بحث قصير عن كتب آيات الأحكام :
الحمد لله الذي جعل لنا من العلم نورا نهدي به ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين ، وبعد :
إن التصنيف في آيات الأحكام على مذهب الحنابلة ليس كثيراً كبقية المذاهب ، وقد يرجع إلى عدة أسباب أولها : تأخر ظهور مذهب الحنابلة ، فهو آخر المذاهب السنية ظهورا و انتشارا (ق:3-4 للهجره) ثانياً : أنه لم يتبنى المذهب الحنبلي أحد من الحكام، مما أدى إلى انحساره كثيراً. ولولا تولي بعض الحنابلة لمذهب القضاء بين الحينة والأخرى، لربما انقرض المذهب مثل باقي مذاهب السلف الأخرى كمذهب الأوزاعي ومذهب الثوري و لا يعرف من تولى منهم الوزارة إلا نحو خمسة فقط( في ظرف يزيد عن خمسة قرون ( و من ينظر في أماكن انتشار المذهب الحنبلي، يجد أنها ضيقة جدا, "وقد وجد المذهب الحنبلي في طريقه ضغوطات و عراقيل كثيرة من المذاهب السنية الأخرى ؛ فقد تصدت له و حدّت من نشاطه ، في فترات كثيرة من التاريخ الإسلامي ، كما هو الحال زمن الوزير السلجوقي نظام الملك ، و الأيوبيين و المماليك" (الموفق بن قدامة المقدسي: التبيان في بيان القرآن) . لكن المذاهب السنية الأخرى حالها يختلف عن حال المذهب الحنبلي ؛ فهي أهم عامل ساهم في انتشارها و تثبيتها و صمودها، هو العامل السياسي فقد كانت لها دول تبنتها و دافعت عنها ؛ فدول المغرب و الأندلس كانت تتبنى المذهب المالكي . و الدولة العباسية و السلجوقية و الزنكية و العثمانية كانت كلها على المذهب الحنفي . و الدولتان الأيوبية و المملوكية كانتا على المذهب الشافعي , وبقي الحنابلة قلّةً مبعثرة، إلى أن تبنته الدولة السعودية في عهودها الثلاثة. ومعلومٌ أنَّ من أقوى أسباب انتشار أي مذهب هو قيام علماء كبار يحتسبون في نشره، ودعم دولة قوية لهؤلاء العلماء.
وقد يرجع السبب أيضا إلى المعضلة الكبرى التي واجهت فقهاء الحنابلة، وهي كثرة الروايات المتعارضة عن الإمام أحمد، بسبب كثرة تغييره لرأيه وكثرة من يأخذ عنه العلم.
- على كل حال هي كما ذكرت قليلة وليست معدومة ومنها :
- أحكام القرآن : للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي ولد في أول سنة ثمانين وثلاث مائة توفي سنة ثمان وخمسين وأربع مائة
أفتى ودرّس , وتخرج به الأصحاب , وانتهت إليه الإمامة في الفقه , وكان عالم العراق في زمانه , مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره وله مؤلفات عديدة منها هذا الكتاب وهو مفقود , وهو كتاب عظيم عرف عن طريقين الأول عن طريق ابن الجوزي في كتابه زاد المسير حيث كان ينقل عن هذا الكتاب وأيضا في ترجمة أبي الفراء كانوا يذكرون أن له كتاب عظيم في أحكام القرآن ولم يعثر علية إلى الآن وهناك رسالة علمية جُمِع فيها أقوال الفراء في آيات الأحكام من الكتب التي نقلت عنه .
- إحكامُ الرأي في أحكام الآي ، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنبلي ت776 للهجره.
- أزهار الفلاة في آية قصر الصلاة لمرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي ولد الشيخ مرعي في طولكرم كما سبق ولكن سنة ولادته غير معروفة وكانت وفاته بمصر في شهر ربيع الأول سنة 1033 للهجره له مؤلفات كثيرة بلغت حوالي الثمانين تأليفاً ما بين كتاب كبير ورسالة صغيرة
- وبعضهم يضيف كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) باعتباره قد توسع في الكلام عن بعض الآيات المتعلقة بالأحكام العملية . ومثله الشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله ، وإن لم يتقيدا بمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله .
وقد ذكر الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه المدخل المفصل إلى مذهب أحمد بن حنبل أنه لم ير للحنابلة كتاباً في تفسير آيات الأحكام سوى ما ذكر في :
- مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم لأحمد بن مصطفى، الشهير بطاش كبرى زاده من تفسير الخرقي وأنه في تفسير آيات الأحكام ، وكتاب أبي يعلى وهو مفقود .
كما ذكر الدكتور عبدالله التركي في ( المذهب الحنبلي ) كتاب أبي يعلى وقال : ( يبدو أنه لا يوجد للحنابلة في أحكام القرآن غير هذا الكتاب) .
وكذلك الدكتور سعود الفنيسان في كتابه (آثار الحنابلة في علوم القرآن) لم يذكر سواه .
وقد تنبه نخبه من طلبة العلم المشايخ في قسم التفسير بجامعة الإمام بعدم وجود مؤلفات في تفسير آيات الأحكام على مذهب الحنابلة ، فتبنوا مشروعاً لجميع آيات الأحكام من كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي وقد كتبوا خمس أطروحات لمرحلة الدكتوراه بعنوان :
- (آيات الأحكام في المغني لابن قدامة) ، ووزعوه على سبعة من الباحثين في مرحلة الدكتوراه ، جمع فيها الباحثون أقوال ابن قدامة في آيات الأحكام من خلال كتاب المغني ، ثم درسوها مع موازنتها ببقية كتب الأحكام ، وقد طبعت أولى هذه الرسائل فقط من الآية 203 من سورة البقرة حتى نهاية آية 23 من سورة النساء في مجلدين في مكتبة التوبة بعنوان : آيات الأحكام في المغني، للدكتور/ فهد العندس .
إلا إنه في كتابتهم، ومنهجهم حسكة (أي شوكة) حيث انطلقوا إلى كل آية يستشهد بها ابن قدامه على مسالة فقهية؛ فيجعلونها رأساً لمسألة فقهية يقومون بدراستها دراسة موازنة بأقوال الفقهاء، ومفسري آيات الأحكام على المذاهب الثلاثة الأخرى، فكانت كتاباتهم غير كاشفة لاستنباطات أبي محمد ابن قدامه في التفسير من جهة، وتكراراً لتحرير مسائل فقهية مبثوثة، ومعروفة من جهة أخرى , ولو اهتم أحدهم بجمع استنباطات ابن قدامه التفسيرية من آيات الأحكام؛ لكان نافعاً، وأقل كلفة في الوقت، والجهد، والمال.
ولإثراء المكتبة التفسيرية في آيات الأحكام خاصة عند الحنابلة يجب الالتزام بأمرين :
أولهما: حسن الانتقاء، بمعنى أنه ليس كل من كتب وصنف يملك حساً تفسيريًا يصلح للجمع، والإبراز.
الثاني: ضبط المنهج المتبع في الدراسة والبحث، فيحصر البحث في الاستنباطات التفسيرية التي يوضح مأخذ الحكم من الآية دون العموميات المتبعة عادة في الاستشهاد المجرد.
وهناك بعض التصانيف الحنبلية التي جمعت بين أحاديث الأحكام وآيات الأحكام منها :
- كتاب ( إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة ) فهو لجمال الدين أبي المظفر السُّرَّمرِّي يوسف بن محمد بن مسعود الحنبلي ت 776هـ , طبع لأول مره في عام 1427 هجري. الناشر :دار الكيان في الرياض , حققه : أبو عبدالله حسين بن عكاشة بن رمضان , يقع في مجلد (820) صفحة ،وقد تضمن (1567) حديثاً , افتتحه بكتاب الإيمان ، ثم السنة، ثم الطهارة , و افتتح كل باب بآية من القرآن أو أكثر .
ختاماً : أتمنى أن أكون قد وفقت في بحثي هذا الموجز و آمل أنني على الأقل لم اقصر و لم أهمل تبيان جواهر عناصر البحث , و أرجو من الأساتذة الكرام و كذلك إخواننا التلاميذ أن لا تبخلوا علينا بملاحظاتكم و اقتراحاتكم البناءة لنصوب أخطاءنا و نتفادى زلاتنا و نتلافى العيوب التي يمكن أننا ولاشك وقعنا فيها و الله نسال أن يديم نعمته و أن يهدينا سواء السبيل , و نسال الله عز و جل أن يوفقنا و يجعل النجاح حليفنا .
***
مرفق منسق في ملف وورد
الحمد لله الذي جعل لنا من العلم نورا نهدي به ، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وإمام المرسلين ، وبعد :
إن التصنيف في آيات الأحكام على مذهب الحنابلة ليس كثيراً كبقية المذاهب ، وقد يرجع إلى عدة أسباب أولها : تأخر ظهور مذهب الحنابلة ، فهو آخر المذاهب السنية ظهورا و انتشارا (ق:3-4 للهجره) ثانياً : أنه لم يتبنى المذهب الحنبلي أحد من الحكام، مما أدى إلى انحساره كثيراً. ولولا تولي بعض الحنابلة لمذهب القضاء بين الحينة والأخرى، لربما انقرض المذهب مثل باقي مذاهب السلف الأخرى كمذهب الأوزاعي ومذهب الثوري و لا يعرف من تولى منهم الوزارة إلا نحو خمسة فقط( في ظرف يزيد عن خمسة قرون ( و من ينظر في أماكن انتشار المذهب الحنبلي، يجد أنها ضيقة جدا, "وقد وجد المذهب الحنبلي في طريقه ضغوطات و عراقيل كثيرة من المذاهب السنية الأخرى ؛ فقد تصدت له و حدّت من نشاطه ، في فترات كثيرة من التاريخ الإسلامي ، كما هو الحال زمن الوزير السلجوقي نظام الملك ، و الأيوبيين و المماليك" (الموفق بن قدامة المقدسي: التبيان في بيان القرآن) . لكن المذاهب السنية الأخرى حالها يختلف عن حال المذهب الحنبلي ؛ فهي أهم عامل ساهم في انتشارها و تثبيتها و صمودها، هو العامل السياسي فقد كانت لها دول تبنتها و دافعت عنها ؛ فدول المغرب و الأندلس كانت تتبنى المذهب المالكي . و الدولة العباسية و السلجوقية و الزنكية و العثمانية كانت كلها على المذهب الحنفي . و الدولتان الأيوبية و المملوكية كانتا على المذهب الشافعي , وبقي الحنابلة قلّةً مبعثرة، إلى أن تبنته الدولة السعودية في عهودها الثلاثة. ومعلومٌ أنَّ من أقوى أسباب انتشار أي مذهب هو قيام علماء كبار يحتسبون في نشره، ودعم دولة قوية لهؤلاء العلماء.
وقد يرجع السبب أيضا إلى المعضلة الكبرى التي واجهت فقهاء الحنابلة، وهي كثرة الروايات المتعارضة عن الإمام أحمد، بسبب كثرة تغييره لرأيه وكثرة من يأخذ عنه العلم.
- على كل حال هي كما ذكرت قليلة وليست معدومة ومنها :
- أحكام القرآن : للقاضي أبي يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن الفراء الحنبلي ولد في أول سنة ثمانين وثلاث مائة توفي سنة ثمان وخمسين وأربع مائة
أفتى ودرّس , وتخرج به الأصحاب , وانتهت إليه الإمامة في الفقه , وكان عالم العراق في زمانه , مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره وله مؤلفات عديدة منها هذا الكتاب وهو مفقود , وهو كتاب عظيم عرف عن طريقين الأول عن طريق ابن الجوزي في كتابه زاد المسير حيث كان ينقل عن هذا الكتاب وأيضا في ترجمة أبي الفراء كانوا يذكرون أن له كتاب عظيم في أحكام القرآن ولم يعثر علية إلى الآن وهناك رسالة علمية جُمِع فيها أقوال الفراء في آيات الأحكام من الكتب التي نقلت عنه .
- إحكامُ الرأي في أحكام الآي ، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنبلي ت776 للهجره.
- أزهار الفلاة في آية قصر الصلاة لمرعي بن يوسف الكرمي المقدسي الحنبلي ولد الشيخ مرعي في طولكرم كما سبق ولكن سنة ولادته غير معروفة وكانت وفاته بمصر في شهر ربيع الأول سنة 1033 للهجره له مؤلفات كثيرة بلغت حوالي الثمانين تأليفاً ما بين كتاب كبير ورسالة صغيرة
- وبعضهم يضيف كتاب الشيخ عبد الرحمن السعدي (تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن) باعتباره قد توسع في الكلام عن بعض الآيات المتعلقة بالأحكام العملية . ومثله الشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله ، وإن لم يتقيدا بمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله .
وقد ذكر الدكتور بكر أبو زيد رحمه الله في كتابه المدخل المفصل إلى مذهب أحمد بن حنبل أنه لم ير للحنابلة كتاباً في تفسير آيات الأحكام سوى ما ذكر في :
- مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم لأحمد بن مصطفى، الشهير بطاش كبرى زاده من تفسير الخرقي وأنه في تفسير آيات الأحكام ، وكتاب أبي يعلى وهو مفقود .
كما ذكر الدكتور عبدالله التركي في ( المذهب الحنبلي ) كتاب أبي يعلى وقال : ( يبدو أنه لا يوجد للحنابلة في أحكام القرآن غير هذا الكتاب) .
وكذلك الدكتور سعود الفنيسان في كتابه (آثار الحنابلة في علوم القرآن) لم يذكر سواه .
وقد تنبه نخبه من طلبة العلم المشايخ في قسم التفسير بجامعة الإمام بعدم وجود مؤلفات في تفسير آيات الأحكام على مذهب الحنابلة ، فتبنوا مشروعاً لجميع آيات الأحكام من كتاب المغني لابن قدامة الحنبلي وقد كتبوا خمس أطروحات لمرحلة الدكتوراه بعنوان :
- (آيات الأحكام في المغني لابن قدامة) ، ووزعوه على سبعة من الباحثين في مرحلة الدكتوراه ، جمع فيها الباحثون أقوال ابن قدامة في آيات الأحكام من خلال كتاب المغني ، ثم درسوها مع موازنتها ببقية كتب الأحكام ، وقد طبعت أولى هذه الرسائل فقط من الآية 203 من سورة البقرة حتى نهاية آية 23 من سورة النساء في مجلدين في مكتبة التوبة بعنوان : آيات الأحكام في المغني، للدكتور/ فهد العندس .
إلا إنه في كتابتهم، ومنهجهم حسكة (أي شوكة) حيث انطلقوا إلى كل آية يستشهد بها ابن قدامه على مسالة فقهية؛ فيجعلونها رأساً لمسألة فقهية يقومون بدراستها دراسة موازنة بأقوال الفقهاء، ومفسري آيات الأحكام على المذاهب الثلاثة الأخرى، فكانت كتاباتهم غير كاشفة لاستنباطات أبي محمد ابن قدامه في التفسير من جهة، وتكراراً لتحرير مسائل فقهية مبثوثة، ومعروفة من جهة أخرى , ولو اهتم أحدهم بجمع استنباطات ابن قدامه التفسيرية من آيات الأحكام؛ لكان نافعاً، وأقل كلفة في الوقت، والجهد، والمال.
ولإثراء المكتبة التفسيرية في آيات الأحكام خاصة عند الحنابلة يجب الالتزام بأمرين :
أولهما: حسن الانتقاء، بمعنى أنه ليس كل من كتب وصنف يملك حساً تفسيريًا يصلح للجمع، والإبراز.
الثاني: ضبط المنهج المتبع في الدراسة والبحث، فيحصر البحث في الاستنباطات التفسيرية التي يوضح مأخذ الحكم من الآية دون العموميات المتبعة عادة في الاستشهاد المجرد.
وهناك بعض التصانيف الحنبلية التي جمعت بين أحاديث الأحكام وآيات الأحكام منها :
- كتاب ( إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة ) فهو لجمال الدين أبي المظفر السُّرَّمرِّي يوسف بن محمد بن مسعود الحنبلي ت 776هـ , طبع لأول مره في عام 1427 هجري. الناشر :دار الكيان في الرياض , حققه : أبو عبدالله حسين بن عكاشة بن رمضان , يقع في مجلد (820) صفحة ،وقد تضمن (1567) حديثاً , افتتحه بكتاب الإيمان ، ثم السنة، ثم الطهارة , و افتتح كل باب بآية من القرآن أو أكثر .
ختاماً : أتمنى أن أكون قد وفقت في بحثي هذا الموجز و آمل أنني على الأقل لم اقصر و لم أهمل تبيان جواهر عناصر البحث , و أرجو من الأساتذة الكرام و كذلك إخواننا التلاميذ أن لا تبخلوا علينا بملاحظاتكم و اقتراحاتكم البناءة لنصوب أخطاءنا و نتفادى زلاتنا و نتلافى العيوب التي يمكن أننا ولاشك وقعنا فيها و الله نسال أن يديم نعمته و أن يهدينا سواء السبيل , و نسال الله عز و جل أن يوفقنا و يجعل النجاح حليفنا .
***
مرفق منسق في ملف وورد