلى الثلاجة! لأنك فقدت هذه الروح فأنت بالروح لا بالجسم إنسان فهذا لا شك أنه حقيقة الإحياء وحقيقة الإماتة هي نزع هذه الروح. من الذي يملك أن ينفخ هذه الروح؟ الله فقط هو الذي يملكها.[/FONT]
[FONT=&quot]هذه قصة مناظرة ابراهيم عليه الصلاة والسلام للنمرود بن كنعان وبالمناسبة يقولون من ملوك الدنيا الكبار الذي ملك الدنيا. فيقولون: ملك الدنيا مؤمنان وكافران فأما المؤمنان فهما ذو القرنين وسليمان وأما الكافران فهما النمرود بن كنعان والاسكندر الأكبر كما يقولون. فهذه مناظرة وقعت بين ملك من الملوك وبين نبي من الأنبياء أقام فيها الحجة النبي صلى الله عليه وسلم على الملك وهذه درس لكل الدعاة أن يكون ابراهيم عليه السلام هو القدوة الذي يُحتذى، نسأل الله أن يرزقنا الاقتداء به وبنبينا صلى الله عليه وسلم وأن يجعل حظنا من تدبر القرآن وفهمه أوفر الحظ والنصيب.[/FONT]
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحلقة الاولي

سورة العلق

جودة عالية فيديو
http://archive.org/download/4-islamic-971/qest_aya_20_7_12.AVI

جودة متوسطة فيديو

http://archive.org/download/4-islamic-971/qest_aya_20_7_12.WMV

جودة صوت
http://archive.org/download/4-islamic-971/qest_aya_20_7_12.mp3

موقع الملتقي علي اليويتيوب مشاهدة مباشرة

‫قصة اية الشيخ عبدالرحمن الشهري الحلقة الاولي رمضان 143‬‎ - YouTube
بارك الله فيكم
 
توضيح
أود أن ألفت نظر الإخوة والأخوات أني سأتوقف عن استكمال تفريغ حلقات هذا البرنامج وذلك لأن قناة الرسالة تقوم بالتفريغ وترفعه على موقع القناة مع رابط الحلقة. هم يتأخرون يومين لرفع الحلقة بينما كنت أفرغها خلال سماعي لها ظهر كل يوم وأرفعها خلال ساعة من عرضها لكن حرصاً على عدم اضاعة الجهد بتكرار ما هو موجود سأتوقف عن التفريغ وسأضع روابط الحلقات يومياً بإذن الله تعالى فمعذرة من الجميع وأولهم د. عبد الرحمن الشهري.
 
توضيح
أود أن ألفت نظر الإخوة والأخوات أني سأتوقف عن استكمال تفريغ حلقات هذا البرنامج وذلك لأن قناة الرسالة تقوم بالتفريغ وترفعه على موقع القناة مع رابط الحلقة. هم يتأخرون يومين لرفع الحلقة بينما كنت أفرغها خلال سماعي لها ظهر كل يوم وأرفعها خلال ساعة من عرضها لكن حرصاً على عدم اضاعة الجهد بتكرار ما هو موجود سأتوقف عن التفريغ وسأضع روابط الحلقات يومياً بإذن الله تعالى فمعذرة من الجميع وأولهم د. عبد الرحمن الشهري.
أحسنتم ، ما داموا يقومون بذلك فيكفي جزاك الله خيراً وتقبل منكم وكتب لك أجر عملك ونيتك الطيبة .
 
جزاكم الله خيراً دكتور عبد الرحمن على تعقيبكم الطيب بارك الله بكم
الحقيقة أن الحلقات مرتبة في جدول منسق يظهر فيه عنوان الحلقة وبجانبها الملف المرئي للحلقة والملف النصي بصيغة pdf
على هذا الرابط ويتم تحديثه يومياً (هذا جهد فريق عمل بينما أعمل لوحدي والله المستعان فسامحونا على التقصير)
http://www.alresalah.net/index.jsp#programdetail.jsp?pid=414
 
رابط الحلقة الخامسة

قصة الآية (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران)
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=s74zwsSw20E
 
رابط حلقة اليوم بعنوان:
فضل الهجرة في سبيل الله
قصة الآية 100 من سورة النساء (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )
‫قصة آية - فضل الهجرة في سبيل الله‬‎ - YouTube
 
قصة آية - حماية الاستغفار لأهله
(وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الأنفال)

http://www.alresalah.net/index.jsp#player.jsp?id=5564&pid=414
 
جزاك الله خيراً أخي الفاضل على المتابعة. البرنامج مفيد ولطيف بأسلوبه وطريقة طرح الدكتور عبد الرحمن الشهري سلسلة ميسرة سهلة بارك الله فيه وجعله في ميزان حسناته يضاف إلى رصيده من البرامج القرآنية الهادفة.
ولعلي بإذن الله تعالى بعد رمضان أجمع نص الحلقات من موقع الرسالة وأنسقها على غرار التفريغ الذي قمت به في بداية الحلقات وأرفعه هنا في الملتقى لتوثيق هذا البرنامج وتيسير العودة إليه والاستفادة مما جاء فيه.
 
ثمرات التقوى (2012-08-21)

الحذر من فتن الشيطان (2012-08-18)

مدح الايثار واهله (2012-08-16)

سبحان الذي وسع سمعه الاصوات (2012-08-15)

خشوع القلوب (2012-08-14)

خبر الفاسق (2012-08-13)

البعث والنشور (2012-08-12)

وجوب طاعة الله والرسول (2012-08-11)

وفاء المؤمنين (2012-08-09)
 
هذا تفريغ الحلقة الخامسة

الحلقة الخامسة
المصائب من عند أنفسنا
(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) آل عمران)
نتحدث عن آية من الآيات التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم بعد معركة أُحُد، هذه المعركة التي وقع فيها على جيش المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم معهم فيهم بعض الجراحات وبعض الانكسارات وهذه الآية التي معنا سوف تتحدث عن هذه المسألة.
تأمل هذه الآية عندما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أعقاب معركة أحد وهذه المعركة هي المعركة الثانية في الإسلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر قد نصره الله وانتصر وأصيبت قريش بخيبة أمل وانكسار ولذلك أرادت بمعركة أُحد أن تُرجع هيبتها في الجزيرة العربية وأن تُقنع العرب بأن قريش ما زالت قادرة على بسط هيمنتها في الجزيرة. فالنبي صلى الله عليه وسلم مع الصحابة رضي الله عنهم عندما شهدوا هذه المعركة والنبي صلى الله عليه وسلم وزّع أقسام الجيش وترك الميمنة والميسرة ووضع كلٌ في موضعه وكان ممن وضعهم عدد من الصحابة رضي الله عنهم فوق جبل الرماة والقصة معروفة ومشهورة وكيف أن هؤلاء رضي الله عنهم عندما رأوا بشائر النصر ورأوا الغنائم والنبي صلى الله عليه وسلم قال لهم لا تبرحوا هذا المكان ولو تخطفتنا الطير. ولكن سبحان الله العظيم لأمر الله سبحانه وتعالى رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد في حالة الحاجة أو إذا كان هناك ميل للكفة للمشركين ولا بد من الوقوف في هذا المكان لكن رأوا أن المسألة حُسِمت، سبحان الله العظيم. أحياناً قد يتهاون الإنسان في أمر الله أو يرتكب شيئاً ويرى أنها مخالفة يسيرة ويترتب عليها إنكسار كبير جداً. والنبي صلى الله عليه وسلم موجود وكبار الصحابة موجودون وقع هذا الذنب والمخالفة والرسول صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة وأهل بدر كلهم موجودين. فتركوا أماكنهم وذهبوا ليجمعوا الغنائم. خالد بن الوليد رضي الله عنه كان في ذلك الوقت مع جيش المشركين وخالد ذكي ولهم يهزم في جاهلية ولا في اسلام فلما رأى المسألة رأى من المناسب جداً الالتفاف عليهم والصعود على جبل الرماة وينكشف ظهر الجيش المسلم وهذا الذي حدث. فقام خالد رضي الله عنه وكان على جزء كبير من جيش المشركين والتف وجاءت المقتلة وجاءت الجراحات وأصيب النبي صلى الله عليه وسلم بجراحات عظيمة كسرت رباعيته وقتل من الصحابة رضي الله عنهم سبعون صحابياً منهم حمزة بن عبد المطلب تأثر النبي صلى الله عليه وسلم بموت عمه حمزة تأثراً شديداً وكان يعتبره ذراعه اليمين وكان يتقي به هؤلاء. لو نظرت إلى المخالفة التي وقعت من هؤلاء في نظرهم بسيطة يعني الغنائم انكشفت وهؤلاء انهزموا ولكن سبحان الله كانت عاقبتها شديدة جداً. الحسن البصري يقول: لا تنظر لحجم المعصية ولكن انظر لعظمة من عصيت. وفعلاً الله سبحانه وتعالى ما دام أمرك ونهاك فانظر إلى الآمر والناهي ولا تنظر إلى الأمر، لا تقول هذه بسيطة، ليس هناك حاجة بسيطة. فالله سبحانه وتعالى يقول على لسان الصحابة (أَنَّى هَـذَا) من أين جاءتنا الهزيمة؟ من أين جاءنا الانكسار؟ والنبي صلى الله عليه وسلم معنا؟ ولذلك الله سبحانه وتعالى بمثل هذه الحوادث مع شدتها على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحب الناس إليه وأحب الخلق إليه ما زال أثرها إلى اليوم وسنبقى نكرره لأنه ليس حادثة عابرة يعني قاعدة.
كاد النبي صلى الله عليه وسلم يُقتل في هذه المعركة. ابن قمئة الذي قال لا نجوت إن نجا محمد صلى الله عليه وسلم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فتردّى من الجبل. الشاهد أن الله تعالى سماها معصية (وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ (152) آل عمران)
نعود لأول الآية (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ) سماها الله مصيبة (قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا) أنتم الآن قتل منكم سبعون أنتم قتلتم ضعف هذا العدد وأصبتم مثله والله سبحانه وتعالى قد أراكم ما تحبون من بشائر النصر والغنائم. لو تتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي أسباب نزول هذه القصص ونحن في برنامج قصة آية لوجدت أن هذه القصص ليست هي قصص للتاريخ وإنما هي نبراس ينبغي لنا أن نهتدي به. ولذلك عندما يقول الله (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا) وهذا في الحقيقة لسان حالنا جميعاً أو لسان حال أكثرنا حتى لا نُعمم، عندما يقع مصيبة يتسخط على القضاء والقدر ويقول من اين أتتنا هذه الأمراض؟! من أين جاءتنا هذه الحوادث؟! فيقول الله سبحانه وتعالى (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)
فاطمة بنت النبي رضي الله عنها وأرضاها أنها كانت لما تصاب بالصداع كانت تعصب رأسها وتقول: بذنبي ويعفو عن كثير. وهذا من فقههم وفهمهم للقرآن. لو يتتبع أحد المتتبعين القصص عن الصحابة رضي الله عنهم كيف يفهمون القرآن وكيف فهمت رضي الله عنها وهي بنت النبي صلى الله عليه وسلم وفيها منه من ذكائه وفهمه عليه الصلاة والسلام قالت: بذنبي ويعفو عن كثير. لكن كثير منا يلجأ ويقول من أين جاءتني المصائب؟!
فالل تعالى يقول (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) وفي الحقيقة هذا نبراس لنا جميعاً أن الواحد يلوم نفسه أول ما يلوم ولو تأمل الواحد منا في حقوق الله عليه لوجد أن هناك خلل كبير جداً جداً في طاعة الله سبحانه وتعالى وفي الاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى وفي الوقوف عند حدوده وفي الانقياد لأوامره وهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم خالفوا مخالفة يسيرة ترتب عليها هذا الخطر العظيم فالله سبحانه وتعالى جعلها درساً وقال تعالوا الإنكسار الي حدث هو من عند أنفسكم بمخالفة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذه الآية من الفوائد مكانة النبي صلى الله عليه وسلم العظيمة والله سبحانه وتعالى جعل مقامه مقام نفسه في الأمر وفي النهي فمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم مخالفة لأمر الله (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ (31) آل عمران) (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ (80) النساء) وهذه الآيات واضحة جداً نقول لمن يحب النبي صلى الله عليه وسلم أن كمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم في اتّباعه وأنه يظهر مقدار حبك الحقيقي للنبي صلى الله عليه وسلم بقدر اتباعك لسنته واستجابتك لأوامره ولذلك من ياتي الآن في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم يقيم الحفلات ويقيم الاحتفالات بذكرى الني ويذكرون سيرة النبي ومفاخر النبي من السنة إلى السنة لكن عندما تأتي إلى هؤلاء إذا بهم في منأى عن تطبيق سنته واتباعه والاستجابة لأوامره. نقول المحبة الحقيقية ليست في مثل هذه الاحتفالات والمظاهر التي تأتي في كل سنة لكن المحبة الحقيقة هي في اتباعه عليه الصلاة والسلام والانقياد لأمره ولذا قال تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) ولاحظ انكسارات الأمة وأثر المعاصي على هزائم الأمة عبر التاريخ تجد أن هذه الآية تتكرر في المواقف كلها. ولذلك عمر رضي الله عنه وهو من فقهاء الصحابة كان يقول للجيش والله ما أخشى عليكم من كثرة أعدائكم ولا من قلة عددكم ولكني أخشى عليكم من ذنوبكم. سبحان الله ما أفقهه. نحن لما نذكر هذا الآن بعض الناس يظن أنه من الدروشة وأن الإعداد والاستعداد بالأسلحة والذخيرة وكل ما يتعلق بها هو العامل الحقيقي للنصر، لا والله. ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) محمد) ويثبت أقدامكم الآن يتحدثون عنها بالعسكرية يسمونها الروح المعنوية مهما كان عندك من أسلحة إذا ما كان عنك روح معنوية قوية لا تأتي النصر.
في الاية (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ (60) الأنفال) ما استطعتم من قوة والأمر كله لله ومن جهة أخرى لم يخض المسلمون معركة في التاريخ كانوا هم أكثر من أعدائهم عدداً وعدّة إن وجدت في التاريخ فهي نوادر إنما الأصل المضطرد أن الأعداء دائماً أكثر منا لكن تحققت انتصارات تحققت في بدر وفي الخندق وفي حنين وفي فتح مكة وفي اليرموك في القادسية في حطين ولكن الله سبحانه وتعالى عندما كلفنا بما نستطيع لكن المفاتيح كلها بيده ولذلك قال (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ (10) الأنفال) مهما بذلت هل تظن أنك تضمن النصر؟ لا. ولذلك لما جاء المسلمون في حنين وكانوا اثنا عشر ألفاً تقريباً قال أحدهملن نُهزَم اليوم قال الله سبحانه وتعالى (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ (25) التوبة) وفيهم النبي صلى الله عليه وسلم. كل الحوادث التي تقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أشبه ما تكون بقواعد لنا وإلا لو كان القرآن الكريم شرح كل التفاصيل ما كان يمكن أن يكون في هذا المجلد الصغير لكن كل آية فيه اشبه ما تكون بقاعدة. ولذلك نحن لما نتوقف مع قصة هذه الآية ونذكر أن سبب هذا الانكسار الذي وقع في الجيش وعلى رأسه صلى الله عليه وسلم وكان الملائكة يؤيدون النبي ومن معه كانت بسبب معصية بسيطة ولو حققت مع الصحابة الذين فعلوا ذلك لما وجدت عنهم نية سيئة تأولوا واجتهدوا لكن الله تعالى أراد أن يقول لنا ولهم أن هذه المخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت هذا الشرخ الكبير قد كادت أن تودي بحياة النبي صلى الله عليه وسلم فكيف بمخالفاتنا لأوامر الله الصريحة؟! وكيف يمكن اننا ننتصر ونحن نرتكب الكبائر ونجعلها مشرّعة قانوناً الربا يشرّع في بلاد الإسلام ولا يجد من يردعه وترتكب الموبقات ثم نستغرب لماذا نُهزم؟! الغريب كيف ننتصر على أعدائنا ونحن نخالف أوامر الله جهاراً نهاراً؟!! ولكن نحن مستبشرون ومتفائلون برجوع الأمة في أنحاء الأرض إلى دين الله سبحانه وتعالى. يقول أحد السلف: رب معصية تكون سبباً في دخول الجنة لأنه تورث الانكسار والندم والتوبة والاستغفار ما يجعل الإنسان يرتفع في درجته عند الله سبحانه وتعالى وليست نهاية المطاف ورب حسنة كانت سبباً في دخول النار لأنها أورثت الكبر والتعالي والغرور والاعتزاز بالعمل مما جعل صاحبها يترك العمل أو يضل. ونحن نقول هذه المعاصي وهذه الذنوب لا تحتقرها فربما تكون سبباً في انكسارة عظيمة وفي هزيمة عظيمة وأيضاً لا تجعلها نهاية المطاف لأن الله سبحانه وتعالى يقول هنا (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) حتى في خواتيم الآيات أن الله سبحانه وتعالى يختم الآيات بخواتيم، المتدبر لكلام الله سبحانه وتعالى يجد فيها حكمة متناسبة مع ما تتحدث عنه (إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لما ذكر أن هذه الهزيمة وهذا الانكسار بسبب هذه المعصية الصغيرة وأن الله سبحانه وتعالى جعل لنا هذا الدرس الذي ما زلنا نتدارسه حتى اليوم نسأل الله أن يرزقنا الفقه في كتابه وأن يرزقنا التوبة وأن يكفينا شر ذنوبنا وشر سيئاتنا.
 
للأسف قناة الرسالة توقفت عند تفريغ الحلقة الثالثة ولا أعلم السبب لذا من أراد المشاركة في استكمال تفريغ الحلقات أرجو التواصل معي لترتيب ذلك وتقسيم الحلقات بيننا ليتم تفريغها وتوثيقها جزاكم الله خيراً.
 
بدأت قناة الرسالة الفضائية بإعادة بث حلقات برنامج قصة آية واليوم كانت أولى الحلقات ومواعيد البث بحسب القناة هي:
الساعة العاشرة ليلاً (بث أول)
الساعة الرابعة فجراً (إعادة أولى)
الساعة الثانية عشر ظهراً (إعادة ثانية)
المواعيد بتوقيت مكة المكرمة
وإن شاء الله تعالى نتمكن من متابعة تفريغ الحلقات لأن قناة الرسالة توقفت عند تفريغ الحلقة الثالثة فقط.
متابعة طيبة نافعة للجميع
 
قصة آية (27)
ثمرات التقوى
(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق)
هذه الآية من سورة الطلاق وسورة الطلاق سورة مدنية وعنوانها يتحدث عن العلاقات الاجتماعية وكما يسمونها اليوم الأحوال الشخصية قضية الطلاق وما يقع بين الرجل وزوجته وهي قضايا تقع بين الناس بكثرة. الله سبحانه وتعالى يتحدث عن ثمرة التقوة يقول (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) والحديث عن التقوى هو حديث عن الإسلام كله ولذلك جاءت الوصية بالتقوى في مواضع كثيرة في القرآن الكريم منها في سورة الحشر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)) كررها في نفس الآية مرتين، ومنها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) الأحزاب) وغيرها كثير في سورة البقرة وفي سورة النساء تكرر الحديث عن التقوى في مواضع كثيرة في القرآن الكريم ولو تتبعنا المواضع التي وردت في التقوى والسياق الذي وردت فيه والآية التي معنا اليوم ورد الحديث عن التقوى في سياق الحديث عن الطلاق وعن المحيض ويأتي في وسطها فيقول (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا).
ما هي التقوى؟ قال العلماء هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ويعجبني تعريف علي بن أبي طالب لما سأله رجل: ما التقوى؟ قال هل سرت في أرض ذات شوك؟ قال نعم، قال فماذا تصنع؟ قال أشمّر وأنظر موضع أقدامي، فقال: تلك التقوى. أن تتقي الله سبحانه وتعالى فلا يراك إلا حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك ولذلك يقول أحد الشعراء وأظنه ابن المعتز:
خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ وسط أرض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرنّ صغيرة إن الجبال من الحصى
هذه هي التقوى وأنت عندما تلتزم بهذه الآية فأنت ستستقيم على أوامر الله. لاحظ أنه يقول (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) المخرج لا يكون إلا من ضيق، فهو يصوّر حال ذلك الرجل الذي يعيش في ضيق وفي ضنك لكن الله سبحانه وتعالى يسهّل له مخرجاً من هذا الضيق ما كان يظن أنه سيخرج منه فالله سبحانه وتعالى يعرض هذا العرض أنه من التزم بالتقوى فإن الله سبحانه وتعالى سيفرّج همومه ويجعل له من كل ضيق مخرجاً يخرج منه، لا تسأل كيف فالله على كل شيء قدير لكن أنت اِصنع ما أُمرت به (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا) هذه مسألة الخروج من الضيق لكن التي بعدها قال (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الآن الراتب لا يدخل في هذه الآية لأنك أنت تحتسب الراتب في أول الشهر ستعلم أن في نهاية الشه سيأتيك الراتب لكن الله سبحانه وتعالى يقول لك (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ثم من الذي تكفّل لك بهذا الرزق ومن الذي تكفل بهذا المخرج؟ الله سبحانه وتعالى وأنت تعلم أن الله على كل شيء قدير وتعلم أنه لا يعجزه شيء في السموات والأرض وتعلم أن عنده خزائن السموات والأرض فكل هذا يدفعك أن تأخذ هذه الآية على محمل الجد (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). ثم يقول (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا (4) الطلاق) فكل هذه ضمانات وتأمينات إن صح التعبير أن الله يؤمن لك تأميناً على الحياة وعلى الرزق وعلى النجاة لكن العجيب من الناس أنهم ينشغلون ويكدحون فيما ضمنه الله لهم! تجد الإنسان يبالغ ويستهلك حياته في طلب الرزق ويفرط في الفرائض ويفرط في السنن ويفرط فيما أُمر به من عبادة الله، نحن لا نقول انقطع في المسجد للعبادة واترك طلب الرزق، لا، لكن على الأقل توازن فأعط العبادة حقها والانقطاع لها وأعط الرزق حقه فلا تبالغ في الانقطاع للرزق على حساب دينك ولا تنقطع عن الدنيا بسبب الانقطاع للدين فتصبح عالة على الناس لكن بالرغم من ذلك لا يأتيك مهما كدحت ومهما تعبت إلا ما قدّره الله لك، ما اتقى الله فيه بارك الله له فيه. أن الشاهد التوازن في حياة المسلم هذه الآيات تأمر به وتدل عليه ولكن من هو الذي يوفق له إلا القليل.
مذكر قصة هذه الآية: يقول الحاكم النيسابوري أخرج الحاكم في مستدركه عن جابر أن هذه الآية (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) نزلت في رجل من أشجع كان فقيراً خفيف ذات اليد كثير العيال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله، - ورسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان دائماً عنده شيء يعطيه فقد كان يعيش عيشة المساكين في بيته عليه الصلاة والسلام النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في يوم من الأيام أنه كان يملك أكثر من قوت يومه ويخطئ من يظن أن الآية التي في سورة الضحى تدل على ذلك (ووجدك عائلاً فأغنى) فيظن البعض أن المقصود بـ(أغنى) هنا أنه جعله غنياً كالأغنياء المترفين، الغنى المقصود في الآية هو الكفاف ولذلك ابن كثير رحمه الله في تفسيره أراد أن يبعد هذا الظن وهذا الوهم من نفوس من يقرأ التفسير فيظن أن معنى (ووجدك عائلاً فأغنى) أي مترفاً ذا غنى وذا مال وذا ثروة فأورد قول النبي صلى الله عليه وسلم "ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" ليدل على أن الغنى المقصود في الآية ليس كثرة المال – فالنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه هذا الرجل ما عنده شيئ يعطيه فقال له: اتق الله واصبر- فأمره بالتقوى علاجاً للفقر والحاجة التي هو فيها- فلم يلبث إلا يسيراً حتى جاء ابن له بغنم وكان العدو أصابوه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبرها فقال: كُلْها، فنزلت هذه الآية. بمعنى هذا الرجل كثير العيال وقليل المال وأسر العدو ابنه فوجد ابنه هذا غِرّة من العدو فهرب وكانوا مشركين وهو مسلم فهرب منهم وأخذ غنمهم فجاء بها إلى والده ووالده محتاج فجاء رسول الله فقال له ابني حصل له كذا وكذا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كُلها، غنيمة، ففتح الله عليه ووسع عليه بما لزمه من التقوى ولما استجاب من أمر النبي الله صلى الله عليه وسلم.
نحن نقول آيات القرآن الكريم ليس بالضرورة أن تكون كل آية لها سبب نزول خاص، سواء كانت هذه القصة سبب نزول مباشر لهذه الآية أو كانت مما يدخل في معنى الآية أن من لزم التقوى سيجعل الله له من كل هم فرجاً وسيجعل له من كل ضيق مخرجاً هذه لا نشك فيها ولا نتردد فيها لأن القائل هو مالك الملك سبحانه وتعالى لن يذكر المفسرون هذه القصة كسبب لنزول هذه الآية. وآيات القرآن الكريم من حيث النزول ومن حيث أسباب النزول يمكن أن نقسمها قسمين: آيات نزلت ابتداء دون أن يكون لها قصة أو سبب نزول مباشر نزلت من أجله وهذه معظم آيات القرآن الكريم ولو شئنا لقلنا أن هذه الآيات نزلت لهداية الناس، يمكن أن تقول أن أي آية نزلت هي لهداية الناس لأن الله سبحانه وتعالى قال في أول سورة البقرة بل في سورة الفاتحة (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)) فسورة الفاتحة أشبه ما تكون بخطاب استدعاء في أول القرآن الكريم كتبها المؤمنون طلباً من ربهم الهداية (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) وحددوه قالوا (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) فالله سبحانه وتعالى في الصفحة الثانية أبشروا (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) ولذلك القرآن الكريم لو تلمست أي آية أو أي مفردة من مفرداته لوجدت الهداية حتى في قصص الأنبياء تجد الهداية والعبرة حتى في الآيات التي معنا (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)) هداية أيضاً، هذا سبب عام يصلح أن يكون سبباً لنزول كل آيات القرآن الكريم لكن هناك آيات لها أسباب نزول مباشرة وأسباب النزول المباشرة لها فائدة في قبول هذا الحكم قبول هذا التوجيه مثلاً على سبيل المثال عندما وقعت قصة الإفك لعائشة رضي الله عنها والنبي صلى الله عليه وسلم ابتلي بهذه القصة ابتلاء شديداً اتهم في عرضه عليه الصلاة والسلام وجلس شهراً ينتظر الوحي والناس يلوكون عرض النبي صلى الله عليه وسلم ويتهمون عائشة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول يا عائشة إن كنت ألممت بذنب فتوبي أو نحو ذلك. تخيل هذا الموقف، موقف صعب وعصيب ولكن بعد شهر نزل قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) النور) كيف كان وقع الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الصحابة؟ وقعها عظيم، الله سبحانه وتعالى أنزل وحياً يبرّئ فيه عائشة ويطهّر عرض النبي صلى الله عليه وسلم ويفضح المنافقين كيف لو كانت هذه الآيات نزلت ابتداء دون أن يكون لها هذه القصة؟ ولذلك القصة عندما ينزل الوحي (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا (1) المجادلة) جاءت مسكينة ومهمومة فنزل الوحي وهذه قد ذكرناها في إحدى الحلقات. فالشاهد أن آيات القرآن من حيث أسباب النزول تنقسم إلى قسمين: قسم نزل ابتداء لهداية الناس وهذه معظم آيات القرآن وقسم ما كان لقصص خاصة وهذه أكثرنا منها من برنامج قصة آية وذكرنا لكل آية قصتها التي وقعت وكانت سبباً في قبولها وهذه الآية فيها من الفوائد أن كل من لزم التقوى فالله ضمن له ما ضمنه في هذه الآية أن يخرجه من كل ضيق وأن يرزقه من حيث لا يحتسب وهذه هي التي يطلبها الناس، ماذا يريد الناس أكثر من أن الله سبحانه وتعالى يفرج عنهم الكربات ويوسع له في الرزق حتى لا يحتاج للناس والله ضمنها له مع التقوى وقصص كثيرة لو أردنا أن نفصلها قصص كثيرة في كتب التفسير والسيرة كيف أن من لزم التقوى فتح الله عليه من حيث لا يحتسب في الرزق والمال والقصص في القرآن كثيرة كيف أن الله سبحانه وتعالى بارك لمن شكر وانتقم ممن كفر وأعرض ونجّى أتباع الأنبياء وأهلك أعداءهم في قصص كثيرة من نوح إلى محمد صلى الله عليه وسلم قصص كثيرة تكررت كثيراً وكلها تؤكد هذه القناعة أنه من لزم التقوى وصبر واستقام على أمر الله سبحانه وتعالى وانقاد لأمر الله لأن بعض الناس يتردد في قبول أمر الله يسمع الآية تتلى عليه فيتردد ويشاور كأنه عرض عليه هذا الأمر من بشر ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) الأحزاب) المسألة هذه يجب أن تكون محسومة عند كل مؤمن أن يقدّم أمر الله سبحانه وتعالى وتقوى الله سبحانه وتعالى على كل أمر ويراعي تقوى الله في كل التفاصيل في حياته ويُبشر بما ضمنه الله سبحانه وتعالى له ولذلك روى أحمد والنسائي أن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البرّ. وأيضاً ليس المقصود بالتقوى والتوكل على الله سبحانه وتعالى التواكل والانقطاع عن الدنيا والانقطاع للعبادة وإنما المقصود منها العمل الدؤوب والتوكل على علّام الغيوب، تعمل وتجتهد ولكنك تتوكل على الله سبحانه وتعالى وترضى بقضاء الله وتسلم بأمر الله وتتوازن ولذا أنا أنصح بقرآءة التوكل على الله وحقيقته وأنه ليس المقصود به التواكل والانقطاع عن العمل أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا فهم كتابه على الوجه الذي يرضيه عنا.
 
[FONT=&quot]قصة آية (28)[/FONT]
[FONT=&quot]جزاء التكذيب بآيات الله[/FONT]
[FONT=&quot](ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴿١١﴾ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ﴿١٢﴾ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴿١٣﴾ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ﴿١٤﴾ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴿١٥﴾ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا ﴿١٦﴾ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ﴿١٧﴾ إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴿١٨﴾ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴿١٩﴾ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴿٢٠﴾ ثُمَّ نَظَرَ ﴿٢١﴾ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴿٢٢﴾ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ﴿٢٣﴾ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴿٢٤﴾ إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴿٢٥﴾ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴿٢٦﴾ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ ﴿٢٧﴾ لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ ﴿٢٨﴾ لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ ﴿٢٩﴾ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴿٣٠﴾) [/FONT]
[FONT=&quot]سوف نتوقف اليوم مع قصة آيات من سورة المدثر نزلت في أحد صناديد قريش وكبار قريش الذين عارضوا النبي صلى الله عليه وسلم ووقفوا للدعوة الإسلامية في بدايتها وحاربوها بكل طريقة. يقص الله سبحانه وتعالى علينا قصة هذا الرجل المتكبر وهو الوليد بن المغيرة. سورة المدثر هي تكاد تكون السورة الثانية أو الثالثة نزولاً على النبي صلى الله عليه وسلم فنحن نتحدث عن أول الإسلام وإن كان آخر الآيات قد تأخر قليلاً إلا أنها من أوائل ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تحكي لنا الصراع الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم والمعارضة الشديدة من قومه. هذا الوليد بن المغيرة المخزومي والعجيب أنه هو أبو خالد بن الوليد رضي الله عنه، إذا ذكر خالد ذكر الجهاد وذكر الانتصار وذكرت العزة وإذا ذكر والده المغيرة، الوليد المخزومي ذكر الاستكبار والكفر والجحود فشتّان بين الوالد والولد! يخرج الحيّ من الميت. وهذا دليل على أن الهداية بيد الله سبحانه وتعالى وإلا فإن الوليد بن المغيرة من كبار بني مخزوم وبنو مخزوم هم من كبار بطون قريش وكانوا يتفاخرون فيما بينهم بنو هاشم وبنو مخزوم وبنو التيم وغيرهم. يقول الوليد بن المغيرة للنبي صلى الله عليه وسلم كان أولاً الوليد بن المغيرة يرى نفسه يُفاخر بنفسه ويفاخر بوالده المغيرة يقول أنا الوحيد بن الوحيد ليس لي في العرب نظير ولا لوالدي في العرب نظير وكان يفاخر بكثرة الأبناء ولذلك يقول سبحانه وتعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴿١١﴾ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ﴿١٢﴾) كان عنده ثروة طائلة (وَبَنِينَ شُهُودًا) يشهدون معه المحافل وكان يجعل خمسة على يمينه وخمسة على يساره وكان أبناؤه فيهم من الشهامة وفيهم ما فيهم ويكفيك خالد بن الوليد هو من أبناء هذا الرجل! إلا أنه طغى واستكبر وتجبر وكذب النبي صلى الله عليه وسلم وناصبه العداء بل وكان يسخر من النبي صلى الله عليه وسلم ومن دعوته وقد نقلت كتب السيرة كثيراً من أخبار الوليد بن المغيرة ومحاربته للإسلام وإصراره على ذلك فأنزل الله هذه الآيات (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴿١١﴾ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ﴿١٢﴾ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴿١٣﴾) يقولون أنه كان يسمي نفسه "الوحيد" فالله سبحانه وتعالى ذكره بهذه الصفة إشارة أنه خلقه وحيداً ليس معه هؤلاء الأبناء وأنا الذي رزقته بهؤلاء الأبناء وبهذا المال لكن الله سبحانه وتعالى يتهدده (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ﴿١٤﴾ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴿١٥﴾ كَلَّا) يقولون لم يزل في نقص منذ ذلك اليوم، نقص في الأبناء ونقص في المال ونقول نقص في الذكر ويكفيه قبحاً أننا ما زلنا نقرأ هذه الآيات التي فيها هذا الوعيد الشديد له (كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا ﴿١٦﴾ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ﴿١٧﴾) نعوذ بالله! وهذا الحقيقة جزاء المكذبين المعرضين في كل زمان وهذا ليس جزاء خاصاً بالوليد بن المغيرة وإنما هو جزاء لكل من عارض الدين وكذبه وناصبه العداء فإن الله سبحانه وتعالى سيرهقه صعوداً وسيعذبه وسوف ينتقم منه وهذا سنة الله سبحانه وتعالى. ولذلك لاحظ في القرآن الكريم كيف قصّ الله سبحانه وتعالى قصص الأنبياء على النبي صلى الله عليه وسلم من نوح إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام، قصص النبي موسى عليه الصلاة والسلام كما قال ابن عباس كاد القرآن أن يكون لموسى من كثرة قصص بني إسرائيل وكثرة أخبار موسى وكلها للاعتبار بها، قصص القرآن ليست للمتعة والتسلية وإنما للاعتبار. الآن تقع حوادث في زماننا هذا ثم تقرأ القرآن فوالله كأنها نزلت البارحة، أذكر مرة من المرات لما وقعت حوادث ضرب اليهود لإخواننا في غزة وخذلان المسلمين لإخواننا في غزة كما هو واقع الناس اليوم، الآن نحن تخاذلنا عن نصرة المسلمين وإخواننا في كل مكان وهذه عواقبها وخيمة فقلت لأحد الزملاء من الأساتذة ليتك تكون ضيفي نتحدث عن سورة الأحزاب وكنت أقصد اختيار سورة الأحزاب بالذات ولما بدأنا نتحدث قلت في نفسي والله كأنها نزلت البارحة ما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق! تعالج أوضاعنا اليوم كما تعالج أوضاع الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك القصص القرآني وقصص الأنبياء السابقين قصّها الله سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم لتكون عبرة له ويرى أن الذي يحدث لك يا محمد قد سبقك إليه أناس، طردك قومك؟ ابراهيم عليه الصلاة والسلام طرده قومه وخرج وأمثاله كثير وموسى. أدموا ظهرك أو كسروا رباعيتك؟ قد قُتِل بعض الأنبياء وقِس على ذلك. رفض عمك أبو طالب أن يستجيب لك؟ هذا ابراهيم والده رفض وهذا لوط زوجته رفضت وهذا نوح ابنه رفض فلك فيهم عبرة ولذلك كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو تنزل عليه هذه الآيات وتثبت قلبه صلى الله عليه وسلم. تأملت في سورة هود فإذا قد ذكر الله فيها ست حضارات كلها تحمل بذور فنائها في داخلها، ذكر الله نوح وقوم نوح كان فيهم جبروت وعندهم امكانيات لكن الله أهلكهم بتكذيبهم. قوم هود، قوم صالح، قوم ابراهيم، نفس القضية، قوم موسى وهكذا فكل هذا عندما يقرأه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقوم الليل بهذه الآيات وختمها بقوله عز وجل (وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) هود) وفي نهايتها (وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121)) الحق أبلج (وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (122)) خاتمة عجيبة! وكأنك تنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو تنزل عليه الآيات (وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)) القرآن حيٌّ سبحان الله وكأنه نزل البارحة. [/FONT]
[FONT=&quot]ذكرت في إحدى الحلقات قول أحمد شوقي: [/FONT]
[FONT=&quot]آياته كلما طال المدى جُدُدٌ يزينهن جمال العتق والقِدَم[/FONT]​
[FONT=&quot]كأنها نزلت أمس وهذا لو كان من عند غير الله لوجدنا فيه اختلافاً كثيراً. كلام الله سبحانه وتعالى يتحدث عن النفس البشرية ولذلك عندما تصف شيئاً أنت تصفه بما عندك من العلم وبما عندك من الجهل أيضاً لأن الإنسان منا الجهل يكتنفك من كل مكان فأنت تكتب وتصف وأنت محاط بالجهل. الله سبحانه وتعالى عندما يصف شيئاً يصفه سبحانه وتعالى بعلم ولذلك لا يختلف على مرّ الزمان أنزله بعلم والملائكة يشهدون ولذلك لا يتغير مع مرور السنين والدهور ولا تغيره الأحداث ولذلك حفظه الله لنا الآن نتلوه ونتمتع به كما تمتع به النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وهذا من أعظم النعم وأعظم المعجزان ولهذا قال (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ (51) العنكبوت) معجزة النبي صلى الله عليه وسلم معجزة موسى عليه الصلاة والسلام العصا ولذلك قال (فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) النازعات) عيسى عليه الصلاة والسلام آيته الكبرى أن يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ابراهيم عليه الصلاة والسلام رمي وسط النار فأنجاه الله، ناقة صالح، كلها راحت وما أبقاها لنا إلا القرآن يذكرها. وحتى موسى عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يقيم الحجة على فرعون وعلى السحرة وعلى الناس اختار وقتاً الشمس ساطعة والمكان واسع (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) طه) لماذا؟ حتى يرى الناس لأن المعجزة التي عنده معجزة تعتمد على المشاهدة، يرمي العصا فتتحول إلى حية ليس هناك شاشات تنقل وإنما تشاهد مباشرة لذا يجب أن يكون الضوء كاملاً في الضحى والناس في اجتماع كبير. تعالَ عند القرآن الكريم، القرآن الكريم هو معجزة عقلية وليس معجزة حسية بخلاف معجزات الأنبياء السابقون كلهم معجزاتهم حسية، العصا، الحية، كلها. ثم مسألة أخرى وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم معجزته هي نفسها الشريعة فالقرآن الكريم هو آية النبي صلى الله عليه وسلم الكبرى وفي نفس الوقت متضمن للشريعة فمصدر التشريع عندنا القرآن والسنة وأيضاً الدليل على أن السنة مصدر للتشريع هو من القرآن نفسه كما قال ابن مسعود -وهذه فائدة مهمة لو يتأملها الإنسان - عندما جاءت امرأة إلى عبد الله بن مسعود فقالت بلغني أنك تلعنني وكانت تنمص شعر الحواجب، فقال لها وكيف لا ألعن من لعنه الله؟ قالت وأين لعنهم الله؟ قال في القرآن، قالت لقد قرأت القرآن من الجلدة إلى الجلدة فما وجدت فيه ما تقول أن القرآن يلعن النامص، قال إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، قالت أين؟ قال ألم تسمعي قول الله تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (7) الحشر)؟ قالت بلى، قال والنبي صلى الله عليه وسلم لعن النامصة والمتنمصة. فأعجبني هذا الحديث أنه نسب لعن النبي صلى الله عليه وسلم للنامصة نسبه لله واعتبر لعن النبي صلى الله عليه وسلم هو لعن من الله مباشر واعتبر أن لعن النبي صلى الله عليه وسلم لها في السنة أنه لعن في القرآن بدلالة آية واحدة (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) أي شيء تجده في السنة تستطيع أن تقول هذا في القرآن بدلالة هذا وأنت مقلد لعبد الله بن مسعود وإذا قلدته فاطمئن فهو من أعلم الصحابة بكتاب الله. [/FONT]
[FONT=&quot]نعود إلى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا) وهذا الكبر وهذا العتو الذي كان يمارسه الوليد بن المغيرة، أين ذهب الوليد بن المغيرة؟ ذهب وأصبحنا لا نذكر إلا هذه اللعنة وهذا التقبيح له ووعيد الله سبحانه وتعالى له في النار (سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا) يقول المفسرون أنه جبل في جهنم يرهقه الله سبحانه وتعالى في الصعود والنزول فيه تعذيباً له. وقد كانت الهداية بين يديه والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوه وهو من كبار زعماء قريش ولو أسلم لكان له شأن في الإسلام ولكن الله لم يرد هدايته (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئًا (41) المائدة) (وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) الزمر) وهذا في الحقيقة كما أنه توبيخ للوليد بن المغيرة فإنه تحذير لنا أن الإنسان لا يأمن على نفسه ويسأل الله سبحانه وتعالى الثبات في صباحه وفي مسائه لأن الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين أحد نسب ولو كان النسب ينفع الوليد بن المغيرة المخزومي من أعلى قريش نسباً لكنه لم ينفعه نسبه "من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه" ولذلك سبق بلال وسبق صهيب وسبق سليمان وتأخر أبو طالب القرشي وتأخر الوليد بن المغيرة المخزومي وتأخر العاص بن وائل السهمي وتأخر أبو جهل وهؤلاء رؤوس قريش ولو أسلموا لكانوا من رؤوس المسلمين. عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما هو شيء مقارنة بهؤلاء في قيادة القوم ولكن هذا محض اختيار واصطفاء (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ (68) القصص). أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفقهنا بكتابه وأن يزيدنا يقيناً فيه وأن يرزقنا الثبات عليه وعلى العمل به وعلى تدبره ومن أثمن الفرص أن يجد الإنسان فرصة يجلس ويتناقش في آيات كتاب الله سبحانه وتعالى وينتفع بها والمسلمون. [/FONT]
 
[FONT=&quot]قصة آية (29)[/FONT]
[FONT=&quot]عبس وتولى[/FONT]
[FONT=&quot](عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴿١﴾ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴿٢﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴿٣﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴿٤﴾ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ﴿٥﴾ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ﴿٦﴾ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَى ﴿٩﴾ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ﴿١٠﴾ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴿١١﴾ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ﴿١٢﴾)[/FONT]
[FONT=&quot]اليوم بإذن الله تعالى سوف نتوقف مع قصة آيات كريمات نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام وهو صلى الله عليه وسلم يتصدى لدعوة قومه ويبالغ عليه الصلاة والسلام في التلطف مع كبارهم رغبة في دخولهم إلى هذا الدين العظيم. وذات يوم جاءه أحد الصحابة الكرام الضعفاء يرغب في الجلوس مع النبي صلى الله عليه وسلم والاستماع إلى ما عنده من العلم ويسأله وكان النبي صلى الله عليه وسلم منشغلاً بدعوة كبار قريش في ذلك الموقف فكأن النبي صلى الله عليه وسلم رغبة في هداية هؤلاء الكبار تلكأ في الاستماع إلى هذا الصحابي الجليل فعاتبه الله سبحانه وتعالى عتاباً لطيفاً. [/FONT]
[FONT=&quot]هذه الآيات العظيمة يحسن بنا أن نذكر سبب نزول هذه الآيات، المشهور في سبب نزولها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان منشغلاً بدعوة بعض صناديد قريش كما يقول ابن الجوزي ويقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يناجي عتبة بن ربيعة وأمية بن خلف وأبا جهل بن هشام فجاءه عبد الله بن أم مكتوم الأعمى ولم يكن يعلم من هم الذين بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقال علمني يا رسول الله مما علمك الله وجعل يناديه ويكرر النداء فالنبي صلى الله عليه وسلم ظهرت الكراهية في وجهه لقطعه لكلامه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبل على القوم يكلّمهم فنزلت هذه الآيات. هذا الموقف فيه فوائد:[/FONT]
[FONT=&quot]أولاً النبي صلى الله عليه وسلم لا يلام في كونه كان منشغلاً بدعوة هؤلاء لأن أبو جهل وأمية بن خلف وعتبة بن ربيعة هم فعلاً كبار قريش وحرص النبي على دعوتهم في مكانه لأن هؤلاء إذا أسلموا أسلم بإسلامهم قومهم وهذا شيء طبيعي والنبي صلى الله عليه وسلم عندما حرص على دعوة أبي بكر كان يقصد هذا المقصد لأن أبا بكر هو من كبار قريش في فضله وفي علمه وفي تجارته ومكانته وفي نسبه فنحن نتجاوز هذه النقطة ليست هذه الآيات لعتاب للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه دعا كبار الناس، أبداً حتى الله سبحانه وتعالى لما أرسل موسى لم يرسله إلى صغار القوم وإنما أرسله إلى فرعون قال (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) طه) لأنه إذا اهتدى فرعون فالبقية يهتدون لأنهم ينقادون ولا زال الناس إلى اليوم عندما تذهب إلى القرى والقبائل في أفريقيا تذهب إلى شيوخ القبائل فالأتباع يسهل بعد ذلك أن يدخلوا في الإسلام. فلا يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم في كونه توجه إلى هؤلاء لكي يهتدوا ولذلك لما اهتدى عمر بن الخطاب كان لاهتدائه وإسلامه أثر كبير لم يكن في الحقيقة لاسلام بلال أو ضعفاء الصحابة وقد كفى ذلك المسلمين شراً كثيراً وكان حرزاً وكان منعة للمسلمين بعد أن أسلم كبار الصحابة رضي الله عنهم مثل حمزة ومثل عمر بن الخطاب وأبو بكر تشعر أن الرسول صلى الله عليه وسلم صار معه جزء من كبار قريش، أبو طالب على أنه كان مشركاً وهو من كبار قريش لم يستطيع قريش أن ينالوا النبي صلى الله عليه وسلم بأذى وهو موجود فدعوة هؤلاء الكبار في مكانها وهي أسلوب صحيح. النبي صلى الله عليه وسلم اجتهد - ومن فوائد هذه الآيات - إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مرد مبلِّغ لهذا القرآن فقط يتلقاه من جبريل ويبلغه لنا وإلا لو كان كما يقول المشركون أو كما يقول بعض المستشرقين أن القرآن الكريم هو من عند محمد ما كان محمد عليه الصلاة والسلام عاتب نفسه لكنه من عند الله وأنه صلى الله عليه وسلم كان أميناً في إبلاغ الوحي لنا كما قالت عائشة رضي الله عنها لو كان النبي صلى الله عليه وسلم مخفياً شيئاً من الوحى لأخفى هذه الآيات ولذا قال سبحانه وتعالى (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ (37) الأحزاب) قالت كان سيخفي هذه الآيات لأن فيها عتاب شديد حتى الشيء الذي كان يخفيه في نفسه الله سبحانه وتعالى أظهره في القرآن الكريم.[/FONT]
[FONT=&quot]الأمر الثاني النبي صلى الله عليه وسلم نحن نعلم أنه أفضل الخلق عند الله وأنه أكرم الخلق على الله وأنه سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام وبالرغم من ذلك لم يجامله الله في هذا الموقف وقال له (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ولاحظ الأسلوب الجميل في العتاب لم يقل الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم (عبست وتوليت) وإنما قال (عَبَسَ وَتَوَلَّى) وكأنه يتحدث عن غائب والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم (عَبَسَ وَتَوَلَّى) ولذلك قال في سياق الآيات (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴿٣﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴿٤﴾) رجع بالخطاب إلى الحاضر. فقال (عَبَسَ وَتَوَلَّى ﴿١﴾ أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى ﴿٢﴾ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴿٣﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴿٤﴾) وهذا يسمونه -وهو من أساليب العرب الجميلة وقد وردت في القرآن الكريم بكثرة من الفاتحة إلى هذه السورة وتخللها في عشرات المواضع، يسمونه الالتفات وأسلوب الالتفات هو أسلوب جميل من أساليب البلاغة. ما أجمله هنا في مقام العتاب أنك لا تجابه أحداً بالنقد لأن الناس لا يحبون النقد المباشر وهذا جزء من طبيعة البشر أنا لا أحب أن تهاجمني وتشتمني لكن إن كان ولا بد فليكن بأسلوب جميل .هنا لم يقل الله سبحانه وتعالى عبست وتوليت يا محمد، لا، وإنما قال (عَبَسَ وَتَوَلَّى) فالذي يسمع الآيات ينصرف ذهنه أن المخاطب شخص آخر ثم يقول بعدها (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ﴿٣﴾ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴿٤﴾). مثله أيضاً في سورة الفاتحة عندما يقول (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿١﴾ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢﴾ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿٣﴾ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤﴾) يتحدث عن غائب ثم يقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥﴾) يتحدث عن مخاطب. مثلها أيضاً في الشعر وقد استفاد منه الشعراء قول أبي الطيب المتنبي في قصيدته اللامية المشهورة هو يخاطب نفسه لكنه فعل مثل هذا الفعل فقال:[/FONT]
[FONT=&quot]لا خيل عندك تهديها ولا مال فليُسعد النطق إن لم تسعد الحال[/FONT]​
[FONT=&quot]هو يخاطب نفسه فلم يقل لا خيل عندي أهديها وإنما قال لا خيل عندك كأنه يتكلم عن غائب، ثم يقول [/FONT]
[FONT=&quot]وما شكرتُ لأن المال فرّحني سيان عندي إكثار وإقلال[/FONT]​
[FONT=&quot]لكن رأيت قبيحاً أن يُجاد لنا وأننا بقضاء الحال بُخّال[/FONT]​
[FONT=&quot]انتقل من الحاضر إلى الغيبة أو من الغيبة إلى الحاضر فكأنه بهذا الأسلوب التفت من جهة إلى جهة فيسمونه الالتفات فالله سبحانه وتعالى استخدم أسلوب الالتفات في مخاطبته النبي صلى الله عليه وسلم على اعراضه عن هذا الضعيف الذي جاء مقبلاً. (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى) يعني كان في غنى عن دعوتك ومُعرض عنها (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) تحرص أن تتصدى لدعوته وتجلس معه. (وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَى ﴿٩﴾) وهذا الضعيف (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) هذا غير مقبول. ولاحظ من أول نزول القرآن الله سبحانه وتعالى يربي النبي صلى الله عليه وسلم ويربينا معه، هذه القصة ليست للنبي فقط وهذا التوجيه وإنما هي لكل داعية لله سبحانه وتعالى أنه لا يصرف وجهه عن الضعفاء والمساكين بمثل هذه الأعذار وإنما من جاءك مقبلاً فأنت ملزم بأن تتصدى لتعليمه ودعوته والتلطف معه وقد يكون ردك هذا سبب في إعراضه وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد عوتب في هذا الإعراض فمن دونه أولى. وهذه فائدة دعوية حتى المجاملة نحن نتكلم عن الرفق في الدعوة إلى الله والرفق في التعامل مع الناس وفي نفس الوقت هنا في هذه السورة ليس هناك مجاملات، كيف توازن بين أن تكون رفيقاً وأن تجامل الناس؟ موازنة ليست سهلة! قد يقول قائل لماذا لم يترفق الله سبحانه وتعالى مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ذلك؟! يقول (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى ﴿٥﴾ فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى ﴿٦﴾ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى ﴿٧﴾ وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى ﴿٨﴾ وَهُوَ يَخْشَى ﴿٩﴾ فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى ﴿١٠﴾ كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴿١١﴾ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ﴿١٢﴾) إشارة أنها تذكرة لك يا محمد ولكل الدعاة بعدك لا تُعرض عن الضعفاء والمساكين بحجة دعوة هؤلاء المكذبين ولذلك جاء في سورة الكهف في قوله سبحانه وتعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)). وهؤلاء الكبار مثل أبو جهل في كل مكان وليس فقط في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حتى في عهد نوح وقوم صالح كلهم يقولون أعطنا مجلساً خاصاً لا يمكن أن نأتي نحن مع الفقراء والضعفاء ونجلس مجلساً عاماً، نريد مجلساً خاصاً لأنهم يرون أنهم أكبر من هؤلاء الضعفاء والمساكين. حتى لما سأل هرقل أبا سفيان في الحديث المشهور عندما أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة إلى هرقل يدعوه فيها إلى الإسلام فقال هرقل لمن حوله وكان هرقل في سوريا وقريش كانوا يسافرون إلى سوريا يبيعون ويشترون في أسواقها فقال هرقل ابحثوا إن كان هناك أحد من جماعة هذا الرسول محمد نسأله ما قصة الدعوة فوجدوا أبا سفيان ومعه مجموعة من قريش يبيعون ويشترون ويبدو أنه كان في موسم الصيف لأن قريش كانت متعودة أن تسافر رحلة الصيف إلى الشام باعتبار الأجواء جميلة في الصيف بينما في الشتاء البرد شديد والناس يذهبون إلى تهامة فسأل هرقل أبا سفيان من هم الذين يتبعون هذا الرسول الذي بعث فيكم هل هم كبار القوم أم ضعفاؤهم؟ فقال ضعفاؤهم، فلما جاء يبين له أسباب هذه الأسئلة قال أنا سألتك وقلت هل يتبعه كبار القوم وساداتهم أو ضعفاؤهم فقلت لي بل ضعفاؤهم وكذلك أتباع الأنبياء فإن أتباع الأنبياء في العادة هم ضعفاء الناس. طبعاً كبار الناس وسادات الناس تتعارض دعوات الأنبياء مع مصالحهم الشخصية حتى اليوم لأن كبار الناس لهم مصالح اقتصادية مثلاً الرسول صلى الله عليه وسلم عندما جاء لقريش وقال أنا رسول لكم من الله وطبعاً أبو سفيان وأبو جهل وأمية بن خلف هؤلاء هم شيوخ الوادي، ومعنى هذا الكلام أنهم سيفقدون هذه الامتيازات ويصبح الرسول صلى الله عليه وسلم الزعيم الوحيد، لا يمكن هذا فرفضوا هذا، هذه واحدة. والأمر الثاني أن لهم مصالح اقتصادية يدفعون لهم أموالاً لأنهم هم سدنة البيت وأصحاب الرفادة والسقاية فيها مصالح اقتصادية، أضف إلى ذلك ما كتبه الله عليهم من الضلال وكذلك قوم نوح وقوم هود وكبراؤهم ولذلك في القرآن الكريم قالوا (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) الأحزاب).[/FONT]
[FONT=&quot]من فوائد الآيات أيضاً أنه يلزم الداعية الاحتفاء بكل مقبل صادق بغض النظر عن لونه، جنسيته، لغته، مستواه الاجتماعي. قد يأتيك وأنت داعية وزيراً فتحرص وتقبل ليس رغبة في هدايته وإنما لما معه من الدنيا والوجاهة ويأتيك رجل فقير ضعيف فلا تتحمس كثيراً لهدايته، هنا يتهم الإنسان نيته لأنه لو كانت النية صادقة لكان الحرص عليهما سواء أو كان على الضعيف أكثر لأنه يطلب وراءه من الأجر أكثر مما يُطلب من أهل الدنيا[/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً لا ينبغي الأسف على إعراض الجاهلين والمستكبرين، النبي صلى الله عليه وسلم كان يأسف على أن هؤلاء عتبة وابا جهل يفوتهم الهداية وكان صلى الله عليه وسلم حريص على هدايتهم ولا يلام في ذلك ولذلك قال الله سبحانه وتعالى له (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر) (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6) الكهف) فالله سبحانه وتعالى كلّفه بالدعوة لكنه قال له ترفّق بنفسك أنت عليك البلاغ وأما الهداية والتوفيق فعلى الله سبحانه وتعالى[/FONT]
[FONT=&quot]من فوائد هذه الآيات أنها توجيهات عامة وليست خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقط وإنما هي له ولأمته من بعده فأنه ينبغي العناية بالضعفاء المقبلين المخلصين الصادقين في إقبالهم على الدعوة والتعلم وعدم الحرص والأسف على فوات هداية هؤلاء المعاندين المستكبرين ما داموا مصرين على عنادهم وما دمت قد أبلغت الدعوة. عندما يقول القرآن الكريم (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) العنكبوت) فالمطلوب هو البلاغ المبين أحياناً قد يكون البلاغ غير مبين أو يكون بأسلوب غير مناسب فيلام المبلِّغ لأنه هناك تقصيراً في الدعوة أما إذا لم يكن هناك تقصير وأبلغه البلاغ المبين فليس عليه بعد ذلك ملام.[/FONT]
[FONT=&quot]إذن هذه هي قصة هذه الآيات، (عَبَسَ وَتَوَلَّى) عبس تغير وجهه إلى العبوس وعدم الرضى بهذا الموقف (أَن جَاءهُ الْأَعْمَى) والأعمى هو عبد الله بن أم مكتوم وقد ذكره الله هنا بصفته ليس على سبيل التعيير وإنما على سبيل التمييز ولم يكن يغضب من هذا الاسم وهو مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وله شأن عظيم في الإسلام رضي الله عنه وأرضاه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتفي به إذا جاء بعد ذلك ويقول مرحباً بمن عاتبني فيه ربي.[/FONT]
 
[FONT=&quot]قصة آية (30)[/FONT]
[FONT=&quot]تبّت يدا أبي لهب وتبّ[/FONT]
[FONT=&quot](تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴿٢﴾ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ﴿٣﴾ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿٤﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴿٥﴾ المسد) [/FONT]
[FONT=&quot]قصة آية هذا اللقاء تعود بنا لقصة معاناة النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه وكيف كان قومه يحاربونه صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته ويصدّونه عن الدين ويريدون هذا الدين أن يخمد في بدايته (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) الصف). [/FONT]
[FONT=&quot]النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه قول الله تعالى في سورة الشعراء (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214)) قبلها كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بشكل سرّي تقريباً ويدعو الرهط المقرّبين منه دعا أبا بكر وهو صديق له رضي الله عنه ودعا خديجة ودعا علي بن أبي طالب لأنه كان يعيش معه في نفس البيت. ثم لما نزل قول الله تعالى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قام النبي صلى الله عليه وسلم فصعد على جبل الصفا - بداية السعي من ذلك المكان - فصعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا وقريش كلهم في منطقة قريبة يبلغهم الداعي يصيح الواحد على الجبل فيأتون جميعاً وهذه كانت حياة الناس في القرى وإلى وقت قريب أنهم يجتمعون في مكان صغير قرية صغيرة إذا دعا الواحد منهم يستمع أهل القرية جميعاً لأنهم يحتاج بعضهم بعضاً فيعيشون في قرى ومناطق متقاربة واليوم أصبح الناس يعيشون في مدن وفي فلل وأصبحوا معزولين عن بعضهم البعض حتى لو يصيح الواحد بصوت قوي جداً ما يسمع جاره!. فلما صعد النبي صلى الله عليه وسلم على جبل الصفا قال: يا صباحاه، يا صباحاه، فطبعاً الناس دفعهم الفضول وهذه كانت علامة يعرفها الناس فيجتمعون يعلمون أن الذي يهتف بهذا الهتاف لديه أمر عظيم. اجتمع الناس من هنا ومن هنا والنبي صلى الله عليه وسلم، من هذا الذي يهتف؟ قالوا محمد صلى الله عليه وسلم. والنبي صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام كان شخصية وقورة معروفة بأمانتها وصدقها ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم من عائلة شريفة عائلة هي لها السيادة ولا القيادة في قريش وهو ليس من غِمار الناس عليه الصلاة والسلام. ولذلك لما سأل هرقل أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل هو فيكم ذو نسب؟ قال نعم، فقال وكذلك الأنبياء يُبعَثون في نسب من قومهم. فالنبي صلى الله عليه وسلم شخصية معروفة في قريش، فلما اجتمعوا على النبي صلى الله عليه وسلم لأنه نادى: يا بني عديّ، يا بني عبد مناف، لم يدع بطناً من بطون قريش إلا وناداه باسمه. اجتمع الناس حوله وتخيل الموقف فيهم عمه أبو طالب فيهم عمه أبو لهب، فيهم أبو جهل وفيهم الضعفاء اجتمع الناس فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم وسألهم سؤالاً: قال أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل (يعني تغيّر عليكم) أكنتم مصدّقيّ؟ قالوا جميعاً: ما عهدنا عليك كذباً قطّ وهذا دليل أن الداعية يجب أن يكون معروفاً بنزاهته وبحسن سمعته وسيرته بين الناس، ما ينفع أن تكون إنساناً ملوثاً وسمعتك سيئة وتاريخك أسود ثم فجأة تأتي وتعظ الناس! الناس ما يقبلون منك! لكن عندما يأتيهم رجل نزيه طاهر صادق يعرفون صدقه وأمانته ونسبه ثم يدعوهم فقالوا ما عهدنا عليك كذباً قطّ - وهذا من إعداد النبي صلى الله عليه وسلم - فقال الناس كلهم بصوت واحد: ما جرّبنا عليك كذباً. فقال لهم كلمة فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم، طالما ما جربتم عليّ كذباً قطّ أنا جمعتكم لسبب، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فسكتوا. قد يقول قائل ماذا فيها؟ ما قال شيئاً! الناس أصحاب فهم، وأصحاب عقول وأصحاب لغة يفهمون ماذا يقصد "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد" يعني أدعوكم إلى الإيمان ونبذ الشرك. فانظر الخيبة والخسران والحرمان والعياذ بالله! فبادر عمه وكان المفترض أن هذا ابن أخيه إن كنت لا تريد أن تنفعه فعلى الأقل لا تضرّه لكنه الحرمان! وهي درس لنا أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى قد يعارضك فيها أقرب الناس إليك فلا تتوقف. وقد يختلف معك ولذلك في التاريخ نوح عليه الصلاة والسلام زوجته لم يؤمن به وابنه لم يؤمن به وتحسّر على هذا (وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) هود) أيضاً لوط زوجته لم تؤمن به، ابراهيم عليه الصلاة والسلام والده لم يؤمن به، فالنبي صلى الله عليه وسلم على نفس المنوال، عمه أبو لهب – وحتى اسمه أبو لهب كان اسماً جميلاً كان رجلاً وجهه مضيء جميل وكان اسمه عبد العزّى ويقول بعض المفسرين أن الله سبحانه وتعالى لم يقل تبّت يدا عبد العزى لأنه منسوب إلى صنم يعني عبد الصنم فالله سبحانه وتعالى ذكره باسمه الذي كانت تعرفه به قريش وبعض الناس يظن أن تسميته بأبي لهب سب له وفي الحقيقة هي مدح له لأن كان جميلاً وضيئاً أحمر الخدود فكانوا يقولون له أبي لهب لأنه مورّد الوجه ولكن الله سبحانه وتعالى ذكره هنا بأبي لهب إشارة إلى مصيره والعياذ بالله لأنه كذّب النبي صلى الله عليه وسلم وعارضه ومن هذا الموقف بدأ يناصب النبي صلى الله عليه وسلم العداء فقال للنبي صلى الله عليه وسلم تباً لك ألهذا جمعتنا؟! يعني جمعتنا كلنا وتركنا أشغالنا لتقول لنا هذا الكلام السخيف؟! فأنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآيات (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) وكان رجلاً ثرياً (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ) وهذا متناسبة مع اسمه (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) زوجته أم جميل مشهورة كانت أيضاً تناصب النبي صلى الله عليه وسلم العداء (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ﴿٤﴾ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴿٥﴾). هذه القصة فيها إشارات: [/FONT]
[FONT=&quot]أولاً إشارة إلى مدى العنت والشدة التي واجهها النبي صلى الله عليه وسلم من قومه بل من أقرب الناس إليه وهذا فيه درس أن الداعية الصادق لا بد أن يتحمل وأن يصبر ما دام معتقداً وما دام متيقناً أنه على الحق لا بد أن يتحمل عوائق الطريق، يأتيك أبوك يعارضك عندك سَلَف، يأتيك أخوك، يأتيك ابنك، تأتيك زوجتك، الأنبياء كلهم تعرضوا لمثل هذا وأنت من باب أولى. ولاحظ أن أبا طالب وهو عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وأخو أبو لهب ووقف مع النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يؤمن به، فهذه مفارقة! تقف معي وتساندني وتدافع عني ولكنك لا تستجيب لي؟! عجيب! ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمّه في مرض موته: يا عمّ قُلْ كلمة واحدة، قل لا إله إلا الله، كلمة أُدافِع بها عنك، ولكنه لم يستجب!. أيضاً مثال آخر العباس رضي الله عنه وهو عمّ النبي صلى الله عليه وسلم آمن به وصدّقه والله سبحانه وتعالى لا يغلقها من كل الجهات، واحد كذبك وناصبك العداء وواحد لم يؤمن بك ولكنه ساعدك وهذا ساعدك وآمن بك فهذا العباس رضي الله عنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذا حمزة رضي الله عنه آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وساعده وهذا أبو طالب ساعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يؤمن به وهذا أبو لهب ناصبه العداء ولم يؤمن به. بل إنه يذكر طارق المحاربي أنه قال: بينا أنا في سوق ذي المجاز وسوق ذي المجاز سوق من الأسواق التي كان أهل مكة يرتادونها في ضواحي مكة قال بينا أنا بذي المجاز – يعني جالس في السوق- إذا أنا بشاب حديث السن يقصد النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وإذا رجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول: يا أيها الناس إنه كذّاب فلا تصدّقوه! فطارق المحاربي استغرب هذا من هو هذا الشاب ومن هو الذي خلفه يكذّبه ويرميه؟ قال فسألت فقالوا: هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يزعم أنه نبي ويقول للناس قولوا لا إله إلا الله، وهذا الذي وراءه عمه أبو لهب يزعم أنه كذّاب. لما تنظر لها تخيل الناس ما يعرفونك وتأتي تدعوهم ويأتي عمك الذي يعرفك يقول لا تصدّقوه إنه كذّاب، من الذي سيصدقك؟!! الناس سيقولون هذا عمه هو أعرف به. من أشد ما لقيه النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى أنه وقف عمه يؤذيه ولذلك الله سبحانه وتعالى قال له (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) هو يقول للنبي صلى الله عليه وسلم تباً لك والتبّ هو الهلاك (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) يعني هلكت. وهذه الآيات فيها إعجاز وهي أن الله سبحانه وتعالى حكم على أبي لهب في حياته بأنه من أهل النار وأنه لن يُسلم وأنه سيموت كافراً وسيدخل جهنم! وبالرغم من ذلك لم يستطع أبو لهب أن يخالف ذلك لو كان أبو لهب يريد أن يكذب النبي صلى الله عليه وسلم لكان دخل في الإسلام لأن هذا سيكون تكذيباً للقرآن وتكذيب لكلام الله، يقول محمد يقول تبت يدا أبي لهب أشهد أن محمداً رسول الله. ولكن هذا دليل قاطع على أن هذا القرآن من عند الله ولذلك لم يؤمن أبو لهب ومات على الكفر وهو من أهل النار ومثله زوجته أم جميل. وهذا يعطي المؤمن الذي يقرأ القرآن ثقة مطلقة بالله سبحانه وتعالى وبوعده الذي وعده في هذا الكتاب. [/FONT]
[FONT=&quot]هذه الآيات تضمنت الإخبار عن ثلاثة أوجه من الغيب: [/FONT]
[FONT=&quot]الأول الإخبار عن أبي لهب أنه سوف يخسر ويهلك وبوقوع ذلك فعلاً، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) هذا خبر (وَتَبَّ) أي أنه سيقع يتحقق. [/FONT]
[FONT=&quot]الأمر الثاني أخبر الله سبحانه وتعالى عنه أنه لن ينتفع بماله ولا بولده ووقع ذلك فعلاً قال (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) ما نفعه ماله ولا ما كسبه في دنياه. [/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً الإخبار عنه بأنه من أهل النار وقد كان كذلك لأنه مات على الكفر ولو شاء أن يكذب هذا القرآن لآمن ولكنه لم يفعل الله حال بينه وبين الإيمان وهذا من الأدلة القوية على أن القرآن الكريم من عند الله. [/FONT]
[FONT=&quot]وأيضاً من الأدلة المهمة دفاع الله عن نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا أمر غفل عنه بعض الناس اليوم وأصبح الناس اليوم يقعون وبعضهم يشتم النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم يستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعض شبابنا للأسف يتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يتحدث عن حارس مرمى باستهزاء وعدم توقير وتعظيم!. ولو تأملنا القرآن الكريم لوجدنا كيف تولى القرآن الكريم الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ (22) التكوير) (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) وتأمل في قوله (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا (38) الحج) فكيف بالنبي صلى الله عليه وسلم لا شك أن الله يتولى الدفاع عنه ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴿١﴾ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴿٢﴾ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴿٣﴾) وصدق الله العظيم فما عادى النبي صلى الله عليه وسلم أحد إلا بتر الله ذكره في الدنيا والآخرة ومن أولهم عمه أبو لهب. نحن نصلي في الصلوات نقرأ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴿١﴾ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) وأصبحنا نحن نتعبد لله بقرآءة هذه الآيات التي فيها دعاء على أبي لهب وشتيمة له وإهانة له لأنه تجرأ وقال للنبي صلى الله عليه وسلم أمام الناس "تباً لك ألهذا جمعتنا؟". [/FONT]
[FONT=&quot]أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يفقهنا بكتابه ويرزقنا توقير نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يجعلنا من أتباعه في الدنيا والآخرة وأن يحشرنا في زمرته.[/FONT]
[FONT=&quot]
[/FONT] [FONT=&quot] [/FONT]
 
مجموع ما عرض على قناة الرسالة 29 حلقة قمت بفضل الله تعالى بتنقيح الحلقات التالية:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة الخامسة (خمس حلقات)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)
تقوم الأخت أم جعفر جزاها الله خيراً بتفريغ الحلقة السادسة
وسأعمل بإذن الله بما تسمح به حالتي الصحية على تفريغ باقي الحلقات ورفعها تباعاً ولذك لضمان توثيق هذه الحلقات القيمة النافعة بإذن الله تعالى فاصبروا معي حتى أنجز ما تبقى وعذراً للتأخير ولا تنسوني من دعواتكم الصادقة جزاكم الله خيراً.
 
[FONT=&quot]الحلقة السابعة[/FONT]
[FONT=&quot]قصة آية (7)[/FONT]
[FONT=&quot](وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ (177) الأعراف)[/FONT]
[FONT=&quot]سوف نتحدث في هذا الحلقة عن آية عظيمة سمّاها المفسرون أشدّ آية على العلماء، فيها وعيد شديد للعلماء. هذه الآية يذكر الله سبحانه وتعالى لنا فيها قصة رجل من بني إسرائيل كان عالماً بالتوراة وكان يعلّم الناس ويعرف ما في التوراة من الأوامر ومن النواهي وقامت عليه الحُجّة ثم ترك كل هذه وانقلب على عقبيه. وترك كل هذه الهدايات التي يعرفها والحجج والأدلة والبراهين وكفر بها فضربه الله سبحانه وتعالى مثلاً، أصبح مثلاً. وبعض المفسرين وبعض الروايات الإسرائيلية تسميه بلعام ابن باعوراء، يقولون هذا اسمه، هذا الرجل من بني إسرائيل آتاه الله العلم وآتاه الحجة وكان الناس يرجعون إليه في أمورهم ثم انتكس والعياذ بالله وضلّ بعد هدى فضربه الله مثلاً فقال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ) يا محمد عليه الصلاة والسلام (نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) وهذا فيه إشارة إلى أن ما آتاك الله من العلم هو محض فضل من الله سبحانه وتعالى وهي تحذير لكل من آتاه الله شيئاً من العلم أن لا يكون حجة عليه وأن لا ينقلب على عقبيه بعد أن يبين الله له الحق ويعرف الحق ولذلك قال (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا) حتى التعبير بكلمة (فَانسَلَخَ مِنْهَا) تعبير في غاية الجودة وهو يدل دلالة على أنه لم ينحرف انحرافاً بسيطاً وإنما ارتدّ تماماً وكأنه كان مرتدياً ثوباً ثم سلخ هذا الثوب كما ينسلخ جلد الحية عنها فهي تسلخه كله لا تترك منه شيئاً قال (فَانسَلَخَ مِنْهَا). قال الله (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) يعني فأتبعه الشيطان فأدركه واستطاع أن يجعله من أتباعه فكان من الغاوين فقال الله (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) وقلنا أن كل المخالفين لمنهج الأنبياء يريدون الدنيا فالله سبحانه وتعالى يقول لو كان في قلب هذا الرجل خير لرفعناه بما بقي فيه من الخير (وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ) وأخلد إلى الأرض معناه التصق بالأرض التصاق الراغب في الخلود فيها والمقصود أنه اتبع شهواتها أغراه مالها وانحرافها وظن أن هذه هي الشهوة الحقيقية (وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ). ثم شبهه تشبيهاً لا تكاد تجد مثله في القرآن الكريم، الله سبحانه وتعالى يختار له أخسّ الحيوانات الكلب ثم ما شبهه بالكلب العادي وإنما شبهه الكلب اللاهث (فمثله) أي مثل هذا العالم لذي عرف الحق وسلك طريقه ثم انقلب على عقبيه وكفر بما كان يعرفه ويعلمه شبّهه قال (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) إن تحمل عليه إن تطرده الكلب لو رميته بشيء أو طردته يلهث وإن تركته يلهث فهذا مثله كمثل هذا الكلب أصبح كَلَبَه على الدنيا وانهماكه فيها كما قال (وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فالله سبحانه وتعالى شبهه بالكلب اللاهث (إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث) اختار الدنوّ قال (ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ). [/FONT]
[FONT=&quot]القرآن العظيم جعله الله سبحانه وتعالى نبراساً وهدى لنا وكيف الله سبحانه وتعالى ركز فيه كل خبرات الأمم السابقة وجمع الله فيه خير كل الكتب السابقة وجاء لنا به على شكل أمثال وومضات ولذلك انظر القرآن الكريم ستة آلآف ومئتين وست وثلاثين آية على عدّ حفص عدد محدود وبالرغم من ذلك مليء بالمعاني والحِكَم والكنوز. انظر هذا المثل عندما يضربه الله سبحانه وتعالى لمن كان على هدى وعرف الحق ثم انتكس على عقبيه وما أكثرهم للأسف انحرافات الناس الآن عن الحق بعد معرفته للأسف كثرت، انتشرت الشبهات في مجتمعات المسلمين فأصبحت الشبهات تتخطف الناس بشكل لا تتصوره وأصبحت تروج كتب الإلحاد وكتب الفسوق والفجور فأصبحت ترى الرجل المستقيم الذي كان من أهل الصلاة وأهل المساجد فإذا به يسب الله ويسب الدين ويسب الرسول صلى الله عليه وسلم بسبب هذه الشبهات تناقلتها وسائل الإعلام واصبحت في متناول الجميع (قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ (43) هود). ولذلك شبه الله سبحانه وتعالى هؤلاء بأخس الحيوانات لأنهم عرفوا الحق وتيقنوا منه ثم تركوه وراء ظهورهم وبدأوا يحاربون هذا المنهج ويسخرون من حملته فالله سبحانه وتعالى شبه هذا العالم بالكلب لأنه لا يستحق أن يشبه إلا بهذا الحيوان الخسيس. [/FONT]
[FONT=&quot]العلماء قالوا أن هذه الآية أشد آية على العلماء لأنها مخيفة لكل عالم ولكل طالب علم أن يُبتلى بمثل هذا المصير. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو درس لنا يكثر أن يقول في سجوده "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" لا تثق بقلبك ولا تثق بنفسك ولكن ثق بالله تعالى واستمسك به. نتوقف مع هذه الكلام ولابن القيم رحمه الله كلام جميل في هذه الآية، فيقول أن هذا الذي ضربه الله في هذه الآية عالم السوء الذي يعمل بخلاف علمه وقد تضمنت الآية من ذمّه وجوهاً منها أولاً أنه ضل بعد العلم واختار الكفر على الإيمان عمداً لا جهلاً، لا تستطيع أن تعتذر بالجهل، بعض الناس قد يقع في الضلال في الفسوق في الفجور جهلاً وهذا غريب، ممكن أن تقنعه وتبين له الحق فيرجع بأبسط طريقة أما الذي فعل ذلك عن عمد فهذا يصعب رجوعه. قال ابن القيم وثانيها أنه فارق الإيمان مفارقة من لا يعود إليه أبداً لأن ابن القيم أخذها من قوله تعالى (فَانسَلَخَ مِنْهَا) معناه فارقها بالكلية ولا يريد أن يرجع لها ولا يريد أن يذكر أمامه هدايته واستقامته قبل ذلك والعياذ بالله!. الثالثة الشيطان أدركه ولحقه وظفر به بدلالة قوله تعالى (فَأَتْبَعَهُ) لم يقل الله سبحانه وتعالى فاتّبعه الشيطان، لا، إنما قال فأتبعه وهذه تدل على أنه أدركه ومُكّن منه. والرابعة أنه غوى بعد الرشد والغيّ هو الضلال في العلم والقصد. وخامسها قال أنه سبحانه وتعالى أن الله سبحانه وتعالى لم يشأ أن يرفعه بالعلم فكان سبب هلاكه لأنه لم يرفع به رأسه فصار وبالاً عليه ولهذا قال (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ). [/FONT]
[FONT=&quot]الرازي رحمه الله يقول كلمة جميلة قال إن الله سبحانه وتعالى لم يمثّله بجميع الكلاب وإنما وقع بالكلب اللاهث وأخس الحيوانات هو الكلب وأخس الكلاب هو الكلب اللاهث فمن آتاه العلم والدين فمال إلى الدنيا وأخلد إلى الأرض كان مشبهاً بأخس الحيوانات وهو الكلب اللاهث. هذا المشهد في الآية مشهد جديد وصورة لم تألفها العرب والقرآن الكريم جاء بلغة العرب ولكنه جاء لهم بصور جديدة وقفوا أمامها مبهورين وعاجزين ولم يملك بعضهم إلا أن يُسلم وبعضهم لم يسلم ولكنه اعترف بجلالة هذا الكلام. [/FONT]
[FONT=&quot]فانظر إلى هذا التشبيه العظيم في هذه السورة وأن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا رجلاً آتاه الله العلم وآتاه الهداية وآتاه النور ثم انسلخ منه وما أجمل دلالة التعبير ما قال فتركه، لا (فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) والعياذ بالله!. نحن في هذه الآية نريد أن نرسل رسالة إلى أنفسنا وكل من آتاه الله علماً ودلّه الله عليه ونحن عندما نقول آتاه الله علماً لا نقصد المتخصص في الفقه أو التفسير، لا، وإنما يدخل تحت كل من آتاه الله العلم، كل مسلم عرف الحق وآمن بالله وبكتابه وبنبيه صلى الله عليه وسلم أياً كان تخصصه طبيب مهندس مفسّر كلنا داخلون في هذه الآية فكل من عرف الحق واهتدى إليه وعرفه بالأدلة ثم انحرف عنه فهو يدخل تحت مسمى هذه الآية والعياذ بالله! لذلك ينبغي أن يلهج الواحد منا في سجوده وفي صباحه وفي مسائه وفي غدوه ورواحه "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" انظر إلى هذا كان عالماً وكان مطاعاً وكان رئيساً في قومه ثم انسلخ من كل هذا العلم وهذا النور أصبح مثلاً يضربه الله لنا في سورة الأعراف للعالم الذي انتكس وضلّ بعد هدى فشبهه الله بأخس الحيوانات وشبهه بالكلب. [/FONT]
[FONT=&quot]من فوائد هذه الآية العظيمة أن الدنيا مُفسِدة لدين المرء (وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فذكر الله أن من أسباب انحرافه وإصراره هو اتباعه هواه وإخلاده إلى الأرض والمقصود بإخلاده إلى الأرض تعلقه بالدنيا وفعلاً عندما تجد أن حظوظ الدنيا قد كثرت في يد الإنسان فإنها علامة خطر ونذير شؤم أن يقع الإنسان فيما وقع فيه هذا الرجل لأن الإنسان ضعيف عندما يرى الأموال والملايين أمام عينيه فإن الشيطان يقنعه أن يتنازل عن عقيدته وعن دينه مقابل هذه الدنيا وكم رسب في هذا الاختبار من أناس ومن خلال استقرائي للقرآن الكريم كل الذين دخلوا الاختبارات المالية رسبوا إلا القلة مثل داوود وسليمان وذو القرنين وإن كانت ليست مالاً وإنما هي جيش وقوة لكن معظم الذين دخلوا في القرآن الكريم اختبارات مالية رسبوا فشلوا لأن المال يغري ولذلك بنو إسرائيل رسبوا في كل الاختبارات التي دخلوا فيها بسبب المال ولذلك الإنسان لا يزكي نفسه وليحذر أشد الحذر من هذه الدنيا لأنها مضرة بدين الإنسان وتنتقص منه وبقدر ما تزيد الدنيا في يد الانسان فإنها تنتقص من آخرته، تشغله عن صلاته، تشغله عن ذكر الله تشغله عن القرآن ولذلك حتى في تاريخ العلماء تجد أن الفقر صفة ملازمة لكل العلماء حتى قال أحد الشعراء:[/FONT]
[FONT=&quot]إن الفقيه هو الفقير وإنما راء الفقير تجمّعت أطرافها[/FONT]
[FONT=&quot]وقال آخر[/FONT]
[FONT=&quot]قلت للفقر أين أنت مقيم قال لي في عمائم الفقهاء[/FONT]
[FONT=&quot]فالدنيا إذا كثرت في يد الإنسان فإنها مظنة الإنحراف كما وقع لهذا الرجل الذي ضربه الله لنا نسأل الله أن يثبتنا على الحق وأن يجعل الدنيا في أيدينا ولا يجعلها في قلوبنا وأن يثبتنا على الحق حتى نلقاه غير مغيّرين ولا مبدّلين.[/FONT]
 
[FONT=&quot]قصة آية (8)[/FONT]
[FONT=&quot]حماية الاستغفار لأهله[/FONT]
[FONT=&quot](وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الأنفال)[/FONT]
[FONT=&quot]اليوم سنتوقف عند آية في سورة الأنفال تتحدث عن الاستغفار وأن الاستغفار أمانٌ للمجتمعات المسلمة من وقوع عقاب الله تعالى وعذابه. قصة الاستغفار قصة جميلة في القرآن الكريم ولو أتينا نستعرض الآيات القرآنية التي أمر الله فيها بالاستغفار وذكر فيها فوائد الاستغفار وذكر فيها عاقبة المستغفرين لطال بنا الحديث. لكن من الآيات المشهورة في في هذا في قوله سبحانه وتعالى في قصة نوح (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴿١٠﴾ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴿١٢﴾ نوح) وفي قوله سبحانه وتعالى (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ (3) هود) فكل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أمروا قومهم بالاستغفار والتوبة والرجوع والإنابة والله سبحانه وتعالى يحب المستغفرين، يحب أن عبده يستغفره "استغفر الله، أستغفر الله" الله سبحانه وتعالى يحب هذا. والاستغفار ليس بالضرورة أن يكون عن ذنب فإن الإنسان لتقصيره في حق الله سبحانه وتعالى لا يكاد ينفك عن الذنب لأنه لا يملأ كل لحظة من لحظات حياته بطاعة يتقرب بها إلى الله. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر في المجلس الواحد ويستغفر في اليوم أكثر من مئة مرة وفي روايات يستغفر سبعين مرة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر للمؤمنين والملائكة عليهم السلام يستغفرون لمن في الأرض. فقصة الاستغفار قصة طويلة نسأل الله أن يغفر لنا جميعاً وأن يعيننا على الاكثار من الاستغفار. [/FONT]
[FONT=&quot]هذه الآية في سورة الأنفال لها قصة، النبي صلى الله عليه وسلم واجه من المشركين شدّة لا يعلمها إلا الله وإهانات ومضايقات، يُراد له بأيّ وسيلة أن يتوقف عن هذه الدعوة ولكن لم تفلح كل المحاولات في صدّه عليه الصلاة والسلام واستمر، ولو حصل أنه توقف عليه الصلاة والسلام هذه الدعوة لما بلغنا نحن الإسلام! لكن صبر عليه الصلاة والسلام وأدّى الرسالة وجاهد وصبر ولذلك يقال لنا اليوم أنا وأنتم مسلمون والمسلمون في أنحاء الأرض بالملايين وكلهم في موازين حسنات النبي صلى الله عليه وسلم. أيّ استغفار حتى الكلام الذي أقوله للناس الآن عبر الشاشة في موازين النبي صلى الله عليه وسلم لأننا كلنا نأخذ منه عليه الصلاة والسلام بل المزية إن كان لنا مزية ولكلامنا مزية فهو لأننا أخذنا منه ولأننا تلاميذ في هذه المدرسة وهذا هو الفخر الحقيقي للمسلم أن يكون تلميذاً في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم يتلقى هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهذه السُنة (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴿٣﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴿٤﴾ النجم) ولذلك نحن نشعر بالثقة نحن نتكلم ونحن واثقون من أنفسنا وواثقون مما نقول لأننا أخذناه من هذا المصدر الموثوق. [/FONT]
[FONT=&quot]يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ) يعني المشركين (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فجعل أمانين لهؤلاء: وجود النبي صلى الله عليه وسلم صمام أمان لا يمكن أن يأتي عذاب يستأصل الناس والنبي فيهم. ولذلك لم تعذّب أمة من الأمم ورسولها فيها وإنما يؤمر النبي بأن يخرج حتى يقع العذاب "فاخرج أنت وأسرتك أو أنت وأتباعك" ثم يأتيهم العذاب. ولذلك نوح عليه الصلاة والسلام أمره الله بأن يصنع السفينة وأن يركب فيها ومن معه من المؤمنين وأن يأخذ فيها من كل زوجين اثنين ثم جاءهم العذاب فهلكوا كلهم حتى زوجته وولده. هود عليه الصلاة والسلام أيضاً جاءتهم الصيحة، خرج، صالح، لوط، كلهم خرجوا فوقع العذاب ولو بقي النبي فيهم ما أصابهم العذاب لأن النبي أمَنَة لقومه والنبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك. ولذلك أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قصة هذه الآية وقبلها البخاري ومسلم رووا عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو جهل بن هشام: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، انظر هذا المغفل!! بدل أن يقول اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه، لكن خذلان والعياذ بالله! حتى يعلم الإنسان أن المسألة ليس فيها ذكاء ولا فيها وجاهة وإنما توفيق وهداية من الله سبحانه وتعالى وإلا أبو جهل بن هشام كان من شيوخ قريش الكبار فدعا بهذه الدعوة فقال الله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وهاجر إلى المدينة وجاء أبو جهل ومن معه من المشركين في معركة بدر قضى الله تعالى عليه بتلك المعركة ولذلك من اللطائف الجميلة أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لرجل من سبأ من اليمن فقال له من أين أنت؟ قال من اليمن، قال أنت من قوم سبأ؟ قال نعم، قال ما أجهل قومك حين ملّكوا عليهم امرأة – يقصد بلقيس رضي الله عنها بلقيس عندما آمنت وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين، فردّ عليه الرجل اليمني رداً مفحماً فقال له: بل أجهل من قومي قومك قريش عندما قالوا ([/FONT][FONT=&quot]وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[/FONT][FONT=&quot]) هلّا قالوا فاهدنا إليه. [/FONT]
[FONT=&quot]الشاهد أن هذه الآية لها قصة وهي أن أبا جهل ومن معه كانوا يقولون (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) فقال الله لا يمكن أن نفعل بهم ذلك يا محمد وأنت فيهم، حتى وأنت بين هؤلاء المكذبين المشركين أنت أمانٌ لهم فلما أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الهجرة وهاجر هزمهم الله في بدر وقتلهم. وانظر إلى رحمة الله سبحانه وتعالى وحلمه بالرغم من قولهم (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) الأنفال) إلا أن الله لطف بهم وترك لهم مجالاً حتى يرجعوا إلى الحق ولذلك أسلم كثير منهم، أسلم كثير من كبار قريش وأيضاً أسلم كثير من أبنائهم وعلى سبيل المثال أبو جهل هذا يعتبر فرعون هذه الأمة مناصبة العداء للنبي صلى الله عليه وسلم وتعذيباً لأتباعه ابنه عكرمة رضي الله عنه دخل في الإسلام وأصبح من قوّاد الإسلام الكبار عكرمة بن أبي جهل وهو من قوّاد الإسلام الكبار. خالد بن الوليد رضي الله عنه أبوه الوليد بن المغيرة الذي نزل فيه (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴿١١﴾ وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا ﴿١٢﴾وَبَنِينَ شُهُودًا ﴿١٣﴾ وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ﴿١٤﴾ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴿١٥﴾ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآَيَاتِنَا عَنِيدًا ﴿١٦﴾ سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ﴿١٧﴾ المدثر) ولكن ابنه خالد بن الوليد رضي الله عنه هو سيف الله المسلول. فالله سبحانه وتعالى أخرج من أصلاب هؤلاء المشركين الكافرين صحابة كراماً رضي الله عنهم هم الذين فتحوا بلاد الإسلام. خالد بن الوليد كان له دور بارز في معارك الإسلام في معركة اليمامة وفي حروب الردّة نفع الله به نفعاً عظيماً وانتصر الجيش الإسلامي بوجود خالد وحنكته وخبرته فهو رجل قائد عسكري معروف. في معركة اليرموك كان له دور بارز رضي الله عنه في قيادة الجيوش الاسلامية وهزيمة الروم، في معركة القادسية أيضاً لكن لأن عمر رضي الله عنه رأى رأياً يدل على حكمته ورأى الناس كأنهم بدأوا يغترون بخالد ويقولون ما دام خالد موجوداً لا عليكم، فقال تعالى يا خالد اِرجع وابق في الجيش وتعال يا سعد بن أبي وقاص قُد الجيش فقاد سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه معركة القادسية وانتصر المسلمون. ولذلك يقولون قال عمر: خشيتُ أن يتعلق الناس بخالد. عمر رضي الله عنه ذكي ومُلهم، خالد بن الوليد نفع الله به مع أن والده هو الوليد بن المغيرة كافر مات على الكفر. فلذلك هذا يفتح الأمل للدعاة أنك لا تيأس بل إذا رأيت الإنسان رأساً في الشر فترفّق لعل الله سبحانه وتعالى يجعل له رأساً في الخير وقد حدث هذا كثيراً وهناك كثير من الدعاة الآن المشهورين كانوا رؤوساً في الضلال بل وبعضهم رؤوساً في الكفر في النصرانية وفي اليهودية ثم هداه الله للإسلام بدعوة أحد من المسلمين المترفقين الطيبين الذين استطاعوا أن يوصلوا الإسلام له بطريقة أو بأخرى فأصبح هذا الذي كان رأساً في الضلال أصبح من كبار الدعاة وأصبح يتحمس بشكل لا تتصوره. والله قد لقيت رجلاً من كبار الدعاة المعروفين الآن كان رأساً في الكفر وفي النصرانية وفي التثليث وصباح مساء يقول إن الله له ولد والله ثالث ثلاثة ثم هداه الله للإسلام، والله ربما ينام في اليوم ثلاث أربع ساعات على الأكثر وباقي وقته في الدعوة إلى الله بشكل، سألته كم لك منذ أسلمت؟ يقول سبع سنوات فقط والله إن له من الجهود والتأثير تقول أن له سبعين سنة. فالداعية البصير الموفق يستثمر مثل هذه الإشارات الموجودة في القرآن الكريم والنبي صلى الله عليه وسلم قدوتنا في التلطّف والترفّق بالناس (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ولذلك نذكر آية في قوله سبحانه وتعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ (159) آل عمران). في سورة الجمعة ذكر الله تعالى حال بعض الصحابة عندما قال (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا (11) الجمعة) كانوا مجتمعين ومتحلقين حول النبي صلى الله عليه وسلم ثم انفضوا كلهم. فالله سبحانه وتعالى يقول لولا أنك يا محمد لطيف مع الصحابة وطيب ومتواضع ولين الجانب تبتسم وتحسن القول لهذا، أحياناً بعض الأعراب يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يدخل في الإسلام فيغلظ القول فيثور الصحابة فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم خلّوا بيني وبينه أنا أتفاهم وإياه. وجاء رجل أعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم ودخل وبال في المسجد، موقف لا يُحتمل! تخيل الواحد الآن يترك المنطقة كلها ويتبول داخل المسجد، ضاقت عليك الدنيا! فالصحابة رضي الله عنهم قاموا عليه وأرادوا أن يضربوه فقال النبي لا تزرموه، اُتركوه حتى يقضي حاجته، ثم قال له يا أعرابي إن هذه البيوت ليست لهذا وإنما هي للصلاة وذكر الله وقرآءة القرآن وأمرهم أن يأتوا بدلو ماء ويرهقوا عليه وانتهى الأمر بكل بساطة. هذه المدرسة التي نريد أن نتعلم فيها ونجعلها قدوة ولا ننفّر الناس من الدين ونأخذ الناس بالتي هي أحسن. أولاً هذا هو أمر الله سبحانه وتعالى والأمر الثاني أن هذا هو الذي ينفع أما الشدة والقسوة والعنف ما تنفع خاصة أنك تدعو الناس لأن يعتنقوا شيئاً بقلوبهم والناس لا يعتنقوا شيئاً بقلوبهم بالعصا تضربه تقول له غصباً عنهم ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة) هذه قاعدة (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) قد تبين والإنسان يختار ثم يصبر على ما يختار إن اختار الحق يبشر بالخير وإن اختار الباطل قيصبر على ما يترتب عليه. أيضاً قوله سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) هي رسالة لكل من يقرأ القرآن الكريم أن يُكثر من الاستغفار وقتك لا بد أن تعمره بالاستغفار والنبي صلى الله عليه وسلم عظّم من شأن الاستغفار وقال والله إني لأستغفر الله في اليوم مئة مرة والصحابة كانوا يرون هذا منه وعائشة رضي الله عنها تقول ما أكثر ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر وذكرت أنه منذ أن نزل عليه قول الله تعالى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴿١﴾ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴿٢﴾ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴿٣﴾ النصر) والله سبحانه وتعالى يقول (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ (43) الأنعام) الله يحب أن يرى العبد يتضرع ويستغفر ويلجأ ويُكثر من الاستغفار لكي يغفر له ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي أن رجلاً أذنب فقال استغفر الله، فقال الله سبحانه وتعالى عبدي وعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنا اِشهدوا أني قد غفرت له. ولذلك الشيطان يريد أن يظفر منك يقول لك أنت استغفرت مرة وستستحي من ربي أذنب واستغفر ودّ الشيطان أن يظفر منا بهذا أن يقول الإنسان أنا أذنبت واستغفرت أكثر من مرة فلتستحي ما عدت أستغفر، لا تترك الاستغفار ولو أذنبت مليون مرة فإن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب وإن كانت مثل زبد البحر. وفوائد الاستغفار (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴿١٢﴾ نوح) الكل يطلب الخير والرزق فهو من نتائج الاستغفار وأيضاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همّ فرجاً ووالله إنها مجرّبة، أحياناً تضيق على الإنسان بعض الظروف والإنسان لا ينفك عن كربات في الدنيا ما دمت تعيش في الدنيا تتوقع المصاعب والكربات والمشاكل في الاختبارات في الوظيفة في الزوجة في الولد الإنسان مبتلى لكن والله أن الاستغفار سبحان الله العظيم يفرّج الله به الكربات ويقضي به الحاجات وتشعر بتيسير الله سبحانه وتعالى من حيث لا تحتسب فصدق الله سبحانه وتعالى وصدق وعده ونسأله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الاستغفار وأن يجعلنا من المستغفرين وأن يكفينا شرور أنفسنا وشر النسيان ولذلك يلزم الإنسان الاستغفار حتى يقول الناس عنه موسوس من كثرة ما يستغفر الله خاصة وأنت في سيارتك، في مكان انتظار، أسأل الله أن يرزقنا وإياكم اللهج ولزوم الاستغفار حتى نلقاه سبحانه وتعالى وقد غفر لنا ذنوبنا ولو كانت مثلزبد البحر فإنه سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعاً والحمد لله على هذا الفضل العظيم.[/FONT]
 
[FONT=&quot]قصة آية (9)[/FONT]
[FONT=&quot]التجارة الرابحة[/FONT]
[FONT=&quot](يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24) التوبة)[/FONT]
[FONT=&quot]اليوم سوف نتوقف حول آية من آيات سورة التوبة، آية عظيمة تتحدث عن مسألة الولاء لله سبحانه وتعالى والولاء لنبيه صلى الله عليه وسلم ولدينه ولأتباعه المؤمنين ومنابذة كل من خالفهما وهذه مسألة في غاية الأهمية لكل مؤمن لأنه ينبغي أن يكون المؤمن لله سبحانه وتعالى ولرسوله ولدينه.[/FONT]
[FONT=&quot]هذه الآيات من سورة التوبة وسبق في حلقات ماضية أن ذكرنا أن هذه السورة لها أسماء أخرى غير اسم التوبة وتسمى بالفاضحة وتسمى بالكاشفة وتسمى بالمقشقشة وكل هذه الأسماء مأخوذة من هذه الآيات القوية التي وردت فيها في فضح المنافقين وفي كشف أسرارهم. [/FONT]
[FONT=&quot]الله سبحانه وتعالى في هذه الآية يقول للنبي صلى الله عليه وسلم (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ) وفي الآية التي قبلها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) هل عند الواحد منا أعزّ من والده وأقرب؟ والدي الذي ربّاني وكان سبباً مباشراً في جودي وعشت في كنفه ولا أعرف إلا هو يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) قوية ومعناها بكل بساطة العلاقة بينك وبين والدك وبينك وبين إخوانك مبنية أنت كمسلم على الدين أنت تحب والدك صحيح لأنه أباك ولكن لأنه مسلم فإذا كفر بالله فلا ولاية بينك وبينه، التحذير واضح. قد يقول قائل غير معقول أن يحرّم الله سبحانه وتعالى عليّ موالاة والدي أو إخواني إن اختلفوا معي في الدين، نقول هذه حقيقة الإسلام وحقيقة الدين ولذلك ابراهيم عليه الصلاة والسلام ماذا صنع مع والده؟ حاول فيه وقال (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴿٤٢﴾ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴿٤٣﴾ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴿٤٤﴾ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴿٤٥﴾ مريم) لكن لا فائدة (قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ﴿٤٦﴾) آيس ابراهيم عليه الصلاة والسلام من والده والعجيب أنه كان يستغفر لوالده قال (قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴿٤٧﴾) الله سبحانه وتعالى نهاه بعد ذلك عندما تيقن أن والده سوف لا فائدة منه وأنه على الكفر نهاه الله عن الاستغفار لوالده. ولذلك تلاحظ أن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالاقتداء بابراهيم إلا في هذا الموضع قال لا تقتدوا بابراهيم في هذا الموضوع ولذلك الله سبحانه وتعالى قال (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)) في نفس السورة، قد يقول قائل ابراهيم استغفر لوالده! قال لا، (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ) وفي قرآءة شاذّة (إلا عن موعدة وعدها أباه) بأن يستغفر له. فالعلاقة بين المسلم وبين أخيه وبين أبيه وبين والدته هي مبنية على الدين قبل أن تكون مبنية على النَسَب. ولذلك نحن الآن نحب بلال بن رباح رضي الله عنه ونُبغض أبا لهب مع أنا أبا لهب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم وبلال من الحبشة وليس من قريش وليس من أقارب النبي صلى الله عليه وسلم ولا شيء. يقول عمر رضي الله عنه عندما دخل أبو بكر الصديق فقال مرحباً بسيدنا وأعتق سيدنا، فقالوا أنه يقصد أبا بكر لأنه سيد الصحابة رضي الله عنهم وأعتق سيدنا يعني أعتق بلال فنحن لا ننظر إلى النَسَب إلا بعد الدين، النسب يأتي في مرحلة متأخرة لكن قرابة الدين هي الحقيقية بين المسلمين. وهذه الآيات هي في غاية القوة والصرامة الله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) هذا الوصف، أنتم تدّعون أنكم مؤمنون (لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) اِقطعوا العلاقة ولتبقى العلاقة علاقة ودّ ورحم، الأب حتى لو كان كافراً تُحسن إليه وتبرّه والوالدة أيضاً لكن أنك تبغضه لأنه على الكفر (إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ). [/FONT]
[FONT=&quot]ثم قال في الآية التي بعدها (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ) أخذ الأقارب حسب الدرجات، ماذا بقي من القرابات؟ ما يكاد يخرج منها أحد الأب والابن والأزواج والإخوان والعشيرة، كلها. قال (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا) الثروة التي تملكون (وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا) مصالحك الاقتصادية إن كنت تاجراً (وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا) الوبر الذي أنت فيه وبيتك الذي أنت فيه، كل ما سبق هو الشرط، أين جواب الشرط؟ قال (أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ) الله سبحانه وتعالى يقول لك قدّم أمر الله وقدّم أمر رسول الله على كل هؤلاء. مثل قصة عبد الرحمن بن عوف مع والدته لما أسلم عبد الرحمن بن عوف رفضت أن تأكل أضربت عن الطعام فقال لها لو كانت لك مئة نفس ثم خرجت نفساً نفساً ما رجعت عن ديني. ومثل هذا وقع لأم مصعب بن عمير عندما كان مرفّهاً وكان مدلّلاً عند والدته فلما دخل في الإسلام حرمته من الطعام لكنه لم يرجع عن دينه واستمر يُحسِن إليها. فالله سبحانه وتعالى يقول قدّم أمر الله وقدّم أمر رسوله واجعلهما أحبّ إليك من كل أحد. الحمد لله الأصل أن تبر بوالدك وبوالدتك وبزوجك وأبنائك وإخوانك ما كانوا على دينك لكن إذا تعارض أمر الله سبحانه وتعالى مع أمر هؤلاء أو محبته مع محبة هؤلاء فقدّم أمر الله وقدّم أمر رسوله ولذلك الله سبحانه وتعالى يقول إذا كانت هذه التجارة وهؤلاء الآباء أحب إليكم من الله وأحب إليكم من الرسول وأحب إليكم من الجهاد في سبيل الله فتربصوا أي انتظروا عذاب الله وعقاب الله على هذا التفضيل وعلى هذا الاختيار.[/FONT]
[FONT=&quot]وهذه الآية لها قصة وهي أنه ذُكِر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أُمر بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه ولأخيه وامرأته إنا قد أُمرنا بالهجرة فمنهم من يُسرع إلى ذلك ويعجبه أمر الهجرة ويخرج ومنهم من يتعلق به زوجته وأولاده وعياله ويقولون ناشدناك الله أن تدعنا هنا ويرقّ ويجلس معهم مع قدرته على الهجرة فنزلت هذه الآية تعاتب هؤلاء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ثم ذكر قاعدة (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) هذه قصة هذه الآية. [/FONT]
[FONT=&quot]من فوائدها أن قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ) عامة لجميع المؤمنين وليست خاصة بمن نزلت فيهم الآيات في أول الإسلام. وهذه من القواعد المهمة في فهم القرآن الكريم أن العبرة في القرآن الكريم بعموم اللفظ وليست بخصوص السبب، صحيح أن هذه الآيات نزلت ابتداءً في هؤلاء لكن يدخل تحتها كل من يقدّم أمر والديه على أمر الله ورسوله ويقدّم أمر زوجته على أمر الله ورسوله وأنه ظالم لنفسه بذلك وأنه متوّعَد ومن يوالي الكافرين فهو منهم ولذلك قال الله في سورة المائدة (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (51)) قال العلماء أي مثلهم في الكفر والحُكم. ولا شك أن الذي يختار الكافرين وموالاتهم ومحبتهم أنه مُلحقٌ بهم وإلا كيف نميز الكافر من المؤمن إذن؟ فمن قدّم أمر الكافرين ومحبتهم على الله ورسوله فإنه منهم والله خصّ هؤلاء الأقرباء المقربين لأن الإنسان بفطرته ينزع إليهم الإنسان بفطرته ينزع إلى محبة والده ووالدته وزوجته وأبنه وأخيه وعشيرته ولم يذكر البعيد لأنهم من باب أولى لكن الله نهاك عنهم حتى قدّم الأقرب فالأقرب، فقدّم الآباء ثم الأبناء ثم الإخوان حتى يقول لك أشدّ العلاقات الأُسرية والرحم قوة هي الأبوّة أخِّرها وقدِّم أمر الله ورسوله ثم تأتي هي بعدها. إن وافَقَتْ أمر الله ورسوله فأنت مأمور بالمحافظة عليها وصلة الرحم والإحسان إليهم وإن تعارضت فأمر الله مقدّم وهذا الذي صنعه الصحابة رضي الله عنهم وضربوا فيه أروع الأمثلة بل أن من الأمثلة المشهورة أن أبا عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه والده كان مشركاً وهو الجرّاح وكان مناصباً العداء للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين وجاء في معركة بدر - إن لم أكن واهماً معركة بدر أو معركة أحد لكنها إحدى المعركتين – فجاء في جيش المشركين وأبو عبيدة ابنه في جيش المسلمين وإذا به يريد أن يقتل ابنه بالذات عامر رضي الله عنه فما زال أبو عبيدة يشيح بوجهه هنا وهنا يريد أن فقُتِل والده في هذه المعركة وأثبت أبو عبيدة رضي الله عنه أن أمر الله وأمر رسوله مقدّم على والده ولذلك نزلت الآيات تؤيّد أنه لا اتصال ولا علاقة بين الكافر والمؤمن ما دام مُحارباً لله ورسوله حتى ولو كان أباك أو ابنك أو أخاك وهذه في الحقيقة شديدة على النفوس شديدة جداً أنك ترى والدك في صف المشركين وأنت في صف المؤمنين وأنت مأمور بمحاربته! موقف ليس سهلاً! نحن نذكرها في التاريخ لكنها في الواقع من أشد ما يكون، لكن الوحي فصلها، لا علاقة لك بها، الكفر قد فرّق بينكما ولذلك لا يرث المؤمن الكافر ولا الكافر المؤمن حتى في المواريث ما يتوارثون لأن الإيمان قد انتفى بينهم ولا توارث بين الكافر وبين المؤمن.[/FONT]
[FONT=&quot]من فوائد هذه الآية أيضاً وجوب حب الله ورسوله يعني ليس حب الله ورسوله اختيارياً ولا باللسان فقط وإنما يتعرض الإنسان الذي يدّعي حب الله وحب رسول صلى الله عليه وسلم إلى ابتلاءات وإلى اختبارات ولذلك عندما تخالف أمر الله وأمر رسوله وتدّعي أنك تحبه حبك هذا كاذب ولذلك يقول الشاعر[/FONT]
[FONT=&quot]يا مدّعي حب طه لا تخالفه الخُلْف يحرُم في دنيا المحبينا[/FONT]
[FONT=&quot]أراك تأخذ شيئاً من شريعته وتترك البعض تدويناً وتهوينا[/FONT]
[FONT=&quot]خذها جميعا تجد خيراً تفوز به أو فاطّرحها وخذ رجز الشياطينا[/FONT]
[FONT=&quot]ولذلك يقول أيضاً الشاعر أيضاً[/FONT]
[FONT=&quot]تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع [/FONT]
[FONT=&quot]ثم يقول: إن المحبَّ لمن يُحبُّ مُطيع[/FONT]
[FONT=&quot]فالعلامة الحقيقة لاتباع الله ومحبته ومحبة رسوله هي اتباعه فإذا ضعف الاتباع فإن في المحبة دخَن.[/FONT]
[FONT=&quot]وأيضاً من فوائدها أهمية الجهاد وتقديمه على أمر النفس. [/FONT]
[FONT=&quot]ومن فوائدها أيضاً أن يكون حبك الأول والأخير لله سبحانه وتعالى ولرسوله كل ما يتعارض معه أن تلغيه مقابل حب الله وحب رسوله. [/FONT]
[FONT=&quot]أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم أن يجعلنا من المحبين لله والمحبين لرسوله وأن يجعلنا ممن يقدِّم حبّ الله وحبّ رسوله.[/FONT]
 
[FONT=&quot]قصة آية (10)[/FONT]
[FONT=&quot]خطورة الاستهزاء بالله ورسوله[/FONT]
[FONT=&quot](يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) التوبة)[/FONT]
[FONT=&quot]المنافقون يُظهروا الإيمان ويُبطنوا الكفر والمخالفة وهذا أخطر عليك من الكافر المُظهر لكفره وعداوته لأن الكافر المظهر لعداوته تستطيع أن تدافع عن نفسك، تتقيه لكن المنافق الذي يعمل معك داخل الصف هو الذي يطعنك من الظهر ويستطيع أنه يهدم الإسلام من داخله وللأسف الشديد أن هؤلاء المنافقين أضروا بالمسلمين عبر التاريخ إضراراً لا يعلمه إلا الله ولذلك حذّر الله منهم في القرآن الكريم تحذيراً شديداً ولو تأملنا في سورة البقرة، أول البقرة أن الله سبحانه وتعالى ذكر لنا ثلاثة أصناف من الناس فتكلم عن المؤمنين وتكلم عن الكافرين وتكلم عن المنافقين فلما جاء عن المؤمنين تكلم عنهم في خمس آيات ربما فقال ﴿ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ ﴿٢﴾[/FONT][FONT=&quot]الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ[/FONT][FONT=&quot] الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ[/FONT][FONT=&quot] يُنْفِقُونَ ﴿٣﴾[/FONT][FONT=&quot]وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ[/FONT][FONT=&quot] وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ[/FONT][FONT=&quot] وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ [/FONT][FONT=&quot]يُوقِنُونَ ﴿٤﴾[/FONT][FONT=&quot]أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ[/FONT][FONT=&quot] هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٥﴾﴾. لما جاء عند الكفار آيتين فقط قال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٦﴾ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿٧﴾﴾. جاء الآن عند المنافقين، المؤمنون خمس آيات والكفار آيتين وجلس يتكلم عن المنافقين ثلاثة عشر آية فقال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٨﴾ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿٩﴾ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿١٠﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿١١﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٢﴾) ثم جاءت سورة التوبة ففضحتهم بالتفصيل ثم جاءت سورة خاصة بهم اسمها سورة المنافقون فأعطتهم أيضاً. والعجيب الأعجب من هذا أنك لا تجد في القرآن الكريم اسم منافق واحد، لا يوجد أحد من المنافقين ذكر اسمه في القرآن، عبد الله بن أبي زعيم المنافقين هل يوجد اسمه في القرآن؟ أبداً، غريبة! يعني ما دام أنهم خطيرين لهذه الدرجة لماذا لا يصرح بأسمائهم؟! قال هؤلاء لا يستحقون أن يصرح بأسمائهم لأنني لا أريد أن أذكر الأسماء وإنما أنا أذكر الصفات والمنهج وهذا المهم. وهذا درس لنا أنت لا تهتم أن تذكر ولا علان من المنافقين ولا الساخرين من الله ومن رسوله وهذا هو مجرد مثال لكن العبرة بالمنهج هذا أن المنهج مُحارَب وأن هذه الصفات صفات منافقين من توفرت فيه فهو يستحق صفة النفاق وليست وظيفتك أنك تأتي تقول والله فلان أو علّان، لا، لكن يحذر من هذه الصفات أن هذه صفات المنافقين ولذلك النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم قال "آية المنافق ثلاث" حتى النبي صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot]لم يصرح بأسماء المنافقين إلا لــحذيفة بن اليمان وحذيفة بن اليمان لم يصرح بها لأحد ولم يُخبر إلا عمر عندما سأله بإلحاح هل عدّني رسول الله من المنافقين؟ وبعد إلحاح قال لا، ولا أخبر أحدًا بعدك. ولذلك حتى المنافقين أسماؤهم ما كانت معروفة عند الصحابة بالأسماء لأنها ستفرّق الصف ولكن كانوا يتابعون حذيفة إذا رأوا حذيفة بن اليمان يصلي على الشخص صلوا عليه وإذا رأوه لا يصلي عرفوا أن من المنافقين فلا يصلون عليه. لكن متى يعرفون أنه منافق؟ إلا بعد وفاته. ولذلك التصريح بأسمائهم غير مناسب وغير منهجي لأن الفكرة هو المنهج نفسه هذه واحدة. [/FONT]
[FONT=&quot]والأمر الثاني تأتي إلى الآية التي معنا جاءت في سياق قصة، دعنا نقرأ قصة هذه الآية. قصة هذه الآية وقعت في معركة تبوك، سافر النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة وكان معه عدد من المنافقين يعني الإنسان لا يملي على نفسه النفاق هؤلاء مشاركين مع النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم في الجيش وما هو بجيش عادي جيش العسرة وذاهب إلى منطقة تبوك وبالرغم من ذلك للأسف الشديد وقعوا في النفاق. فماذا حدث؟ بينما هم جالسين في تلك المعركة أو في ذلك السفر لأنه لم تقع معركة طبعاً في تبوك لكن تسمى غزوة تبوك لأنه سافر النبي إلى هناك ثم رجع ولم يشتبك مع الروم[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT]
[FONT=&quot]هؤلاء المنافقون يغلي في صدورهم بُغض للنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم وبغض للدين ولكنهم دخلوا في الإسلام نفاقاً كما قال عبد الله بن أبي عبد الله بن أبي كان ينتظر قبل مجيء النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان مرشحاً نفسه أن يصير هو زعيم المدينة وفجأة جاء النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم ولخبط عليه الأمر وصار النبي[/FONT][FONT=&quot] صلى الله عليه وسلم هو الزعيم وهو السيد فمات كاد يموت غيظاً. فلما نظر رأى الأنصار كل الأنصار وسعد بن معاذ وسعد بن عبادة زعماء الأنصار كلهم وقريش فماذا قدّر؟ قال والله هذا موضوع اتّجه ومحاربته بشكل ظاهر ما فيها فائدة فنحن ندخل في الإسلام حتى نحمي أنفسنا وأموالنا يحلّها حلال، أرأيت الفكرة؟ فدخل في الإسلام على نفاقه ومعه ثلة كبيرة من أمثاله من أمثلهم هؤلاء مجموع ثلاث أو أربعة من المنافقين جالسين يتحدثون مع بعض بكل بساطة ولذلك لا نتهاون في موضوع السخرية والاستهزاء بالدين أو بأمر الله أو بأمر رسوله[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم لأن هذا كفر، ليست سواليف، كفر وخروج من الملة والعياذ بالله. ولذلك قال الله سبحانه وتعالى يقول بن عمر قال رجلاً من المنافقين في غزوة تبوك في مجلس يوماً: ما رأينا مثل قُرّاءنا هؤلاء أرغَب بطوناً ولا أكذَب ألسنة ولا أجبَن عند اللقاء. من يقصد؟ - يقصد النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام الذين هم حوله يقول والله هؤلاء مشايخنا هؤلاء قرّاءنا هؤلاء كذابين وفقط يأكلون عند الأكل يعني أبشر بهم عند الأكل ما شاء الله! ولا أجبن عند اللقاء إذا جاء الجدّ جبناء، كلمات قبيحة جداً جداً وفي حق النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم ومن معه!! "ما رأينا مثل قراءنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء". كان معهم في المجلس واحد من صغار الصحابة[/FONT][FONT=&quot]رضي الله عنهم[/FONT][FONT=&quot]ما أعجبه هذا الكلام قال: كذَبْت بل أنت منافق وسأخبر النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم بما تقول. ارتبك هو وذهب الشاب إلى النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم قال يا رسول أنا كنت مع فلان وفلان يقولون كذا وكذا وكذا فتردد النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم في قبول هذا الكلام من الرجل أو من الصحابي فنزلت هذه الآية. فلما بلغهم أن النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم بلغه الخبر ذهبوا إليه وقالوا والله يا رسول الله إنما كنا نسولف والله كنا نخوض ونلعب والله نقطع عناء الطريق، والله ما نقصد، ويحلفون والمنافقون أسهل شيء عندهم الحلف كذباً! والله ما نقصد والله وتالله وبالله ولذلك (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) المجادلة) (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ (96) التوبة) وهكذا. وسُمي الرجل أنه قال بعض الروايات أنه عبد الله بن أبيّ لكن الصحيح أنه ليس عبد الله بن أبيّ لأن عبد الله بن أبيّ لم يشهد تبوك وكان ممن تخلف لكن الصحيح أنه وديعة بن ثابت لكن بغض النظر عن المسميات ما علينا من عبد الله بن أبيّ أو غيره المهم أن هذه الموقف حصل. ولذلك كانوا يخافون من القرآن قال الله سبحانه وتعالى ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾. ثم قال الله سبحانه وتعالى ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾ لماذا تقولون هذا الكلام عن الرسول؟ لماذا تقولون عن كذا ما تعرفون إنه حرام؟ قالوا والله ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ سبحان الله! هذا العذر عذر كل المستهزئين عبر التاريخ إلا قلّة، كل ما قيل لهم يعني بعضهم يكتب روايات أدبية فيسخر فيها من النبي صلى الله عليه وسلم ومن زواجه بتسع نساء ومن لحيته عليه الصلاة والسلام، من صحابته، من شعائر الدين، ومن النبي صلى الله عليه وسلم ويحمّل هذا الاستهزاء وهذه السخرية على شخوص الرواية يقول والله هذا فلان الذي في الرواية هو الذي قال الكلام هذا ليس أنا، أنا أنقل الكلام هذا على لسان فلان الذي في الرواية. مثلاً يأتي واحد يكتب قصيدة وهكذا يستهزئون ويحمّلونها بشكل أو آخر ويقولون والله نحن نريد أن نمارس الإبداع الأدبي، نمارس الحرية الأدبية وهكذا نفس عذر هؤلاء ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾. واعتذروا للنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم يعني هم استهزأوا بالنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم واعتذروا، الله سبحانه وتعالى لم يقبل عذرهم مع أن صاحب الشأن موجود وهو النبي صلى الله عليه وسلم وهو النبي الذي يُستهزأ به موجود وبالرغم من ذلك الله قال ﴿لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾. فكيف بمن يستهزأ اليوم بالنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم ثم يعتذر فيقال له خلاص يا ناس ما دام أنه اعتذر الإسلام دين العفو والإسلام دين الصفح! صدقت، نعم الإسلام دين العفو والإسلام دين الصفح لكن هذا الحق حق للنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم ولا يملك أحد بعد وفاته أن يُسقطه ولذلك الحكم فيمن يستهزئ بالنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم هو القتل. هل المقصود الاستهزاء قصداً أو مجرد الاستهزاء؟ الاستهزاء مطلقاً ولذلك العلماء لا يفرّقون بين الهزل والجدّ وأنها كلها حكمها واحد فكيف إذا كان جدّاً؟! لذلك هؤلاء ما كانوا يتوقعون أنها تبلغ المسألة أن ينزل فيهم قرآن ولذلك قالوا ﴿إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ﴾ وتعلقوا بأن نسعي ناقة النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم والأرض تضرب أقدامهم والدماء تجري وهم متعلقون خائفون والله والرسول[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يقول أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون؟! هذه خط أحمر! ويجب على ولاة الأمر في البلاد الإسلامية أن يقفوا وقفة جادة أمام هذا وإذا لم يقفوا وقفة جادة أمام هؤلاء الذين يستهزئون بالنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم فلا يستغربون أن يخرج من بين المسلمين من يقتل هؤلاء ثم تقع الفتنة[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT][FONT=&quot]ينبغي للمسلمين أن يكونوا مثل هذا الصحابي الذي خرج يفضح هؤلاء المنافقين لأنه بعد انقطاع الوحي لم يعد هناك وحي ينزل في فلان أو علّان من المستهزئين. لكن ينبغي على المسلم أن يكون غيوراً على عِرْض النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم وغيوراً على دين الله[/FONT][FONT=&quot]أن يُنتهك أن يسب الله ورسوله بين المسلمين ثم لا ينتصرون لله ولرسوله فلا خير فيهم. ثم حكم هؤلاء واضح في هذه الآيات ﴿قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾. [/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً من فوائد هذه الآيات تعداد قبايح المنافقين وهي أنهم كثيرون الإيمان والكذب. ومن أيضاً صفاتهم الاستهزاء دائماً بالله وبرسوله وبالنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين وبالشعائر[/FONT][FONT=&quot]فإذا لم ينفّذ فيهم حكم الردّة فإنه لن يتوقف هذه الاستهزاء والسخرية من دين الله ولا من الرسول صلى الله عليه وسلم. ولاحظ هنا أنه لا يقبل الهزل في الدين وفي أحكامه ويعتبر الخوض في كتاب الله وفي رسوله وفي دينه هزلاً أو جدّاً فإنه يعتبر رِدّة عن دين الله سبحانه وتعالى والسخرية منه ولا يُقبل فيها العذر وأجمعوا على ذلك. وأيضاً أن الله سبحانه وتعالى حكم عليهم بالكفر وقال الله سبحانه وتعالى ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ مع أنهم منافقون لكنه كأن حالهم قبل أن يقولوا هذه الكلمة كأن الله قال أنتم كنتم على الإيمان ولكن بقولكم هذه المقولة قد كفرتم. ولذلك يستدل بعض العلماء بأن الكفر يتجدد كما أن الإيمان يتجدد ويزيد وينقص فكذلك الكفر. فهم كانوا في النفاق ولكن عندما سبّوا الله واستهزأوا به وبرسوله كفروا قال ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ فهذه كلها واضحة الدلالة على أن من استهزأ بالله أو برسوله[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم فقد كفر وقد ارتدّ عن دين الإسلام وأنه لا ينفع فيها مجاملات والاعتذار غير مقبول في هذه القضايا وأنه ينبغي على ولاة الأمر أن يقاضوا هؤلاء وأن ينفذوا فيهم حكم الله سبحانه وتعالى قضاءً ونصرة للإسلام[/FONT][FONT=&quot]وقد كان يفعل ذلك ملوك الإسلام عبر التاريخ ويقتلون من يستهزئ بالله وبرسوله[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم ولذلك هاب الناس هذا الأمر وتوقفوا. وفي زماننا هذا ينبغي أن يحدث هذا حتى تستقر أمور الدين وأما أن يبقى الدين وأن يبقى النبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم يُسخر منه أو يستهزأ بحجة أن والله هذا رسم كاريكاتوري هذه مسألة فنية[/FONT][FONT=&quot] ,[/FONT][FONT=&quot]هذه قصيدة إبداعية، هذه رواية أدبية، لا بد أن يحسم هذا الموضوع ولا يحسم هذه القضايا إلى حكم الله سبحانه وتعالى فيهم وهو القتل حتى يبقى للناس ويسلم للناس دينهم ويسلم للناس عقائدهم وتستقيم حياة الناس. لأن الناس إذا شعروا أن دينهم ونبيهم يُنتقص ولا ينتصر الولاة لهم فإنهم سيخرج منهم من يقتل وتقع الفتنة بين الناس. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياك نصرة دينه ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يجنبا شرّ المستهزئين والله سبحانه وتعالى قد تكفّل فقال للنبي[/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ وقال ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾ ولكن نحن نقول هذا حتى نبرِّئ ذمتنا نحن أمام الله سبحانه وتعالى ونبين أن هذا هو الحكم الشرعي في مثل هذه القضايا فإن وقع من ولاتنا تنفيذ فهذا شأنهم وهذا بينهم وبين الله سبحانه وتعالى ونسأل الله أن يوفقهم لتطبيق أحكام دينه وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد.[/FONT]
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة الخامسة (خمس حلقات)
من الحلقة السابعة إلى الحلقة 10 (أربع حلقات)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)
مجموع الحلقات المفرّغة: 13 حلقة
الحلقات المتبقية: 16 حلقة من ضمنها الحلقة السادسة وهي قيد التفريغ مع الأخت أم جعفر جزاها الله خيراً.
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة الخامسة (خمس حلقات)
من الحلقة السابعة إلى الحلقة 10 (أربع حلقات)
الحلقة 12 و13 (حلقتان)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)
مجموع الحلقات المفرّغة: 15 حلقة
الحلقات المتبقية: 14 حلقة من ضمنها الحلقة السادسة وهي قيد التفريغ مع الأخت أم جعفر جزاها الله خيراً.
 
قصة آية (15)
بين الخوف والرجاء

(إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ﴿٥٧﴾ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ﴿٥٨﴾ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ﴿٥٩﴾ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴿٦٠﴾ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴿٦١﴾ المؤمنون)
نتوقف مع آيات كتاب الله الكريم نتدبر هداياتها ونقصّ عليكم قصة هذه الآيات. نتوقف في هذه الحلقة مع الآيات التي في سورة المؤمنون التي سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله هل هؤلاء الذين ذكروا في الآية هم الذين يسرقون ويزنون ويتصدّقون ويخافون؟ قال: لا، وفسّر لها الآية. وهذا نموذج من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لما يُشكل على الصحابة من آيات القرآن الكريم.
هذه الآياتا من سورة المؤمنون وسورة المؤمنون تسري فيها هذه الروح الدعوة للإيمان وصفات المؤمنين وقصص المؤمنين. هذه الآية عائشة رضي الله عنها وهذا فيه فائدة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسّر القرآن للصحابة، هل كان يفسر كل الآيات؟ أم كان يفسر الآيات التي تشكل عليهم أم كان يصحح أخطاء الفهم التي يقع فيها الصحابة؟ الصحيح فعلاً أنه لم يفسّر كل القرآن لأن القرآن نزل على قوم فُصحاء الألسنة، عرب، فالقرآن عربي يفهمه العربي، هناك أحياناً أخطاء في الفهم يصوّبها. مثلاً عندما أنزل الله سبحانه وتعالى (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) قبل أن تنزل كلمة (مِنَ الْفَجْرِ) ففهم بعض الصحابة مثل عديّ بن حاتم فهماً خاطئاً لمعنى الآية. الآية تقول كلوا واشربوا في رمضان حتى يظهر الصبح ثم توقفوا. فعديّ بن حاتم فهم الآية (وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) أن المقصود أن تأخذ معك خيطان واحد لونه أبيض وواحد لونه أسود وتجعلها بجانبك عند رأسك في النوم وتنظر فيها كل وقت فإذا استطعت أن تميز بين الخيط الأبيض والأسود معناه أن هذا الوقت الذي تتوقف فيه عن الأكل فأنزل الله سبحانه وتعالى تكملة الآيات (مِنَ الْفَجْرِ) كما يقول العلماء (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) لإزالة هذه الشبهة ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ضحك لما بلّغه عدي أنه فهم هذا الفهم فقال "إنك لعريض القفا" وبيّن له المعنى الصحيح. أيضاً عندما جاء عبد الله بن مسعود وأشكل عليه آية في سورة الأنعام فقال يا رسول الله الله سبحانه وتعالى يقول (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82) الأنعام) ففهم عبد الله بن مسعود من هذه الآية أن أيّ واحد مسلم يرتكب شيئاً من الظلم فإن الله سبحانه وتعالى لن يمنحه الأمن ولا الهداية لأنه قال (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) لم يخلطوا إيمانهم بظلم. فهو فهم منها أنه مطلق الظلم والحقيقة حتى قواعد أصول الفقه تؤيد فهم عبد الله بن مسعود لأن الأصوليين والنحويين يقولون أن النكرة في سياق النفي أو النهي أو التمني تدل على العموم فالله يقول (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم) هذا نفي (بِظُلْمٍ) نكرة في سياق النفي فهي تدل على العموم. فقال أيُّنا لا يظلم نفسه يا رسول الله؟ يعني سوف نخرج من معنى الآية لأنه لا يسلم أحدنا أن يظلم نفسه أو يظلم غيره! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مصححاً للفهم قال: ليس الذي تعنون، يعني ليس المقصود مطلق الظلم ظلم الإنسان لنفسه وإنما للظلم المقصود في الآية هو الشرك بالله فمعنى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) أي بشرك (أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) هذه لا شك تبعث الأمل في نفوس الناس لأن الشرك الحمد لله الناس لا يقعون فيه لكن ظلم الصغائر لا يكاد يسلم منه أحد. ثم استشهد لهم بقول لقمان لابنه في سورة لقمان: ألم تسمعوا قول العبد الصالح (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان)، هذا من منهج النبي صلى الله عليه وسلم في التفسير كيف أنه يفسر القرآن بالقرآن ويبين بعض الآيات المشكلة للصحابة ومنها هذه الآيات. قالت عائشة رضي الله عنها وهو سؤال وجيه قالت: يا رسول الله الله سبحانه وتعالى يقول هنا (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا) ينفقون ما ينفقون من الصدقة ومن المال (وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) وهم يخافون ألا تقبل منهم هل هؤلاء يا رسول الله الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر؟ قال لا. ونصّ الحديث كما في الصحيح أن أم المؤمنين عائشة قالت: يا رسول الله (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر ثم يتصدق ويخاف ألا يقبل منه؟ قال لا يا ابنة أبي بكر أو يا ابنة الصديق ولكنه الرجل يصوم ويصلّي ويتصدّق ويخاف ألا يُقبل منه. وفي رواية أخرى وهو الذي يُذنب الذنب وهو وجل منه؟ فقال: لا، ولكن من يصوم ويصلي ويتصدق وهو وجل. ولذلك يقول ابن عباس رضي الله عنهما في معنى هذه الآية قال: المؤمن ينفق ماله ويتصدق وقلبه وجل أنه إلى ربه راجع -أسأل الله أن يجعلنا من هؤلاء- يجمع الإنسان مع الإيمان ومع الطاعة ومع الخشوع ومع الإنفاق الخوف، يخاف ألا يُقبل لأنه ما بيننا وبين الله سبحانه وتعالى نسَب! وهذا لا يدخل في باب إساءة الظن بالله سبحانه وتعالى ولكن قد يفهم هذا ولذلك يقولون أن الخوف والرجاء كالجناحين للمؤمن لا يمكن أن يطير إلا بهما، فأنت يتوازن عندك جانب الخوف وجانب الرجاء، الخوف من الله سبحانه وتعالى ألا يقبل منك والرجاء في رحمة الله ألّا يردّك لكن في بعض الحالات يجب أن تغلّب أحدهما ففي مثل هذه الحالة وأنت تنفق وتتصدق تبلغ جانب الحذر والخوف ألا يقبل منك فتبالغ في إخفاء الصدقة ولكن إذا أقبلت على الله ولذلك يقال لا يلقينّ أحدكم ركبه إلا وهو يحسن الظن. أنت مقبل على الله فتحسن الظن بالله سبحانه وتعالى ولذلك يقول عبد الله بن مسعود أو غيره: إن المؤمن يخاف ألا يقبل عمله ويُردّ عليه وفي الوقت نفسه المنافق يسيء ويأمن ولذلك يجمع المؤمن بين العمل الصالح والخوف والمنافق والعاصي يجمع بين إساءة العمل وحسن الظنّ.
فمن فوائد هذه الآيات في قوله سبحانه وتعالى (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ونسب الخوف والوجل، والوجل هنا هو الخوف والاضطراب إلى القلوب ولو تأملت القلب في القرآن الكريم وكيف ذكره الله سبحانه وتعالى أنه أنزل القرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم قال (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) الشعراء) وذكر الله سبحانه وتعالى القلب في مواطن كثيرة من أعمال القلوب قال (فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ (18) الفتح) علم ما في قلوبهم من الإخلاص. عندما تتأمل في هذا الحقيقة أن الواحد منا يخاف ويُغلّب هذا الجانب الذي ذكره الله (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) ألا يقبل الله منهم لأن الله سبحانه وتعالى ليس بينه وبين أحد من الخلق نسب فلا مجاملة فإذا أشرك الإنسان أو رآءى بعمله تركه الله سبحانه وتعالى وشرك ولذلك قال: " أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ولهذا ينبغي على الواحد دائماً وهو يعمل وهو يدعو وهو يخطب وهو يصلي بالناس وهو يكتب ويؤلّف أن يراعي هذه المسألة الحساسة "إنما الأعمال بالنيات" وهذا الحديث العلماء رحمهم الله يقدّمونه في كتبهم وفي أعمالهم "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" والحقيقة أن هذا نبراس وهو مكرر في القرآن الكريم كثيرة الأمور بمقاصدها وبالنيات وكم يتفاوت العمل! أحياناً يصلي الاثنان بجانب بعض وبين عمليهما كما بين السماء والأرض بسبب النية، يعلم الله من نية هذا ومن الاقبال والخشوع والانكسار ويعلم من نية هذا من الغرور والاستكبار وفرّقت بينها النيّة (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ (51) الأحزاب) (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26) محمد) (وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ (1) الممتحنة) المسألة محط نظر الله عز وجل. ولذلك من فوائد التفسير الموضوعي عندما تأتي إلى الآيات التي تتحدث عن القلب في القرآن الكريم والأعمال فتجمعها في مكان واحد ثم تنظر حجمها الكبير وكيف ركّز الله عليها سبحانه وتعالى وكأنه يريد أن يجعلها أمامك في كل مكان حتى تنتبه أن عملك لا يُقبل إذا كان مفتقداً لعنصر الإخلاص مهما عملت إذا كان لا يوجد الإخلاص في هذا العمل باطل وأيضاً فوق الإخلاص لا بد أن يكون منهج النبي صلى الله عليه وسلم وعلى السنة وعلى المتابعة فلا بد أن يكون خالصاً لوجه الله وصواباً على منهج النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أن يُقبل! ولذلك عائشة رضي الله فهمت وهي الفصيحة العالمة قال: يا رسول الله هم الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر؟ قال: لا، بل هم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون ولكن بالرغم من كل هذا ينفقون ويخافون ألا يُقبل منهم. ما أجمل أن يكون الخوف بقلوب المؤمنين من ألا يقبل الله تعالى لهم في هذه الدرجة التي يبالغون فيها في محاسبة النية وفي مراجعة النية وفي النظر فيها وأعجبتني كلمة لأحد السلف عندما قال: ما عالج المرء شيئاً أشد عليه من نيّته. لأن الإنسان يدخل أحياناً في العمل وينهمك في العمل وينسى النية وينسى الاحتساب وينسى ما ينبغي عليه ألا ينساه من حسن التوجه والقصد إلى الله سبحانه وتعالى وأن يقصد بكلمته وجه الله تعالى وأن يراعي هذا في كلامه ويراعي هذا في كتابته ويراعي هذا في عمله لعل الله أن يقبل.
الإنسان لا يتكلف مسألة أنه يُظهر خشوعه أمام الناس بقدر ما يربي نفسه فيما بينه وبين ربه عز وجل فننظر إلى مثلاً الربيع بن الخثيم رضي الله عنه هذا الرجل عجب حتى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه دخلت عليه أمه وهو يصلي الليل فوجدته يبكي يبكي يبكي فلما انتهى قالت يا بني مه والله لكأنك قتلت نفساً! فقال نعم يا أمّ والله لقد قتلت نفساً فصاحت وقالت عجبي! قال قتلت نفسي يقصد بالذنوب والمعاصي رضي الله عنه. هي تقول والله لو علموا بك أهل من قتلت لعفوا عنك! قال قتلت نفسي بالمعاصي!. يزيد الرقاشي أحد الأئمة رحمة الله عليه كان كلما سمع لفظة النار كان يبكي ولا يستطيع أن يتمالك نفسه فقال له ولده معاتباً: يا أبتِ كلما سمعت لفظة النار في القرآن أُغشي عليك كأن النار ما خُلقت إلا لك! فنظر إليه وقال رضي الله عنه ويحك ثكلتك أمك وهل خُلقت النار إلا لأجلي ولأمثالي فما زال يبكي يبكي حتى غشي عليه. أولئك القوم كانوا مدرسة في الخوف من الله عز وجل!.
التأمل في آيات القرآن الكريم يعظّم في نفسك هذه المراقبة لأن آيات القرآن الكريم واضحة في التحذير وواضحة في الإنذار وواضحة في كشف الحقائق في الآخرة وواضحة في بيان عداوة الشيطان بالإنسان وماذا يريد منه فالذي يتأملها حقيقة لا يملك إلا أن يُكثر البكاء ولا يملك إلا أن يُكثر المحاسبة ولا يملك إلا أن يتهم دائماً نيته ويتهم نفسه ويحاسبها محاسبة شديدة لعله أن ينجو! ولذلك توقفنا عند هذه الآية لهذا السبب أنهم بالرغم من إحسانهم وصلاتهم وصيامهم وقيامهم وإنفاقهم إلا أنهم وقلوبهم وجلة (أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) خائفون من الحساب وخائفون من السؤال ومن أمثال هؤلاء الربيع والفضيل بن عياض وابراهيم بن أدهم والصحابة الكرام قبل ذلك رضي الله عنهم وأرضاهم كان الواحد منهم يقوم الليل بهذا القرآن ويبكي وقدوتهم في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل ويبكي يقرأ عليه عبد الله بن مسعود بحسب طلب النبي صلى الله عليه وسلم فيبكي، يأتي أبو بكر يقرأ القرآن فلا تُسمع تلاوته من نشيجه رضي الله وهو من أعلم الأمة بالقرآن وبالنبي صلى الله عليه وسلم فيبكي فهؤلاء هم القدوة. والحقيقة أن الوجل وقيامه بقلب المؤمن ليس تصنُّعاً وإنما هذا هو الصواب والذي يفعل ذلك فقد عرف الحقيقة ولذلك لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة عندما دلّه على الفرائض وقال: لا أزيد عليها ولا أنقص، فقال: عَرَفت فالزم. هذا هو الطريق لكن اصبر والتزم به لعل الله سبحانه وتعالى ينجيك يوم القيامة ولو تأملنا الآيات التي وردت في القرآن الكريم في القيامة يطير النوم من عين المؤمن لهول هذه المواقف وفظاعتها وشدّتها نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإنابة والخوف والوجل منه سبحانه وتعالى.
عبد الله بن المبارك أتاه رجل قال والله إني أعرف فلاناً قام البارحة بالقرآن كله في ركعة فقال ابن المبارك وأنا أعرف إنساناً قام البارحة بـ (ألهاكم التكاثر) ما استطاع أن يكملها!! نسأل الله أن يرزقنا وإياكم حسن التدبر في كتابه والتفقه فيه والعمل به.
 
من تفريغ الأخت الفاضلة أم جعفر جزاها الله خيراً هذا نص الحلقة السادسة

[FONT=&quot]الحلقة السادسة[/FONT]
[FONT=&quot]فضل الهجرة في سبيل الله[/FONT]
[FONT=&quot]وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100) النساء)[/FONT]
[FONT=&quot]اليوم سأروي لكم قصة ضمرة ابن جندب، فهل سمعتم بضمرة ابن جندب والآية التي نزلت في شأنه؟ هذه هي الآية التي سنتحدث بها في هذه الحلقة. هذه الآية في سورة النساء وهي الآية رقم 100 وكثير منا ربما لا يعرف ضمرة ابن جنذب رضي الله عنه الذي نزلت فيه هذه الآية. هو رجل كبير في السن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يهاجر إلى المدينة وبقي في مكة لكِبَر سنه، ونحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد عذر الرجال كبار السن والنساء من الهجرة وأما القادر على الهجرة فأوجب الله عليه الهجرة وقال (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ (98) النساء). فضمرة ابن جنذب رضي الله عنه جلس في مكة فعلاً ولكنه لم يتحمل البقاء في مكة وهو رجل كبير في السن والسفر مُتعِب له فتحامل على نفسه وخرج من مكة متوجهاً إلى المدينة. والمسافة بين مكة والمدينة طويلة تقريباً (450 ــــ460) كيلومتر خاصة في زمنهم، فيها جبال وهي شاقة جداً، وفعلاً أدركته منيّته في الطريق. أصلاً هو كبير في السن ولا يتحمل السفر فلما وصل إلى منتصف الطريق وشعر بدنوّ أَجَلِه ضرب كفّاً بكفّ - طبعاً ليس ندماً كما يضرب أحدنا كفاًّ بكفّ ندماً على فعل أو تصرف- لا، وقال: اللهم يا رب هذه كفّي مبايعة لرسولك صلى الله عليه وسلم. سبحان الله العظيم! القرآن يتنزل من العزيز الحكيم سبحانه وتعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهذا الرجل الكبير في السن الله في غنى عن هجرته وفي غنى عن الجهد الذي بذله وأدّى إلى وفاته في الطريق والأجل غير مرتبط بالمرض ولا بالسنّ. سبحان الله العظيم، هذه القصة نُقِلَت مباشرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. النبي جالس في المدينة وهذا ضمرة مات وحيداً في الطريق في الوسط فأنزل الله هذه الآيات يقول الله سبحانه وتعالى (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) يعني الذي يخرج من بلاد الكفر ويخرج مهاجراً "إلى الله"، هذا هو القيد، يعني لا تهاجر لأنك لا ترتاح في المنطقة أو مثلاً لم ترتح للجيران أو لم ترتح للخدمات "البنية التحتية" تريد أن تهاجر لأنك تريد أن تحصل على خدمات أحسن، هذه ما صارت هجرة إلى الله ولذلك قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ". لم يقل "فهجرته إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أو امرأة" بل قال فهجرته إلى ما هاجر إليه حتى لا تستحق أن تكررها مرة أخرى! أما بالنسبة من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله وكذلك هنا (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ) وهذا الذي حصل لضمرة، فماذا يا رب؟ فقد حبط عمله؟ قال لا، فقد وقع أجره على الله. فقد وقع أجره على الله يعني أخذ الحساب مقدّماً بمجرد خروجه من البيت، لا يُشترط لكي تُقبل هجرتك أنك تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتوقّع حضورك أنك وصلت وهذه بطاقتي وهذا رقمي، لا، أنت خرجت من بيتك مهاجراً إلى الله ونيتك صادقة اِنتهى أمرك، تأخذ حسابك مقدّماً فقد قال الله سبحانه وتعالى (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وهذا يمكن أن نسميها تأمين على الحياة، المهاجر في سبيل الله مؤمِّن على حياته. ونحن نفرح لما يؤمِّن أحد منا تأميناً شاملاً على سيارته التي لا يفوق سعرها أحياناً 30000 ريال و يفرح إذا جاءته أي صدمة أو حادث ليس عنده مشكلة مطمئن لأنه عنده تأمين من شركات أحياناً يمكن بعضها لا يدفع لك شيئاً! لكن الله سبحانه وتعالى يقول لا، الذي يخرج من بيته مهاجراً إلى الله مؤمّن على حياته، فقد وقع أجره على الله يصل أم لا يصل هذا ليس له علاقة بالموضوع. ونحن نتعامل مع الله سبحانه وتعالى بالنيّات الصادقة والنيات الصالحة فإذا صدقت نية المؤمن في جهاده وفي دعوته وفي علمه فإن الله يبارك في القليل ويتقبل ولو لم يتقبل الله من الإنسان إلا حسنة واحدة فإنه يضاعفها له. إذا تأملنا حديث الرجل صاحب البطاقة الذين يقولون أنه جاء يوم القيامة فطاشت موازين سيئاته من كثرة أعماله السيئة فقال الله سبحانه وتعالى اُنظروا هل بقي لعبدي من عمل صالح؟ فقالوا ما بقي له إلا بطاقة مكتوب فيها لا إلله إلا الله - وهذا حديث البطاقة حديث صحيح- فقال الرجل ماذا ستفعل هذه البطاقة أمام هذه الفظائع والسيئات؟!!! فلما وضعت في ميزانه رجحت بكل السيئات ففضل الله عظيم سبحانه وتعالى إذا صدقت النيّات وخلُصت لوجهه سبحانه وتعالى. ولذلك نلاحظ الآية عندما يقول عز وجل (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ) معناها المسألة مبنية على الإخلاص التام لوجه الله سبحانه وتعالى لا تشرك فيها أحداً من خلقه ولا تشرك في عمل لله سبحانه وتعالى أحداً من أهل الدنيا لذلك يقول سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: "أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاء عَنْ الشِّرْك، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي تَرَكْته وَشِرْكه". لذلك هذه رسالة لي وللإخوة المشاهدين: إياكم والشرك فإن هذا هو أظلم الظلم أنك تشرك مع الله غيره في عمل من الأعمال أو في عبادة وهو سبحانه وتعالى لا شريك له. [/FONT]
[FONT=&quot]ثم يقول (ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ). يدركه الموت فيها إشارة أن الأجَل هنا مقدّر ولا علاقة له بسفر ولا علاقة له بهجرة ولا علاقة له بحرب، أن الموت هو الذي أدركك ولذلك قال اللَّه سبحانه وتعالى في سورة النساء نفسها (أيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ (78)) ولذلك أحياناً بعض الناس عندما يُدعى إلى الهجرة - طبعاً الهجرة فيها صعوبة تخرج من بلدك وتخرج من بيتك، ولاحظ في الآية قال (مَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ) فيها إشارة إلى أنه ضغط على نفسه حتى خرج، لأنه مَنْ هو الذي يترك بيته؟! وإلى أين يذهب؟!! المهاجر في ذلك الوقت يذهب إلى المجهول لأنه ليس لديه بيت يذهب إليه وليس لديه مال يأخده معه وإنما كان المشركون إن سمحوا لك بالخروج فإنك تخرج بثيابك التي عليك فقط حتى صهيب الرومي كان تاجراً من تجارهم خرج بثوبه الذي عليه وسيأتي معنا إن شاء الله في إحدى القصص[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]هنا ضمرة ابن جندب خرج وأدركه الموت في الطريق فقال كما قلت أنه ضرب كفّاً بكفّ فأخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم وقال "اللهم هذه بيعتي لنبيك" فنقلها الله للنبي صلى الله عليه وسلم فقال (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) هنا عندما يقول (فقد وقع أجره على الله) إبهام الأجر يدل على عظمته. أنت تفرح لو قال لك رئيسك في القسم مكافأتك عندي مثلاً لو أعطى لزملائك أنت خذ 5000 وآخر 5000 ولكن أنت مكافأتك عندي، يشعر أحدنا بنوع من الثقة ما دام رئيس القسم هو الذي يتكفّل بمكافأتي سوف تكون بالتأكيد أحسن من زملائي فكيف إذا كان الملك؟! لو قال لنا الملك يا فلان إن مكافأتك عندي كيف سيكون شعور العبد حينها؟!!! أكيد سيكون شيئاً عظيماً لأن المكافأة ستكون مكافأة مجزية، ولله المثل الأعلى، فكيف الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ذكر مثل هذا (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) يعني أجره عليّ، تسألني عن عظمته يذهب الذهن في تخيّل عظمة الأجر كل مذهب. ولذلك عندما قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) الزمر) لن تستطيع التكلم عن هذا الأجر، كيف بغير حساب؟ يعني بغير حساب. وأيضاً عندما قال الله سبحانه وتعالى عن الصائمين في الحديث القدسي الصحيح: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" معناه أن أعمال بني آدم محددة الأجر، هذا فله عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى آخره لكن الصيام أجره على الله مفتوح يقدّره سبحانه وتعالى والله أكرم الأكرمين. فهنا الذي يخرج من بيته مهاجراً أولاً: خرج من بيته، ملكه الذي عاش فيه ومَلَكَه وخرج طوعاً واختياراً في سبيل الله ثم الأمر الثاني أنه مخلص في سبيل الله، والهجرة إلى الله سبحانه وتعالى معانيها عظيمة والخروج في سبيل الله والنبي صلى الله عليه وسلم هاجر وأيضاً سيدنا إبراهيم هاجر ومعظم الأنبياء هاجروا وخرجوا من بلادهم[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT][FONT=&quot]فالله سبحانه وتعالى هنا عندما تكفّل بالجزاء دلّ ذلك على عظمته. الأمر الثاني أن الهجرة مرتبطة في الأذهان بالغربة والفقر والحاجة أنت الآن عندما تخرج وتترك بيتك وبلدك وأهلك وتخرج إلى بلد مجهول وليس لديك مكان تأوي إليه لا شك أنها مظنّة العَوَز ومظنّة الفقر ومظنّة الانقطاع ومظنّة الموت لكن الله سبحانه وتعالى أزال كل هذه التوهمات وقال لا، الهجرة إلى الله سبحانه وتعالى باب انفتاح الرزق فقال الله سبحانه وتعالى في أول الآية (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً) مراغماً كثيراً أنه سيجد تحديات وسوف يجد عقبات ولكنه سيجد سعة أيضاً. حتى أن كلمة "سعة" كلمة جميلة فيها معنى الرزق ومعنى الخير في كل شيء وهذا الذي حدّث النبي صلى الله عليه وسلم عندما خرج مهاجراً من بيته فتح الله عليه وآمن الناس به وكوّن له دولة وأتباعاً وجيشاً ونشر الله دعوته بعد أن كان مُطارَداً في بلده. [/FONT]
[FONT=&quot]أيضاً من فوائد هذه الآيات أن العلماء تكلموا في تفسير هذه الآية أنها ليست خاصة بمن يهاجر في سبيل الله بمعنى الهجرة الإصطلاحي وهو الخروج من بلد الشرك إلى بلد الإيمان وإنما كل من خرج في طلب العلم أو في حج أو في طاعة فإنه يناله نصيب من هذا وأنه يصح فيه أنه خرج مهاجراً إلى الله ورسوله. ومن فوائد هذه الآيات أيضاً أن الرزق وسعة الرزق والنجاة من الإضطهاد لمن يهاجر في سبيل الله ولنصرة دينه وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين والله سبحانه وتعالى لا يُخلف الميعاد ولكن المشكلة هي في نيّاتنا وفي مدى صدقنا مع الله سبحانه وتعالى والتزامنا بهذا الوعد، وإلا انظر كيف خرج ضمرة ابن جندب رضي الله عنه ثم مات في الطريق! هو لم يعلم بهذه الآية التي نتحدث عنها اليوم ولم يكن يتوقع ضمرة رضي الله عنه أن قصته هذه سوف تبقى تُروى في كتب التفسير وأنها نزلت في القرآن الكريم وأن الله سبحانه وتعالى قد نقل قصته وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم وأنها أصبحت نمودجاً يُحتذى في التحامل على النفس والخروج في سبيل الله سبحانه وتعالى مع أن الله قد عذره في الهجرة ولكنه قال لا، لن أبقى في بلاد الشرك ويريد الذهاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ويذكرون في بعض القصص أنه كان يبكي ويتحسّر ويقول الناس يجالسون النبي صلى الله عليه وسلم ويستمعون إلى القرآن وأنا هنا بين المشركين وبين الأصنام فلذلك دفعته غيرته فهاجر ومات في الطريق لكنه بقي خالداً في صفحات التاريخ بصدق نيته. ولذلك أقول وأكرر أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا إخلاص النيّات كما ذكر السلف "ما عالج المؤمن شيئاً أشدّ من النيّة" لأن الإنسان يحبّ الدنيا ويحبّ حظّ النفس والشيطان يكمن في التفاصيل ويغريك بعَرَض الدنيا، فإذا وفِّق الإنسان إلى خلوص النية وتقبل الله سبحانه وتعالى منه عمله فقد وقع أجره على الله. ضمرة ابن جندب ليس قصة تاريخية نرويها وإنما هو نموذج لكل من يهاجر في سبيل الله مخلصاً صادقاً فإن الله قد بشّره وضمن له ضماناً لا شك فيه أنه قد وقع أجره على الله. أسأل الله أن يرزقنا جميعاً الإخلاص لوجهه سبحانه وتعالى وأن يكفينا شرور أنفسنا وأن يجعلنا من عباده المخلصين.[/FONT]
 
تحديث جدول الحلقات المفرّغة والتي لم تفرّغ بعد:
من الحلقة الأولى إلى الحلقة 10 (10حلقات)
الحلقة 12 و13 (حلقتان)
الحلقة 15 و16 (حلقتان)
من الحلقة 26 إلى الحلقة 29 (أربع حلقات) (وعذراً للخطأ في ترقيم الحلقات الأخيرة المرفوعة فمن المفترض أن تكون الحلقة 26 بدل 27 وهي الحلقة بعنوان ثمرات التقوى فقد ظننت أن مجموع الحلقات ثلاثون بينما هي فقط 29 حلقة)
مجموع الحلقات المفرّغة: 18 حلقة
الحلقات المتبقية: 11 حلقة
 
[FONT=&quot]قصة آية (16)[/FONT]
[FONT=&quot]ألا تحبون أن يغفر الله لكم[/FONT]
[FONT=&quot](يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٢١﴾ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴿٢٢﴾ النور)[/FONT]
[FONT=&quot]بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]حياكم الله أيها الإخوة الكرام في كل مكان في برنامجكم قصة آية الذي يأتيكم من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، هذا البرنامج رغبة في أن نعود إلى لتحلق حول آيات القرآن الكريم لتدبر ما فيها ومعرفة سبب نزولها، وقصص هذه الآيات العظيمة، وكيف كانت تنزل على نبينا محمد[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم ومتى كانت تنزل ولماذا نزلت وآياتنا في هذا اللقاء نزلت في سيدنا أبي بكر الصديق[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رضي الله عنه[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]حامل لواء الصدق والصدقة والتصديق[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رضي الله عنه[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وهو رجل الإسلام الثاني بعد النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم.[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وهذه الآية التي معنا هذا اليوم هي من الآيات التي وردت في سياق قصة الإفك في سورة النور، التي نزلت على النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]في المدينة.[/FONT]
[FONT=&quot]هذه الآية (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) لها قصة وهي تأتي طبعاً في سياق قصة الإفك التي نزلت على النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]بعد اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة من المنافقين، ومن وقع في حبال المنافقين من المؤمنين، فكان من ضمن من اتهم عائشة رضي الله عنها بهذه التهمة الشنيعة ممن نقل الكلام وتهاون فيه مِسْطَح بن أُثاثه. ومِسْطَح بن أُثاثه قريب لأبي بكر الصديق، والد عائشة رضي الله عنها، فلما نزلت آيات الإفك (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ) وتبين لأبي بكر الصديق أن مسطح بن أثاثه كان من ضمن الذين يتهمون ابنته عائشة وكان أبو بكر الصديق ينفق على مسطح يعطيه، يحاول أن يصرف عليه وينفق عليه لأنه فقير وهو ابن عمته قريب له فلما عرف أبو بكر أن مسطح ممن يقع في عرض ابنته عائشة أقسم بالله أن لا ينفق عليه بعد اليوم ولا ينفعه بنافعة، فأنزل الله هذه الآية فقال الله سبحانه وتعالى (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ) يأتلِ يعني يحلف (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) يعني أصحاب السعة والغنى والمال (أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) أبو بكر الصديق هو مدرسة في الاستجابة لأمر الله ورسوله، ومدرسة بكل معنى الكلمة[/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot] يعني إذا أردت أن تجعل لمدرسة الاستجابة لله ولرسوله والانقياد والتسليم والخضوع التام فسمِّها مدرسة أبو بكر الصديق[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT][FONT=&quot]ولذلك بعض الناس عندما يأتي إلى الأحاديث النبوية يجد أن أبي بكر الصديق هو أطول شخص صحب النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]من بعثته إلى وفاته، ولكنه لا يجد له من الأحاديث التي رواها الكثير. أبو هريرة صاحب النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ربما ثلاث سنوات أو أقل أو يعني ما يقارب ثلاث سنوات وزيادة ولكنه روى خمسة آلاف وأربع مئة وثلاثة وسبعون حديثاً تقريباً، ما يقارب هذا الرقم، بينما أبو بكر الصديق لم يروي مثل هذا العدد. كذلك في تفسير القرآن الكريم تجد ابن عباس له أقوال كثيرة في التفسير، وعلي بن أبي طالب له أقوال، عبد الله بن مسعود، أبو بكر الصديق لا تجد له إلا أقوالاً محدودة جداً. لكن بالرغم من ذلك هو رجل الإسلام الثاني، إذا غاب النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]يحضر أبو بكر في كل المناسبات. ولذلك كان يقول أحد الصحابة قال ما كان أكثر ما يقول النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم"[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]دخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر"، يقول لعمر[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رضي الله عنه. فأبو بكر[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رضي الله عنه[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]نزلت فيه عدة آيات منها هذه الآية عندما أقسم أن لا ينفق على مسطح بن أثاثه بعد ذلك الفعل الذي فعله ووقع في عرض ابنته عائشة، فخاطب الله في أبي بكر الصديق عاطفة الإيمان هذه وقال (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا) ذو القربى وقدّم وذكره بقرابته منه (الْمَسَاكِين وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا) فمباشرة أبو بكر الصديق[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رضي الله عنه[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وتحدثنا في إحدى اللقاءات عن قول الله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ )، لا، أبو بكر ليس من هذا النوع، أبو بكر مجرد أن سمع الآية (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) قال بلى والله، إي والله، بلى والله أحب أن يغفر الله لي، فأرجع النفقة على مسطح ولم يقطعها حتى مات. انظر الموقف الذي كان فيه أبو بكر الصديق، ابنته عائشة رضي الله عنها زوج النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]يتهمها المنافقون بأنها وقعت في الزنا ويشيعون هذا، تأذّى النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أذىً لا يعلمها إلا الله من هذه التهمة، ولا أشدّ على المؤمن بأن يتهم في عِرْضه. يهون على المسلم- بل وأقول يهون حتى على العرب قبل الإسلام- أن يُتّهم الإنسان في ماله أو أن يُصاب في جسمه ولكن يسلم عِرْضه، أما أن يصاب في عِرْضه، فهذا هو الصعب ولذلك يقول الشاعر يقول: [/FONT]
[FONT=&quot]يهون علينا أن تُصابَ جسومنا وتسلم أعراضٌ لنا وعقول [/FONT]
[FONT=&quot]ويقول حسان بن ثابت: [/FONT]
[FONT=&quot]أصون عرضي بمالي لا أدنّسه لا بارك الله بعد العِرْض في المال [/FONT]
[FONT=&quot]ويقول السموأل بن عاديا وهو شاعر يهودي قبل الإسلام: [/FONT]
[FONT=&quot]إذا المرء لم يدنس من اللؤم عِرْضه فكل رداءٍ يرتديه جميل [/FONT]
[FONT=&quot]وإن هو لم يحمِل على النفس ضيمَها فليس إلى حُسْنِ الثناء سبيل[/FONT]
[FONT=&quot]فلاحظ أهمية العرض عند المسلم وعند العربي. فهذا يُتهم في عرضه عليه الصلاة والسلام وهي ابنة أبي بكر الصديق! فأبو بكر الصديق الآن يعني من مصاب من جهتين، مُصاب من جهة الرسول[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]لأنه أحب الناس إليه[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ومُصاب من جهة ابنته. ثم من هو الذي يفعل ذلك؟! قريبه، وليس مجرد قريب وإنما الذي أحسن إليه، يعني العودة إلى الإحسان إلى هذه النوعية صعبة جداً لكن بالرغم من ذلك قال أبو بكر الصديق: بلى والله أحب أن يغفر الله لي. وهذا درس لي ولك ولكل من يشاهدنا في الاستجابة لأمر الله ورسوله، هنا الاختبار عندما يكون مراد الله سبحانه وتعالى مخالفاً لهواك ولحظّ نفسك تستجيب، هنا المقياس. أما إذا صار هواك أنت يوافق أمر الله ورسوله فأتيت أمر الله وأمر رسوله لأنه وافق هواك ما صنعت شيئاً! لكن عندما يكون أمر الله وأمر رسوله مخالفاً لهواك، فتقدِّم أمر الله وأمر رسوله على هواك هنا يظهر حقيقة الإيمان. وأبو بكر الصديق ما شاء الله تبارك الله لا يدخل اختباراً من هذا النوع إلا ويحصل فيه على الدرجة الكاملة، ولذا سمي الصديق، لأنه كان يسارع إلى تصديق النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]ومن الطرائف أن النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]لما جاء في مكة أُسريَ به إلى بيت المقدس وعُرِج به إلى السماء ونزل ورجع قبل الفجر، فالرسول[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أخبر الناس بهذا ولم يبلغ هذا أبا بكر بعد، فقال له بعض المشركين هل سمعت ماذا قال صاحبك؟ قال: ماذا قال؟ قال: يقول أنه أُسري به إلى بيت المقدس وإلى السماء وعاد من ليلته ونحن نضرب أكباد الإبل شهراً حتى نصل إلى بيت المقدس! فقال كلمة جميلة تدل على منهجية أبي بكر في المسألة، فقال: إن كان قال ذلك فقد صدق، لكن أهم شيء أنه يثبت أنه هو الذي قال ذلك.[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]إن كان قال ذلك فقد صدق، قالوا وكيف؟ قال أنا أصدقه بما هو أبعد من ذلك، أنا أصدقه بخبر السماء، القرآن الوحي الذي يأتيه يأتيه من السماء، ألا أصدّقه إلى بيت المقدس؟![/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]انظر منهجية الانقياد والاستسلام لأمر الله ورسوله إذا ثبت عندك ما أسهلها على قلوب المؤمنين الصادقين. ولكنها لبعض الناس فتنة والعياذ بالله، يعني التردد والشك والريبة، هذه ما عند أبي بكر الصديق، أبو بكر الصديق ما عنده إلا التسليم والانقياد ومتابعة النبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم وعدم التقدّم بين يديه، وعدم رفع الصوت عنده، سبحان الله العظيم! ولذلك حتى في يوم الحديبية يحاول عمر أنه يغيّر البنود، هذه بنود قاسية التي كتبها علينا المشركون، أنه إذا أسلم أحدٌ منهم نردّه إليهم, وإذا ارتدّ أحد منا فإننا لا نطالب به، فقال: يا رسول الله كيف نعطي الدنيّة في دينه؟!! فقال أبو بكر لعمر: يا عمر هذا رسول الله[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]ولن يضيّعه الله، اللهم صلِّ وسلم عليه. أنا أقول لنفسي وللإخوة الكرام ليتنا نقرأ سيرة أبو بكر الصديق مرة أخرى، وأنا أنصح بقراءة كتاب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله "أبو بكر الصديق"، وهناك كتب كثيرة في سيرة أبي بكر الصديق. أبو بكر الصديق عند كثير من الناس مجهول، كل الذي نعرفه أنه الخليفة الأول للنبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم،[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]أنه أمير المؤمنين، لكننا لا نعرف هذه التفاصيل عن سيرة حياته[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رضي الله عنه.[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]هذه الآية هي تذكر لنا جانباً من جوانب شخصية أبي بكر الصديق وهي سرعة الاستجابة والانقياد لأمر الله ورسوله. أن رجلاً يقع في عرض ابنته ويتهمها بالوقوع في الفاحشة، وأنه قد أحسن إليه من قبل ذلك ثم يطعن في عرض أبي بكر ويسيء إليه، ثم يعود أبو بكر ويرغم نفسه ويدعس على مشاعره ويعيد النفقة لمسطح بن أثاثه حتى يموت أبو بكر الصديق وهو ما زال ينفق على مسطح رضي الله عنهم أجمعين[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot].[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]هذا درس لنا جميعاً أن الإنسان يخالف هواه مقابل أنه يطيع أمر الله ورسوله وأن يستجيب لأمر الله ورسوله، ولذلك قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وقال الله سبحانه وتعالى في أول سورة البقرة عندما قال الله سبحانه وتعالى (ألم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى) لمن؟ قال (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) ثم ذكر صفاتهم فقال (الَّذِينَ َيُقِيمُونَ الصَّلاة ويؤتِون الزكاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4))[/FONT]
[FONT=&quot]الشاهد منها (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة ). الإيمان بالله ليس سهلاً، تؤمن بالجنة، وتؤمن بالنار، وتؤمن بالملائكة، وتؤمن بكل التفاصيل بالغيب، وأنت لم ترى شيئاً إلا مجرد الإيمان والتصديق! ولذلك ديننا قائم إذا صدّقت وآمنت بالنبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]وآمنت بأنه كل ما جاء به وحي، فأنت ملزم بكل التفاصيل والإيمان بها، وفيها الكثير من الغيوب. أبو بكر الصديق أنا اعتبره النموذج رقم واحد في الإيمان بالغيب، كان[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]رضي الله عنه[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]نموذجاً، يعني كان موجوداً في عصر الصحابة ولمن بعدهم في التسليم للنبي[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]والانقياد له[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]صلى الله عليه وسلم[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot].تعريف الإسلام أخذناه في أول ابتدائي "الإسلام هو الاستسلام لله[/FONT][FONT=&quot] [/FONT][FONT=&quot]بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشك". والله اليوم إن الواحد منا يراجع نفسه في هذه الحقائق البسيطة نجد عندنا خللاً فيها، ألا وهو الاستسلام لله ولانقياد لأوامره، الآن أصبح الانقياد فيه أسئلة كثيرة، ما هو بالاستجابة الصحيحة، يعني نطعن في الأحاديث الصحيحة لأنها تخالف أهواءنا، ونردّ الفهم الصحيح للسلف في الآيات القرآنية لأنها تخالف أهواءنا، ونحاول أن نلتف على هذه الأحاديث وهذه الأدلة بحجج ذكية أحياناً وبطرق مختلفة لأننا لا نريد أن ننقاد ولا نسلِّم ولا نستجيب[/FONT][FONT=&quot] .[/FONT][FONT=&quot][/FONT]
[FONT=&quot]أبو بكر الصديق أذكى وأعلم وللعلم أبو بكر الصديق من أعلم الصحابة ومن أعلم قريش بالأنساب، لكنه كان مع النبي[/FONT][FONT=&quot] صلى الله عليه وسلم صامتاً يتلقّى ويستجيب ويدفع ويدافع رضي الله عنه وإلا لو شاء أبو بكر الصديق أن يكون أروى الصحابة للحديث لما غلبه أحد لأن علم الأنساب من أصعب العلوم لكثرة تشابكه، وبالرغم من ذلك كان هو أنسب قريش، وعائشة رضي الله عنها استفادت من أبيها في هذا الجانب وكانت من النسّابات رضي الله عنهم أجمعين. نعود ونلخِّص قصة هذه الآية وهي قول الله سبحانه وتعالى (وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) أي لا يحلف بالله ويقسم بالله العظيم ذو الفضل منكم وذو السعة في المال قال (أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أن يعطوهم ويتصدقوا عليهم وينفقوا عليهم، وذكرنا أنها قصة مسطح بن أثاثه عندما وقع في عرض عائشة، وبالرغم من ذلك رجع أبو بكر وأعاد النفقة استجابةً لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم والإخوة المشاهدين في كل مكان من المستجيبين المنقادين لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يتوفّانا ونحن على ذلك غير مفرّطين [/FONT]
 
عودة
أعلى