المنتقى من أقوال المفسرين في ربط تفسير الآيات بالواقع المعاش

إنضم
02/04/2003
المشاركات
1,760
مستوى التفاعل
0
النقاط
36
الإقامة
السعودية
الموقع الالكتروني
www.tafsir.org
بسم الله الرحمن الرحيم
القرآن الكريم كتاب هداية ، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، ويخرج من استضاء به من الظلمات إلى النور .
ولا شك أن من أهم المهمات التي ينبغي لكل من فسر القرآن أن يوليها الاهتمام اللائق بها : دعوة الناس إلى العمل به ، وحل مشاكلهم بما تضمنه من الهدى ، وإنذارهم بما فيه من الوعيد ، والاجتهاد في ربط هداياته بواقعهم الذي يعيشونه .
ولقد كان هذا الأمر من الأمور التي اهتم بها المفسرون قديماً وحديثاً ، وذكروا في ثنايا تفسيرهم للقرآن نصائح وتوجيهات ، ونبهوا على تنبيهات مهمات ، وذكّروا بالقرآن من غفل أو نسي أو أعرض لعله يتذكر أو يخشى .

وقد لفت انتباهي وأنا أقرأ في كتب التفسير الكثيرُ من هذه النصائح والتنبيهات والإرشادات فأردت أن أذكر شيئاً منها هنا للتنبيه على أهمية هذا الأمر لمن تصدى لتفسير القرآن وتعليمه للناس .
وإلى القارئ الكريم بعض هذه النقول :
· قال العلامة الشنقيطي بعد تفسيره لقوله تعالى في سورة محمد : {إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَـٰنُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ ٱلاٌّمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ } :

( مسألة
اعلم أن كل مسلم، يجب عليه في هذا الزمان، تأمل هذه الآيات، من سورة محمد وتدبرها، والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد؛ لأن كثيراً ممن ينتسبون للمسلمين داخلون بلا شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد.
لأن عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما نزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو هذا القرآن وما يبينه به النبي صلى الله عليه وسلم من السنن.
فكل من قال لهؤلاء الكفار الكارهين لما نزله الله: سنطيعكم في بعض الأمر، فهو داخل في وعيد الآية.
وأحرى من ذلك من يقول لهم: سنطيعكم في الأمر كالذين يتبعون القوانين الوضعية مطيعين بذلك للذين كرهوا ما نزل الله، فإن هؤلاء لا شك أنهم ممن تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم.
وأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه ، وأنه محبط أعمالهم.


فاحذر كل الحذر من الدخول في الذين قالوا: سنطيعكم في بعض الأمر.) انتهى
 
ومن ذلك أيضاً :
ما ذكره الشيخ الشنقيطي كذلك في سياق كلام طويل قيم نفيس في التنبيه على قضايا مهمة متعلقة بتفسير قوله تعالى : ( أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24) ؛ قال رحمه الله :

(والله جل وعلا يقول في سورة القمر مرات متعددة: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. ويقول تعالى في الدخان: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَـٰهُ بِلِسَـٰنِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}. ويقول في مريم: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَـٰهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ ٱلْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً}.
فهو كتاب ميسر، بتيسير الله، لمن وفقه الله للعمل به، والله جل وعلا يقول : ( بَلْ هُوَ ءَايَـٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ فِى صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ}، ويقول {وَلَقَدْ جِئْنَـٰهُمْ بِكِتَـٰبٍ فَصَّلْنَـٰهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.
فلا شك أن الذي يتباعد عن هداه ، يحاول التباعد عن هدى الله ورحمته.
ولا شك أن هذا القرآن العظيم، هو النور الذي أنزله الله إلى أرضه، ليستضاء به فيعلم في ضوئه الحق من الباطل والحسن من القبيح والنافع من الضار، والرشد من الغي.
قال الله تعالى: {يَـٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً}.
وقال تعالى: {قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌيَهْدِى بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلَـٰمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَـٰهُ نُوراً نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا} وقال تعالى: {فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلنّورِ ٱلَّذِىۤ أَنزَلْنَا} وقال تعالى: {فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ}.

فإذا علمت أيها المسلم أن هذا القرآن العظيم، هو النور الذي أنزله الله ليستضاء به، ويهتدى بهداه في أرضه، فكيف ترضى لبصيرتك أن تعمى عن النور.
فلا تكن خفاشي البصيرة، واحذر أن تكون ممن قيل فيهم:

خفافيش أعماها النهار بضوئه ...... ووافقها قطع من الليل مظلم
مثل النهار يزيد أبصار الورى ...... نوراً ويعمي أعين الخفاش

{يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَـٰرَهُمْ}. {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَـٰبِ}.
ولا شك أن من عميت بصيرته عن النور، تخبط في الظلام، ومن لم يجعل الله له نوراً، فما له من نور.

وبهذا تعلم أيها المسلم المنصف، أنه يجب عليك الجد، والاجتهاد في تعلم كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبالوسائل النافعة المنتجة، والعمل بكل ما علمك الله منهما، علماً صحيحاً.
ولتعلم أن تعلم كتاب الله وسنة رسوله في هذا الزمان أيسر منه بكثير في القرون الأولى، لسهولة معرفة جميع ما يتعلق بذلك، من ناسخ ومنسوخ وعام وخاص، ومطلق ومقيد، ومجمل ومبين وأحوال الرجال، من رواة الحديث، والتمييز بين الصحيح والضعيف، لأن الجميع ضبط وأتقن ودون، فالجميع سهل التناول اليوم.
فكل آية من كتاب الله قد علم ما جاء فيها من النبي صلى الله عليه وسلم ثم من الصحابة والتابعين وكبار المفسرين.
وجميع الأحاديث الواردة عنه صلى الله عليه وسلم حفظت ودونت، وعلمت أحوال متونها وأسانيدها وما يتطرق إليها من العلل والضعف.) انتهى .
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الشيخ و القلم البحَّاث / أبا مُجَاهِد العبيدي سلَّمه الله

لا شكَّ أن المفسِّرين قاموا بأدوارهم كاملة ووفَّوا و ما نقصوا ، و قد أشرتَ - حفظك الله و طيَّب قلمك –

((
ولا شك أن من أهم المهمات التي ينبغي لكل من فسر القرآن أن يوليها الاهتمام اللائق بها : دعوة الناس إلى العمل به ، وحل مشاكلهم بما تضمنه من الهدى ، وإنذارهم بما فيه من الوعيد ، والاجتهاد في ربط هداياته بواقعهم الذي يعيشونه .
ولقد كان هذا الأمر من الأمور التي اهتم بها المفسرون قديماً وحديثاً ، وذكروا في ثنايا تفسيرهم للقرآن نصائح وتوجيهات ، ونبهوا على تنبيهات مهمات ، وذكّروا بالقرآن من غفل أو نسي أو أعرض لعله يتذكر أو يخشى .
))
ولذا فنحن أمام مسألةٍ مُهِمَّة و هي مدى قدرة المفسِّر على إفادة أهل مجتمعه و من يفسِّر لهم كلام الله تعالى ، إذ إن تفسير القرآن لا ينبغي أن يتحول إلى تفكيك رموز دون أن يكون لها هدايات و آثارٌ في توجيه الناس و دعوتهم إلى الله تعالى ، و تقريبهم إلى جنَّة الله و رضوانه - هذا في الأصل – لكن ما نفتقده – أحياناً – هو غياب هذا الهدف عند البعض ، و لذا خرج هذا الموضوع الجميل لأنَّ ربط الواقع بكلام الله قليل و الله المستعان .
وكنت قد حاولت ربط الترف بالواقع من خلال فهم أسباب الترف و مظاهره و علاجه ، من خلال القرآن و ربط ذلك بالواقع فكان من أهمِّ تلك المظاهر التي ذكرتها ووجدت المفسِّرين قد أشاروا إلى كثير منها ؛ وحيث إن الترف ظاهرةٌ متمِّيزةٌ لدى الأغنياء و الفقراء فلقد صوَّرت لنا الآيات في سورة يوسف بعض مظاهر الترف غير المألوفة في الأزمان السابقة سوى العلية من القوم و الطبقة الراقية منهم كما جاء في الآيات التالية يقول الله I ] وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {30} فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ {3 } قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ {32}[ ، يتجلى في هذه الآيات الكثير من الكماليات التي يسعى إليها المترفون ؛ وقد يحصلُ بعضها لهم نظراً لطبيعة الطبقية التي يعيشونها والمجتمع الذي يتعاملون معه دون أن يبحثوا عنها ، وقد تأتي بعد إجهاد المرء نفسه للكماليات على حساب الواجبات والمستلزمات الضرورية ، لكن المجتمع لا يرحمه – في نظره - !!
فتلك القصة في ذكر امرأة العزيز توضح بعض اللمحات وتكشف النقاب عن كثيرٍ من الهنات لدى المترفين - آمالاً وأعمالاً - في القصور :
يقول سيد قطب رحمه الله ص 1984 – 1985 ( لقد أقامت مأدبة في قصرها . وندرك من هذا أنهن كن من نساء الطبقة الراقية . فهن اللواتي يدعين في القصور . وهن اللواتي يؤخذن بهذه الوسائل الناعمة المظهر . ويبدو أنهن يأكلن وهن متكئاتٍ على الوسائد والحشايا على عادة الشرق في ذلك الزمان . فأعدت لهن هذا المتكأ . وآتت كلَّ واحدةٍ منهن سكيناً تستعملها في الطعام – ويؤخذ من هذا أن الحضارة المادية في مصر كانت قد بلغت شأواً بعيداً ، وأن الترف في القصور كان عظيماً ؛ فإن استعمال السكاكين في الأكل قبل هذه الآلاف من السنين له قيمته في تصوير الترف والحضارة المادية – وبينما هنّ منشغلاتٍ بتقطيع اللحم أو تقشير الفاكهة ؛ فاجأتهنَّ بيوسف ....ثم قالت قولة المرأة المنتصرة ، التي لا تستحي من بنات جنسها وطبقتها ، والتي تفخر عليهن بأن هذا في متناول يدها ... ) .
وقد ندرك الترف في بعض الصور منها : أنها أرسلت غيرها بالدعوة إيغالاً في السلطة وتميزاً بين نساء الطبقة ، ولإثبات القدرة والسيطرة على الأمور ، وأنهن لا يزلن في عداد طبقتها ولم تكن شاذةً عنهن بارتكابها هذا الخطأ !!
ومنها : أن أعدت لهن المتكئات يقول الألوسي رحمه الله 7 / 342 ، ( أي ما يتكئن عليه من النمارق والوسائد كما روي عن ابن عباس وهو من الإتكاء : الميل إلى أحد الشقين ... وروي عن الحبر - أيضاً - أن المتكأ : مجلس الطعام لأنهم كانوا يتكؤن كعادة المترفين المتكبرين ) ، والتي لا توجد هذه – في الغالب - إلا في بيوت الطبقة الأرستقراطية آنذاك وبعده ، وأعطت كلّ واحدةٍ من أولاءِ النسوة سكيناً مع كثرة الأكلة ووفرة أصناف الطعام ومع ذلك فالسكاكين والمتكئات متوفرة ، واعتمدت كذلك على عنصر المفاجأة ] اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ [ مما يؤكد أن العدد كبير والفرصة مواتيةٌ لدخوله ؛ لاكتمال العدد !!
ومنها : التبجح في ارتكاب المنكر وإضماراً للشر وتبييتاً له ] وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ {32}[ ، يقول سيد قطب رحمه الله ص 1980 : ( فهذه البيئة التي تسمح بهذا . وذلك بيئةٌ خاصةٌ ؛ هي بيئة الطبقة المترفة دائماً ) .
ومنها : ضعف الغيرة في مواجهة الخيانات الزوجية فهنا كما يقول سيد رحمه الله ص 1983 : ( تبدو لنا صورة من " الطبقة الراقية " في الجاهلية قبل الآف السنين وكأنها هي هي اليوم شاخصةٌ : رخاوةٌ في مواجهة الفضائح الجنسية ؛ وميلٌ إلى كتمانها عن المجتمع ، وهذا هو المهم كله ) .

وأحب إلى أشيد بما ذكرته من الحاجة إلى ربط الآيات بالواقع و الحياة التي يعيشها الناس فكلام الله ليس مقصوراً

على طائفةٍ أو زمن و الله المستعان

و الله يتولى الجميع بحفظه و توفيقه

محبك عبد الله
 
ومن أمثلة ذلك ما ذكره الشنقيطي أيضاً عندما ذكر أصول الاقتصاد في الإسلام عند تفسيره لقول الله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } (الفرقان:67) ، فقد قال بعد كلام مهم يحسن الرجوع إليه في أضواء البيان :


( ولا شكّ أنه يلزم المسلمين في أقطار الدنيا التعاون على اقتصاد يجيزه خالق السمٰوات والأرض، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ويكون كفيلاً بمعرفة طرق تحصيل المال بالأوجه الشرعية ، وصرفه في مصارفه المنتجة الجائزة شرعًا ؛ لأن الاقتصاد الموجود الآن في أقطار الدنيا لا يبيحه الشرع الكريم، لأن الذين نظموا طرقه ليسوا بمسلمين، فمعاملات البنوك والشركات لا تجد شيئًا منها يجوز شرعًا، لأنها إما مشتملة على زيادات ربوية ، أو على غرر، لا تجوز معه المعاملة كأنواع التأمين المتعارفة عند الشركات اليوم في أقطار الدنيا، فإنك لا تكاد تجد شيئًا منها سالمًا من الغرر، وتحريم بيع الغرر ثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن من يدّعي إباحة أنواع التأمين المعروفة عند الشركات، من المعاصرين أنه مخطىء في ذلك، ولأنه لا دليل معه بل الأدلّة الصحيحة على خلاف ما يقول، والعلم عند اللَّه تعالىٰ. )
 
إلى أبي مجاهد والخضيري....مع التحية:
أُحيطكم علماً بأنَّ العبد الفقير كانت رسالته في الماجستير بعنوان "تنزيل الآيات على الواقع عند المُفسرين" وقد اشتملت على قسمين:
الأول: احتوى على دراسةٍ نظريةٍ لقضية التنزيل تناولت التعريف, وعلاقة التنزيل ببعض مسائل علوم القرآن, ونشأة التنزيل وفوائده, وحُكمه, وأنواعه, ونماذج من تنزيل الآيات على الواقع عند المُفَسِّرين القُدامى, كابن العربي, والقرطبي, وابن تيمية.
وأمَّا القسم الثاني: فهوتطبيقٌ لقضية التنزيل التي تمَّت دراستها في القسم الأول, وذلك من خلال تفسير المنار لرشيد رضا, ومجالس التذكير لعبد الحميد بن باديس, وفي ظلال القرآن لسيد قطب.
وتهدف الرسالة بالدرجة الأولى إلى ربط الناس بكتاب الله تعالى, وحثهم على العمل به.
 
نفع الله بكم وبرسالتكم يا شيخ عبدالعزيز ...

ولعلك تحيطنا علماً بأخبار هذه الرسالة ذات الموضوع القيم ، وهل نوقشت أم لا ؟ وهل يمكنك أن تنتخب لنا منها ما ننتفع به ؟
 
إلى أبي مجاهد مع التحية:
الرسالة في طور المناقشة قريباً, ونتمنى منكم الدعاء لنا بالتوفيق والنجاح.......
 
في تفسير القرطبي لقول الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا } (القرقان : 20) ذكر مسائل متعلقة بأحكام الأسواق ، ومنها :

( الرابعة: خرّج مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها». وخرّج البزّار عن سلمان الفارسيّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونن إن استطعتْ أوّل من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته». أخرجه أبو بكر البرْقانيّ مسنداً عن أبي محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من رواية عاصم عن أبي عثمان النهدِيّ عن سلمان قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكن أوّل من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منها فبها باض الشيطان وفرّخ». ففي هذه الأحاديث ما يدلّ على كراهة دخول الأسواق، لا سيما في هذه الأزمان التي يخالط فيها الرجال النسوان. وهكذا قال علماؤنا لما كثر الباطل في الأسواق وظهرت فيها المناكر: كُره دخولها لأرباب الفضل والمقتدى بهم في الدِّين تنزيهاً لهم عن البقاع التي يُعصى الله فيها. فحق على من ابتلاَه الله بالسوق أن يخطر بباله أنه قد دخل محل الشيطان ومحل جنوده، وأنه إن أقام هناك هلك، ومن كانت هذه حاله اقتصَر منه على قدر ضرورته، وتحرز من سوء عاقبته وبليته.

الخامسة: تشبيه النبيّ صلى الله عليه وسلم السوق بالمعركة تشبيه حسن؛ وذلك أن المعركة موضع القتال، سمي بذلك لتعارك الأبطال فيه، ومصارعة بعضهم بعضاً. فشبّه السوق وفعل الشيطان بها ونيله منهم مما يحملهم من المكر والخديعة، والتساهل في البيوع الفاسدة والكذب والأيمان الكاذبة، واختلاَط الأصوات وغير ذلك بمعركة الحرب ومن يصرع فيها.

السادسة: قال ابن العربي: أما أكل الطعام فضرورة الخلق لا عار ولا درك فيه، وأما الأسواق فسمعت مشيخة أهل العلم يقولون: لا يدخل إلا سوق الكتب والسلاح، وعندي أنه يدخل كل سوق للحاجة إليه ولا يأكل فيها؛ لأن ذلك إسقاط للمروءة وهدم للحشمة؛ ومن الأحاديث الموضوعة: «الأكل في السوق دناءة».

قلت: ما ذكرته مشيخة أهل العلم فنعما هو؛ فإن ذلك خالٍ عن النظر إلى النسوان ومخالطتهن؛ إذ ليس بذلك من حاجتهن. وأما غيرهما من الأسواق فمشحونة منهن، وقلة الحياء قد غلبت عليهن، حتى ترى المرأة في القيسارِيات وغيرهن قاعدة متبرجة بزينتها، وهذا من المنكر الفاشي في زماننا هذا. نعوذ بالله من سخطه. ) انتهى
 
فماذا يقول عن أسواق زماننا
 
أخي الكريم عبدالعزيز الضامر وفقه الله
بعد أن وفقكم الله وناقشتم الرسالة ولله الحمد في (29/8/1426هـ) . أرجو أن تتكرموا علينا بعرضها بإيجاز وذكر بعض الفوائد المنتقاة على غرار ما ذكر أبو مجاهد وفقه الله.
 
[align=justify]ومن ذلك ما جاء في تفسير السعدي لقول الله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ 217 } { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
حيث قال رحمه الله : ( ثم أخبر تعالى أنهم لن يزالوا يقاتلون المؤمنين، وليس غرضهم في أموالهم وقتلهم، وإنما غرضهم أن يرجعوهم عن دينهم، ويكونوا كفارا بعد إيمانهم حتى يكونوا من أصحاب السعير، فهم باذلون قدرتهم في ذلك، ساعون بما أمكنهم، { ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } .
وهذا الوصف عام لكل الكفار، لا يزالون يقاتلون غيرهم، حتى يردوهم عن دينهم، وخصوصا، أهل الكتاب، من اليهود والنصارى، الذين بذلوا الجمعيات، ونشروا الدعاة، وبثوا الأطباء، وبنوا المدارس، لجذب الأمم إلى دينهم، وتدخيلهم عليهم، كل ما يمكنهم من الشبه، التي تشككهم في دينهم.ولكن المرجو من الله تعالى، الذي مَنّ على المؤمنين بالإسلام، واختار لهم دينه القيم، وأكمل لهم دينه، أن يتم عليهم نعمته بالقيام به أتم القيام، وأن يخذل كل من أراد أن يطفئ نوره، ويجعل كيدهم في نحورهم، وينصر دينه، ويعلي كلمته.
وتكون هذه الآية صادقة على هؤلاء الموجودين من الكفار، كما صدقت على من قبلهم: { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } .
ثم أخبر تعالى أن من ارتد عن الإسلام، بأن اختار عليه الكفر واستمر على ذلك حتى مات كافرا، { فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } لعدم وجود شرطها وهو الإسلام، { وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } .
[ ص 98 ]
ودلت الآية بمفهومها، أن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام، أنه يرجع إليه عمله الذي قبل ردته، وكذلك من تاب من المعاصي، فإنها تعود إليه أعماله المتقدمة.) [/align]
 
[align=justify]جاء في فتح القدير للشوكاني في تفسيره لقول الله تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ما نصه:
( قوله : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم } الخطاب للنبي صلى الله عليه و سلم أو لكل من يصلح له والخوض : أصله في الماء ثم استعمل في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء فاستعير من المحسوس للمعقول وقيل هو مأخوذ من الخلط وكل شيء خضته فقد خلطته ومنه خاض الماء بالعسل : خلطه والمعنى : إذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والرد والاستهزاء فدعهم ولا تقعد معهم لسماع مثل هذا المنكر العظيم حتى يخوضوا في حديث مغاير له أمره الله سبحانه بالإعراض عن أهل المجالس التي يستهان فيها بآيات الله إلى غاية هي الخوض في غير ذلك.
وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ويرد ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم وذلك يسير عليه غير عسير وقد يجعلون حضوره معهم مع تنزهه عما يتلبسون به شبهة يشبهون بها على العامة فيكون في حضوره مفسدة زائدة على مجرد سماع المنكر
وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه وبلغت إليه طاقتنا
.
ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة فإنه ربما يتفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ويعسر دفعه فيعمل بذلك مدة عمره ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق وهو من أبطل الباطل وأنكر المنكر.) انتهى[/align]
 
عودة
أعلى