جهد مبارك ومشكور بارك الله فيك وكتب أجرك..
ولقد أسعدني أن أرى مقترحي الذي اقترحته في موضوع القُرآنُ الكرِيمُ وعِلمُ المقَامَاتِ ... واقعٌ يحتاجُ إلى وقفةٍ!. يتبلور ويتشكل على أرض الواقع.
وكنتُ قد أشرتُ في موضوعي إلى أهمية تعريب بعض المقامات الصالحة لتلاوة القرآن الكريم لكي لا تشترك مع مقامات أهل الغناء في المسميات, ولكي لا يضطر قارئ القرآن شجي الصوت من أجل دراستها بالدخول إلى عالم الموسيقى, الذي معه قد تعثر قدمه في مستنقع أهل الغناء وعالمهم.
ولقد اطلعتُ على ما نشرتَه ـ أيها الأخ الكريم ـ هنا, كما واستمعتُ أيضا إلى جهودك المسجلة, والتي يتجلى فيها حرصك واهتمامك وعنايتك بكتابك. وأود ـ إن أذنتَ لي ـ بالتعليق وإبداء وجهة نظري في نقطتين:
النقطة الأولى: هناك تساؤلات وتحتاج منك إلى وضع إجابات لها في كتابك بين يدي قارئك:
* على أية أساس انتقيتَ من بين جميع المقامات تلك النغمات التي عربتها؟ بمعنى هل هناك مقاييس معينة لانتقائك؟ وما مبررات هذه المقاييس؟
* هلا ذكرت ـ تكرما ـ أسماء من وافقك على تعريبك هذا من أهل فن المقامات الموسيقية؟ فدراسة جديدة كهذه لا يصلح أن تكون بوجهة نظرك وحدك ـ مع احترامنا لها وتيقننا من براعتك ـ فتعريب مصطلحات أعجمية لا يمكن أن يدلي فيه شخص ما برأيه وحده, إلا أن يكون علما من أعلام هذا الفن, وحتى لو كان كذلك للزمه الاستئناس بآراء المتخصصين من أمثاله, بل وعليه أن يذيل كل تعريب جديد بموافقة من وافق عليه منهم.
النقطة الثانية: إن هذه الدراسة على شدة حاجتنا لها فيها شيء من الاستعجال, فهي لابد أن تقوم على عدة دراسات مستفيضة لأجل أن تكون متكاملة ناجحة مؤثرة ومقبولة.
وأظن أنها لم تتجاوز المربع الأول أو المرحلة الأولى وهي مرحلة انتقاء المقامات أو النغمات ثم تعريبها بموافقة مشاهير من أهل فن المقامات, وهذه النقطة وحدها قد تستغرق أشهرا, وتحتاج بادئ ذي بدء إلى مؤلفات مستقلة بها لا علاقة لها بالقرآن الكريم, واختصار هذه المرحلة والانتقال الفوري منها وهي لم تزل لينة لم ترس قواعدها إلى قراءة القرآن بما عرب من المقامات قد يسقط البحث أو الدراسة من أصلها.
فإذا ما تمت هذه الدراسة أتت المرحلة الثانية وهي مرحلة تمهيدية هامة جدا وفيها يتم إعداد مادة مسجلة لتطبيق جميع هذه النغمات, مع الاستشهاد على صلاحها لتلاوة القرآن الكريم من تسجيلات متفرقة لعدد من القراء.
وفي المرحلة الثالثة يتم عرض هذه الدراسة على بعض المشائخ والقراء الكبار المتخصصين ليبدوا آرائهم فيها. وفي مراحل أخرى لا نستعجلها قد تُوفّق هذه الدراسة ويتم عرضها على لجان متخصصة لدراستها واستبعاد مالا يصلح منها للقرآن الكريم واعتماد الباقي, وهذه الثمرة التي نرجو.
لكن بغير المرحلة الأولى والمرحلة الثالثة وما بينهما من إعداد وتمهيد لا أظن من وجهة نظري أن لدى قراء القرآن الكريم الكبار استعداد لتقبل التأصيل لفن المقامات في تلاوة القرآن الكريم بهذه البساطة, بل إن الفكرة ستكون مرفوضة تماما وربما محرمة حتى لو استبدلتَ مصطلح المقامات بالتنغيم. وحذفتَ جل المقامات إلا القليل. وهذا واقع لابد أنك تدركه, فليتك تعمل على حسن احتواءه إن كنتَ مصرا وحريصا ـ وفقك الله ـ على تقديم بحثك هذا خدمة لكتاب الله.
وأكاد أجزم أن عنوان كتابك مستفز للكثير من قراء القرآن الكريم لأنه دراسة أحادية الجهد, ولو أنك كما حرصتَ ـ مشكورا ـ على نقل أراء بعض القراء الكبار في جواز التنغيم في القرآن بالمقامات على شروط.. لو أنك بدلا من ذلك عملتَ على عرض عملك عليهم (وأؤكد: بعد أن تنتهي تماما من المرحلة الأولى) فإن ذلك سيكون أوقع, خاصة وأنهم جميعا أحياء وهم معتبرون في تخصصهم, ومن الأفضل التواصل معهم شخصيا. حينها فقط يمكنك أن تنشر كتابك متكأ فيه على أسس قوية تجعله يثبت أمام رياح الانتقاد ويكون بحق:
أول كتاب يضع قواعد محددة وشاملة نظرية وتطبيقية لعلم التغني بالقرآن الكريم.
وفقك الله وأعاننا وإياك على خدمة كتابه.
وننتظر أن يزهر غرسك ويثمر عما قريب بإذن الله.