المؤتمر الدولي الأول في نواكشوط للمتخصصين في القراءات

وقد يسـَّر الله تعالى لي حضور هذا المؤتمر المبارك والإفاده من أوراقه، والتعرف على المشاركين فيه، ومرافقتهم في رحلات وزيارات متعددة.
وكان من برامج هذه الرحلة الماتعة زيارة بلدة شنقيط الشهيرة التي طالما سمعنا عن محاظرهها وعلمائها، كما تشرفنا بزيارة إحدى محاظر العلم الكبرى في العاصمة نواكشوط وجلسنا مع شيخها العالم الموقر، وحضرنا بعض دروسه، وطرحنا عليه بعض الأسئلة العلمية التي أجاب عنها بصدر رحب وعلم غزير، والتقينا بعض الطلاب، ورأينا ألواحهم الخشبية التي سُودت بمتون العلم نظما ونثراً .
كما زرنا بعض المؤسسات العلمية والخيرية، وسرنا ما وجدنا فيها من جهد كبير، وتنظيم محكم ، وحسن تدبير، وعلاقة طيبة وتعاون مثمر بين العاملين فيها.
وقد أكرمنا أهل هذا البلد الطيب غاية الإكرام واحتفوا بنا حفاوة كبيرة منذ نزولنا حتى ارتحالنا، فلهم منا أجزل الشكر، ونخص بالذكر الشيخ عمر الفتح، والشيخ الحسن بن ماديك وغيرهم من الشيوخ والشباب الذين تنافسوا في خدمتنا، جعلنا الله جميعا من أهل كتابه المعتصمين به المجتمعين عليه إن قريب مجيب.
 
أعتذر لقراء الملتقى أن أنسأت نشر تتمة البحوث ولقد بقي معي منها عشرة كاملة سأنشرها بعد أن يكمل ذكرياته ابن بطوطة الثاني شيخنا الدكتور محمد زين العابدين رستم حفظه الله ولا سدّ فاه الأستاذ بجامعة السلطان سليمان شعبة الدراسات الإسلامية في بني ملال بالمغرب ، إذ لم أشأ الفصل بين حلقاته .
 
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عل سيدنامحمدوعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا
الى أهل موريتانيا
سلام الله عليكم وحييتم .سلام الله على رجال نذروا أنفسهم سدنة للمحاضر وخداماللقرآن والسنة النبوية الشريفة
فجزاكم الله بالخيرات ياأهل القرآن وأي رجال رهبان بالليل وفرسان بالنهار.أخلصتم لله ولكتابه فوفقكم الله وأعانكم
فهنيئالكم ولكل المسلمين بنجاح أول مؤتمر عالمي للقراءات ورسم المصحف ونرجو الله أن لايكون هذاالمؤتمر وحيد زمانه
وان كان بديع عصره في محتواه ومضمونه .
فهنيئا للأخ/:الدكتورالحسن محمدماديك المديرالعام لمعهددراسات المصحف والقراءات بل هنيئالكل الشعب الموريتاني وكل الوفود
التي أكرمهاالله بحضورهذاالمؤتمر من خارج البلد الطيب(موريتانيا) محاضرون ومشاركون بل هنيئا حتى لأولئك الذين تاقت أنفسهم
لحضور هذاالمؤتمروحالت بينهم وبين مااشتهوا أمورخارجة عن ارادتهم. ولايفوتني شكر ذلك الرجل الهمام الأخ الفاضل/:عمرالفتح
الذي حمل نفسه مالايستيطعه الا الجمع من صناديد الرجال وكانت له اليدالطولى في انجاح المؤتمر.
فشكرالله مسعاكم وسدد خطاكم وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وأدامكم ملاذالطلاب العلم والمعرفة ولكل من ضل سبيل القرآن حتى يعود الى هدي القرآن والسنة .آمين.
أخوكم في الله/:علاوةمحمدزيان
 
أتقدم بالشكر لضيوفنا الكرام وإذ أشعرهم بأني لن أنسى لهم ما حييت تلبية الدعوة فإني كنت مشغولا في الحرص وفي الدعاء لهم أن لا يصيبهم مكروه ولا شوكة يشاكها أحدهم أثناء سفرهم منذ مغادرتهم ديارهم حتى يعودوا إليها سالمين ولقد أنعم الله عليّ بذلك فله الحمد وله الشكر ، ولكم كنت أشرد بذهني في التفكير بسلامتهم أولا وأخذت لهم منفرغين لحراستهم في الفندق وخارجه ، كما كنت في صراع خفي عن الضيوف مع عوائق لم أستطع استحضار حجة أصحابها يوم القيامة أمام الله حين كانوا حريصين على منع اجتماعنا في سبيل القرآن وعلومه رغم أنهم لم يغضبوا أو يحاولوا منع أو شجب الليالي الصاخبة بالرقص والمزامير في ما يسمى بالنغمة الذهبية وغيرها .
وسأبدأ بنشر بقية البحوث ، ثم بنشرها في دورية المعهد الأولى بعد أقل من شهر إن شاء الله تعالى .
 
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا ونفع بكم .

هلا أتحفتمونا ببحث الدكتور شحادة حميدي البخيت : ( الفاصلة القرآنية وعلم الفواصل بين الاجتهاد والتوقيف ) ؟
 
الفاصلة القرآنية وعلم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد

الفاصلة القرآنية وعلم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد

الفاصلة القرآنية وعلم الفواصل
بين التوقيف والاجتهاد
شحادة حميدي العمري
مدير المعهد العالي للقراءات والدراسات القرآنية
جامعة العلوم الإسلامية العالمية
عمان
المملكة الأردنية الهاشمية

بحث مقدم إلى :
المؤتمر الدولي الأول في نواكشط للمتخصصين في القراءات
المنعقد في الفترة من 10ـ12/6/2011م


1432هـ /2011م



بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيسعدني أن أكتب هذا البحث الموسوم بـ( الفاصلة القرآنية وعلم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد) بناء على رغبة سماحة الأستاذ الدكتور عبد الناصر أبو البصل رئيس جامعة العلوم الإسلامية العالمية بالمملكة الأردنية الهاشمية الذي أبلغتُه رغبتي بالمشاركة في المؤتمر الدولي الأول للمتخصصين بالقراءات في نواكشط فطلب مني أن أكتب بحثاً في محور (علم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد)، فأخبرتُ شيخنا الأستاذ الحسن محمد ماديك مدير المعهد العالي للمصاحف والقراءات بنواكشط أن لديّ رؤيةً في الإعجاز أرى الكتابة فيها بعنوان "رؤية في الإعجاز"،وسأكتب بحثاً آخر عن الفواصل بعنوان : (الفاصلة القرآنية وعلم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد) ؛لأعرض هذا البحث على فضيلتكم عند وصولي العاصمة نواكشط، فأخبرني الأستاذ الحسن وفقه الله تعالى أن هذا المحور لم يكتب فيه إلاّ باحث واحد فلتكن أنت الثاني،وسيكون بحثُك ضمن برنامج المؤتمر فألزمني بخلقه الرفيع،وأدبه الجم كما ألزمني سماحة رئيس الجامعة، وكتبتُ هذا البحث الموسوم بـ (الفاصلة القرآنية وعلم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد) متوكلاً على الله تعالى.
هذه قصتي في كتابة البحثين اللذين كتبتهما من حُرِّ الكلام بعد نظرات في مؤلفات الفواصل وعدّ الآي أذكرها بين يدي أصحاب السماحة شيوخي العلماء، وأصحاب الفضيلة زملائي الفضلاء، ليعلم الجميع أنني لم أشارك في محورين ترفعاً على أقراني،وإنما كتبتهما طاعة لرئيس الجامعة في المشرق،ورئيس المؤتمر في المغرب.
لقد اخترت هذا العنوان لأتحدث عن مسألتين عظيمتين عند علماء البلاغة، وعلماء القراءات.
المسألة الأولى: الفاصلة القرآنية التي عُني بها البلغاء من المشارقة،ونظروا إليها بعيون البيان.
والمسألة الثانية : علم الفواصل الذي عُني به القراء من المغاربة ،ونظروا إليه بعيون القراءات.
والحق أن هذه الدراسة تحاول أن تجمع بين هذين العلمين العظيمين، والقبيلين المتحابين؛ لتصل إلى القول الراجح في شأن التوقيف والاجتهاد التي تعددت فيها أقوال أساطين العلم من المتكلمين والقراء.
وجاء البحث في مقدمة ومبحثين وخاتمة على النحو الآتي:
المبحث الأول: الفاصلة القرآنية بين التوقيف والاجتهاد.
المبحث الثاني: علم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد.
الخاتمة.
واللهَ تعالى أسألُ أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به يوم الدين يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ منْ أتى الله بقلب سليم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،



المبحث الأول
الفاصلة القرآنية بين التوقيف والاجتهاد
الفاصلة القرآنية هي الفاصلة التي تحدث عنها أهل القراءات والعد من حيث هي رأس آية،لكن أهل البديع درسوها في باب السجع، وكانوا فريقين، منهم من قال إن السجع في القرآن بلاغة، ومنهم من قال إنه عيب، والمسألة يطول شرحها، ومكانها في غير هذا البحث الذي انفرد للحديث عن التوقيف والاجتهاد في جمع كل ما يتعلق بها ليس له من الاجتهاد نصيب.
أما المفسرون فكانت عنايتهم بالمعنى المترتب على مجيء الفاصلة من حيث معناها في النظم، ودرج بعضهم كالعلامة ابن عاشور في التحرير والتنوير على القول إن هذه الكلمة في رأس الآية إنما جاءت مراعاة للفاصلة.
ولئن كان مصطلحُ القافية في الشعر معلوماً، ومصطلحُ السجع في النثر معروفاً، فإن هذا القرآن هو القرآن، ليس بالنثر المعهود، ولا بالشعر المنشود،وهذه الحالة الرائعة الرائقة كانت عند نزول القرآن الكريم، وفي عصر الصحابة الكرام، وبعد قرنين من الزمان تبدلت أحوال الناس، وكثرت أقاويلهم في شأن السجع، منهم من قال: إن السجع من محاسن الكلام، ومنهم من قال: إن السجع عيب، والفواصل بلاغة، ولا يزال الخلاف قائماً حتى هذا العصر.
أما مسألة عد الآي التي كانت عند الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لا تحتمل النقاش الذي يُوقعُ في الاختلاف، فأضحت بين قائلٍ يقول: إنها بالتوقيف ثبتت، وآخرَ يقول: إنها بالاجتهاد ظهرت، وثالثِ يجمع بين توقيف وقياس في قوله.
ثم إن علم عدّ الآي صار عند المتأخرين يحمل اسم : علم الفواصل، وهو ما سُمي المحور باسمه؛ كونه فشى بين الدارسين والمدرسين .
وللبيان والتبيين جاء هذا المبحث للتعريف بـأربعة مصطلحات رئيسة هي: "الفاصلة القرآنية،والسجع، وعلم الفواصل، وعلم عدّ الآي" لأبسط الكلام في شأن علم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد في المبحث الثاني إن شاء الله تعالى.
أولاً: التعريف بالفاصلة والسجع عند علماء الكلام والبلاغة.
قبل تعريف الفاصلة أو الفواصل أرى من المناسب أن أشير إلى كلمة (فصول) التي استعملها الإمام الفراء في معاني القرآن عند نظره في قوله تعالى: (أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) سورة البقرة :67 قال الفراء:" وهذا في القرآن كثير بغير الفاء، وذلك لأنه جواب يَستغني أولُه عن آخره بالوقفة عليه، فيقال: ماذا قال لك؟ فيقول القائل : قال كذا وكذا؛ فكأن حُسنَ السكوت يجوز فيه طرحُ الفاء. وأنت تراه في رؤوس الآيات ـ لأنها فصولٌ ـ حَسَناً"(1)
ولئن استعمل الفراء مصطلح (فصول) لرؤوس الآيات ، ولم يستعمله العلماء، فإن الإمام الرماني المعتزلي أطلق اسم الفواصل على رؤوس الآي ، قال:" الفواصل: حروف متشاكلة في المقاطع توجب حسب إفهام المعاني، والفواصل بلاغة، والأسجاع عيب، وذلك أن الفواصل تابعة للمعاني، وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها"(2).
واضح أن الرماني رفض السجع في القرآن الكريم، وسمى رؤوس الآي فواصل؛ لقوله تعالى(كتابٌ فصلت آياتُهُ)سورة فصلت :3. تنزيهاً للقرآن الكريم من سجع الكهان على الرغم من بلاغة السجع في لغة الضاد.
ثم جاء الإمام الباقلاني الأشعري فحمل لواء الانتصار لمصطلح الفواصل واقتدى بالرماني ـ على الرغم من مذهبه الاعتزالي .(3)
وقال ابن السبكي في عروس الأفراح:" وإن صح المعنى على أن الخفاجي قال في سر الفصاحة:إنه لا مانع في الشرع أن يسمى ما في القرآن سجعاً، ونحن لا نوافقه على ذلك ، وليس الخفاجي ممن يرجع إليه في الشرعيات "(4)
والحجة في اجتناب السجع، ونفيه عن القرآن الكريم ؛ "لأن أصله من سجع الطير فيشرف القرآن الكريم عن أن يستعار لشيء فيه لفظ هو في أصل وضعه للطائر، ولأجل تشريفه عن مشاركة غيره من الكلام الحادث في اسم السجع الذي يقع في كلام آحاد الناس؛ ولأن القرآن صفة لله تعالى، ولم يجز وصفها بصفة لم يرد الإذن بها ، كما لا يجوز ذلك في حقه عز وجل .." (5).
تلك مواقف الرافضين للسجع، وأما الإمام الطوفي فيرى أن السجع من بلاغة القرآن الكريم، قال في تعريف السجع :" وهو تواطؤ فواصل الكلام المنثور على حرف واحد أو حرفين متقاربين.
وهو من محاسن الكلام؛ لوروده في كلام الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكلام الفصحاء كثيراً. وقد ذمه قوم، ولا وجه لهم إلا عجزهم عنه .." (6)
ومن المعاصرين الذين قالوا إن السجع بلاغة، ولا ضير من استعماله، الأستاذ سيد صقر، قال في مقدمة تحقيقه لكتاب إعجاز القرآن للباقلاني ناقداً الباقلاني نقداً لاذعاً : "ولئن قال الباقلاني : إن السجع عيب يجب نفيه عن القرآن؛ فإني أقول: إن السجع من الميزات البلاغية التي يجدر بنا أن ننزه القرآن عن خلوه منها"(7).
والحق أن تعريف الفاصلة يكاد يكون موضع اتفاق بين العلماء ، وأنه رأس الآية، واسمه مأخوذ من آية كريمة(كتاب فصلت آياته).وأما السجع فحاله كما رأيت.
والتعريف المختار الذي اختاره هو تعريف الشيخ عبد الفتاح القاضي رحمه الله تعالى للفاصلة القرآنية، قال:" هي آخر كلمة في الآية مثل (العالمين) (نستعين)...وهي مرادفة لرأس الآية،وهي بمثابة القافية التي هي آخر كلمة في البيت، ومقطع الفقرة المقرون بمثلها في السجع" (8) .
فهذا التعريف أفرد الفاصلة القرآنية عن القافية في الشعر، والسجع في النثر، والقرآن هو القرآن ليس بالنثر ولا بالشعر، مع عدم إنكاري على منْ قال إن السجع موجود في القرآن،لأن أدلة الرافضين لا تثبت عند الدراسة والتمحيص، فلئن جاز لنا أن نقول: إن القرآن الكريم فيه استعارةٌ، جاز لنا أن نقول إنه فيه سجعاً، والعجيب أن الرافضين لكلام المعتزلة كالباقلاني أعجب بالرماني في مسألة الفواصل حتى غدت المسألة من بنات أفكاره.
وعلى كل حال لا أريد تتبع الأقوال في هذه المسألة ، ولا أراها من المسائل التي تحتاج إلى كل هذا الجهد. فالسلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم لم يؤثر عنهم أنهم استعملوا مصطلح الفاصلة، أو السجع بهذا المفهوم، وإنما آمنوا بالقرآن الكريم وجاهدوا في سبيل الله تعالى حق جهاده دون دخول في مناظرات تبعدهم عن روح المعاني ،وهداية الآيات الكريمات.
لقد عُني علماء الكلام من المعتزلة والأشاعرة، وعلماء البلاغة ، وعلماء التفسير بالفاصلة ـ التي ترادف السجع عند بعضهم ـ حتى صار القول بمراعاة الفاصلة تفسيراً لرؤوس الآيات الكريمات، فيكتفي المفسر بالقول، جاءت هذه الكلمة في رأس الآية مراعاة للفاصلة، وهذا التفسير لا يرتضيه الحذاق من أهل التفسير والبيان،لأن مجيء هذه الكلمة ليس مراعاة لفن البديع، وإنما لما في رأس الآية من بديع النظم.
ثانياً: التعريف بعلم الفواصل وعدّ الآي عند علماء العدّ والقراءات.
علم الفواصل أو علم عدّ الآي من العلوم التي عُني بها القراء وعلماء العد؛ لتعلق هذا العلم بعدد آيات القرآن الكريم في المصاحف التي أرسلها سيدنا عثمان رضي الله عنه إلى الأمصار.
ومما لا شك فيه أن علم عد الآي كان معلوماً عند المتقدمين بهذا الاسم، وأما المتأخرون فاستعملوا مصطلح علم الفواصل. وقد فرّق الإمام الداني بين الفاصلة ورأس الآية ، قال في البيان :" الفاصلة هي الكلام التام المنفصل مما بعده، والكلام التام قد يكون رأس آية، وكذلك الفواصل يكنَّ رؤوس آيٍ وغيرها. فكل رأس آية فاصلة، وليس كل فاصلة رأس آية ، فالفاصلة تعم النوعين وتجمع الضربين" (9)
وللدكتور عبد الصبور شاهين كلام مفيد في كتابه (حديث عن القرآن) أستميح لنفسي نقله لأهميته: فقد عنون للمسألة بعنوان:" آيات القرآن بين العدد والكمية.
الكمية والإيقاع:إذا كانت الفاصلة جزءاً من مكونات الآية ـ طالت أو قصرت ـ فإن عدد فواصل القرآن مساو لعدد آياته بداهة ، والمعتبر هنا رأس الآية المنطوق المقروء الموقوف عليه.
وقد جاءت آيات القرآن مختلفة بحسب منزلها،فإذا كانت مكية (أي: نزلت قبل الهجرة) فإنها تكون قصيرة غالباً وسريعة الإيقاع ، وإذا كانت مدنية (نزلت بعد الهجرة) كانت طويلة نسبياً، وبطيئة الإيقاع..." (10)
وقال تحت عنوان(الكمية والفاصلة): "ونقصد بالكمية طول الآية وقصرها... غير أننا إذا علمنا أن الفاصلة هي الكلمة الأخيرة في الآية، أو هي رأس الآية، فإن ذلك يضعنا أمام مشكلة تبرز حين تكون الآية كلمة واحدة ، مثل قوله تعالى: (مدهامتان) بعد قوله (ومن دونهما جنتان)، فإذا قلنا: إن كلمة(جنتان) هي الفاصلة في الآية الأولى، فأين الفاصلة في الآية الثانية، وهي كلمة واحدة لفظاً، وإن كانت على تقدير مبتدأ محذوف تقديره: هما مدهامتان، لكن المنطوق المقروء آية في كلمة كما نرى، فهي آية وفاصلة في آن واحد ، ومثل ذلك قوله تعالى(والطور) في بداية سورة الطور ، وقوله(الرحمن) و(والضحى)...وهي تعد آيات مستقلة ، وهي أيضاً فواصل، ورؤوس آيات سواء علمنا معناها والمقصود أم لم نعلم" (11)
والحق أن ما ذهب إليه الدكتور شاهين صحيح ، وهو مؤدى كلام الداني في تعريفه للفاصلة وتفريقه بينها وبين رأس الآية.
وأما تعريف علم الفواصل أو عد الآي فلم يُعن به، وقد عرفه المخللاتي بقوله:" حد هذا العلم أنه فنٌّ يُبحث فيه عن أحوال آيات القرآن من حيث إن كل سورة كم آية، وما رؤوسها، وما خاتمتها"(12)، ويعقب الدكتور حاتم التميمي على هذا التعريف بعد نقله: "وهذا هو التعريف الوحيد الذي عثر عليه الباحث بعد طول البحث والتنقيب". ثم قال:"ويلاحظ أن هذا التعريف قد خلا من أمرين هامين: الإشارة إلى وجود اختلاف في أعداد آي بعض سور القرآن، والإشارة إلى أن هذا العلم لا يُعلم إلاّ بالتلقي، ولذا فالأشمل في تعريفه أن يقال: هو علم تُعرف به أعداد آي سور القرآن والاختلاف في عدها معزواً لناقله"(13)
وأخالف الأخ الباحث الدكتور التميمي فيما ذهب إليه، وأرى أن تعريف المخللاتي هو الصحيح، إذ الاختلاف في العد إنما هو في الكسر الزائد على المجمع عليه بين العادين وهو (6200) آية، فلا حاجة إلى ما قاله التميمي، لأن الاختلاف في عدد محصور بين 5ـ 36 آية في المصحف الكوفي أوالبصري أوالدمشقي أو الحمصي وغيرها حسب الروايات لا يؤثر في التعريف، والله تعالى أعلم.










المبحث الثاني
علم الفواصل بين التوقيف والاجتهاد
لا شك أن الصحابة رضي الله عنهم قد صاروا مصاحف حية تمشي على الأرض في أقوالهم وأفعالهم وفي كل مناحي حياتهم، فهم أعلم الناس بالتنزيل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم شاهدوا التنزيل، وخصهم الله سبحانه بصحبة سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن مسألة التوقيف والاجتهاد في شأن عد الآي أو علم الفواصل قد قام ببيانها عالمان هما: الباقلاني في المشرق، والداني في المغرب، وكانا في موقفيهما كفرسي رهان، الباقلاني يقول بالاجتهاد، والداني يرى التوقيف . وقبل الترجيح بين القولين، أعرض المذهبين .
أولاً: مذهب القائلين بالاجتهاد.
للإمام الباقلاني رحمه الله تعالى مناظرات مع الملاحدة والزنادقة، فلا غرو أن يُعنى بنقل النقل،وكتابه الموسوم بـ (الانتصار للقرآن) برهان ساطع على ذلك.
لقد كانت مسألة عدّ الآي،أو الفواصل مدار بحث ومناقشة يتمسك بها أصحاب الشبهات، فرد عليهم الباقلاني في كتابه، وانتصر للقرآن الكريم.
والباقلاني ـ كغيره من المتكلمين ـ يقرر شبهة الخصم، ثم يردها بأسلوب العالم النظار، أنقل تالياً الشبهة التي قررها، ورده بعد ذلك على أصحابها، يقول رحمه الله تعالى:" فإن قالوا : كيف يسوغُ لكم أن تدّعوا ظهورَ نقل القرآن... ونحن نجدُهم يختلفون في قدر الآية، فيعد بعضهم قدراً من الكلام آية، وينكرُ ذلك غيره، ويعد بعضهم السورة مئة آية ٍ مثلاً، ويعدُها غيره أكثر من ذلك، وأقلَّ؟ وما ذكرتموه من ظهور توقيف النبي صلى الله عليه وسلم على بيان القرآن، وكشف ترتيبه، وأحكامه الواجبة له في حفظه وتلاوته، وإحصاء آياته، فوجب علمُ جميعهم بذلك، وارتفاعُ النزاع بينهم فيه" (14).
بعد تقرير شبهة الخصم كرّ الباقلاني على الشبهة فقال: " يقال لهم : ليس فيما وصفتموه قدحٌ فيما قلنا، و لا توهين لما ادّعيناه وبيناه، وذلك أننا إنما ادعينا وجوب ظهور نقل ما فرضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على الأمة حفظَه ... وإذا كان ذلك كذلك، وكنا لا نقول : إن من هذا الباب عددَ آيات سور القرآن، وقدر ما هو آيةٌ من الكلام، بل نقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحدّ لهم في عدد آيات السور حدّا، و لا وقفهم عليه في ذلك على شيء، و لا كان هو صلى الله عليه وسلم يعدُّ ذلك، وإن جاز أن يكونوا هم قد كانوا يعدُّون في عصره، وعند القراءة عليه لأنفسهم، و لا ينكر ذلك عليهم، بل يخلّيهم وما عدُّوا إذا لم ينقُصوا من السورة، ولم يزيدوا فيها شيئاً، ولا غيّروا من تأليف آياتها أمراً و لا قدموا مؤخّراً، و لا أخّروا مقدماً، وإذا كان ذلك كذلك ، لم يلزَمْنا شيءٌ مما قلتم، لأنه لا نص من الرسول صلى الله عليه وسلم على عدد الآي ومقاديرها"(15)
ومن تأمل كلام الباقلاني أدرك أنه لا ينكر عدّ الصحابة لرؤوس الآي أو الفواصل أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما يقول لم يفعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
ولك أن تعجب من ذكاء الرجل في الرد على حجة الخصم في شأن اتفاق العد أو اختلافه ، إذ يقرر الرأي الآخر.
فإن قيل: هل تُجوزون أن يكون عددهم لآيات السور ، وقدر الآيات متفِقاً، أو أن يكون مختلفاً؟.
قيل لهم: أجل، يجوز أن يكونوا قد عدُّوا في عصره صلى الله عليه وسلم عدداً متفقاً غير مختلف، غير أنهم عدوا ذلك لأنفسهم استعانة به على تقييد الحفظ، وضبط السور من غير أن ينصّ لهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، فلذلك لم يُنقل عنه شيءٌ في هذا الباب، فلما انقرض ذلك العصر، ولم ينقل ذلك العددُ عنهم، لأنه لم يكن من فرائض دينهم، و لا مما نصّ له الرسول صلى الله عليه وسلم عليه.. ذهب على منْ بعدهم العددُ الذي كانوا اتفقوا عليه في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، والناسُ من بعدهم يعدُّون ذلك لأنفسهم، وبحسب ما أدّاهم الاجتهادُ إليه"(16).
فالباقلاني رحمه الله تعالى، لم ينكر عد الآي الذي وصلنا بالتواتر ، لكنه يرد الآثار التي جاءت آحادية، والكلام معه ذو شجون، وستأتي مناقشة الباقلاني والموازنة بينه وبين الداني بعد إيراد مذهب القائلين بالتوقيف.
ثانياً: مذهب القائلين بالتوقيف.
يعدّ الإمام الداني رحمه الله تعالى شيخ القراء في عصره، وأحد الحفاظ في زمنه، أرد عدّ الآي بكتاب جعله بياناً لمن يرغب البيان، سماه:(البيان في عدّ آي القرآن)، عرض فيه لعد الآي في كل سور القرآن الكريم، وأورد السنن والآثار الدالة على مذهبه بالتوقيف، وبدأ كتابه بمقدمة قال فيها :" هذا كتابُ عدد آي القرآن وكلمه وحروفه، ومعرفة خموسه وعشوره، ومكيه ومدنيه،وبيان ما اختلف فيه أئمة أهل الحجاز والعراق من العدد والشام، وما اتفقوا عليه منه،وما جاء من السنن في عدد الآي عن السالفين، وورد من الآثار في العقد بالأصابع عن الماضين.."(17) . ثم سرد الإمام الداني بسنده السنن والآثار ، وفي ختامها قال رأيه :"ففي هذه السنن والآثار التي اجتلبناها في هذه الأبواب ، مع كثرتها واشتهار نقلتها، دليل واضح وشاهد قاطع على أن ما بين أيدينا مما نقله إلينا علماؤنا عن سلفنا من عدد الآي ورؤوس الفواصل والخموس والعشور وعدد جمل آي السور، على اختلاف ذلك واتفاقه ـ مسموع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومأخوذ عنه، وأن الصحابة ، رضوان الله عليه، هم الذين تلقوا ذلك منه كذلك تلقياً كتلقيهم من حروف القرآن واختلاف القراءات سواء، ثم أداه التابعون، رحمة الله عليهم، على نحو ذلك إلى الخالفين أداء، فنقله عنهم أهل الأمصار وأدَّوه إلى الأمة، وسلكوا في نقله وأدائه الطريق التي سلكوها في نقل الحروف، وأدائها، من التمسك بالتعليم بالسماع دون الاستنباط والاختراع، ولذلك صار مضافاً إليهم ومرفوعاً عليهم دون غيرهم من أئمتهم، كإضافة الحروف وتوقيفها سواء، وهي إضافة تمسك ولزوم واتباع، لا إضافة استنباط واختراع"(18).
وما كتبه الإمام الداني رحمه الله تعالى في هذه السطور يكشف عن مكنون رأيه في مسألة عد الآيات ، ويبرز للناس أن هذه الآثار التي رواها لا يصح تقديم العقل عليها ، ولذلك رد على المخالف رداً حاسماً،كونه أهمل التفتيش عن الأصول، وأغفل إنعام النظر في السنن والآثار، قال رحمه الله تعالى في رده:" وقد زعم بعض من أهمل التفتيش عن الأصول ، وأغفل إنعام النظر في السنن والآثار ، وأن ذلك كله معلوم من جهة الاستنباط، ومأخوذ أكثره من المصاحف دون التوقيف والتعليم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبطلان ما زعمه وفساد ما قاله غير مشكوك فيه عند من له أدنى فهم وأقل تمييز، إذ كان المبين عن الله عز وجل قد أفصح بالتوقيف بقوله عليه السلام : من قرأ آية كذا وكذا ، من قرأ الآيتين ، ومن قرأ الثلاث الآيات ..."
ثم قال الإمام الداني :" وقد أفصح الصحابة رضي الله عنهم،بالتوقيف بقولهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يعلمهم العشرَ، فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل، وجائز أن يعلمهم العشر كاملاً في فور واحد، ومفرقاً في أوقات، وكيف كان ذلك فعنه أخذوا رؤوس الآي آية آية".
ثم ختم الداني رده على مخالفه بقوله:" وإذا كان ذلك كذلك، ولا يكون غيره، بطل ما قاله منْ قدمْنَاه ، وصح ما قلناه، وكذلك القول عندنا في تأليف السور وتسميتها وترتيب آيها في الكتابة أن ذلك توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعلام منه به، لتوفر مجيء الأخبار بذلك، واقتضاء العادة بكونه كذلك، وتواطؤ الجماعة، واتفاق الأمة عليه، وبالله التوفيق" (19).
المناقشة والترجيح:
بعد عرض المذهبين،وكلام الإمامين، وهما: الباقلاني المشرقي المتكلم، والداني المغربي المقريء في مسألة عد الآي بين التوقيف والاجتهاد، أرى من المناسب والمفيد أن أدرس الرأيين بتجرد وإنصاف، بعيداً عن الاعتساف، متبعاً طريق الأجداد من الصحابة الذين لهم المنة على الدنيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يظهر لي ما يأتي:
أولاً: إن الصحابة الكرام رضي الله عنهم لم يناقشوا هذه المسألة، ولم يكن بينهم خلاف أو اختلاف في شأنها، وإنما كانوا رهبان الليل، فرسان النهار، فقُهوا معاني الآيات البينات بعد أن استقرت في صدورهم، وأضحت ألسنتهم رطبة بتلاوتها في كل الأوقات، فحريٌّ بنا أن نقتفي أثرهم وخاصة في مثل هذه المسائل المتعلقة بالقرآن الكريم وعد آياته .
ثانياً: إن القرآن الكريم هو القرآن الكريم قد وصلنا بالتواتر، وعدد الآيات التي لا خلاف فيها بين العادين(6200) ستة الآف ومئتان،قال ابن الجوزي:" وقد وقع إجماع العادين على أن القرآن ستة آلاف ومائتا آية ، ثم اختلفوا في الكسر الزائد على ذلك.."(20)،فهذا العدد موضع إجماع بين أهل العدد من العلماء، ومعنى ذلك أنه ثبت بالتوقيف الناتج عن التواتر، وليس التوقيف المستفاد من الروايات الأحادية.
ثالثاً: ما قاله الداني كلام صحيح يتفق مع العقل الصريح، والسنن والآثار التي نقلها في كتابه البيان، واحتج بها في الاستدلال لاثبات مذهبه بالتوقيف أحاديث آحادية منها الصحيح والحسن والضعيف، وهو يتفق مع الباقلاني في العدد المجمع عليه (6200) آية، ولا أرى الباقلاني يناقش في هذا العدد ألبتة، فمن غير المعقول أن يقول الباقلاني إن هذا العدد جاء نتيجة اجتهاد واستنباط، لأن النقل في شأنه متواتر، والنظر في المتواتر لا يصح في عُرف أهل النقل والعقل.
رابعاً: واضح أن الباقلاني كان قلقاً في رده على المشككين في عد الآي، وما نقله القراء من اختلاف في عد الكسر وهو ما زاد على (6200) ،لأن هذه الأعداد جاءت في أحاديث آحادية، والباقلاني بما أوتي من عارضة قوية على مذهب الأشعرية،يعد هذه المسألة من الاعتقادات التي لا تثبت بحديث الآحاد، وهو ما صرح به في كتابه الانتصار؛إذ يقرر كلام المخالفين في قوله:
"فإن قالوا : فهل تقطعون بهذا الخبر على أن القوم كانوا يعدون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أم لا؟. قيل لهم: لا، لأنه من أخبار الآحاد التي لا توجبُ علماً" .
والظاهر أن الباقلاني كانت نظرته على القطع الذي لا يكون إلاّ بالتواتر، لا على الروايات الآحادية مع أن الباقلاني لا ينكر ما فعله الصحابة من عد للآي ، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعترض عليهم وكلام الباقلاني يفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على تعليم الصحابة دون أن يحدد لهم العدد، لكن ما معنى،" وإن جاز أن يكونوا هم قد كانوا يعدُّون في عصره، وعند القراءة عليه لأنفسهم، و لا ينكر ذلك عليهم، بل يخلّيهم وما عدُّوا إذا لم ينقُصوا من السورة، ولم يزيدوا فيها شيئاً، ولا غيّروا من تأليف آياتها أمراً و لا قدموا مؤخّراً، و لا أخّروا مقدماً، وإذا كان ذلك كذلك ، لم يلزَمْنا شيءٌ مما قلتم، لأنه لا نص من الرسول صلى الله عليه وسلم على عدد الآي ومقاديرها"، يفهم منه أن ذلك سنة، لأنه صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك. ولا يتصور أن يفتح الباقلاني باب الاجتهاد في العد لكل الناس، وهو ينتصر للقرآن؟
خامساً: الإمام الداني أحد الحفاظ، وقد كان شيخ القراء في عصره، هبّ للدفاع عن عد الآي، وحشد الأدلة من السنن والآثار دفاعاً عن القرآن الكريم في المغرب الأقصى، يدافع بما يحفظ من السنن؛ لبيان أن هذه الفواصل ليست باجتهاد، وإنما بتوقيف، والتوقيف لا يلزم أن يكون بالمرفوع من قوله صلى الله عليه وسلم، وإنما يصح أن يكون التوقيف بالحديث الموقوف الذي له حكم المرفوع، وكثير مما أورده الداني يأخذ هذا الحكم، فلا مشاحة في الاصطلاح.
سادساً: القراءات السبع متواترة بالإجماع، والشاطبية إنما قامت على السبع، حتى جاء ابن الجزري بالدرة المضيئة المتممة للعشر، ثم كتب طيبة النشر في القراءات العشر، ومن المعلوم أن الشافعية يقولون بتواتر السبع، ولهم رأي من الثلاث المتممة للعشر، ولم أجد منْ حمل على الشاطبي ولا على القائلين بالسبع، علماً بأن القراءات الثلاث نقلت بالتواتر، وهي قطعاً أقوى في القطع من الاختلاف في ما زاد على المجمع عليه من عد الآي (6200) .
سابعاً: وأما منْ يرى القياس على ما جاء بالتوقيف فإني لم أذكره؛ لأنه لا يتصور أن يقاس عد المجمع على عده،على ما فيه اختلاف من عدد يتراوح بين 5ـ36، فاذا كان الإمام علي رضي الله عنه يقول عدد آي القرآن (6236) آية في زمن الصحابة رضي الله عنهم، وصحابي آخر يخالفه في العدد ، فهذا يدل على اجتهاد في الوقوف على بعض الآيات مما زاد على المئتين.
بعد هذه المناقشة لأدلة الفريقين أرجح أن القرآن الكريم بآياته هو القرآن الذي كان بين يدي الصحابة رضي الله عنهم يتلون آياته ، ويتدبرونها، عاشوا مصاحف حية تمشي على الأرض والرسول صلى الله عليه وسلم بين ظَهْرانْيهم ، قال لهم بصريح العبارة : (صلوا كما رأيتموني أصلي)، (خذوا عني مناسككم)، فكان بيانه صلى الله عليه وسلم بيّناً، وكلامه صلى الله عليه وسلم صريحاً، ولم يكن لمسألة العد نصيب كهذه الأحكام التعبدية.
أليست أحاديث الأحرف السبعة قد بلغت حد التواتر المعنوي، ومع ذلك فيها أقوالُ كثيرة،و لا يزال العلماء مختلفين في معناها، ومتفقين في مبناها، لكن القرآن الكريم الذي أنزل على سبعة أحرف قد وصل بالتواتر ، فهو قطعي الثبوت. لأنه كلام الله تعالى الذي لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد. والله أعلم.

خاتمة
الحمد لله الكريم الوهاب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الأوّاب، وعلى آله وصحبه الأحباب الذين نشروا العلم بين العباد، وبعد:
فقد عرض البحث لمسألة كثر الحديث حولها، والخلاف في شأنها، هل عدُّ الآي، أو الفواصل ثبت بالتوقيف أو بالاجتهاد؟
وبعد النظر ودراسة حجة القائلين بالتوقيف كالإمام الداني، والقائلين بالاجتهاد كالإمام الباقلاني خلص الباحث إلى ما يأتي:
أولاً: لا خلاف بين المسلمين أن القرآن الكريم المكتوب في المصاحف بين الدفتين من سورة الفاتحة إلى سورة الناس هو كلام الله تعالى.
ثانياً:إن عدد(6200) هو عدد الآي بإجماع الجميع، ولا خلاف فيه ألبتة، وإنما الخلاف في الكسرالزائد الذي نجده في المصحف الكوفي أو البصري،(ألم) آية من سورة البقرة في المصحف المكتوب بقراءة عاصم فعدد الآيات(286)آية. وعددها في المصحف المكتوب بقراءة نافع (285)، لأن (ألم) رأس الآية الأولى من سورة البقرة.
ثالثاً: التوقيف في العد مفهوم مما تواتر عدّه ، وليس مما ورد بالآثار، لأن العد تواتر بالقراءات العشر المتواترة التي وصلتنا والتي نزل بها الوحي.
رابعاً: باب الاجتهاد في العد لا يناسب؛ إلاّ في الوقوف الدالة على المعاني، وفتحه في هذا العصر يوقع المسلمين في خطر داهم، وخاصة من دعاة الحداثة في المشرق والمغرب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،،
الهوامش
(1) معاني القرآن للفراء 1/43 ـ 44
(2) النكت في إعجاز القرآن للرماني ص 97
(3) إعجاز القرآن للباقلاني ص 270
(4) عروس الأفراح لابن السبكي 2/302
(5) المرجع السابق 2/302
(6) الإكسير في علم التفسير للطوفي ص 310
(7) مقدمة محقق إعجاز القرآن للباقلاني ص 77
(8) الموجز الفاصل في علم الفواصل للقاضي ص 2
(9) البيان في عد آي القرآن للداني ص 126
(10) حديث عن القرآن / د.عبد الصبور شاهين ص135
(11) المرجع السابق ص 138 ـ 139
(12) القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز للمخللاتي ص90 نقلاً عن بحث:" الأحاديث والآثار المروية في عد آي القرآن :دلالاتها ومدى مطابقة هذا العلم لها" ص4
(13) الأحاديث والآثار المروية في عد آي القرآن :دلالاتها ومدى مطابقة هذا العلم لها" ص4
(14) الانتصار للقرآن / الباقلاني 1/242
(15) المرجع السابق 1/242
(16) المرجع السابق 1/244،245
(17) البيان في عد آي القرآن للداني ص 19
(18) المرجع السابق ص 39
(19) المرجع السابق ص 39 ـ 40
(20) عجائب علوم القرآن لابن الجوزي ص 130














المراجع والمصادر
ـ الباقلاني: أبو بكر، محمد بن الطيب، الانتصار للقرآن، تحقيق: عمر حسن القيام، مؤسسة الرسالة. د.ت
ـ الباقلاني: أبو بكر، محمد بن الطيب ، إعجاز القرآن، تحقيق: سيد صقر، مصر ، د. ت
ـ التميمي:د. حاتم، الأحاديث والآثار المروية في عد الآي: دلالاتها ومدى مطابقة هذا العلم لها،( بحث محكم) مقبول للنشر في مجلة دراسات الجامعة الأردنية، 2009م
ـ ابن الجوزي: عبد الرحمن، عجائب علوم القرآن، تحقيق،د/ عبد الفتاح عاشور، الزهراء للإعلام العربي 1986م.
ـ الداني، أبو عمرو، البيان في عد آي القرآن، تحقيق: غانم قدوري الحمد، مركز التراث / الكويت، الطبعة الأولى 1994م.
ـ الرماني : أبو الحسن، النكت في إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في الإعجاز، تحقيق : محمد خلف الله أحمد، دار المعرف، مصر.
السبكي: بهاء الدين، كتاب عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح، تحقيق: د. عبد الحميد هنداوي، المكتبة العصرية، بيروت ، صيدا، الطبعة الأولى 2003م.
ـ شاهين : د. عبد الصبور، حديث عن القرآن، كتاب اليوم، مصر، 2000م.
ـ الطوفي: سليمان بن عبد القوي، الإكسير في علم التفسير، تحقيق: د. عبد القادر حسين، د.ت.
ـ الفراء: أبو زكريا، يحيى بن زياد، معاني القرآن، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الثانية،1980م.
ـ القاضي: عبد الفتاح،الموجزالفاصل في علم الفواصل، مطبعة حجازي بالقاهرة، 1949م.









أدَّوه






الفاصلة القرآنية هي الفاصلة التي تحدث عنها أهل القراءات والعد من حيث هي رأس آية،لكن أهل البديع درسوها في باب السجع، وكانوا فريقين، منهم من عدّ السجع في القرآن بلاغة، ومنهم من عدّه عيب، والمسألة يطول شرحها، ومكانها في غير هذا البحث الذي انفرد للحديث عن التوقيف والاجتهاد ،والاجتهاد في جمع كل ما يتعلق بها ليس من الاجتهاد نصيب.
،في البحث عن إعجازها،وما يترتب على معناها دون أن يتعرضوا لمسألة عدها في باب التوقيف أو الاجتهاد، ولذلك
 
بارك الله فيكم شيخنا الحسن ، وجزاكم الله خير الجزاء وأحسنه وأوفاه ، ونفع الله بكم .
 
بحث الدكتور محمد خالد منصور

بحث الدكتور محمد خالد منصور

المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشر المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،،،
فقد تقدمت وسائل الاتصال الحديثة تقدما هائلا في زماننا ، وأصبحت سمة العصر ، فالعصر الذي نعيشه يوسم بأنه عصر الثورة المعلوماتية ، والتفجر المعرفي ، والسرعة في التواصل ، ونقل المعلومات عن طريق جملة من الوسائط التقنية المتعددة ، كالفضائيات ، والإنترنت ، ووسائله المختلفة في التواصل كبرامج المحادثة والماسنجر ، والبالتوك ، وسكايب ، والفلاشكمز ، وبرامج التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والتويتر ، وأصبحت هذه الوسائل تؤسس لعصر السرعة في التواصل والاتصال بين الناس .
وهذه الوسائل وغيرها من التقنيات تسهم إسهاما كبيرا في تقدم الإنسان ورقيه ؛ إذ هي وسيلة حكمها الجواز العام من حيث هي وسيلة ، ثم الحكم التفصيلي لها يكون بعد ذلك بحسب مقصدها ، والمسلمون مطالبون في زماننا الاستفادة من كل ما هو جديد نافع لدينهم ودنياهم .
ومن المجالات الهامة التي برز فيه استخدام تقنية المعلومات ، وتقنية الاتصال الحديثة المجال التعليمي ، وبالأخص التعليمي الشرعي ، حيث يعتقد الباحث أن العلماء الشرعيين ، وطلبة العلم الشرعي من أولى الناس استفادة من هذه الوسائل إذ إن تسخيرها في إيصال العلم الشرعي ، والتعلم والتعليم عن طريق هذه الوسائل هو من أهم واجبات العلماء في زماننا ، حيث إن إشغال الناشئة والمسلمين في توجيه هذه الوسائل للعلم والدعوة والتواصل النافع ، لهو طريق لمنهجة التعامل مع مثل هذه الوسائل وتحويلها نحو الأغراض النافعة سعيا للتقليل من آثارها السلبية .
ومن هنا برزت الحاجة ماسة للتأطير لنظرية استخدام التقنية الحديثة في التعليم الشرعي تعلما وتعليما ، وعلى وجه التحديد تعلم وتعليم القراءات والتجويد ، وبشكل أخص تلقي القراءات عن طريق هذه التقنية ، حتى نصل إلى نقطة هي مقصود بحثنا ، وهي تلقي القراءات بالإجازة عن طريق التقنية ، وعليه : فقد برزت مشكلة الدراسة في النقاط التالية :
1- ما معنى تقنية المعلومات، وتقنية التواصل الحديثة، وما أثرهما في التعليم الشرعي عموما، وتعليم القراءات والتجويد .
2- ما معنى التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد، وما مجالات استخدام التعليم فيهما .
3- ما المجالات التقنية التي يمكن استخدامها في تعليم القراءات والتجويد .
4- ما معنى تلقي القراءات والتجويد عن طريق التقنية، وما موقعها من التلقي المباشر القائم على المشافهة.
5- ما ضوابط تلقي القراءات للإجازة عبر التقنية .
6- ما الآليات التي يمكن من خلالها تطوير التلقي للقراءات بالإجازة للاستخدام الأمثل لوسائل التقنية في خدمة التلقي التقني ، وغير ذلك من الأسئلة التي تتطلب تحديا ، وجرأة للعمل على الاستخدام الأمثل لمثل هذه الوسائل .
الدراسات السابقة :
يبدو أن باحثا – فيما أعلم – لم يأطر لنظرية التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد ، والتوسع في مثل هذه التجارب ؛ غير أن الباحث له دراستان تحت النشر في هذا السياق ، وسيفيد منهما بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، أما الدراسة الأولى فهي بعنوان : " نظرية التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد ، قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة أنموذجا " ، وقد حاول الباحث وضع معالم التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد ، والتي سيستفيد من خلاصة هذا البحث للبناء عليه في موضوع الإجازة العلمية في القراءات عبر التقنية ، فهو فرع عنها ، وأما الدراسة الثانية ، فهي بعنوان : " النظرة الشرعية لتقنية الاتصال الحديثة " ، وتطرق فيها للمجال الأول من مجالات استخدام هذه التقنية ، وهو المجال التعليمي الشرعي ، وفيه البحث في استخدام هذه الوسائل في تعليم العلوم الشرعية عموما ، وفي القراءات والتجويد خصوصا، وسيفيد البحث من هذه الدراسة في أفكارها للبناء المناسب لموضوع بحثنا .
خطة الدراسة :
المقدمة
المبحث الأول: تقنية المعلومات والاتصال الحديثة، وعلاقتها بالتعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد، ومجالات استخدام التقنية في القراءات والتجويد .
المبحث الثاني: المجالات التطبيقية لاستخدام تقنية المعلومات في التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد، وبعض النماذج لذلك.
المبحث الثالث: علاقة استخدام تقنية المعلومات في تعليم القراءات والتجويد بالتلقي المباشر عن الشيوخ والمشافهة، والضوابط الشرعية للتلقي عبر التقنية
وختاما أسأل الله العلي العظيم أن يرزقنا علما نافعا ، وقلبا خاشعا ، وأن يكون في ميزان حسناتنا يوم نلقاه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، والحمد لله رب العالمين .
المبحث الأول
تقنية المعلومات والاتصال الحديثة ، وعلاقتها بالتعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد ، ومجالات استخدام التقنية في القراءات والتجويد
تقنية المعلومات :
أولا: التقنية: هي: أي أداة تساعدنا على إنجاز العمل بشكل أسرع وأكثر كفاءة(1) .
وأما تقنية المعلومات (Information System)، أو تكنولوجيا المعلومات (Technology Information): فهي الأجهزة والمعدات والمواد التي تستخدم في عملية تخزين ومعالجة واسترجاع وبث المعلومات (2) .
وعليه : فتعتبر تقنية المعلومات ما يتعامل فيه مع الحواسب الإلكترونية ، وبرمجيات الحاسوب لتحويل المعلومات ، وتخزينها ، وحمايتها ، ومعالجتها ، ونقلها ، واستعادتها عند الحاجة إليها(3).
ثانيا : تقنية الاتصال الحديثة ، وهي الوسائل المعاصرة التي استحدثت من أجل التواصل بين الناس بما يوفر الوقت والجهد والمال ويؤدي إلى سرعة التواصل في عالم العولمة والإنترنت ، وكون العالم الآن أصبح قرية صغيرة ، وذلك عن طريق استخدام تقنية الاتصال الحديثة ، وهي أنواع متعددة ، ومنها : الهواتف الأرضية والنقالة ، والفضائيات ، وتقنيات محددة عن طريق تقنية المعلومات بشكل خاص كبرامج التواصل الاجتماعي المباشر كالفيس بوك والتويتر والآي فون ، وغيرها الكثير من البرامج التواصلية التي يتنافس في إعدادها العديد من شركات البرمجة ، كالبالتوك ، والمسنجر ، والفلاش كومز ، وغيرها .
ثالثا : بين الاعتيادي ( الحضوري ) (4) ، والتعليم والإلكتروني
التعليم الاعتيادي : هو التواصل بين الأستاذ والطالب في القاعة الصفية ، وتلقي الطالب المعلومات على اختلافها ، مع استخدام الوسائل المتاحة كالكتاب الورقي ، والسبورة ، دون استخدام المعلم أي وسيلة إلكترونية ، وقد تطور هذا المفهوم ، فبدأت الدوائر التعليمية ولجان تطوير المناهج التربوية بإدخال بعض الوسائل التعليمية المختلفة كالمسجل ، والعارض الرأسي ، وغيرهما من الوسائل التعليمية المساعدة لتذليل التعليم وتسهيله .
وهذا المستوى من التعليم هو الأصل ، وهو الذي نشأ عليه المتعلمون قديما ، وقبل تطور وسائل التواصل بعامة ، ووسائل التواصل التعليمي بخاصة ، وقبل التسارع الكبير في تطوير تقنية المعلومات ، الذي أصبح سمة العصر الذي نعيشه في مجالات الحياة كلها .
مما سبق يمكن القول: بأن علمي التجويد والقراءات يشتركان فيما يلي (5) :
1- أن كلاً منهما يرتبط بألفاظ القرآن من جهة يختلف فيها عن الآخر .
2- أن القراءات القرآنية المعزوة إلى ناقليها لا يمكن قراءتها منفكة عن الكيفية المجودة التي أنزل القرآن بها ، بمعنى أن الأوجه المنقولة نقلت مجودة .
3- أن علم التجويد يعتبر جزءا من علم القراءات على اعتبار أن علم القراءات ينقسم إلى قسمين :الأصول والفرش، وأن علم التجويد في كثير من مباحثه يعتبر من الأصول التي بحثها القراء .
ويختلف علم التجويد عن علم القراءات في أمرين:
الأمر الأول : من حيث الموضوع : فإن علم التجويد لا يعنى باختلاف الرواة ، وعزو الروايات لناقليها ، بقدر عنايته بتحقيق الألفاظ وتجويدها وتحسينها ، وهو مما لا خلاف في أكثره بين القراء ؛ فإن القراء عموما متفقون على موضوعاتمخارج الحروفوالصفات،والقضايا الكلية للمدوالقصر،وأحكام النون الساكنةوالتوين،والميم الساكنة، وغيرها .
الأمر الثاني : من حيث المنهج : فإن منهج كتب القراءات هو المنهج النقلي ؛ فإن كتب القراءات كتب رواية ، بخلاف كتب التجويد فلا تعتني بالرواية ، ولكنها كتب دراية ، تعتمد على درجة مقدرة القارئ في ملاحظة أصوات اللغة ، وتحليلها ، ووصفها حال إفرادها أو تركيبها .
وعليه : فيمكن تعريف نظرية التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد بأنها : " مجموعة من المبادئ النظرية ، وجملة من الطرائق والوسائل التقنية التي تستخدم في تسهيل تعليم علمي القراءات والتجويد ؛ على نحو يحقق الاستفادة المثلى للتقنية في عرض المواد التعليمية ، وحفظها ، وتخزينها ونقلها ، وتقويمها بكفاءة عالية ، ونتائج مرضية ، لتطوير وسائل التعليم لهذين العلمين ؛ وتعميما لهما لأكبر عدد ممكن من المسلمين سواء أكانت التعليم أكاديميا أم كان تعليما شخصيا ذاتيا " .
خامسا : المجالات العلمية النظرية لاستخدام تقنية المعلومات في تعليم القراءات والتجويد
وبعبارة أخرى، لماذا نستخدم تقنية المعلومات في تعليم القراءات والتجويد ؟ ولكي يكون تشكيل نظرية في التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد مقنعا، وأن هذين العلمين يحتاجان التقنية في تقريب تعليمها، وأن فيهما من الخصائص الذاتية ما يجعل التعليم الإلكتروني نافعا ومفيدا، ومحققا لأغراض الوسائل التعليمية التي ينادى بها التربويون المعاصرون.
أما بالنسبة للمجالات النظرية والتطبيقية لتوظيف معطيات التعليم الإلكتروني في علمي القراءات والتجويد ، فلا أكون مبالغا إذا قلت : إن علمي القراءات والتجويد هما من أمثل العلوم الشرعية التي يمكن استخدام تقنية المعلومات فيهما ، وتخدم التقنية لب هذين العلمين ؛ لأن العلمين صوتيان ، ومن أهم خصائص التقنية توثيق الصوت ، وإمكانية استرجاعه ، وابتكار الطرق التقنية للتدريب عليه بطرق مختلفة ، وهو ما نحتاجه في هذين العلمين المباركين.
ومن أهم ما يمكن الاستفادة من تقنية المعلومات في خدمة المصحف الشريف ، توثيق رسمه ، وسهولة استرجاعه ، وتدريب الطلبة على رسمه ببرامج متخصصة في ذلك ، مع ما يصحب ذلك من تطوير الاختبارات الإلكترونية في هذا المجال ؛ لكي يصبح الطالب قادرا على أن يكتب القرآن العظيم برواياته وفق قواعد رسم المصحف وضبطه ، ثم تمكينه من التصحيح الإلكتروني لما رسم عن طريق برامج المقارنة الإلكترونية على ما سيأتي .
وتقريب صورة أحكام التجويد ، وتقريب علم القراءات القرآنية والعلوم المساعدة المتصلة به : بما يشتمل على المقدمات في علم القراءات ، وأصول القراءات العشر الصغرى ، والكبرى ، وفرشها ، وعد الآي ، والتوجيه ، وغيرها من العلوم المتعلقة بالقراءات القرآنية من أهم أغراض استخدام التقنية فيهما .
إذا ثبت هذا ، فلا ينبغي علينا أن نكون مبالغين في استخدام التقنية حتى تغني عن عمل المدرس في تعليم القراءات والتجويد ، وهذا غير ممكن خاصة في مراحل التلقي والتأسيس الأولي لطالب هذا العلم ، ولا أن نترك استخدامها بالكلية فنحرم بعض الفوائد التي تتحصل من خلال استخدام هذه الوسائل ، وسيأتي استعراض مفصل للمجالات النظرية والتطبيقية لاستخدام التقنية في هذين العلمين ، والتي تشكل أساسا نظريا لاستخدام التقنية فيهما:
أولا : اعتماد القراءات والتجويد على الجانب الأدائي المهاري الصوتي .
ثانيا : تحقيق المحاكاة الصوتية والتصوير الحي للتلاوة في القراءات والتجويد ، فهذان العلمان يأخذان مشافهة ، وهذا ما تقدمه التقنية للطالب بتمكينه من سماع الأوجه الأدائية بأسلوب محوسب ، مع تمكينه من سماع التكرار النموذجي المتقن والمخرن واللامتناهي لعدد المرات ، مما يتيح للطالب جانب المحاكاة الصوتية والتصوير الحي للتلاوة وأوجه القراءات .
ثالثا : معالجة أمهات كتب التجويد والقراءات والعلوم المتصلة بها كالرسم والضبط وعد الآي والتوجيه ، والتطبيق ، وغيرها إلكترونيا .
رابعا : معالجة أهم المنظومات في علمي التجويد والقراءات إلكترونيا .
خامسا : توثيق ومعالجة القراءات العشر الصغرى والكبرى إلكترونيا .
سادسا: استخدام تقنية المعلومات في التدريب على استخدام الرسم العثماني، وتعليمه، ورسم الروايات العشرين رسما عثمانيا إلكترونيا عن طريق النشر المكتبي ، وإعداد " مصحف تعليم الرسم العثماني " الورقي ثم الرقمي ، ويتضمن التعليم لقواعد الرسم والضبط عن طريق خدمة جديدة تتصل بالتعليم الإلكتروني .
سابعا : التدريب العملي للطالب نفسه على الأداء خارج المحاضرة قبلها وبعدها .
ثامنا : التدريب العملي بين الطلاب أنفسهم في مختبرات خاصة تعد لهذا الغرض .
تاسعا: تدريب الطلاب على تطوير وسائل التعليم في القراءات والتجويد بإشراك الطلاب المبدعين في العملية التعليمية، وذلك عن طريق جملة من الآليات.
عاشرا : توثيق التدريس، وجعله أساسا للمحتوى التعليمي الإلكتروني .
حادي عشر : حفظ علمي التجويد والقراءات والرسم عموما: الإسهام في حفظ علمي التجويد والقراءات ورسم المصحف وتنمية لوسائل الحفظ الأخر المعروفة كالطباعة والتسجيل الصوتي المجرد، والتوثيق الإلكتروني نمط جديد من أنماط الحفظ يتميز بالسهولة وقلة التكاليف، إضافة إلى الدقة العالية في الجودة.
المبحث الثاني : المجالات التطبيقية لاستخدام تقنية المعلومات في التعليم الإلكتروني لخدمة القراءات والتجويد ، وبعض النماذج لذلك
وبعد هذا البعد النظري المهم السابق في نظرية التعليم لإلكتروني في القراءات والتجويد ، والتي اقتضت طبيعة البحث فيها التداخل في بعض التطبيقات التقنية ، حان وقت الدخول إلى مجالات استخدام التقنية في خدمة هذا النمط من التعليم ، وأعني بهذا المبحث : ما مجالات التقنية التي يمكن الاستفادة منها ، وكيف يمكن تتم هذه الاستفادة ، وذلك ضمن المطالب التالية :
المطلب الأول : مجالات استخدام التقنية من حيث نوعيتها
تنقسم مجالات استخدام التقنية من حيث نوعيتها إلى قسمين :
القسم الأول : استخدام الشبكة العنكبوتية ، أو ما يسمى بالإنترنت ، بما يتضمنه من آلاف المواقع المتعلقة بالقراءات والتجويد ، ومن خلال الاستقراء يمكن تعداد أهم موضوعات هذه المواقع ، ومن خلال محركات البحث التي تعتني بالمواقع العربية ، فمثلا : من يرجع إلى موقع : ردادي دوت كم ،raddadi.com) ) ، يجد العشرات من المواقع الإلكترونية المتعلقة بالقراءات والتجويد ، ويمكن تصنيفها عموما إلى مواقع متخصصة لعرض القرآن الكريم عن طريق الصوت والصورة ، كموقع مزامير داود ، ومواقع أخرى خاصة بالمقارىء الإلكترونية كموقع مقرأة الإمام الشاطبي مثلا ، ومواقع شخصية في القراءات والتجويد ، كموقع الدكتور محمد أيوب مثلا ، ومواقع تابعة لمؤسسات تعليمية إلكترونية كموقعquran1.net، وهكذا .
القسم الثاني : البرامج الحاسوبية والبرمجيات المعدة لغايات التعليم خصيصا
هناك العديد من البرامج الحاسوبية التي أنتجت لغايات التعليم ، وليس المقصود الاستقصاء ؛ لأن ذلك مما تتقاصر عنه مثل هذه الدراسة ؛ لأن المقصود هو تأطير نظرية التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد ، وليس مقصود البحث دراسة مسحية لهذه البرامج ، فهناك دراسات خاصة لهذا الغرض سبقت الإشارة إليها ، ومن هذه البرامج المعدة للتعليم :
1- ما أنتجته شركة صخر "برنامج القرآن الكريم" بصوت الشيخ علي الحذيفي إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف بصوت نقي, وفيه الكثير من المميزات منها إدراج بعض التفاسير مع إمكانية عرض مقارنة بين مفسر وآخر، وشرح غريب الكلمات وإمكانية البحث عن كلمة أو مفردات وترجمة الآيات إلى اللغة الإنجليزية.
2- يعتبر برنامج نوف للقرآن من أكبر المصاحف الإلكترونية تطورا، حيث يستخدم فيه تقنية تتيح الاستماع إلى عدد هائل من المواد الصوتية بسرعة ونقاوة عالية وحجم صغير .
3- ما قام به مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف من إصدار لبرنامج مصحف المدينة النبوية للنشر الحاسوبي ، والجميل في هذا المصحف أن النصوص تعامل كل كلمة كحرف في نظام خطوط خاصة بحيث تستطيع التعديل عليها وتلوينها بكل يسر وحرية .
4- الموسوعة الشاملة في علم التجويد ، وسيأتي عرضها في النماذج إن شاء الله تعالى .
5- مصحف دار الرسم العثماني الرقمي بالروايات الأربع : وهو مصحف متخصص في عرض الروايات القرآنية الأربعة بتقنية الصوت عن طريق التقطيع الصوتي للكلمات القرآنية ، إضافة إلى التلاوة العادية ، مع تزويد الأجزاء بتلوين أحكام التجويد من سورة الأحقاف على الناس ؛ إضافة إلى تمييز الخلافات في الأصول والفرش بين هذه الروايات ، وهو من إعداد وتنفيذ الباحث ، وهو معروض ضمن موقعquran1.netالتعليمي .
القسم الثالث : المختبرات المتخصصة للتعليم الإلكتروني :
وهدف المختبرات الإلكترونية توفير البيئة الملائمة للطالب لكي يتلقى التعليم في القراءات والتجويد عن طريق التعليم عن بعد ، أو استخدامها في التعليم الإلكتروني المتزامن أو المدمج في التعليم الحضوري ، وهذه المختبرات تجمع بين القسمين السابقين ، وهو استخدام الشبكة العنكبوتية أو البرامج الحاسوبية أو النوعين معا :
وفيما يأتي تصور تفصيلي لمتطلبات هذا المختبر التفاعلي على النحو الآتي (6) :
أولا : وحدة المشرف على المختبر : وهي المتطلبات الإلكترونية ، الحواسيب (Hardware) ، والتي يحتاجها المشرف على المختبر .
ثانيا : وحدة الأداء الخاصة بالطالب : وهي المتطلبات الإلكترونية ، الحواسيب (Hardware) ، والتي يحتاجها الطالب في المختبر ؛ لكي يتمكن من تفعيل التعليم الإلكتروني .
ثالثا : نظام شبكة متقدم ، ويفضل أن يكون لاسلكي ، أي : ويرلس .
رابعا : نظام مسموع ومرئي لعمل التطبيقات المشاهدة ( تلفاز – فيديو مع نظام صوتي موزع بطريقة علمية صحيحة ) .
خامسا : يشتمل المختبر على (25 ) وحدة ، وهو الحد الأعلى ؛ لكي يتمكن المشرف من التواصل السهل والسريع والمتقن مع الطلبة .
سادسا : المكتبة الإلكترونية : وذلك بتوفير مكتبة إلكترونية شاملة لعلمي التجويد والقراءات الصوتية الحديثة : مثل تلاوات الحصري والمنشاوي والحذيفي ومحمد أيوب وغيرهم بحفص والمنشاوي بورش وقالون ، والحصري بالدوري ، وغيرهم ، والقراءات القديمة والنادرة منها ، وموسوعات القراءات كموسوعة القراءات العشر جمع الشيخ محمد يوسف ، وذلك ضمن وحدات تخزين جيدة وسريعة الاسترجاع ( دي في دي (dvd إسطوانة صلبة ) .
كما تتضمن مكتبة من البرامج والتطبيقات الأصلية من أنظمة التشغيل والأوفس ، والخرائط الذهنية (main map ) والبرامج الخاصة بالتجويد والقراءات ، مثل : الموسوعة الشاملة في علم التجويد ، والروايات الأربع حفص ، ورش ، قالون ، الدوري عن أبي عمرو ، بتقنية التلوين مع الصوت ، وسيأتي تفصيل لهذين التطبيقين ، وتسجيل صوتي للشاطبية للشيخ الدكتور إبراهيم الجرمي ، وتطبيق عملي للقراءات السبع لجزء عم كل قارىء على حدة ، وغيرها من البرامج التطبيقية ، كالروايات الأربع للشيخ العسلي .
سابعا : ربط نظام المختبر الرئيسي بشبكة الإنترنت العالمية ، أو إنترنت داخلي ، وذلك بتحديد مواقع إلكترونية معينة تتصل بالتجويد والقراءات ، مباشرة مع التحكم من قبل المشرف لتوزيع المهام ، والمشاركة للوحدات الأخرى .
ثامنا : جهاز تسجيل فيديو كمارا صوت وصورة لتوثيق المحاضرات إلكترونيا ورقميا وحفظها بالأرشيف واسترجاعها عند الحاجة .
تاسعا : الخطة التدريسة الإلكترونية :
تشتمل مفردات الخطة التدريسية الإلكترونية على جملة من المواد التعليمية التي يراد حوسبتها ، ومعالجتها إلكترونيا عن طريق الوسائط المتعددة ، والتي سيأتي بيانها :
1-التجويد ومخارج الحروف ، باختيار كتاب معتمد في التجويد ، ومعالجته بتقنية الكتاب الإلكتروني .
2- الشاطبية وشرحها ، ومعالجتها بتقنية الكتاب الإلكتروني .
3- تطبيق القراءات السبع من أول المصحف إلى آخره .
4- الدرة وشرحها ، ومعالجتها بتقنية الكتاب الإلكتروني .
5- تطبيق القراءات الثلاث المتممة من أول المصحف على آخره .
6- طيبة النشر في القراءات العشر وشرحها ، ومعالجتها بتقنية الكتاب الإلكتروني .
7- تطبيق القراءات العشر الكبرى بمضمن طيبة النشر من أول المصحف إلى آخره.
8- رسم المصحف وضبطه نظريا ، ومعالجته بتقنية الكتاب الإلكتروني .
9- تطبيق عملي لرسم المصحف وضبطه على الروايات الأربع : حفص ، ورش قالون ، الدوري عن أبي عمرو ، ضمن مشروع : مصحف النشر الإلكتروني لدار الرسم العثماني ، ومشروع مصحف تعليم الرسم العثماني ، وقد سبق التعريف بهما ، كخيارات إلكترونية متوافرة ، وذات فاعلية تعليمية عالية .
10- عد الآي ، بمعالجة أهم منظوماته ، ومصادره بتقنية الكتاب الإلكتروني .
عاشرا : دراسة تحويل الخطط السابقة للمنهاج النظري إلى منهاج رقمي إلكتروني ( الكتاب الإلكتروني ، وقد تمت محاولة تنفيذ فكرة الكتاب الإلكتروني في التجويد بتحويل كتاب الوسيط في علم التجويد للباحث إلى كتاب إلكتروني ضمن المعطيات التي سيأتي ذكرها في عرض خاص ) يشتمل على الخصائص التالية :
التصفح الإلكتروني : وذلك عن طريق التقليب للصفحات الإلكترونية يدويا أو عن طريق استخدام تقنية الفلبنج (flipping ) ، وهي التصفح الورقي .
الإثراء الإلكتروني : وهو تحويل المادة الورقية إلى مادة إلكترونية مع المعالجة بالوسائط المتعددة من صوت أو صورة أو فيديو أو غير ذلك .
استخدام تقنية الصوت والصورة المستقلة عن الكتاب الإلكتروني .
استخدام تقنية العرض والشرح لأي موضوع من موضوعات المواد التعليمية السابقة .
استخدام تقنية الحوار الصوتي والتسجيل الصوتي : لاستخدامها في التلاوة ، والمقارىء الإلكترونية ، وبرامج التواصل الصوتي كما تقدم ، أو برامج المحاكاة الصوتية .
استخدام تقنية الاختبارات الإلكترونية : وهي من أهم الخصائص التعليمية مما يؤدي إلى قياس مخرجات التعليم عن طريق وسائط إلكترونية ، مما يسهل عملية التقويم الإلكتروني بوضع بنك أسئلة ، وتسهيل التصحيح الإلكتروني مما يقلل الكلفة والوقت والجهد ؛ إضافة إلى دقة النتائج ، ودرجة مصداقيتها.
ربط المنهاج بالإنترنت عن طريق مواقع الإثراء المتعددة في القراءات والتجويد .
إعداد حلقة الوصل والتواصل من خلال شبكة الإنترنت والبريد الإلكتروني بين المدرس والطالب لتصدير المواد التعليمية المطلوبة في التعليم عن بعد أو حتى في التعليم المتزامن ، ولتقليل الحواجز بين المعلم والمتعلم ، وضمان سرعة التعلم ، وسهولته ، وإمكانية تعميمه على أكبر قدر من المتعلمين .
إعداد برامج وأدوات مساعدة خاصة بالمواد التعليمية ، وذلك أنه أثناء تنفيذ الخطة الإلكترونية تظهر الحاجة لإنتاج برامج جزئية تخدم موضوعات محددة في خطة التدريس ، مثل : خطة التحفيظ ، وبرامج متخصصة فيه ، وبرامج التدريب على إتقان المخارج والصفات ، وبرامج التدقيق الصوتي والتلاوة ، وبرامج التدريب على القراءات ، والتدريب على موضوعات خاصة في القراءات ، كبرنامج متخصص في وقف حمزة وهشام يشتمل على إحصاء الهمزات ، وتعليمها عن طريق مجموعة من التطبيقات الحاسوبية وحزمة من الاختبارات الإلكترونية ، وبرنامج متخصص في الإمالة بتفصيلاتها وتطبيقاتها ، وبرامج التدريب على رسم المصحف الشريف ، وبرامج التصحيح الآلي الإلكتروني للرسم العثماني .. الخ ، والباب مفتوح لتطوير العشرات من البرامج والتطبيقات الحاسوبية لخدمة علمي القراءات والتجويد ، توضع بحسب المنهاج ، والمرحلة التعليمية ، والتي سيأتي البحث فيها .
ربط العلاقات المشتركة بين خطط التدريس لتحقيق الهدف المرجو ، وربط التطبيقات السابقة بمنظومة من الروابط بحسب نوع المنهاج ، ومن أمثلة هذه الروابط :
أ- بيان الفروقات بين القراءات العشر أصولا وفرشا ، والربط بين الكتاب الإلكتروني ، والتطبيقات الصوتية.
ب- المقامات الصوتية ، والتفريق بينها ، وتوظيفها في تذليل العقبات في تعلم القراءات ؛ لأنها تقوم على التفريق الواعي بين مقامات الأصوات خاصة فيما يتعلق بالإمالة الصغرى والكبرى ، وهكذا بقية القضايا الصوتية ، من حيث تأطيرها ، وتسهيل تطبيقها .
ج- تحقيق الحفظ في فترة زمنية ، ضمن خطة إلكترونية تتداخل أكثر من معطى من معطيات التعليم في حفظ القراءات حفظا متقنا ، خاصة فيما يمهد لاستخدام التقنية في منح إجازات العلمية في القراءات كما سبق في المنهجية العلمية في ضوابط التلقي للقراءات والتجويد إجازة .
إن النقاط السابقة كلها هدفها بناء شخصية الطالب في قسم القراءات بناء متكاملا ومتوازنا؛ لكي يحافظ على أصول العلم ويستفيد من التقنية الحديثة لتسهيل التعلم وتعميقه ، وتسهيل نشره ونقله .
المطلب الثاني : من حيث نوعية المادة المستخدمة في وسيلة التقنية
والمقصود بهذا المطلب هو نوع المادة الإلكترونية المستخدمة في وسيلة التقنية ، وهي المادة الأساسية للتعليم الإلكتروني ، وهي مرتبة حسب ظهورها ، وحسب تداخلها لتشكيل نظرية التعليم الإلكتروني على النحو التالي :
1- النصوص في علمي القراءات والتجويد ، وهي مصادر هذين العلمين ومعالجتها معالجة إلكترونية عن طريق تحويلها من كونها مادة ورقية إلى مادة رقمية ، وذلك عن طريق المواقع التي تتيح تحميل عشرات الكتب في القراءات والتجويد كنصوص يستفاد منها في العملية التعليمية الإلكترونية .
2- الملتيميديا ، وتشتمل على :
الصوت : وتتضمن العديد من التسجيلات وختمات المشايخ التي يستفاد منها.
الصورة : وتتضمن العديد من الصور لمقاطع المخارج والصفات .
مقاطع الفيديو : وتتضمن التلاوات المسجلة تلفزيونيا .
فلاشات توضيحية للمخارج والصفات .
3- المكتبات الرقمية : والمقصود بها المكتبة المشتملة على المواد التعليمية السابقة ، وتعرف بأنها : " مجموعة من المصادر الإلكترونية والإمكانات الفنية ذات العلاقة بإنتاج المعلومات ، والبحث عنها واستخدامها...وبذلك فإن المكتبات الرقمية هي امتداد ، ودعم لنظم خزن المعلومات واسترجاعها التي تدير المعلومات الرقمية بغض النظر عن الوعاء سواء كان نصيًا أو صوتيًا أو في شكل صور بنوعيها الثابت وغير الثابت ، وتكون متاحة على شبكة موزعة(7) .
4- معالجات خاصة : برامج تكرار الآيات والتعلم الذاتي ، والتحفيظ ، وتعليم القراءات ، ورسم المصحف وضبطه ، والتي سبق الإشارة إليها .
المطلب الثالث : نماذج لبعض التطبيقات الحاسوبية والتي تعزز جوانب النظرية
سيقوم الباحث باستعراض ثلاثة نماذج لبعض التطبيقات الحاسوبية تعزز جوانب النظرية ، الأنموذج الأول سيكون في التجويد ، والأنموذج الثاني سيكون في القراءات ، والأنموذج الثالث : الروايات القرآنية الأربعة بالقراءات بتقنية التقطيع الصوتي ، والترميز بالتلوين على النحو التالي :
أما الأنموذج الأول فهو الموسوعة الشاملة في علم التجويد ، وهو من إعداد وتنفيذ الباحث ، وهو برنامج لتعليم التلاوة والتجويد صمم بطريقة علمية للاستفادة من تقنيات الحاسب الآلي في التعليم ، وهو يتناول تعليم التجويد بجانبيه النظري والتطبيقي عن طريق نظام متكامل متفاعل ومتدرج يعنى بربط المستخدم بالمعرفة التجويدية عن طريق الوسائل الحديثة المختلفة لتمكينه من إتقان التلاوة ، مع دعم هذا النظام بشكل أساسي بالصورة والصوت والوسائل التعليمية المتعددة لإيصال المعلومة وتطبيقها للمستخدم ، ويعتبر كل جزء من أجزاء البرنامج مكملا للآخر ، بمعنى أن عرض المعرفة في الموسوعة يراعي فيه الوضوح والسهولة .
· أجزاء الموسوعة الشاملة في علم التجويد
تتضمن الموسوعة الشاملة في علم التجويد الأجزاء التالية :
ويظهر التكامل العلمي والتقني في تكوين الموسوعة ، وبناء نظرية متكاملة للتعليم الإلكتروني للتجويد ، حيث تضمنت الموسوعة كتابا إلكترونيا ، وهو الوسيط في علم التجويد مع العديد من الوسائط التعليمية المتقدمة ؛ إضافة لاختيار هذا الكتاب وتسجيله كاملا بالصوت ، مع استخدام تقنية التلوين ، ثم اختزال الكتاب عن طريق شجرة المعلومات والموضوعات ، مما يسهل على القارىء تصفح الكتاب ، ثم عرضت الموسوعة تطبيقات معمقة في تعليم التجويد عن طريق التقطيع الصوتي ، والتقطيع مع تلوين الأحكام بطريقة مبتكرة ، ثم تلاوة مسترسلة لجزئي عم وتبارك ، وبلغ التطبيق غايته في تسجيل القرآن كاملا بصوت صاحب الموسوعة ، ثم عرضت الموسوعة أنموذحا لبرنامج متخصص في تعليم مخارج الحروف والصفات ، ثم خصص جزء للتقويم الإلكتروني لمواد التجويد النظرية والتطبيقية ، ثم زودت الموسوعة بحزمة من التطبيقات الخادمة للتجويد ، وهي المنظومات التجويدية ، ثم التعليم والتقويم عن طريق الترفيه ، وهو نوع من أنواع التعليم يهدف إلى تقريب التعليم للمتعلم عن طريق التشويق وإدماج التقنية مع الترفيه لتحقيق تعليم معمق .
وأعتقد أن هذا التدرج المتبع في هذه الموسوعة يعتبر أنموذجا علميا واقعيا لبناء نظرية التعليم الإلكتروني في التجويد ؛ بما يسهم في تحقيق تعليم ذاتي متقن ، وقد جاءت الباحث منذ سنة 2000 م مئات ردود الفعل الإيجابية التي تشير إلى أن الموسوعة حققت قدرا جيدا من التعليم الصحيح للتجويد لاختلاف الفئات العمرية ، والمراحل التعليمية (8) .
وأما الأنموذج الثاني : فهو تسجيل الشاطبية الكترونيا للدكتور إبراهيم الجرمي ، وهو برنامج من إنتاج مركز التراث للحاسب الآلي ، وهو يتضمن الأمور التالية :
1- تسجيلا صوتيا لمتن الشاطبية في القراءات السبع المتواترة ، حيث تعرض الأبيات في أعلى الصفحة ، ويقوم الشيخ بقراءة البيت بطريقة سليمة ، وقد أخذ المتن الذي حققه شيخنا الشيخ محمد تميم الزعبي شيخ مقارىء حمص ، مع التلوين للرموز .
من فوائد هذا الجزء التلقي الصحيح للشاطبية ، والنطق السليم لها ، وتمكين الطالب من فهم رموز الشاطبية ، والتعلم السمعي والبصري لها .
2- تلاوة للكلمات التي فيها خلاف أصولا أو فرشا ، وهذا يعطي تلقيا للأصول كلها والفرشيات من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس ، وهو مادة يستفيد منها الطالب في عرضه القراءات السبع ، لأن الشيخ الدكتور إبراهيم الجرمي ينطق بالكيفيات المختلفة ، وقد ربطت إلكترونيا بالأبيات الشعرية .
3- عرض إلكتروني رقمي لشرح الشاطبية وهو سراج القارىء لابن القاصح ، وهو عرض المادة العلمية عرضا رقميا بدون إي معالجة إلكترونية .
يعتبر هذا البرنامج خطوة جيدة في طريق حوسبة المنظومات في القراءات والتي سبق الحديث عنها ، ولكن البرنامج يحتاج لتطوير برمجته ، وإضافة أدوات للبحث المتعدد والسريع ،
كما أن الكتاب المرفق غير معالج بإثرائه إلكترونيا ، فهو بحاجة لمعالجة بتقنية الكتاب الإلكتروني كما مر ، إضافة لتزويده بآليات الاختبار الإلكتروني التي خلا منها البرنامج تماما .
وأما الأنموذج الثالث : فهو الروايات القرآنية الأربعة بالقراءات بتقنية التقطيع الصوتي ، الترميز بالتلوين ، من إعداد وتنفيذ الباحث بالتعاون مع دار الرسم العثماني بدبي ، ويتضمن التطبيق :
استعراض الروايات الأربعة حفص عن عاصم ، وقالون وورش عن نافع المدني ، والدوري عن أبي عمرو البصري من طريق الشاطبية من سورة الأحقاف إلى سورة الناس عن غرار جزء عم التعليمي في الموسوعة الشاملة .
يتم استعراض كل رواية على حدة ، وذلك على مرحلتين :
المرحلة الأولى : تلاوة مسترسلة للأجزاء ، مع بيان الخلافات في الأصول والفرش بتلوينها في نص المصحف ، وبيان التعليل في الهامش مع التقطيع الصوتي على مستوى الكلمة .
المرحلة الثانية : استعراض الأجزاء مع التعامل مع الأحكام التفصيلية في كل رواية عن طريق التلوين للأحكام .
هذا ، ويستهدف البرنامج تدريب المتعلم على تطبيق القراءات الأربعة عن طريق التعامل مع الأحكام عن طريق جداول متخصصة أعدت لهذا الغرض ، ويعتبر هذا البرنامج تطبيقا مهما من التطبيقات لتعليم الإفراد للروايات القرآنية التي تعتبر المرحلة الأولى لجمع الروايات ، وهو موجود كاملا على موقع :quran1.net.
المبحث الثالث : علاقة استخدام تقنية المعلومات في تعليم التجويد والقراءات بالتلقي المباشر عن الشيوخ والمشافهة ، وضوابط تلقي القراءات والتجويد عبر التقنية
وذلك يقتضي أن يكون في مطلبين ، هما :
المطلب الأول : علاقة استخدام تقنية المعلومات في تعليم التجويد والقراءات بالتلقي المباشر عن الشيوخ والمشافهة
الأصل في هذين العلمين التلقي والمشافهة ، وأنه في مرحلة التأسيس للعلوم الشرعية عموما ، ولهما بشكل خاص لابد ابتداء من توجيه المعلم الطالب وتربيته عن طريق التلقي الشخصي ؛ لما للعلوم الشرعية من خصوصية تتطلب أن يتلقى الطالب كيفيات الأداء الأصلية من المعلم ؛ كما أن ملازمة الطالب للشيخ يؤثر في شخصيته ، ويكسبه العديد من الصفات النفسية والخلقية ، والسجايا العلمية ، وتنمية الملكة عن طريق الحوار والنقاش ، والتصويب ، والتسديد للفهم كل هذه الأمور لا يمكن أن تتحقق إلا عن طريق المشافهة والتلقي المباشر.
ولذلك فإنه مما لا شك فيه أن علمي القراءات والتجويد يتطلبان التلقي والمشافهة ابتداء ، وهو ما أطبق عليه العلماء من قبل سواء في هذين العلمين أم في غيرهما من العلوم الشرعية ، وهذه حقيقة مستقرة .
وعليه : فإن التعليم الإلكتروني للقراءات والتجويد لا يجوز أن يكون المرحلة الأولى التي يتلقى فيها الطالب القراءات والتجويد ، بل يجب أن يعرض قراءته على شيخ متقن يتلقى عنه ، ثم إذا أتقن أو قارب أو أراد المراجعة لما تلقاه عن شيخه ؛ استعان بالوسائط الإلكترونية التي سيأتي البحث فيها .
وههنا لا بد من التفريق في هذه القضية بين أمرين: مبدأ استعمال التقنية والوسائل الحديثة في العملية التعليمية عموما ، ودور كل من المعلم والوسيلة في الموقف التعليمي.
أما استخدام التقنية فهو عامل مساعد ، وهو وسيلة تعليمية هادفة لتعميق المفاهيم ، وتقوية التعليم المنبني على التلقي ، وهذا محل إجماع عند التربويين والشرعيين .
وواضح أن دور المعلم سيكون في البناء الأساسي لعقلية الطالب ، وكيفية تفكيره ، وغرس المباني الأساسية لكل علم ، وتأتي دور الوسيلة مكملة لعمل المعلم .
هذه علاقة التعليم الإلكتروني بتعليم القراءات والتجويد ؛ فهي وسيلة مساعدة ، ومن هنا كان الاجتهاد والتقدير في زمن ووقت إدماج التقنية في تعليم القراءات والتجويد.
ومن خلال التجربة والخبرة ، فقد تبين للباحث من خلال استخدام التقنية في تدريس القراءات والتجويد في كلية القرآن الكريم ، وبقية كليات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ما يأتي :
أولا : أن استخدام الموسوعة عن طريق الشاملة في علم التجويد ، وهي موسوعة متخصصة في علم التجويد ، عن طريق استخدام الوسائط المتعددة ، وقد أثبت جدواه لطلبة الجامعة في الكليات كلها ( الشريعة ، والحديث ، واللغة العربية ، والدعوة وأصول الدين ) بعد القيام بتحكيمها كأول مقرر إلكتروني في الجامعة ، وذلك أن مادة القرآن الكريم مقررة على طلبة هذه الكليات كلها ، وهي تفتقر إلى مادة مسجلة تساعد الطالب على تمثل أحكام التجويد النظرية ، وتعينه بما فيها من أساليب على إتقان التلاوة التطبيقية .
وقد أجريت استبانة وزعت على شريحة كبيرة من طلبة الجامعة ، فكانت الإجابات – وبالإجماع - ، أن الأساليب المتبعة في التعليم أدت إلى إتقانهم الكثير من المهارات ، وأدت إلى تحسين أدائهم للتلاوة ، وأنهم وجدوا أن الموسوعة متدرجة ، وتتناسب مع مراحل عمرية مختلفة ، وأنها تفيدهم إذا رجعوا إلى بلادهم .
ومن هنا فقد كان إدماج التقنية في هذه المادة باستخدام الطالب هذه الموسوعة قبل أن يأتي إلى المحاضرة ، وكان الباحث يعرض بعض الجزئيات كالمخارج والصفات في أثناء المحاضرة ، ويستفيد منها الطالب استفادة كبيرة بعد المحاضرة ، بل وتبقى مادة إلكترونية موثقة له مستقبلا ، يستخدمها للمراجعة ، والتكرار لزيادة الإتقان.
على أن استخدام الموسوعة داخل المحاضرة لأكثر من خمس دقائق سيؤثر سلبا على سير المحاضرة ؛ لذلك كان استخدامها لتعريف الطالب وتدريبه على استخدامها خارج المحاضرة ؛ لئلا يؤثر ذلك على وقت التلقي في المحاضرة .
ثانيا : أما بالنسبة لتدريس القراءات ؛ فإن الأمر يختلف عن تعليم التجويد ؛ فالتعليم للقراءات يتطلب في المرحلة التأسيسية التلقي والمشافهة ، وقيام الأستاذ بتعليم الطالب كيفية النطق بكيفيات الأداء ، وقراءة الأبيات الشعرية المتعلقة بها ، وأن نقل الطالب ابتداء للتلقي عن طريق التقنية فيه إخلال بأصل التلقي هي هذا العلم المبارك ، والذي نقله العلماء لنا مشافهة جيلا بعد جيل .
وقد قمت بتدريس القراءات والتجويد في قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وذلك في المقررات القراءات (1) ، (2) ، وهي المادة التأصيلية لعلم القراءات من الناحية النظرية والتطبيقية ، والتي تمثل أصول الشاطبية ، وعرض سورة البقرة كاملة بالقراءات السبع المتواترة بطريقة الجمع بالوقف ، ومادة المدخل لعلم القراءات ، والوقف والابتداء ( 1) ، (2) لطلبة الدراسات العليا في مرحلة الماجستير في تخصص القراءات ، وذلك بعدة اتجاهات ، هي :
الاتجاه الأول : تجهيز مادة إلكترونية تتضمن أبيات الشاطبية ، إضافة إلى اختيار مجموعة من السور القرآنية مسجلة بالروايات الأربعة عشرة ، إضافة إلى تجهيز مادة إلكترونية تتضمن سورة البقرة وآل عمران بالجمع بالآية ، وهو الجمع الذي حصل في الجامعة الإسلامية ؛ لكي تكون مادة مساعدة للطالب قبل المحاضرة ، وبعدها ، ويحملها معه على بلاده إذا رجع إليها .
الاتجاه الثاني : إدماج قدر محدود من التقنية في أثناء المحاضرة ، وذلك بعرض أبيات الشاطبية عن طريق الداتاشو للطلبة للمساعدة لشرح الأبيات ، وتيسير عرضها وتناولها ، وذلك بعرضها بالصوت والصورة .
وقد أظهرت النتائج أن الطلبة قد تحسن مستوى أدائهم ، واستيعابهم ، وذلك في تسهيل عرض الأبيات خاصة بما تتضمنه من رموز ، ومصطلحات لم يكن الطالب قد تعرف عليها من قبل ، وباستعراض بعض الجداول والخرائط الذهنية التي تسهل بعض الأبواب كباب الهمزات ، ووقف حمزة وهشام ، وغيرها من الأبواب .
ومما هو جدير بالذكر أن إدماج التقنية في هذه المرحلة التأسيسية يكون بقدر يسير ، لكي لا يكون على حساب وقت المادة الذي يعتمد فيها اعتمادا كبيرا على خبرة الأستاذ ، وتأصيل التلقي في نفوس الطلبة ووجدانهم ومداركهم .
الاتجاه الثالث : عرض الآيات القرآنية بالرسم العثماني لطلبة السنة الأولى ، وذلك لتسهيل جمع أوجه القراءات ، فالطالب كان يعاني من صعوبة في جمع الأوجه الأدائية للقراءات السبع في بداية الأمر ، فلما كانت الآيات القرآنية توضع أمامه ؛ فإنها ستسهل عليه التصور الذهني لجمع أوجه القراءات المعتمد على جملة قواعد مستقرة عند أهل الاختصاص ، وقد أظهرت نتائج هذه الآلية زيادة مقدرة الطلبة للتمييز بين أوجه الأداء المختلفة واختصار الجهد والوقت في ذلك .
مما سبق يتضح أن دور التقنية في تعليم القراءات والتجويد لا يخرج عن دائرة العامل المساعد لتحقيق غايات التعليم في هاتين المادتين ، وأن استخدام التقنية يكون في دائرة الوسيلة المحققة لهذه للغاية.
وفي علمي القراءات والتجويد يقال : إن التقنية دورها فعال كوسيلة مساعدة في مرحلة التأسيس مع الاعتماد على المدرس في مرحلة البناء ، ويكون استخدام التعليم الإلكتروني في المراحل المتقدمة بصورة أكبر ، على أن التعلم الذاتي يأتي مرحلة متقدمة بعد إتمام عملية التأسيس العلمي المحكم الذي يعول عليه في تخريج العلماء والباحثين الجادين (9) .
وبعد تفريغ نتائج الاستبانة المعدة لتقييم التدريس عن طريق الوسائط الإلكترونية تبين ما يأتي :
1- أن هذا النمط من التعليم لم يستخدم في التدريس من قبل .
2- استفادة الطلبة من المواد التعليمية التي أدمجت في العملية التعليمية ، وأنها ساعدت كثيرا في كسر حاجز الخوف من مفردات التخصص الجديد ، وتسهيل مفاتيح التخصص ، ووضوح مصطلحات هذا العلم .
3- التقليل من الخوف النفسي الذي يعتري الطالب في شقه طريقه في تخصصه الجديد ، كما أن الطريقة التي استخدمت رفعت من الدافعية نحو التعلم ، ودفع الملل ، وشعور الطالب بمحبته ورغبته للتعلم .
4- جمع التدريس بين التعلم بالسمع والبصر ؛ لتعزيز تعميق التعلم المقدم .
هذا ، وأجمع الطلبة على أن التدريس كان فاعلا ، وجديا ، وأن المواد التي استخدمت كانت منتقاة بأسلوب مخطط له ، ومناسب للمرحلة التعليمية الذي استخدمت فيها التقنية .
5- أن الطالب قد تعمقت لديه المعرفة خاصة في مرحلة التأسيس بالتعلم بالصوت والصورة مع المحافظة على قطع المقرر دون أم يؤثر عليه سلبا .
6- أجمع الطلبة على ضرورة التأسيس للمواد الإلكترونية ففي تخصص القراءات ، على صورة مواد تكون في متناول يد الطلبة للتعامل معها في الزمن والمكان المناسب .
7- أجمع الطلبة على ضرورة استخدام هذا الأسلوب في التعليم في باقي مواد القراءات ، بل وفي بقية المواد الشرعية في الجامعة ، وهذا يتطلب وضع الخطط المستدامة والاستراتيجيات لتحويل التعليم بحسب مراحله إلى تعليم يستفاد من إدماج التقنية فيه بقدر مدروس ومخطط له ، ويكون وفق أخذ التغذية الراجعة لنتائج الاستبانات المعدة لهذا الغرض .
المطلب الثاني : ضوابط تلقي القراءات والتجويد عبر التقنية
لابد من التمييز في بداية هذا المطلب بين نوعين من أنواع التلقي يتعلقان بالتقنية :
النوع الأول : استخدام التقنية في تلقي القراءات والتجويد بهدف التصحيح والتدريب والتعليم بدون أن يكون الهدف الحصول على إجازة علمية بالقراءات العشر الصغرى أو الكبرى أو أي جزء من هذه القراءات ، أو الحصول على شهادة علمية معتمدة ، والمقصود بالإجازة : أن يقرأ القارىء ختمة كاملة غيباً على شيخه المجاز، مع العناية بالأوجه الأدائية المختلفة وتحريراتها، والعناية بربط اختلافات القراء بشواهدها من المتن العلمي المعتمد في القراءة ، ثم يمنحه الشيخ شهادة بذلك بسند متصل على النبي – صلى الله عليه وسلم – بالقراءة ، أو تمنحه الجامعة أو المعهد العلمي شهادة علمية بأن الطالب قد اجتاز عددا من المساقات العلمية في تخصصي القراءات والتجويد .
النوع الثاني : استخدام التقنية في تلقي القراءات والتجويد بهدف الحصول على إجازة علمية بالقراءات العشر الصغرى أو الكبرى أو أي جزء من هذه القراءات ، أو شهادة علمية معتمدة .
أما بالنسبة للنوع الأول ، وهو تلقي القراءات والتجويد بهدف التصحيح والتدريب والتعليم ، فإنه لا يشترط فيه من الشروط والضوابط التي يتم اشتراطها في النوع الثاني للخصوصيات التي سيأتي بيانها ، ومناقشتها ؛ غير أن أهم شرط للتلقي في هذا النوع إتقان الشيخ ، ووضوح وسيلة التقنية المستخدمة في عملية التصحيح والتدريب ، وهذا النوع عادة ما يستخدمه كثير من المسلمين الراغبين في تصحيح تلاوتهم ، وعادة ما تكون هذه الشريحة من عامة المسلمين .
وعليه : فإن الشرط العام لهذا النوع من التلقي هو سلامة المادة العلمية التي يتم عرضها في هذه المواد الإلكترونية ، وسلامة الوسيلة التي يتم استخدامها لتوصي المادة العلمية المتعلقة بالقراءات والتجويد ، سواء أكانت المواقع الإلكترونية في القراءات والتجويد علي الشبكة العنكبوتية ، والتي سيأتي التفصيل فيها ، أم كانت المواد البرامجية التي يتم إعدادها خصيصا للتعليم والتصحيح والتدريب لعامة المسلمين أو لطلبة العلم الشرعي ، أو للمسلمين الجدد الذين يحتاجون لتعلم القرآن وقراءاته وتجويده وعلومه عن طريق التعليم الإلكتروني المدمج أو عن بعد .
ويبدو أنه من خلال التجارب الواسعة والمتعددة والمتوافرة في إعداد برامج التجويد على اختلافها ، وبرامج تحفيظ القرآن وتعليم القراءات على اختلافها ، والمقارىء الإلكترونية فإنه لا يوجد هناك محاذير يمكن أن تترتب على هذا النوع إذ إن الغرض : استعانة المستخدم والطالب لهذه المواد الإلكترونية في دائرة التعلم الذاتي ، وتنمية القدرة على تصحيح النطق بالآيات القرآنية ، وتحسين الأداء .
وهذا النوع من التواصل لا يمنعه أحد ، ولا يترتب عليه حصول شهادة أو إجازة علمية معتبرة تتطلب معطيات وشروط محددة ، على خلاف ما سنراه من وجود تخوف كبير من الدوائر العلمية المتخصصة في أقسام القراءات في العالم الإسلامي ، وعند المشايخ المتقنين ، والمجازين بهذا العلم سواء كان ذلك التلقي لمنظومات هذا العلم أو عرض القراءات إفرادا أو جمعا ، مما جعل هؤلاء المشايخ يحجمون عن استخدام هذه التقنية ، أو على أقل تقدير : التقليل من قدرتها على أن تكون وسيلة مقبولة شرعا ، ومحققة للقدر المطلوب في التلقي والمشافهة .
ومن هنا كان من المناسب القيام بالدراسة المتعمقة لمنهج التلقي المطلوب لتلقي القراءات والتجويد بهدف الإجازة المعتبرة عند القراء ، وهو ما جعل الباحث يضع تصورا علميا دقيقا لطبيعة التلقي والمشافهة عبر التقنية ، ومتى يكون ذلك مقبولا عند أهل التخصص ، ومحققا غرضه بالنسبة لطالب علمي القراءات والتجويد ، وذلك في النقطة التالية بعنوان : المنهجية العلمية لتلقي القراءات والتجويد إجازة عبر التقنية :
1- تحديد المصطلح :
التلقي والمشافهة : أخذ الطالب القراءات من الشيخ المتقن المجاز مشافهة مباشرة حروفا أو منظوما أو إفرادا أو جمعا إجازة علمية معتبرة عند العلماء المعتبرين من خلال وسائط التواصل الإلكتروني المباشر الإنترنت عن طريق برامج التواصل الإلكتروني ، مثل البالتوك ، وفلاشكمز ، وغيرهما من البرامج ، والتي تتيح للمستخدم التواصل عن طريق ما يسمى بالمقارىء الإلكترونية ، أو غرف التواصل الصوتي .
وهناك تفاوت كبير في برامج التواصل الإلكتروني من حيث جودتها ، ونقائها ، وقدرتها على التواصل السريع والواضح ، ووجود خيارات تتيح خصوصية لإقراء القرآن الكريم ، فإن البالتوك مثلا لا يتيح غرف تواصل مستقلة تماما ، فقد يتعرض المستخدم لبعض المداخلات غير اللائقة بالقرآن الكريم ؛ وبعض الصعوبات الإلكترونية ؛ مما يجعل البحث عن حل إلكتروني مستقل يتناسب وطبيعة الإقراء الإلكتروني للقراءات القرآنية جزءا مهما من الحل ، مما يوفر العدد اللازم من الغرف التواصلية مع سهولة التحكم والربط فيما بينها عن طريق المشرف على الإقراء .
ومن خلال التجربة ؛ فقد وجدت أن الحل الذي تقدمه شركة فلاشكمز من أقرب الحلول ملاءمة للمقارىء الإلكترونية ، وهو يعطي إمكانية التواصل بالصوت والصورة ، وبغرف تواصلية منفصلة ، تمكن المشرف على القيام بعملية الإقراء بصورة منفصلة ، ومستقلة ، وفيها مواصفات تقنية عالية (10) .
الإجازة في القراءات كما يراها الباحث : هي منح الشيخ الحافظ المتقن الطالب إذنا بالقراءة والإقراء حيثما كان ، وأينما كان بحسب الرواية أو مجموعة الروايات ، أو القراءات السبع الصغرى أو الثلاث المتممة ، العشر الصغرى ، أو العشر الكبرى بمضمن كتاب في القراءات يحفظه عن ظهر قلب ، أو كتابا أو منظوما في القراءات أو التجويد عن طريق سلسلة السند المتصل من الشيخ المجيز إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أو إلى صاحب الكتاب أو المنظوم المراد إجازته ، وفق القواعد العلمية المعتبرة في ذلك ، وذلك على اعتبار الشروط التي وضعها المحدثون في الإجازة .
وقد عرفها الشيخ عادل بن عبد الرحمن السند في ندوة الإجازة بقوله (11) :
" الإجازة القرآنية هي عملية النقل الصوتي للقرآن الكريم من جيل إلى جيل وفيها يشهد المجيز بأن المجاز قد صارت قراءته صحيحة مائة بالمائة بالنسبة للرواية أو للروايات التي تلقاها، وهذا التعريف الذي ذكره بعض المحققين" .
وأما أركان الإجازة ، فهي أربعة أركان :
الركن الأول: المجيز ، وهو الشيخ ، الثاني: المجاز وهو الطالب ، الركن الثالث: مجاز به ، وهو القرآن الكريم أو الروايات التي تلقاها ، والركن الرابع هو السند الذي يثبت فيه صحة قراءته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وأما شروط الإجازة لو نظر أحدنا إلى شروط الإجازة لدى كثير من المشايخ وجد أن هناك تبايناً بين المقرئين في الشروط ، ولكن الشروط التي رأيت أنها موجودة عند كثير من المقرئين شروط أربعة:
الشرط الأول: أن يكون حافظاً للقرآن الكريم كاملاً قبل قراءته بالإجازة.
الشرط الثاني: وهذا شرط وجدته عند المدرسة الشامية ، وجدير بأن ينقل إلى جميع المدارس عند المدرسة الحجازية وعند المدرسة المصرية وغيرها من المدارس وهو أن يتدرب المجاز على قراءة القرآن الكريم قبل قراءته للإجازة ولذلك تجد أن كثيراً من المجازين يبدأ بسورة البقرة ويصحح له الشيخ في الصفات وفي الحروف ثم ما يلبث أن يصل سورة الفرقان ولا تزال هذه الصفات وهذه الحروف ضعيفة ثم يختم بسورة الناس ولازالت صفة الهمس ولا زالت صفة الاستطالة في الضاد ولازالت كثير من صفات الحروف لم يتقنها الطالب إتقاناً تاماً، ولذلك كان هناك شرط عند هذه المدرسة وهي أن يقرأ الطالب قراءةً تدريبية ويُشعِر فيها المجيز المجاز بأنه إن أتقن الطالب خلال هذه القراءة التدريبية فإنه ينقله مباشرةً من هذه القراءة التدريبية إلى قراءة الإجازة حينئذٍ يسمع المجيز قراءةً صحيحة من غير لحنٍ خفيٍّ أو لحن جليٍّ.
الشرط الثالث: حفظ منظومة الجزرية ، وبعضهم يضيف حفظ منظومة تحفة الأطفال.، ثم حفظ المتن المراد القراءة بمضمنه ؛ لئلا يقع الطالب في التخليط والفساد ، ولكي يستفيد منه عند الاستشهاد ، واستحضار الدليل من المنظوم عند القراءة على الشيخ .
الشرط الرابع: التدريس حتى يستفاد منه في مجال خدمة القرآن الكريم.
وقد كان من توصيات الجمعية السعودية للقرآن الكريم وعلومه في ندوة الإجازة :
1- إمكانية الاستفادة من الوسائل الحديثة التقنية.
2- تفعيل الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه في الإشراف على الإجازات وتنظيمها واعتمادها وحصر المقرئين بالمملكة وغيرها للاستفادة منهم والعناية بتراجم القراء حتى العصر الحاضر.
3- تحديد مصطلح الإجازة ووضع ضوابط لها.
4- تفريغ أساتذة مؤهلين لتلقين القراءات والقرآن مجوداً على النحو الذي وصل عن أسلافنا.
5- إقامة دورات علمية خاصة بتلقين القرآن مجوداً وأيضاً بالقراءات.
6- عقد ندوات أخرى على غرار هذه الندوة ويفضل أن تكون على شكل أوسع إما أن تكون مؤتمراً أو تكون في الندوات الكبرى التي تنظمها هذه الجمعية في إعداد بحوث محكمة ذات صبغة علمية بحتة.
2- الأساس النظري لتلقي القراءات عبر التقنية ، هو التفرقة بين التلقي المباشر ، وهو ما يتم من جلوس الطالب بين يدي الشيخ لكي يتلقى منه أوجه الأداء مع التصحيح المباشر ، وبين التلقي عبر التقنية الذي هدفه الوصول إلى مرحلة المقاربة بين التلقي المباشر ، وبين التلقي عن طريق وسائط التواصل من حيث الدقة وتحقيق المحاكاة الحقيقية للقراءة وسلامة الأداء ، وتيسير التواصل وحصول التلقي للحصول على الإجازة العلمية .
والسؤال المطروح : هل يمكن أن نصل لمرحلة أن يكون التلقي عبر التقنية يحقق غرض التلقي المباشر ، والجواب عن هذا السؤال يكون بوضع جملة من الضوابط الدقيقة التي تدرس معطيات التلقي المباشر ، وتعكسه ، وتحاول توفره في التلقي عن طريق التقنية .
3- واقع تلقي القراءات عبر التقنية
الباحث في الشبكة العنكبوتية يجد أنه يمكن تقسيم التجارب الموجودة لمحاولة التلقي عن طريق التقنية كالتالي :
أولا : المقارىء الإلكترونية :
المقارىء الإلكترونية : هي مواقع متخصصة على شبكة الإنترنت تعنى بتلقي القرآن الكريم ، وقراءاته عن طريق برامج التواصل الإلكتروني .
وهناك أهداف تحققها هذه المقارىء ، منها :
1- إتاحة الفرصة لعامة المسلمين لتعلم القرآن الكريم وإتقان تلاوته، وتعلم القراءات القرآنية، وعقد دورات متخصصة في القراءات السبع والعشر إلكترونياً .
2- دعم كليات القرآن الكريم المعاصرة بالأداة التي تحقِّق غايتها مع دعم الطلبة في الأقسام المتخصصة في القراءات من الحصول على الإجازة العلمية في التجويد والقراءات.
3- دعم حلقات التحفيظ لتحقيق غاياتها ، وذلك بالتواصل مع المقرأة للاستفادة من خبراتها.
4- تمكين غير الناطقين بالعربية للاستفادة من ترجمة معاني القرآن بالإضافة لتلاوته.
هذا ، ومن خلال البحث في الانترنت في المقارئ الالكترونية ؛ فإنه يمكن التوصل إلى النتائج التالية :
أولا : تنقسم المقارئ الالكترونية التي اطلعت عليها على شبكة الانترنت إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : مقارئ تابعة لمؤسسات أو جهات تعليمية , ومن الأمثلة عليها :
1- مقرأة الإمام الشاطبي الالكترونية .
2- مقرأة تاج الالكترونية : وهي تابعة للجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالرياض .
3- غرفة رياض الجنة لتعليم التلاوة وشرح أحكام التجويد : وهي تابعة لمركز الإمام حفص للدورات القرآنية بالدمام .
4- المقرأة الالكترونية التابعة للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن بجدة ، والتي بُدئ بتطبيقها في 6 دول بالتعاون مع مؤسسة "حرف" لتقنية المعلومات .
القسم الثاني : مقارئ تابعة لمنتديات علمية وغيرها على شبكة الانترنت , ومن الأمثلة عليها :
مقرأة تابعة لملتقى أهل التفسير ، مقرأة تابعة لموقع مزامير آل داود ، مقرأة تابعة لمنتديات المصممين
منتديات القراءات العشر .
القسم الثالث : مقارئ تابعة لمواقع شخصية لأفراد , مثل :
المقرأة الالكترونية التابعة لموقع مشهور بن مرزوق بن محمد الحرازي ، مقرأة موقع الشيخ هاني حلمي ، موقع الدكتور عبد الرحيم نبولسي .
وهذه المقارىء ما زالت في تجاربها الأولية ، وهي تحتاج إلى التطوير المستمر ، وهي صورة من الصور التي يمكن أن تقدم للإقراء بالإجازة عبر التقنية ، وسيتم اقتراح تصور لمقرأة إلكترونية عالمية تتحقق فيها شروط الإجازة العلمية .
من دراسة هذه المقارىء تبين : أن من أفضل هذه المقارئ , مقرأة الإمام الشاطبي الالكترونية , والتحدي القائم لهذه المقارىء هو مدى التزام هذه المقارىء بالضوابط العلمية عند أهل التخصص ، وتطوير آليات تقنية محددة لاستخدامها في التعليم ، وأما استخدامها للإجازة فهو محل أخذ ورد ، ولابد له من مناقشات ، وهل يمكن تحقيق شروط السند والإجازة فيها ، وهو ما حاولتُ وضع الضوابط العلمية له فيما سيأتي .
ثانيا : وسائل التواصل الهاتفي والتلفزيوني والأقمار الصناعية ، وهذه وسائل مكلفة ، ويبدو أن استخدامها في التعليم في الوقت الحاضر يخضع لعوامل التقليل من تكاليفها ، وهي خيار مطروح ، ومستخدم من قبل بعض شرائح المتعلمين في بعض الفضائيات والإذاعات المسموعة.
ثالثا : برامج التصحيح والتدريب والتعليم ، وهي برامج تصحيح أولية والمقصود منها المقارنة بين الصوت الأصلي ، وصوت المتعلم ، وغالبا ما تكون مثل هذه البرامج لمرحلة التعليم والتصحيح والتدريب : غالبها برواية واحدة (حفص عن عاصم أو ورش عن نافع ) .
4- الضوابط العلمية المنهجية لتلقي القراءات المتعلقة بنوعية التقنية
أولا : الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) ، وهي المقارىء الإلكترونية التي سبق بيانها في النقطة السابقة ، وهي ما تسمى ببرامج التواصل الإلكتروني المباشر ، ويشترط لها الشروط التالية :
وضوح الصوت والصورة وعدم تقطعه بسبب السرعة المناسبة للإنترنت في أثناء العرض للإجازة .
عدم حاجة البرنامج لبرامج أخرى للتحميل ؛ مما يجعل وجود مثل هذه البرامج عائقا أمام المشايخ والطلاب ، ويضعف عملية التلقي للإجازة .
الاستقلال في البرنامج ، وعدم ارتباطه بشاشات أخرى مرتبطة بها ؛ حفاظا على مكانة القرآن وعدم اختلاطه بما لا يليق به أثناء التلقي .
إعطاء شيخ الحلقة والمقرأة القدرة على التحكم بالحلقة من حيث ألا يسمح لأكثر من قارىء في الوقت نفسه ، أو أن يقوم بنتظيم عملية الإقراء عن طريق جداول خاصة لذلك.
إمكانية تخزين واسترجاع المادة المتلقاة للمتابعة والتصحيح ، بل وتكون مادة علمية توثق فيها عملية الإقراء والتلقي ، وهو أمر إيجابي يسهم في تنمية التعلم والتعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد .
ثانيا : البرامج المتخصصة في التصحيح الآلي ، وهي ما زالت في بداياتها ، وفي حالة فاعليتها يشترط فيها :
أن تكون نسبة التصحيح بالنسبة للأصل المراد محاكاته نسبة تزيد عن 90% .
أن تكون عملية سهلة التعامل ، ولا تحتاج على عمليات تقنية تصعب على المستخدم العادي .
5- الضوابط العلمية المنهجية المتعلقة بالشيخ والطالب :
أولا : الضوابط المتعلقة بالشيخ المقرىء
أن يكون متقنا مجازا إجازة معتبرة عند القراء .
أن يكون لديه خبرة في الإقراء عموما ، والإقراء الإلكتروني خصوصا ، وقد يكون الشيخ ليس لديه خبرة في استخدام التقنية ، فيمكن حينئذ تطوير المقارىء بتزويدها بمختصين في التقنية يشرفون على عملية الإقراء.
أن يكون ذا قوة في الملاحظة ، فيلاحظ الأمور الدقيقة التي يحتاج الطالب إتقانها كإحكام ضم الشفتين عند الضم وغيرها من الأمور الأدائية التي يراعيها الطالب .
ثانيا : الضوابط المتعلقة بالطالب المتلقي :
أن يكون الطالب معروفا باسمه الحقيقي لدى الشيخ وجهة الإقراء .
أن يكون الطالب قد خضع لاختبار تحديد مستوى لمعرفة قدرته على السير في مراحل الإقراء والتلقي للمرحلة التي سيأخذ الإجازة بناء عليها .
ثالثا : الضابط المتعلق بهما معا :
وهو أن يتم التواصل بينهما صوتا وصورة لإمكانية تلقي الأوجه المتعلقة بالنظر ، وإمكانية متابعة الشيخ الطالب والعكس عن طريق السماع والنظر .
التواصل بين الشيخ والطالب طيلة فترة التلقي بلا انقطاع ، وبمضمن كتاب علمي محدد .
رؤية كل منهما الآخر عن طريق الفيديو بالنسبة للطلاب على حدة ، وكذلك الطالبات على حدة.
وجود هيئة مراقبة ومتابعة تضمن قيام الطالب بالالتزام بشروط الإجازة من حيث قراءة الطالب من حفظه ؛ إذ الإجازة العلمية المعتبرة ما تكون غيبا عن ظهر قلب .
حصول اللقاء في نهاية الإجازة ، وعقد لقاء للاختبار ، وبناء عليه تمنح الإجازة عن طريق الجهة العلمية المسئولية عن عملية التلقين .
أن ينص في الإجازة على أنها تمت بهذه الوسيلة الإلكترونية .
علما بأن طائفة من القراء المعاصرين يقرءون عن طريق التقنية ، ومنهم :
1- الشيخ / عبد الباسط هاشم .
2- الشيخ / محمد عبد الحميد السكندري .
3- شيخنا الشيخ / محمد نبهان مصري .
4- الشيخ المحدث / عبد الوكيل عبد الحق الهاشمي .
6- الضوابط العلمية المنهجية المتعلقة بالمادة المتلقاة ، وهذه المادة تنقسم إلى كتب رواية ( كالنشر في القراءات العشر لابن الجزري ، والتيسير لأبي عمرو الداني ) ، وكتب القراءات : سواء كانت القراءات العشر الصغرى أوالكبرى أو عددا من الروايات كل على حدة في حالة إفراد الروايات ، وكتب الرسم والضبط وعد الآي المعتمدة والمعروفة عند القراء ، والمنظومات في علمي القراءات والتجويد على اختلافها ، وهذه كلها يشترط فيها أن يكون الشيخ مجازا بها ، ويتم التأكد من إتمام المادة المتلقاه من خلال هذه المصادر ، مع إجراء اختبارات دورية ونهائية إلكترونية يتم من خلالها التأكد من إتقان الطالب المادة المتلقاه .
7- مستويات تلقي القراءات عبر التقنية ( التدرج في التلقي ) : ويبدأ الطالب برواية حفص عن عاصم أو قالون أو روش عن نافع ، أو غيرها من الروايات ، ثم ينتقل بعدها إلى الجمع بين روايتين ، ثم جمع القراءات السبع الصغرى بمضمن الشاطبية ، ثم القراءات العشر الصغرى بمضمن الشاطبية والدرة ، ثم القراءات العشر الكبرى بمضمن طيبة النشر في القراءات العشر ، وذلك عن طريق برنامج زمني يوضع لهذه الغاية تحددها اللجنة المشرفة على برنامج الإقراء.
8- الضوابط العلمية المنهجية المتعلقة بعمل اللجنة المشرفة على التلقي :
أن تشكل اللجنة من مشايخ معروفين بالإتقان والإجازات العلمية المعتمدة على مستوى العالم الإسلامي
أن تضع اللجنة المستويات العلمية للتلقي والتي سبق الإشارة إليها مع التفصيل في الجوانب العلمية المتعلقة بها .
أن تراقب سير الإقراء في المقرأة أو الجهة التي تشرف على عملية الإقراء ، سواء أكانت جامعة أم كلية أم مؤسسة تعليمية أو جمعية قرآنية ، وذلك أولا بأول عن طريق السماع المستمر ، والمراقبة المتواصلة .
أن تطور الآليات العلمية والتقنية اللازمة لعمل التلقي الإلكتروني من خلال التجربة والممارسة.
9- يمكن تطوير عملية تلقي القراءات عبر التقنية عن طريق حزمة من الاقتراحات والآليات العلمية ، ومنها :
أ- تشكيل رابطة للقراء المهتمين بالقراءة عبر التقنية تنظم عمل الإقراء الإلكتروني ، وهذه التجربة موجودة في موقع في موقع آفاق القراءات ، ولكن هذه الرابطة محدودة إلى حد ما لضرورة وجود مؤسسة علمية تحظى بثقة كبيرة على مستوى المتخصصين في هذين العلمين في العالم الإسلامي .
ب- التكامل بين المقارىء الإلكترونية للوصول لمنهجيات أساسية متفق عليها .
ج- تشكيل لجنة علمية موثوقة على مستوى العالم الإسلامي تتكون من شرعيين وتقنيين وتربويين لمناقشة أهم موضوعات التلقي عن طريق التقنية ، وتقديم الدراسات والاستشارات اللازمة .
د- البحث عن بدائل تواصلية إلكترونية تكون مأمونة ومتاحة عن طريق الدعم المالي العلمي الوقفي لأعمال الإقراء الإلكتروني .
و- السعي نحو إنشاء مقرأة إلكترونية عالمية توطن في جامعة مرموقة ، وقد قمت بالاقتراح على قسم القراءات بكلية القرآن الكريم بالمدينة المنورة ، ومؤسسة المدينة التعليمية الخيرية ؛ بإنشاء مقرأة إلكترونية عالمية لها هيئة استشارية عالمية ، تنبثق منها لجنة علمية متخصصة تشرف ، وتراقب سير الإقراء ، مع وجود تقنيات عالية الجودة ، وتتضمن الدرجة العالية من المرونة ، والتواصل المتفاعل بين الشيوخ والطلاب ، ووجود مستويات علمية متدرجة وفق منهاج علمي أكاديمي منضبط يرتبط بإقراء طلبة كلية القرآن الكريم بالقراءات العشر الصغرى بالإجارة ، واستقبال الطلبة من الجامعات والكليات خارج المدينة ، وفتح باب الإقراء للراغبين في العالم أجمع ، مع جود آلية لمنح الشهادات والإجازات العلمية .




الخاتمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ،،،
فقد توصل الباحث إلى النتائج التالية :
1- نظرية التعليم الإلكتروني في القراءات والتجويد بأنها : " مجموعة من المبادئ النظرية ، وجملة من الطرائق والوسائل التقنية التي تستخدم في تسهيل تعليم علمي القراءات والتجويد ؛ على نحو يحقق الاستفادة المثلى للتقنية في عرض المواد التعليمية ، وحفظها ، وتخزينها ونقلها ، وتقويمها بكفاءة عالية ، ونتائج مرضية ، لتطوير وسائل التعليم لهذين العلمين ؛ وتعميما لهما لأكبر عدد ممكن من المسلمين سواء أكانت التعليم أكاديميا أم كان تعليما شخصيا ذاتيا " .
2- المجالات النظرية والتطبيقية لاستخدام التقنية في هذين العلمين ، تشتمل على اعتماد القراءات والتجويد على الجانب الأدائي المهاري الصوتي ، وتحقيق المحاكاة الصوتية والتصوير الحي للتلاوة في القراءات والتجويد ، ومعالجة أمهات كتب التجويد والقراءات والعلوم المتصلة بها كالرسم والضبط وعد الآي والتوجيه ، والتطبيق ، وغيرها إلكترونيا ، ومعالجة أهم المنطومات في علمي التجويد والقراءات إلكترونيا ، توثيق ومعالجة القراءات العشر الصغرى والكبرى إلكترونيا ، استخدام تقنية المعلومات فوي التدريب على استخدام الرسم العثماني، وتعليمه، ورسم الروايات العشرين رسما عثمانيا إلكترونيا عن طريق النشر المكتبي ، وإعداد " مصحف تعليم الرسم العثماني " الورقي ثم الرقمي ، ويتضمن التعليم لقواعد الرسم والضبط عن طريق خدمة جديدة تتصل بالتعليم الإلكتروني ، وتدريب العملي للطالب نفسه ، وبين الطلاب أنفسهم على الأداء خارج المحاضرة قبلها وبعدها ، وتدريبهم على إنتاج وسائل التعليم الإلكتروني .
3- تنقسم مجالات استخدام التقنية من حيث نوعيتها إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : استخدام الشبكة العنكبوتية ، القسم الثاني : البرامج الحاسوبية والبرمجيات المعدة لغايات التعليم خصيصا ، القسم الثالث : المختبرات المتخصصة للتعليم الإلكتروني .
4- تنقسم مجالات استخدام التقنية من حيث نوعية المادة المستخدمة إلى النصوص في علمي القراءات والتجويد ، والملتيميديا ، والتي تشتمل على الصوت والصورة ومقاطع الفيديو ، والفلاشات التوضيحية ، والمكتبات الرقمية ، والمعالجات الخاصة .
5- استخدام التقنية عامل مساعد في تعليم القراءات والتجويد بعد مرحلة البناء والتأسيس في هذين العلمين ؛ لأنهما يقومان على التلقي والمشافهة .
6- تلقي القراءات عن طريق التقنية يكون بهدفين ، الأول : التعلم الشخصي ، الثاني : الإجازة العلمية .
7- الإجازة عبر التقنية تعني : أن يتواصل الشيخ والطالب لتلقي القراءات عن طريق المقارىء الإلكترونية ، أو برامج المحادثة صوتية ، من أول القرآن إلى آخره برواية أو أكثر أو بالقراءات العشر الصغرى أو الكبرى ، أو أن يتلقى كتابا أو منظوما في القراءات والتجويد ، ويمنحه الشيخ بعد ذلك شهادة مع السند المتصل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – بأنه قد أتقن ما قرأ ، ويسمح بالإقراء .
8- الإجازة عن طريق التقنية جائزة من حيث المبدأ إذا توفرت لها الشروط الشرعية المعروفة للإجازة في القراءات .
9- تشترط شروط خاصة لتلقي القراءات عن طريق التقنية ، إضافة للشروط المعتبرة شرعا لتلقي القراءات عن طريق المشافهة ، بعضها يتعلق بنوعية التقنية المستخدمة ، وبعضها يتعلق بالشيخ المقرىء المجيز ، وبعضها يتعلق بالطالب المتلقي ، وبعضها يتعلق بهما معا ، وبعضها يتعلق بالمادة المتلقاة ، وكل ذلك وفق مستويات علمية محددة .
10- هناك ضوابط علمية منهجية متعلقة بعمل اللجنة المشرفة على التلقي للقراءات عبر التقنية تضمن سلامة التلقي .
11- هناك جملة من الاقتراحات والآليات العلمية لتطوير عملية تلقي القراءات عبر التقنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
بحث تعظيم المصحف للدكتور إبراهيم الحميضي

بحث تعظيم المصحف للدكتور إبراهيم الحميضي

تعظيم المـــصـــحــف
بحث مقدم للمشاركة في مؤتمر: المصاحف العثمانية وقراءات القرآن
الذي ينظمه: معهد دراسات المصاحف العثمانية والقراءات في الجمهورية الإسلامية الموريتانية




إعداد
د. إبراهيم بن صالح بن عبد الله الحميضي
الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه في جامعة القصيم
المقـدمـة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:
فإن للقرآن الكريم منزلةً عظيمة ومكانة رفيعة، فهو كلام الله تعالى، وأفضل كتبه، وهو المعجزة الكبرى للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، ولذلك جاءت النصوص الكثيرة بوجوب تعظيمه وحفظه وتقديسه وصيانته عن كل ما لا يليق به من قول أو فعل.
ولما كان هذا الكتاب الكريم مكتوباً في المصاحف كما هو محفوظ في الصدور= وجبت العناية بهذه المصاحف وتعظيمها واحترامها ؛لأنها وعاء للقرآن الكريم .
وقد بين العلماء - رحمهم الله - واجب المسلم تجاه المصحف، وتحدثوا عن أحكامه، وأوضحوا آداب التعامل معه، ذكروا ذلك في كتب علوم القرآن، وفضائل القرآن، وآداب حملته، وكتب الفقه، وغيرها.
وقد أحببت المساهمة في جمع بعض ما تفرق من مسائل هذا الموضوع، وتحرير ما يحتاج منها إلى تحرير، وتقريب ذلك لأهل القرآن المشتغلين بدراسته وقراءاته وحفظه، آملاً أن يكون ما كتبت معينا للمسلم على تعظيم المصحف وإجلاله بحيث يكون سلوكاً ملازماً له، مع التنبيه على جملة من الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس في هذا الباب وسميته: ( تعظيم المصحف ).
وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة، وتمهيد، وثمانية مباحث، وخاتمة، وهي كما يلي:
المقدمة: وفيها أهمية الموضوع،وسبب اختياره، وخطة البحث، ومنهجه.
التمهيد: وفيه تعريف تعظيم المصحف .
المبحث الأول : عناية الأمة بالمصحف.
المبحث الثاني : تعظيم المصحف واحترامه.
المبحث الثالث: حكم الطهارة لمسّ المصحف.
المبحث الرابع : فضل النظر في المصحف والنهي عن هجره.
المبحث الخامس : تحلية المصحف وتطييبه.
المبحث السادس :تقبيل المصحف.
المبحث السابع : أدب التعامل مع المصاحف التالفة أو التي لا ينتفع بها.
الخاتمة: وفيها أهم النتائج مع التوصيات.
وهذه المباحث - كما ترى- بعضها في تعظيم المصحف، وبعضها فيما يتنافى مع حرمته وإجلاله.
وقد سلكت في هذا البحث المنهج العلمي فوثَّقت النصوص، وخرجت الأحاديث والآثار، وذكرت أحكام الأئمة على ما ليس في الصحيحين منها، وشرحت الغامض، وعلقت على ما يحتاج إلى تعليق، ووازنت بين الأقوال المختلفة وذكرت الراجح منها.
ولم أتعرض لمسائل تعظيم القرآن الكريم، وإنما ذكرت ما يتعلق بتعظيم المصحف فقط.
وقد وأعرضت عن ذكر بعض المباحث، واختصرت الكلام فيما كتبت. تلبيةً لطلب الإخوة المنظمين للمؤتمر.
وفي الختام، أحمد الله تعالى على ما منَّ به عليَّ من إتمام هذا البحث المختصر، كما أشكر الإخوة القائمين على معهد دراسات المصاحف والقراءات على عنايتهم بكتاب الله تعالى .
وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد في القول والعمل.

كتبه
د.إبراهيم بن صالح الحميضي
الأستاذ المشارك بقسم القرآن وعلومه
في جامعة القصيم
فاكس 0096663260196
[email protected]






التمهيد : تعريف تعظيم المصحف
تعريف التَّعْظِيْم
التعظيم في اللغة: التبجيل، والتشريف، والتفخيم.
قال ابن فارس: " الْعَيْنُ وَالظَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ وَاحِدٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى كِبَرٍ وَقُوَّةٍ ".(1)
وقال ابن منظور: "التعظيم: التبجيل، والعَظَمَةُ: الكِبْرياءُ، وعَظَماتُ القَوْمِ: سادتُهم وَذَوُ شَرَفِهم "(2).
تعريف المصحف لغة:
المصحف بضم الميم (مُصحف) وهو الأشهر، ويجوز كسرها (مِصحف) وفتحها( مَصحف): اسم للصُّحف المكتوبة بين الدَفَّتين.(3)
قال الأزهري: "وإنما سمي المصحف مصحفاً؛ لأنه أُصْحِفَ، أي جُعل جامعاً للصُّحف المكتوبة بين دَفَّتين"(4).
تعريف المصحف اصطلاحاً:
ومن خلال التعريف اللغوي يتبين لنا أن المراد بالمصحف اصطلاحاً: اسم للصحف المجموعة التي كتب فيها القرآن الكريم.
"وقيل للقرآن مصحف؛ لأنه جُمع من الصحائف المتفرقة في أيدي الصحابة، وقيل: لأنه جَمع و حوى – بطريق الإجمال – جميع ما كان في كتب الأنبياء وصحفهم، لا بطريق التفصيل"(5).
وقد يكون المصحف حاوياً للقرآن كاملاً، وقد يكون حاوياً لبعضه.
والمراد بتعظيم المصحف: إجلاله وتكريمه واحترامه، وصيانته عما لا يليق بمن قول أو فعل.
المبحث الأول : عناية الأمة بالمصحف
إن مما يعين المسلم على تعظيم المصحف الشريف واحترامه معرفة عناية الأمة الإسلامية به منذ كتابته في عصر النبوة إلى يومنا هذا؛ حيث لم يحظَ كتابٌ من الكتب بمثل ما حظي القرآن الكريم من الحفظ والتقدير والخدمة، ومن ذلك العناية بالصحف التي تحويه ، وهذا من فضل الله - تعالى - على هذه الأمة؛ حيث تكفل بحفظ كتابها كما قال تعالى: ﭿ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﭾ.(6)
وقد بدأت كتابة القرآن الكريم بعد نزوله، فقد كُتِبَ جميعُه في عهد النبي ؛ فكان إذا نزل على النبي شيء من القرآن دعا أحد كتاب الوحي من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- فكتبه، ولكنه لم يكن مجموعاً في مصحف واحد، بل كان متفرقاً .(7)
ولما وقعت معركة اليمامة المشهورة، واستحرّ(8) القتل في المسلمين، واستشهد منهم سبعون من القرَّاء؛ خاف عمر بن الخطاب  ذهابَ القرآن بذهاب هؤلاء القرَّاء، ففزع إلى أبي بكر الصديق، وأشار عليه بجمع القرآن، فلم يوافقه أبو بكر في بداية الأمر متورعاَ أن يصنع شيئاً لم يصنعه رسول الله ، فلم يزل يراجعه حتى شرح الله صدره لذلك، فاختار أبو بكر  لهذه المهمة الجليلة زيد بن ثابت  فتتبع القرآن وجمعه من العسب، واللخاف ،والرقاع، ومن صدور الرجال، وكتبه في مصحف واحد، فكانت هذه الصحف المجموعة عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر، ثم عند حفصة بنت عمر - رضي الله عنهم-.(9)
وحينما اتسعت الفتوحات الإسلامية تفرق الصحابة في الأمصار، وأصبح أهل كل مصر يقرؤون بقراءة الصحابي الذي نـزل في مصرهم ،وفيها ما لم يثبت في العَرْضَةِ الأخيرة للقرآن، وأثناء فتح أذربيجان وأرمينية، في عهد عثمان - رضي الله عنه- اجتمع أهلُ الشام والعراق، فوقع بينهم الخلاف في كيفية قراءة القرآن، فلما رأى ذلك حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه- وكان معهم في ذلك الفتح = أفزعه ذلك وركب إلى عثمان- رضي الله عنه- في المدينة، وأخبره بما رأى ، وقال: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، وكان عثمان قد رأى نحوا من ذلك عنده في المدينة، فأرسل إلى حفصة- رضي الله عنها-: أن أرسلي إلينا بالصُّحُف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص ،وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام - رضي الله عنهم- فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، فلما نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصُّحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ،وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يُحْرق.(10).
وقد كتب عثمان  المصحف على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها (11)، وكتبتْ مجردةً من النَّقط والشكل، لعدم الحاجة إلى ذلك في ذلك الوقت، ولكي تحتمل الأحرف الأخرى ، فإن لم تحتمل غير حرف واحد كتبت بلسان قريش.(12)
بقيت المصاحف العثمانية وما نسخ منها خاليةً من النقط والشكل مدة من الزمن، فلما توسعت الفتوحات الإسلامية، ودخلت أممٌ كثيرة في الإسلام وانتشرت العُجمة بين الناس، وكثر اللحن = خُشي أن ينتقل اللحن إلى القرآن، فوضعت علامات في المصحف يستعين بها الناس على الإعراب، فكان نقطُ الإعراب ( الشكل )، وهي نقط تدل على الفتح والضم والكسر ...
وبعد فترة أخرى احتاج الناس إلى علامات أخرى تميز لهم الحروف المتماثلة في الرسم، كالباء والتاء والثاء والياء، والجيم والحاء والخاء، والراء والزاي، والسين والشين ، فوضعت نقط الإعجام على صورة تختلف عن نقط الإعراب .
ثم بعد ذلك حصل عناء في التمييز بين نقط الإعراب ونقط الإعجام، وأخذ النُسَّاخ يفرقون بينها بألوان المداد، فقام الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت175هـ) بتبديل نقط الإعراب بعلامات التشكيل المعروفة: الفتحة، والضمة، والكسرة، والسكون، والشدة، والمدة، والصلة، والهمزة.(13)
وقد سمي هذا العلم - النَّقط والشَّكل – في العصور المتأخرة علمَ الضبط.(14)
ثم بعد ذلك تطورت المصاحف ووضعت فيها رموز أخرى للوقوف، والأحزاب، وكيفية أداء بعض الكلمات، ومواضع السجدات، وغير ذلك ،مع الالتزام بالرسم العثماني وعلامات الإعراب والإعجام(15).
وقد حث أهل العلم على العناية بكتابة المصاحف وضبط حروفها وتحسين خطوطها(16).
وبعد ظهور المطابع في العصر الحديث(17) اهتم المسلمون بأمر طباعة المصحف، وكونت اللجان المتخصصة لمراجعتها وإجازتها، وتنافست الدول والهيئات والمؤسسات في إنتاج المصاحف في غاية الضبط والإتقان والجودة.





المبحث الثاني: تعظيم المصحف واحترامه
أجمع المسلمون على وجوب تعظيم المصحف واحترامه، وتنزيهه، وصيانته عما لا يليق به؛ لأنه يجمع بين دفَّتيه كلام الله تعالى، وأجمعوا على أن من استخف بالمصحف، أو أهانه أو ألقاه في القاذورات متعمداً فهو كافر.(18)
قال الإمام القاضي عياض - رحمه الله-: "اعلم أن من استخَفَّ بالقرآن، أو بالمصحف، أو بشيء منه، أو سبَّهما، أو جحد حرفاً منه أو آية، أو كذَّب به أو بشيء مما صُرِّح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته وهو عالم بذلك، أو شكَّ في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع"(19).
واستقصاء صور الاستخفاف والانتقاص للمصحف يطول، ولكنْ يقال: إن كل قول أو فعل فيه امتهان للمصحف أو استخفاف به محرم، هذا إذا لم يقصد الإنسان به الاستخفاف، فإن قصد ذلك فهو كافر بالإجماع كما تقدم، ولا يمكن أن يقدم على ذلك مؤمن، لكن قد يحصل من بعض المسلمين بعض الأعمال التي فيها سوء أدب مع المصحف لجهل أو تهاون أو غير ذلك، فالواجب على المسلمين ولا سيما قراء القرآن الحذرُ الشديد من ذلك، وتنبيهُ من يقع منه إخلال بحق المصحف الشريف.
قال القرطبي : "ومنها- أي من آداب قارئ القرآن- : إذا قرأ في المصحف ألا يتركه منشورا ، وألا يضع فوقه شيئا من الكتب ولا ثوبا(20) ولا شيئا خطيرا أو حقيراً، حتى يكون بهذا محفوظا مكنوناً عاليا لسائر الكتب وغيرها ..."(21)، وفيما يلي ذكر لبعض المسائل المهمة في هذا الباب أسوقها على سبيل الاختصار، مع الإعراض عن الخلاف غير المعتبر في بعض فروعها :
1- الدخول بالمصحف لمكان قضاء الحاجة:
اختلف أهل العلم في هذه المسألة :
فمنهم من قال بتحريم إدخال المصحف أو جزء منه في أماكن قضاء الحاجة لغير ضرورة، ؛ إجلالاً لكتاب الله تعالى و صيانة له عن أماكن النجاسات والقاذورات.
ومنهم من قال بالكراهة.
والراجح – والله أعلم – القول الأول؛ صيانة لكتاب الله - تعالى – من الدنس والقذر.
أما إن وجدت هنالك ضرورة، كأن لم يجد من يودعه إياه، أو خاف عليه السرقة ، أو التلف، أو الوقوع بيد كافر يدنسه، ونحو ذلك، فقد أجاز بعض العلماء الدخول به(22).
2- الاتكاء على المصحف وتوسُده والوطء عليه ومدُّ الرجل إليه وتَخَطِّيه ووضعه على الأرض(23):
نصِّ جمع من أهل العلم على تحريم الاتكاء على المصحف، وتوسُده، والوطء عليه(24)،وتَخَطِّيه، ومدُّ الرجل إليه؛ لأن ذلك ينافي تكريمه واحترامه(25) وأما وضعه على الأرض فإن كان لغير حاجة وخشي عليه من الامتهان حَرُم.
قال القرطبي: "ومنها- أي آداب قارئ القرآن- أن يضعه في حًجْرِه إذا قرأه أو على شيء ولا يضعه على الأرض"(26).
وإن كان لحاجة كأن يضعه قريباً منه ليسجد للتلاوة أو نحو ذلك ,وأمن عليه من الوطء والامتهان جاز على الراجح - والله أعلم-؛ لأن الحكم يدور مع علته.
ويلحق بهذه الأمور ما شابهها من أخذه بالشمال، أو وضعه خلف الظَّهر، أو الكتابة عليه من غير حاجة، أو بقلم لا يمكن مسحه، أو وضعه مفتوحا مقلوبا، ونحو ذلك من الصور التي يصعب حصرها.
والملاحظ أن بعض الناس لا يبالي بمثل هذه الأمور، ولا ينكر على مَن فعلها، كما نرى ذلك في بعض المساجد والمدارس، فالواجب على كل مسلم احترام هذا الكتاب العزيز، والنصح لم يقع منه إخلال بما يجب له من الإجلال والتعظيم.
3- تصغير المصحف :
يراد بتصغير المصحف أمران:
أحدهما: تصغير اسم المصحف لفظاً؛ بأن يقال: مصيحف، ونحو ذلك.
والثاني: تصغير خط المصحف وحجمه.
وقد وردت آثار عديدة عن السلف في النهي عن الأمرين؛ لأن ذلك ينافي تعظيم المصحف وإجلاله، بل قد يشعر بالاستخفاف به.
فعن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- أنه وجد مع رجل مصفحًا قد كتبه بقلم دقيق، فقال ما هذا؟ قال: القرآن كله، فكره ذلك وضربه وقال‏:‏ عظموا كتاب الله تعالى، وكان عمر إذا رأى مصحفا عظيما سُرَّ به(27)‏ .
وعن علي أنه كان يكره أن يكتب القرآن في الشيء الصغير(28).‏
وعن إبراهيم بن يزيد النخعي أنه قال: "كانوا يكرهون أن يكتبوا المصاحف في الشيء الصغير، يقول: عظموا كتاب الله"(29).
وعن مجاهد قال:"كان يكره أن يقول: مصيحف أو مسيجد"(30).
وعن سعيد بن المسيب قال: "لا يقول أحدكم مصيحف أو مسيجد، ما كان لله فهو عظيم حسن جميل"(31).
قال القرطبي: "ومن حرمته ألا يصغر بكتابة ولا باسم".(32)
وقد اختلف العلماء في النهي الوارد في هذه الآثار ، فمنهم من حمله على التحريم ومنهم من حمله على الكراهة.(33)
هذا ويمكن أن يعبَّر عن المراد بلفظ لا يشعر بانتقاص المصحف، كأن يقال: مصحف ذو حجم أو أوراق صغيره أو خفيفة، ونحو ذلك.
وأما كتابته بحرف صغير، فإن كان بخط تسهل قراءته، وتمييز رسمه وضبطه فلا بأس بذلك لحاجة بعض الناس إليه، وإن كان بخط دقيق تصعب قراءته ولا ينتفع به كالمصاحف التي لا تقرأ إلا بمكبر، وقد كتبت للتباهي ولفت الأنظار فهذا مكروه والله أعلم.
4- تلويث المصحف وبلُّه بالريق:
نصًّ أهل العلم على تحريم تلويث المصحف بأي نوع من الملوثات ولا سيما إذا كان مستقذراً، وألْحَق بذلك بعض أهل العلم بلَّ الأصبع بالريق عند تقليب صفحاته، كما يفعل بعض الناس؛ لأن ذلك نوع امتهان للمصحف مع مخالفتها للذوق السليم.
قال ابن العربي المالكي: "وقد اعتاد كثير من الناس إذا أرادوا أن يقرؤوا في مصحف أو كتاب علم يطرقون البزاق عليهم ، ويلطخون صفحات الأوراق ليسهل قلبها ! وهذه قذارة كريهة ، وإهانة قبيحة ينبغي للمسلم أن يتركها ديانة.."(34).
وقال ابن الحاج فيما يجب على مؤدب الأطفال: "ويتعين عليه أن يمنع الصبيان مما اعتاده بعضهم من أنهم يمسحون الألواح أو بعضها ببصاقهم وذلك لا يجوز; لأن البصاق مستقذر؛ وفيه امتهان ، والموضع موضع ترفيع وتعظيم وتبجيل ، فيُجل عن ذلك ويُنزَّه" (35)
5- السفر بالمصحف إلى أرض العدو:
ورد النهي عن السفر بالمصحف إلى أرض العدو كما في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يسافر بالمصحف إلى أرض العدو"، وفي رواية: "مخافة أن يناله العدو"(36)، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة ؛ فمنهم من أجاز السفر به إلى دار الحرب مطلقاً، ومنهم من قال بالمنع مطلقاً، ومنهم من حمل النهي على الكراهة إذا خِيف عليه، ومنهم حرم السفر به إذا خيف أن يناله الكفار بمكروه، فإن لم يُخفْ ذلك جاز ذلك، وهذا هو الراجح، لدلالة الرواية الثانية: " مخافة أن يناله العدو" والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً"(37).
المبحث الثالث : حكم الطهارة لمسِّ المصحف
إن من تعظيم المصحف واحترامه الآَّ يمسَّه المسلم إلا على طهارة تامة.
وقد ذهب عامة أهل العلم إلى أنه لا يجوز للمحدث حدثاً أكبر أن يمس المصحف ، ولم يخالف في ذلك سوى أهل الظاهر(38) .
وأما المحدث حدثاً أصغر فقد اُختلف فيه على قولين:
القول الأول: ذهب أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، والفقهاء السبعة ، والأئمة الأربعة ، وغيرهم(39) إلى أنه لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف ، واستدلوا بما يلي:
1- استــدل كثير منهم بقوله تعالى (40) .
قال النووي : " واحتج أصحابنا بقول الله تعالى : (41) ، فوصفه بالتنْزيل، وهذا ظاهر في المصحف الذي عندنا ، فإن قالوا : المراد اللوح المحفوظ لا يمسه إلا الملائكة المطهرون ، ولهذا قال : بضم السين على الخبر ، ولو كان المصحف لقال يمسَّه بفتح السين على النهي .
فالجواب أن قوله تعالى : ظاهر في إرادة المصحف ، فلا يحمل على غيره إلا بدليل صحيح صريح ، وأما رفع السين فهو نهي بلفظ الخبر كقوله : (42) على قراءة من رفع(43).. " (44) .
وقال الباجي عند قوله تعالى : : " هذا نهي وإن كان لفظه لفظ الخبر ، فمعناه الأمر ؛ لأن خبر الباري تعالى لا يكون بخلاف مخبره ، ونحن نشاهد من يمسه غير طاهر " (45) .
ومن العلماء من ضعَّف الاستدلال بهذه الآية(46)، وهم القائلون المراد بالكتاب : اللوح المحفوظ ، والمطهرون الملائكة، وهو هو قول جمهور المفسرين(47)، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية استدل بهذه الآية من وجه آخر وهو: "أن القرآن الذي في اللوح المحفوظ: هو القرآن الذي في المصحف ، كما أن الذي في هذا المصحف هو الذي في ذلك المصحف بعينه سواء كان المحل ورقاً أو أديماً أو حجراً أو لخافاً(48)، فإذا كان من حكم الكتاب الذي في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون= وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك ؛ لأن حرمته كحرمته ، أو يكون الكتاب اسمَ جنس يعمُّ كل ما فيه القرآن سواء كان في السماء أو الأرض وقد أوحى إلى ذلك قوله تعالى: (49)، وكذلك قوله تعالى : (50) ، فوصفها أنها مطهرة ، فلا يصلح للمحدث مسها"(51) .
2-كما استدل أصحاب هذا القول بالسنة ، والعمدة في ذلك كتاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم – رضي الله عنه - ، وفيه : " لا يُمَس القرآن إلا على طُهر " (52) .
قال ابن عبد البر : " وكتاب عمرو بن حزم هذا تلقاه العلماء بالقبول والعمل ، وهو عندهم أشهر وأظهر من الإسناد الواحد المتصل ، وأجمع فقهاء الأمصار الذين تدور عليهم الفتوى ، وعلى أصحابهم بأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر " (53) .
وقال شيخ الإسلام عن هذا الكتاب : " وهو كتاب مشهور عند أهل العلم"(54) .
3ـ واستدل أصحاب هذا القول أيضاُ بالمعقول ، فقالوا إن في اشتراط الطهارة لمس المصحف إكراماً للقرآن وتعظيما له(55)
القول الثاني: ذهب بعض العلماء إلى أنه يجوز للمحدث حدثاً أصغر أن يمس المصحف، وهو مروي عن بعض السلف(56)، وبه قال الظاهرية.(57)
ومن أدلتهم :
1 - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث دحية الكلي- رضي الله عنه- إلى هرقل عظيم الروم بكتاب يدعوه فيه للإسلام ، وفيه قول الله تعالى : (58) (59) ، فإذا جاز مس الكافر له ، فالمسلم المحدث من باب أولى(60) .
ويجاب عن هذا بأن هذا الكتاب لا يسمى مصحفاً ، ولا تثبت له حرمته ؛ إذ ليس فيه سوى آية ، ولا يقصد منه التلاوة ، ومن العلماء من خص ذلك بقصد تبليغ الدعوة(61).
2 - أنه لم يثبت النهي عن مس المصحف لا في الكتاب ولا في السنة ، فيبقى الحكم على البراءة الأصلية ، وهي الإباحة(62) .
ويجاب بعدم التسليم ، فقد ثبت في السنة النهي عن ذلك ، وتقدم ذكر كتاب عمروبن حزم ، وقد ورد بمعناه أحاديث وآثار أخرى(63) .
والراجح – والله أعلم – القول الأول ، وهو ما ذهب إليه عامة أهل العلم ؛ لقوة أدلته، وضعف أدلة القول الثاني.





المبحث الرابع: فضل النظر في المصحف والنهي عن هجره
من آداب المصحف قراءته والنظر فيه وعدم هجره، والمراد بهجر المصحف هنا: ترك النظر فيه وقراءته غفلةً وتهاوناً، وليس المراد هجر القرآن بترك تدبره والعمل به والتحاكم إليه(64).
و النظر في المصحف من أجل تلاوته وحفظه وتعاهده مستحبة.
وقد وردت أحاديثُ عديدة في فضل النظر في المصحف، لكنْ لم يثبت منها شيء.(65)
وثبت عن جمع من الصحابة الحثُّ على إدامة النظر في المصحف.
ففي صحيح مسلم عن شقيق قال: قال عبد الله: "تعاهدوا هذه المصاحف، وربما قال القرآن، فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النَّعم من عُقُلِه، قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يقلْ أحدكم نسيتُ آية كيت وكيت بل هو أُنسي"(66).
وعنه- رضي الله عنه- أنه قال: "أديموا النظر في المصحف"(67)
قال ابن كثير: "فهذه الآثار تدل على أن هذا أمر مطلوب ؛ لئلا يُعَطَّل المصحف فلا يقرأ منه ، ولعله قد يقع لبعض الحفظة نسيان فيستذكر منه، أو تحريف كلمة أو آية ، أو تقديم أو تأخير ، فالاستثبات أولى ، والرجوع إلى المصحف أثبت من أفواه الرجال"(68).
وقال ابن الجوزي: "وينبغي لمن كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كل يوم آيات يسيرة لئلا يكون مهجوراً"(69).
وقال القرطبي: "قال العلماء: فائدة القراءة من الحفظ قوة الحفظ، وثبات الذكر ، وهي أمكن للتفكر فيه، وفائدة القراءة في المصحف الاستثبات، لا يخلط بزيادة حرف ، ولا إسقاط حرف ، أو تقديم آية أو تأخيرها، وأيضا فإنه يعطي عينيه حظها منه ؛ فإن العين تؤدي إلى النفس، وبين النفس والصدر حجاب، والقرآن في الصدر، فإذا قرأ عن ظهر قلبه فإنه يسمع أذنه فيؤدي إلى النفس، وإذا نظر في الخط كانت العين والأذن قد اشتركتا في حق المصحف؛ لأن المصحف لم يتخذ ليهمل، وله على الانفراد حق، فلا يقرأ إلا على طهارة ، ألا ترى المحدث منهي عن مسه، وكانت القراءة أولى وأفضل"(70).
قلت: إذا كان الإنسان متقنا للحفظ وكان يقرأ عن ظهر قلب، فلا يظهر في تركه النظر كراهة؛ لكنْ إذا كان المصحف لا يُحتاج إليه ينبغي أن يدفع إلى من ينتفع به، ولا يترك مهجوراً، كما هو الحال في كثير من البيوت والمساجد .


المبحث الخامس: تحلية المصحف وتطييبه
يرى بعض أهل العلم أن من تعظيم المصحف وتكريمه تحْلِيَتَهُ، وتَطْييبه، وهما مسألتان اختلف فيهما العلماء، وإليك أقوال العلماء فيهما.
المسألة الأولى: تحلية المصحف بالذهب والفضة
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال متعددة يمكن أن نجملها في قولين:
القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى عدم جواز تحلية المصحف بالذهب والفضة، على اختلاف بينهم في ذلك؛ حيث ذهب بعضهم إلى التحريم، وذهب آخرون إلى الكراهة ، ومنهم من فصَّل في ذلك فأجاز التحلية بالفضة دون الذهب، ومنهم من أجاز ذلك للرجال دون النساء، ومنهم من خصَّ المنع بالورق المكتوب به دون الجلد، ومنهم من قال بالعكس(71).
واستدل القائلون بالمنع بأدلة منها:
1- الآثار الواردة عن الصحابة- رضي الله عنهم- في الوعيد على من فعل ذلك، ومنها:
أ- ما رُوي عن أبي بن كعب - رضي الله عنه- أنه قال: " إذا حليتم مصاحفكم وزَوَّقتم(72)مساجدكم فالدَّمار عليكم" (73).
وفي هذا الأثر وعيد على من حلَّى المصحف، وله حكم الرفع؛ حيث إن مثله لا يقال بالرأي.
ب - وما روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أنه كان إذا رأى المصحف قد فُضِّض أو ذُهِّب قال: " أتغرون به السارق؟ وزينه في جوفه"(74).
وفي هذا الأثر أيضاً نهي عن تحلية المصحف.
2-كما استدلوا على ذلك من جهة النظر فقالوا: إن في تحلية المصاحف بالذهب والفضة سَرَفاً وتضييعاً للمال، ولأنها بمنزلة الآنية، وقد ثبت تحريم آنية الذهب والفضة.
وأما تخصيص المنع بالرجال فلم اطلع له على دليل ، إلا أن يكون بناء التفريع على إباحة التحلي للنساء، وهذا غير وجيه؛ حيث إن إباحة الذهب والفضة للنساء مخصوص بحلي الزينة فقط.
وأما تخصيص المنع بالذهب دون الفضة فلأن السنة جاءت بالتخفيف في الفضة ولا سيما إذا كانت يسرة(75).
القول الثاني: أن تحلية المصحف بالذهب والفضة(76) جائزة، ومن أدلة هذا القول:
1- بعض الآثار الواردة عن بعض السلف- رضي الله عنهم- في الترخيص في ذلك، ومنها ما رُوي عن محمد بن سيرين أنه كان يسأل عن تحلية المصحف، فيقول : لا أعلم به بأسا ، وكان يحب أن يزيَّن المصحف ، وتُجاد علاقته، وصنعه، وكل شيء من أمره(77).
ويناقش بأنه ورد النهي عن ذلك عن بعض الصحابة كما سبق، ولعل من قال بالجواز من التابعين لم يبلغه المنع.
2- أن في تحليته إكراماً له.
قال الزركشي: " ويجوز تحليته بالفضة إكراماً له على الصحيح ... وأما الذهب فالأصح يباح للمرأة دون الرجل، وخص بعضهم الجواز بنفس المصحف دون علاقته المنفصلة عنه، والأظهر التسوية"(78).
ويناقش بأن التكريم مشروط بما ليس فيه مخالفة للنصوص والآثار الثابتة، وهو غير متحقق هنا.
والأظهر – والله أعلم- القول الأول وهو عدم جواز تحلية المصحف بالذهب والفضة مطلقاً؛ لقوة أدلته، وأما من قال بالجواز فقد رأى أن ذلك من باب تكريم المصحف المأمور به، ولكنْ هذا غير مسلم لما يترتب عليه من المفاسد، ولأن فيه مخالفة للأدلة المانعة من استعمال الذهب والفضة إلا ما ورد الدليل بحله.
ومما يؤيد هذا القول بالمنع أن الناظر في حال المصاحف المذهَّبة اليوم يجد أنها تتخذ للمباهاة، وتوضع في المتاحف والمعارض في صناديق محكمة، ولا يقرأ فيها.
المسألة الثانية: تطييب المصحف
المراد بتطييب المصحف وضع الطِّيب عليه أو بين أوراقه لتحسين رائحته، وقد اختلف العلماء في حكم تطييب المصحف على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن تطييب المصحف مكروه، ورُوي عن بعض السلف، ومنهم مجاهد؛ حيث أثر عنه أنه كان يكره الطيب والتعشير في المصحف(79).
ويناقش بأن هذا الأثر ضعيف.
القول الثاني: أن تطييب المصحف مستحب.
قال الزركشي: " ويستحب تطييب المصحف، وجعله على كرسيّ... إكراما له على الصحيح (80).
ويمكن أن يناقش بعدم التسليم؛ حيث إن ذلك قد يؤدي إلى تبذير المال ولا سيما إذا كان هذا الطيب غالي الثمن، ثم إنه قد يؤثر على أوراق وحروف المصحف.
القول الثالث: أن تطييب المصحف مباح، لعدم ورود الدليل على الاستحباب أو المنع(81).
و الأظهر - والله أعلم- القول الأخير، وهو أن تطييب المصحف مباح، لعدم الدليل الصحيح على الاستحباب أو المنع، لكن ْ يقيد ذلك بعدم الإسراف، وعدم الإضرار بأوراق المصحف، أو إحداث بُقَع عليه. وأما إذا وجد مقتضٍ للتطييب كأن يصيب المصحف شييء يفسد رائحته فالاستحباب ظاهر - والله أعلم-.

المبحث السادس : تقبيل المصحف
يرى بعض أهل العلم أن من آداب المصحف تقبيله تكريماً له، وهي مسألة اختلف فيهما العلماء، وإليك أقوال العلماء فيها.
القول الأول: أن تقبيل المصحف مستحب.(82)
قال الزركشي: "ويستحب تقبيل المصحف؛ لأن عكرمة بن أبى جهل أنه كان يقبله، وبالقياس على تقبيل الحجر الأسود، ولأنه هدية لعباده فيشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير..."(83)
وأدلتهم كما ذكرها الزركشي وغيره ما يلي:
1- ما روي عن عكرمة بن أبي جهل - رضي الله عنه- أنه كان يضع المصحف على وجهه ويقول: "كتاب ربي، كتاب ربي"(84).
ونوقش: بأنه ضعيف، وليس فيه ذكر للتقبيل.
2- القياس على استحباب تقبيل الحجر الأسود(85).
ونوقش: بأن تقبيل المصحف عبادة، والعبادات توقيفية لا يدخل فيها القياس.(86)
3- ولأنه هدية من الله لعباده فيشرع تقبيله كما يستحب تقبيل الولد الصغير.
ونوقش: بأن هذه دعوى لا دليل عليها فلا تقبل(87)
القول الثاني: أن تقبيل المصحف مباح.(88)
واستدلوا على ذلك بالأثر السابق عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه. فظاهر الأثر: أن عكرمة رضي الله عنه كان يضع المصحف على وجهه، ويقبِّله، مما يدل على إباحته.
ونوقش: بأنه غير ظاهر الدلالة، فكل ما فيه أنه كان يضع المصحف على وجهه، وهذا لا يلزم منه تقبيله له.(89)
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ذلك، فأجاب: "لا نعلم دليلا على شرعية تقبيله، ولكن لو قبله الإنسان فلا بأس؛ لأنه يروى عن عكرمة بن أبي جهل الصحابي الجليل -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يقبل المصحف ويقول هذا كلام ربي ، وبكل حال التقبيل لا حرج فيه ولكن ليس بمشروع وليس هناك دليل على شرعيته ، ولكن لو قبله الإنسان تعظيما واحتراما عند سقوطه من يده أو من مكان مرتفع فلا حرج في ذلك ولا بأس إن شاء الله" (90) .
القول الثالث: أن تقبيل المصحف بدعة مكروهة.
وتقدم في المسألة السابقة قول ابن الحاج: "فتعظيم المصحف قراءته والعمل بما فيه، لا تقبيله ..".
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1- أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته رضي الله عنهم، إلا ما روي عن عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، وهو ضعيف، وليس في التصريح بأنه كان يقبله.(91)
2- ما ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما قبل الحجر الأسود أنه قال:"إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع , فلولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبلك ما قبلتُك(92)، حيث لم يقدم – رضي الله عنه- على تقبيل الحجر مع فضله وشرفه وكونه من شعائر الله إلا بسنة ثابتة(93)
القول الرابع: التوقف في تقبيل المصحف.(94)
واستدلوا على ذلك بأن تقبيل المصحف وإن كان فيه رفعة وإكرام له إلا أنه لم يدل دليل على مشروعيته، وما طريقه القُرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله – وإن كان فيه تعظيم – إلا بدليل(95).
قال ابن تيمية: " القيام للمصحف وتقبيله لا نعلم فيه شيئاً مأثوراً عن السلف... "(96).
و قال ابن مفلح : " ويجوز تقبيل المصحف ، قدمه في الرعاية وغيرها ، وعنه – أي عن الإمام أحمد - يستحب؛لأن عكرمة بن أبي جهل كان يفعل ذلك ، رواه جماعة منهم الدارمي وأبو بكر بن عبد العزيز ، وعنه التوقف فيه، وفي جعله على عينيه، قال القاضي في الجامع الكبير : إنما توقف عن ذلك وإن كان فيه رفعة وإكرام ، لأن ما طريقه القرب إذا لم يكن للقياس فيه مدخل لا يستحب فعله وإن كان فيه تعظيم إلا بتوقيف ، ألا ترى أن عمر لما رأى الحجر قال : لا تضر ولا تنفع ، ولولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك ، وكذلك معاوية لما طاف فقبل الأركان كلها أنكر عليه ابن عباس ، فقال : ليس في البيت شيءٌ مهجور ، فقال : إنما هي السنة(97)، فأنكر عليه الزيادة على فعل النبي - صلى الله عليه وسلم."(98)
والراجح – والله أعلم – القول الثاني ، وهو أن تقبيل المصحف مباح؛ لعدم وجود دليل صحيح صريح في الندب إليه أو المنع منه، فيبقى على الأصل وهو الإباحة، والقول بأنه بدعة غير وجيه في رأيي؛ لأن هذا العمل نوع تقدير واحترام للمصحف وهو مأمور به في الجملة، ما لم يقيد بوقت أو هيئة معينة أو يرتب عليه أجر معين، ولا يقاس على الأحجار والآثار الأخرى وإن كانت كريمة كالحجر الأسود؛لأنه يجب للمصحف من الاحترام والتعظيم ما لا يجب لها.

المبحث السابع: أدب التعامل مع المصاحف التالفة أو التي لا ينتفع به
المصاحف السليمة التي يمكن الانتفاع بها على الوجه الصحيح لا يجوز إتلافها، وإن لم يحتج إليها فإنها تنقل إلى من يحتاجها من المسلمين.
قال ابن عبد الهادي: "ولا يجوز دفن مصحف صحيح ولا غسله"(99)، أما إن كان المصحف بالياً أو ممزقا، أو أصابته نجاسة لا يمكن تطهيرها، أو فيه خلل ظاهر في رسمه وضبطه فإنه يشرع إتلافه.
وقد اختلف العلماء في كيفية إتلاف المصاحف عند وجود سببه:
فذهب بعضهم إلى أنها تحرَّق، واستدلوا بما ثبت عن عثمان رضي الله عنه حينما جمع المصحف، أنه أمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرَّق.(100)
وذهب آخرون إلى أنها لا تحرق(101)؛ لأن ذلك لا يليق بكلام الله بل يتلف بغير الحَرْق(102)، فتدفن في مكان طاهر، واختلفوا في تمزيقها أو غسلها ومحوها قبل دفنها(103).
وقد ورد أن عثمان – رضي الله عنه – دفن المصاحف بين القبر والمنبر(104).
وعن إبراهيم النخعي أنه قال: "كانوا يأمرون بورق المصاحف إذا بلي أن يدفن"(105).
وقد تقدم أن إحراق عثمان - رضي الله عنه- للمصاحف ثابت في صحيح البخاري.
وقد جمع بعض العلماء بين الروايتين بأن الصحابة حرَّقوها أولاً ثم دفنوها(106).
قال الحافظ ابن حجر: "ويجمع بأنه صنع بالصحف جميع ذلك من تشقيق، ثم غسل، ثم تحريق"(107).
وأما ما ورد من غسل الآيات ومحوها قبل دفنها فعلى تقدير منع الحرق فإنه غير مناسب لهذا العصر حيث لا يتأتى المقصود منه مع هذه المصاحف المطبوعة.
هذا والناظر في المصاحف اليوم يجد أن عامة تلفها هو سقوط أوراقها أو انفتاح جلدها وهذا يمكن إصلاحه ولله الحمد، وهذا ما قامت به بعض المؤسسات الخيرية.
وينبغي الحذر من رمي أوراق المصاحف مع غيرها من الأوراق، أو وضعها في سلال المهملات مهما كانت حالتها، بل يحتسب المسلم في التخلص منها بالطريق المشروع بحرقها ثم دفنها في مكان طاهر، أو يدفعها إلى من يقوم بذلك من المسلمين.


الخـاتمـة
وفي الختام، ومن خلال دراسة هذه المباحث المختصرة، يمكن أن أجمل ما توصلت إليه فيما يلي:
1) وجوب تعظيم واحترام المصحف والتأدب معه، وتحريم إهانته بأي وجه من الوجوه.
2) اهتمام الأمة الإسلامية بالمصاحف وإجلالها لها وخدمتها على مرِّ العصور إلى يومنا هذا ولله الحمد.
3) النهي عن هجر المصحف غفلةً وتهاوناً.
4) أن حرمة المصحف باقية وإن تلف أو تمزق.
وهذه بعض التوصيات التي أرجو أن تكون معينةً على احترام المصحف والتأدب معه :
1. تعليم الناس، ولا سيما طلاب المدارس والحلقات القرآنية، تعظيم المصحف وآداب التعامل معه.
2. تربية الأجيال على التعظيم المعنوي للمصحف، وذلك بإجلال ما يحتوي عليه من كلام الله عز وجل.
3. أوصي المسؤولين عن المصاحف طباعةً أو توزيعاً أو بيعاً أو تعليماً، في الشؤون الإسلامية، والقطاعات التعليمية، والجمعيات الخيرية، وغيرها، بالعناية بها، وصيانتها عما لا يليق بها، ووضع النظم اللازمة لاحترامها، ومعالجة ما يتلف منها.
4. يجب على ولاة أمور المسلمين إيقاع العقوبات الشرعية بمن يتعمد إهانة المصحف من الزنادقة والسحرة وغيرهم، وعدم التهاون معهم.
وفي الختام، أسأل تعالى أن يعيننا على تعظيم كتابه الكريم والعمل به ، إنه سميع قريب. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة
المقدمة 2
التمهيد : تعريف آداب المصحف 5
المبحث الأول : عناية الأمة بالمصحف 7
المبحث الثاني : تعظيم المصحف واحترامه 11
المبحث الثالث: حكم الطهارة لمسِّ المصحف 17
المبحث الرابع : فضل النظر في المصحف والنهي عن هجره 22
المبحث الخامس : تحلية المصحف وتطييبه 24
المبحث السادس : تقبيل المصحف ..................................... 28
المبحث السابع : أدب التعامل مع المصاحف التالفة أو التي لا ينتفع بها 32
الخـاتمـة 34
فهرس الموضوعات 35
 
بحث القراءات في صحيح البخاري للدكتور محمد الفراج

بحث القراءات في صحيح البخاري للدكتور محمد الفراج

الحمد لله الذي أنزل القرآن كلامه ويسره، وسهل نشره لمن رامه وقدره، ووفق للقيام به من اختاره وبصره، وأقام لحفظه خيرته من بريته الخيرة.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مقرٍ بها بأنها للنجاة مقررة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائلe: "إن الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة"1
صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين جمعوا القرآن في صدورهم السليمة وصحفه المطهرة، وسلم وشرف وكرم، ورضي الله عن أئمة القراءة المهرة، خصوصاً القراء العشرة، الذين كل منهم تجرد لكتاب الله فجوده وحرره، ورتله كما أنزل وعمل به وتدبره، وزينه بصوته وتغنى به وحبره، ورحم الله السادة المشايخ الذين جمعوا في اختلاف حروفه ورواياته الكتب المبسوطة والمختصرة، فمنهم جعل تيسيره فيها عنواناً وتذكرة، ومنهم من أوضح مصباحه إرشاداً وتبصرة، ومنهم من أبرز المعاني في حرز الأماني مفيدة وخيرة، أثابهم الله تعالى أجمعين، وجمع بيننا وبينهم في دار كرامته في عليين، بمنه وكرمه.
وبعد، فإن الإنسان لا يشرف إلا بما يعرف، ولا يفضل إلا بما يعقل، ولا ينجب إلا بمن يصحب، ولما كان القرآن العظيم أعظم كتاب أنزل، كان المنزل عليهe أفضل نبي أرسل، وكانت أمته من العرب والعجم أفضل أمة أخرجت للناس من الأمم، وكانت حملته أشرف هذه الأمة، وقراؤه ومقرؤوه أفضل هذه الملة.2
وقد وقع اختياري على موضوع حصر الأحاديث المسندة3 الواردة في القراءات في صحيح الإمام البخاري باسم: "القراءات الواردة في صحيح البخاري: جمعا وتخريجا وتوجيها"4
وتظهر أهمية هذا الموضوع من النواحي التالية:
1-إبراز عناية الإمام المحدث الحافظ البخاري في القرآن وقراءاته وتفسيره، واهتمامه بذلك؛ لكثرة ما يذكره في صحيحه من الاختلاف في قراءة بعض الآيات وأثرها على المعنى وما يدخل تحتها من أحاديث، صراحة أو إشارة، سواء في الآيات في مستهل الأبواب، أم الأحاديث المسندة مرفوعة أم موقوفة، عن قصد أم غيره، وإن كان ذكرها إياها ضمن مروياته للأحاديث، وليس من خلال تبويبات خاصة مستقلة.
2-إظهار قوة الصلة بين الكتاب والسنة، وعلاقتهما وارتباطهما، ومدى حاجة أحدهما للآخر، وتكميل بعضهما لبعض؛ فهما وحي من الله، كما قال: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى(3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} وَقَالَ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
3-أنه لم يُعقد في الكتب الستة- سوى الترمذي- كتاب مستقل خاص في القراءات، بل ولا ذكروا بابا يصرح بذكر القراءات، مما قد يوهم لبعض المطلعين أن إغفالهم إياه يوحي بعدم أهميته أو عدم الحاجة إليها!
4-تحرير طريقة علماء القراءات، وتطبيق شروطهم في قبول الرواية، ومدى موافقتها لطريقة المحدثين، ومنهجهم الذي اعتمدوه في الحكم على الأحاديث: قبولا وردا.
5-خفاء حكم القراءات على كثير ممن له اهتمام في الحديث، فهو بمجرد وجود قراءة في الصحيحين أو أحدهما، يظن جواز القراءة بها، بل وأحيانا يرى جواز الصلاة بقراءتها مطلقا؛ لثبوتها في الصحيحين أو أحدهما، ناسيا أو متناسيا أن الأمر ليس كذلك، وأن شأن القراءات أعلى، وشرطها أشد وأقوى، كما سيأتي.




وقد واجهتني في إعداد هذا البحث- والحمد لله- عدة صعوبات، من أبرزها:
1-ما تقدم أن البخاري- كجُلّ أصحاب الكتب الستة- لم يعقد كتاب ولا بابا خاصا مستقلا في القراءات، وإنما ذلك مفرقا في صحيحه تبعا لا استقلالا، وجلّها في فضائل القرآن، مما يستدعي تصفح الكتاب بكامله، وجرده؛ لاستخراج تلك المواضع.
ولعل سبب عدم عقد المصنف كتابا ولا بابا خاصين ومستقلين في القراءات؛ لأن شأن القرآن والقراءات أعظم، وشرطها أخص من الحديث وأقوى؛ لأن ثبوته بطريق التواتر والتلقي والمشافهة، وليس بمجرد الإسناد كالحديث، كما سيأتي في المبحث الأول من الفصل الأول.
2-أني لم أجد رسالة ولا بحثا محررا حصرا فاستوعبا القراءات المسندة في صحيح البخاري خاصة، مع أهميته؛ لأنه يمثل المرتبة الأولى في الصحة بعد القرآن الكريم؛ ولمعرفة المتواتر منها من غيره.
3-اختلاف روايات البخاري، وتفاوت ألفاظها من حيث الزيادة والنقص؛ لما عرف عنه من كثرة اختصاره، وتصرفه في الأحاديث5، فقد يكون الشاهد من ذكر القراءة في رواية أخرى، وطرف من أطرافه المتفرقة في ثنايا الصحيح، مما يمنع الجزم بعدم ذكره للقراءة، أو إهمالها. 6
4-أن البخاري اشتهر بالتكرار والإعادة للأحاديث في صحيحه، مما يستوجب متابعة أطراف الحديث ومواضعه في غير مظانه؛ لمعرفة القراءات الواردة في الأحاديث، مما اضطرني إلى ضم النظير إلى نظيره، وإعادة ترتيب الأحاديث التي تنص على القراءات حسب ترتيب سور القرآن، كما في المصحف، فقد يشير إلى آية في غير موطنها
5-أن بعضها إشارات وتلميحات خفية، لا تتجلّى إلا بتخريج الحديث من مصادر أخرى، وجمع طرقه، ومقارنة بعضها ببعض، كما في سورتي المعوذتين، فلم يتبين المراد منه حتى خرجته وجمعت ألفاظه.

وقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة وفصلين وخاتمة وفهارس.
فالمقدمة اشتملت على تمهيد، وأهمية الموضوع، وبعض الصعوبات فيه، وخطة البحث.
والفصلان:
فالفصل الأول، وفيه مبحثان:
فالمبحث الأول:شروط القراءة المقبولة، وشروط قبول الحديث، والفرق بينهما.
والمبحث الثاني:اختلاف القراءات من التيسير، وأن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
والفصل الثاني:المواضع التي ذكرت فيها القراءات حسب ترتيب السور، وفيه ثمانية عشر مبحثا.
والخاتمة: متضمنة أهم نتائج البحث.
والفهارس: فهرس للآيات، وفهرس للأحاديث، وفهرس للمصادر والمراجع، وفهرس للموضوعات.
وهذا أوان التفصيل:
الفصل الأول:
المبحث الأول: شروط القراءة المقبولة، وشروط قبول الحديث، والفرق بينهما.
لكل علم وفن من الفنون شروط تضبطه وتحفظه وتحرره، وهي تختلف من حيث القوة والضبط من فن لآخر؛ حسب منزلة ذلك الفن من العلوم الأخرى وأهميته، وأثره على غيره من فنون العلم، وقد تشترك بعض الفنون في بعض الشروط، وتلتقي في بعض محترزاتها.
فشروط قبول القراءة عند علماء القراءات، واعتبارها من القرآن المنزل المتعبّد بتلاوته في الصلاة وغيرها، ليست كشروط قبول رواية الحديث عند أئمة الحديث، فلكل شروط تخصه.
فشروط القراءة الصحيحة وأركانها ثلاثة هي: 1- موافقتها اللغة العربية، ولو بوجه، 2- وأن توافق أحد المصاحف العثمانية، ولو احتمالا، 3- وأن يصح سندها، كما جمعها ابن الجزري في نظمه بقوله:
فكل ما وافق وجه نحوي....... وكان للرسم احتمالا يحوي
وصـح إسنادا هو القرآن........فهذه الثلاثة الأركـــان
وكل ما خالف وجها أثبت.......شذوذه لو أنه في السبـعة7
وأما شروط قبول الأحاديث، فهو أن يرويه عدل تام الضبط عن مثله، بسند متصل، من غير شذوذ، ولا علة، ولو كان من الآحاد، فلا يشترط التواتر فيها. 8
فشروط قبول الحديث، لا بد أن تكون في القراءة مع زيادة شروط، فلا بد أن يرويها عدل تام الضبط، بسند متصل، من غير شذوذ، ولا علة، وهذه لا بد من توفرها في القراءات، مع زيادة تواترها مشافهة، وكذا موافقتها للغة العربية، ولرسم المصحف العثماني، ولو في الجملة، فتجلّى أن شروط قبول القراءة أكثر، والتحري لها أكبر، فهي شروط الحديث وزيادة؛ وذلك لأن أمر القرآن أعظم، وشأنه أجلّ، ومنزلته أكبر؛ لتعلقه بالله، وكونه صفة من صفاته العظمى، وأنه لا يكفي وجود القراءة في الصحيحين أو أحدهما، إذا لم يكن النقل إلينا
ليس وجودها في الصحيحين أو أحدهما كافيا في قبولها؛ لأن أمر القراءات أعظم وأجلّ، إذ لا بد من تواترها-إضافة لموافقتها لرسم المصحف-فشأن كونها قرآنا ليس كشأن الأحاديث التي يشترط في فبولها مجرد ثبوت إسنادها، ولو لم يحصل التواتر في نقلها، وهذا من أبرز الفروق بين طريقتي علماء القراءات وعلماء الحديث، وهو اشتراط التواتر في القرآن، وهو وصوله إلينا من طريق المشافهة والتلقي جيلا عن جيل، حتى وصلنا-بحمدالله- بهذه الصورة المتكاملة المتواترة، والعكس صحيح، فلو لم تثبت عندنا بعض القراءات في السنة إلا من طريق ضعيف، وقد كانت من القراءات العشر المتواترة، لم يضر ورودها في السنة بذاك السند الضعيف، بل ولو لم ترد في السنة أصلا، لم يؤثر ذلك، وذلك نحو قراءة: {ضَُعف} بضم الضاد وفتحها، فلم ترد في السنة إلا بسند ضعيف9، لكنها قراءة سبعية متواترة، حيث قرأ بفتح الضاد عاصم وحمزة، وقرأ الباقون بالضم.10
قال ابن الجزري- في قراءة شاذة-: "لم تثبت متواترة عن النبيe، وإن ثبتت بالنقل، فإنها منسوخة بالعرضة الأخيرة، أو بإجماع الصحابة على المصحف العثماني، أو أنها لم تنقل إلينا نقلاً يثبت بمثله القرآن، أو أنها لم تكن من الأحرف السبعة..." 11

المبحث الثاني: اختلاف القراءات من التيسير، وأن القرآن أنزل على سبعة أحرف.
1-عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدٍ الْقَارِيّ حَدَّثَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِe فَاسْتَمَعْتُ لِقِرَاءَتِهِ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ عَلَى حُرُوفٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يُقْرِئْنِيهَا رَسُولُ اللَّهِe فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ فِي الصَّلاَةِ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ فَلَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَقُلْتُ مَنْ أَقْرَأَكَ هَذِهِ السُّورَةَ الَّتِي سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ، قَالَ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِe فَقُلْتُ كَذَبْتَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِe قَدْ أَقْرَأَنِيهَا عَلَى غَيْرِ مَا قَرَأْتَ، فَانْطَلَقْتُ بِهِ أَقُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِe فَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْفُرْقَانِ عَلَى حُرُوفٍ لَمْ تُقْرِئْنِيهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِe « أَرْسِلْهُ اقْرَأْ يَا هِشَامُ »، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ الَّتِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ »، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِe« كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ »، ثُمَّ قَالَ « اقْرَأْ يَا عُمَرُ »، فَقَرَأْتُ الْقِرَاءَةَ الَّتِي أَقْرَأَنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِe« كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ»12
2-عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَال سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ، وَسَمِعْتُ النَّبِيe يَقْرَأُ خِلاَفَهَا فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيe فَأَخْبَرْتُهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ: «كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا»13
3-عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزهري، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِe قَالَ: «أَقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ»14
4-عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ؛ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ، فَفَعَلُوا ذَلِكَ15.
فهذه الأحاديث في القراءات دالة على أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، وأن الحكمة من ذلك التيسير ورفع الحرج عن هذه الأمة، وأن المصحف قد كتب بلغة قريش؛ لأنه أنزل بلسانهم.
وقد اختلف العلماء قديما وحديثا في المراد بالأحرف السبعة التي نزل بها القرآن على أقوال كثيرة مختلفة، وصنفت فيه كتب وبحوث مفردة، وليس هذا موطن التفصيل والإطالة بذكرها، ومما اختاره الشيخ عبدالعزيز القاري، أن الأحرف السبعة هي: "وجوه متعددة متغايرة، منزلة من وجوه القراءة، يمكنك أن تقرأ بأي منها، فتكون قد قرأت قرآنا منزلا، والعدد منها مراد، بمعنى أن أقصى حد يمكن أن تبلغه الوجوه القرآنية المنزلة هو السبعة أوجه، وذلك في الكلمة القرآنية الواحدة، ضمن نوع واحد من الاختلاف والتغاير، ولا يلزم أن تبلغ الأوجه هذا الحدّ في كل موضع من القرآن" 16

والفصل الثاني: المواضع التي ذكرت فيها القراءات حسب ترتيب السور، في ثمانية عشر مبحثا:
المبحث الأول:سُورة البقرة، وفيها أربعة مواضع.
چ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ پ پ پ پ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ٹ چ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: أَقْرَؤُنَا أُبَىٌّ، وَأَقْضَانَا عَلِىٌّ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَىٍّ، وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ: لاَ أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِe، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نَنْسَأْهَا}17
{أو ننسأها } : قرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح النون والسين، وهمزة ساكنة بين السين والهاء، وهو من التأخير، أي نؤخرها، إما بإنسائها، وإما بإبطال حكمها. 18
{أو ننسها } : وقرأ الباقون بضم النون، وكسر السين، من غير همزة، وهو من النسيان، وهو حذف ذكرها عن القلوب بقوة إلهية. 19

چﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ چ چ چ چ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گگ گ گ ﮖ ﮗ چ
عن عَطَاءٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا، فَلْيُطْعِمَانِ20 مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا21.
{وعلى الذين يطوقونه} قرأ بها ابن عباس، وعائشة وسعيد بن جبير وعكرمة، بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو من الطوق، وهي قراءة شاذة؛ لعدم تواترها، ومخالفتها لرسم المصحف العثماني.22
{وعلى الذين يطيقونه} وهي قراءة جميع القراء، بضم الياء وكسر الطاء، وهو ما أشار إليه البخاري في تبويبه على الآية بقوله: قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ ( يُطِيقُونَهُ ) وَهْوَ أَكْثَرُ ، وهو مأخوذ من الطاقة.23
وقال أبو البقاء العكبري: {يطيقونه} الجمهور على القراءة بالياء، وقرئ: {يطوقونه} بواو مشددة مفتوحة، وهو من الطوق الذي هو قدر الوسع، والمعنى يكلفونه. 24
فهي قراءة شاذة، لم يتوفر فيها شرط التواتر، وانظر ما تقدم في المبحث الأول في الفصل الأول.

چ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گگ گ گ ﮖ ﮗ چ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ ( فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ ) قَالَ: هِي مَنْسُوخَةٌ25.
قرأ نافع وابن ذكوان: {فدية طعام مساكين} بالإضافة والجمع، والباقون بالتنوين ورفع الميم والتوحيد، ما خلا هشاما فإنه جمع: {مسكين} فمن جمع فتح الميم والسين والنون وأثبت ألفا، ومن وحّد كسر الميم والنون ونونها، وحذف الألف26.

چﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ چچ چ چ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ک چ
عنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ تَأَثَّمُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِيهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ} قَرَأَ ابْنُ عَبَّاس كَذَا.27
قرأ ابن عباس وعكرمة وعمرو بن عبيد: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ: بزيادة: {فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ} وقراءة جميع القراء بدونها، وهذه الزيادة مدرجة تفسيرية، وليست قراءة28.
وعموما فهي شاذة، لا يقرأ بها؛ لعدم تواترها، ومخالفتها للرسم العثماني، وليرجع إلى ما تقدم في المبحث الأول من الفصل الأول.

المبحث الثاني:سُورة النساء، وفيها موضعان.
چﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ چ
عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} قَالَ وَرَثَةً: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الأَنْصَارِي دُونَ ذَوِى رَحِمِهِ لِلأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبيُe بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ} نُسِخَتْ، ثُمَّ قَالَ: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} مِنَ النَّصْرِ ، وَالرِّفَادَةِ وَالنَّصِيحَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ وَيُوصِى لَهُ.29
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: {والذين عقدت أيمانكم} بغير ألف، وحجتهم أن الأيمان عقدت بينهم؛ لأن في قوله: {أيمانكم}حجة على أن أيمان الطائفتين هي عقدت ما بينهما، وفي إسناد الفعل إلى الأيمان كفاية من الحجة.
وقرأ الباقون: {والذين عاقدت} بالألف، وحجتهم أن العقد كان من الفريقين، وكان هذا في الجاهلية يجيء الرجل الذليل إلى العزيز فيعاقده ويحالفه ويقول له: أنا ابنك ترثني وأرثك، وحرمتي حرمتك ودمي دمك وثأري ثأرك، فأمر الله بالوفاء لهم، فهذا العقد لا يكون إلا بين اثنين، وقيل: إن ذلك أمر قبل تسمية المواريث، وهي منسوخة بآية المواريث30.

چ ھ ے ے ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯮ چ
عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : {وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غُنَيْمَتَهُ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: {عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} تِلْكَ الْغُنَيْمَةُ . قَالَ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {السَّلاَمَ}31
قرأ نافع وابن عامر وحمزة: {لمن ألقى إليكم السلم} بغير ألف أي المقادة والاستسلام، وعن الربيع قال: الصلح.
وقرأ الباقون: {السلام} أي التحية، وحجتهم في ذلك أن المقتول قال: لهم السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا سلبه، فأعلم الله أن حق من ألقى السلام أن يتبين أمره. 32
وقال ابن خالويه: قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام} يقرأ بإثبات الألف، وطرحها، فالحجة لمن أثبتها أنه أراد التحية، ودليله أن رجلا سلم عليهم، فقتلوه؛ لأنهم قدروا أنه فعل ذلك خوفا، فقرعهم الله به، والحجة لمن طرحها أنه جعله من الاستسلام، وإعطاء المقادة من غير امتناع. 33

المبحث الثالث:سُورة هود، وفيها موضع واحد.
چ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ چ
عن محَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ : {أَلاَ إِنَّهُمْ تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ} قُلْتُ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ مَا تَثْنَوْنِي صُدُورُهُمْ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحِى أَوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِى فَنَزَلَتْ: {أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ}34.
قال ابن جرير الطبري: وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: {أَلا إِنَّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ} على مثال: "تَحْلَولِي الثمرة" ، "تَفْعَوْعِل"35.
قال الراغب الأصبهاني: يقال للاوي الشيء: قد ثناه، نحو قوله تعالى: {ألا إنهم يثنون صدورهم} وقراءة ابن عباس: (تثنوني صدورهم) (وهي قراءة شاذة. انظر: البصائر 1/345) من: اثنونيت، وقوله: {ثاني عطفه} وذلك عبارة عن التنكر والإعراض، نحو: لوى شدقه36.
وقراءة الجماعة: { ألا إنهم يثنون صدورهم }
قال البخاري في تبويبه- قبل سياق الحديث-: { يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} شَكٌّ وَامْتِرَاءٌ فِي الْحَقِّ، {لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ} مِنَ اللَّهِ إِنِ اسْتَطَاعُوا.
وذكر ابن الجوزي أنه على قراءة ابن عباس فهو في حق المؤمنين، وهو ثني حقيقي للصدور، وعلى قراءة الجمهور، فهو في حق المنافقين، وهو ثني مجازي، المراد كتمان ما فيها.37
فقراءة: {أَلا إِنَّهُمْ تَثْنَونِي صُدُورُهُمْ} شاذة؛ لعدم تواترها، ومخالفتها للرسم العثماني، وانظر ما سبق في الفصل الأول، في مبحث: شروط القراءة المقبولة، وشروط قبول الحديث، والفرق بينهما.

المبحث الرابع:سُورة يوسف، وفيها موضعان.
چ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ پ پ پ پ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭫ چ
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: {هَيْتَ لَكَ} قَالَ: وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهَا كَمَا عُلِّمْنَاهَا.38
قرأ نافع وابن ذكوان: {هيت لك} بكسر الهاء من غير همز، وفتح التاء، وهشام كذلك إلا إنه يهمز، وقد روي عنه ضم التاء، وابن كثير بفتح الهاء وضم التاء، والباقون بفتحهما39.
وقال ابن زنجلة: قرأ أهل العراق: {هيت لك} بفتح الهاء والتاء: أي هلم وتعال وأقبل إلى ما أدعوك إليه، وحجتهم قول الشاعر:
أبلغ أمير المؤمنين ... أخـا العراق إذا أتيتا
أن العراق وأهله ... عنق إليك فهيت هيتا
قال الزجاج: أما فتح التاء في {هيت} فلأنها بمنزلة أصوات ليس منها فعل يتصرف، ففتحت التاء لسكونها وسكون الياء واختير الفتح؛ لأن قبل التاء ياء كما قالوا: كيف؟ وأين؟
وقرأ أهل المدينة والشام: {هيت} وهي لغة وقرأ ابن كثير: {هيت} بفتح الهاء وضم التاء، وحجته قول الشاعر:
ليس قومي بالأبعدين إذا ما ... قال داع من العشيرة هيت
هم يجيبون ذا هلم سراعـا ... كالأبابـيل لا يغادر بيت
فأما الضم من: {هيت} فلأنها بمعنى الغايات كأنها قالت: دعائي لك، فلما حذفت ا لإضافة وتضمنت هيت معناها بنيت على الضم كما بنيت حيث.
وقرأ هشام: {هئت} بالهمز من الهيئة، كأنها قالت: تهيأت لك40

چ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯪ چ
وعن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ وَهُوَ يَسْأَلُهَا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ } قَالَ قُلْتُ: أَكُذِبُوا أَمْ كُذِّبُوا، قَالَتْ عَائِشَةُ: كُذِّبُوا، قُلْتُ: فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ! قَالَتْ: أَجَلْ لَعَمْرِي لَقَدِ اسْتَيْقَنُوا بِذَلِكَ، فَقُلْتُ لَهَا: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} قَالَتْ: مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا، قُلْتُ: فَمَا هَذِهِ الآيَةُ؟ قَالَتْ: هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ ، فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْبَلاَءُ ، وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُمُ النَّصْرُ حَتَّى اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ مِمَّنْ كَذَّبَهُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ وَظَنَّتِ الرُّسُلُ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ قَدْ كَذَّبُوهُمْ جَاءَهُمْ نَصْرُ اللَّهِ عِنْدَ ذَلِكَ41.
قال أبو بكر ابن مجاهد: واختلفوا في تشديد الذال وتخفيفها من قوله: {وظنوا أنهم قد كذبوا }فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: {كذّّبوا} مشددة الذال.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: {كُذِبوا} خفيفة، وكلهم ضم الكاف42.
قال ابن زنجلة: قرأ أهل الكوفة: {وظنوا أنهم قد كُذِبوا} بالتخفيف من قولك: كذبتك الحديث أي: لم أصدقك، وفي التنزيل: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله}
وفيها وجهان من التفسير:
1-أحدهما حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبوا بمعنى: أخلفوا ما وعدوه من النصر، جاء الرسل نصرنا، فجعل الضمير في قوله: {ظنوا} للقوم، وجعل الظن موافقا لفظه معناه، فإن قيل: كيف يجوز أن يحمل الضمير في {ظنوا} على القوم، والذي تقدم ذكره: {الرسل}؟ قيل: إن ذلك لا يمتنع؛ لأن ذكر: {الرسل} يدل على المرسل إليهم، فلهذا جاز أن يحمل الضمير على المرسل إليهم.
2-والوجه الآخر: {حتى إذا استيأس الرسل} من إيمان قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم فيما أخبروهم به من أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب، ثم رُدّ إلى ما لم يسم فاعله، فقيل إنهم كناية عن القوم.
قرأ أهل الحجاز والبصرة والشام: {كذّبوا} بالتشديد، وفي التنزيل: {ولقد كذبت رسل} وقوله: {فكذبوا رسلي} وجعلوا الضمير في:{ظنوا} للرسل والظن بمعنى: اليقين، وحجتهم في ذلك أن ذكر الرسل قد تقدم، ولم يتقدم ذكر المرسل إليهم، فيجعل الضمير لهم، وإذا كان ذلك كذلك، فالأولى أن يجعل الضمير للرسل، فيكون الفعلان للرسل، ويصير كلاما واحدا ومعنى الآية: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنوا أي: أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم، جاءهم نصرنا أي: جاء الرسل نصرنا، وقال قوم: ليس الظن بمعنى: اليقين، بل لفظه معناه قالوا ومعنى الآية: حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم أن يصدقوهم، وظنت الرسل بأن من قد آمن بهم من قومهم قد كذبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك، قالت عائشة: لم يزل البلاء بالرسل، حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذبوهم.43

المبحث الخامس:سُورة الكهف، وفيها خمسة مواضع.
چ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰖ چ
چ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ چ چ چچ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ چ
چگ گ گ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ں ں ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے چ
عن سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِي يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ! فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنِي أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ « إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَي النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّ لِي عَبْدًا بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ ، هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ فَكَيْفَ لِي بِهِ؟...
...وَجَدَ غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ ، فَأَخَذَ غُلاَمًا كَافِرًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ ، ثُمَّ ذَبَحَهُ بِالسِّكِّينِ . قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَمْ تَعْمَلْ بِالْحِنْثِ - وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَرَأَهَا زَكِيَّةً زَاكِيَةً مُسْلِمَةً كَقَوْلِكَ غُلاَمًا زَكِيًّا - فَانْطَلَقَا ، فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ - قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا - وَرَفَعَ يَدَهُ فَاسْتَقَامَ - قَالَ يَعْلَى - حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَال*َ: فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ ، لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا...
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا ، وَكَانَ يَقْرَأُ وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ كَافِرًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ. 44
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: {زاكية} بالألف، وقرأ الباقون: {زكية} بغير ألف.
قال أبو عمرو: الزاكية التي لم تذنب قط، والزكية التي أذنبت، ثم غفر لها، وإنما قتل الخضر صغيرا لم يبلغ الحنث، وقال آخرون: زاكية أي: طاهرة، وقال قتادة: نامية، وزكية: تقية دينة، وقال الحسن: بريئة، وقال آخرون منهم الكسائي: هما لغتان، مثل عالم وعليم وسامع وسميع إلا أن فعيلا أبلغ في الوصف والمدح من فاعل، ويقوي التشديد قوله: {غلاما زكيا}45
وأما :{لاتخذت عليه أجرا}- فخفف التاء وكسر الخاء- {لتخذت}: ابن كثير وأبو عمرو، فيكون الفعل تخذ مثل علم، قال أبو عبيد: هي مكتوبة هكذا، وهي لغة هذيل.
وقرأ الباقون: بتشديد التاء وفتح الخاء: {لاتخذت} فيكون الفعل اتخذ نحو: {اتخذوا أيمانهم جنة} و: {اتخذوا آياتي ورسلي هزوا} وذلك كثير في القرآن ماضيه ومضارعه نحو: {ومن الناس من يتخذ} وتلك اللغة لم يأت مضارعها في القرآن، ولا ماضيها في غير هذا الموضع. 46
وأما: { وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً وأما الغلام فكان كافراً...} فقراءة ابن عباس هذه، هي مدرجة تفسيرية.
ولو افترضنا أن ابن عباس كان يعدّها قراءة، فهي شاذة؛ لعدم تواترها، ومخالفتها للرسم العثماني،47ولينظر ما تقدم في الفصل الأول في المبحث الأول منه.

المبحث السادس:سُورة النور، وفيها موضع واحد.
چ ں ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ہ ہ ہ ے چ
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقْرَأُ: {إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} وَتَقُولُ: الْوَلْقُ: الْكَذِبُ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَكَانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ؛ لأَنَّهُ نَزَلَ فِيهَا. 48
قال العيني: {تَلَقّونه}: يرويه بعضكم عن بعض، هذا تفسير فتح اللام مع تشديد القاف، وهي قراءة الأكثرين من السبعة، فمنهم من أدغم الذال في التاء، ومنهم من أظهرها، وهو من التلقي للشيء، وهو أخذه وقبوله، وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود: {إذ تتلقونه} بتائين، وقرأت عائشة ويحيى ابن يعمر بكسر اللام وتخفيف القاف، من الولق: وهو الإسراع في الكذب، وقيل: هو الكذب49.
فقراءة عائشة ومن معها شاذة؛ لعدم تواترها، ولإجماع أئمة القراء المشهورين على تركها؛ لأنها ليست من العرضات الأخيرة للقرآن، وليرجع للمبحث الأول من الفصل الأول.

المبحث السابع: سُورة الشعراء، وفيها موضع واحد.
چ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ چ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ eحَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ: « يَا صَبَاحَاهْ » فَقَالُوا: مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ »؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: « فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ»، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهَذَا! ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ: { تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ وَقَدْ تَبَّ} هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ50
قال ابن العربي عن هاتين الزيادتين: {وَرَهْطَك مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ} و{وقد تب}: هُمَا شَاذَّتَانِ ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ رَوَاهُمَا عَنْ الْعَدْلِ ، وَلَكِنَّهُ كَمَا بَيَّنَّا لا يُقْرَأُ إلَّا بِمَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ الإِسْلامِ51 .
وقال القرطبي: وظاهر هذا أنه كان قرآنا يتلى وأنه نسخ ؛ إذ لم يثبت نقله في المصحف ولا تواتر، ويلزم على ثبوته إشكال، وهو أنه كان يلزم عليه ألا ينذر إلا من آمن من عشيرته؛ فإن المؤمنين هم الذين يوصفون بالإخلاص في دين الإسلام، وفي حب النبيe لا المشركون؛ لأنهم ليسوا على شيء من ذلك، والنبي e دعا عشيرته كلهم مؤمنهم وكافرهم، وأنذر جميعهم ومن معهم ومن يأتي بعدهمe، فلم يثبت ذلك نقلا ولا معنى.52
فهي قراءة شاذة؛ لمخالفتها للرسم العثماني؛ ولعدم تواترها، وقد تقدم ما يتعلق في هذه القراءات الشاذة، في أول الموضوع في المبحث الأول من الفصل الأول.

المبحث الثامن: سُورة السجدة، وفيها موضع واحد.
چ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ چ
عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِe قَالَ قَالَ اللَّهُ : أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ »، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِىَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ اللَّهُ مِثْلَهُ، قِيلَ لِسُفْيَانَ رِوَايَةً، قَالَ فَأَيُ شَيءٍ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِى صَالِحٍ قَرَأَ أَبُو هُرَيْرَةَ: {قُرَّاتِ}53.
قرأ الجمهور: {مِّن قُرَّةِ} على الإفراد، وقرأ عبدالله، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وعوف العقيلي: {من قرات} على الجمع بالألف والتاء، وهي رواية عن أبي جعفر والأعمش.54
وقال ابن حجر: قال أبو عبيدة: ورأيتها في المصحف الذي يقال له الإمام: {قرة} بالهاء على الوحدة، وهي قراءة أهل الأمصار.55
قال المهدوي: ومن قرأ: {قرات أعين} فهو جمع قرة، وحسن الجمع فيه؛ لإضافته إلى جمع، والإفراد؛ لأنه مصدر، وهو اسم للجنس56.
فقراءة: {قرات أعين} شاذة؛ لعدم تواترها، ولينظر ما تقدم في المبحث الأول من الفصل الأول.

المبحث التاسع:سُورة سبأ، وفيها موضع واحد.
چ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ پ پ پپ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥٹ ٹ ٹ ٹ ﭪ چ
عن سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيe قَالَ: «إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ - قَالَ عَلِىٌّ: وَقَالَ غَيْرُهُ-: صَفْوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ، فَإِذَا: {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} ، قَالُوا لِلَّذِي قَالَ: الْحَقَّ وَهْوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُو السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ- وَوَصَفَ سُفْيَانُ بِيَدِهِ، وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ الْيُمْنَى، نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ- فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ الْمُسْتَمِعَ، قَبْلَ أَنْ يَرْمِىَ بِهَا إِلَى صَاحِبِهِ، فَيُحْرِقَهُ، وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِىَ بِهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ، إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ، حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ- وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الأَرْضِ- فَتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيَصْدُقُ، فَيَقُولُونَ: أَلَمْ يُخْبِرْنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا؟ فَوَجَدْنَاهُ حَقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ»
وفي رواية: قُلْتُ لِسُفْيَانَ: قَالَ سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا رَوَى عَنْكَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ وَيَرْفَعُهُ أَنَّهُ قَرَأَ: { فُزِّعَ} قَالَ سُفْيَانُ: هَكَذَا قَرَأَ عَمْرٌو، فَلاَ أَدْرِى سَمِعَهُ هَكَذَا، أَمْ لاَ؟ قَالَ سُفْيَانُ: وَهْىَ قِرَاءَتُنَا57.
1-قرأ: {فُرّغ}- بضم الفاء وبالراء المهملة الثقيلة وبالغين المعجمة- فقال سفيان: هكذا قرأ عمرو يعني بن دينار فلا أدري سمعه هكذا أم لا ،وهذه القراءة رويت أيضا عن الحسن وقتادة ومجاهد.
ومعنى التي بالراء والغين المعجمة: {فُرّغ}: ذهب عن قلوبهم ما حل فيها فقال سفيان: هكذا قرأ عمرو، فلا أدري سمعه أم لا؟ قال سفيان: وهي قراءتنا.
قال الكرماني: فإن قيل: كيف جازت القراءة إذا لم تكن مسموعة؟ فالجواب: لعل مذهبه جواز القراءة بدون السماع إذا كان المعنى صحيحا، قلت: هذا وإن كان محتملا لكن إذا وجد احتمال غيره، فهو أولى، وذلك محمل قول سفيان: لا أدري سمعه أم لا؟ على أن مراده سمعه من عكرمة الذي حدثه بالحديث، لا أنه شك في أنه هل سمعه مطلقا، فالظن به أن لا يكتفي في نقل القرآن بالأخذ من الصحف بغير سماع.
وأما قول سفيان: وهي قراءتنا، فمعناه: أنها وافقت ما كان يختار من القراءة به، فيجوز أن ينسب إليه، كما نسب لغيره.
2-والقراءة المشهورة قراءة الجماعة: {فُزِّع} بالزاي والعين المهملة.
3-وقرأها ابن عامر: {فَزَّع} مبنيا للفاعل ومعناه بالزاي والمهملة: أدهش الفزع عنهم.
وقراءة الجماعة: {فزِّع} بالزاي والعين المهملة، أي: أزيل عن قلوبهم الفزع، وهو الذعر، على كلتا القراءتين.58
فقراءة: {فُرّغ}- بضم الفاء وبالراء المهملة الثقيلة وبالغين المعجمة- شاذة؛ لعدم تواترها، فلا يجوز القراءة بها، وانظر ما سبق في الفصل الأول في المبحث الأول منه.

المبحث العاشر: سُورة يس، وفيها موضع واحد.
چﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫچ
عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِe جَالِسٌ ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِى أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ»؟ قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهَا تَذْهَبُ تَسْتَأْذِنُ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا»، ثُمَّ قَرَأَ: {ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا} فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ. 59
قال العيني: قوله: {ذلك مستقر لها} في قراءة عبدالله أي: ابن مسعود، والقراءة المشهورة: {والشمس تجرى لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم}60
فقراءة: {ذلك مستقر لها} شاذة؛ لعدم تواترها، ولينظر ما تقدم في المبحث الأول من الفصل الأول.

المبحث الحادي عشر:سُورة الزخرف، وفيها موضع واحد.
چ ٹ ٹ ٹ ٹ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ چ
عنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيeيَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} قَالَ سُفْيَانُ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِ}61
قال القرطبي: قرأ علي وابن مسعود: {ونادوا يا مال} وذلك خلاف المصحف، ثم قال: لا يعمل على هذا الحديث؛ لأنه مقطوع لا يقبل مثله في الرواية عن الرسول عليه السلام، وكتاب الله أحق بأن يحتاط له، وينفى عنه الباطل. 62
وقال ابن عطية: تواترت قراءة إثبات الكاف، وبقيت الأخرى مروية بالآحاد فلم تكن قرآنا63.
لطيفة ونادرة: قرأ ابن مسعود: {يا مال} بحذف الكاف للترخيم، فقيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ: {ونادوا يا مال} فقال: ما أشغل أهل النار عن هذا الترخيم! وأجيب عنه بأنه إنما حسن هذا الترخيم؛ لأنه يدل على أنهم بلغوا في الضعف والنحافة إلى حيث لا يمكنهم أن يذكروا من الكلمة إلا بعضها64.
فقراءة: {يا مال} شاذة؛ لمخالفتها للرسم العثماني؛ ولعدم تواترها، وقد تقدم ما يتعلق في هذه القراءات الشاذة، في أول الموضوع في المبحث الأول من الفصل الأول.


المبحث الثاني عشر: سُورة الفتح.
چ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ پ پ پ پ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ٹ چ
عن شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِي قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِe يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ ، أَوْ مِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ - قَالَ - فَرَجَّعَ فِيهَا - قَالَ - ثُمَّ قَرَأَ مُعَاوِيَةُ يَحْكِى قِرَاءَةَ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَقَالَ: «لَوْلاَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْكُمْ لَرَجَّعْتُ كَمَا رَجَّعَ ابْنُ مُغَفَّلٍ» يَحْكِى النَّبِيe فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ كَيْفَ كَانَ تَرْجِيعُهُ؟ قَالَ: آ آ آ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. 65
قال ابن حجر: الترجيع: هو تقارب ضروب الحركات في القراءة، وأصله الترديد، وترجيع الصوت ترديده في الحلق، وقد فسره عبدالله بن مغفل بقوله: أ ا أ بهمزة مفتوحة بعدها ألف ساكنة ثم همزة أخرى، ثم قالوا يحتمل أمرين:
أحدهما: أن ذلك حدث من هز الناقة.
والآخر: أنه أشبع المد في موضعه، فحدث ذلك، وهذا الثاني أشبه بالسياق؛ فإن في بعض طرقه: (لولا أن يجتمع الناس لقرأت لكم بذلك اللحن) أي النغم، وقد ثبت الترجيع في غير هذا الموضع، فأخرج الترمذي في الشمائل والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود واللفظ له من حديث أم هانئ: (كنت أسمع صوت النبيe وهو يقرأ، وأنا نائمة على فراشي يرجع القرآن) والذي يظهر أن في الترجيع قدرا زائدا على الترتيل، فعند بن أبي داود من طريق أبي إسحاق عن علقمة قال: (بتّ مع عبدالله بن مسعود في داره فنام، ثم قام فكان يقرأ قراءة الرجل في مسجد حيه لا يرفع صوته ويسمع من حوله ويرتل ولا يرجع)66
وقال أيضا: قال القرطبي: هو محمول على إشباع المد في موضعه، وقيل: كان ذلك بسبب كونه راكبا، فحصل الترجيع من تحريك الناقة، وهذا فيه نظر؛ لأن في رواية على بن الجعد عن شعبة عند الإسماعيلي: (وهو يقرأ قراءة لينة، فقال: لولا أن يجتمع الناس علينا، لقرأت ذلك اللحن) 67
قال أ.د محمد حسن جبل: الترجيع هو التردد أي تكرير الصوت، والمقصود هنا تكرار ألف المد كما هو صريح في آخر الحديث، وإنما يظهر الترجيع في تكرار المد بعينه عند كل وقف، فالمقصود هنا هو مد الألف في أواخر الكلمات التي خُتمت بها آيات سورة الفتح، لأن أواخر الآيات هي مواضع الوقف الأساسية التي يتم عندها الكلام، وآيات هذه السورة كلها مختومة بألف المد ( مبينا / مستقيما...) فإن ألف المد التي في أواخر الآيات هنا مد إبدال من تنوين النصب، والنصب وتنوينه من الإعراب، فهذا شاهد علي أن النبيe كان ينطق القرآن معربا، ولو كان غير معرب لنطقت كل تلك الكلمات بالسكون، هذا، ولا يجوز تأويل الحديث بأن المقصود كل ألف مد، ولو كانت في وسط الكلام؛ لأن ألفات المد التي في وسط الكلام لا تلفت السمع، لأنه لا يوقف عليها؛ ولأنها ليست جنس المد الوحيد في أثناء الكلام، فهناك المد بالواو وبالياء، وما دام الحديث عن مد الألف ووصفه بأنه مرجّع، فلا ينطبق هذا إلا علي أواخر الآيات التي هي مواضع الوقف كما قلنا.
كما لا يجوز- من باب الأولى- أن يفسر هذا الحديث الشريف بأن الرسولe كان يكرر الألفات متوالية مجردة من الكلام أي من باب الدندنة؛ لأن نص الحديث أنه كان يقرأ سورة الفتح- لا أنه كان يدندن، هذا إلى أن مقام رسول الله الأعظم وجلالة قدره تنفي هذا التفسير- فلم يبق إلا ما قلناه ..." 68
قلت: لكن الجزم في المراد بالترجيع الذي هو صفة للتلاوة، وكيفية أداء القراءة، على ما ذكره المتقدمون، بأنه غير مقصود منهe، وإنما هو بسبب حركة الناقة، أو أنه إشباع المدّ في موضعه، وكذا على ما ذكره د.محمد جبل، في ذلك كله نظر! وصرف للحديث عن ظاهره، وما أظنه يخفى ذلك على مثل هذا الصحابي الجليل عبدالله بن مغفّل، ولا يتهيّب أن يفعله، أو يخشى اجتماع الناس، والتشويش عليهم، وتعجّبهم منه! فلعل الترجيع من أحوال المدّ في القراءة التي كانت في العرضة الأولى، كغيره من القراءات بزيادة ونقص، ثم نسخ بعدُ، فلم يبق منه شيء، ووقع الإجماع بخلافه، والله أعلم.

المبحث الثالث عشر: سُورة القمر، في خمسة مواضع مكرورة.
چ گ گ گ گ ﮖ ﮗ ﮘ چ
چ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭵ ﮥ ﮰ چ
عنْ أَبِى إِسْحَاقَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً سَأَلَ الأَسْوَدَ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ أَوْ مُذَّكِرٍ فَقَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَؤُهَا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} قَالَ: وَسَمِعْتُ النَّبِيe يَقْرَؤُهَا: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} دَالاً.
عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِe قَرَأَ: {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ69.
قال العيني: قوله: {من مذكر} يعني بالدال المهملة، وسبب ذكر ذلك أن بعض السلف قرأها بالذال المعجمة، ونقل ذلك عن قتادة أيضا70.
فهي قراءة شاذة؛ لعدم تواترها؛ ولأن قراءة القراء بالدال، كما في رواية البخاري: " مِثْلَ قِرَاءَةِ الْعَامَّةِ" ولينظر ما تقدم في مستهلّ هذا البحث في الفصل الأول في المبحث الأول منه.

المبحث الرابع عشر:سُورة المرسلات، وفيها موضع واحد.
چ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ چ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَابِسٍ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: {تَرْمِى بِشَرَرٍ} كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ ، فَنَرْفَعُهُ لِلشِّتَاءِ فَنُسَمِّيهِ الْقَصَرَ: {كَأَنَّهُ جِمَالاَتٌ صُفْرٌ} حِبَالُ السُّفْنِ تُجْمَعُ حَتَّى تَكُونَ كَأَوْسَاطِ الرِّجَالِ71.
قرأ حمزة والكسائي وحفص: {كأنه جِمالة صفر} بغير ألف جمع جمل، تقول: جمل وجمال وجمالة، وإنما تدخل الهاء توكيدا لتأنيث الجمع، كما تقول: عمومة، ونظيره: حجر وحجار وحجر وحجارة. 72
وقرأ الباقون: {جمالات صفر} فهو جمع الجمع تقول: جمل وجمال وجمالات، كما تقول: ورجل ورجال ورجالا، و بيت وبيوت وبيوتات.
(واختلفوا) في الجيم منها فروى رويس بضم الجيم، وقرأ الباقون بكسرها73.

المبحث الخامس عشر:سُورة الليل، وفيها موضع واحد.
چ ں ں ﮠ ﮡ ﮢ چ
ذَهَبَ عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَجَلَسَ إِلَى أَبِى الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ- أَوْ مِنْكُمْ- صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ يَعْنِى حُذَيْفَةَ، قَالَ قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمُ - أَوْ مِنْكُمُ - الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِe يَعْنِى مِنَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِى عَمَّارًا، قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ - أَوْ مِنْكُمْ - صَاحِبُ السِّوَاكِ أَوِ السِّرَارِ قَالَ: بَلَى، قَالَ: كَيْفَ كَانَ عَبْدُاللَّهِ يَقْرَأُ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}؟ قُلْتُ: ( وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى )، قَالَ: مَا زَالَ بِي هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ شَيءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهe74
قال ابن حجر: هذه القراءة لم تنقل إلا عمن ذكر هنا ومن عداهم قرؤوا: {وما خلق الذكر والأنثى} وعليها استقر الأمر مع قوة إسناد ذلك إلى أبي الدرداء ومن ذكر معه، ولعل هذا مما نسخت تلاوته، ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه، والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن بن مسعود وإليهما تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء، ولم يقرأ أحد منهم بهذا، فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت75.
قال العيني: هذه خلاف القراءة المتواترة المشهورة، ويقال: قرأ عبدالله: {والذكر والأنثى} أنزل كذلك، ثم أنزل : {وما خلق} فلم يسمعه عبدالله، ولا أبو الدرداء، وسمعه سائر الناس، وأثبتوه، وهذا كظن عبدالله أن المعوذتين ليستا من القرآن، والله أعلم. 76
وقال القرطبي: قراءة عبدالله بن مسعود، وأبي الدرداء : {والذكر والأنثى} ليست قرآنا، هكذا بإجماع الصحابة والمسلمين بعدهم، واتفاق المصاحف على خلافها، وأن القراءة المتواترة : {وما خلق الذكر والأنثى}77
فقراءة: {والذكر والأنثى} شاذة، لا يقرأ بها؛ لمخالفتها للرسم العثماني؛ ولعدم تواترها، وقد تقدم ما يتعلق في هذه القراءات الشاذة، في مستهلّ الموضوع في المبحث الأول من الفصل الأول.

المبحث السادس عشر: سُورة المسد، وفيها موضع واحد.
چ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ چ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِe حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا فَهَتَفَ:«يَا صَبَاحَاهْ» فَقَالُوا مَنْ هَذَا؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيّ»؟ قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ»، قَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ مَا جَمَعْتَنَا إِلاَّ لِهَذَا! ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ وَتَبَّ وَقَدْ تَبَّ} هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ78
قال ابن حجر: قوله: "هكذا قرأها الأعمش يومئذ" انتهى، وليست هذه القراءة فيما نقل الفراء عن الأعمش، فالذي يظهر أنه قرأها حاكيا لا قارئا، ويؤيده قوله: في هذا السياق "يومئذ" فإنه يشعر بأنه كان لا يستمر على قراءتها كذلك، والمحفوظ أنها قراءة ابن مسعودe وحده79.
قال النووي: معناه أن الأعمش زاد لفظة: {قد} بخلاف القراءة المشهورة. 80
قلت: ما ذكره ابن حجر متجه، لكن ليس ببعيد أن يكون الأعمش كان يقرأ بها كذلك، كما هو ظاهر الحديث: "{وَقَدْ تَبَّ} هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ يَوْمَئِذٍ " ، ويقوّيه أن الحديث ليس لابن مسعودe، وليس له ذكر، وإنما هو حديث ابن عباسe، ثم لا يخفى أن الأعمش من الكوفة كابن مسعودe، وقد تأثر به كثيرا في القرآن ورواية الحديث، وهو من أبرز مدرسة ابن مسعودe، كما يظهر جليا في تتبع قراءاته، وروايته للحديث، والله أعلم.
فقراءة: {وَقَدْ تَبَّ} شاذة، لا تجوز القراءة بها؛ لعدم توفر شروط القراءة الصحيحة فيها، وهما شرطا التواتر، وموافقة رسم المصحف العثماني، ولينظر لما تقدم في المبحث الأول من الفصل الأول.

المبحث السابع والثامن عشر: سُورتا المعوذتين.
چ ﭤ ﭥ ٹ ٹ ٹ ٹ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ چ
چ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ چ
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ وَحَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ زِرٍّ قَالَ سَأَلْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ قُلْتُ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ أُبَىٌّ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِe فَقَالَ لِي: قِيلَ لِي، فَقُلْتُ ، قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِe81
قال ابن حجر: استشكل هذا الموضع الفخر الرازي فقال: إن قلنا إن كونهما من القرآن، كان متواترا في عصر ابن مسعود لزم تكفير من أنكرهما، وأن قلنا: إن كونهما من القرآن، كان لم يتواتر في عصر ابن مسعود، لزم أن بعض القرآن، لم يتواتر، قال: وهذه عقدة صعبة، وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود، لكن لم يتواتر عند ابن مسعود، فانحلت العقدة بعون الله تعالى... إلا أن في الإجماع على كونهما من القرآن غنية عن تكلف الأسانيد بأخبار الآحاد. 82
قال العيني: قال البزار: لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة، وقد صح عن النبيe أنه قرأها في الصلاة، وهو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر.83
قال ابن الجوزي: الذي كنى عنه من قول ابن مسعود، كأنه الإشارة إلى أنه كان لا يثبتها في مصحفه، ولا يراها من القرآن، وقوله: (قيل لي: فقلت) دليل على أنها من الوحي، وقد كان الأمر في زمن ابن مسعود محتملا للتأويلات، فأما الآن فانعقد الإجماع. 84




الخاتمة:
الحمد لله أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا، والصلاة والسلام على خير وخاتم أنبيائه ورسلهr.
وبعد فهذه الجولة والإطلالة السريعة في جنبات القرآن العظيم، والسنة المباركة، والتفيؤ بظلالهما الوارف، وحدائقهما الغناء، واستنشاق رحيقهما، وإمتاع الناظرين بهما، وتشنيف الآذان وتعطيرها بهما.
وقد تجلّت أهمية النظر في كتب السنة، ولاسيما الصحيحين، واستخراج كنوزهما فيما يتعلق بالقراءات، وتتجلّى أهميتها لتعلقها بأفضل كتاب، وبأصح الأحاديث وأتمها.
فاشتمال صحيح الإمام البخاري على كثير من القراءات المسندة وغير المسندة، مرفوعة وموقوفة، يدل على عناية المحدثين واهتمامهم وخاصة البخاري بهذا الفن اللطيف والعلم الشريف وهو علم القراءات، وإن لم يفرد له كتابا أو أبوابا في صحيحه، فلعله لغرض الاختصار؛ ولكون صحيحه لسنة رسول اللهr فيما يخص الأحكام، وليس للقرآن والقراءات؛ إذ مجاله غير هذا، وأهله علماء القراءات المتخصصون، قد كفوه وخدموه، فبقي على البخاري خدمة ما تخصص فيه، وبزّ أقرانه في علم الحديث وعلله.
ثم إبراز شروط علماء القراءات؛ لقبول الرواية، وجواز القراءة بها في الصلاة، واعتبارها من القرآن، وهو توفر ثلاثة أركان: نقْلها إلينا مشافهة عن طريق التواتر، وأن توافق اللغة العربية، ورسم المصحف العثماني.
وأما شروط قبول الأحاديث، فهو أن يرويه عدل تام الضبط عن مثله، بسند متصل، من غير شذوذ، ولا علة، ولو كان من الآحاد، فلا يشترط التواتر فيها.
فشروط قبول الحديث، لا بد أن تكون في القراءة مع زيادة شروط، فلا بد في القراءة أن يرويها عدل تام الضبط، بسند متصل، من غير شذوذ، ولا علة، وهذه لا بد من توفرها في القراءات، مع زيادة تواترها مشافهة، وموافقتها للغة العربية، ولرسم المصحف العثماني ولو في الجملة. فتجلّى أن شروط قبول القراءة أكثر، والتحري لها أكبر، فهي شروط الحديث وزيادة؛ وذلك لأن أمر القرآن أعظم، وشأنه أجلّ.
هذا وأسال الله التوفيق، وأن يختم لنا بخير، ورزق حسن، وستر في الدارين، وصلى الله على محمد.


1-فهرس الآيات حسب سياقها وترتيب السور في المصحف:
چ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ پ پ پ پ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ٹ چ 6
چﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ چ چ چ چ ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑک ک ک ک گ ﮗ چ 6
چﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ چچ ﮅ ک چ 8
چﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯵ چ 9
چ ھ ے ے ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯮ چ 10
چ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﰆ چ 11
چ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ پ پ پ پ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭫ چ 11
چ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯪ چ 13
چ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰖ چ 14
چ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ چ چ چچ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ چ 14
چگ گ گ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ں ں ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ ے ے چ 14
چ ں ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ہ ہ ہ ے چ 16
چ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ چ 17
چ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ہ ہ ہ ہ ھ ھ ھ ھ چ 18
چ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ پ پ پپ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭪ چ 18
چﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫچ 20
چ ٹ ٹ ٹ ٹ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ چ 20
چ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ پ پ پ پ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ٹ چ 21
چ گ گ گ گ ﮖ ﮗ ﮘ چ 23
چ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭵ ﮥ ﮰ چ 23
چ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ چ 24
چ ں ں ﮠ ﮡ ﮢ چ 25
چ ڈ ڈ ژ ژ ڑ ڑ چ 26
چ ﭤ ﭥ ٹ ٹ ٹ ٹ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ چ 27
چ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ چ 27



2-فهرس الأحاديث والآثار حسب حروف المعجم:
إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ... 5
إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ... 18
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ... 17 ، 26
أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ... 18
أَقْرَؤُنَا أُبَىٌّ ، وَأَقْضَانَا عَلِىٌّ ، وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَىٍّ ، وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ... 6
أقْرَأَنِي جِبْرِيلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ وَيَزِيدُنِي حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ 5
إِنَّ مُوسَى قَامَ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَي النَّاسِ أَعْلَمُ؟ 15
إِنَّ نَوْفًا الْبَكَالِي يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ لَيْسَ... 14
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِe يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفَتْحِ 21
فَقَدِ اسْتَيْقَنُوا أَنَّ قَوْمَهُمْ كَذَّبُوهُمْ فَمَا هُوَ بِالظَّنِّ قَالَتْ أَجَلْ لَعَمْرِي... 13
قِيلَ لِي، فَقُلْتُ ، قَالَ: فَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِe 27
كَانَ رَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ، فَقَتَلُوهُ... 10
كَانَ الرَّجُلُ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ فَيَسْتَحِى أَوْ يَتَخَلَّى فَيَسْتَحِى فَنَزَلَت... 11
كَانَ الْمُهَاجِرُونَ لَمَّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْمُهَاجِرُ الأَنْصَارِي دُونَ ذَوِى رَحِمِهِ... 9
كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ تَأَثَّمُوا... 9
كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ حَدَّثَنِي أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّه... 14
كَذَلِكَ أُنْزِلَتْ، إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ 4
كُنَّا نَعْمِدُ إِلَى الْخَشَبَةِ ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ ، فَنَرْفَعُهُ... 24
كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، وَلاَ تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا... 4
اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا، فَجَلَسَ إِلَى أَبِى الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ 25
مَعَاذَ اللَّهِ لَمْ تَكُنِ الرُّسُلُ تَظُنُّ ذَلِكَ بِرَبِّهَا... 13
هُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَصَدَّقُوهُمْ ، فَطَالَ... 13
هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لاَ يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا... 7
هِي مَنْسُوخَةٌ 8
وَإِنَّمَا نَقْرَؤُهَا كَمَا عُلِّمْنَاهَا 12
الْوَلْقُ: الْكَذِبُ 16
يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تَدْرِى أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟ 20
يقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ }... 20
يَقْرَؤُهَا ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) قَالَ وَسَمِعْتُ النَّبِيَe يَقْرَؤُهَا ( فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) 23








3-فهرس المصادر والمراجع مرتبة حسب حروف المعجم:
1-إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع- للإمام : عبدالرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم أبي شامة ت 665هـ تحقيق: محمود بن عبد الخالق محمد جادو – ط الأولى 1413هـ- مطابع الجامعة الإسلامية
2-إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربعة عشر=(منتهى الأماني والمسرات في علوم القراءات)- لشهاب الدين أحمد بن محمد الدمياطي ت تحقيق: أنس مهرة -ط الأولى- دار الكتب العلمية - لبنان - 1419هـ
3-إعراب ثلاثين سورة من القرآن-للحسين بن أحمد ابن خالويه – ت 370هـ - 1ج – دار الكتب العلمية.
4-إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات في جميع القرآن- لأبي البقاء عبدالله بن الحسين العكبري – ت616هـ - دار الكتب العلمية بيروت- ط الأولى 1399هـ
5- البحر المحيط - لأبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي – ت745هـ 8ج - دار النشر / دار الفكر
6-التبصرة في القراءات – لمكي بن أبي طالب القيسي- ت 437هـ - تحقيق: د.محيي الدين رمضان – 1ج- ط الأولى – 1405هـ
7-التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور- لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي-ت 1393هـ- 30ج- ط : الأولى، 1420هـ مؤسسة التاريخ العربي، بيروت – لبنان –
8- تفسير الإمام الفخر الرازي المسمى ( مفاتيح الغيب )- للإمام فخر الدين محمد بن عمر التميمي الرازي- ت606هـ-32ج -الطبعة : الأولى - دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت - 1421هـ
9-تقريب التهذيب - للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني – ت852هـ تحقيق : أبي الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني - ط الأولى 1416هـ - دار العاصمة - الرياض .
10- التيسير في القراءات السبع -للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني-ت444هـ – 1ج - ط: الثانية 1404هـ - دار النشر / دار الكتاب العربي – بيروت.
11-الجامع الصحيح ، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي-ت279هـ - تحقيق وشرح : أحمد محمد شاكر ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان .
12-حجة القراءات- لأبي زرعة عبدالرحمن بن زرعة ابن زنجلة- ت 395هـ - تحقيق: سعيد الأفغاني- 1ج – ط الرابعة 1404هـ
13-حديث الأحرف السبعة – د.عبدالعزيز القاري- ط الأولى 1417هـ - 1ج- دار النشر الدولي
14-دفاع عن القرآن الكريم - أصالة الإعراب ودلالته على المعاني في القرآن الكريم واللغة العربية- د.محمد حسن جبل – 1ج
15-زاد المسير في علم التفسير- لأبي الفرج ابن الجوزي ت597هـ -تحقيق: زهير الشاويش – 9 ج – ط الثالثة 1414هـ - المكتب الإسلامي.
16- السبعة في القراءات- لأبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي – ت 324هـ تحقيق : د.شوقي ضيف -1ج - الناشر : دار المعارف - القاهرة - الطبعة الثانية ، 1400
17-سنن أبي داود - للحافظ أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، ت275هـ - الناشر : دار الفكر- 4ج - تحقيق : محمد محي الدين عبدالحميد .
18-سنن النسائي لأبي عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي – ت303هـ- المكتبة العلمية ، بيروت - لبنان.
19-صحيح البخاري – للإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري الجعفي ، ت 256هـ ، ضبط : محمود محمد نصار – 1ج - دار الكتب العلمية – توزيع عباس الباز - ط الثالثة 1424هـ .
20-صحيح الإمام مسلم بن الحجاج–ت261هـ-محمد فؤاد عبدالباقي-ط دار إحياء الكتب العلمية،القاهرة
21-الضعفاء الكبير ، للحافظ أبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي المكي ، ت322هـ - تحقيق : د/ عبدالمعطي أمين قلعجي ، ط الأولى 1404هـ ، 4ج - دار الكتب العلمية ، بيروت ـ لبنان.
22-عمدة القاري في شرح صحيح البخاري – لبدر الدين محمود بن أحمد العيني – ت 855هـ - 25ج – المطبعة المنيرية – القاهرة – 1348هـ .
23-فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني – ت852هـ تحقيق: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ، ترقيم : محمد فؤاد عبدالباقي ، ط دار المعرفة ، بيروت .
24-كشف المشكل من حديث الصحيحين-لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي –ت 597هـ - تحقيق : علي حسين البواب – 4ج -دار الوطن - الرياض - 1418هـ
25-مباحث في علم القراءات – د. عبدالعزيز سليمان المزيني- 1ج – ط الأولى 1432هـ دار إشبيليا
26-المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها- لأبي الفتح عثمان بن جني تـ 392هـ تحقيق: علي النجدي ومجموعة – نشر بالقاهرة – 1415هـ
27-المتحف في معنى السبعة الأحرف–عدنان بن أحمد البحيصي- الشبكة العنكبوتية-ضمن المكتبة الشاملة
28-مسند الإمام أحمد ، للإمام أحمد بن محمد بن حنبل - ت 241هـ - 6ج - دار صادر ، بيروت .
29-معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار– لمحمد بن أحمد الذهبي – ت748هـ -1ج – تحقيق: بشار معروف وجماعة – مؤسسة الرسالة – ط الأولى 1404هـ.
30-مفردات القرآن الكريم- لأبي القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني- ت502هـ 1ج - مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار مصطقى الباز
31- المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم- لأبي العبَّاس أحمَدُ القرطبيُّ – ت 656هـ - تحقيق : محي الدين ديب مستو - دار ابن كثير - دار الكلم الطيب - ط: الأولى 1417 هـ
32-مقدمة ابن الصلاح ومعه التقييد والإيضاح للعراقي- لأبي عمرو عثمان ابن الصلاح الكردي ت806هـ - 1ج - تعليق محمد راغب الطباخ – دار الحديث
33- منار الهدى في بيان الوقف والإبتدا- للشيخ أحمد بن عبد الكريم الأشموني – توفي في القرن الحادي عشر -ط1307هـ - المطبعة العامرة المنشأة بجمالية مصر
34-النشر في القراءات العشر- لأبي الخير محمد بن محمد الجزري ت833هـ - تحقيق علي الصباغ – 2ج- دار الكتب العلمية.
35-الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع- لعبد الفتاح القاضي – ت 1403هـ - 1 ج- ط الأولى 1404هـ - مكتبة الدار – المدينة المنورة-

4-فهرس الموضوعات:
المقدمة 1
أهمية الموضوع 2
الصعوبات في الموضوع 3
خطة البحث 3
فالفصل الأول، وفيه مبحثان: 4
المبحث الأول:شروط القراءة المقبولة، وشروط قبول الحديث، والفرق بينهما. 4
المبحث الثاني:اختلاف القراءات من التيسير، وأن القرآن أنزل على سبعة أحرف. 6
والفصل الثاني: المواضع التي ذكرت فيها القراءات حسب ترتيب السور، في ثمانية عشر مبحثا: 7
المبحث الأول:سُورة البقرة، وفيها أربعة مواضع. 7
المبحث الثاني:سُورة النساء، وفيها موضعان. 10
المبحث الثالث:سُورة هود، وفيها موضع واحد. 12
المبحث الرابع:سُورة يوسف، وفيها موضعان. 13
المبحث الخامس:سُورة الكهف، وفيها خمسة مواضع. 16
المبحث السادس:سُورة النور، وفيها موضع واحد. 17
المبحث السابع: سُورة الشعراء، وفيها موضع واحد. 17
المبحث الثامن: سُورة السجدة، وفيها موضع واحد. 18
المبحث التاسع:سُورة سبأ، وفيها موضع واحد. 18
المبحث العاشر: سُورة يس، وفيها موضع واحد. 20
المبحث الحادي عشر:سُورة الزخرف، وفيها موضع واحد. 20
المبحث الثاني عشر: سُورة الفتح. 21
المبحث الثالث عشر: سُورة القمر، فيها خمسة مواضع مكرورة 23
المبحث الرابع عشر:سُورة المرسلات، وفيها موضع واحد. 24
المبحث الخامس عشر:سُورة الليل، وفيها موضع واحد. 25
المبحث السادس عشر: سُورة المسد، وفيها موضع واحد. 26
المبحث السابع والثامن عشر: سُورتا المعوذتين. 27
الخاتمة: 29
1-فهرس الآيات حسب سياقها وترتيب السور في المصحف: 30
2-فهرس الأحاديث والآثار حسب حروف المعجم: 32
3-فهرس المصادر والمراجع مرتبة حسب حروف المعجم: 34
4-فهرس الموضوعات: 37
د.محمد بن عبدالعزيز بن محمد الفراج
الأستاذ المشارك بقسم السنة وعلومها -كلية الشريعة والدراسات الإسلامية – جامعة القصيم
 
بحث : المصطلح عند المقرئين للدكتور عبد العلي المسؤول

بحث : المصطلح عند المقرئين للدكتور عبد العلي المسؤول

يأتي ﻻحقا إن شاء الله :
ـ بحث المصطلح عند المقرئين للدكتور عبد العلي المسؤول
ـ بحوث أخرى
 
بحث منظومة التعليم القرآني بالجزائر الرواية والشكل للباحث اﻷستاذ حسين وعليلي

بحث منظومة التعليم القرآني بالجزائر الرواية والشكل للباحث اﻷستاذ حسين وعليلي

منظومة التعليم القرآني بالجزائر الرواية والشكل
حسين وعليلي/الجزائر.
[ مﻻحظة : المشارك لم يحضر ]
إن عناية المجتمع الجزائري المسلم بالقرآن الكريم تلقيا وأداء، رواية وشكلا، تمتد عبر التاريخ، من طلائع الفاتحين في القرن الأول الهجري إلى يوم الناس هذا، ولم تنقص هذه العناية وذلك الاهتمام على رغم ما مرت به البلاد من حوادث، وخاصة فترة الاحتلال الفرنسي الغاشم، "فكل الذين درسوا موضوع التعليم في الجزائر غداة الاحتلال اندهشوا من كثرة المدارس وحرية التعليم وكثرة المتعلمين ووفرة الوسائل من أجل التعلم"(1)، بل سجل لنا تاريخ الجزائر الحافل علماء برزوا في القرآن الكريم وعلومه، واشتهروا شهرة طبقت الآفاق، ورحل إليهم الناس المشرق منهم والمغرب طلبا لعلومهم، وألفوا كتبا صارت من بعدهم مقررات في كبريات المعاهد المتخصصة، بل نظّروا لطرائق التدريس ومناهج التعليم، حتى أضحى مغرب الإسلام يمتاز عن مشرقه في طرق تدريس القرآن الكريم وفنونه، واستقل عنه في منظومته التعليمية.
والمتتبع للإطار العام للتعليم القرآني بالجزائر في سياقه التاريخي، يجده قد برز من خلال معالم هامة يمكن أن نجملها فيما يلي:
أولا ـ مؤسسات التعليم القرآني في الجزائر
1 ـ الكتاتيب
وهي أماكن معدّة لتعليم القرآن الكريم والكتابة وأساسيات اللغة العربية، تقوم مقام المدارس التحضيرية في وقتنا الحالي، وهناك يبدأ المتعلم حياته ، وتعَدُّ من أقدم مراكز التعليم نشأة، وكانت له مكانة عالية الشأن منذ القرون الهجرية الأولى، مع ملاحظة أن التلميذ يتلقى مبادئ القرآن الكريم هناك بطريقة اللوح والقلم والمداد، وهي طريقة تربوية مفيدة، وقد كان من عادات العائلات الجزائرية أن تدفع بأبنائها إلى هذه الكتاتيب في سن مبكّرة جدا كما قال أحدهم:
وَلَـدَتْني أُمّي بيُـسْرايَ لَـــوْحٌ


خَشَبِيٌّ وَفيِ يَـمِينِــي يــَـرَاعُ

دَفَعَتْنيِ للحَـيَاةِ وَعَــــــادَتْ


للأعاليِ كـَمَا يَـعُودُ الشُّعَـــاعُ

تَرَكَـتْنيِ فيِ رِحْـلَةٍ بَـدْؤُهَـا الْـ


غَيْـبُ وآخِرُهَا السَّـبِيلُ المُشَــاعُ

أَنَا لِلَّـوْحِ وَاليَـــرَاعِ حَلِيــفٌ


حَبَّذَا اللَّوْحُ صَاحِبًا واليَــــرَاعُ

2 ـ المساجد:
بالإضافة إلى كون المسجد مكانا للصلاة والعبادة، فإنه كان ولا يزال المدرسة الأولى لتلقين القرآن الكريم وعلومه، بل إن كثيرا من المعاهد المتخصصة الآن إنما بنيت على أساس إضافتها إلى مساجد اشتهرت بازدحام الطلبة وانتشار ما يعرف بكراسي العلماء وحلقات حفظ القرآن، وما جامع الأزهر بمصر، والقيروان والزيتونة بتونس، والقرويون بالمغرب، ومعهد سيدي عبد الرحمن اليلولي وسيدي عقبة بالجزائر إلا أمثلة حية لهذا التفعيل الحضاري لدور المسجد.
وإذا كنا نعدُّ في جزائر الاستقلال نحوا من خمسة عشر ألف مسجد؛ فإن هذا الأمر بقدر ما يدفع على التفاؤل بوجود روافد لاستمرار تعليم القرآن الكريم؛ بقدر ما يثقل كاهل المسؤولين عن هذه المؤسسات الدينية في المحافظة على المكانة التي كانت تتبوؤها فيما مضى، حتَّى في أشدِّ الفترات صعوبة وهي الحقبة الاستعمارية، التي حولت فيها فرنسا عشرات المساجد إلى كنائس أو مستودعات أو إسطبلات، ظنا منها أن ذلك سيقطع الصلة بين الجزائريين وبين القرآن الكريم.
3 ـ الزوايا
تعد الزوايا واسطة العقد في عملية تعليم القرآن الكريم وعلومه، فهي أكبر محضن لتدريس القرآن الكريم وعلومه، ساعد على ذلك أماكن وجودها، وطبيعة تسييرها، فنظامها الداخلي الذي يؤمّن للطالب الإيواء والإطعام ساعد على الرحلة إليها للتفرغ لحفظ القرآن الكريم وأخذ العلوم الأخرى، وقد انتشرت في ربوع الوطن كافة وخاصة في منطقة زواوة(2) التي وصل عددها فيها إلى 42 زاوية(3)، ومن بين الزوايا المشهورة في الجزائر:
أ ـ زاوية سيدي يحيى العيدلي (4):أسسها الشيخ يحيى العيدلي بتمقرة ولاية بجاية في أواسط القرن التاسع الهجري ، تتلمذ عليه فيها كبار العلماء كالشيخ أحمد زروق البرنسي، ثم هدّمت مرات عديدة في فترة الاحتلال، وقدمت أكثر من مائة شهيد من خيرة طلبتها، وقد تولى التدريس فيها علماء أجلاء آخرهم الشيخ محمد الطاهر آيت علجت الذي تولى مشيختها منذ سنة1937(5)، وقد أعيد بناؤها بعد الاستقلال، وما تزال قائمة بمهام تعليم القرءان الكريم و بعض العلوم الأخرى إلى الآن(6).
ب ـ زاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي(7): أسسها الشيخ اليلولي سنة 1044هـ/ 1635 م، بإشارة من شيخه محمد السعدي البهلولي، وهي أشهر زاوية بمنطقة القبائل، عُرفت بتخصصها في علم القراءات، تحولت بعد استقلال الجزائر إلى معهد وطني لتكوين الأئمة(8).
ج ـ زواية الهامل: أنشأها الشيخ محمد بن أبي القاسم سنة 1849م ببوسعادة، واستعان على التدريس فيها بعلماء مرموقين من أمثال محمد بن عبد الرحمن الديسي، وعاشور الخنقي وغيرهما، مما جعل إقبال الطلبة عليها كبيرا فقد بلغ عددهم نحو الألف في بعض فتراتها(9).
د ـ مدرسة الشيخ سيدي محمد بلكبير: التي أنشأها الشيخ سيدي محمد بلكبير، في قلب ولاية أدرار، وتخرج منها آلاف من العلماء والأئمة، حملوا مشعل القرآن الكريم داخل الجزائر، إلى أن توفي سنة 1421هـ /2000م، وما يزالها عطاؤها مستمرا بفضل تلاميذه، وقد صارت الآن أشهر مدرسة لتعليم القرآن الكريم ومختلف الفنون في الجزائر.
وهناك زوايا أخرى في كل ربوع الجزائر تخرّج بها الآلاف من الحفاظ والقراء والعلماء يضيق المقام عن حصرها هنا(10).
ثانيا ـ مراجع الإقراء في الجزائر
اشتهر عبر تاريخ الجزائر علماء عرفوا بالتأليف في التجويد والقراءات، وقد لا يبالغ من اعتبر أن العناية بالإقراء والتجويد ملمح مشترك بين كل علماء ا لجزائر، واستقصاء أسماء علماء القراءات متعذر، لذلك أكتفي بنماذج على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر، ومنهم:
1 ـ الإمام أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل الهذلي البسكري، نسبة إلى مدينة بسكرة، الأستاذ الكبير، الرّحال ، ولد في حدود 390هـ، له كتابه "الكامل" الذي يُعد أوسع كتاب في علم القراءات عبر التاريخ الإسلامي، ذكر فيه 365 شيخا في القراءات، توفي سنة 465هـ(11).
2 ـ الإمام أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد العجيسي التلمساني، العالم العلامة المفسر المحدث، أشهر علماء تلمسان في وقته، اعتنى بعلوم الشريعة تأليفا وتدريسا، ومنها القرآن وعلومه، ألف أرجوزة ألفية في محاذاة حرز الأماني، توفي بتلمسان سنة 842هـ(12).
3 ـ الإمام أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي، الإمام المفسر المقرئ المحدث، الجامع بين الرواية والدراية الحقيقة والشريعة، صاحب كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن، والمختار من الجوامع في محاذاة الدّرر اللّوامع ، توفي سنة 875هـ (13).
4 ـ الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي جمعة الوهراني: المعروف بشقرون، أخذ عن شيخ الجماعة بفاس محمد ابن غازي، من تآليفه: جامع جوامع الاختصار، قصيدة لامية في قراءة نافع سماها "تقريب المنَافع في الطرُق العشر لنافع" ، وله في رسْم القرآن "تقْييد على مورد الظمآن"، توفي سنة 929هـ(14).
5 ـ العلامة علي بن عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن الحفاف، مفتي المالكية بالجزائر، أخذ عن كثير من علماء عصره، وألف رسالة سماهـا: "الدقائـق المفصلة في تحرير آية البسملة"، كما ترك تأليفا ضخما قيّما في القراءات سماه:"منة المتعال في تكميل الاستدلال" وهو في شرح الشاطبية في القراءات السبع، توفي سنة 1307هـ(15).
6 ـ الإمام محمد بن أبي القاسم البوجليلي ـ نسبة إلى قرية بوجليل ببجاية ـ الحسيني، ولد سنة 1826م، درَس في زاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي على يد كثير من العلماء منهم: محمد اليراتني، والعربي الأخداشي، والشيخ بلحداد وغيرهم، برز في علوم عديدة، وتخصص في علم القراءات حيث ترك لنا كتابه القيّم التبصرة في قراءة العشرة، أثبت فيه سنده ، وهو كتاب جعله في تحرير طرق نافع العشرة التي كانت تدرس في بلاد زواوة زمن المؤلف، توفي رحمه الله سنة 1898م(16).
7- الإمام أبو عبد الله التنسي: هو الإمام المقرئ المحدث الحافظ أبو عبدالله محمد بن عبدالجليل التنسي التلمساني، أخذ عن ابن مرزوق الحفيد وأبي إسحاق إبراهيم التازي، وأبي الفضل بن الإمام وقاسم العقباني وغيرهم(17)، ألف كتاب الطراز في شرح ضبط الخراز خصَّصه لدراسة جزء الضبط من منظومة الخراز المسماة مورد الظمآن في رسم أحرف القرآن، ولأهمية الكتاب "فقد جاء في نص تقرير اللجنة العلمية التي أشرفت على إعداد مصحف المدينة النبوية على أنها:"أخذت طريقة ضبطه مما قرره علماء الضبط على حسب ما ورد في كتاب الطراز على ضبط الخراز للإمام التنسي"(18)
ومع عناية الجزائريين بالقرآن الكريم وقراءاته عموما، فإن لهم عناية خاصة بقراءة نافع المدني من رواية ورش عنه، ومن المؤشرات الدالة على تمكن علماء الجزائر من قراءة الإمام نافع أنه لم يكن يسمح في بلاد زواوة –زمن الاحتلال- بالتّصدر لتعليم القرآن الكريم لمن لم يتقن قراءة نافع بطرقها العشرة رواية ودراية ـ كما أخبرنا بذلك فضيلة الشيخ العلامة محمد الطاهر آيت علجت حفظه الله، إلا أن الاستعمار الفرنسي حارب هذه المدارس وقتل وشرد الطلبة والمعلمين، لذلك فإنه لم يبق اليوم في بلاد زواوة إلا النزر اليسير من الزوايا التي تهتم بالقراءات، ولعل أبرزها زاوية سيدي علي أويحيى بأعالي جبال جرجرة، الذي يسيرها فضيلة الشيخ سعيد قاضي.
ثالثا: طرائق التعليم القرآني بالجزائر
تختلف طرائق التعليم القرآني في الجزائر بين تقليدي وحديث، أما التقليدي فإنه السائد في الزوايا الشهيرة ومدارس الصحراء القرآنية، والطالب فيها يدْرُس القرآن الكريم بطريقة اللوح، ومن أهم مميزات هذه الطريقة أن المتلقي يستفيد من علم الرسم والضبط، من خلال حفظ منظومة الجكني، أو منظومة الخراز، كما هو الحال في بعض الزوايا، بالإضافة إلى الاهتمام بمتشابه القرآن، من خلال حفظ الأنصاص والحطيات، كنظم الدنفاسي لصاحبه الإمام محمد بن إبراهيم الدنفاسي رحمه الله، ومن أمثلة ما ذكره رحمه الله عن كلمة الرسول المضمومة في القرآن الكريم:
فصل ـ: الرّسولُ بضم اللام خمسة عشر
يا طالب الرّسول في القرآن
بالضم خمس عشر أتاني
ثلاثة في سورة الأعوان
ورابع في سورة العمران
وفي النساء خامس وسادس
لا يلتبس عليك منهم لابس
واثنان كائنان في العقود
في الحشر والفتح وفي الحديد
ويوسف والحج والفرقان
وسورة التوبة خذ بيان
ثم إن الطالب بعد إتمامه حفظ القرآن الكريم يتوجه إلى حفظ بعض متون التجويد كالدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع، ولكن ما ينقص أصحاب هذه المدارس هو العناية بتطبيق أحكام التجويد النظرية.
أما المدارس الحديثة فانتشارها في الحواضر والمدن الكبرى، وطريقة التدريس فيها تعتمد على التحفيظ من المصاحف على غرار طريقة المشارقة، ومن أهم خصائص هذه الطريقة الاهتمام بالتجويد والأداء، فأول ما يبتدأ به الطالب فيها إتقان جزء عم تجويدا وحفظا، ثم ينتقل إلى حفظ القرآن الكريم، كما هو الحال في مدرستي البيان بوادي سوف وعبد الحميد بن باديس بقسنطينة، وهاتان المدرستان من أشهر وأنجح نماذج هذا النوع من الطرائق، إلا أن الطالب فيها يحرم من تعلم رسم المصحف وضبطه.
وقد اجتهدت الوزارة الوصية من خلال لجنة صياغة المناهج في استحداث منهج يجمع بين التقليدي والحديث، وعممت برنامجا يراعي حال المتمدرسين في المدارس الحكومية النظامية، والمتفرغين، بل وأضافت إلى التعليم القرآني بعض العلوم الأخرى ليكون تكوين الطلبة متكاملا، وليؤهل المتخرج من هذه المدارس لدخول معاهد تكوين الأئمة المنتشرة عبر تراب الجزائر، وقد ارتأيت أن أنقل هنا نموذجا من هذا البرنامج المقترح، وهو كالآتي:
تقرير لجنة المناهج
المادة الأولى: يهدف هذا التقرير إلى تنظيم مستويات وأطوار التعليم القرآني وتحديد المناهج الدراسية المقررة.
المادة 2: يتنوع التعليم في المدارس القرآنية حسب المرسوم ..... إلى المستويات التالية:
1. مستوى ما قبل التمدرس.
2. مستوى المتمدرسين.
3. مستوى الكبار والعمال والموظفين.
4. مستوى المتفرغين.
المادة 3: تنظم المناهج التربوية في مستوى ما قبل التمدرس كما يلي:
مستوى الروضة: يكتفى فيها بتعليم الأولاد بعض مبادئ الأخلاق الحسنة، والألعاب التربوية، وعلى المدرسة الروضة أن تقترح برنامجها على مصالح وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
المستوى التحضيري: تكون الدراسة فيها مقسمة إلى فترتين:
فترة صباحية مخصصة للنشاطات التربوية التعليمية.
فترة ومسائية مخصصة للأشغال اليدوية والمراجعة والكتابة.
ويعتمد خلالهما النشاطات التربوية التالية:
حفظ قصار السور.
حفظ بعض الأحاديث النبوية الشريفة.
تلقين بعض الأدعية والأذكار المأثورة وبعض بعض الآداب.
تعليم مبادئ الخط والحساب.
النشاطات الإضافية.
المادة 4: تنظم المناهج التربوية في مستوى المتمدرسين، كما يلي:
المستويات الدراسية
المستويات
العمر المتوقع
الحصة المقررة من القرآن
الأول
6إلى 9 سنوات
حفظ 5 أحزاب سنويا.
الثاني
10إلى12 سنوات
حفظ 5 أحزاب سنويا.
الثالث
13إلى16 سنوات
حفظ 10 أحزاب سنويا.
الرابع
17إلى20 سنوات
حفظ 10 أحزاب سنويا.
الخامس
21 فأكثر
حفظ 10 أحزاب سنويا.
يراعى في تشكيل الأفواج تقارب السن.
الانتقال من مستوى إلى مستوى أعلى
يتم الانتقال من طور لآخر بعد استظهار الطالب للحصة المقررة من القرآن الكريم، ليس بحسب السن فقط.
* ينبغي مراعاة الفروق الفردية، بحيث ينتقل التلميذ من طور إلى آخر إذا أكمل الحصة المقررة من القرآن الكريم قبل بقية زملائه، وتمنح له شهادة حفظ الحصة المقررة في كل مستوى.
أوقات الدراسة
خلال السنة الدراسية
ساعتان في الأسبوع على الأقل لكل مستوى.
خلال عطلتي الخريف والربيع
ساعتان يوميا خلال الأسبوع الأول أو الثاني على الاختيار.
خلال العطلة الصيفية
ساعتان يوميا خلال شهر على الاختيار
* تنظم مدارس قرآنية صيفية، يقرر فيها حفظ 5 أحزاب على الأقل، مع اعتماد بعض النشاطات الترفيهية، وتكريم الحفظة الذين استظهروا الحصة المقررة عليهم.
المواد الإضافية
بالنسبة للمستويين الأول الثاني يركز على تحفيظ القرآن الكريم فقط، مع مراعاة أحكام التجويد بصفة عملية.
بالنسبة لبقية الأطوار تضاف حصة لدراسة أحكام التجويد برواية ورش عن نافع، من كتاب بسيط ميسر تقرره إدارة المدرسة بالتنسيق مع مصالح وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
المادة 5: تنظم المناهج التربوية في مستوى الكبار والعمال والموظفين، كما يلي:
المستويات الدراسية
يراعى في تفويج الطلبة الفروق الفردية وفق مستوياتهم العلمية والفكرية:
المستوى الأول
للأميين الذين لم يسعفهم الحظ في التعليم ومن هم في مستواهم
المستوى الثاني
لمن تلقوا مستوى تعليميا متوسطا.
المستوى الثالث
لمن تلقوا مستوى تعليميا عاليا.
نظام الدراسة
يركز على حفظ القرآن الكريم أساسا.
يحدد الحجم الساعي للحفظ بساعتين أسبوعيا كحد أدنى، ويمكن الزيادة حسب الظروف والإمكانات المتاحة.
يمكن إدراج بعض المواد في علوم الشريعة وخاصة أحكام التجويد والفقه المالكي حسب الاحتياجات والإمكانيات.
المادة 5: تنظم المناهج التربوية في مستوى المتفرغين، كما يلي:
مدة الدراسة
تحدد مدة الدراسة في المدارس القرآنية بـ 6 سنوات، في ثلاث مستويات، لتسنى للطالب حفظ القرآن الكريم كله، وتحصيل قدر معتبر من علوم الشريعة وبعض المواد الإضافية.
المواد الدراسية
حتى يحقق التكامل والتوزان ويمكن تحقيق الأهداف المتوخاة من التكوين في المدارس القرآنية، تم تحديد المواد التالية:
حفظ القرآن الكريم.
علوم القرآن.
التفسير.
أحكام التجويد
علوم الحديث.
الحديث التحليلي.
العقيدة الإسلامية
الفقه الإسلامي: عبادات ومعاملات.
السيرة النبوية.
التاريخ والجغرافيا.
اللغة العربية.
الرياضيات.
اللغة الفرنسية.
اللغة الإنجليزية.
تقسم هذه المواد على السنوات الست، ولا تتجاوز 8 مقررات في السنة الواحدة عدا حفظ القرآن الكريم، وفق حجم ساعي يتناسب مع حكم المقرر.
توزيع المواد على السنوات
السنة الأولى
حفظ القرآن الكريم
3 ساعات يوميا
العقيدة
ساعة أسبوعيا
الفقه
ساعتان أسبوعيا
السيرة النبوية
ساعتان أسبوعيا
اللغة العربية
ساعتان أسبوعيا
التاريخ
ساعة أسبوعيا.
اللغة الفرنسية
ساعة أسبوعيا
اللغة الإنجليزية
ساعة أسبوعيا
السنة الثانية
حفظ القرآن الكريم
3 ساعات يوميا
الفقه
ساعتان أسبوعيا
علوم القرآن
ساعة أسبوعيا
أحكام التجويد
ساعتان أسبوعيا
اللغة العربية
ساعتان أسبوعيا
التاريخ
ساعة أسبوعيا.
الرياضيات
ساعة أسبوعيا.
اللغة الفرنسية
ساعة أسبوعيا
اللغة الإنجليزية
ساعة أسبوعيا
السنة الثالثة
حفظ القرآن الكريم
3 ساعات يوميا
الفقه
ساعتان أسبوعيا
أحكام التجويد
ساعتان أسبوعيا
التفسير
ساعة أسبوعيا
اللغة العربية
ساعتان أسبوعيا
الرياضيات
ساعة أسبوعيا.
التاريخ
ساعة أسبوعيا.
اللغة الفرنسية
ساعة أسبوعيا
اللغة الإنجليزية
ساعة أسبوعيا
السنة الرابعة
حفظ القرآن الكريم
3 ساعات يوميا
الفقه
ساعتان أسبوعيا
اللغة العربية
ساعتان أسبوعيا
علم الحديث
ساعة أسبوعيا
تفسير
ساعة أسبوعيا
تاريخ وجغرافيا
ساعة أسبوعيا.
رياضيات
ساعة أسبوعيا.
اللغة الفرنسية
ساعتان أسبوعيا
اللغة الإنجليزية
ساعة أسبوعيا
السنة الرابعة
حفظ القرآن الكريم
3 ساعات يوميا
الفقه
ساعتان أسبوعيا
اللغة العربية
ساعتان أسبوعيا
علم الحديث
ساعة أسبوعيا
تفسير
ساعة أسبوعيا
تاريخ وجغرافيا
ساعة أسبوعيا.
رياضيات
ساعة أسبوعيا.
اللغة الفرنسية
ساعتان أسبوعيا
اللغة الإنجليزية
ساعة أسبوعيا
السنة الخامسة
حفظ القرآن الكريم
3 ساعات يوميا
الفقه
ساعتان أسبوعيا
اللغة العربية
ساعتان أسبوعيا
الحديث التحليلي
ساعة أسبوعيا
أصول الفقه
ساعة أسبوعيا
تاريخ وجغرافيا
ساعة أسبوعيا.
رياضيات
ساعة أسبوعيا.
اللغة الفرنسية
ساعتان أسبوعيا
اللغة الإنجليزية
ساعة أسبوعيا
السنة السادسة
حفظ القرآن الكريم
3 ساعات يوميا
فقه المواريث
ساعتان أسبوعيا
اللغة العربية
ساعتان أسبوعيا
أصول الفقه
ساعتان أسبوعيا
تاريخ وجغرافيا
ساعة أسبوعيا.
رياضيات
ساعة أسبوعيا.
اللغة الفرنسية
ساعتان أسبوعيا
اللغة الإنجليزية
ساعة أسبوعيا
أحكام إضافية
تتم الدراسة من يوم السبت إلى الثلاثاء خلال السنوات كلها، ويخصص يوم الأربعاء للقرآن الكريم فقط حفظا ومراجعة وتكرارا ونحو ذلك.
يجب على الطالب أن يحفظ 10 أحزاب كل سنة، فإن لم يتمها أمكن له استدراكها خلال بداية السنة الدراسية الموالية، وإلا لم ينتقل إلى السنة الموالية.
الكتب المعتمدة
في انتظار إعداد مقررات تفصيلية يمكن الاعتماد على المراجع التالية:
الفقه
أسهل المسالك لمذهب الإمام مالك
العقيدة
العقائد الإسلامية للشيخ عبد الحميد بن باديس.
علوم القرآن
التبيان في علوم القرآن للصابوني، مباحث في علوم القرآن لمناع القطان
علم الحديث
شرح البيقونية، تيسير مصطح الحديث لمحمود الطحان
بقية المواد
يرجع فيها إلى مقررات وزارة التربية الوطنية

الخاتمة:
إن العناية بالقرآن الكريم ببلادنا ما تزال بخير -والحمد لله- بما سبق ذكره من معالم بارزة أدت دورها ولا تزال تحافظ على هذا الدستور الرباني؛ كالزوايا والكتاتيب والمدارس القرآنية، بل أعتقد أنها زادت في السنوات الأخيرة بفضل مظاهر أخرى كإنشاء المعاهد المتخصصة على غرار معهد القراءات بالعاصمة الذي يخرّج الإطارات الدينية المتخصصة، ثم إحداث المسابقات الوطنية والدولية لحفظ القرآن الكريم، حيث صار أبناء الجزائر وبناتها ينافسون باقي الدول الإسلامية على التصدر في إتقان القرآن الكريم تلاوة وحفظا وتفسيرا، مع المشاركة في لجان التحكيم في المسابقات الدولية في العالم الإسلامي، واستحداث لجنة وطنية لمراجعة المصاحف، وتسجيل مصاحف مسموعة برواية ورش عن نافع، ولا يمكن أن ننسى ما يؤديه الإعلام المرئي والمسموع من دور هام ومحوري في تحفيز الناشئة من خلال إنشاء قناة وإذاعة خاصتين بالقرآن الكريم، مع ما يقدم فيهما من برامج هادفة في تحفيظ وتعليم تلاوة كتاب الله تعالى، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
بحث : المصطلح عند المقرئين للدكتور عبد العلي المسؤول

بحث : المصطلح عند المقرئين للدكتور عبد العلي المسؤول

المؤتمر الدولي الأول
للمتخصصين في القراءات القرآنية
نواكشوط-موريتانيا
أيام 10-11-12 يونيو 2011
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الدكتور عبد العلي المسئول
أستاذ القرآن الكريم وعلومه
كلية الآداب سايس-جامعة سيدي محمد بن عبد الله-فاس –المغرب






عبد العلي المسئول
اسم المشارك:
مغربية
الجنسية:
جامعة سيدي محمد بن عبد الله كلية الآداب والعلوم الإنسانية فاس المغرب
مكان العمل:
[email protected]
البريد الإلكتروني:
211حي الراحة طريق عين الشقف فاس المغرب
العنوان البريدي:
21235618226
هاتف العمل:
21235605398
هاتف المنزل:
21264859516
الهاتف المحمول:
21235618253
الناسوخ (الفاكس):
المصطلح عند المقرئين
عنوان المشاركة:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصطلح عند المقرئين
أولا:نشأة المصطلح القرائي عند علماء القراءات
لقد ارتبطت مصطلحات علم القراءات بالقرآن الكريم، وارتبطت تلاوة القرآن حق التلاوة بالترتيل المأمور به في قوله عز وجل : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)1، وما الترتيل إلا تجويد للحروف ومعرفة بالوقوف كما أُثِر علي رضي الله عنه2.واستحب التغني بالقرآن وتحسين الصوت به، ففي الحديث : (مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِه)3.ترتيل وتجويد ووقوف وتغَنٍّ، مصطلحات لها صلة بأداء الأصوات، عرفت في زمن النبوة، ومنها ما عُرِفَ وعُرِّف في زمن الصحابة رضوان الله عليهم.كما عرفت العرب مصطلحات تتعلق بالجهاز الصوتي كالحنجرة الوارد ذكرها في قوله تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ)4، والحلقوم في قوله تعالى: (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)5، واللسان والشفتين في قوله تعالى : (وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ)6، وإن جهلوا وقتئذ تشريحها.
ولقد حرص الناس على صون الأصوات القرآنية عن اللحن، وبلغ الحرص أشده بعد مخالطة العرب العجم، حيث تغيرت ألسنتهم، ولانت عباراتهم، وفسدت ملكة اللسان، واضطرب كلام العرب، فخشي العلماء انغلاق الفهم للقرآن بسبب عجمة اللسان، واللحنَ في تلاوة القرآن، فوضعوا ميزانا يضبط به الكلام، ويروى أن أبا الأسود الدؤلي وهو من أهل القرآن ومن أعلم الناس باللسان كان أول من أسس العربية، وفتح بابها، وأنهج سبيلها، ووضع قياسها كما قال عنه ابن سلام7، وكان سبب ذلك سماعه لحنا في القرآن، حيث وُجِّه إليه رجل على مدرجته، وطلب إليه إذا مر أبو الأسود أن يقرأ شيئا من القرآن ويتعمد اللحن فيه، فلما مر الدؤلي رفع الرجل صوته وقرأ: (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرسُوله)8بجر اللام من (رسولهِ)، فاستعظم ذلك أبو الأسود وقال: عز وجه الله أن يبرأ من رسوله، ثم رجع من فوره وبدأ بإعراب القرآن9، وطلب رجلا لقِناً من عبد القيس، وقال له: "إذا رأيتني لفظت بالحرف فضممت شفتي فاجعل أمام الحرف نقطة، فإذا ضممت شفتي بغنة فاجعل نقطتين، فإذا رأيتني قد كسرت شفتي فاجعل أسفل الحرف نقطة، فإذا كسرت شفتي بغنة فاجعل نقطتين، فإذا رأيت قد فتحت شفتي فاجعل على الحرف نقطة، فإذا فتحت شفتي بغنة فاجعل نقطتين"10.
ولقد عرف هذا التقعيد للقوانين والوضع للمصطلحات –وبخاصة المصطلحات القرائية الصوتية- تطورا كبيرا على يد تلاميذ الدؤلي، واكتملت الصورة بعمل الخليل بن أحمد الفراهيدي وتأليفه معجم "العين" وتلميذه سيبويه وكتابه "الكتاب"، وبعدهما ابن حني في "سر صناعة الإعراب".وهؤلاء النفر الثلاثة لهم صلة وثيقة بالقرآن الكريم وقراءاته، فالخليل روى الحروف بنفسه عن عاصم بن أبي النَّجُود وعبد الله بن كثير11، وسيبويه روى الحروف عن عيسى بن عمر الثقفي مباشرة، وسمع الحروف بالواسطة عن أبي عمرو بن العلاء، وأما ابن جني فلا يُعَدُّ من المقرئين لكنه تتلمذ في النحو والتصريف واللغة على مقرئين من أمثال أبي علي الفارسي وأبي بكر محمد بن الحسن بن مِقسم، وله صلة وكيدة بالقراءات حيث إنه ألف كتابا في علل القراءات الشاذة سماه "المحتسب في توجيه شواذ القراءات والإيضاح عنها".وكل أولئك عدت أعمالهم من أهم ما وضع في علم الأصوات اللغوية وعلم الأصوات التشكيلي، وسميت في مصنفاتهم عدد من المصطلحات الصوتية. وجاء بعدهم المقرئون فنظروا فيما بسطه من تقدمهم، فاختاروا من ذلك مادتهم وأضافوا حتى استقام لهم علم تجويد القرآن، فنظم أبو مزاحم الخاقاني (325 هـ) رائية في القراء وحسن الأداء، وصنف مكي بن أبي طالب القيسي(437هـ) "الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة" زاعما أنه لم يسبق إلى تأليف ما ألف في صفات الحروف وألقابها ومعانيها، وألف أبو عمرو الداني (444هـ) "التحديد في الإتقان والتسديد في صنعة التجويد" وشَرَحَ رائية أبي مزاحم، وكتب ابن الجزري(833هـ) "التمهيد في علم التجويد" و"المقدمة الجزرية".وتعد مصنفات أهل التجويد من أهم مصادر المصطلحات الصوتية، لكونها اهتمت بالصوت القرآني الذي أمرنا بتجويده، وجُعِل الماهر بأداء أصوات القرآن مع السفرة.
ولقد وجد المصطلح القرائي كذلك مفروشا في كتب القراءات كـ"الإقناع في القراءات السبع"لابن الباذش و"النشر في القراءات العشر"لابن الجزري، و"لطائف الإشارات لفنون القراءات" للقسطلاني...، وأفردت مصنفات لمصطلحات القراءات والتجويد كان أغلبها من المصطلحات الصوتية، من ذلك "مرشد القارئ إلى تحقيق معالم المقارئ" لأبي الأصبغ، و"القواعد والإشارات في أصول القراءات" للحموي، و"الإضاءة في أصول القراءة"للشيخ الضباع، و"معجم المصطلحات في التجويد والقراءات" للدوسري، و"معجم مصطلحات علم القراءات القرآنية"لعبد العلي المسئول.بل إن المعاجم الاصطلاحية منها التي تحدثت عن عدد من المصطلحات الصوتية كـ"التعريفات" للجرجاني، و"الكليات" لأبي البقاء الكفوي، و"كشاف اصطلاحات الفنون" للتهانوي.

ثانيا:المقصود بالمصطلح القرائي
إذا كان علم القراءات القرآنية مرتبطا بكيفية النطق بألفاظ القرآن، اتفاقا واختلافا، مع عزو كلٍ لناقله، فإن مصطلحات هذا العلم هي :
1-مصطلحات صوتية:
-تتعلق بجهاز النطق كالرئتين والقصبة الهوائية والحَنْجرة والحلق واللهاة واللسان والشفتين والأسنان والخياشيم، إذ لا يمكن إماطة اللثام عن الأصوات بمعزل عن آليات إنتاجها وأماكن صدورها، وهذه المصطلحات هي لعلم التشريح أصالة، ولقد عقد أبو علي الحسين بن سينا الطبيب الجراح الفصل الثالث من رسالته "أسباب حدوث الحروف" لتشريح الحنجرة واللسان، مبينا أن الحنجرة مركبة من ثلاثة غضاريف، واللسان تحركه ثماني عضل12.
-مصطلحات تتعلق بمخارج الأصوات كالحلقية واللهوية والشجرية والأسلية واللثوية والذلقية والشفوية والهوائية، وهي مصطلحات ذكرها الخليل في مقدمة "العين"، حيث سمى الأصوات العربية بأسماء مشتقة من المخارج، ونسب إليه جعل المخارج سبعة عشر13، وتبعه في ذلك عُظْم أهل القراءات والتجويد، وجعلها سيبويه ستة عشر مخرجا بإسقاطه مخرج الجوف14، وعدها قطرب والجرمي أربعة عشر، حيث جعلوا النون والراء واللام من مخرج واحد15.
-مصطلحات تتعلق بصفات الأصوات الأصلية : وهي مجموع الصفات التي لها ضد والتي لا ضد لها، وهي الهمس والجهر، والشدة والرخاوة، والبينية، والاستعلاء والاستفال، والإطباق والانفتاح، والإذلاق والإصمات والصفير، والقلقلة، واللين، والتكرير، والانحراف، والتفشي، والاستطالة، والخفاء، والغنة16.
-مصطلحات تتعلق بصفات الأصوات العرضية : وهي صفات تعرض للصوت بحسب مجاورته لأصوات أخرى، وبحسب حركاته، وهي الإظهار والإدغام والقلب والإخفاء والتفخيم والترقيق والمد والقصر والتحريك والسكون والسكت17.
-مصطلحات تتعلق بالكيفيات التي يقرأ بها القرآن، كانت مقبولة مندوبا إليها كالترتيل والتحقيق والتدوير والحدر والزمزمة، أو معيبة منهيا عنها كالترقيص والترعيد والتشديد والتمديغ.
-مصطلحات تتعلق بلغات مرذولة ينبغي تجنبها في تلاوة القرآن كالطمطمانية والكشكشة واللخلخانية.
-مصطلحات تتعلق بعيوب النطق كالتلتلة والتهتهة والحكلة والحبسة والطحر والفأفأة والفهاهة.
وإنما جعلت هذه المصطلحات صوتية وإن كان منها المأبي لكونها لها صلة بأداء القرآن، ولأنها ذكرت في مصنفات أهل القراءة والتجويد.

2-مصطلحات تتعلق بالرواية والأسانيد
كالقراءة والرواية والإسناد والإجازة والمصافحة...، ذلك أن القراءة سنة متبعة ونقل محض. ونظرا لتعلقها بالقرآن الكريم فإن المقرئين اشترطوا في القراءة المقبولة صحة السند واشتهارها وتلقيها بالقبول، واشترطوا في الناقل للقراءات شروطا، وتحدثوا عن رجال القراءات تعديلا وتجريحا، وصنفوا كتبا في طبقاتهم، ولعلهم استفادوا من مناهج المحدثين في ضبط المرويات، وأحسب أنهم استصحبوا عددا من مصطلحاتهم...

3-مصطلحات تتعلق بألقاب المقرئين
كالقارئ والمقرئ والإمام، والمكي والمدني والبصري والشامي، والأخوين والشيخين والعربيَّين والحرميين والنحويين والأبويْن، والعراقييِّن والكوفيين، والأصحاب والعامة...

4-مصطلحات تتعلق باستثمار القراءات القرآنية
كمصطلح التوجيه والاحتجاج والاختيار والقياس والتحريرات...

ثالثا:إشكالات المصطلح القرائي
إن المصطلح القرائي مثله مثل باقي مصطلحات العلوم، يعرف إشكالات مصطلحية كمشكل الترادف، والاشتراك اللفظي، وغموض مفاهيم بعض المصطلحات، بيد أن المشكلة لم تصل إلى حد الاضطراب كما هو حاصل في مصطلحات بعض العلوم كالدراسات اللسانية الحديثة، يقول أحمد قدور : "لقد صار من غير الممكن تجاهل المشكلة المصطلحية التي تعصف بالدرس اللساني عندنا، والتي بات من الضروري التصدي لها بالدرس والاقتراح ثم بالاتفاق على التنميط والتوحيد"18. وهذا يستدعي استفراغ الوسع لتجاوز الإشكالات المصطلحية في الدرس الصوتي التجويدي.
1-العلاقات الدلالية للمصطلح القرائي
إن عددا من مصطلحات علم القراءات يرتبط بعضها ببعض بعلاقات دلالية متنوعة كالتباين والترادف والاشتراك.
أ-التباين
وفيه يكون الدال قد قابله مدلول واحد، وهذا التباين يكون كليا وجزئيا.
-التباين الكلي
ويندرج ضمنه التضاد، وله معنيان:
الأول:أن يكون للدال الواحد معنيان متضادان مثل مصطلح "الإرسال" الذي هو تحريك ياء الإضافة بالفتح، وهو اصطلاح قديم19، والمتأخرون يعبرون عن ذلك بالفتح20، لكن من المصنفين من يستعمل الإرسال مع ياءات الإضافة مرادا به عكس ما ذكر، أي يريدون به إسكان هذه الياء21.قال الفراء:"وأما نصب الياء من (نعمتي) فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان: الإرسال والسكون، والفتح"22.وقال الأزهري : "قرأ حمزة وحفص عن عاصم (عهدي الظالمين) بإرسال الياء"23 أي بإسكانها.وقال أبو بكر بن مهران : "فتح الياءات وإرسالها: قرأ حمزة (قل إنما حرم ربي الفواحش) مرسلة الياء، والباقون بفتحها"24 أي ساكنة الياء. وقال ابن أبي مريم : "(ومحيايْ) بإسكان الياء مرسلا، قرأها نافع وحده"25. واستحسن الحموي مصطلح الإرسال للدلالة على تحريك ياء الإضافة من مصطلح الفتح، قال : "الإرسال هو تحريك ياء الإضافة بالفتح، وعبر المتأخرون عنه بالفتح، والأول أجود؛ لاستغناء المعبر به عن التنصيص على محل الفتح، إذ التعبير بالإرسال يخصصه بياء الإضافة عرفا"26.وهذا الكلام من الحموي يقبل لو لم يستعمل المصطلح بالمعنى ونقيضه عند المقرئين، وأحسب أن السبيل لإزالة اللبس هو ما انتحاه المتأخرون حينما عبروا عن تحريك ياء الإضافة بالفتح، وما ركن إليه المتقدمون حينما أطلقوا على إسكان هذه الياء إرسالا، والله تعالى أعلم.
الثاني : وجود كلمتين مختلفتين في اللفظ متضادتين في المعنى مثل : "الاستعلاء" و"الاستفال"، و"التفخيم" و"الترقيق"، و"الجهر" و"الهمس"، و"التخفيف" و"التثقيل"، و"الحذف" و"الإثبات"...وهو ما يسمى بالتخالف أو التعاكس.
فقد يذكر المصطلح ونقيضه ويستعملان في باب واحد كمصطلح "الترقيق" الذي هو "نحول يعتري الحرف فيجعله نحيفا"، ومصطلح "التفخيم" الذي هـو "عبارة عن ربو الحرف وتسمينه"، وكلاهما من مصطلحات باب الراءات واللامات.
-التباين الجزئي
حيث يكون الرابط الدلالي بين مصطلحين:
-هو العموم والخصوص بإطلاق مثل مصطلح "التتميم" و"التثقيل"، فهما يجتمعان في رد الصلة إلى ميمات الجمع، ويزيد التثقيل عن التتميم برد الصلات إلى الهاءات وبالتشديد وبتحريك الحرف بالضم وإسكان ياء الإضافة27، وكمصطلح القراءات والتجويد، "فالقراءات علم بكيفية النطق بألفاظ القرآن، اتفاقا واختلافا، مع عزو كلٍ لناقله"، والعلم بكيفية النطق بألفاظ القرآن الكريم هو المسمى عند أهل القراءة بالتجويد، فهو جزء من علم القراءات.
-هو العموم والخصوص من وجه، حيث يجتمع شيئان في أمر وينفرد كل واحد بأمور أخرى، مثل "الفتح" و"الإمالة" بينهما عموم وخصوص، كل ممال يجوز فتحه، وليس كل مفتوح تجوز إمالته28. ومثل "الروم" و"الاختلاس" بينهما عموم وخصوص، فالاختلاس يكون في الحركات الثلاث والثابت فيه من الحركة أكثر من المحذوف، والروم أخص، وكمصطلح القراءة والتلاوة والأداء، فالأداء قراءة القرآن ورواياته على المشايخ بعد الأخذ عنهم، والتلاوة هي القراءة المتتابعة للقرآن29، والقراءة "ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل"30.فالقراءة على هذا تطلق على التلاوة والأداء، فهي أعم منهما31، إذ التلاوة المتتابعة للقرآن هي قراءة، وأداء القرآن على الشيوخ بعد الأخذ عنهم يعد قراءة عليهم.

ب-الترادف
ومعناه تعدد الدوال المتواردة على مدلول واحد، ومهما يكن الخلاف بين العلماء في وقوع الترادف في اللغة مطلقا من لغة واحدة ومن لغتين، أو منع وقوعه مطلقا، أو وقوعه في اللغة لا في الأسماء الشرعية، فإنه خلاف الأصل، إذ الأصل أن يكون للدال الواحد مدلول واحد، ولذلك ذهبوا إلى أن اللفظ إذا دار بين كونه مترادفا أو متباينا، فحمله على المتباين أولى؛ "لأن القصد الإفهام، فمتى حصل بالواحد لم يحتج إلى الأكثر، لئلا يلزم تعريف المعرف، ولأنه يوجب المشقة في حفظ تلك الألفاظ"32.
ثم إن القائلين بوقوع الترادف ذهبوا إلى أن من فوائده التوسعة على الشاعر والناثر في التعبير عن المراد، وعدوا ذلك من قبيل الافتنان، بيد أن هذا المنحى غير حاصل في الاصطلاح القرائي، حيث لا توسع ولا افتنان، بل إن هذا واقع في لغة العرب، لكن في الدلالة الاصطلاحية الخاصة ينبغي تَحاميه ما أمكن، أمنا للبس، وضبطا للاصطلاح.
ولعل من أسباب وجود المترادفات في علم القراءات والتجويد:
أ-كونها من واضعين أو أكثر، فالمد الذي لا تقوم ذات حرف المد دونه مثلا سماه الداني طبيعيا ومقصورا، وأطلق عليه أبو الأصبغ المد الأصلي والصيغة، وسماه ابن الجزري قصرا، وفشت هذه المصطلحات بين المتخصصين، وتداولتها الألسنة.وهذه الاصطلاحات نابعة عن نظرة كل لهذه الظاهرة الصوتية، فالذي سماه طبيعيا نظر إلى أن حروف المد ينبغي الإتيان بها على طبعها دون تكلف، والذي سماه أصليا نظر إلى أن ذات حروف المد لا تقوم إلا به، وهكذا يقال في القصر والمقصور والصيغة33.والظاهر أن هذه المصطلحات المذكورة هي من قبيل الألفاظ الدالة على شيء واحد باعتبارات متعددة، بحيث يجعلها ناس من قبيل المتباينات.
ب-التغير الصوتي المولد صورا عديدة لكلمة واحدة كالحرف المهتوت والمهتوف، والحروف الصُّتم والصُّم.
ج-القلب المكاني كالقلقلة واللقلقة.
د-التذكير والتأنيث كالمط والمطة، والسكت والسكتة.
إن الترادف في هذا العلم ليس على مستوى واحد، فقد يكون تاما بحيث يصح إطلاق كل واحد من المترادفين على الآخر في حال الإفراد والتركيب، بحيث إذا صح النطق بأحدهما في تركيب يلزم أن يصح النطق فيه بالآخر، فالاستئناف والائتناف والابتداء في اللغة والاصطلاح مترادفات ترادفا تاما34.
وقد يكون هذا الترادف ناقصا، حيث تتقارب دلالات المترادفات بسبب وجود تشابه بين المدلولات، فالقطع والوقف مثلا يشتركان في مدلولات وينفرد كل واحد منهما على الآخر بمعان لا يدل عليها الأول، فترادفهما ناقص، وعلاقتهما قريبة من علاقة العموم والخصوص من وجه35.
وقد يقال بترادف مصطلحين في باب، ويفرق بينهما في باب آخر، مثل الاختلاس والإخفاء، فهما مترادفان في باب الحركات، حيث إنهما يدلان معا على إخفاء الحركة، لكن في باب هاء الكناية حينما تترك الصلة يسمى هذا اختلاسا لا إخفاء، وحين تلتقي النون الساكنة مع الحروف الخمسة عشر المخفاة يسمى هذا إخفاء لا اختلاسا.
ج-الاشتراك اللفظي
ويقصد به اللفظ الدال على معنيين مختلفين أو أكثر دلالة على السواء36، ومن أسبابه أن المصطلح في وضعه اللغوي يحتمل معنيين أو أكثر، فالإدراج مثلا في اللغة هو الطي، وهو صادق على مدلولي الإسراع في القراءة والوصل الذي هو ضد السكت أو الوقف37.
وقد يكون اللفظ حقيقة في معنى، ثم يشتهر استعماله مجازا في معنى آخر، وينسى التجوز بطول الزمن، فإخفاء الحركة وجعلها بين الإسكان والتحريك في (تأمنا) يسمى إشماما، لكنه إشمام مجازي؛ لأنه إخفاء للحركة مع الإدغام الناقص؛ ولأن الإشمام الحقيقي لا يكون إلا مع الإدغام التام مع ضم الشفتين مقترنا لسكون الحرف. واللفظ إذا إذَا دَارَ بَيْنَ كَوْنِهِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، مَعَ الاحْتِمَالِ يحمل على الحقيقة لأنها الأصل، وَلا يصار إلى المجاز إلا بقرينة، إذ الْمَجَازُ خِلافُ الأَصْلِ.
وقد يتحد اللفظ مع تعدد المعنى كمصطلح الترقيق الذي يراد به : "نحول يدخل على الحرف فيملأ صداه الفم ولا يغلقه"38، وهو ضد التفخيم، وقد يكون عبارة عن الفتح المتوسط39، ويراد به كذلك "بين اللفظين"، وقد يعبر عن ترقيق الراء بـ(بين اللفظين)40.
وقد يستعمل المصطلح القرائي الواحد في أبواب متعددة من أبواب هذا العلم بمعان مختلفة، فالتخفيف مثلا يطلق في باب هاء الكناية ويراد به حذف الصلة، وفي باب الهمز ويراد به التسهيل، وفي باب الإدغام ويراد به فك الحرف المشدد القائم على مثلين، وفي باب الحركات يراد به إسكان الحرف عوضا عن تحريكه، وفي باب ياءات الإضافة يقصد به فتح هذه الياء41.والإشباع يطلق في باب هاء الكناية ويراد به إثبات الصلة، وفي باب الحركات ويراد به الإتيان بالحركة كاملة، وفي باب المد والقصر ويراد به تضعيف الصيغة وتطويل الصوت42.
والذي يحدد المعنى المراد من المشترك هي القرائن التي تصرفه إلى أحد معانيه.
2-تداول المصطلحات القرائية
إن مصطلحات علم القراءات القرآنية ليست على مستوى واحد من حيث شيوعها وذيوعها واستعمال الناس لها، فمنها الذي كان شائعا ذائعا في أزمنة وقل شيوعه في أزمنة أخرى، فـ"الفَغْر" مثلا الذي هو بمعنى الفتح المقابل للإمالة، و"البطح" و"الإضجاع" اللذان يراد بهما الإمالة الكبرى هي مصطلحات قديمة استعملت عند ناس، لكن جمهرة المقرئين يستعملون كثيرا الفتح والإمالة، ولعل السبب في ذلك هو سهولة النطق بهذين اللفظين وحزونته مع الفغر والبطح والإضجاع، والنفس أميل إلى المصطلح السهل اليسير، وأبعد عن اللفظ المتوعر العسير. قال الجاحظ "ما رأيت أمثل طريقة من هؤلاء الكتاب فإنهم التمسوا من الألفاظ ما لم يكن متوعرا حوشيا، ولا ساقطا سوقيا"43. وذكر ابن الأثير في المثل السائر أن أرباب النظم والنثر "غربلوا اللغة باعتبار ألفاظها، وسبروا وقسموا؛ فاختاروا الحسن من الألفاظ فاستعملوه، ونفوا القبيح منها فلم يستعملوه؛ فحسن الألفاظ سبب استعمالها دون غيرها، واستعمالها دون غيرها سبب ظهورها وبيانها. فالفصيح إذا من الألفاظ هو الحسن"44.
وقد يكون المصطلح شائعا في بلد ومرادفه ذائع في بلد آخر، كالتقليل الذي يراد به الإمالة الصغرى45، فهذا المصطلح يكثر دورانه على ألسنة المقرئين في الشام والحجاز ومصر، بينما نجد مقرئي المغاربة يطلقون على هذه الظاهرة الإمالة، يريدون بها بين اللفظين أي التقليل، إذ رواية ورش من طريق الأزرق التي يقرأ بها عُظْم المغاربة كل إمالتها صغرى ما عدا الهاء من (طه) فإن له فيها إمالة كبرى.
3-العدول عن مصطلحات صوتية قديمة إلى مصطلحات جديدة
إن مما تعانيه قضية الاصطلاح تجاوزها لمصطلحات قديمة دون مسوغ، ووضعها لمصطلحات جديدة قد تكون مساوية في المدلول للاصطلاح القديم أو أقل دلالة على المراد، وهذا ما يؤدي إلى فوضى في الاصطلاح.نعم إنه لا مشاحة في الاصطلاح بعد فهم المعاني، لكن "الأولى في الاصطلاحات النزول على عادة من سبق من النظار"46.وقد قالوا:"يترك القديم على قدمه ما كان صالحا، وعدم العدول عنه إلا لمسوغ"47، ومن قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة:"تفضل الاصطلاحات العربية القديمة على الجديدة إلا إذا شاعت"48
فمن ذلك مثلا أن علماء العربية والقراءات قسموا الأصوات إلى شديد ورخو ومتوسط، والمحدَثون سموا الشديد بالانفجاري أو الوقفي أو الانحباسي أو المنغلق أو الانسدادي أو الآني أو اللحظي49، والرخو بالاحتكاكي، والمتوسط بالمائع، وإن اختلفوا في وصف بعض الأصوات بهذه الصفات، فالجيم عند علماء التجويد شديدة، وعند المحدثين صوت مركب أو معطش أو متراخ، والضاد عند المجودين رخو وعند المحدثين انفجاري، والعين صوت متوسط في الدراسات العربية وعند المحدثين احتكاكي50، ووصف المقرئون الراء واللام بالانحراف، وفي الدرس الحديث سموه الجانبي، وإن قصروا هذا الوصف على اللام فقط51
إن اختيار مصطلح ما على آخر ينبغي أن يخضع لمعايير علمية، من ذلك كونه متداولا بين أهل ذلك العلم، مشتهرا على ألسنتهم، وخلوصه من تنافر حروفه، فيكون أسهل من غيره في النطق، ولبينونته ودلالته على المعنى أكثر من غيره، ولقرب دلالته اللغوية أكثر من دلالته الاصطلاحية، ولأصالته بوروده في القرآن أو الحديث أو كلام العرب الموثوق بعربيتهم.
فمتى كان أحد المصطلحين له فضل ميزة على الآخر اخترناه كان قديما أو جديدا، بغية الوصول إلى توحيد المصطلح وضبطه.
4-وضوح مفهوم المصطلح القرائي وخفاؤه
إن مفاهيم المصطلحات القرائية ليست على مستوى واحد من الوضوح والخفاء، فمنها الواضح البين، ومنها الغامض الخفي، من ذلك مفهوم الصوت المجهور عند سيبويه، فإنه يكاد يجمع الدارسون للأصوات العربية على أن تعريف سيبويه للمجهور بأنه : " حرفٌ أشبع الاعتماد في موضعه ومنع النفس أن يجري معه حتى ينقضي الاعتماد عليه ويجري الصوت"52 ضارب في الغموض. وإن تعجب فعجب استصحاب الدراسات اللغوية والتجويدية تعريف سيبويه وتقديمه على غيره على ما هو عليه مما وصفت53، ولعل سبب ذلك هو مكانة سيبويه في العربية، وهيبة كتابه الذي عد "قرآن النحو".فهذا مكي القيسي من متقدمي علماء التجويد يقول عن الصوت المجهور: إنه "حرف قوي يمنع النفس أن يجري معه عند النطق به لقوته وقوة الاعتماد عليه في موضع خروجه"54
وأما الدرس الصوتي الحديث فإنه يضبط الصوت المجهور بكون الوترين الصوتيين يهتزان معه، وهو وصف موافق لما قاله المبرد عن الأصوات المجهورة بأنها "إذا رددتها ارتدع الصوت فيها"55.
إن الحكمة تقضي الاستعانة بعلوم العصر لضبط الأداء القرآني، ومن ثم فلا حرج في أخذ تعريف لمصطلح أصيل أو وصف له مما كشفت عنه الدراسات الحديثة، إذ القصد هو الإبانة والإفهام، وهذا ينبغي حصوله بكلام من تقدم ومن تأخر، وفضل الله تعالى لا يحجر، بل إن الدرس التجويدي ينبغي له نهج سبيل التوضيح والتيسير في العبارة بدل ركونه إلى مفهومات غامضة، وبهذا يتجدد علم القراءات الذي ظل محافظا على مصطلحاته ومفاهيمه، وكأن لها قدسية النص الخادمة له.

رابعا : توحيد المصطلحات
إن كل أمر يفضي إلى توحيد الأمة ينبغي السعي إليه وتزكيته والعض عليه بالنواجذ، كان ذلك في المنهج أو التصور أو الاصطلاح...، وهذا لا يعني أن يجعل الناس نسخة واحدة، فالاختلاف في الوسائل والإرادات والفهوم أمر مقبول ؛ لأنه من الاختلاف الطبيعي أو العقلي أو الشرعي.
إن الاصطلاح معناه عند العلماء هو : "اتفاق طائفة على وضع اللفظ بإزاء المعنى"56 أو هو "لفظ معين بين قوم معينين"57، فهو تواطؤ واتفاق بين متخصصين في علم مّا على وضع دال أو رمز لمفهوم، وهذا يقتضي اجتماع أهل الفنون والعلوم لإقرار عدد من المصطلحات الخادمة للعلم، الدالة بقوة على المفاهيم، وابتكار أخرى بعد التواضع عليها، فالقراءات القرآنية مثلا من حيث مروياتها هي محصورة، لكن استثمار هذه المرويات ودراستها، وبخاصة في جانبها الفونولوجي يحتاج إلى ابتكار مصطلحات من قبل شخص أو أكثر، ثم عرضها على المتخصصين للتصديق عليها، ثم نشرها بين أهلها، وجعلها متداولة بينهم بالدرس والتأليف

خامسا:دراسة مقارنة للمصطلحات الصوتية الأربعة: الاختلاس والإخفاء والإشمام والروم
1-الاختلاس
في اللغة : الاستلاب والاختطاف والالتماع58، وأما في الاصطلاح فله معنيان:
الأول: إخفاء الحركة59 أي الصائت القصير، وحقيقة النطق بالحركة المختلسة أن يسرع القارئ اللفظ بها "إسراعا يظن السامع أن حركته قد ذهبت من اللفظ لشدة الإسراع، وهي كاملة في الوزن تامة في الحقيقة، إلا أنها لم تمطط، ولا تُرُسِّل بها فخفي إشباعها، ولم يتبين تحقيقها"60، فهو ضد الإشباع، قال سيبويه :"وأما الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاسا، وذلك قولك : يضربها ومن مأمنك، يسرعون اللفظَ"61، وقال الأزهري عن راء (أرِنا) : "وقراءة أبي عمرو بالكسرة المختلسة جيدة"62.وقال الداني :
والاختلاسُ حُكمهُ الإِسْرَاعُ بالحركاتِ كُلُّ ذَا إِجْمَاعُ63
ويكون ما يترك من الحركة أقل مما يأتي به.وهو بهذا المعنى يرادف الاختطاف.
وربما أطلق القراء على الاختلاس إخفاءً؛ أي إخفاء الحركات وهو نقصان تمطيطها. قال ابن الجزري : "والاختلاس والإخفاء عندهم واحد، ولذلك عبروا بكل منهما عن الآخر كما ذكروا في : (أرنا ) و(نِعمَّا) و(يَهدِّي) و(يَخصِّمُونَ)"64 ؛ ولأن الاختلاس " إخفاء عن الحركة بالنسبة إلى كمالها"65.
فهو إذن إخفاء للصائت وإضعافه وتقصير لمدة نطقه66، وهو ضد إشباعه الذي يراد به هنا الإتيان بالصائت (الحركة) كاملا.
الثاني: ترك الصلة، حيث يطلق الاختلاس في باب "هاء الكناية" على عدم الصلة بواو أو ياء مديتين، لكون حركتها لم تمطط فيولد عنها حرف مد، قال الأزهري : "قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم ( ) بياء في اللفظ، وقرأ الباقون (فيه مهانا) مختلسا"67.ويسمى إثبات الصلة مع الهاء بالمد والإشباع نحو : (عندهُ و أجر) و(على غيبهِ  أحدا)، وحذفها بالقصر والاختلاس نحو : (فيهِ القرآن) و(منهُ الوتين).قال الطيبي :
وقد يعبرون عن ترك الصِّله للها بالاختلاس، وهْيَ مُكْمَلَهْ
تَمامُ تحريك لها، به يُــرى لأن وصلَها بـــذاك قدِّرا68
وترك الصلة هنا يعني عدم تمطيط الصائت القصير، فيولد عنه حرف مد، وهو ضد الإشباع الذي يراد به هنا تمطيط الصائت القصير حتى يضحى صائتا طويلا أي واوا أو ياء مديتين.
2-الإخفاء
والإخفاء في اللغة : الستر والكتم69، وفي الاصطلاح هو على نوعين : إخفاء الحركة وإخفاء الحرف.
-إخفاء الحركة
هو إضعاف الصوت بها ونقصان تمطيطها، والتمطيط التطويل في صوتها. قال الداني:"إخفاء الحركة نقصان تمطيطها"70.
-إخفاء الحرف
هو نقصان الصوت به71، ويكون في النون الساكنة أو التنوين إذا سبقا أحرفا معلومة، ويسمى بالإخفاء الحقيقي، وفي الميم الساكنة وميم الجمع إذا كان بعدهما الباء، ويسمى بالإخفاء الشفوي.
فالإخفاء الحقيقي حال بين الإظهار والإدغام72 ، والمراد به هنا النطق بحرف ساكن خال مـن التشديد على صفة بين الإظهار والإدغام، مـع بقاء الغنة في الحرف الأول وهو النون الساكنة والتنوين73. وسمي هذا الإخفاء حقيقيا في النون الساكنة والتنوين؛ لأنه متحقق فيهما أكثر من غيرهما74.
وإخفاء النون الساكنة والتنوين يكون عند حروف الهجاء الخمسة عشر (ص ذ ث ك ج ش ق س د ط ز ف ت ض ظ)، المجموعة في أوائل هذا البيت:
صِفْ ذَا ثَنَا كَمْ جَادَ شَخْصٌ قَدْ سَمَا دُمْ طَيِّباً زِدْ فِي تُقًى ضَعْ ظَالِمَا75.
والنون الساكنة هي الصوت التي لا صائت يأتي بعدها يفصل بينها وبين الصامت التالي لها في كلمة أو في كلمتين، ولتجاور النون الساكنة بالصامت الموالي لها يحدث نوع من المماثلة الجزئية Partial assimilation، حيث يندمج النون في الصوت التالي لها من الأصوات الخمسة عشر وتفنى فيه، ولا يبقى منها سوى الغنة التي محلها الخيشوم76
والإخفاء الشفوي حال بين إظهار وإدغام ميم الجمع أو الميم الساكنة، ويكون هذا الإخفاء بغنة كاملة مع ميم الجمع أو الميم الساكنة إذا كانتا قبل الباء نحو : (عليهم بمصيطر) و(احكم بينهم) و(من يعتصم بالله).وسمي شفويا لخروج الميم والباء من الشفتين؛ و"لأن الميم الساكنة لا يتحقق الإخفاء عندها كتحققه في النون الساكنة والتنوين، لأن في الميم الساكنة تبعيضا للحرف وسترا لذاته، بخلاف النون الساكنة والتنوين فإن ذاتهما تكاد تكون معدومة، فلم يبق منهما إلا الغنة فقط"77.

3-الإشمام
في اللغة يدل على المقاربة والمداناة78.والإشمام في عرف القراء يطلق باعتبارات ستة :
الأول : "خلط حرف بحرف "79 كما ورد في لفظ (الصراط)، ذلك أن من القراء من أشم صوت الصاد زايا في (الصراط) و(صراط) و(أصدق) وبابه و(المصيطرون) و(مصيطر).وحقيقته أن يخلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي، ويكون في هذه الحالة صوت الصاد متغلبا على صوت الزاي80.
والثاني : "خلط حركة بحركة"81، في نحو (قيل) وأشباهها، فقد قرأ الكسائي وهشام ورويس : (قيل وغيض وجيء وحيل وسيق وسيء وسيئت) بإشمام الضم كسر أوائلهن، ووافقهم ابن ذكوان في: (حيل وسيق وسيء وسيئت)، ووافقهم المدنيان في (سيء وسيئت)، حيث حرك الفعل بحركة تامة مركبة من حركتين : ضم وكسر، جزء الضم وهو الأقل، ويليه جزء من الكسر وهو الأكثر82. قال أبو شامة بعد ذكره لهذا النوع من الإشمام : "والمراد بالإشمام في هذه الأفعال : أن ينحى بكسر أوائلها نحو الضمة، والياء نحو الواو، فهي حركة مركبة من حركتين كسر وضم "83، وذكر صورا أخرى لكيفية النطق به حيث قال : "ومنهم من قال : حقيقته أن تضم الأوائل ضما مشبعا، وقيل : مختلسا، وقيل : بل هو إيماء بالشفتين إلى ضمة مقدرة مع إخلاص كسر الأوائل"84.
ومزج حركة بأخرى بهذه الصورة يسمى عند المقرئين إشماما، وذهب مكي من النحاة القراء إلى أن هذه الظاهرة ليست إشماما ولكنه روم، قال : " فإذا وقعت الترجمة بالإشمام في المتحرك، فهو في الحقيقة روم، لأنه لا يسمع، نحو ترجمتهم الإشمام في (سيئت) و(قيل) وشبهه، هذا إشمام يسمع، فهو كالروم"85، وجعل تسمية ذلك إشماما يكون سائغا على مذهب الكوفيين الذين يسمون الروم إشماما والإشمام روما. قال: "وهي ترجمة على مذهب الكوفيين لأنهم يترجمون عن الإشمام الذي لا يسمع بالروم، ويترجمون عن الروم الذي يسمع بالإشمام الذي لا يسمع، فكأن الروم عندهم من قولك : رُمت فعل كذا وأنت لم تفعله، والإشمام من قولك : شممت كذا إذا وجدت ريحه. فذلك أمكن في وجود الفعل من الروم، فلذلك سموا ما يسمع بالإشمام، وما لا يسمع بالروم"86. وما ذهب إليه مكي في "الكشف" من إطلاق الروم على هذه الظاهرة هو على خلاف ما ذكره في "التبصرة" التي هي أصل "الكشف"، قال : "الروم يكون في أواخر الكلم، والإشمام يكون في الأواخر والأوئل والأواسط، ألا ترى كيف تشم السين من (سيئت) وهي أول، وتشم النون من (تامنا) وهي وسط، وتشم الدال من (نعبد) وهي آخر، ولا يجوز الروم إلا في الأواخر والأواسط السواكن"87. وكتاب"الكشف عن وجوه القراءات السبع" هو شرح لـ"التبصرة في القراءات السبع"، فلعل مكيا عدل في الشرح عما ذكره في الأصل فيما يتعلق بمصطلح الإشمام وصلته بالروم، والله أعلم. وتسمية الروم إشماما واردة عند المقرئين قال أبو شامة : "وهذا نوع آخر من الإشمام غير المذكور في الأصول، وقد عبروا عنه أيضا بالضم والروم والإمالة "88. فهذا النوع من الإشمام إذن مرادف للضم والروم والإمالة عند بعض المقرئين.
وذهب ابن كَيْسَان من الكوفيين إلى أن صوت الإشمام مسموع وصوت الروم غير مسموع، واحتج على ذلك بالاشتقاق. قال : "المعروف في كلام العرب أنك إذا قلت : رمت الشيء فمعنى ذلك أنك رمته ولم تصل إليه، وأنك إذا قلت : أشممت الفضة الذهبَ، فالمعنى أنك خلطتها بشيء منه، وكذلك أشممت الشيء النار، معناه أنلته شيئا منها، قال : وكذلك قولك : أشممت الحرف الحركة معناه أنلته شيئا من النطق بها. فإذا قلت : رمت الحركة، فمعناه أنك رمت النطق بها ولم تفعل"89. وما ذكره ابن كيسان صحيح في اللغة، وإن خالف ما عليه جمهرة النحويين البصريين، فابن كيسان والكوفيون يسمون ما يطلق عليه البصريون إشماما روما، وما يطلقون عليه روما إشماما، والمسألة لا تعدو كونها اصطلاحا. قال المهدوي : "وهذا الذي ذكره ابن كيسان صحيح في الاشتقاق، غير أن الذي ذهب إليه سيبويه وجميع النحويين غير خارج عن الاشتقاق، ومعنى قولهم : رمت الحركة أي رمت تناول إتمام الصوت بها، ومعنى أشممت الحرف الحركة أي أنلته شيئا من العلاج، وهو تهيئة العضو لينطق بها ولم ينطق، فهو موافق لما ذكره ابن كيسان من الاشتقاق ومخالف له في الحكم"90. وقال أبو شامة بعد ذكره مذهب ابن كيسان : "وزعم بعضهم أن ابن كيسان ومن وافقه من الكوفيين ترجموا عن الإشمام بالروم، وعن الروم بالإشمام، وزعموا أن ذلك أقرب إلى استعمال اللفظين في وضع اللغة، ولا مشاحة في التسمية إذا عرفت الحقائق"91.و لا يخفى ما في هذا الإطلاق من اضطراب، نعم لا شاحة في الاصطلاح لكن الأولى انفراد مدلول (خلط حركة بحركة) بدالّ واحد.
الثالث : "إخفاء الحركة، فيكون بين الإسكان والتحريك"92، ومثلوا له بـ(تأمنا) في قوله تعالى : (ما لك لا تأمنا على يوسف). وتسمية هذا إشماما هو ظاهر عبارة الداني في "التيسير" حيث قال : "وكلهم قرأ : (مالك لا تأمنا) بإدغام النون الأولى في الثانية وإشمامها الضم، وحقيقة الإشمام في ذلك أن يشار بالحركة إلى النون لا بالعضو إليها، فيكون ذلك إخفاء لا إدغاما صحيحا؛ لأن الحركة لا تسكن رأسا، بل يضعف الصوت بها، فيفصل بين المدغم والمدغم فيه لذلك، وهذا قول عامة أيمتنا، وهو الصواب لتأكيد دلالته وصحته في القياس"93.وهذا الوصف الذي ذكره الداني لكيفية النطق بـ(تأمنا) لا يصدق إلا على الروم الذي يعبر عنه تارة بالإخفاء، لقول الشاطبي :
"و(تَاْمَنُنَا) للكُل يَخفى مُفصَّلاَ"94
فهو في الحقيقة إشمام مجازي، وصورته في (تأمنا) النطق بثلثي الحركة مع الإدغام الناقص. وهذا الوجه- أي وجه الإخفاء أو الروم المعبر عنه عند الداني بالإشمام- هو أحد الوجهين الجائزين في هذه الكلمة للقراء العشرة سوى أبي جعفر، وهو الوجه المقدم في الأداء من طريق الشاطبية، ولم يذكر الداني في"التيسير"سواه، والوجه الآخر هو الإشمام الحقيقي مع إدغام النون الأولى في الثانية إدغاما تاما، والمراد بهذا الإشمام هنا ضم الشفتين مقارنا لسكون الحرف المدغم، وهذا الوجه هو اختيار ابن الجزري95.والإشمام الحقيقي هو الموافق لتعاريف العلماء للإشمام في الوقف على أواخر الكلم.
الرابع : "ضم الشفتين بعد سكون الحرف"96، هو عبارة عن ضم الشفتين من غير صوت بعد النطق بالحرف الأخير ساكنا إشارة إلى الضم، ولابد من إبقاء فرجة بين الشفتين لإخراج النفس. وضم الشفتين للإشمام يكون عقب سكون الحرف الأخير من غير تراخ، فإن وقع التراخي فهو إسكان محض لا إشمام معه. وهذا الإيماء بالعضو يُرى بالعين ولا يسمع بالأذن، ولهذا لا يأخذه الأعمى عن الأعمى، بل يؤخذ عن المبصر، بخلاف الروم. ويكون في المرفوع والمضموم، وروي عن الكسائي الإشمام في المخفوض، وحمل مكي ذلك على الروم، قال : "وأراه أريد به الروم؛ لأن الكوفيين يلقبون ما سميناه إشماما روما وما سميناه روما إشماما"97.
وهذا النوع الأخير من أنواع الإشمام هو الذي يذكره المقرئون في "باب الوقف" وفي "وقف حمزة وهشام"98.وهو إشارة بَصَرية لا صوتية، وفيه تتخذ الشفتان شكلا شبه دائري، كالشكل الذي يصاحب النطق ببعض الصوائت الخلفية وبعض الصوامت مثل:w-u 99
4-الروم
في اللغة طلب الشيء100، وفي الاصطلاح هو تضعيف الصوت بالحركة حتى يذهب معظم صوتها، ويبقى بعضها، فتسمع لها صويتا خفيا، وقدر العلماء ذلك بأن يأتي القارئ بثلث الحركة، فيسمعها القريب المصغي، ولو كان أعمى دون البعيد101، وقال الشاطبي :
وَرَومُكَ إسماعُ المُحرَّكِ واقِفاً بِصَوتٍ خَفِيٍّ كُلَّ دَانٍ تَنَوَّلاَ
وهو عند النحويين جائز في الحركات الثلاث، وعند القراء يجوز الوقف بالروم في المجرور والمرفوع والمكسور والمضموم، ويستوي في ذلك المخفف والمشدد والمهموز والمحقق والمنون إلا ما كان منه في الاسم المنصوب أو الاسم المقصور، فإن التنوين في هذين يبدل ألفا في الوقف، ولا يكون الوقف بالروم عند المقرئين في المنصوب والمفتوح؛ ووجهه خفة الفتحة وخفاؤها، فإذا خرج بعضها في حالة الروم خرج سائرها، ذلك أنها لا تقبل التبعيض، بخلاف الضمة والكسرة102 ، قال ابن بري :
فالروم إضعافك صوت الحركه من غير أن يذهب رأسا صَوْتُكَهْ
يكون في المرفوع والمجــرور معا وفي المضموم والمكســور
ولا يرى في النصـب للقراء والفتحِ للخفة والخفـــــاءِ
وقال الطيبي:
والروم الإتيان ببعض الكسرة وقفا وهكذا ببعض الضمة
وقد يطلق الروم عندهم ويراد به الإخفاء، أي إخفاء الحركة، لذا نجد ابن مالك يعرف الروم بقوله: هو " إخفاء الصوت بالحركة "103. وقال ابن الجزري : "وربما عبروا بالإخفاء عن الروم أيضا كما ذكر بعضهم في (تأمنا) توسعا"104. وذهب الداني إلى التسوية بين الإخفاء والروم حيث قال : "وأما المرام حركته من الحروف عند الوقف أو في حال الوصل فحقه أن يضعف الصوت بحركته أي حركة كانت، ولا يتم النطق بها فيذهب بذلك معظمها، ويسمع لها صويت خفي يدركه الأعمى بحاسة سمعه، وهو مع ذلك بوزن محرك، وكذا المخفي حركته من الحروف سواء"105.والذي دفع الداني إلى التسوية بينهما هو ملاحظته اشتراكهما في ضعف الصوت ووهنه، وإلا فهما في الحقيقة متباينان من وجوه، وهذا ما جعل ابن الجزري يتعقبه قائلا : "ووقع في كلام الداني في كتابه التجريد أن الإخفاء والروم واحد وفيه نظر"106.
والروم عند المحدثين هو اختلاس للصوائت القصيرة، واختصار في زمنها المعروف، أو تقليل في مدتها المعهودة عند التلاوة107.
وضبطا للاصطلاح، ورفعا للبس بين هذه المصطلحات المتداخلة فيما بينها أقترح ما يلي:
-جعل مصطلح الإشمام خاصا بـ"ضم الشفتين بعد سكون الحرف"، وهو المدلول الذي شاع على ألسنة المقرئين للدلالة على الإشمام، و"ضم الشفتين" هو الملمح الوحيد الدال على صوت الضمة بعد ذهاب الملامح الفسيولوجية والنطقية الأخرى108.
-جعل مصطلح الاختلاس خاصا بترك الصلة أي عدم تمديد الصائت القصير فيتولد عنه صائت طويل.
-جعل الإخفاء خاصا بالأصوات، وتقسيمه إلى إخفاء حقيقي يتعلق بمجاورة صوت النون الساكنة أو التنوين للحروف الخمسة عشر، وإخفاء شفوي يتعلق بمجاورة الميم الساكنة أو ميم الجمع لصوت الباء.
-جعل مصطلح الإشراب جامعا لمفهومي الإشمام:"خلط حرف بحرف" و"خلط حركة بحركة"، إذ الإشراب صفة لصوت مركب من صوتين، أي مخالط لهما، وما الإشراب في اللغة إلا مخالطة، وهذا المعنى نص عليه مكي بقوله : "فهي مشربة بغيرها وهي مُخالِطة في اللفظ لغيرها، وهي مخَالَطة؛ لأن غيرها يُخَالِطها في اللفظ" 109 .ومكي ذكر من بين الأصوات المشربة الصوت الذي بين الصاد والزاي وهو الصادق على مدلول"خلط حرف بحرف"، لكنه لم يذكر "خلط حركة بحركة"، إلا أن اللغة تسعفنا فيما ذهبنا إليه من اصطلاح.قال ابن فارس:"الإشراب: لون قد أشرب من لون، ...يقال: أُشرب فلان حب فلان إذا خالط قلبه.قال الله جل ثناؤه: (وأشربوا في قلوبهم العجل)."110.
-جعل مصطلح الروم جامعا لما فيه إخفاء للحركة وإضعاف لها، سواء ذهب معظمها أو أقلها.




مصادر ومراجع

- إبراز المعاني من حرز الأماني في القراءات السبع لعبد الرحمن بن إسماعيل أبي شامة (ت 665هـ)، تحقيق إبراهيم عطوة عوض. مطبعة مصطفى البابي الحلبي .
-الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواة وأصول القراءات وعقد الديانات بالتجويد والدلالات (منبهة أبي عمرو الداني) لأبي عمرو الداني (444هـ). تحقيق محمد بن مجقان الجزائري. دار المغني الرياض.ط:1 (1420/1999).
-إرشاد المريد إلى مقصود القصيد لعلي الضباع.تحقيق إبراهيم عطوة. مطبعة البابي الحلبي. بمصر.ط:1 (1404/1974).
- الإضاءة في بيان أصول القراءة لعلي الضباع. المكتبة الأزهرية للتراث.ط: 1 (1420/1999)
- الإقناع في القراءات السبع للشيخ الإمام أبي جعفر بن الباذش، حققه وعلق عليه الشيخ أحمد فريد المزيدي، قدم له عبد الرحمن حجازي. منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.ط:1 (1419/1999).
-البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي،مراجعة سليمان الشقر، ط:2، وزارة الأوقاف الكويتية، (1413-1992).
- التبصرة في القراءات السبع لمكي بن أبي طالب القيسي.تحقيق محمد غوث الندوي. الدار السلفية.الهند. ط:2. (1402/1982).
-التجويد القرآني دراسة صوتية فزيائية لصالح الضالع، دار غريب القاهرة، (2002).
-التحديد في الإتقان والتسديد في صنعة التجويد لأبي عمرو الداني، تحقيق عبد التواب الفيومي. ط:1. مكتبة وهبة بمصر (1993)
-التعريفات للجرجاني، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، ط:2، (1413/1992).
- التمهيد في علم التجويد لمحمد بن محمد بن الجزري، تحقيق غانم قدوري حمد مؤسسة الرسالة. ط:3. (1409/1989).
– التيسير في القراءات السبع، للإمام أبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، عني بتصحيحه أوتوبرتزل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. ط:1 .1416/ 1996 .
- جمال القراء وكمال الإقراء لعلم الدين السخاوي (643). تحقيق د.علي حسين البواب. مكتبة التراث مكة المكرمة.ط:1. (1408/1987.)
-الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني. تحقيق محمد علي النجار دار الكتاب العربي. بيروت. (1371/1952).
- الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة لمكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق أحمد حسن فرحات، دار المعارف للطباعة، (1393/1973).ودار عمار الأردن ط:4 ، 1422/2001
- سراج القارئ المبتدئ وتذكار المقرئ المنتهي لأبي القاسم القاصح، راجعه الشيخ علي محمد الضباع (وبذيله غيث النفع في القراءات السبع للصفاقسي). دار الفكر بيروت.(1415/1995).
-شرح الدرر اللوامع في أصل مقرإ الإمام نافع لأبي عبد الله المنتوري القيسي (834)، تقديم وتحقيق الصديقي سيدي فوزي. مطبعة النجاح الجديدة. ط :1 (1421-2001).
- شرح طيبة النشر في القراءات العشر لشهاب الدين بن الجزري (835هـ).ضبط وتعليق الشيح أنس مهرة.دار الكتب العلمية بيروت.ط:1. (1418/1997)
-شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ لابن مالك.تحقيق عبد الرحمن الدوري.مطبعة العاني بغداد. (1397/1977)
-صبح الأعشى في صناعة الإنشا لأحمد بن علي القلقشندي، تحقيق يوسف علي طويل، دار الفكر دمشق، ط:1 ، 1987
-الضوابط والإشارات لأجزاء علم القراءات لإبراهيم البقاعي، تحقيق محمد مطيع الحافظ، دار الفكر بدمشق، ط:1، (1416-1996)
- طبقات فحول الشعراء لابن سلام الجمحي (231هـ).دار النهضة العربية.بيروت.
-العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السمرائي. منشورات وزارة الثقافة بالعراق. 1982.
- غاية النهاية في طبقات القراء لمحمد بن محمد بن الجزري (ت833هـ)، عني بنشره برجستراسر دار الكتب العلمية ط : 3. (1402/1982)
- غيث النفع في القراءات السبع للصفاقسي (ينظر سراج القارئ المبتدي).
-فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال للشيخ الجمزوري، وهو بذيل الفوائد المفهمة في شرح الجزرية المقدمة لابن يالوشه الشريف.
-في سبيل العربية لهيثم الخياط مكتبة وهبة القاهرة مصر ط:4 (1425-2004).
-القاموس المحيط للفيروزبادي. دار الفكر 1983م.
- القواعد والإشارات في أصول القراءات لأبي الرضا الحموي. تحقيق الحسن بكار.دار القلم دمشق. ط :1.(1406/1986)
-كتاب سيبويه لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (180 هـ)، تحقيق عبد السلام محمد هارون مكتبة الخانجي بالقاهرة ط:3 ( 1408/1988م).
-كشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي. تحقيق لطفي عبد البديع وعبد النعيم حنين. راجعه أمين الخولي.الهيئة المصرية العامة للكتاب (1972)
- الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها لأبي محمد مكي بن أبي طالب (ت 437 هـ). تحقيق محيي الدين رمضان مؤسسة الرسالة .ط:5.(1418/1997).
-مبادئ اللسانيات لأحمد محمد قدور، دار الفكر دمشق، ط:2 (1419-1999)
- المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر بن مهران (381هـ) حققه سبيع حمزة حاكمي. دار القبلة جدة، ومؤسسة علوم القرآن بيروت لبنان ط: 2 (1408/1988).
-المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لابن الأثير، تحقيق : محمد محيي الدين عبدالحميد، المكتبة العصرية - بيروت ، 1995
- المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني. تحقيق عزة حسن.دار الفكر دمشق.ط:2 (1407/1986)
-المدارس الصوتية عند العرب النشأة والتطور لعلاء جبر محمد، دار الكتب العلمية بيروت لبنان. ط:1 (1427-2006)
- مرشد القارئ إلى تحقيق معالم المقارئ لأبي الأصبغ السماتي لأبي الأصبغ السماتي الإشبيلي،تعليق توفيق العبقري، مكتبة أولاد الشيخ للتراث (2004).
-المصطلح الصوتي في الدراسات العربية لعبد العزيز الصيغ، دار الفكر بدمشق، ط:1 (1421-2000).
- معاني القراءات لأبي منصور الأزهري. تحقيق أحمد فريد المزيدي.دار الكتب العلمية بيروت لبنان. ط:1 (1420-1999 ).
-المصطلح العلمي:مبادئ وتطبيقات شبكة تعريب العلوم الصحية بإشراف هيثم الخياط.منظمة الصحة العالمية، المكتب الإقليمي للشرق الأوسط، البرنامج العربي لمنظة الصحة العالمية 2006.
- معاني القرآن لأبي زكرياء يحيى بن زياد الفراء (207هـ).
-معجم مقاييس اللغة لابن فارس (395هـ).تحقيق عبد السلام هارون. دار الجيل بيروت. ط:1 (1411/1991)
-معجم علم اللغة النظري لعلي الخولي، مكتبة لبنان، (1402-1982).
-معجم علوم القرآن لإبراهيم الجرمي، دار القلم دمشق ط:1، (1422-2001).
- معجم مصطلحات علم القراءات القرآنية وما يتعلق به لعبد العلي المسئول (دار السلام للتوزيع والطباعة والنشر القاهرة ط:1 1428-2007)
-المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات (إنجليزي-فرنسي عربي)، مطبعة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس (1989).
- معيار العلم في المنطق لأبي حامد الغزالي تحقيق أحمد شمس الدين.دار الكتب العلمية لبنان بيروت ط:1 (1410-1990).
-المقتضب لأبى عباس محمد بن يزيد المبرد (ت 285هـ). تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، عالم الكتب بيروت (1963).
-منظومة المفيد في التجويد لشهاب الدين الطيبي. تحقيق أيمن رشدي سويد، الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة. ط : 1 (1417-1997)
-الموضح في التجويد لعبد الوهاب القرطبي، تحقيق غانم قدوري، دار عمار الأردن، ط:1، (1421-2000).
- الموضح في وجوه القراءات وعللها لابن أبي مريم الفارسي الفسوي. تحقيق ودراسة الدكتور عمر حمدان الكبيسي. وطبع طبعة أولى بعناية الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بجدة. (1414-1993 ).
– النجوم الطوالع على الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع، للمارغيني، دار الفكر، بيروت، لبنان.
- النشر في القراءات العشر لمحمد بن محمد الجزري (ت833هـ)، تصحيح علي محمد الضباع، دار الفكر بيروت.
- الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع لعبد الفتاح القاضي.مكتبة الدار المدينة المنورة.ط :6. (1415/1995).
 
موزعو منشورات نجيبويه
نظراً لمغالاة بعض المكتبات في أثمنة منشورات مركز نجيبويه فقد تقرر حصر التوزيع:
* في المملكة العربية السعودية بدار النشر الدولي في الرياض، ورقم هاتفها:
+96614642545 و +966504264958
* وفي المملكة المغربية بدار الجيل في الدار البيضاء، ورقم هاتفها:
212661173545+
وأيضًا عن طريق الأخ حسن تقي الدين في منطقة سوس ورقم هاتفه:
212670122779+
* وفي الجمهورية الإسلامية الموريتانية بشركة الكتب الإسلامية، ورقم هاتفها:
22237272726+ و 22246437178+

لصاحبها محمد محمود ولد جدو ولد مولود.

==========

علماً بأن المركز حدد الثمن الأعلى لكتاب التبصرة للإمام اللخمي، في المغرب بما لا يتجاوز (1000) درهم مغربي, وفي منطقة الخليج بما لا يتجاوز (500) ريال سعودي أو ما يعادله، وفي موريتانيا بما لا يتجاوز(40.000) أوقية موريتانية.
 
عودة
أعلى