الهلال، ودخول الشهر: مسألة من مسائل التفسير العلمي للقرآن والسنة!

إنضم
29/09/2012
المشاركات
314
مستوى التفاعل
4
النقاط
18
الإقامة
السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم

يمكن إلحاق هذه المشاركة بمشاركة سابقة هي:
التفسير العلمي للقرآن بين أخطاء الإعجازيين وآفاق الكشوف العلمية لما خلق الله تعالى
باعتبار أن إشكالية "الهلال والدخول الشرعي للشهر القمري"، من القضايا التي تتطلب تفسيراً علمياً جديداً:
وهنا مسائل:

1- أن مسألة الهلال، والمتمثلة في الدخول الشرعي للشهر القمري، ينبغي أن تُصَنّف بالدرجة الأولى ضمن مسائل "التفسير العلمي للقرآن والسنة"، باعتباره علماً منضبطاً. وذلك من حيث أن حد هذا العلم هو: [استئناف الحكم في مسالةٍ ما، بسبب ما قد طرأ عليها من معلومات جديدة، بما يستوجب إعادة النظر في أحكامها السابقة. وهي الأحكام التي كان تطبيقها في زمنها صحيحاً لأن حجم المعلومات (والمتمثل في مسألة الهلال بأمد وصول خبر رؤية، و ...) كان جزءاً من مناطات المسألة، فلما تغيّرت بعض المناطات أو تعدّدت، تطلب الأمر تغيُّر الحُكم المقيد به].

2- أن "التفسير العلمي للقرآن والسنة" لا يرتبط بالضرورة بالإعجاز العلمي فقط، وهو الأمر الذي سرى في عقول المسلمين بصفته مُسلَّمة موهومة غير مُفَكّر فيها، حتى وإن كانت بعض مسائله تؤول حقاً إلى الإعجاز. وذلك مثلما أن تناول الغذاء سبب في كمال الأجسام، ولكن أهميته في الحفاظ على الحياة أولى عند العقلاء. وعلى ذلك، فمَن يتورع عن تناول الغذاء حتى لا يُتَّهم بسعيه لاستعراض كمال جسمه، لا ريب أنه هالك.

3- لما هبطت القيمة العلمية لمسائل الإعجاز العلمي، هبط معها "التفسير العلمي الرصين" لتوهّم ارتباطهما، هذا رغم قِلّته، أو عدم الحرص على إنشائه، أو لنقل: الحرص على عدم إنشائه. وذلك في وقت كان يجب أن تأخذ مسائل "الإعجاز العلمي" مصداقيتها من "التفسير العلمي" وأدلته، وإلاّ.. كانت لغواً. فبدلاً من أن تكون آليات منهج "التفسير العلمي .." هي التي ترد على مزاعم الإعجاز العلمي المتهافتة، هوى الإعجاز العلمي الفاسد الاستدلال بـ "التفسير العلمي للقرآن" إلى اللاقيمة. أي: هبط المتهم بالقاضي لتوهم تلازمهما. فخسف المسلمون بأيديهم بالقاضي، أي بآليات الضبط العلمي لحياتهم جميعاً – وما يعرض لهم فيها من مسائل - بمصدريها الديني والعلمي، لأنه لم يكن لهما من حلول إلا في إطار "تفسيراً علميا للقرآن والسنة". ومعلوم أنّ من يُعرِض عن المصدر الديني فلا قيمة لادعائه الإسلام، وأن من يعرض عن آليات الضبط العلمي، فلا حياة له بين الأحياء، ولو زعم أنه حي! ومَن يُعرض عن مجموعهما، يصيبه الشلل والارتباك بين الدين والدنيا، وهذا هو تشخيص معظم أمراضنا الحضارية!!!

4- أن هناك دوراً سلبياً للذين استنكروا "التفسير العلمي للقرآن والحديث"، ونبذوه وراء ظهورهم. سواء مَن كان منهم مِن أهل التراث؛ بحُجِّة أن فيه دخيلاً على الموروث، وأن الموروث مكتفي بنفسه (الأصوليين)، أو مَن كان من أهل الحداثة؛ بحُجِّة أن فيه التراث الذي قد تجاوزه الزمن! (العلمانيين).

5- أن أدلة "التفسير العلمي للقرآن والحديث" حُجّة على المنكر للحساب الفلكي وقيمته في تخليص مسألة الهلال وتجليتها بما استجد فيها من معلومات جديدة، ولا نقول استبدالها برؤية الهلال، ويمثل ذلك نموذجاً لكل من ينكر مبدأ جواز التفسير العلمي في القرآن والسنة، بل أحياناً، وجوبه أو فرضيته في عموم مسائل الفكر والحياة.

6- أن أدلة "التفسير العلمي للقرآن والحديث" حُجّة في نفس الوقت على المنكر لحجية النص القرآني والحديثي في رؤية الهلال، باعتبار هذا المنكر نموذجاً للمعرضين عن وجوب إعمال النصوص الدينية - الواجب إعمالها - في عموم مسائل الحياة، لكل من زعم أنه مسلم. (حتى ولو احتج بحجج موهومة تدخل في باب "الحيَل" عند الفقهاء).

هذا وقد وضعنا معالجة لمسألة الهلال باعتبارها تفسيراً علمياً، ونشرنا مُقدِّمة (وفقط مُقدِّمة) لها على هذا الرابط:

رُجحان المقال في مسألة الهلال

ونطرح الأمر للمناقشة، لأهميته كما تعلمون.

عزالدين كزابر
 
هذا وقد وضعنا معالجة لمسألة الهلال باعتبارها تفسيراً علمياً، ونشرنا مُقدِّمة (وفقط مُقدِّمة) لها على هذا الرابط:

رُجحان المقال في مسألة الهلال

ونطرح الأمر للمناقشة، لأهميته كما تعلمون.

عزالدين كزابر
الأخ الكريم / الأستاذ ( عز الدين )
قرأت ما جاء في رابط المقال ، و استوقفني فيه قولكم في خلاصته : ( ومن يدعي أنه يقيم الرؤية في بلده فقط حسب الشرع - بزعمه – وأنه غير مُلزم بغير هذا فقد أخطأ، وذلك بعد أن أثبتنا له تهافت حجته وأن اختلاف الأحوال قد استوجب اختلاف نظام الرؤية، دون الإخلال بأحكامها الشرعية.) . اهـ

- فما ادعاؤكم بتخطئة من أخذ برؤية بلده فقط ، مع ما قاله الإمام الترمذي في حديث كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما : «حديث ابن عباس حديث حسن صحيح غريب، والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم». اهـ

أليس في تخطئتكم هذه إخلال و إنكار للأحكام الشرعية التي ذكرها أهل العلم ؟!
و في المسألة قولان عند العلماء ، و لكل حجته ،
قال الإمام الخطابي في " معالم السنن " : اختلف الناس في الهلال يستهله أهل بلد في ليلة ثم يستهله أهل بلد آخر في ليلة قبلها أو بعدها فذهب إلى ظاهر حديث ابن عباس القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وعكرمة وهو مذهب إسحاق وقالوا لكل قوم رؤيتهم.
وقال ابن المنذر قال أكثر الفقهاء إذا ثبت بخبر الناس أن أهل بلد من البلدان قد رأوه قبلهم فعليهم قضاء ما أفطروه، وهو قول أصحاب الرأي ومالك، وإليه ذهب الشافعي وأحمد. اهـ

و لكن تخطئة أحد القولين من كاتب المقال فيه تجاسر لا يليق و لا يجوز ممن لا يعتد بقوله في الأحكام !

* و الحديث أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " ، في ( باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم ) :
حدثنا يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وقتيبة، وابن حجر، - قال يحيى بن يحيى: أخبرنا، وقال الآخرون: - حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر، عن محمد وهو ابن أبي حرملة، عن كريب، أن أم الفضل بنت الحارث، بعثته إلى معاوية بالشام، قال: فقدمت الشام، فقضيت حاجتها، واستهل علي رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمت المدينة في آخر الشهر، فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: " لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين، أو نراه، فقلت: أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " وشك يحيى بن يحيى في نكتفي أو تكتفي . اهـ

و الشاهد هنا قول ابن عباس رضي الله عنه : ( لا ) - لمّا سأله كريب : ( أو لا تكتفي برؤية معاوية ) للهلال بالشام .
فلا يصح التفلت من الحديث و دلالته الواضحة ، بدعوى قصور وسائل الاتصال و الإبلاغ بخبر الهلال في ذلك الزمان عند بُعد المسافات ، و ما يتبعه من مشقة قضاء و صيام الفوائت ؛ كما يدعي البعض الان

و الحديث أخرجه الترمذي في ( باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم ) ، و أبو داود في ( باب إذا رئي الهلال في بلد قبل الآخرين بليلة ) ، و ابن خزيمة في " صحيحه " في ( باب الدليل على أن الواجب على أهل كل بلدة صيام رمضان لرؤيتهم لا رؤية غيرهم ) ، و غيرهم .
 
أخي العزيز/ د. أبو بكر خليل
السلام عليكم ورحمة الله
أولاً: أشكركم على المشاركة، وسعة صدركم في تحملي، وأرجو أن يكون ذلك في ميزان حسناتكم.

ثانياً: سأرد الآن في إيجاز لتوجيه النقاش تجلية لمحل النزاع، .. ثم نستكمل حوله الحوار في مشاركة أعمق بعد أن أسترجع مصادري، لبُعد العهد بها.

ثالثاً: أدعم صحة قول الترمذي: [والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم]. بل وأعتمده في إطار البيئة التي قاله فيها. ومع ذلك، أتمسك بأن حكمي - الذي أزعجكم - أنه (للأسف) صحيح. أما السبب، فهو ما ذكرته في حيثيات الحكم. وأقصد أن (اختلاف الأحوال قد استوجب اختلاف نظام الرؤية، دون الإخلال بأحكامها الشرعية)

وأما ما قصدته بقولي :(اختلاف الأحوال) - ويمكن الرجوع إلى المقالة الأصل للوقوف عليه – فكان معناه:
أن مقصد الترمذي والعلماء الذين بنوا حكمهم على كلامه من (البلد) لا يتطابق ومقصدنا في عصرنا الراهن من (البلد).

- بمعنى أن (البلد) في عرفهم غير (البلد) في عرفنا.
- فـ (البلد) في عرف الترمذي التي يقتضيها السياق، أنها القطعة المستحيزة من الأرض، التي لو رُئي الهلال خارجها، لم يكن ليصل إلى أهلها خَبَرُه في مسيرة يوم وليلة. فكان لزاماً على أهل هذه البلد أن يروا الهلال لبلدهم، وأن يلتزموا بذلك ولو وصلهم لاحقاً أن أهل بلد أخرى قد سبقتهم بليلة، أو أن يأخذوا بالرأي الثاني بقضاء ما أفطروا، وإن كان أضعف الرأيين لما فيه من حرج.

ومما يشهد لذلك أنه كان من المستحيل على أهل الشام جميعاً مثلاً أن يكون لهم هلال واحد، لأن هذا الوصف للبلد في سياق مسألة الرؤية واختلاف المطالع، أو ما سمي بـ (حد المطلع) كان حتماً يمنع من هذا التوحد لاتساع رقعة الشام عن مسيرة يوم وليلة. فكان معنى البلد، ما قلنا. هذا رغم أنه كان من الجائز في سياق لغوي آخر في غير مسألة الهلال أن يقال: (البلدان، ويقصد منها: الشام والعراق و..). والسبب في ذلك أن المعنى يتعين بالسياق، وأنه يتغير، وهذا ليس بغريب عند من يعلم ظاهرة (الوجوه والنظائر) كما تؤخذ من مظانها (مقاتل، ابن الجوزي، الدامغاني، ..)

- فإذا اعتبرنا ذلك، فقولنا الآن (البلد) ونقصد بها (الدولة السياسية) لا يتفق مع معنى البلد في كلام الترمذي وغيره. ويعتبر القول باستقلال البلد بالرؤية (أي اختلاف المطالع) فاقد للمعنى دون تعيين حدود البلد.

- فإن قلت أنها القطعة المستحيزة من الأرض تحت سلطان "ولي أمر" دون غيره، قلنا: قد انتقلت مسألة الرؤية ودخول الشهر إلى كونها مسألة سياسية، ولأمكن لكل ولي أمر يحكم مدينة أن يستقل بقرار الرؤية في مدينته ولو كانت دون حد مطلع غيره من ولاة الأمر.

- وعلى ذلك، فحكم الترمذي صحيح في زمنه، وما اقترحناه هو الصحيح في زمننا، وما خطأناه كان نقل حكم من زمن لزمن رغم الاختلاف الذي ذكرته، إضافة إلى أن خبر الرؤية أصبح يصل في حينه على الأرض جميعاً، وهو (أي زمن وصول خبر الرؤية، مسيرة يوم وليلة) الذي كان مناط تعيين حدود البلد في زمن الترمذي، فكيف بنا ننقل حد البلد دون اعتبار التغير في مناط هذا الحد، والذي أصبح يشمل الأرض جميعاً إذا طبقناه؟!
وهذا ما يحضرني الآن، ..

رابعاً: أعتب عليكم أخي الدكتور: أبو بكر خليل، في قولك:
تخطئة أحد القولين من كاتب المقال فيه تجاسر لا يليق و لا يجوز ممن لا يعتد بقوله في الأحكام !
وذلك لأمرين:
أولهما أن التخطئة لم تكن لأحد الرأيين كما فهمتم أنت، بل كانت تخطئة مقيدة ومعنية فقط بمن قام باستنساخ الحكم من زمن لزمن دون اعتبار اختلاف السياق.
ثانياً: أن هذا القول يقال عند التقليد، وإذا حضر الاجتهاد والاحتجاجّ سقط التقليد كما تعلم، فالاعتداد بالحجج لا بالأشخاص.
ولأسمع رأيك الكريم، ثم نستكمل.
(لاحظت عند إرسال الرد أنكم عدلتم مشاركتكم، فليكن تدارك ذلك لاحقاً)
 
أخي العزيز/ د. أبو بكر خليل
السلام عليكم ورحمة الله

ثانياً: سأرد الآن في إيجاز لتوجيه النقاش تجلية لمحل النزاع، .. ثم نستكمل حوله الحوار في مشاركة أعمق بعد أن أسترجع مصادري، لبُعد العهد بها.

ثالثاً: أدعم صحة قول الترمذي: [والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم أن لكل أهل بلد رؤيتهم]. بل وأعتمده في إطار البيئة التي قاله فيها. ومع ذلك، أتمسك بأن حكمي - الذي أزعجكم - أنه (للأسف) صحيح. أما السبب، فهو ما ذكرته في حيثيات الحكم. وأقصد أن (اختلاف الأحوال قد استوجب اختلاف نظام الرؤية، دون الإخلال بأحكامها الشرعية)

وأما ما قصدته بقولي :(اختلاف الأحوال) - ويمكن الرجوع إلى المقالة الأصل للوقوف عليه – فكان معناه:
أن مقصد الترمذي والعلماء الذين بنوا حكمهم على كلامه من (البلد) لا يتطابق ومقصدنا في عصرنا الراهن من (البلد).

- بمعنى أن (البلد) في عرفهم غير (البلد) في عرفنا.
- فـ (البلد) في عرف الترمذي التي يقتضيها السياق، أنها القطعة المستحيزة من الأرض، التي لو رُئي الهلال خارجها، لم يكن ليصل إلى أهلها خَبَرُه في مسيرة يوم وليلة. فكان لزاماً على أهل هذه البلد أن يروا الهلال لبلدهم، وأن يلتزموا بذلك ولو وصلهم لاحقاً أن أهل بلد أخرى قد سبقتهم بليلة، أو أن يأخذوا بالرأي الثاني بقضاء ما أفطروا، وإن كان أضعف الرأيين لما فيه من حرج.

ومما يشهد لذلك أنه كان من المستحيل على أهل الشام جميعاً مثلاً أن يكون لهم هلال واحد، لأن هذا الوصف للبلد في سياق مسألة الرؤية واختلاف المطالع، أو ما سمي بـ (حد المطلع) كان حتماً يمنع من هذا التوحد لاتساع رقعة الشام عن مسيرة يوم وليلة. فكان معنى البلد، ما قلنا. هذا رغم أنه كان من الجائز في سياق لغوي آخر في غير مسألة الهلال أن يقال: (البلدان، ويقصد منها: الشام والعراق و..). والسبب في ذلك أن المعنى يتعين بالسياق، وأنه يتغير، وهذا ليس بغريب عند من يعلم ظاهرة (الوجوه والنظائر) كما تؤخذ من مظانها (مقاتل، ابن الجوزي، الدامغاني، ..)

- فإذا اعتبرنا ذلك، فقولنا الآن (البلد) ونقصد بها (الدولة السياسية) لا يتفق مع معنى البلد في كلام الترمذي وغيره. ويعتبر القول باستقلال البلد بالرؤية (أي اختلاف المطالع) فاقد للمعنى دون تعيين حدود البلد.

- فإن قلت أنها القطعة المستحيزة من الأرض تحت سلطان "ولي أمر" دون غيره، قلنا: قد انتقلت مسألة الرؤية ودخول الشهر إلى كونها مسألة سياسية، ولأمكن لكل ولي أمر يحكم مدينة أن يستقل بقرار الرؤية في مدينته ولو كانت دون حد مطلع غيره من ولاة الأمر.
....
سلام الله عليكم و رحمته و بركاته أخي الكريم

بنيتم - أخي الكريم - رأيكم و مقالتكم على أن ( (اختلاف الأحوال قد استوجب اختلاف نظام الرؤية، دون الإخلال بأحكامها الشرعية) ) . و هو ما ذكرتموه في البند ( ثالثا )

و قلتم : (( ما قصدته بقولي :(اختلاف الأحوال) - ويمكن الرجوع إلى المقالة الأصل للوقوف عليه – فكان معناه:
أن مقصد الترمذي والعلماء الذين بنوا حكمهم على كلامه من (البلد) لا يتطابق ومقصدنا في عصرنا الراهن من (البلد).

- بمعنى أن (البلد) في عرفهم غير (البلد) في عرفنا)) .
و فسرتم ذلك : فقولنا الآن (البلد) ونقصد بها (الدولة السياسية) . اهـ

*** *** ***

و أقول : قد خرجت المسألة بهذا عن كونها قضية أحكام شرعية إلى كونها مسألة سياسية ، لا دخل لها بعلة قصور وسائل الاتصال و الإبلاغ بخبر ثبوت الرؤية عند الغير ، المتعلل بها - و اختلافها و تغيّرها - في عدم العمل في عصرنا الحاضر بحديث ابن عباس رضي الله عنهما .

و هناك ملحوظات أخرى سنذكرها بعد بإذن الله تعالى
 
السلام عليكم د/خليل

عندما قلت في مشاركتي
قولنا الآن (البلد) ونقصد بها (الدولة السياسية)
فإنما أقول ذلك رواية، ولا أقوله تفسيرا من عندي. وأقصد بالطبع (البلد المعروفة بحدودها السياسية)

وهل الأمر غير ذلك؟!!!

ألا تُرسل الجهات المسئولة عن إعلان دخول الشهر الهجري- في مصر مثلاً - لجان الرؤية إلى أطراف الدولة السياسية إضافة إلى مدنها لاستطلاع الهلال؟! .. وهذا ما تفعله باقي الدول، فكيف يؤخذ كلامي - الذي هو حكاية عن واقع - على أنه انتقال مني بالمسألة من جانبها الشرعي إلى جانب سياسي؟!

إن القارئ ليجزم - باستنكارك قولي- أنك تريد بمعنى (البلد) في هذا العصر، وفي لغة الفقهاء المعنيين بالرؤية، شيء آخر غير (الدولة السياسية)، وربما يكون ذلك المعنى الذي تريده هو المعنى التراثي لـ (البلد)، وياليت الأمر كذلك. ولكننا لا نرى لغير معنى (الدولة السياسية) من استخدام. وإلا لكانت كل دولة سياسية معاصرة قابلة للتقسيم لعدد من البلدان (بالمعنى الذي يساير الحكم الشرعي في مسألة الهلال). فأين ذلك من واقعنا؟! - لا نرى شيئاً من هذا!

وإذا كان الواقع يؤكد قولي على نحو ما بينت في أن المعتمد في المعنى المعاصر لـ (البلد) هي الدولة ذات الحدود السياسية،
وإذا كان ذلك قد جعلك تستنكر أن دخول عبارة (الدولة السياسة) في المسألة، قد عكر صفوها الشرعي،
فلا بد أنك توافقني ضمناً على أن الواقع المعمول به في مسألة الهلال ودخول الشهر، ليس شرعياً تماماً، بل تشوبه التقسيمات السياسية، وربما أنها هي المسؤولة عنه بالدرجة الأولى.

وإذا كان ذلك كذلك، فكيف وافق أهل العلم على ذلك؟!
أظن أننا نقترب سوياً من لب المسألة،

أما عن قولكم أني:
قد خرجت المسألة بهذا عن كونها قضية أحكام شرعية إلى كونها مسألة سياسية ، لا دخل لها بعلة قصور وسائل الاتصال و الإبلاغ بخبر ثبوت الرؤية عند الغير ، المتعلل بها - و اختلافها و تغيّرها - في عدم العمل في عصرنا الحاضر بحديث ابن عباس .

أقول: إن المسألة ما زالت شرعية، وستظل، حتى بعد إثارة إشكالياتها السياسية، وتفصيل ذلك كالآتي:

هب أننا خلّصْناها من ارتباطها بالسياسة، وأصبح أهل العلم، وأصحاب قرار دخول الشهر لا يواجهون إلا تطبيق الشرع على ما يجب أن يكون، فأي معنى سيُقرّونه لـ (البلد) في ما جاء في أحاديث الهلال وشروح العلماء عليه؟

إن أخذوا بأن حدود البلد هي مسيرة يوم وليلة، دون اعتبار سبب هذا الحد، وأنه أقصى زمن لوصول خبر الرؤية، لحادوا عن الصواب، ولقسموا الأرض إلى 20000 بلد، بدلاً من 200 بلد سياسي، ولكانت الأزمة أشد.

أما الصحيح فهو: أنهم يجب عليهم اتباع مناط تعريف (البلد)، وأنه زمن وصول خبر الرؤية، ولأن ذلك يحدث في التو والحال، فالأرض كلها أصبحت في حكم الهلال بلدٌ واحد.

أخوكم
عزالدين كزابر
 
السلام عليكم د/خليل

عندما قلت في مشاركتي
فإنما أقول ذلك رواية، ولا أقوله تفسيرا من عندي. وأقصد بالطبع (البلد المعروفة بحدودها السياسية)

وهل الأمر غير ذلك؟!!!

ألا تُرسل الجهات المسئولة عن إعلان دخول الشهر الهجري- في مصر مثلاً - لجان الرؤية إلى أطراف الدولة السياسية إضافة إلى مدنها لاستطلاع الهلال؟! .. وهذا ما تفعله باقي الدول، فكيف يؤخذ كلامي - الذي هو حكاية عن واقع - على أنه انتقال مني بالمسألة من جانبها الشرعي إلى جانب سياسي؟!

إن القارئ ليجزم - باستنكارك قولي- أنك تريد بمعنى (البلد) في هذا العصر، وفي لغة الفقهاء المعنيين بالرؤية، شيء آخر غير (الدولة السياسية)، وربما يكون ذلك المعنى الذي تريده هو المعنى التراثي لـ (البلد)، وياليت الأمر كذلك. ولكننا لا نرى لغير معنى (الدولة السياسية) من استخدام.
......................
....................

أما الصحيح فهو: أنهم يجب عليهم اتباع مناط تعريف (البلد)، وأنه زمن وصول خبر الرؤية، ولأن ذلك يحدث في التو والحال، فالأرض كلها أصبحت في حكم الهلال بلدٌ واحد.

أخوكم
عزالدين كزابر
يا أخي العزيز

تقول إن تعريف ( البلد ) أنه ( البلد او الدولة المعروفة بحدودها السياسية )
و تقول إن ذلك التعريف هو رواية ،
ثم ترجع فتقول إنه حكاية عن واقع .
فبأي القول نأخذ ؟
و إذا كان حكاية عن واقع حاصل ؛ فالمسألة سياسية

- و لو سلّمناه : أفلم تكن الدولة وقت حديث سيدنا ابن عباس ( بلدا و دولة واحدة معروفة بحدودها السياسية ) بإمرة أمير المؤمنين سيدنا معاوية رضي الله عنهم ، و مع ذلك لم يأخذ ابن عباس رضي الله عنه في المدينة برؤية أهل الشام للهلال ، و عمل برؤية أهل المدينة . و الحديث صحيح رواه الإمام مسلم و غيره .
فما الجديد وفق ذلك التعريف الذي يستوجب في نظركم استئناف ذلك الحكم و تغيّره ؛ لاختلاف الأحوال ؟
و ما الصلة بين ذلك التعريف للبلد في الأخذ برؤية الهلال و بين التفسير العلمي للقرآن و السنة ؟

و كيف نجمع بين تعريفكم ( البلد ) بانه ( الدولة المعروفة بحدودها السياسية ) و بين قولكم إن مناط تعريف ( البلد ) : هو زمن وصول خبر الرؤية ؟

وفقنا الله و إياكم لكل نفع و خير

أخوكم
أبو بكر بن عبد الستار آل خليل
 
السلام عليكم د/ خليل
قولك:
تقول إن تعريف ( البلد ) أنه ( البلد او الدولة المعروفة بحدودها السياسية )
و تقول إن ذلك التعريف هو رواية ،
ثم ترجع فتقول إنه حكاية عن واقع .
فبأي القول نأخذ ؟

يظهر منه أن هذه الأقوال متعارضة، ولكنها ليست كذلك،
فعندما قلت أنا :
أقول ذلك رواية، ولا أقوله تفسيرا من عندي. وأقصد بالطبع (البلد المعروفة بحدودها السياسية)
فمعنى كلامي أني أروي عن الواقع المشهود خبراً، ولا أنشئه، وذلك لأنك كنت قد صرحت (في المشاركة #4) أن القول بـأن (البلد) هي البلد السياسي، هو تفسير من عندي، فأردت نفي أنه من عندي، وأنه من الواقع المشهود، وأني أرويه عنه فقط.
وكان غرضي من هذه الرواية عن الواقع التأكيد على أن الفقهاء عندما يستشهدون بالحديث، فإنهم يُسقطون معنى (البلد) على هذا العرف المعاصر دون أي اعتبار لوجوه أخرى للفظ (البلد) تحتملها اللغة، وتتعين من سياق شروح الحديث (والتي تعكس البيئة الثقافية والعملية القديمة)
أما قولك:
إذا كان (الأمر) حكاية عن واقع حاصل ؛ فالمسألة سياسية
فكأنك تُقر معي – كما استنتجت أنا في مشاركتي السابقة - أن مسألة رؤية الهلال ودخول الشهر أصبحت مسألة سياسية، وليست شرعية خالصة على أقل تقدير.
وإذا الأمر كذلك، فما الواجب على أهل العلم فعله، وأنتم ممن يتقلد شارتهم؟!
إلا أن تعود فتفند كلامي، وتقول: أن المسألة سياسية ولكن في إطار الشرع الذي أعطى لأولياء الأمر هامش من الضبط العرفي! – وساعتئذ سيكون أعتذار سياسي، للخروج من تبعة المسئولية!

ولكني لا أتهم في الحقيقة أولياء الأمر بالحيود عن الشرع، وإنما أشير إلى أن أهل العلم قد جعلوها مسألة سياسية من وجهين: الأول أنهم أسقطوا لفظ (البلد) على الدولة السياسية، فجعلوا القضية سياسية بأيديهم، وبعيداً عن وعي السياسيين. وثانياً، أنهم قيدوا الفتوى بتبعات (الدولة السياسية)، من حيث التحرج من عدم تعدي حدود الدولة السياسية، بتصدير أو استيراد الفتاوى عبر الحدود. فكانت النتيجة أن أصبحت مسألة الهلال مسألة سياسية، بأيدي أهل العلم!
أما عن قولك:
لو سلّمناه (بأن المسألة سياسية): أفلم تكن الدولة وقت حديث سيدنا ابن عباس ( بلدا و دولة واحدة معروفة بحدودها السياسية ) بإمرة أمير المؤمنين سيدنا معاوية ، و مع ذلك لم يأخذ ابن عباس في المدينة برؤية أهل الشام للهلال ، و عمل برؤية أهل المدينة . و الحديث صحيح رواه الإمام مسلم و غيره

فأقول:
قد ذكرت أنا من قبل هذا المعنى باعتبار أنه وجه لُغوي مقبول من ألفاظ الوجوه والنظائر (في المشاركة # 3 )، وفندت أن يكون هذا المعنى للبلد هو المقصود بـ (البلد) في حديث الترمذي، وكان علة التفنيد، قولي:
من المستحيل على أهل الشام جميعاً أن يكون لهم هلال واحد، لأن هذا الوصف للبلد - في سياق مسألة الرؤية واختلاف المطالع، أو ما سمي بـ (حد المطلع) - كان حتماً يمنع من هذا التوحد لاتساع رقعة الشام عن مسيرة يوم وليلة.(بوسائل الانتقال وقتئذ)
وبهذا التفنيد أكون قد رددت على قولك:
فما الجديد وفق ذلك التعريف الذي يستوجب في نظركم استئناف ذلك الحكم و تغيّره ؛ لاختلاف الأحوال ؟

والجديد هو اكتشاف أن هناك فرق بين وجهي معنى لفظ (البلد) بين (الدولة السياسية) الذي هو أحد الوجوه اللغوية الجائزة قديماً وحديثاً، وبين وجه آخر هو (القطعة المستحيزة من الأرض) التي أقصاها من مركزها هو مبلغ وصول الخبر في يوم وليلة. وأن هذا الوجه الأخير هو المناسب في سياق حديث الترمذي دون الأول (الدولة السياسية) المعمول به في وقتنا هذا دون انتباه!، والذي تُبنى عليه أحكام عديدة، ومنها حكم الهلال الذي نحن بصدده.

وأما عن وجوه المعاني في لفظ (البلد)، وفيما جاء منها في القرآن، فقد ذكر كل من ابن الجوزي ("نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر"، مؤسسة الرسالة، 1984،ص201-202)، والدامغاني ("إصلاح الوجوه والنظائر"، دار العلم للملايين، ط3،1980، ص76-77) أربعة أوجه هي: (مكة، سبأ، البقعة النامية، و مكان لا نبت فيه). ووجوه أخرى في اللغة العربية في غير القرآن...
وهذا الأمر شائع في أغلب ألفاظ اللغة، فلفظ (الشجرة) في لغتنا المعاصرة له وجوه منها: كل شجرة نابتة، وشجرة النسب، وشجرة تصنيفات الكائنات النباتية، ...إلخ. ويتعين وجه واحد فقط للّفظ الواحد من وجوهه المتعددة من سياق الكلام، (يراجع في ذلك: فصل "السياق ووظائفه" في كتاب "الوجوه والنظائر في القرآن الكريم"، سلوى محمد العوا، إشراف عائشة عبدالرحمن (بنت الشاطئ)، دار الشروق، 1998، ص62-78).

أما قولك:
و ما الصلة بين ذلك التعريف للبلد في الأخذ برؤية الهلال و بين التفسير العلمي للقرآن و السنة ؟

أقول: أن التفسير العلمي حسب ما قدمت به في صدر هذا الموضوع وعرفته بأنه:
استئناف الحكم في مسالةٍ ما، بسبب ما قد طرأ عليها من معلومات جديدة، بما يستوجب إعادة النظر في أحكامها السابقة. وهي الأحكام التي كان تطبيقها في زمنها صحيحاً لأن حجم المعلومات (والمتمثل في مسألة الهلال بأمد وصول خبر رؤية، و ...) كان جزءاً من مناطات المسألة، فلما تغيّرت بعض المناطات أو تعدّدت، تطلب الأمر تغيُّر الحُكم المقيد بها.
فإنه يُستدعى للفصل في مسألة الهلال (بجملتها، وليس فقط بتعريف (البلد))، لعدة مستجدات:
(1) أن لفظ (البلد) قد استخدم من قبل الفقهاء في العصر الراهن على وجه (الدولة السياسية)، وهذا خلاف ما يستوجبه سياق شروح الأحاديث النبوية في البيئة القديمة التي كان لفظ (البلد) فيها لا يمكن أن يتعدى نطاقه – في سياق الكلام على رؤية الهلال- ما يصل به خبر الرؤية على أسرع مسير. وبتطبيق هذا المعيار الآن، تكون الأرض جميعاً بلداً واحداً إلا من أي قيود تتعين من علم الفلك الشرعي.

(2) أن الفلك الشرعي (مواعيد الاقتران، خرائط رؤية الهلال بدرجات احتمالها، خرائط الطقس ومستويات الغيوم، ... إلخ) قد زادت فيه المعلومات عما كان في زمن السلف عليهم رضوان الله. وأصبح بمعيته يمكن حصر النطق المكانية والزمنية التي ترتفع فيها رجاحة رؤية الهلال على مستوى الأرض جميعاً باعتبارها بلد واحد، وتنعدم في سواها. وبهذه المعلومات (وهو ما أسهبت في شرحه معنىً وتصويراً في مقالة "رجحان المقال في مسألة الهلال" على رابطة بالمشاركة # 1) تتوجه لجان استطلاع الهلال، مكاناً وزماناً. ويكون نتيجة استطلاعها خبراً واحداً لأهل الأرض جميعاً.

وبهذا التوصيف تكون مسألة الهلال، وفي ثناياها تعريف (البلد) قد انتهجت منهجاً (أي تفسيراً) علمياً في إعمال الضوابط الشرعية في دخول الشهر في ضوء المستجدات المعلوماتية التي لم تكن معلومة في الماضي.

أما قولك في الأخير:
و كيف نجمع بين تعريفكم ( البلد ) بانه ( الدولة المعروفة بحدودها السياسية ) و بين قولكم إن مناط تعريف ( البلد ) : هو زمن وصول خبر الرؤية ؟
فيبدو منه أني ربما لم أفصح عن المعنى الذي أردت:
وما أردته من ذلك أن (البلد) لها في اللغة وجهان (فيما نحن بصدده) يجب التمييز بينهما، لا الجمع:

الأول هو:( الدولة المعروفة بحدودها السياسية )، وهذا الوجه قد خطأت أنا من اعتمده.

الثاني: (ما كان مناط تعريفه " زمن وصول خبر الرؤية ")، وهذا هو الوجه الذي يتفق وسياق أحاديث الرؤية، وأن لكل بلد رؤيتها بحكم قِصَر هذه المسافة وقتها. فالبلد هنا هي ما كان من أرض يسكنها المسلمون، ولا يمكن أن يعلموا من غيرهم أو يخبروا غيرهم إذا رأى أي من الطرفين الهلال، ولو سار الرسول الحامل لخبر الرؤية أسرع مسير.

والخلاصة أني أفرق بين وجهي لفظ (البلد)، فأخَطِّئ العمل بالوجه القائل بأنه (الدولة السياسية)، وأعتمد القول بأنه النطاق من الأرض الذي يمكن أن يعمُّه خبر الرؤية لمن رآها. وبتطبيق هذه المعيار الآن، يمتد نطاق البلد مما كان في الماضي بقدر مسيرة القصر إلى أن يعم الآن الأرض جميعاً. ومن ثم تكون الأرض كلها قد أصبحت بلدا واحدا بحكم وسائل الاتصال الآنية.

هذا، وآمل إعادة قراءة المقالة الموجودة على الرابطة بصدر الموضوع، فإنها مشمولة بالصور، بما يزيد الأمر وضوحاً.
والله الموفق
أخوكم
عزالدين كزابر.
 
بسم الله الرحمن الرحيم
......
1- أن مسألة الهلال، والمتمثلة في الدخول الشرعي للشهر القمري، ينبغي أن تُصَنّف بالدرجة الأولى ضمن مسائل "التفسير العلمي للقرآن والسنة"، باعتباره علماً منضبطاً. وذلك من حيث أن حد هذا العلم هو: [استئناف الحكم في مسالةٍ ما، بسبب ما قد طرأ عليها من معلومات جديدة، بما يستوجب إعادة النظر في أحكامها السابقة. وهي الأحكام التي كان تطبيقها في زمنها صحيحاً لأن حجم المعلومات (والمتمثل في مسألة الهلال بأمد وصول خبر رؤية، و ...) كان جزءاً من مناطات المسألة، فلما تغيّرت بعض المناطات أو تعدّدت، تطلب الأمر تغيُّر الحُكم المقيد به].
..........
.........
هذا وقد وضعنا معالجة لمسألة الهلال باعتبارها تفسيراً علمياً، ونشرنا مُقدِّمة (وفقط مُقدِّمة) لها على هذا الرابط:

رُجحان المقال في مسألة الهلال

ونطرح الأمر للمناقشة، لأهميته كما تعلمون.

عزالدين كزابر
لكي لا تتشعب المسائل و تبتعد بنا عن أصل الموضوع المطروح للمناقشة و المراجعة ، هناك أسئلة ، منها :

السؤال الأول : ما الحكم الواجب تغييره في عصرنا هذا - برأيكم - في أحكام رؤية الهلال و دخول الشهر - مما ذكرناه من أقوال أهل العلم المعتبرين ، في المداخلة رقم (2) - ؟

الثاني : هل كان ذلك الحكم - المستوجب إعادة النظر فيه و تغييره في عصرنا هذا - مُقَيّدا بقيد ما ، و ما هو " دليل " ذلك التقييد و " التخصيص " ؟
 
أخي الدكتور / أبو بكر خليل
السلام عليكم ورحمة الله
سألتني وقلت:
لكي لا تتشعب المسائل و تبتعد بنا عن أصل الموضوع المطروح للمناقشة و المراجعة ، هناك أسئلة ، منها :

السؤال الأول : ما الحكم الواجب تغييره في عصرنا هذا - برأيكم - في أحكام رؤية الهلال و دخول الشهر - مما ذكرناه من أقوال أهل العلم المعتبرين ، في المداخلة رقم (2) - ؟

الثاني : هل كان ذلك الحكم - المستوجب إعادة النظر فيه و تغييره في عصرنا هذا - مُقَيّدا بقيد ما ، و ما هو " دليل " ذلك التقييد و " التخصيص " ؟

فأجيب وأقول: بسم الله الرحمن الرحيم

المداخلة رقم (2) تعلقت فقط بـ (الحكم بالتخطئة على من التزم – من المعاصرين- برؤية الهلال في بلده السياسي فقط، وأعرض عن خبر الرؤية في غير بلده السياسي - حتى ولو أُعلن عنها إعلاناً موثوقاً. ثم اعتراضك على هذه التخطئة لمعارضتها الظاهرة - وإن لم تكن حقيقية - لأقوال أهل العلم فيما قاله الترمذي كمثال.)

وعلة الحكم بالتخطئة عندي، يعود إلى الخلط في فهم المعاصرين للفظ (البلد) بين المعنى القديم المتعلق بالسياق (أي: المنطقة التي ينتشر فيها خبر الرؤية إلى أقصى مدى قبل حلول الليلة التالية)، والمعنى الشائع المعاصر (أي: البلد السياسي). وإذا تجلَّى هذا الفرق في المعنى، انفكت علة النقل عن الترمذي وغيره من أهل العلم، في أن التطبيق المعاصر لمن اعتبر أن كل (بلد سياسي) بلد واحد لأهله في رؤية الهلال دون غيرهم، تطبيق لأقوالهم.

والأدلة :
أولاً: عقلية، وذلك لاستحالة أن ينتقل خبر الرؤية قديماً (بين السويس ومرسى مطروح مثلاً في مصر إذا رؤي في أحدهما قبل حلول الليلة التالية)، ومثلهما (بنغازي وطرابلس في ليبيا)، ومثلهما (نجد وجدة في السعودية) ... إلى غير ذلك من أمثلة غير منحصرة. فكيف يُعمم حكم ويُطبّق في العصر الراهن، في الوقت الذي ينفي العقل ورود معناه المعمم مع ظروف العصر الذي نُقل عنه الحكم؟! – وخاصة أنه حكم مستنبط من علماء عصرهم، وليس منطوقاً به صريحاً في النص، حتى يُحتج على ذلك بأن الله عز وجل يعلم ما سيكون وأن الحكم عام، وإلى قيام الساعة.

ثانياً: أن من قالوا باختلاف المطالع لم يتفقوا على معايرة حدود البلد، أهي مسافة القصر بعينها، أم امتدادٌ تقديريٌ لأهل القضاء في كل بلد. وأي حكم تعبدي لا بد له من مواقيت مكانية وزمنية كُلٌّ بحسبه. وإذا غاب المعيار وكان ضرورياً، فلا بد أنه تقديري ويتغير بحال المتعبدين. ومعلوم أن حال المتعبدين بالأحكام المتعلقة بدخول الشهور يلزمهم أمد محدود لوصول خبر دخوله، وألا يمتد إلى دخول الليلة التالية، وإلا فقد الخبر معناه، ودخل الشهر بالتمام.

ثالثاً: أن من قالوا باختلاف المطالع مزجوا بين أمرين: الأول: حد اتساع البلد لوصول الخبر، ومن ثم الجهل بمعرفة حال الرؤية وراء هذا الحد. والثاني: كون الهلال يطلع على قوم ولا يطلع بالضرورة على غيرهم، دون التقيد بالأول، وهذا الثاني هو أصل التسمية (اختلاف المطالع). وهاتان المسألتان مميزتان الآن علمياً، فالمسألة الأولى أصبح لا قيمة لها بعد وصول خبر الرؤية في الحال. وفي الثانية يمكن تعيين أي البلاد (أقصد المناطق) تشترك وأيها تختلف في طلوع الهلال عليها (أنظر شكل: 10 بمقالة: "رُجحان المقال في مسألة الهلال"). فما كان مستحيل العلم به زمن أصحاب الفتوى المنقولة من القديم أصبح معلوماً الآن. ومعلوم أن جديد المعلومات التي تحسم ما كان غامضاً يتطلب إعادة فتح القضية، واستئناف التحقيق والحكم.

رابعاً: أن القول بأن لكل بلد (قوم/منطقة) رؤيتها، كان معالجة الأمر بإمكانات أهله، حيث كان من المستحيل عليهم فعل شيء خلاف ذلك. وإذا زالت الاستحالة - وهو من جديد الأمر الذي يستدعي استئناف الحكم- يعاد إلى الأصل، والذي هو عموم العمل بدخول الشهر وكل ما يلزم عنه إذا عُلم برؤية الهلال على الأرض، ومن أي موقع. ولهذا كان القول بـ "اتحاد المطالع" هو الأصوب نظرياً، ولكنه كان المستحيل عملياً. وفي عصرنا الآن اجتمع للقول بـ "اتحاد المطالع"، أقصد: "رؤية واحدة للهلال لكل أهل الأرض" الصحة النظرية والإمكانية العملية (وهذه هي الآلية التي تشرحها مقالة: "رُجحان المقال في مسألة الهلال"). ومن ثم يصبح اللجوء للاضطرار (أي: الأخذ بأن لكل بلد رؤيتهم) غير جائز.

وهناك مزيد من الأدلة والقرائن وفي ذلك تفصيل واسع....، منها إهمال المعاصرين بشكل عام لوجوه معاني الألفاظ التي ينقلونها من كتب التراث الفقهي، ومنها لفظ (البلد)، رغم ارتباطها الوثيق بسياقات الفتاوى البيئية والمعرفية والمعلوماتية والاجتماعية وأعراف الناس في القديم. وقد شرحنا شيء من ذلك، فيما يخص لفظ (البلد) في المداخلة السابقة.

أخوكم
عزالدين كزابر
 
الأخ الفاضل / الأستاذ عز الدين
مرة أخرى ، و بصرف النظر عمن قال إن المقصود بـ(البلد ) : البلد السياسي : أَهُوَ أنا أَم غيري ،
أعيد ما قاله الإمام الخطابي (ت388هـ) في كتابه " معالم السُنن " - بعد أن أورد حديث ابن عباس رضي الله عنها ، الذي أخرجه الإمام أبو داود و غيره - قال :
(( اختلف الناس في الهلال يستهله أهل بلد في ليلة ثم يستهله أهل بلد آخر في ليلة قبلها أو بعدها ،
1- فذهب إلى ظاهر حديث ابن عباس : القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله بن عمر وعكرمة وهو مذهب إسحاق ، وقالوا : لكل قوم رؤيتهم.
2- وقال ابن المنذر : قال أكثر الفقهاء : إذا ثبت بخبر الناس أن أهل بلد من البلدان قد رأوه قبلهم ، فعليهم قضاء ما أفطروه، وهو قول أصحاب الرأي ومالك، وإليه ذهب الشافعي وأحمد )) . اهـ

و سؤالي لكم :
لكي لا تتشعب المسائل و تبتعد بنا عن أصل الموضوع المطروح للمناقشة و المراجعة ، هناك أسئلة ، منها :

السؤال الأول : ما الحكم الواجب تغييره في عصرنا هذا - برأيكم - في أحكام رؤية الهلال و دخول الشهر - مما ذكرناه من أقوال أهل العلم المعتبرين ، في المداخلة رقم (2) - [ و أعدته أعلاه هنا ] ؟

الثاني : هل كان ذلك الحكم - المستوجب إعادة النظر فيه و تغييره في عصرنا هذا - مُقَيّدا بقيد ما ، و ما هو " دليل " ذلك التقييد و " التخصيص " ؟
 
السلام عليكم الدكتور خليل:
- إذا أراد أن يأخذ عمرو بالرأي الأول، وزيد بالرأي الثاني، مما قاله الشيخ الخطابي، فما هي الآلية لكل منهما في إسقاط الحكم على أهالي المدن الآتية: غزة، العريش، مرسى مطروح، بني غازي؟
- بمعنى: هل أهالي هذه المدن من قوم، أو قومين أو ثلاثة أو أربعة؟
- وما هو حكم كل من عمرو وزيد في دخول الشهر لأهالي المدن الأربعة إذا رُئي الهلال في واحدة فقط من تلك المدن؟

عزالدين كزابر
 
السلام عليكم دكتور خليل

وددت لو أنك تجيبني بما عندك
فليس غرضي إلا معرفة الحجة التي تجول بخاطرك في ضوء المدارس الفقهية الراهنة
فإن قررت عدم الرد، فأبلغني ...لأني أنتظر الرد
وليس هناك منتصر ومهزوم
فكلنا مهزومون لو ظل الحال على ما هو عليه

أخوكم عزالدين
 
السلام عليكم الدكتور خليل:
- إذا أراد أن يأخذ عمرو بالرأي الأول، وزيد بالرأي الثاني، مما قاله الشيخ الخطابي، فما هي الآلية لكل منهما في إسقاط الحكم على أهالي المدن الآتية: غزة، العريش، مرسى مطروح، بني غازي؟
- بمعنى: هل أهالي هذه المدن من قوم، أو قومين أو ثلاثة أو أربعة؟
- وما هو حكم كل من عمرو وزيد في دخول الشهر لأهالي المدن الأربعة إذا رُئي الهلال في واحدة فقط من تلك المدن؟

عزالدين كزابر
أخي الكريم
سلام الله عليكم و رحمته و بركاته

ما منعني من الرد إلاّ أنني أرى أننا ندور في دائرة مغلقة . هذا ما أراه ؛ فلا تجعله محلا للمناقشة ؛ لكي تكون ذات جدوى .
و بخصوص المثال المذكور - في ضوء ما قاله الإمام الخطابي و غيره - يُمكن الأخذ بأحد الرأييْن المتقدم ذكرهما ، و لا أدري أي مانع يمنع من الترائي للهلال في كل دولة الآن - أو في كل منطقة من مناطق الدولة ذات الاتساع الكبير - و أحسب أن نتيجة الترائي للهلال ستكون واحدة في البلاد المذكورة ؛ لتقاربها .
و أمّا عند تباعد البلاد كالأندلس من خراسان مثلا ، فقد حكى الإمام ابن عبد البر أن رؤية أحدهما لا تُراعى عند الآخر .
و أمّا ضابط البُعد فراجعه في نيل الأوطار للشوكاني و في غيره ، و ما أظن ان هذا بخاف على مثلكم

هذا ما عندي - أخي
و سلام الله عليكم و رحمته و بركاته
 
السلام عليكم د. خليل

وددت لو أنك كاشفتني بالحقيقة في الإقرار بإشكالية تطبيق الرأي باختلاف المطالع في زمننا هذا، وبما يوجب إعادة النظر فيه.
وأقصد أن هذا الظرف الجغرافي للمدن المذكورة (غزة- العريش- مطروح- بني غازي) يشبه تماماً الظرف الجغرافي للمدن (الخُبر- أبقيق- الرياض- مكة) في الجزيرة العربية على سبيل المثال، سواء من حيث المسافات تقريبا، أو من حيث امتداد كل مجموعة منهما بين الشرق والغرب.

وفي الوقت الذي تفترش المجموعة الأولى ثلاث دول سياسية هي (فلسطين – مصر - ليبيا)
تفترش المجموعة الثانية دولة سياسية واحدة هي (المملكة العربية السعودية)

فكيف بنا نطبق مبدأً واحداً (اختلاف المطالع) على كلا الحالتين، فنخرج بافتراق المجموعة الأولى لدخول شهر الصيام عليها، ربما على ثلاثة أو أربع أيام، كما أظهرت ذلك بالإحصاءات الرسمية في صدر الدراسة التي كانت داعي الحوار، في حين أن تطبيق نفس المبدأ على الحالة الثانية يوجب على أهل تلك المدن دخول الشهر سوياً وبرؤية واحدة؟!

هناك إشكالية إذاً في التطبيق، أو في نقل رأي ابن عباس وإسقاطه على ظرف جغرافي معرفي إعلامي مختلف.
وأهم أسباب هذه الإشكالية هو [الإجمال في تعريف (البلد)؛ أهي المنطقة المنعزلة معرفياً عن مثيلاتها من البلاد، وهو الحال الذي يتسق مع حديث ابن عباس، والذي لم يعد موجوداً في زمننا هذا، ومثله مثل (تحرير الرقاب)، أم أنها (الدولة السياسية) كما هو مطبق الآن بلا اكتراث ولا تمييز في اختلاف المعنى، وهذا الإجمال هو ما حاولت التركيز عليه في ثنايا الحوار على أنه محل النزاع الحقيقي؟!]

أما القول بأن هذا الحال لا بأس به، ولا إشكال معه، وأن يصوم بعض المسلمون ويفطر آخرون على المدن الحدودية وهم يصافحون بعضهم بعضاً، وأن يمتد دخول الشهر على الأرض على أربعة أيام، فهذا من أغرب ما يمكن تصوره، ولو رآنا رسول الله لأنكر علينا هذا.

وأخيراً، سعدت بالحوار معكم أخي العزيز.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
أخوكم: عزالدين كزابر
 
أظن لا حاجة للعلم إذا توفّر ما هو أعلى درجة من هذا العلم (المفهوم الحديث) وهو الذي لا تقوم لهذا العلم قائمة بدونه: المشاهدة و -- أو النقل (الخبر الصحيح المنقول عن ثقة و -- أو عن جماعة يستحيل تواطئهم على على الكذب).
 
الأخ العزيز / شايب

كأنك تذم عِلماً مُدّعى!
إن كان: فصَرّح به، وعلِّل،
وحرر محل النزاع، واقطع،
ولا تُعَمِّم فتُلبِس، أو تجرح فتؤذي، أو تُخطئ فتندم،
وربما تُصيب فتُمْدَح.
 
عودة
أعلى