المكتفى للداني اختصار لكتاب الإيضاح للأنباري ، وسؤال للدكتور غانم قدوري الحمد

إنضم
28/02/2010
المشاركات
333
مستوى التفاعل
0
النقاط
16
الإقامة
مصر
على الرغم من أن كتاب " المكتفى " للداني قد حظي باهتمام كبير في العصر الحديث ؛ فحقق في رسالتين علميتن ؛ ماجستير للدكتور/ جايد زيدان مخلف ، ودكتوراه للدكتور/ يوسف عبد الرحمن المرعشلي ، ثم حققه الدكتور/ محيي الدين رمضان ، وكذا جمال محمد شرف ، وقيل إنه يحقق في رسالة ماجستير بجامعة الإمام ، وأنه كان قد أدرج للطبع في حيدر آباد.
على الرغم من كل ذلك فإن أحداً لم يتنبه إلى أن أحد معاصري الداني قد وصف كتابه بأنه ( اختصار لكتاب شيخ شيوخه أبي بكر الأنباري ) ، وهو وصف حقيقي ، وأن ثلاثة من علماء القراءات قد اختصروا كتابه ، وصل إلينا عمل اثنين منهم.
فمن هو معاصر الداني هذا ، ومن هم هؤلاء العلماء الثلاثة ؟

وسؤال آخر ، أتوجه به إلى أستاذنا الدكتور/ غانم قدوري الحمد : هل تأثر أبو عمرو الداني بأبي الفضل الخزاعي ، وخاصة في كتابيه " التحديد " ، و" المكتفى " ، أم أنهما ينقلان عن مصدر واحد ؟

الموضوع مطروح للنقاش.
 
رد :

رد :

رداً على قول فضيلة الدكتور/ السالم الجكني في منتدى شبكة القراءات القرآنية :
(( اسمح لي فضيلة الشيخ قبل الإجابة على هذا السؤال أن أطرح هذه القضية وهي :
هل " الاكتفا" هو نفسه " المكتفى " أم أنهما كتابان ؟ )).

قلت :
أستاذنا المفضال الدكتور/ السالم الجكني
بارك الله لك في عمرك وعملك.
فإن الذي انتهيت إليه في أطروحتي هو أن أبا عمرو الداني قد صنف ثلاثة كتب في الوقف والابتداء ، وهي :
" كتاب الاكتفا في الوقف على كلا و بلى ، واختلاف العلماء فيها ، والمكتفى في الوقف والابتدا ، وهو كتابه الصغير في هذا الفن ، والوقف والابتداء ، أو الاكتفا في معرفة الوقف ، وهو الكتاب الكبير.
أما كتاب الاكتفا في الوقف على كلا وبلى فهو مفقود ، وأما النسخ التي قيل إنها لكتابه هذا فهي في الحقيقة لكتاب مكي بن أبي طالب ؛ الأصل ، أو المختصر ، وقد أيدت ذلك في أطروحتي.
وأما كتاب المكتفى فهو كتابه الصغير في هذا الفن ، وهو في الحقيقة اختصار لكتاب الأنباري ، وقد اختلف المترجمون له ، والناقلون عنه ، وكذا نساخ كتابه في اسمه ؛ فسمى : الاكتفا ، والوقف والابتدا ، والوقف التام والكافي والحسن ، والوقوف.
وهي من باب تسمية الكتاب باسم موضوعه ، أو من الخطأ في تسمية الكتاب الصغير باسمي الكتاب الكبير.
ومن المعلوم أن أبا عمرو الداني كان يصنف في كل فن كتابين ؛ كبير ، وصغير ، ومن العجيب أن الصغير هو الذي يلقى القبول ؛ فيروي ، ويختصر ، وينظم ، وتكثر نسخه.
فهو قد ألف في القراءات السبع : التيسير ، والجامع ، وفي الرسم : المقنع ، والتحبير ، وفي الوقف : المكتفى ، والوقف والابتداء.
فنجد أن التيسير ، والمقنع ، والمكتفى هي الكتب التي لقيت شهرة وقبولاً لدى الناس ، في حين أن الجامع ، والتحبير ، والوقف والابتداء لم تلق شهرة ولا قبولاً لدى العامة ، ولم يصل إلينا منها إلا الأول فقط..
وقد أشبعت الحديث عن هذه الكتب الثلاثة في أطروحتي ، فبلغت عشرين صفحة من القطع الكبير.
وأما الكتاب المنسوب إليه بعنوان : الاهتداء فلما أقف عليه بعد.

وعليه .. فإن الاكتفا ، أو الوقف والابتداء هو كتابه الكبير ، وأما المكتفى فهو كتابه الصغير.
وأما عن معاصر الداني الذي وصف كتابه بأنه اختصار لكتاب الأنباري فالوقوف على قوله هذا ، والرد عليه - في رأي الشخصي - أهم من معرفة هل المكتفى هو الاكتفا ، أم غيره ؟
لأن هذا الرجل قد وصف الداني بأقذع الأوصاف ، وهجاه هجاء شديداً ، نال فيه من عرضه وسمعته.
وأما العلماء الثلاثة الذين اختصروا كتابه الصغير فمن الضروري للباحثين أن يقفوا على أسمائهم ، وعلى العملين اللذين وصلا إلينا منهم.
 
قلت ، رداً على قول الدكتور/ السالم الجكني – وفقه الله - في منتدى شبكة القراءات القرآنية - :
(( أما بخصوص " معاصر الداني " فالمعروف تاريخياً أن بين الإمامين : الداني وابن حزم ما يكون بين الأقران عادة !! فإن كان هو هو فيبقى معرفة أين ذكر ذلك ، وإن كان غيره فحسبي أني حاولت .
وتقبل كل تحية وتقدير )).
نعم ياأستاذنا هو ابن حزم الظاهري ( ت 456 هـ ).
يقول شمس الدين الذهبي : (( وقد كان بين أبي عمرو وبين أبي محمد بن حزم وحشة ومنافرة شديدة ، أفضت بهما إلى التهاجي ، وهذا مذموم من الأقران ، موفور الوجود – نسأل الله الصفح - ، وأبو عمرو أقومُ قيلاً ، وأتبعُ للسنة ، ولكن أبا محمد أوسع دائرة في العلوم ، بلغت تواليف أبي عمرو مائة وعشرين كتاباً )) سير أعلام النبلاء 18/ 81.

وقد ذكر ابن حزم الظاهري ذلك في كتابه طوق الحمامة في الألفة والآلاف ( باب قبح المعصية ) ؛ حيث قال : (( ولي كلمتان قلتهما معرضاً - بل مصرحاً - برجل من أصحابنا ، كنا نعرفه من أهل الطلب والعناية ، والورع وقيام الليل ، واقتفاء آثار النساك ، وسلوك مذاهب المتصوفين القدماء ، باحثاً مجتهداً ، وقد كنا نتجنب المزاح بحضرته ، فلم يمض الزمن حتى مكَّن الشيطانَ من نفسه ، وفتك بعد لباس النساك ، وملَّكَ إبليس من خطامه فسوَّل له الغرور ، وزيَّن له الويل والثبور ، وأجره رِسْنَه بعد إباء ، وأعطاه ناصيته بعد
شماس ، فخبَّ في طاعته وأوضع ، واشتهر بعد ما ذكرته في بعض المعاصي القبيحة الوضرة.
ولقد أطلت ملامة وتشددت في عذله ؛ إذ أعلن بالمعصية بعد استتار ، إلى أن أفسد ذلك ضميره عليّ ، وخبثت نيته لي ، وتربص بي دوائر السوء ، وكان بعض أصحابنا يساعده بالكلام استجراراً إليه ، فيأنس به ويظهر له عداوتي ، إلى أن أظهر الله سريرته ، فعلمها البادي والحاضر ، وسقط من عيون الناس كلهم بعد أن كان مقصداً للعلماء ومنتاباً للفضلاء ، ورذل عند إخوانه جملة ، أعاذنا الله من البلاء ، وسترنا في كفايته ، ولا سبلنا ما بنا من نعمته.
فيا سوءتاه لمن بدأ بالاستقامة ولم يعلم أن الخذلان يحل به ، وأن العصمة ستفارقه ، لا إله إلا الله ، ما أشنع هذا وأفظعه ؛ لقد دهمته إحدى بنات الحرس ، وألقت عصاها به أم طبق ، من كان الله أولاً ثم صار للشيطان آخراً ، ومن إحدى الكلمتين :
أما الغلام فقد حانت فضيحته ** وأنه كان مستوراً وقد هتكا
ما زال يضحك من أهل الهوى عجباً ** فالآن كل جهول منه قد ضحكا
إليك لا تلح صبا هائماً كلفاً . . . يرى التهتك في دين الهوى نسكا
قد كان دهراً يعاني النسك مجتهداً . . . يعد في نسكه كل امرئ مسكا
ذو محبر وكتاب لا يفارقه . . . نحو المحدث يسعى حيث ما سلكا
فاعتاض من سمر أقلام بنان فتى . . . كأنه من لجين صيغ أو سبكا
يا لائمي سفهاً في ذاك قل فلم . . . تشهد حبيبين يوم الملتقى اشتبكا
دعني ووردي في الآبار أطلبه . . . إليك عني كذا لا أبتغي البركا
إذا تعففت عف الحب عنك وغن . . . تركت يوماً فإن الحب قد تركا
ولا تحل من الهجران منعقداً . . . إلا اذا ما حللت الأزر والتككا
ولا تصحح للسلطان مملكة . . . أو تدخل البرد عن إنفاذه السككا
ولا بغير كثير المسح يذهب ما . . . يعلو الحديد من الأصداء ان سبكا
وكان هذا المذكور من أصحابنا قد أحكم القراءات إحكاماً جيداً ، واختصر " كتاب الأنباري في الوقف والابتداء " اختصاراً حسناً ، أعجب به من رآه من المقرئين ، وكان دائباً على طلب الحديث وتقييده ، والمتولي لقراءة ما يسمعه على الشيوخ المحدثين ، مثابراً على النسخ مجتهداً به ، فلما امتحن بهذه البلية مع بعض الغلمان رفض ما كان معتنياً به ، وباع أكثر كتبه واستحال كلية ، نعوذ بالله من الخذلان .
وقلت فيه كلمة ، وهي التالية للكلمة التي ذكرت منها في أول خبره ، ثم تركتها )).

وبغض النظر عن تلك الألفاظ الفظة الغليظة المستهجنة التي اشتهر بها ابن حزم ، حتى قيل : إن لسانه وسيف الحجاج شقيقان ، فإن قوله : (( وكان هذا المذكور من أصحابنا قد أحكم القراءات إحكاماً جيداً ، واختصر " كتاب الأنباري في الوقف والابتداء " اختصاراً حسناً ، أعجب به من رآه من المقرئين ، وكان دائباً على طلب الحديث وتقييده ، والمتولي لقراءة ما يسمعه على الشيوخ المحدثين ، مثابراً على النسخ مجتهداً به )) يكشف لنا عن مكانة الداني في القراءات والحديث في عصره ، ويؤكد على أن كتابه - على الرغم من أنه اختصار لكتاب أبي بكر الأنباري - فقد كان مثار إعجاب كل من رآه.

وهنا أتساءل : أما من فارس يكشف لنا عن العلماء الثلاثة الذين اختصروا كتابه هذا المختصر ؟
 
وبغض النظر عن تلك الألفاظ الفظة الغليظة المستهجنة التي اشتهر بها ابن حزم ، حتى قيل : إن لسانه وسيف الحجاج شقيقان ، فإن قوله : (( وكان هذا المذكور من أصحابنا قد أحكم القراءات إحكاماً جيداً ، واختصر " كتاب الأنباري في الوقف والابتداء " اختصاراً حسناً ، أعجب به من رآه من المقرئين ، وكان دائباً على طلب الحديث وتقييده ، والمتولي لقراءة ما يسمعه على الشيوخ المحدثين ، مثابراً على النسخ مجتهداً به )) يكشف لنا عن مكانة الداني في القراءات والحديث في عصره ، ويؤكد على أن كتابه - على الرغم من أنه اختصار لكتاب أبي بكر الأنباري - فقد كان مثار إعجاب كل من رآه.

وهنا أتساءل : أما من فارس يكشف لنا عن العلماء الثلاثة الذين اختصروا كتابه هذا المختصر ؟

شيخنا الكريم هل تعني أن المقصود بكلام ابن حزم هو الإمام الداني ؟ أم أنه سوء فهم مني ؟
 
وقد قلت إجابة للدكتور/ السالم الجكني الذي قال :
(( أخي الكريم " أبو يوسف الكفراوي " أسعدك الله :
ألا ترى أن إثبات أن يكون مراد الإمام ابن حزم رحمه الله بهذا الكلام هو الإمام الداني رحمه الله يحتاج إلى أدلة علمية صريحة ؟
حقيقة لم أر في كلامه رحمه الله ما يدل على ذلك )).

أما الأدلة على ذلك فهي :
- وجود وحشة ومنافرة شديدة ، أفضت بهما إلى التهاجي.
- كتاب الداني هو بالفعل اختصار لكتاب الأنباري.
يقول الدكتور/ يوسف المرعشلي : (( إن المتتبعَ لكتاب " الإيضاح " لابن الأنباري ، محمد بن القاسم بن بشار يرى أن الداني يعتمد عليه اعتماداً كبيراً ، حتى يكاد أن يكون نَسَخهُ كاملاً ، وقد قمتُ بتتبع الكتابين آية آية ؛ من أولهما لآخرهما ، فوجدتُ بينهما تشابهاً كبيراً ، لدرجة أن الداني لا يذكر إلا المواقــفَ التي يذكرها ابن الأنباري ، مع أن هناك مواقف كثيرة أغفلها ابن الأنباري ، وتبعه على ذلك الـدانـــي ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فهو ينتصر لرأيه ، ويرجِّحُ أقواله في المسائل الخلافية ، ونستنتج من ذلك : أن الداني اعتمد كتاب " الإيضاح " كأساس في عمله )) مقدمة المكتفى صـ 87.

- كما أن جميع الخصال الحسنة التي ذكرها ابن حزم كانت في أبي عمرو الداني ، فهو شيخ القراء في عصره ، وهو أيضاً محدث.

ولا أستطيع تفصيل الحديث في هذه النقاط ، وغيرها ؛ إلا بعد المناقشة.
 
وعلى الرغم من أن العبد الفقير - فيما وقف عليه - لم يسبقه أحد من المعاصرين ممن حققوا كتب الداني ، أو وضعوا دراسات حولها ، أو من الذين ترجموا له ، أو حققوا كتاب طوق الحمامة لابن حزم في صرف كلام ابن حزم إلى أبي عمرو الداني ، فإنني قد أيدت ذلك في أطروحتي ، ومن رأى أن المعرَّض به - بل كما قال ابن حزم ، مستطرداً : بل مصرحاً - في كلام ابن حزم شخص آخر غير أبي عمرو الداني فليدلني عليه ، وجزاه الله خيراً.

فهذا هو اجتهادي ، ومن كان لديه اجتهاد آخر فليأتني به موثقاً بالأدلة.
نعم .. هجا ابن حزم الكثيرين من معاصريه ، حتى نفي عن موطنه ، ولكن مجموع ما ذكره - من الخصال الحسنة - لا ينطبق إلا على أبي عمرو الداني.

فإما أن تأتوا العبد الضعيف بجديد ، أو تشهدوا له بالسبق في هذا الأمر.

وأنا على أتم استعداد لتفنيد حجج من يصرف كلام ابن حزم إلى غير الداني.

وما زلت أنتظر النقاش حول العلماء الثلاثة الذين اختصروا مختصر الداني ، وأين هي كتبهم ؟

كما أنتظر نقاشاً من جميع الإخوة - وأخص أستاذنا الدكتور/ غانم قدوري الحمد ، والذي نشر بحثاً في العدد الخامس من مجلة معهد الإمام الشاطبي ، بعنوان : علم التجويد قبل كتاب الرعاية وكتاب التحديد من ( الكتاب الأوسط ) - حول حقيقة تأثر أبي عمرو الداني بكتب أبي الفضل الخزاعي ، والأمر يحتاج إلى بحث ، لا يقل عن درجة الماجستير ، ولدي الشواهد على ذلك.

فأنا - والله - لا أريد إلا الخير لنفسي ولإخواني ، لا التباهي والتعالي ، وصبراً حتى أفرغ من مناقشة أطروحتي في الوقف والابتداء ، وبعدها ستجدون الأدلة العلمية على كل كلمة أذكرها.
أسألكم الدعاء.
 
بارك الله بك
الأمر يحتاج الى تثبت ..
أولا قول ابن حزم رحمه الله ((إلى أن أظهر الله سريرته ، فعلمها البادي والحاضر ، وسقط من عيون الناس كلهم بعد أن كان مقصداً للعلماء ومنتاباً للفضلاء ))
هذا الكلام يشير أن الأمر ذاع و انتشر و علمه البادي و الحاضر فهل هناك مرجع آخر ذكر عن الإمام الداني مثل هذا الكلام ؟
ثم إن للداني كتبا أخرى أشهر من هذا الكتاب فما السبب فى ذكر ابن حزم لهذا الكتاب يا ترى ؟

و لاحظ معي أخي الكريم أن ابن حزم لم يذكر عن المعرَّض به أنه ألف أو نظم فى القراءات و إنما غاية ما قاله [ أحكم القراءات إحكاما جيدا ] و الإمام الداني له 120 مؤلف غالبها فى القراءات و من أشهرها التيسير و جامع البيان و المقنع ..

و الأمر كما قال الدكتور الجكني " يحتاج إلى أدلة علمية صريحة " و لا تكفي هذه الأسطر فى إثبات ما ذهبت إليه ..
 
أخي الكريم لقد قلت : إن جميع الخصال الحسنة التي ذكرها ابن حزم كانت في أبي عمرو الداني ، وأما ما ذكره من مثالب وعيوب فهي من قبيل الوحشة والمنافرة الشديدة التي أفضت بهما إلى التهاجي ، وليس شرطاً أن يكون الهجاء تصويراً حقيقياً لحال المهجو ، فمن المعلوم أن المدح والهجاء بهما الكثير من المبالغات ، وليس شرطاً أن يذكر ابن حزم بعض كتب الداني في القراءات ؛ ليكون ذلك دليلاً قوياً على أن المراد أبو عمرو الداني ، وإنما يكفيه أن يقول أحكم القراءات إحكاما جيداً ؛ أداء وتأليفا ، وقد وصف برهان الدين الجعبري كتاب الداني المكتفى بأنه وسط حسن ، كما أن أبا عمرو الداني هو من تلاميذ تلاميذ أبي بكر الأنباري ، وقد روى كتابه الإيضاح عن شيخه أبي مسلم الكاتب.
والذي يبدو لي أنه قد خصه بالذكر لأسباب ؛ منها : أنه أول مصنف في هذا الفن لعالم أندلسي ، ولعله صنفه قبل أن يصنف تلميذه مكي بن أبي طالب كتابه الكبير في الوقف والابتداء ، وقد حظي هذا الكتاب باهتمام كل من أتى بعده ؛ رواية ، ونسخاً ، واستدراكاً ، واختصاراً ، واقتباساً ، وفي العصر الحديث : دراسة ، وتحقيقاً.

لقد ذكر شمس الدين الذهبي وابن الجزري وغيرهما أنه كانت بينهما وحشة ومنافرة أفضت بهما إلى التهاجي ، فكما هجا ابن حزم الداني ، هجاه أيضاً الداني ، وإن لم أقف على هجائه له ، ولماذا ننظر فقط إلى الوجه المظلم في كلام ابن حزم ، ولا ننظر إلى الخصال الحسنة التي نعته به ؟

وأعود لأكرر السؤال : هل هناك خصلة من الخصال الحسنة التي ذكرها ابن حزم لم تكن في الداني ؟

والسؤال الآخر : من هو هذا الرجل إن لم يكن أبا عمرو الداني ؟
لقد اجتهدت ، وذكرت أدلتي ، فأين اجتهادك وأدلتك ؟

أنتظر جوابك.
 
[align=justify]


وفي ترجمة ابن حزم لدى الذهبي ( ت 748 هـ ) في ( السير ) عدّ من تصانيفه : " بيان غلط عثمان بن سعيد الأعور في المسند والمرسل " .
[ ص2727 ط بيت الأفكار الدولية ؛ و 18 / 169 ط11 مؤسسة الرسالة ] .

وقد ذكره الفيروزآبادي ( ت 817 هـ ) في ( البلغة ) - في ترجمته أيضا - باسم : " كتاب غلط أبي عمرو المقرئ في كتابه المسند والمرسل " .
[ ص 202 ، ط1 دار سعد الدين ] .

وكتاب الداني هذا في الحديث حُقق غير مرة ، ويمكنكم تنزيله من هنا .

لكن يبقى وصفه بـ ( الأعور ) مُشكلاً ؛ إلا إن كان من قبيل الهجاء أيضا ! والله أعلم .

وللفائدة : كان لابن حزم عناية بالقراءات تبدو من تركه بعض مؤلفات فيها ؛ فقد عدّ الفيروزآبادي من تصانيفه " كتاب رواية أبان بن يزيد العطار عن عاصم في القراءات " [ البلغة / 201 ] . وله أيضا ( القراءات المشهورة في الأمصار الآتية مجيء التواتر ) ؛ وهي رسالة قصيرة في صفحتين تقريبا نشرت ضمن رسائل خمس له ألحقت بكتابه ( جوامع السيرة ) الذي نشرته دار المعارف بمصر ضمن سلسلة التراث .

والله الموفق والمستعان .
[/align]
 
ومن المعلوم أن كلام الأقران في بعضهم ليس بحجة ، فاتهاماته لأبي عمرو الداني في دينه وعرضه لا شك أنها تهم باطلة ، وقد كان ابن حزم كثير الوقوع في العلماء المتقدمين ، لا يكاد يسلم أحد من لسانه.
وأزيدك : ما أوردته مصادر ترجمته في وصفه ؛ فأبو عمرو الداني : محدث مكثر ، ومقرئ متقدم.
وكان حسن الخط ، جيد الضبط ، من أهل الحفظ والذكاء ، والتفنن في العلم ، وكان ورعاً فاضلاً ، وكان دينا ، فاضلا ، ورعا ، سنيا.
وهجا - أي : أبو عمرو - ابنَ حزم الظاهري فأقذع ؛ لمنافرة كانت بينهما ، وهجاه الآخر أيضاً - غفر الله لهما -.
كان بين الداني وابن حزم الظاهري منافرة عظيمة ، أفضت بهما إلى المهاجاة بينهما ، ولكل واحد منهما في الآخر هجاء يقذع فيه - غفر الله لهما -.
ومما ذكره ابن حزم في طوق الحمامة يمكننا أن نقدر تاريخ تصنيف أبي عمرو لكتابه المكتفى.

وما زلت أنتظر اجتهادك مشفوعاً بأدلته.
 
الأخ الفاضل أبو يوسف الكفراوي وفقه الله
السلام عليكم وعلى أهل الملتقى جميعاً ، وبعد
فلم أطلع على أي من كتب أبي الفضل الخزاعي للحكم على مدى تأثر الداني به ، ولكني وقفت على نص منسوب إليه في كتاب الأندرابي وقد ناقشت قضية تأثر الداني به في البحث الذي أشرت إليه ، وهذه فقرات من ذلك البحث ، لعلها تنفع في الموضوع :

بدأ العماني بتعريف التجويد والتحقيق ، ومن المفيد نقل هذا التعريف بنصه ، لأنه يمثل أقدم مصدر ورد فيه تعريف للتجويد ، ولموازنة هذا التعريف بما ورد في كتب التجويد اللاحقة ، قال العماني:
" اعلم أن التجويد حِلْيَةُ التلاوة وزينةُ القراءة ، وهو إعطاء الحروف حقوقها ، وترتيبها مراتبها ، وردُّ الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله ، وإلحاقُهُ بنظيره ، وإشباع لفظه ، ولُطفِ النطق به ، لأنه متى كان غيرَ ما حَكَيْتُ من وصفه زال عن تأليفه ورصفه.
وليس بين التجويد وتركه إلا رياضةُ من تدبَّرَهُ بفكِّهِ ، قال الله تعالى:ﭽ ﭢ ﭣ ﭤﭼ [المزمل4] ، يعني قَطِّعْهُ تقطيعاً ، وفَرِّقْهُ تفريقاً(16) ، تقول العرب ثَغْرٌ رَتِلٌ إذا كان مفرَّقاً(17) ، والترتيل صفة من صفات التحقيق ، وليس به.
والتحقيقُ رِيَاضةُ الألْسُنِ ، وتحقيقُ الألفاظ ، وإعطاءُ كُلِّ حرفٍ حَقَّهُ من المد والهمز ، والتمكين للهمز... وأن يُؤْتَى بالحرف على حَقِّهِ في النطق به ، لا زيادة فيه ولا نقصانَ"(18).
وإذا أردنا البحث عن أصول كلام العماني عن التجويد ، والترتيل والتحقيق في المصادر التي سبقته ، فإننا سنجد مقاطع منه ، في كلام بعض العلماء السابقين ، ومن هؤلاء أبو مزاحم الخاقاني ، فإنه قال في البيت الثاني عشر من قصيدته:(19)
فذو الحِذق مُعْطٍ للحروف حقوقها إذا رَتَّل القرآن أو كان ذا حَدْرِ
ووجدت أحمد بن أبي عمر الأنداربي (ت475هـ) نقل في كتابه ( الإيضاح في القراءات) المقطع الأول من كلام العماني في تعريف التجويد ، منسوباً أبي الفضل محمد بن جعفر الخزاعي(ت 408هـ ) ، وهو :"وقال الشيخ أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي –رحمه الله: التجويد أفضل من الجوهر ، وأعزُّ عند العلماء من الكبريت الأحمر ، وهو حلية التلاوة وزينة القراءة ... وليس بين التجويد وتركه إلا رياضة مَن تَدَبَّرَهُ (بقلبه) ، وقال الله – عز وجل – مؤدباً لنبيه r وحاثّاً لأمته على الاقتداء به: ﭽﭢﭣ ﭤﭼ يعني قَطِّعْهُ وفرِّقه تفريقاً"(20).
ولا يخفى على القارئ مقدار التطابق بين النصين ، سوى ما ورد من قول الأندرابي: ( تدبره بقلبه ) ، وهي عند العماني ( تدبره بفكه ) ، وليس لديَّ ما يُعَيِّنِ المصدر الذي أورد فيه الخزاعي كلامه السابق ، وعلى الرغم من عدم تصريح العماني بالمصدر الذي أخذ منه التعريف إلا أن تطابق النصين ، وتقدُّم الخزاعي عليه ، وهو من طبقه شيوخه يرجح عندي اعتماد العماني عليه في هذا المقطع من النص.
ويترجح عندي أن أبا عمرو الداني اعتمد على كلام العماني في تعريف التجويد ، على الرغم من أنه لم يصرح باسمه ، لأن سياق الكلام وتشابه العبارات يؤكد وجود علاقة بين كلام الرجلين ، اللهم إلا أن يظهر دليل يشير إلى أن كُلاًّ من العماني والداني أخذا من مصدر واحد ، وقد يكون ذلك المصدر هو كلام أبي الفضل الخزاعي ، لكن المنقول من كلامه هو فقرة واحدة من ثلاث فقر يتألف منها كلام العماني ، وهي تتراءى في عبارات الداني ، على نحو ما يتبين من كلامه في الباب الذي خصصه لبيان معنى التجويد وحقيقة الترتيل والتحقيق.
قال أبو عمرو الداني:" واعلموا – أيَّدَكُمُ الله بتوفيقه – أن التجويد مصدر جوَّدتُ الشيء ، ومعناه انتهاء الغايةِ في إتقانه ، وبلوغ النهاية في تحسينه ، ولذلك يقال: جوَّد فلان في كذا ، إذا فعل ذلك جيداً والاسم منه الجودة.
فتجويد القرآن هو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها ، وردُّ الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله ، وإلحاقه بنظيره وشكله ، وإشباع لفظه ، وتمكين النطق به على حال صيغته وهيئته ، من غير إسراف ولا تعسف ، ولا إفراط ولا تكلف ، وليس بين التجويد وتركه إلا رياضة من تدبره بفكه.
والترتيل مصدر رتَّل ... وهو صفة من صفات التحقيق وليس به ، لأن الترتيل يكون بالهمز وتركه ، والقصر لحرف المد ، والتخفيف ، والاختلاس ، وليس ذلك في التحقيق..."(21).
ومع أن الداني أعاد صياغة بعض العبارات وأضاف إليها بعض الكلمات إلاَّ أن الترابط بين كلام العماني والداني يظل واضحاً ، وقد اشتهرت هذه النصوص عند المتأخرين منسوبة إلى الداني ، وليس إلى الخزاعي أو العماني ، وذلك لشهرة مؤلفات الداني واندثار مؤلفات الآخَرَيْنِ.
ولعل بيان صدى تعريف التجويد الذي ذكره العماني ، وأورده الداني ، عند ابن الجزري ( ت833هـ) خاتمة المحققين في علم القراءات ومؤلف أشهر الكتب في هذا العلم ، يغني عن تتبع ذلك عند غيره ، فكثير من المؤلفين في التجويد المتأخرين وشراح المقدمة الجزرية اعتمدوا على كلام ابن الجزري في تعريف التجويد.
نقل ابن الجزري تعريف التجويد والترتيل عن كتاب التحديد للداني بنصه ، وصرح في بعض فقراته باسمه ، فقال:" قال الداني: ليس بين التجويد وتركه إلا رياضة لمن تدبره بفكه"(22) . وكذلك نقل ابن الجزري كلام الداني المذكور في كتابه النشر ، ولم يخف إعجابه به ، فقال:" ولله دَرُّ الحافظ أبي عمرو الداني – رحمه الله – حيث يقول:" ليس بين التجويد وتركه إلا رياضة لمن تدبره بفكه". فقد صَدَق وبَصَّرَ ، وأوجز في القول وما قَصَّرَ ، فليس التجويد بتمضيغ اللسان ، ولا بتقعير الفم ، ولا بتعويج الفك ، ولا بترعيد الصوت..."(23).
وبلغ إعجاب ابن الجزري بذلك النص درجة كبيرة جعلته يضمنه في منظومته المشهورة بالمقدمة في ما على قارئ القرآن أن يعلمه ، وتعاورته أقلام شراح الجزرية بعد ذلك بالتوضيح والتفصيل ، قال ابن الجزري:(24)
27. والأخْذُ بالتجويدِ حَتْمٌ لازمُ مَن لم يجوِّدِ القـــرآنَ آثِمُ
28. لأنه به الإلــــهُ أنزلا وهكذا منـــه إلينا وَصَلا
29. وهو أيضاً حِلْيَـةُ التلاوةِ وزينـــةُ الأداءِ والقراءةِ
30. وهو إعطاءُ الحروفِ حَقَّها مِن كُلِّ صفــةٍ ومُسْتَحَقَّهَا
31. وردُّ كل واحدٍ لأصلـه واللفظُ في نظيـرهِ كَمِثْلِــهِ
32.مكمَّلاً من غير ما تكلُّفِ باللُّطْفِ في النطق بلا تعسُّفِ
33. وليس بَيْنَهُ وبَيْنَ تَرْكِـهِ إلا رِيَاضَــةُ امْرِئٍ بِفَكِّـهِ
ولعل القارئ يدرك من خلال ذلك مقدار ما تركه النص الوارد في الكتاب الأوسط للعماني عن تعريف التجويد من أثرٍ في كتب التجويد المؤلفة بعده ، وسواء كان ذلك النص من وضع العماني ، أو نقله عن أبي الفضل الخزاعي أو غيره فإن كتاب العماني اليوم يقدِّم مستنداً تاريخياً يرجع بتعريف التجويد إلى مرحلة أقدم من عصر الداني ، رحمهم الله تعالى جميعاً.
 
فليتسع صدر أستاذي لبعض الإشارات التي أنقلها عن أطروحتي ، وإن أردتم التفصيل راسلتكم على الخاص :
أولاً : وفاة أبي عبد الله الأندرابي كانت في نيسابور ، التي أقام بها سنين في يوم الخميس الحادي والعشرين من ربيع الأول سنة ( 470 هـ ).
كما جاء في المنتخب من كتاب السياق ، ومعجم الأدباء.
ثانياً : وقف البحث على أسماء هذه الكتب لأبي محمد العماني ، صنفها ، أو عقد العزم على تصنيفها :
1- المرشد في الوقف ، وهو أشهر كتبه ، وبه اشتهر.
2- الكتاب الأوسط ، ولم أقف على من نقل عنه إلا عند علم واحد.
3- المغني في الوقوف ، ذكره في أول المرشد ، وهو الكتاب الصغير الذي صنفه في هذا الفن.
4- شرح فصيح ثعلب ، نقل عنه ثلاثة من العلماء.
5- كتاب المعاني.
6- كتاب التفسير.
7- كتاب الحدود ، في النحو.
8- كتاب الجامع الكبير ، وقد ذكر أن هذه الكتب الأربعة ينوي تصنيفها.
ثالثاً : العلماء الذين صرحوا بالنقل عن المرشد لأبي محمد العماني كثيرون ؛ منهم بعد الأندرابي :
أبو الربيع سليمان بن حارث الفَهْمي السرقسطي ثم الإسكندري المقرئ الصالح ، تلميذ تلاميذ أبي عمرو الداني ( ت 481 هـ ) ، وذلك في كتابه : " الإرشاد إلى معالم أصول قراءة نافع ، من رواية ورش ، من طريق يعقوب الأزرق ".
وبعد السجاوندي ، والسخاوي : صاحب كتاب أدب الكاتب – كما تعرفونه جيداً ، وزين الدين الزواوي ، يليه الزركشي ، ثم ابن الجزري ، الذي ذكر أنه نزل مصر بعيد الخمسمائة ، وقد أخطأ في ذلك ، كما أخطأ في تحديد وفاة الأندرابي ، وضرار بن صرد ، وغيرهم.
رابعاً: أبو محمد العماني هو تلميذ أبي بكر أحمد بن محمد المروزي المقرئ ( ت بعد 419 هـ ) ، وهو من تلاميذ أبي الفضل الخزاعي ، وقد سمع عامة تصانيفه.
فأبو محمد العماني ينقل عن شيخ شيوخه أبي الفضل الخزاعي ، ولعله روى تصانيفه عن شيخه.
رابعاً : رجحت أن وفاة أبي محمد العماني كانت نحو سنة ( 450 هـ ) ، ورحلاته دوما كانت ناحية المشرق ، وليس ناحية المغرب ؛ فنقل أبي عمرو الداني عنه أمر مستبعد ، وإنما كان نقله عن أبي الفضل الخزاعي ، وسأضع أمام فضيلتكم نصاً واحداً فقط من كتاب الإبانة :
يقول أبو الفضل الخزاعي : (( ... لأنه إذا وقف عليه لا يدري إلى أي شيء أضيف ، وهذا النحو قد يسمى : وقف الضرورة ؛ لانقطاع النفس ، وينهى عنه القراء ويكرهونه ، ويستحب لمن ينقطع نفسه على شيء من هذا أن يرجع إلى ما قبله ، ولا يبلغ أن يوصف الواقف عليه باستحقاق إثم ؛ لوقفه ، أو نسبته إلى مكروه ، إن لم يرجع ، ما لم يعلم ما عليه في ذلك ، غير أن الجهالة ظاهرة عليه. قال أبو الفضل : ويُرْجَى له أن لا يكون آثماً ؛ لأنه يحكي كلام الله –  - ، والله - تعالى – قد أحكمه ، والعلماء قد علموه ، فلا يغير معناه بسوء وقف واقف ....... قال أبو الفضل : وأقبح من ذلك : الوقف على ما لا يجوز الابتداء بما بعده ، لاستحالة المعنى بالفصل بينه وبين الذي قبله ؛ نحو قوله : ] لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [ ، ] وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [ ، فمن انقطع نفسه عند قوله : ]لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا[ ، ]وَقَالَتِ الْيَهُودُ[ توجَّبَ عليه الرجوعُ إلى ما قبله ، فإن لم يفعل أثم ، وكان ذلك من الخطأ العظيم ، الذي لو تعمده لخرج من الملة ؛ لإفراده من القرآن ما هو متعلق بما قبله ، وكون إفراده افتراءً على الله – تعالى -. قال أبو الفضل : وأنكر الوقفَ على الأسماء التي تغير نعوتُها حقائقـَها ؛ نحو قوله : ] فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّيْنَ [ ، لو وقف عليه واقف ؛ لأن ( المصلين ) اسمٌ ممدوحٌ محمودٌ ، إذا لم يأت بعده وصف يكون مذموماً ، لا يلائمه ] وَيْلٌ [ ، وإنما خرج من جملة المحمودين بنعته ، وهو قوله - تعالى - : ] الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [ ، وأقبحُ من ذلك : الوقف على المنفي الذي يأتي بعده حرف استثناء قبل اسم ، فيكون دخول حرف النفي وحرف الاستثناء توكيداً ؛ نحو قوله : ] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ ، لو وقف واقف قبل حرف الاستثناء من غير عارض أو علة لكان ذنباً عظيماً ؛ لأن المنفيَّ في ذلك : كلُّ ما عُبدَ غيرَ الله ، ولا يجوز وقفٌ دون حرف استثناء في الحقيقة ؛ نحو قوله : ]الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ[ ، حتى يقول : ] إِلا الْمُتَّقِينَ [ ، وقد رُوِيَتْ عن المتقدمين أخبارٌ بكل معاني ما ذكرناه. فاعلم )).
لو قارنتم ذلك بما ذكره أبو عمرو الداني في كتابه المكتفى صـ 148- 153 : (( باب ذكر تفسير الوقف القبيح )) ، لتبين لكم أن أبا عمرو الداني قد نقل كلامه ببعض تصرف ، إلا أن يكونا قد نقلا عن مصدر واحد لم يصرحا باسمه ، وهو أمر مستبعد ، فأبو الفضل الخزاعي في كتابه الإبانة كان أميناً جداً ، فلم ينقل نقلاً واحداً ، إلا أحال إلى مصدره.
ولكن هذه العبارات المأثورة في الوقف – كما التجويد – لم تشتهر عن الخزاعي ، وإنما اشتهرت عن الداني !
وهو ما يدعونا لإعادة النظر في المقولة المأثورة عن أبي الفضل الخزاعي : (( أدركت أهل مصر والمغرب على رواية أبي يعقوب - يعني : الأزرق - ، لا يعرفون غيرها )).
ليترجح عندي : أن أبا عمرو الداني قد تتلمذ على أبي الفضل الخزاعي ، أو على الأقل على كتبه ، ولكنه تنكر لذلك ، فلم يصرح بالنقل عنه ، كما كان حال أبي جعفر النحاس مع أبي بكر الأنباري الذي نقل عنه في القطع ، دون أن يصرح بذلك ، وكحال كثير من كبار الباحثين وصغارهم اليوم.
غفر الله لنا ولهم.
 
أحسنت أخي الفاضل ، وما راءٍ كمن سمعا ، والأمر يحتاج إلى مزيد بحث ، وأنا لا أوافق على قولك : إن الداني [ تنكر لذلك ] ، فأحسب أن الداني أجل من أن يتهم في أمانته ، وهذه كتبه تشهد على حرصه على إسناد الأقوال إلى قائليها .
كما أني لم أستسغ أن يكون ابن حزم قد قصد بكلامه في طوق الحمامة الإمام أبا عمرو الداني ، الذي غادر قرطبة سنة 403 هـ ، بعد الفتنة التي وقعت فيها ، وتنقل في مدن شرق الأندلس وجزرها حتى استقر به المقام في دانية ، وعلت منزلته فيها ، وكان كما وصفه ابن بشكوال :"دَيِّناً فاضلاً ورعاً سُنِّيًّا". وحين توفي سنة 444هـ مشى السلطان أمام نعشه ، وكان الجمع في جنازته عظيماً ، رحمه الله تعالى .
 
كان عمر ابن حزم بحدود الثلاثين حين ألف طوق الحمامة

كان عمر ابن حزم بحدود الثلاثين حين ألف طوق الحمامة

[align=center]
السلام عليكم!
يبدو أن الأخ الكفراوي مصيب فيما ذهب إليه من أن المقصود هو أبو عمرو رحمه الله ، لكن ثمّ أمران يحسُن التنبه لهما
- أولهما أن ابن حزم يعني بانكشاف السريرة ظهور ما كان يخفيه من عداوة له، وإشارته إلى أنه(سقط من عيون الناس كلهم بعد أن كان مقصداً للعلماء ومنتاباً للفضلاء ) تعني ضمنيا أن محبي ابن حزم كانوا كُثرًا بحيث هجروا أبا عمرو في حبه
وهذا يبدو واضحا من النصّ
"ولقد أطلت ملامة وتشددت في عذله ؛ إذ أعلن بالمعصية بعد استتار ، إلى أن أفسد ذلك ضميره عليّ ، وخبثت نيته لي ، وتربص بي دوائر السوء ، وكان بعض أصحابنا يساعده بالكلام استجراراً إليه ، فيأنس به ويظهر له عداوتي ، إلى أن أظهر الله سريرته ، فعلمها البادي والحاضر[وهي كُره ابن حزم والحطّ عليه] ، وسقط من عيون الناس كلهم بعد أن كان مقصداً للعلماء ومنتاباً للفضلاء ، ورذل عند إخوانه جملة [لأنهم من "محبي" ابن حزم وممن لا يرضون أن يُساء إليه أعاذنا الله من البلاء ، وسترنا في كفايته ، ولا سلبنا ما بنا من نعمته"


والثاني أن هذا الإقذاع في حق أبي عمرو قد صدر من مهاجيه حين كانا صغيرين في ريعان شبابهما، وهو أمر لا يظل لاصقا لا بالهاجي ولا بالمهجوّ.
ويشبهه قول أبي داود في ابنه محمد صاحب كتاب المصاحف (ابني محمد هذا كذاب)
ولكن أبا داود مات سنة 275 وابنه محمد مات سنة 316 إن لم تخني الذاكرة، فيكون قول والده فيه حين كان صغيرا ، ومع ذلك فقد وُجد من يقول (ضعفه أبوه، أو كذّبه أبوه)، وهذا أمر لا ينبغي أن يُغفل عنه فهو في غاية الأهمية.
فما كان بين الشيخين كان وهما شابان قبل أن يشيخا ويسودا، ويصيرا من أعلام الإسلام،،
غفر الله لهما ورضي عنهما وجزاهما عنا كل خير[/align]
 
جزى الله تعالى شيخنا أبا يوسف الكفراوي هذه الجهود التي تُـنبئ عن شخصيةٍ بحثيةٍ كبيرة , وبعيداً عن اختصـار الداني لكتاب ابن الانباري أقول أيضاً:
إنَّـهُ قد ظهر لي أثنـاء البحثِ توافقٌ شديدٌ جداً بين الإمام أبي عمرو وبين ابنِ غلبون صاحب التذكرة , خصوصاً في الوقوف التي تحتلفُ باختلاف القراءاتٍ (وهذا موضوع بحثي) فقد أحصيتُ بينهما عشرات المواضع التي يتفقون فيها على الوقف وعلَّـته, بل ربما اتحَّـدت عبارةُ التعليل عندهما.
 
أما العلماء الذين اختصروا كتاب الداني ، أو استدركوا عليه فقد ارتفع عددهم إلى خمسة ، وفي كل يوم يزداد يقيني - من خلال النصوص والنقول المختلفة - بأن أبا عمرو الداني قد تأثر كثيرا بأبي الفضل الخزاعي ، وهو ما يدعو الباحثين لتتبع هذا التأثير والتأثر ، من خلال دراسة أثر المنتهى والإبانة لأبي الفضل الخزاعي في مصنفات أبي عمرو الداني.
 
عودة
أعلى