سمر الأرناؤوط
Member
- إنضم
- 07/05/2004
- المشاركات
- 2,562
- مستوى التفاعل
- 13
- النقاط
- 38
- الإقامة
- الخبر - المملكة ا
- الموقع الالكتروني
- www.islamiyyat.com
قصة آية (17)
لا خيار للمؤمنين
(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) النور)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حياكم الله أيها الإخوة الكرام في برنامجكم قصة آية هذا البرنامج الذي يأتيكم برعاية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته وأن ينفعنا ويرفعنا وإياكم بالقرآن العظيم .
اليوم سوف نتوقف مع آية من آيات سورة النور تشير إلى موقف الصحابة الكرامة رضي الله عنهم من أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وكيف بلغ الصحابة الكرام والسلف الأوّلون هذه المنزلة الرفيعة الإسلام في استجابتهم وانقيادهم لأوامر الله سبحانه وتعالى، وما ينبغي علينا نحن الأتباع من الاقتداء بهؤلاء السلف الكرام رضي الله عنهم.
الصحابة الكرام رضي الله عنهم تميزوا بصفة الانقياد التام للنبي صلى الله عليه وسل.م والمتأمل لآيات القرآن الكريم يجد هذا واضحاً جلياً من البقرة إلى سورة النور التي ذكرتها هنا ويجد على ضد من ذلك بنو إسرائيل كانوا يرفضون، كلما قال لهم موسى عليه الصلاة والسلام طلب منهم طلباً أو أمرهم بأمر تلكأوا، حتى بعضها طلبات بسيطة يعني ليست طلبات لا جهاد ولا أشياء تحتاج إلى مشقة وبالرغم من ذلك تلكأوا. على سبيل المثال في سورة البقرة، قال الله سبحانه وتعالى عندما قتل أحد بني إسرائيل ولم يستطيعوا أنهم يتعرفوا عليه فأوحى الله إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن اذبح بقرة واضربوا هذا الميت ببعض هذه البقرة وسوف يحييه الله، وهذا من فضل الله عليه. قال لهم (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أول شيء فيهم قلة أدب مع أنبيائهم وسوء أدب، والأمر الثاني تلكؤ عن الاستجابة للأوامر، فلسفة! قال (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ). تجاوزوا النقطة (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) يعني وسط لا هي كبيرة في السن فارِض ولا بكر حديثة الولادة (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لونهَا ) نريد أن تحدد اللون بدقة. (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) قالوا لا، نحتاج لمزيد إيضاح (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا) يعني ما بقي إلا أن يحددها لهم بنفسه، يقول هذه هي اذبحوا هذه! فهذا من علامات تلكؤ بني إسرائيل وعصيانهم لأنبيائهم. ولذلك سورة البقرة مائتان وستة وثمانون آية اختُصرت حكمتها في قصة البقرة، ما معناها؟ معناها اُنظروا يا أمة محمد إلى صنيع بني إسرائيل مع أنبيائهم كيف كانوا يفعلون، يتمرّدون على الأوامر، يتلكأون في التنفيذ، يسخرون، يستهزئون، وما المطلوب منا يا رب؟ قال اجتنبوا هذا الأسلوب، وأطيعوا، وانقادوا للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء في آخر سورة البقرة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ) لأنه لا يخلو إنسان من تقصير (رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير) فالله سبحانه وتعالى إكراماً لهم قال لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أبشِروا استجابتكم هذه وانقيادكم أنا لن أكلفكم إلا ما تستطيعون والذي لا تستطيعونه معفوٌ عنه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ) ثم ألهمهم هذا الدعاء الذي لم يلهمه أمة من الأمم في قوله سبحانه وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). ما أجمل الاستجابة والانقياد لأوامر الله، وترك الفلسفة، وكثرة التنطع، وكثرة التلكؤ! وكذلك في الآيات التي في سورة النور (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) بنو إسرائيل في آيات أخرى قالوا سمعنا وعصينا. ولذلك هذا درس عظيم لنا نحن المسلمين وحتى اليوم والله إنك تجد الآن أحياناً أوامر الله ورسوله واضحة جداً في القرآن الكريم، وفي السُنة في البخاري ومسلم، ثم تجد من بيننا من يقول: لكن الحديث فيه كلام هو في نفسه هوى لا يريد أنه ينفِّذ، يقال له ما الحكم في قضية الحج؟ في الطواف؟ وفي السعي؟ فيقال له هذه الدليل وهذا صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا، لكن هناك قول لأحد العلماء، يحاول أنه يتملص ويتخلص من أوامر الله ورسوله، ويقول قال فلان وقال علّان، حتى تجرأ الناس على التملّص من أحكام الله ورسوله. وإلا الموقف الصحيح والسليم الذي أثنى الله عليه وعلى أهله هو الانقياد التام، ولذلك نعلّم طلابنا وأبناءنا في أولى ابتدائي المقصود بالإسلام، وما هو الإسلام أصلاً؟ الاستسلام .قالوا: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهله. فتقول إنك مسلم وأنت لا تنقاد لأوامر الله؟! ما هو الإسلام إذن؟! تقول أنك مسلم وأنت لا تستسلم لأوامر الله وتطيعه؟! طبعاً ليست كل أوامر الله على هواك، الله سيأمرك بالجهاد، ما هو على هواك ولكنه الخير ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) واضحة الأوامر هذه. الله سبحانه وتعالى يأمرك بالزكاة، طبعاً قد يقول قائل الزكاة طبعاً نصابها اثنين ونصف في المئة لا يؤثر على المال القليل، لكن واحد عنده مليارات فإذا رأى أن الزكاة مائتين وخمسين مليون زكاة؟! قال والله مائتين وخمسين هذه كثير!! قال ما يجوز!! انظر كيف نظر إلى مائتين وخمسين مليون التي هي نصاب الزكاة، وغفل عن المليارات التي رزقه الله بها، فيُقنعه الشيطان أن مائتين وخمسين مليون لا، دعنا نطلع خمسين مليون، والمئتين أعمل بها مشروعات فيدخل عليه الشيطان من هذا الجانب، هذا لم يستسلم لأوامر الله ورسوله ولم ينقد .
وأذكر أحد كبار التجار حدثني يوماً يقول: غفر الله لي في يوم من الأيام رأيت نصاب الزكاة كبيرة، فقلت للعمال والموظفين، يعني لو تحاولون تغيرون في الحسابات بحيث أن مبلغ الزكاة يقلّ يصير بدل مائتين وخمسين مليون يصير يعني أربعين ثلاثين وأنا أتصرف في الباقي، قال سبحان الله العظيم عوقبت عقاباً عاجلاً، قال فاحترقت المخازن، عنده مخازن كبيرة جداً، قال أصيبت بحريق والله يقول ما أدري ما هو، هل كان التماس كهربائي، قال أنا أول ما سمعت قالوا لي حاصل حريق قلت خذ أخرج المائتين وخمسين مليوناً .قال أول قرار اتخذته أن أُخرج الزكاة هذه مباشر، واستغفرت الله سبحانه وتعالى، وقال وتم إطفاء الحريق، وعرفت مباشرة أن العبث في هذه الأشياء، أنت تتعامل مع رب ولا يمكن أن تضحك عليه! ما هو بهذا مصلحة الزكاة والدخل وأنت تتعامل بصدق، الله سبحانه وتعالى يقول رزقني ومبارك لي وأعطاني وأني أضعف في اللحظة الضعيفة هذه لأني تكابرت المبلغ وأحسست أن هناك فرصة أنني أعبث بها، وقس على ذلك، فلاستسلام والانقياد لأوامر الله ورسوله يجب أن يكون في نصف عيناك دائماً، وأن هذه هي صفة المؤمنون ولذلك قال (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) انظر الحصر يعني لم يقل لهم قول غيره أبداً وصدق الله ورسوله، أبشِر أطعنا سمعنا وأطعنا، يدعون إلى الجهاد، أبشِر بل ويتنافسون بالمال يدعون إلى البذل فيتنافسون، يدعون إلى الصدقة فيتنافسون ولما جاء المهاجرون إلى الأنصار يتنافسون في إيوائهم وهكذا، ويؤثر بعضهم على بعض، هذه صفة المؤمن الصادق الإيمان كامل الإيمان، أنه يقول سمعت وأطعت لأوامر الله ورسوله ولو خالَفَت هواك. ولذلك زينب بنت جحش رضي الله عنها لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم يا زينب تزوجي زيد بن حارثة، هي امرأة شريفة ونسيبة وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم .أتزوج مولى؟!! غير مقبولة في العرف الاجتماعي أبداً، فلما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك تزوجت زيداً، أبشِر، سمعنا وأطعنا. فلما تزوجت زيد وقدّر الله وطُلِّقت من زيد زوّجها الله بالنبي صلى الله عليه وسلم مكافأة لاستجابتها لأمر الله ورسوله. ولذلك أم سلمة رضي الله عنها تقول في كلمة جميلة "مات أبو سلمة" والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أصيب بمصيبة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها" يقول النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبدله الله خيراً منها. قالت: فأنا قلت هذا الدعاء وأنا أقول في نفسي ومن هو الذي يأتي خيراً من أبي سلمة؟ كانت تحب زوجها قالت: فأبدلني الله بالرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من أبي سلمة ففضل الله عظيم والانقياد لأوامر الله سبحانه وتعالى آثاره ستنعكس على حياة المسلم وعلى أخلاقه وعلى أولاده وعلى ماله وعلى علمه بشكل مبارك يلمسه في تفاصيل حياته. ولذلك الصحابة رضي الله عنهم كان ثمن انقيادهم وتسليمهم لأوامر الله أن جعل الله درجاتهم عالية جداً عنده وجعل النبي صلى الله عليه وسلمفضلهم لا يمكن لأحد بعدهم أن يدركه، ولذلك قال يوماً لما بلغه أن بعضهم يسب بعض الصحابة، فقال: لا تسبوا أصحابي فوالله لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهب ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. مع أنه لا يمكن ويستحيل أن أحداً يستطيع أن ينفق مثل أُحد ذهباً!، من هو الذي يملك مثل أُحُد ذهباً أصلاً؟ مثل جبل أحد، جبل أحد جبل ضخم جداً ثم يكون ذهباً هذا مستحيل! لكن لو حصل أن أحد أنفق مثل هذا الإنفاق فهو لا يوازي نصف مُدّ أحد الصحابة رضي الله عنهم فليتوقف الذين يسبّون الصحابة الكرام فإنهم لن يستطيعوا أن يبلغوا مبلغهم. والعجيب أن هناك من الذين ينتسبون للإسلام وهم هؤلاء الرافضة الإثنا عشرية يتقربون إلى الله بسب أبي بكر وهو أفضل الصحابة، وبسب عثمان، وبسب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ،انظر إلى هذا الدين الباطل الذي ليس من الإسلام في شيء، يتقربون إلى الله بسب هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم فهؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء! والرسول يقول لو أنفق أحدكم لن يبلغ مدّ أحدهم فكيف الذي يسبهم ويقع في أعراضهم، ويقيم دينه على سب هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين وصفهم الله في هذه الآية وقال (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا). هذه الآية العظيمة في الحقيقة معناها متكرر في مواضع كثيرة في القرآن الكريم من الانقياد والسمع والطاعة، وتأمل أنت حتى في القصص السابقة الأنبياء السابقين كيف كان يتعامل هؤلاء الأقوام مع أنبيائهم؟ اُنظر مثلاً في قوم نوح وصنيعهم مع نوح، اُنظر إلى الأتباع دعك من الذين كذّبوا ولكن حتى الأتباع الصالحين، انظر مع موسى عندما خرج ببني إسرائيل من فرعون ومن مصر، ولما أنجاهم الله أخرجهم الله وأنجاهم بمعجزة عجيبة وهي أن الله شق لهم البحر، هم رأوا هذا بأنفسهم، ورأوا فرعون وهو يغرق وما أن خرجوا من البحر ما جفّت أقدامهم إذا بهم يقولون يا موسى، اجعل لنا إلهاً كما لهم آله، يطلبون الشرك بالله سبحانه وتعالى! يقول لهم موسى ادخلوا بيت المقدس، أراد بهم أن يدخل بهم إلى فلسطين ويحاربون أهلها ويتمكنون، قالوا اذهب أنت وربك فقاتل إنا هاهنا قاعدون! هذا الخذلان، ولذلك عاقبهم الله فبقوا في تلك الصحراء أربعين سنة، ومات موسى وجاء بعده تلميذه يوشع بن نون ودخل بهم. فالشاهد انظر إلى بني إسرائيل، انظر أيضاً إلى قصة أصحاب طالوت معاهم، عندما قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ (247) البقرة) واليهود أصحاب فلوس وأصحاب اقتصاد دائماً هي الفلوس مقدمة عندهم والمال، فأيضاً خذلوا وتخاذلوا عنه وقال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ (249) البقرة) هؤلاء الصفوة، شربوا أكثرهم والله يقول (قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) قال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ) حتى الخذلان وعدم الطاعة والعصيان وعواقبها! الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا أهل انقياد، وأهل طاعة، وينبغي علينا نحن أن نكون كهذا، وينبغي أن يكون المؤمن أن يقدّم أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أمر وعلى هواه في الصلاة، وفي الزكاة، وفي الحج، وفي الصدقة، وفي البذل، وفي الجهاد، وفي الدعوة، دائماً قدِّم أمر الله على أمر نفسك، قدِّم حاجة الدين وحاجة الدعوة على حاجتك الشخصية، وستجد ثمرة ذلك بركةً في علمك وفي وقتك وفي مالك وفي أبنائك. بعض الناس يتردد أنه ينفق ألف ريال أو ألفين ريال ويقول هذا أدفعها قسط في كذا ولا يعلم أنه لو أنفقها في سبيل الله لأخلف الله عليه ولبارك الله له في أولاده، بعض الناس يمنع حق الله، فيبتلى في أمراض في زوجته وفي أولاده ينفق الآلاف وهو يعالج. ولذلك عندما يقال داووا مرضاكم بالصدقة، وأنفق في سبيل الله، يكفيك الله سبحانه وتعالى أموراً لو فتحها عليك لما وسعتها أموالك. والذي يتعامل مع الله سبحانه وتعالى بالإخلاص، والنية الطيبة والصادقة في الإنفاق، وفي البذل، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يكفيه الله سبحانه وتعالى ما أهمه، وفي إحدى الحلقات كنا تكلمنا عن قوله تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم التقوى، والإخلاص، والاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، والانقياد له في كل ما أمرنا به والانتهاء عن كل ما نهانا عنه، وأن يجعلنا مخلِصين له سبحانه وتعالى حتى نلقاه، ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
لا خيار للمؤمنين
(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) النور)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حياكم الله أيها الإخوة الكرام في برنامجكم قصة آية هذا البرنامج الذي يأتيكم برعاية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته وأن ينفعنا ويرفعنا وإياكم بالقرآن العظيم .
اليوم سوف نتوقف مع آية من آيات سورة النور تشير إلى موقف الصحابة الكرامة رضي الله عنهم من أوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وكيف بلغ الصحابة الكرام والسلف الأوّلون هذه المنزلة الرفيعة الإسلام في استجابتهم وانقيادهم لأوامر الله سبحانه وتعالى، وما ينبغي علينا نحن الأتباع من الاقتداء بهؤلاء السلف الكرام رضي الله عنهم.
الصحابة الكرام رضي الله عنهم تميزوا بصفة الانقياد التام للنبي صلى الله عليه وسل.م والمتأمل لآيات القرآن الكريم يجد هذا واضحاً جلياً من البقرة إلى سورة النور التي ذكرتها هنا ويجد على ضد من ذلك بنو إسرائيل كانوا يرفضون، كلما قال لهم موسى عليه الصلاة والسلام طلب منهم طلباً أو أمرهم بأمر تلكأوا، حتى بعضها طلبات بسيطة يعني ليست طلبات لا جهاد ولا أشياء تحتاج إلى مشقة وبالرغم من ذلك تلكأوا. على سبيل المثال في سورة البقرة، قال الله سبحانه وتعالى عندما قتل أحد بني إسرائيل ولم يستطيعوا أنهم يتعرفوا عليه فأوحى الله إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن اذبح بقرة واضربوا هذا الميت ببعض هذه البقرة وسوف يحييه الله، وهذا من فضل الله عليه. قال لهم (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أول شيء فيهم قلة أدب مع أنبيائهم وسوء أدب، والأمر الثاني تلكؤ عن الاستجابة للأوامر، فلسفة! قال (أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ). تجاوزوا النقطة (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) يعني وسط لا هي كبيرة في السن فارِض ولا بكر حديثة الولادة (فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ) (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لونهَا ) نريد أن تحدد اللون بدقة. (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) قالوا لا، نحتاج لمزيد إيضاح (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ) (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا) يعني ما بقي إلا أن يحددها لهم بنفسه، يقول هذه هي اذبحوا هذه! فهذا من علامات تلكؤ بني إسرائيل وعصيانهم لأنبيائهم. ولذلك سورة البقرة مائتان وستة وثمانون آية اختُصرت حكمتها في قصة البقرة، ما معناها؟ معناها اُنظروا يا أمة محمد إلى صنيع بني إسرائيل مع أنبيائهم كيف كانوا يفعلون، يتمرّدون على الأوامر، يتلكأون في التنفيذ، يسخرون، يستهزئون، وما المطلوب منا يا رب؟ قال اجتنبوا هذا الأسلوب، وأطيعوا، وانقادوا للنبي صلى الله عليه وسلم ولذلك جاء في آخر سورة البقرة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ) لأنه لا يخلو إنسان من تقصير (رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير) فالله سبحانه وتعالى إكراماً لهم قال لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أبشِروا استجابتكم هذه وانقيادكم أنا لن أكلفكم إلا ما تستطيعون والذي لا تستطيعونه معفوٌ عنه (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ) ثم ألهمهم هذا الدعاء الذي لم يلهمه أمة من الأمم في قوله سبحانه وتعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ). ما أجمل الاستجابة والانقياد لأوامر الله، وترك الفلسفة، وكثرة التنطع، وكثرة التلكؤ! وكذلك في الآيات التي في سورة النور (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) بنو إسرائيل في آيات أخرى قالوا سمعنا وعصينا. ولذلك هذا درس عظيم لنا نحن المسلمين وحتى اليوم والله إنك تجد الآن أحياناً أوامر الله ورسوله واضحة جداً في القرآن الكريم، وفي السُنة في البخاري ومسلم، ثم تجد من بيننا من يقول: لكن الحديث فيه كلام هو في نفسه هوى لا يريد أنه ينفِّذ، يقال له ما الحكم في قضية الحج؟ في الطواف؟ وفي السعي؟ فيقال له هذه الدليل وهذا صريح قول النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا، لكن هناك قول لأحد العلماء، يحاول أنه يتملص ويتخلص من أوامر الله ورسوله، ويقول قال فلان وقال علّان، حتى تجرأ الناس على التملّص من أحكام الله ورسوله. وإلا الموقف الصحيح والسليم الذي أثنى الله عليه وعلى أهله هو الانقياد التام، ولذلك نعلّم طلابنا وأبناءنا في أولى ابتدائي المقصود بالإسلام، وما هو الإسلام أصلاً؟ الاستسلام .قالوا: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والخلوص من الشرك وأهله. فتقول إنك مسلم وأنت لا تنقاد لأوامر الله؟! ما هو الإسلام إذن؟! تقول أنك مسلم وأنت لا تستسلم لأوامر الله وتطيعه؟! طبعاً ليست كل أوامر الله على هواك، الله سيأمرك بالجهاد، ما هو على هواك ولكنه الخير ولذلك قال الله سبحانه وتعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) واضحة الأوامر هذه. الله سبحانه وتعالى يأمرك بالزكاة، طبعاً قد يقول قائل الزكاة طبعاً نصابها اثنين ونصف في المئة لا يؤثر على المال القليل، لكن واحد عنده مليارات فإذا رأى أن الزكاة مائتين وخمسين مليون زكاة؟! قال والله مائتين وخمسين هذه كثير!! قال ما يجوز!! انظر كيف نظر إلى مائتين وخمسين مليون التي هي نصاب الزكاة، وغفل عن المليارات التي رزقه الله بها، فيُقنعه الشيطان أن مائتين وخمسين مليون لا، دعنا نطلع خمسين مليون، والمئتين أعمل بها مشروعات فيدخل عليه الشيطان من هذا الجانب، هذا لم يستسلم لأوامر الله ورسوله ولم ينقد .
وأذكر أحد كبار التجار حدثني يوماً يقول: غفر الله لي في يوم من الأيام رأيت نصاب الزكاة كبيرة، فقلت للعمال والموظفين، يعني لو تحاولون تغيرون في الحسابات بحيث أن مبلغ الزكاة يقلّ يصير بدل مائتين وخمسين مليون يصير يعني أربعين ثلاثين وأنا أتصرف في الباقي، قال سبحان الله العظيم عوقبت عقاباً عاجلاً، قال فاحترقت المخازن، عنده مخازن كبيرة جداً، قال أصيبت بحريق والله يقول ما أدري ما هو، هل كان التماس كهربائي، قال أنا أول ما سمعت قالوا لي حاصل حريق قلت خذ أخرج المائتين وخمسين مليوناً .قال أول قرار اتخذته أن أُخرج الزكاة هذه مباشر، واستغفرت الله سبحانه وتعالى، وقال وتم إطفاء الحريق، وعرفت مباشرة أن العبث في هذه الأشياء، أنت تتعامل مع رب ولا يمكن أن تضحك عليه! ما هو بهذا مصلحة الزكاة والدخل وأنت تتعامل بصدق، الله سبحانه وتعالى يقول رزقني ومبارك لي وأعطاني وأني أضعف في اللحظة الضعيفة هذه لأني تكابرت المبلغ وأحسست أن هناك فرصة أنني أعبث بها، وقس على ذلك، فلاستسلام والانقياد لأوامر الله ورسوله يجب أن يكون في نصف عيناك دائماً، وأن هذه هي صفة المؤمنون ولذلك قال (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ) انظر الحصر يعني لم يقل لهم قول غيره أبداً وصدق الله ورسوله، أبشِر أطعنا سمعنا وأطعنا، يدعون إلى الجهاد، أبشِر بل ويتنافسون بالمال يدعون إلى البذل فيتنافسون، يدعون إلى الصدقة فيتنافسون ولما جاء المهاجرون إلى الأنصار يتنافسون في إيوائهم وهكذا، ويؤثر بعضهم على بعض، هذه صفة المؤمن الصادق الإيمان كامل الإيمان، أنه يقول سمعت وأطعت لأوامر الله ورسوله ولو خالَفَت هواك. ولذلك زينب بنت جحش رضي الله عنها لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم يا زينب تزوجي زيد بن حارثة، هي امرأة شريفة ونسيبة وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم .أتزوج مولى؟!! غير مقبولة في العرف الاجتماعي أبداً، فلما أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بذلك تزوجت زيداً، أبشِر، سمعنا وأطعنا. فلما تزوجت زيد وقدّر الله وطُلِّقت من زيد زوّجها الله بالنبي صلى الله عليه وسلم مكافأة لاستجابتها لأمر الله ورسوله. ولذلك أم سلمة رضي الله عنها تقول في كلمة جميلة "مات أبو سلمة" والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أصيب بمصيبة فقال إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها" يقول النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبدله الله خيراً منها. قالت: فأنا قلت هذا الدعاء وأنا أقول في نفسي ومن هو الذي يأتي خيراً من أبي سلمة؟ كانت تحب زوجها قالت: فأبدلني الله بالرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من أبي سلمة ففضل الله عظيم والانقياد لأوامر الله سبحانه وتعالى آثاره ستنعكس على حياة المسلم وعلى أخلاقه وعلى أولاده وعلى ماله وعلى علمه بشكل مبارك يلمسه في تفاصيل حياته. ولذلك الصحابة رضي الله عنهم كان ثمن انقيادهم وتسليمهم لأوامر الله أن جعل الله درجاتهم عالية جداً عنده وجعل النبي صلى الله عليه وسلمفضلهم لا يمكن لأحد بعدهم أن يدركه، ولذلك قال يوماً لما بلغه أن بعضهم يسب بعض الصحابة، فقال: لا تسبوا أصحابي فوالله لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهب ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. مع أنه لا يمكن ويستحيل أن أحداً يستطيع أن ينفق مثل أُحد ذهباً!، من هو الذي يملك مثل أُحُد ذهباً أصلاً؟ مثل جبل أحد، جبل أحد جبل ضخم جداً ثم يكون ذهباً هذا مستحيل! لكن لو حصل أن أحد أنفق مثل هذا الإنفاق فهو لا يوازي نصف مُدّ أحد الصحابة رضي الله عنهم فليتوقف الذين يسبّون الصحابة الكرام فإنهم لن يستطيعوا أن يبلغوا مبلغهم. والعجيب أن هناك من الذين ينتسبون للإسلام وهم هؤلاء الرافضة الإثنا عشرية يتقربون إلى الله بسب أبي بكر وهو أفضل الصحابة، وبسب عثمان، وبسب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ،انظر إلى هذا الدين الباطل الذي ليس من الإسلام في شيء، يتقربون إلى الله بسب هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم فهؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء! والرسول يقول لو أنفق أحدكم لن يبلغ مدّ أحدهم فكيف الذي يسبهم ويقع في أعراضهم، ويقيم دينه على سب هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين وصفهم الله في هذه الآية وقال (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا). هذه الآية العظيمة في الحقيقة معناها متكرر في مواضع كثيرة في القرآن الكريم من الانقياد والسمع والطاعة، وتأمل أنت حتى في القصص السابقة الأنبياء السابقين كيف كان يتعامل هؤلاء الأقوام مع أنبيائهم؟ اُنظر مثلاً في قوم نوح وصنيعهم مع نوح، اُنظر إلى الأتباع دعك من الذين كذّبوا ولكن حتى الأتباع الصالحين، انظر مع موسى عندما خرج ببني إسرائيل من فرعون ومن مصر، ولما أنجاهم الله أخرجهم الله وأنجاهم بمعجزة عجيبة وهي أن الله شق لهم البحر، هم رأوا هذا بأنفسهم، ورأوا فرعون وهو يغرق وما أن خرجوا من البحر ما جفّت أقدامهم إذا بهم يقولون يا موسى، اجعل لنا إلهاً كما لهم آله، يطلبون الشرك بالله سبحانه وتعالى! يقول لهم موسى ادخلوا بيت المقدس، أراد بهم أن يدخل بهم إلى فلسطين ويحاربون أهلها ويتمكنون، قالوا اذهب أنت وربك فقاتل إنا هاهنا قاعدون! هذا الخذلان، ولذلك عاقبهم الله فبقوا في تلك الصحراء أربعين سنة، ومات موسى وجاء بعده تلميذه يوشع بن نون ودخل بهم. فالشاهد انظر إلى بني إسرائيل، انظر أيضاً إلى قصة أصحاب طالوت معاهم، عندما قال الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ (247) البقرة) واليهود أصحاب فلوس وأصحاب اقتصاد دائماً هي الفلوس مقدمة عندهم والمال، فأيضاً خذلوا وتخاذلوا عنه وقال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ (249) البقرة) هؤلاء الصفوة، شربوا أكثرهم والله يقول (قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) قال (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ) حتى الخذلان وعدم الطاعة والعصيان وعواقبها! الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا أهل انقياد، وأهل طاعة، وينبغي علينا نحن أن نكون كهذا، وينبغي أن يكون المؤمن أن يقدّم أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم على كل أمر وعلى هواه في الصلاة، وفي الزكاة، وفي الحج، وفي الصدقة، وفي البذل، وفي الجهاد، وفي الدعوة، دائماً قدِّم أمر الله على أمر نفسك، قدِّم حاجة الدين وحاجة الدعوة على حاجتك الشخصية، وستجد ثمرة ذلك بركةً في علمك وفي وقتك وفي مالك وفي أبنائك. بعض الناس يتردد أنه ينفق ألف ريال أو ألفين ريال ويقول هذا أدفعها قسط في كذا ولا يعلم أنه لو أنفقها في سبيل الله لأخلف الله عليه ولبارك الله له في أولاده، بعض الناس يمنع حق الله، فيبتلى في أمراض في زوجته وفي أولاده ينفق الآلاف وهو يعالج. ولذلك عندما يقال داووا مرضاكم بالصدقة، وأنفق في سبيل الله، يكفيك الله سبحانه وتعالى أموراً لو فتحها عليك لما وسعتها أموالك. والذي يتعامل مع الله سبحانه وتعالى بالإخلاص، والنية الطيبة والصادقة في الإنفاق، وفي البذل، وفي الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يكفيه الله سبحانه وتعالى ما أهمه، وفي إحدى الحلقات كنا تكلمنا عن قوله تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق) نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم التقوى، والإخلاص، والاستجابة لأمر الله سبحانه وتعالى، والانقياد له في كل ما أمرنا به والانتهاء عن كل ما نهانا عنه، وأن يجعلنا مخلِصين له سبحانه وتعالى حتى نلقاه، ونستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.